روايات

رواية في رحالها قلبي الفصل التاسع 9 بقلم آية العربي

رواية في رحالها قلبي الفصل التاسع 9 بقلم آية العربي

رواية في رحالها قلبي البارت التاسع

رواية في رحالها قلبي الجزء التاسع

في رحالها قلبي
في رحالها قلبي

رواية في رحالها قلبي الحلقة التاسعة

لا تقل أنا أعلم كل الحقيقة ، فالحقيقة المطلقة لا يعلمها إلا من أوحي له .
قادت حتى وصلت إلى العزبة حيث صفت سيارتها بالجوار وترجلت تتجه نحو الداخل لترى علي وتتحدث معه .
طوال طريقها تحاول ترتيب الحديث ولكن الآن كأنها تشعر بتبخر كل ما رتبته .
كان يقف مع عمال المكان يرشدهم على عدة أمور لذا أرادت أن تودع رشيدة بقلبٍ منفطرٍ لذا تحركت نحوها أولًا ولكنه لمحها لذا أشار للعمال ليغادروا ويتجه يرحب بها بملامح متجهمة حيث يعلم أنها آتية من عند سيف .
تنهدت وتوقفت تطالعه بثقب ثم تحدثت وهي تنظر نحو المقاعد المرصوصة على بعدٍ مناسبٍ منهما :
– كنت سأرى رشيدة ، تعالى لنجلس يا علي هناك ما أود إخبارك به .
أومأ بثقب وتحرك معها يجلسان لينتظر حديثها بترقب شاعرًا بشيء من الغموض .
أما هي فتخلت عنها فصاحتها وتعالت وتيرة أنفاسها وهي تحاول بدء الحوار وأخيرًا نطقت بهدوء :
– علي لا أعلم حقًا كيف أقولها ولكن أنا مضطرة للأسف على فعل ذلك ، أنا آسفة .
تهاوى قلبه واستشف ما تود قوله لذا تساءل بترقب وغضبٍ خامد :
– ماذا هناك يا سارة ، لم تعتذري ؟
زادت نبضات قلبها توترًا وخيفة ثم تحدثت بتروٍ ليقينها أنه عقلاني :
– لا أستطيع تكملة الخطبة يا علي أنا أسفة ، صدقني الأمر خارج إرادتي .
أطرق رأسه يبعد نظراته عنها يبحث عن الهدوء كالباحث عن إبرة داخل كومة قش لذا عاد يرفع رأسه ويطالعها بعيون حمراء أخافتها :
– ما السبب ؟
يعلم السبب جيدًا أو هكذا هيأ له عقله لذا زاد توترها وزادت نبضاتها لتجيبه بنبرة متعثرة :
– نـ نوح ، أقصد لا أستطيع الابتعاد عنه ، إن تزوجت بك سيبعده والده عني .
ابتسم باستهزاء وبدأ يجمع خيوط أفكاره الخاطئة ويستنتج استنتاجات غير محسوبة قائلًا :
– والآن ؟
قطبت جبينها بعدم فهم ليتابع بنبرة محتدة أجفلتها :
– والآن بعد أن فسختِ الخطبة هل سيعطيكِ الصغير؟.
أومأت له مرارًا بتوتر دون التفوه حيث شعرت بالخوف ولم ترغب في الإفصاح عن عرض سيف لذا تحدثت بتعثر :
– أرجوك علي لا تصعب الأمور أكثر ، أنت تستحق الأفضل مني ، الخاسر هنا هو أنا صدقني ولكني لا أستطيع الابتعاد عن نوح أبدًا .
استيقظ وحش غضبه الذي ألجمه لأشهرٍ لينتفض ويخطو نحوها منحنيًا نحوها يقول بفزع وجحوظ أرعبها :
– هل تسخرين مني ؟ ، هل ترينني غبيًا أمامكِ ؟ ، كنتِ عنده منذ قليل وكان عندكِ أمس وتأتين الآن تخبريني بفسخ الخطبة ؟ ، هل أعجبكِ ؟
برغم رعبها منه إلا أنها لم تحتمل اتهامه لذا نهضت تزيح المقعد وتبتعد خطوة للخلف حيث كاد أن يلتصق بها وتقول بعيون محذرة قوية :
– إياك يا علي ، إياك وقول أشياءً ستندم عليها ، ثم كيف علمت أنني كنت عند سيف ؟ ، هل تراقبني ؟
تساءلت بشكٍ ليضحك بملامح مخيفة ويومئ موضحًا بعدما سقطت الأقنعة :
– نعم ، أراقبكِ ، أنتِ تماديتي معي كثيرًا يا سارة ، تماديتِ بالقدر الذي يجعلني أريد معاقبتكِ .
