رواية وبالعشق أهتدي (ميثاق الحرب والغفران 2) الفصل السادس 6 بقلم ندى محمود توفيق
رواية وبالعشق أهتدي (ميثاق الحرب والغفران 2) الفصل السادس 6 بقلم ندى محمود توفيق
رواية وبالعشق أهتدي (ميثاق الحرب والغفران 2) البارت السادس
رواية وبالعشق أهتدي (ميثاق الحرب والغفران 2) الجزء السادس
رواية وبالعشق أهتدي (ميثاق الحرب والغفران 2) الحلقة السادسة
راحت تلكز ابنها خفية في قدمه تحثه على فعل ما اتفقا عليه، لكن لم يجيب عليها وظل معلق نظراته النارية على ابنة عمته فعادت تلكزه مجددًا بقوة مما جعله ينفجر صائحًا بانفعال:
_في إيه ياما!!
انتفضت إنصاف زعرًا على أثر صيحته الغير متوقعة حتى أن غزل داهمها شعور بسيط بالقلق عندما رأت تعابيره النارية، أما ” علي ” فقد تجاهل اتفاقه مع أمه تمامًا وكأنه لم يكن وراح يتطلع لغزل بغضب هاتفًا في حدة:
_إيه اللي لبساه ده هي مش آسيا قالتلك أن إهنه معندناش حريم بتلبس الخلجات اللي كيف بِدل الرقاصات دي، انتي فاكرة روحك لساتك في امريكا!!
اتسعت عين غزل بذهول عندما سمعته يصفها ويصف ملابسها بالراقصات المنحرفات، فاشتعلت نظراتها بنيران الغيظ والعصبية حيث هبت واقفة وصاحت به منفعلة:
_I’ts not your business, وأنت انسان مش محترم
أظلمت عيناه بشكل مرعب أكثر بعدما صاحت بوجهه أنه ليس لديه الحق في التحكم بها وهذا لا يعنيه ووصفته بعدم الاحترام، فتقدم منها بخطواته المتريثة وهو يبتسم لها بغل، تراجعت هي للخلف ورفعت سبابتها في وجهه صائحة بصوتها الأنثوي الناعم:
_ stay away from me, i warn you ( ابتعد عني ، أنا أحذرك )
اتسعت بسمته المتوعدة لها وهو يجيبها بنظرة مميتة:
_مش أنا مش محترم وريني هتعملي إيه عاد؟!
وثبت إنصاف واقفة بخوف وراحت تمسك بذراع ابنها محاولة ردعه تجذبه للخلف صائحة به بحزم:
_” علي ” إيه اللي بتعمله ده بَعد إكده عن بت عمتك
التفت لأمه وهو يصرخ بعصبية:
_أنتي مش شايفاها ياما بتقول إيه.. هي دي اللي كنتي عايزاني اعتذر منها!!
كانت دماء غزل تغلي في عروقها من فرط الغيظ منه، والنقم يظهر بوضوح فوق تعابيرها الرقيقة فراحت تهتف له بحقد:
_barbaric
رقمها ” علي ” بنارية وتشنجت معالمه وأصبح وجهه وعيناها حمراء كالدم فراح يصيح بها بغيظ:
_يابت متچننيش عليكي ولمي لسانك
صرخت إنصاف بنفاذ صبر وهي تكبله بذراعيها تحاول منعه عنها:
_بزيادة يا علي هي قالتلك إيه يعني!!
_ بتقولي بربري وهمچي، دي ناقصة تربية وعايزة تتربى من أول وجديد
التفتت إنصاف لها ورمقتها بعتاب في إشارات منها تطلب منها الصمت وعدم لفظ أي كلمة أخرى لكن غزل لم تبالي واكملت صياحها وتهديدها لـ ” علي ” :
_أنا مش هسكت على أسلوبك الهمجي ده معايا وهقول لجدو وخليه هو يتصرف معاك عشان بعد كدا تتكلم معايا باحترام
رفع ” علي ” يده لوجهه يمسح عليه نزولًا للحيته البسيطة متمتمًا بهدوء مزيف يحاول تمالك أعصابه:
_اللهم طولك ياروح.. طيب يلا يابنت الناس اطلعي على اوضتك وغيري اللي لبساه ده من غير مشاكل
غزل بعناد وغضب وهي تنظر في وجهه بتحدي:
_لا مش هطلع ومش هغير وقولتلك ده ميخصطش البس اللي أنا عايزاه.. أنا دادي مش بيقولي البس إيه وملبسش إيه هتقولي أنت!
عض على شفاه السفلية مغتاظًا وراح يصيح دون وعي:
_عشان دادي بتاعك ده اااا….