هزت رأسها بصدمة تجيبه بعدم استبعاب :
– ماذا ؟ .
امتدت يده تقبض على ذراعها بقوة قائلًا بتجهم وغضب :
– مثلما سمعتِ ، لن تتركيني هكذا بسهولة ، والخطبة لن تفسخ وزواجنا سيتم في موعده .
نفضت يدها بعنف منه حتى أنها تألمت ولكنها لم تبالِ وهي تطالعه شزرًا قائلة :
– أنت تحلم ، يبدو أنني أخطأت في معرفتك .
تحركت تغادر ولكن قبل أن تكمل خطواتها وجدت يده تقبض مجددًا على ساعدها يلفها بعنف إليه ويقول بشرٍ :
– لا تجعليني أريكِ الوجه الآخر لي الذي سعيت لإخفائه .
حاولت نزع يدها منه بصدمة وعيونها امتلأت بالغيوم ليأتي من خلفها صوت سيف يقول بنبرة هادئة وهو يتقدم منهما :
– أترك يدها يا علي .
مال علي يطالعه ليبتسم ساخرًا ثم نفض يدها لتلتفت تطالع سيف بدموعٍ قد سقطت ليبادلها النظرة التي تخبرها ب ( هل صدقتيني الآن؟ ) .
ابتعدت حينما تقدم سيف من علي ووقف أمامه يطالعه شزرًا ثم تحدث دون النظر إليها :
– هيا يا سارة غادري أنتِ وأنا سأتحدث مع علي .
تجمدت مكانها لثوانٍ ليقول علي بحقدٍ بيّن يقطر من نبرته :
– واو ، أرى قصة حب تلوح في الأفق .
ابتسم سيف باستفزاز ثم تحدث وهو يقف بثقة :
– نظرك جيد ، وهناك زواج أيضًا سيتم بعد يومين ، سنتشرف بعدم حضورك .
لم يتمالك علي نفسه إلا وهو يهجم على سيف ليسدد له ضربة تفاداها سيف ليتعثر علي ويسقط أرضًا تحت أنظار سارة الجاحظة والتي لم تعِ سوى على صوت سيف الغاضب وهي يعيد جملته مجددًا :
– قلت لكِ اذهبي وانتظريني خارجًا .
أومأت له وحلت وثاق قدميها وهي ترى علي ينهض ويتقدم من سيف الذي يستعد لمهاجمته بترحابٍ وثأرٍ دام لأشهر .
أما هي فلم تلتفت حيث ركضت للخارج واستقلت سيارتها تقودها وتغادر ، حتى أنها لم تنتظره كما أخبرها .
دام بينهما عراكًا حادًا أنهاه العمال ليفرقاهما ويبعدا علي عن سيف ليتوعد له علي من بين قبضة رجاله قائلًا بتهديد صريحٍ وهو يرفع سبابته :
– سأريك من هو علي يا سيف يا دويري ، أقسم سأجعلك تندم على فعلتك هذه .
نفض سيف كفيه باستفزاز كأنه انتصر ليشرع في فتح ذراعيه ويقول ببرود ثابت :
– سأكون في انتظارك .
تحرك سيف بعدها يغادر المكان بملامح متجهمة حادة ومتوعدة ليتجه يبحث عنها في الخارج ولكنه لم يجدها لذا أومأ مرارًا واتجه يستقل سيارته ويقود متوعدًا ليرى أين ذهبت تلك العنيدة سليطة اللسان صاحبة أجمل عيون سوداء رآها .
❈-❈-❈
صعدت شقتها بجسدٍ مرتعشٍ تبكي على ما حدث ، اتجهت تجلس على أقرب مقعدٍ وأزاحت نقابها تضعه جانبًا ثم وضعت رأسها بين راحتيها تفكر هل سيصبح لها ذنبًاج في ما وصل إليه علي ؟
ماذا إن عاد للمخدرات بسببها ، ما رأته منذ قليل لم يكن هو نفسه علي الذي تعرفه أبدًا ، كان شخصًا آخرًا تمامًا .
هل تسببت في ظهور هذه الشخصية ؟ ، ضميرها يؤنبها على ما فعلته به ولكن ليس بيدها شيءٍ لتفعله ، ليتها رفضت من البداية ، ليتها لم تقابله يومًا .
تحاول التماس العذر له فيما فعله وتلقي باللوم على شخصٍ واحد فقط وهو سيف .
عادت تهاجمها كلمات علي حينما شكك بأخلاقها واتهمها بعلاقة بينها وبين سيف ، تذكرت عيناه وقبضته ليتحول حزنها على حاله إلى غضبٍ منه وتردد لتقنع نفسها :
– لا ، أنا لم أخطئ في حقه ، يبدو أن هذه شخصيته الحقيقية وأنا التي لم أكن أعرفها .
تنفست بقوة ثم نظرت حولها تلاحظ عدم وجود والدتها في المنزل
نهضت تناديها بصوتٍ واهن واحتياج قائلة :
– أمي ، أين أنتِ ؟ .
لم يأتِها ردًا لذلك أيقنت أن سعاد ذهبت للتسوق لذا عادت ترتد على المقعد وتفكر مجددًا في أمر علي ولكن طرأ على عقلها حضور سيف إليها ، كيف علم مكانها وكيف ظهر في الوقت المناسب ؟ ، أخبرها أنه لا يثق في علي فهل كان محقًا ؟.
ابتسمت ساخرة وتحدثت بهمس مؤلم :
– وأنت محل الثقة جميعها يا سيف يا دويري ، يبدو أن صنفكم كله متشابهًا .
زفرت بعبث ثم نهضت لتبدل ثيابها وتصلي ولكن طرقات على الباب أوقفتها لتشعر بأنه الطارق لذا انحنت تلتقط نقابها وتعاود عقده حول رأسها ثم أنزلته على وجهها وتحركت تنظر لهيئتها في المرآة قبل تنظر من العين السحرية وما إن رأته حتى مدت يدها تفتح الباب لتجده أمامها يطالعها شزرًا ويقتحم المنزل دون مقدمات حتى أنها لم تستطع مواكبة حركاته أو إيقافه ليتحدث بنبرة حادة :
– أولم أقل لكِ انتظريني ، لِم غادرتي ؟
تطلعت على ملامحه المبعثرة وتأكدت أنه تعارك مع علي لتشعر بالضيق وتجيبه بثباتٍ ظاهري وهي تتكتف :
– ولِم أنتظرك ؟ ، ولِم أطيعك ؟ ، لا تظن أنّ بزواجي منك سيصبح لديك سلطة علي ، إنك مخطئٌ .
تقدم منها خطوتين فتوترت ولكنها تدعي الثبات الذي تظهر عيناها عكسه لذا حدق بها وتحدث متسائلًا :
– هل وثقتِ بكلامي؟ ، هل رأيتِ الوجه الحقيقي لذاك الخطيب ؟ .
أومأت تردف بشفاهٍ مزمومة وهي على وشك الانهيار :
– نعم رأيت ، رأيت أنه لا يمكن الوثوق في صنفكم أبدًا ، والآن مع السلامة فأمي ليست هنا .
توترت نظرته ووقف لثوانٍ قبل أن يقرر الرحيل خشيةً عليها من القيل والقال فهو لم يكن يعلم بعدم وجود سعاد .
تحرك نحو الباب ولكنه تذكر شيئًا ما لذا التفت يطالعها وهي تواليه ظهرها حينما شعرت بالبكاء ليردف بنبرة لا تقبل نقاشًا :
– أبلغي الحاجة سعاد أن كتب الكتاب سيتم بعد يومين وستنتقلان أنتِ وهي للعيش معي في الفيلا .
التفتت تطالعه بصدمة فابتسم يغادر وتركها تقف مغتاظة من تحكمه الذي تعلم جيدًا كيف تروضه ، عن أي إقامة يتحدث ؟ هل يظن أنه بات ولي أمرهما ؟ ، هه إنه يحلم ، صبرًا علي يا ابن الدويري .
❈-❈-❈
انقضى اليومين واتهجت سارة مع والدتها إلى فيلا سيف .
لقد ظنت أن والدتها لن تقبل بهذا العرض أبدًا ولكنها صدمتها حينما وافقت على المكوث هنا معهما وبجوار الصغير ، لقد باتت والدتها تتصرف مؤخرًا بطريقة لم تعهدها ولم تفهمها .
جلست سارة تحمل الصغير على ساقيها وتلاعبه بشرود في ركنٍ في هذا الغرفة مع سعاد التي تجاورها وعلى الطرف المقابل يجلس الرجال .