توقف قبل أن يلفظ كلمته ويسب أبيها ويشتمه وتمتم وهو يتأفف ماسحًا على وجهه:
_هتخليني اغلط الله يسامحك.. اطلعي فوق وغيري يلا القرف ده قولتلك
صاحت به إنصاف مغلوبة من ابنها الذي لا يهدأ أبدًا:
_بزيادة يا علي.. أنت مالك صُح تلبس إيه ولا متلبسش إيه چدك لما ياچي هو يتكلم معاها
رمق أمه مندهشًا وقبل أن يجيبها انفتح الباب يعلن عن وصول حمزة الذي ركضت غزل إليه مسرعة وارتمت بين ذراعيه هاتفة بحزن وعبوس:
_كويس إنك جيت ياجدو في الوقت المناسب
تجول حمزة بنظره على وجوه ثلاثتهم بحيرة ثم لف ذراعه بحنو حول كتفي حفيدته وضمها إليه متمتمًا في اهتمام:
_مالك ياغزل إيه اللي حصل ياحبيبة چدك؟
أجابته بصوت ناعم وعينان دامعة:
_” علي ” كل ما يشوفني بيتكلم معايا بأسلوب مش محترم وبيزعق فيا
رفع حمزة رأسه وتطلع لحفيده بحدة ونظرة كلها عتاب ووعيد حقيقي له فقال ” علي ” بصرامة ولهجة مهذبة أمام جده:
_سبق وقولنالها ياچدي اللبس ده ميتلبسش إهنه وهي مصممة تلبسه ومش عاچبها لما بنقولها غيريه
خرج صوت حمزة صلب وعالي لا يقبل النقاش:
_أنا اللي أقول مش أنت.. أنت ملكش صالح بيها، ودلوك اعتذر من بت عمتك يلا
رأى في عين غزل نظرة نصر وشماتة فأظلمت عيناه وحاول إظهار الثبات الانفعالي قدر الإمكان وهو يجيب على جده بالرفض في أدب:
_اعتذر لما أكون على غلط ياچدي لكن أنا على حق، يعني أنا مبعتذرش من حد وابقى انصحها تلم لسانها شوية عشان مش كل مرة هعديها لما تغلط فيا
انهى عباراته واستدار يقود خطواته السريعة للأعلى حيث غرفته ولحقت به إنصاف وهي تضرب كف على كف، فقد فسدت خطتها وبدل من إصلاح علاقتهم تعقدت أكثر.
نظر حمزة لغزل وقال بجدية:
_تعالي معايا ياغزل عاوز اتكلم معاكي شوية!
***
داخل قاعة الأفراح حيث تقام حفلة خطبة بلال وحور…….
ارتفع صوت رنين هاتف آسيا وعندما نظرت في الشاشة رأت رقم مجهول دون اسم، تجاهلته وكتمت صوت الرنين واعادت الهاتف على سطح الطاولة مجددًا، لكن دقيقة بالضبط وعاد يصدح صوت الرنين مرة أخرى فتأففت بنفاذ صبر وقررت الرد على ذلك المزعج كما وصفته.
فتحت الاتصال ورفعت الهاتف لأذنها تجيب بحدة:
_الو مين ؟!
وصل لأذنها صوت خلود الخافت والمبحوح وهي تستنجد بها:
_أنا خلود يا آسيا الحقيني أبوس يدك
ارتخت عضلات وجهها وتحولت من الحدة للدهشة وراحت تتلفتت حولها تتأكد من عدم متابعة أحد لها وبالأخص زوجها وبسرعة هبت واقفة وقادت خطواتها السريعة باتجاه إحدى الزوايا المعزولة عن الناس والصوت بالقاعة من الخلف لتتمكن من التحدث براحة وعند وصولها قالت بقلق:
_مالك ياخلود الحيوان ده عملك إيه تاني؟
حاولت خلود كتم صوت بكائها وهي تهمس لآسيا في الهاتف بصوت يمزق القلب:
_قولي معمليش إيه، أنا خلاص يا آسيا لو ملقتش طريقة اهرب بيها منه هموت نفسي وارتاح، امبارح حاولت اهرب بس مسكني وحبسني في الأوضة من وقتها من غير وكل ولا شرب وأنا قدرت اخد التلفون من غير ما يحس عشان اكلمك
صاحت آسيا بعصبية وحقد:
_ده بني آدم مريض مستحيل يكون طبيعي، انتي من امبارح من غير وكل ولا شرب؟!
ردت خلود بالإيجاب وهي تتوسلها بعجز:
_أيوة.. أبوس يدك يا آسيا انقذيني منه قبل ما يخلص عليا
مسحت آسيا على وجهها وهي تتنهد الصعداء بضيق وتردف بقلة حيلة:
_هساعدك ازاي يا خلود ، أنا وعمران من وقت ما چيت عندك البيت واحنا مش بنتكلم وأنا سايبة البيت وقاعدة في بيت أبوي ولو عرف أني كلمتك بس تاني القيامة هتقوم
ظهر صوت بكائها أخيرًا ممزوج بخوفها ورعبها وهي تجيب على آسيا باستسلام:
_خلاص يا آسيا أنا هتصرف وهحاول الاقي طريقة، وأنا مش عارفة اشكرك كيف أنك چيتي لغاية عندي المرة اللي فاتت وبتردي عليا رغم كل اللي عملته معاكي وحاولتي تساعديني على قد ما تقدري
لأن قلبها واشفقت على حالتها البائسة فأخذت نفسًا عميقًا وهتفت بجدية ولهجة قوية:
_طيب بصي ياخلود أنا هحاول اساعدك والاقي حل وهتصرف بس متتصليش بيا تاني غير للضرورة احسن الحيوان اللي عندك ده يعرف ويعمل فيكي حاچة تاني
ظهر شبح بسمة خلود الفرحة وهي تجيب على آسيا بامتنان:
_حاضر وشكرًا قوي يا آسيا
كادت آسيا أن تجيب وتنهي الاتصال لكنها انتفضت بأرضها على أثر ذلك الصوت الرجولي المهيب من خلفها وهو يسألها بحدة:
_بتعملي إيه إهنه وبتكلمي مين؟!
انزلت الهاتف فورًا من فوق أذنها باضطراب عندما أدركت من صوته أنه عمران، استدارت له بجسدها في بطيء وتطلعت في عيناه السوداء الثاقبة وهي تزدرد ريقها بصعوبة، ثم خرج صوتها خافت تجيب على سؤاله:
_بكلم أمي
هتف عمران بعينان حادة النظر:
_ومتكلميش أمك من مكانك هناك ليه.. إيه اللي چايبك إهنه؟
سيطرت على ارتباكها من حصاره لها واردف بخنق ولهجة منزعجة:
_مش سمعاها ياعمران چوا بسبب الأغاني، هو تحقيق ولا إيه!!
تحركت بخطوتين تنوي الفرار من ذلك الحصار قبل أن يكشف أمرها لكنه قبض على رسغها يوقفها مكانها متمتمًا:
_أنا لساتني مخلصتش كلامي!
تأففت بصوت عالٍ وادبرت بوجهها للجهة الأخرى عنه قبل أن تعود له وتقول بغضب:
_وانا خلصت ومعدش في حاچة نتكلم فيها
أحكم قبضته حول رسغها ثم التفت حوله يتأكد من خلو المكان من أي أنظار تتابعهم، والخطوة التالية كانت مفاجأة لها حيث لف ذراعه الثاني حول خصرها وجذبها إليه لتلتصق بصدره، فشهقت بفزع ورفعت رأسها تتطلع لوجهه بدهشة.. كان فرق الطول بينهما ملحوظ جعلها كالعصفور الصغير بين ذراعيه، ولم تلبث لتحاول الفرار منه حيث وجدته يهمس بنظرة ذات معنى:
_تخلص لما أقول أنا خلصت
تلوت كالأفعي بين ذراعيه محاولة الإفلات من قبضته لكن دون جدوى فقالت بغيظ منه متعمدة إثارة جنونه:
_أنا عاوزها تخلص مش كل حاچة هتمشي على كيفك، أنت مش هتخوفني بالشويتين اللي بتعملهم دول ومش فارق معايا ومش عاوزاك ياعمران ومش هرچعلك لغاية ما تعرف قيمتي زين
رأت ظلام لا يبشر بالخير في عينيه وهو يصر على أسنانه مغتاظًا ومتوعدًا لها، كل ما أدركته بتلك اللحظة أنها أن لم تفر هاربة من بين يديه ستكون العواقب وخيمة ولكن هيهات أن تفعل، فوجدته يجذبها خلفه بقوة باتجاه غرفة كانت بالقرب منهم مباشرة وفتح الباب ودفعها بلطف للداخل فدخلت والتفتت حولها بارتيعاد وهي تتساءل ” ماذا سيفعل بي هل سيعلقني بالسقف ويتركني معلقة أم ماذا؟ ” وجدته يتقدم منها بخطوات متريثة أسقطت قلبها من بين أضلعها وأخذت تتقهقهر للخلف حتى وصلت لطريق مسدود وهو الحائط فنظرت له وقالت بشقعريرة:
_عمران بلاش جنان وفضايح وخليني اطلع!
لم يكترث لها وتابع تقدمه منها حتى وصل لها مباشرة ووقف أمامها ينظر لها بأعين زادت من دقات قلبها خوفًا منه، كان ينوي أن يعاقبها حقًا لكن بذلك القرب وجد أنه يعاقب نفسه ونيران شوقه لها الذي كان يحاول اطفائها اشتعلت والتهبت في صدره، فطال تمعنه بها بنظرات تحولت من الغضب إلي الهيام والشوق، أما هي فقد حدقته بحيرة وعدم فهم من تحول تعبيرات وجهه فجأة، وبينما كانت على وشك أن تدفعه بعيدًا عنه وتستغل الفرصة لتفر فات آوانها وسقطت أسيرة بين ذراعيه وهو يغدق عليها دون بخل بشوقه وحبه لها، فابحرت معه في محيط عشقهم العميق معلنة عن رفع راية استسلامها بشوقها له أيضًا، لم ينتشلهم من سيل المشاعر الجارف ذلك سوى سماعهم لصوت خطوات أقدام تتحرك بالخارج، فانتفضت وابتعدت عنه بتوتر وخجل، مال هو على النافذة خلفها يزيح الستار قليلًا ينظر بطرف عينه فرأي رجل يتحدث في الهاتف ويتجه بخطواته لمكان آخر، هدأ توترها عندما تأكدت من عدم وجود أحد وراحت تتطلع له بأعين تقول الكثير وهي ترى في عينيه الرغبة في المزيد فابتسمت بثقة ونصر وهي تهمس مربتة فوق صدره:
_للدرچة دي مش قادر على بعدي، لا واضح الصراحة مين اللي هيفضل ثابت للنهاية
انحنى عليها ناحية أذنها وهمس بنبرة رجولية قشعرت بدنها:
_احنا مش في سباق ياغزال.. يعني احمدي ربك أني اكتفيت بده بس.. أما راسك الناشفة دي لو ملينتهاش بمزاچك هكسرهالك
مال ثغرها للجانب في بسمة مغرمة وملتذذة ثم طالعته بتحدٍ وأخرجت منديل من حقيبتها الصغيرة ووضعته بكفه متمتمة في غنج أنثوي وعنجهية جميلة:
_طيب خد امسك يامعلم.. امسح بقايا ثباتك العاطفي أمام غزالك كتلة الچمال الصارخ
اخفض نظره للمنديل الورقي الذي بيده ورفع رأسه مجددًا يتابعها وهي تبتعد عنه تغادر الغرفة بكل دلال وثقة وهي تلتفت برأسها لها وتبتسم بثقة، فلم يتمكن من كبح بسمته هو الآخر على عباراتها الأخيرة وراح يرفع منديلها يمسح بقايا آثر الحرب الغرامية التي كانت بينهم منذ قليل وبعدما انتهي القى بالمنديل في سلة القمامة وخرج خلفها، وجدها ذهبت وجلست على مقعدها فالتفتت هي برأسها للخلف ورأته وهو يتقدم بهيبته الرجولية متحركًا تجاه باب القاعة مرة أخرى وبيديه يهندم من عباءته بوقار، فابتسمت له بلؤم وحب وزادت ضحكتها عندما رأته يرمقها بطرف عينيه وهو يسير رافعًا حاجبيه وعلى تعابيره بسمة خفية لم يلاحظها سواها.