طلبت سعاد من جارها الحاج محمد النعماني ليأتي ويكون هو وكيل ابنتها سارة ولبى هذا الرجل الطيب الدعوة على الفور وها هو يجلس بجوار المأذون والشهود وسيف .
عُقد القران بهدوءٍ تام ووجوه الجميع هادئة لا يبدو عليها أي معالم للفرح .
ليلتفت المأذون للعروس قائلًا بنبرة هادئة :
– مبروك يا ابنتي .
أومأت له دون أن ترفع نظرها وتحدثت بهمس :
– شكرًا لك .
بارك لها أيضًا الحاج محمد وغادر حزينًا على حالتها فهو يعلم الظروف التي أودت بها إلى هذا الحال بينما غادر الشهود والمأذون ونهضت سعاد عن عمدٍ تحمل الصغير من ابنتها وتتحرك به للخارج لتعطي لهما فرصة الحديث .
كان يجلس بصمتٍ ينتظر هذه اللحظة ، يحدق بها وهي مطرقة رأسها بصمتٍ مماثلٍ لصمته .
لا يعلم ما هذه المشاعر التي هجمت عليه ولكنه أراد رؤيتها وتضاعفت رغبته كثيرًا الآن لينهض ويخطو بخطواتٍ مدروسة نحوها وهي كانت غارقة في دوامة أفكارها لذا لم تشعر به حينما جلس أمامها يتابعها بهدوء ليسمع هدهدة خافتة تخرج منها ويعلم أنها تبكي .
خانته يده التي امتدت لترفع وجهها فأجفلت تطالعه بصدمة تحولت إلى نظرة عدائية غاضبة بعينين سوداويتين ممتلئتين بالدموع .
أسرته نظرتها عن قرب وبرغم أن الوقت لم يتجاوز الثانيتين إلا أنه شعر به قد توقف وامتدت يده الأخرى لترفع نقابها ليرضي رغبته اللحوحة ولكن قبل أن يصل إليه كانت تقبض على يده تمنعها من الوصول إليها وتنفض وجهها مبتعدة عنه ثم نهضت تتحرك خطوتين وتطالعه بغضبٍ من أسفل نقابها وتردف بنبرة حزينة منكسرة وحادة في آنٍ واحد :
– إياك أن تفعلها مجددًا ، وإياك أن تنسى أن هذا العقد ما هو إلا ورقة وقعنا عليها من أجل نوح ، لا شيء آخر بيني وبينك ولن يكون .
تحركت تغادر على الفور نحو الخارج وتركته يجلس يطالع أثرها بغضبٍ وضيقٍ وضجر ، يحاول استيعاب صدمتها ويحاول التماس العذر لها ولكنها أحبطت لهفته ورغبته في رؤيتها وعليه أن يدعي الثبات واللا مبالاة وألا يظهر ما يشعر به ، بالأساس ما يشعر به هو مجرد فضول لا أكثر ولا أقل وما إن يراها من المؤكد سينتهي فضوله هذا .
مر اليوم دون جديدٍ يُذكر حيث غادر سيف إلى عمله وانشغلت هي مع الصغير ووالدتها التي حاولت التحدث إليها عن سيف ولكنها كانت صارمة في هذا الأمر بطريقة جعلت سعاد تأجل أي حديث الآن .
❈-❈-❈
يومان آخران مرا على الجميع في الفيلا .
تتعمد تجاهله وتتعمد المكوث في غرفتها التي أعدها لها مصطحبة معها الصغير بتملك ولا تخرج إلا بعدما تتأكد من مغادرته الفيلا .
لم يبدِ أي ضيقٍ من تصرفاتها أو ينزعج ولكن هذا ظاهريًا فقط ، هو يريد أن يذهب إليها ويعلمها كيف تتعامل معه ولكنه اعتاد الثبات والتحلي بالصبر .
دلفت والدتها الغرفة تطالعها بضيق فلم تعد تحتمل تصرفات ابنتها الهوجاء التي لم تكن هوجاء يومًا لذا تحدثت بدون مقدمات بنبرة مندفعة :
– كفى يا سارة ، كفى ما تفعلينه خاطئًا ، بسبب أفعالك تلك اضطر الرجل لترحيل المربية ، لمَ تتصرفين هكذا ؟ ، هل ستظلين طوال عمرك تعامليه كالغرباء ؟ ، هذا زوجكِ يا بنتي .
– أمي لا تبدئي أرجوكِ أنا لا أريد نقاشًا في هذا الأمر .