***
عودة لمنزل خليل صفوان داخل غرفة الجلوس الكبيرة حيث يجلس كل من الجد حمزة وغزل……
كانت تجلس أمام جدها بهدوء تام وتفرك أصابعها ببعضهم بتوتر، وبين كل لحظة والأخرى تتطلع لجدها بترقب منتظرة منه أن يبدأ حديثه الذي شعرت بأنه سيكون توبيخ قاسي، لكنه ادهشها عندما قال بكل حنو:
_مالك خايفة مني إكده ليه هو أنا هعلقلك المشنقة ولا إيه، ارتاحي أنا عايز اتكلم معاكي وندردش شوية
ابتسمت له برقة وتمتمت وهي توميء برأسها بالإيجاب:
_اتفضل
أخذ حمزة نفسًا عميقًا وهو يعتدل ليجلس بكل وقار ويتطلع في حفيدته مطولًا بجدية حتى قال في صوت غليظ:
_اسمعي يا غزل ياحبيبتي إهنه مش أمريكا، وأنا مليش صالح بابوكي كان بيسمحلك بإيه ولا مبيسمحلكيش بإيه، انتي بعد موت أمك الله يرحمها أبوكي اللي رباكي ودلوك هو بعتك عندي عشان اراعيكي وتقعدي وسط ناسك واهلك لأنه مش فاضي بسبب شغله، فإهنه العيشة تختلف واصل عن هناك، انتي دلوك في الصعيد واحنا معندناش حريم بتطلع على البلكونة بس من غير طرحتها فاهمة قصدي
سكت للحظة ثم تابع بحدة بسيطة:
_صحيح أنا مش عاچبني اسلوب ” علي ” وطريقته معاكي بس هو عنده حق وميصحش يابتي تطلعي بالخلچات دي قصاد الكل إكده وإهنه في ولاد عمك رچالة.. چلال و” علي ” بذات ده لساته حتى متچوزش مينفعش يابتي تطلعي وتدخلي قصاد الكل إكده مش الغريب بس
عندما ذكر نقطة عدم زواج “علي ” لا تعرف لماذا قذف بعقلها فورًا الأفكار السيئة وراحت تضع كفيها فوق صدرها برعب وهي تهتف:
_oh my god.. يعني هو ممكن يحاول يقربلي أو يأذيني
ضيق حمزة عينيه بتعجب وسرعان ما هتف بغضب بسيط ولهجة صارمة اربكتها:
_عيال عمك متربين احسن تربية ورچالة مفيش واحد فيهم يقدر يبصلك بصة عفشة يعني أنتي بنسبالهم كيف أختهم
شعرت غزل بأنها أخطأت فيما تفوهت به عندما رأت غضب جدها واكتفت بهز رأسها بتفهم وهي تطرق رأسها أرضًا احراجًا واضطرابًا منه، ثم وجدته يكمل بحزم ولهجة لا تقبل النقاش:
_مش عاوز اشوفك لابسة الخلچات دي تاني، ولو معندكيش حاجة زينة وحشمة قولي لآسيا وهي تديكي أو تطلعي وتشتري اللي تحبيه، تمام ؟
رغم أن تلك القوانين والأوامر المعقدة لم تعجبها لكنها لم تصدر أي صوت وأبدت عن موافقتها واستسلامها التام لأوامر جدها، ثم استقامت واقفة وودعته بتهذيب قبل أن تترك الغرفة وتغادر متجهة لغرفتها بالأعلى وهي منزعجة.
***
بمكان آخر داخل أحد مراكز التجميل، كان يقف بلال بالخارج أمام باب الغرفة التي تتجهز بها حور، وبين كل لحظة والأخرى يتفقد ساعة يده بعدم صبر، لم يعد بإمكانه الانتظار اكثر حيث راح يقترب من الباب ويطرق عليه بقوة هاتفًا:
_هو انا هقعد مستني إكده كتير ولا ايه، يلا ياحور
رتب بشار على كتفه وهو يضحك بمرح:
_اصبر يا روميو متصربع على إيه
التفت بلال برأسه يحدقه بغيظ وهو يجيبه:
_مش وقتك خالص والله يابشار
اقترب بشار منه وهمس بابتسامة عريضة:
_انت ناوي تقولها امتى في قاعة الفرح قدام المأذون ولا إيه؟!
رد بلال بنبرة متوترة وهو يضحك:
_هقولها دلوك وربنا يستر بس هي تطلع الأول
كبحوا هم الاثنين ضحكتهم بصعوبة وبعد دقائق قصيرة خرجت أخيرًا فتاة من الداخل وهي تخبره أن العروس جاهزة فابتسم لها وشكرها ثم اسرع لها بالداخل وظل بشار بالخارج ينتظره.
تسمر بأرضه وعلى ثغره ابتسامة بلهاء كلها غرام وفرحة ودهشة بجمالها الملائكي وهي ترتدي فستان هاديء من اللون الأزرق وتزين ملامحها الطفولية بمساحيق الجمال البسيطة التي زادتها رقة وجمالًا، ظل مكانه يتأملها بعينان تتفحصها بكل دقة وهيام مما جعلها تجفل رأسها أرضًا خجلًا وهي تبتسم وتهتف:
_بلال مش كفاية ولا إيه يلا بينا؟
تقدم منها بخطوات بطيئة دون أن يزيح بنظراته العاشقة عنها حتى وقف أمامها مباشرة ومد يده ليحتضن يدها الناعمة بين كفه الصلب وهو يتطلع في عيناها ويهمس بإعجاب شديد:
_إيه الچمال ده ياحوريتي، الازرق ده إثبات يعني على أن حورية من البحر خطفت قلبي، طب اخدك واطلع بيكي قصاد الخلق كيف أنا دلوك.. ده أنا عايز احطك في قلبي واقفل عليكي عشان محدش غيري يشوفك
سحبت يدها من كفه ببطء وهي تضحك بخجل شديد وقد تلونت وجنتيها بالأحمر الجميل وراحت تهتف في رقة دون أن ترفع نظرها في وجهه:
_بس بقى يا بلال كسفتني الله، وبعدين مينفعش تمسك إيدي كدا لسا لما نكتب الكتاب
مصمص شفتيه بسكون مريب وهو يبتسم بطريقة غريبة ثم قال في بلاهة ومرح:
_يقطعني هو انا مقولتلكيش ولا إيه؟!
تجمدت معالم وجه حور واختفت بسمتها فورًا بارتيعاد وراحت تسأل بتردد:
_مقولتليش ايه؟
تنحنح برجولية وهو يبتسم لها بحب ويقول في حماس:
_قبل أي حاچة أنا عايزك تتمالكي اعصابك وتهدي خالص، وتعرفي اني بحبك وعشان إكده قررت افاچئك
صاحت به مغتاظة وبخوف وتوتر شديد بعدما تذكرت اجراءات الزواج التي انهتها من يومين معه وبسبب قلة خبرتها وسذاجتها هو أقنعها أنها تتم قبل الزواج بفترة كبيرة:
_متقولش أنك عملتها برضوا يا بلال.. متقولش
صاح هو الأخر محاولًا كبح ضحكته:
_ ما أنا لازم اقول.. المأذون مستنينا في القاعة، وأمك وابوكي واخواتك والناس كلها عارفة أنا بس حبيت اعملها مفاجأة ليكي ومقولكيش
صاحت بخوف طفولي وهي ترمقه شزرًا:
_هي دي حاچة تتعمل مفاجأة.. متفكرش تاني أبدًا يابلال تفاجئني، ازاي بابا وماما ميقولوش ليا يعني، وأنت چاي دلوقتي تقولي دي خطوبة وكتب كتاب أنت أكيد مش طبيعي
رغم اضطرابه من انفعالها وخوفه إلا أنه كان يحاول منع ضحكته بصعوبة والتصرف بكل جدية وهو يقول لها:
_أنا متفق مع أبوكي نخليها مفاجأة ليكي اهدي في إيه؟!
حور بعصبية وهي تبتعد عنه وتدور في خطوات دائرية حول نفسها:
_اهدى ازاي يعني أنت عايز تفهمني أن بعد كام ساعة هتجوز وتقولي اهدى لا ده أنت عايز تجنني، احنا متفقناش على كدا.. واقولك على حاجة أنا مش هتجوز خالص ولا هحضر افراح وهروح اقلع البتاع اللي لبساه ده ومشي الناس اللي في القاعة دي كمان
اتسعت عين بلال بصدمة وبسرعة أسرع نحوها وهو يمسك بيدها يحاول تهدأتها وسط ضحكته القوية:
_لا أبوس يدك مش وقت چنان خالص، بعدين ايه مش هتچوز دي.. ده أنا اخطفك واكتب عليكي غصب، بعد الصبر ده كله والمصاريف والليلة اللي أنا عاملها وتقوليلي مشي الناس، صلي على النبي كدا يابنت الناس واستهدي بالله
جذبت يدها من يده بقوة وهي تقول بغيظ:
_عليه الصلاة والسلام وبرضوا مش هتجوز يا بلال
مسح على وجهه وهو يتأفف بقلة حيلة مستغفرًا ربه ويجيبها بابتسامة دافئة محاولًا إقناعها:
_ياحبيبتي هو أنا بقولك هكتب عليكي واخدك على بيتي ما احنا هنخلص ليلتنا وهترچعي بيت أبوكي عادي، احنا بس هنكتب الكتاب عشان ناخد راحتنا ونستمتع بفترة خطوبتنا من غير ما نكون بنعمل حاچة حرام، ده انتي مش عايزاني أمسك يدك وبتقوليلي بعد كتب الكتاب ادينا هنكتبه عشان امسكها عاد
رفعت حاجبها وقد هدأت ثورتها وهيجانها وراحت تجيبه بتهكم:
_ياسلام يعني أنت هتكتب الكتاب عشان تمسك إيدي بس!!!
بلال بملامح وجه عابثة:
_مش أوي يعني بس ماشي، بعدين انتي مسكتي في الكلمة ليه!!