– بلا أمي بلا يحزنون ، أنتِ لم تُبقِ فيها أم ؟ ، الرجل إلى الآن لم يرَ وجهكِ حتى .
قالتها سعاد بانفعال لتزفر سارة بضيق وتطالعها بتعجب قاطبة جبينها ثم تساءلت بتجهم :
– هل اشتكى لكِ يا أمي ؟ ، أنا سعيدة هكذا وهو كذلك لمَ أنتِ غاضبة ؟
– غاضبة لأن ما تفعلينه لا يجوز شرعًا ، سيغضب عليك الله .
جحظت سارة تطالعها بصدمة ثم شردت تفكر بخوف لتقول بعدها في محاولة منها لإقناع عقلها :
– حاشا لله يا أمي ، لمَ تقولين هذا ، أنتِ تعلمين جيدًا أسس وشروط هذا الزواج ، هو ليس زواجًا حقيقيًا أبدًا .
جلست سعاد أمامها تطالعها وتحدثت بلومٍ صريح :
– أنتِ يا سارة ؟ ، أنتِ التي تقولين هذا ؟ ، حسنًا أين كلامكِ عن الشرع وأنه لا يوجد زواجًا مشروطًا وإلا فهو باطل ؟ ، الزواج زواج يا ابنتي وبمَ أنكِ قبلتِ بسيف زوجًا لك فعلى الأقل تعاملي معه كأنه صديق ، لن تخسري شيئًا فقط كصديق لتمر الأيام بينكما بخير وحتى لا يتأثر نوح بعلاقتكما ، دعيه يراكِ ويعتاد على وجودكِ هنا ليكبر الصغير بين أسرة حقيقية وإلا فالزواج هذا ليس له داعٍ أبدًا ، تقولين أنكِ وافقتي من أجل نوح ولكن إن استمريتي على هذا الحال فصدقيني أنتِ هكذا تؤذين الصغير أولًا ونفسكِ ثانيًا .
أنهت سعاد حديثها ونهضت لتلتفت ترى الصغير الذي يتمسك بالعضاضة يقضمها لتعود تنظر نحو ابنتها التي شتتتها كلمات والدتها وتقول قبل أن تغادر :
– فكري جيدًا في كلامي يا سارة ، تصرفي حسب إحساسكِ واتركي الخوف جانبًا ، الخوف عدو الإنسان يا ابنتي .
تركتها وغادرت ، تركتها تفكر وتعيد الحديث على عقلها وكأن والدتها وضعتها أمام المرآة التي كانت تتجنبها لتواجه مشاعرها .
نعم هي خائفة ، تخشى رؤيته ، تتجنبه ، تتجنب الحديث معه ، تخفي وجهها عنه ، كل هذا هو في الحقيقة خوف ، خوف من الانجراف خلف مشاعر لن تتقبلها أبدًا ، لقد كان سيف زوج شقيقتها وحبيبها وأصبح الآن والد نوح وسيظل كذلك دومًا ، لن تضعه في مكانة أخرى أبدًا ، لن تفعل كما قالت والدتها وتعتبره صديقًا فالصداقة أحيانًا تتحول إلى …. حب .
❈-❈-❈
في اليوم التالي سافر سيف خارج البلاد في رحلة عمل .
سفرًا مفاجئًا ولكنه اضطر لذلك تاركًا نوح بأمان مع السيدة سعاد ومع تلك التي تتعامل معه كأنه شفافًا لا يُرى .
حسنًا ليصبح شفافًا إذا وليبتعد بحق .
أما هي فتحركت بأريحية في الفيلا منذ أن غادر ، كانت ترفع نقابها فقط داخل حدود غرفتها ولكن الآن ترفعه في الأماكن الخالية من كاميرات المراقبة كالمطبخ وغرفة المعيشة والصالة وباقي الغرف عدا غرفة المكتب وغرفة نوح وكل شبرٍ في الحديقة .
باتت سعاد تُظهر استياءها منها ولكن سارة تستطيع بمرحها كالسابق أن تلين قلب سعادة كما تطلق عليها .
وها هي بعد يومين تعود لعملها حيث نقلت أغراضها هنا في مطبخ الفيلا وعادت لترى متابعيها الذين افتقدوها كثيرًا وأرسلوا لها أكثر من ألفي رسالة .
جاءت سعاد إليها وهي تقف في المطبخ تبدأ في تجهيز أغراضها لتصنع الشكولاتة بينما تحدثت سعاد متسائلة :
– أين ذهبت نورا ؟ .