ثم بدل تعابيره بلحظة لأخرى حازمة ورجولية قوية وهو يمسك بذراعها ويقول بلهجة آمرة تضمر في ثناياها الحنو:
_انا هفضل ادادي فيكي إكده كتير ولا إيه والناس مستنية، ولا عاوزة الخلق تاكل وشي، اتحركي يلا أنتي هتتچوزي عفريت يعني ولا أنا همارس عليكي أساليب التعذيب أول ما تبقي مرتي
زمت شفتيها باستسلامها في حزن ورعب فوجدته عاد ليبتسم لها بغرام ويعلق ذراعها بذراعه هامسًا لها في نبرة تذيب القلب:
_كلها دقايق وتبقي حلالي ومرتي ياحوريتي، اضحكي بقى بالله عليكي وإلا والله امشي المأذون خالص لو مش عايزة نتچوز.. هاا امشيه؟؟
لوت فمها وهي تهز رأسها له بالرفض معبرة عن موافقتها أخيرًا ورغبتها في أن تكون زوجته، فاستحوذه الحماس والفرحة وانحنى عليها دون وعي ينوي احتضانها وتقبيلها فتراجعت للخلف فورًا وهي ترمقه بحدة وذهول، فتدارك نفسه فورًا وهو يتنحنح بإحراج ويهمس معتذرًا بضحكة ساحرية:
_لا مؤاخذة عاد الحماسة خدتني ونسيت نفسي، أنا مش عارف أنا مستعچل على إيه ما كلها شوية واحضنك براحتي
ابتعدت بوجهها ومالت للجهة الأخرى وهي تضحك بصمت عليه في خجل ثم قادت خطواتها معه للخارج لتجد عائلتها بانتظارها بالخارج واستقبلوها بالزغاريد والهتافات والتهنئات في فرحة غامرة، وفعلت مثلهم عفاف التي احتضنتها بقوة وهي تهتف لها من بين كلماتها بأنها أخيرًا ستصبح زوجة ابنها، أما هى فكانت في حالة ذهول وارتباك شديد مازالت حتى الآن لا تستوعب أنها ستصبح زوجته بعد دقائق، ومع ذلك حاولت التحكم بدقات قلبها والتشبث به بقوة وكأنها تستنجد به لينقذها من نفسها ويهدأ من روعها، وبالفعل شعر هو بقدر خوفها وتوترها فمسح على يدها بدفء وانحنى عليها يهمس في اذنها بعشق:
_اهدى متتوتريش مفيش حاچة أنا چارك أهو
رفعت نظرها له وابتسمت له بعينان تفيض حبًا ووجه ينضج باللون الأحمر من فرط الخجل.
***
داخل قاعة الأفراح بعد وصول العروسين والانتهاء من مراسم الزواج كاملة وسط التهئنات الهتافات العالية من الجميع وتوتر حور الشديد المحلوظ على ملامحها رغم أن بلال كان يحاول قدر الأمكان تهدأتها وهو لا يطيق الانتظار حتى ينتهي ذلك الحفل ويجلس مع زوجته وحدهم لأول مرة.
لمح بشار رحاب وهي تجلس على إحدى الطاولات بجوار أمها وشقيقتها وزوجة عمه إخلاص، فأخذ نفسًا عميقًا وتحرك بالقرب منهم وهو يثبت نظره عليها وفور رؤيتها له وجدته يشير لها بأن تأتي خلفه، فهمت أنه يريد التحدث معها حول ما حدث بصباح الأمس، فتنهدت الصعداء مغلوبة وهي تزفر في ضيق وتوتر لكنها حاولت الحفاظ على مظهرها الطبيعي أمام الجميع واخبرت والدتها بكل هدوء أنها ستذهب للحمام، فاستقامت واقفة وتبعته بخطواتها الرقيقة وهي تتلفت خلفها نحو أمها لتتأكد من أنها لا تراقبها وفورًا أسرعت في خطاها حتى وصلت له ووجدت نفسها بمكان بعيد عن الأنظار خلف القاعة وهو يقف أمامها واضعًا كفيه في جيب بنطاله وينظر لها بجدية هاتفًا:
_هاا أنا سامعك؟
تنحنحت رحاب بارتباك وردت عليه ببلاهة متصنعة:
_سامعني في إيه.. ليه طلبت نتكلم إهنه يابشار؟
انفجر بها فجأة بعصبية يقول:
_رحاب متعمليش نفسك عبيطة.. إيه اللي وداكي تقابلي ال**** خطيبك ده في مكان زي إكده ومن غير ما تقولي لحد
انتفضت مفزوعة على أثر صرخته بها وابتلعت ريقها بخوف بسيط وهي تجيبه بصوت يكاد لا يسمع في حزن:
_هددني أني لو مرحتش اقابله هيعملي مشاكل وهيقول لناسي على حچات حصلت بينا وهي محصلتش
باللحظات الأولى رأت الدهشة تعتلي ملامحه لكن سرعان ما تحولت لسخط ونظرات مريعة زادت من دقات قلبها التي لا تتوقف عن الضرب في صدرها بعنف، وراح يصيح بها منفعلًا:
_وانتي طبعًا سمعتي كلامه وروحتي، أنتي عارفة أنا لو مكنتش لحقتك كان هيعمل فيكي إيه!!!
ظهر وجوم ملامحها وهي تطرق رأسها أرضًا وتهز بالإيجاب كرد على عبارته الأخيرة وسط دموع عيناها السابحة ثم ردت عليه في صوت مبحوح دون أن ترفع رأسها وتنظر لوجهه:
_كنت عاوزني اعمل إيه يعني يا بشار ملقيتش حل تاني غير أني اروحله
لم تهدأ عاصفته بل ازداد هيجانه أكثر وهو يكمل صياحه الغاضب بها:
_كنتي تقولي لأمك مثلًا ومتروحيش أو على الأقل لما شوفتك وسألتك رايحة وين كنت تعرفيني، مش تكدبي عليا عشان معرفش حاچة، أنتي دماغك كانت وين!!
سالت دموعها بغزارة فوق وجنتيها ورفعت رأسها له تصيح هي الأخرى بامتعاض شديد:
_حُصل اللي حُصل يابشار وخلاص وشكرًا إنك نقذتني منه، المرة الچاية ابقى سيبني عشان اتحمل نتائچ قراراتي الغبية
استدارت وكانت تنوي الرحيل لكنه قبض على ذراعها يوقفها عنوة، وزمجر بها بغيظ:
_ده أنتي غبية صُح.. إيه اللي بتقوليه ده اوزني كلامك قبل ما تقوليه مش أي حاچة تتقال
رفضت النظر لوجهه وظلت تنظر للجهة الأخرى بعيدًا عنه حتى سمعته يقول بخشونة:
_امسحي دموعك دي
نظرت له بنفاذ صبر وغيظ بسبب لهجته الآمرة حتى في أكثر عبارة لا يجب أن يتم الأمر فيها، وراحت ترفع أناملها تجفف دموعها بقوة وهي تقول له بخنق:
_أهو مسحتها حلو إكده! .. ممكن تسيب يدي عاد عشان ارچع
تنهد الصعداء وهو يلوى فمه بعدما نظر ليده الممسكة بذراعها بقوة وتملك، فتنحنح بإحراج بسيط وتركها بكل هدوء وحاول الحفاظ على ثباته وهو يسألها بجدية:
_أنتي أكيد مش ناوية تكملي معاه وهتفسخي الخطوبة؟
أخذت نفسًا عميقًا مجيبة بجدية تامة:
_أيوة أنا كنت ناوية افسخها من بدري بسبب أني مش مرتاحة معاه ولما قولتله إني هفسخ الخطوبة بعدها طلب يقابلني
رغم أنه لم يعد متاحًا لها كالسابق والآن مرتبط لكن لا يعرف لماذا قلبه تراقص فرحًا بعدما أعطته بشرى انفصالها ولا إداريًا ظهرت بسمة غامضة على ثغره تبعها صوته المهتم وهو يحذرها:
_طيب مترديش عليه واصل تاني وابعدي عنه نهائي ولو ضايقك في أي حاچة تاني قوليلي ومتتصرفيش من نفسك تاني يارحاب
حلقت الفراشات في معدتها بشعور غريب يداهمها للوهلة الأولى وهي الأخرى ابتسمت له لا إراديًا بعينان تقول الكثير وبينما كانت على وشك الرد عليه، صدح صوت هاتفه فاوقفها عن الحديث وعندما أخرجه ونظر لشاشته لمحت هي اسم “مريم” خطيبته، فتلاشت ابتسامتها واختفت تمامًا وظهر العبوس عليها وهي تهتف له بحزم بسيط:
_طيب أنا هسيبك ترد على خطيبتك سلام
راقبها بنظراته الحائرة وهي تبتعد عنه وأخذ ينقل نظره بينها وبين الهاتف بخنق، فهو الآن في وضع لا يحسد عليه ولا يعرف حتى ماهو التصرف الصحيح في مثل هذه المواقف وكأنه يحتاج لمن يرشده.. هل يعود لمالكة قلبه أم يكمل مع الفتاة الذي اختارها عقله ولا يتمكن من مبادلتها نفس المشاعر؟ .
***
تحديدًا بالطاولة التي يجلس حولها كل من إخلاص وفتحيه وبناتها، انحنت إخلاص على أذن ” منى” التي كانت بجوارها مباشرة وهمست لها في خبث:
_چهزتي نفسك وشنطتك لبكرا ؟
هزت منى رأسها بالإيجار وهمست لها هي الأخرى بيأس:
_ايوة بس تفتكري يامرت خالي عمران هيوافق أصلًا ولا هيچيب نتيچة
نظرت له إخلاص بقوة وقالت في حقد:
_طبعًا هيچيب بقولك اللي ما تتسمى آسيا مهملة البيت وهما الاتنين في بينهم مشاكل وممكن يتطلقوا
اتسعت عيني منى بدهشة وتهللت اسراريها وراحت تسألها بفرحة:
_تفتكري هيطلقوا صُح يامرت خالي؟
رفعت إخلاص يديها للسماء تدعي من قلبها:
_يسمع من بوقك ربنا، عشان اخلص من العقربة بت چليلة دي واچوز ولدي ست ستها واحدة تليق بيه كيفك إكده
أجفلت منى نظرها أرضًا وهي تبتسم بحياء وسعادة وقد عاد الأمل يجد طريقه لقلبها من جديد في الحصول على عمران.
***
بمكان آخر بمنزل جلال الجديد كان يجلس هو على أحد المقاعد الخشبية القديمة كان يستخدمها العمال أثناء توضيب الشقة، وبينما يتمعن النظر في المنزل ويتفحصه كليًا بابتسامة واسعة ودافئة، استقام واقفًا وقاد خطواته باتجاه غرفة أولاده يتفحص افرشتهم الجديدة التي اشتراها اليوم من ضمن تجهيزات المنزل حتى لو لم يشتري كل شيء الآن لكنه سيكمل خلال الأيام القادم وسيملأ منزلهم بكل شيء يتمناه أولاده وزوجته، خرج من غرفة أولاده وتحرك نحو غرفة نومه وكان يوجد بها أيضًا فراش كبير وعريض فتقدم يجلس فوقه وشرد بعقله متذكرًا إياها عندما كانوا هنا.
وقفت فريال وراحت تتجول بنظرها في الغرفة بحماس وهي تقول بسعادة لم يراها على وجهها من قبل أبدًا واخذت تشير بسبابتها على كل مكان متزامنًا مع كلماتها:
_إهنه هنحط السرير وإهنه الدولاب وعاوز يكون في المكان ده في انتريه صغير ومش عاوزة تسريحة عاوزة مراية تكون بطول الحيطة ومكتب صغير عشان احط فيه وفوقه حاچتي
ثم التفتت له بعدما انتهت من حديثها ورغباتها وامنياتها وقالت له مبتسمة:
_إيه رأيك؟!
ابتسم لها بعشق وانحنى عليها يعانقها من الخلف وهو يلثم رقبتها بعدة قبلات حميمية متمتمًا:
_رأي في إيه.. سبق وقولتلك ملكيش صالح بيا واصل البيت ده انتي اللي هتختاري فيه كل حاچة، انتي اتمنى بس وأنا هحقق يافريالي
ابتعدت عنه واستدارت له ترمقه بعينان لامعة تفيض غرامًا وعانقته بحرارة وهي تقبله بكل مكان تطوله شفتيها وسط همسها له بكلمة واحدة ” بحبك “، ثم ابتعدت عنه وجذبته من يده للخارج كطفلة صغيرة تريد أن تعرض على والدها شيء أعجبها وهي تقول له بحماس جميل:
_تعالي يلا اقولك عايزة المطبخ يكون كيف.. أنا مش مصدقة أن أخيرًا هيكون ليا مطبخ وحدي وهطبخلك واعملك كل الوكل اللي بتحبه براحتي
ضحك بقوة هاتفًا في مرح ولؤم:
_أيوة هو ده الدلع اللي أنا مستنيه، ولما ادخل الاقيكي لابسة فساتينك القصيرة اللي مبشوفكيش بتلبيسها خالص
توقفت والتفتت له بكل دلال وراحت تقترب منه وتلف ذراعيها حول رقبته متمتمة في دلع أنثوي مثير:
_هلبسلك كل حاچة وكل يوم هتلاقيني بحاچة چديدة تخطف عقلك
فاق من شروده وهو على ثغره نفس البسمة الهائمة ودون تفكير اخرج هاتفه واجري اتصال بها ووضعه على أذنه ينتظر ردها بلهفة وفور سماعه لصافرة فتح الاتصال قال:
_فريالي
سمع صوتها الناعم تجيبه:
_أيوة ياچلال
رد عليها بنبرة ذائبة من فرط الغرام:
_عيون چلال وقلبه
رفعت حاجبها باستغراب وسط بسمتها التي شقت طريقها لثغرها، وبكل هدوء استقامت واقفة من جانب آسيا وابتعدت عن مسامعها لتجيبه وهي تضحك:
_مالك ياحبيبي إيه اللي حُصل؟!
اكمل كلماته الغرامية وهو يغدق عليها بسيل مشاعره الجيَّاشة:
_اللي حُصل أني مرة واحدة إكده حسيت إني اتوحشتك.. هي الخطوبة لسا مخلصتش؟
قهقهت بصوت عالي وراحت تجيبه بغنج أثر قلبه:
_لا لسا.. لو وحشتك قوي إكده تعالي خدني
أجابها باسمًا بخبث:
_بلاش أنتي عارفاني ممكن اعملها صُح ومخلكيش تكملي خطوبة أخوكي
تابعت الضحك وهي تجيب بالرفض بسرعة:
_لا خلاص ده أنا كنت بهزر
تنهد الصعداء بكل بطء وهتف لها في دفء:
_أنا قاعد في شقتنا وظبطها واشتريت السراير والمطبخ وصل والأجهزة الكهربائية كلها، حتى لو لسا في حچات لسا هنچيبها تاني كتير بس دلوك هي مش ناقصة غيرك أنتي والعيال
أدمعت عيناها من فرط فرحتها والمشاعر التي اجتاحتها في تلك اللحظة ما بين السعادة والحب والآمان وراحت تجيبه بصوت يغلبه البكاء:
_أنا بحبك قوي ربنا ما يحرمنا منك أبدًا ياحبيبي، متخلنيش عاد اسيب الفرح واچيلك على هناك عشان اشوف العفش الجديد
جلال بنبرة شعرت وكأنها تحتضنها من فرط حنانه:
_بكرا تتفرچي عليها براحتك.. بس اوعي تنسي الفساتين القصيرة!
تمكن من اضحاكها مجددًا وراحت تجيبه بخجل ودلال جميل:
_مش هنساها متقلقش بعدين هو ده وقتها يا چلال بلاش وقاحة
جلال بتأييد لرأيها في مكر أشد:
_عندك حق لما ترچعي نبقى نتكلم وچهًا لوجه براحتنا، روحي يلا كملي الفرح
ابتسمت مغلوبة منه وهي تهز رأسها ثم وودعته وأنهت الاتصال وعادت لآسيا وهي تبتسم باتساع.
***
بعد مرور ساعات قصيرة داخل منزل خليل صفوان……
قادت جليلة خطواتها تجاه غرفة ابنها وأخذت تطرق الباب منادية عليه من الخارج ظنًا منها أنه بغرفته، وعندما لم تحصل على رد فتحت الباب وقررت الدخول لعلمها بأن فريال بخطبة أخيها وليست موجودة أيضًا، فور دخولها تسمرت بأرضها عندما لمحت الحقائب الكبيرة والكثيرة الموضوعة فوق الفراش والأرض…
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية وبالعشق أهتدي (ميراث الحرب والغفران 2))