تحدثت سارة وهي تجمع الأشياء أمامها :
– في الأعلى يا أمي تنظف الغرف ، هل نام نوح ؟
أومأت سعاد واتجهت تجلس أمامها قائلة بتنهيدة مجهدة :
– نعم لقد نام للتو ، لا يوجد أخبار عن سيف ؟
هزت رأسها بلا دون النظر لوالدتها التي اغتاظت وتحدثت بتجهم :
– ولمَ لا تهاتفيه وتطمئني عليه؟ ، أنتِ ستتسببين لي في سكتة قلبية .
أسرعت ترفع نظرها وتطالع سعاد بنظرة عتاب مردفة بلهفة :
– أبعد الشر عنكِ يا أمي سلامة قلبكِ ، حقًا أحزنتيني .
– أنتِ من تحزنيني يا سارة ، ليتكِ تريحين قلبي .
زفرت سارة بضيق يعتليها لتنهض سعاد من أمامها وتغادر المطبخ وتتركها تشعر بثقل في صدرها وضغطٍ بات يلازمها من حديث والدتها المُلِح .
زفرت بقوة تستدعي التروي ثم بدأت تحضر القوالب المطاطية لتصب بها خليط الشوكولاتة علّ عقلها ينشغل عن التفكير .
بعد عدة دقائق استمعت لخطواتٍ تأتي من الخارج لتتوقف خلفها مباشرةً لذا التفتت تحمل ملعقة ممتلئة بخليط الشوكولاتة التي أعدتها وتبتسم قائلة بتباهي :
– افتحي فمكِ يا نوــــــــــــ.
جحظت عيناها وبقى فمها معلقًا على حرف النون المضموم وكأنها ستقبل أحدهم بينما الملعقة وجدت طريقها إلى فم هذا الواقف يحدق بها بصدمة وبرغم أن فمه تلطخ بالشوكولاتة الشهية إلا أنه لم يجد أشهى من ملامحها .
عينان سوداوان كالليل وأنفٍ مستقيمٍ رأسه شامخًا وشفتين مضمومتين تطالبان بتقبيلهما فهل يلبي .
هل هذه هي ؟ ، هل هي سارة التي قيل أنها ليست جميلة ؟
إذًا من الجميل بعدها ؟ ، هل هذه سارة التي توبخه وتقف له بالمرصاد ؟ إذا لما الآن بريئة تشبه الفراشات ، هل هذه سارة نفسها التي اشترطت ألا يكون هذا الزواج حقيقيًا ؟ إذا لماذا تضم شفتيها هكذا وكأنها تطالبه بقبلة عودته من السفر ؟
لم يستوعب هذا الحسن كله والذي سقط على قلبه كمشغل موسيقى صاخب جعله يتراقص فرحًا .
منذ يومين وهو مشغول في التفكير بها ولم يهدأ لذا عاد حينما انتهى عمله ليتحدث معها وليضعا النقاط على حروف علاقتهما ، كان سيجبرها أن تتخلى عن نقابها أمامه بذريعة أن هذا يضر بطفله ولكن الآن بات يريد العكس ، يريد تخبأتها من عينيه فرؤيتها هكذا دون الاقتراب منها عذاب .
ظلا كليهما على هذا الوضع لثوانٍ مرت على قلب سيف بتمهل قبل أن تتوتر سارة كليًا وتبعد الملعقة عن فمه وتهتز يمينًا ويسارًا تحاول الابتعاد ولملمة نفسها ولكنه أسرع يتمسك بيدها التي تحمل الملعقة ويعاود رفعها إلى فمه متناولًا كل محتواها من الشوكولاتا بعيون معلقة عليها يتذوقها باستمتاع تام وهي متجمدة تطالعه بعيون متسعة وقلبٍ يكاد يتوقف من فرط حركته ليردف بنبرة تحمل شيئًا من الانتشاء والرضا :
– لم أكن أعلم أنها بهذا الجمال كله … أقصد الشوكولاتة .
تركها مجبرًا وتحرك بهدوء يبتعد برغم أنه كان يود لو لم يبتعد أبدًا ولكنه رحم قلبها الذي شعر بصخبه ولم يبالِ بقلبه الذي يئن .
بينما هي وقفت تحاول تجميع شتات نفسها عبثًا ، فكل ما بها يرتعش وها هو ما خافت منه يحدث ، ولكن لا لن تسمح بحدوثه أبدًا .

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية في رحالها قلبي)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *