روايات

رواية يناديها عائش الفصل التاسع والسبعون 79 بقلم نرمينا راضي

رواية يناديها عائش الفصل التاسع والسبعون 79 بقلم نرمينا راضي

رواية يناديها عائش البارت التاسع والسبعون

رواية يناديها عائش الجزء التاسع والسبعون

يناديها عائش

رواية يناديها عائش الحلقة التاسعة والسبعون

ادعُ
كأنَّ طِفلكَ تحتَ الرُّكـام
كأنَّ والِدكَ ارتَقَى شَهيـدًا
ومَنزلُكَ باتَ في لَحظةٍ، حُطام..
ادعُ كأنَّك تَعيـشُ بَينَهُم
كأنَّك مُصابٌ و فاقِدٌ مِثلَهُم..
يحدُث في غزّة ما تطيش منه العقول !
فاللهم يا مُدرك الثّارات أدرك ثارنا
اللهم بردًا و سلامًا عليهم .
_____________________
وإن ضاقَت بِك الأركانُ
يومًا ‏فَرُكن اللّٰه رحبٌ لا يُضيقُ .
~~~~~~~~~~~~~~~
أكّد الإسلام على ضرورة اجتناب سوء الظن، والابتعاد عن جميع الأسباب التي تؤدي إليه، وقد قال تعالى في محكم التنزيل:﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ۖ ).
بعد أن قرأ ” أُبَيِّ ” المنشور الذي يخص خطيبته
” نورا ” و الذي كان عبارة عن فديو قصير لرجل يتلعثم في الكلام كثيرًا بطريقة مضحكة، و كتبت عليه نصيًا ” لما المدير يدخل علينا فجأة و إحنا بنجيب في سيرته ”
لم يعجبه المنشور، بل ظن أنها تعيب في كل من لديه مشاكل في الكلام خاصةً أن المنشور يوصف شعورها بالتوتر فور مجيء المدير و انزلاق لسانها في التلعثم، و هذا ما يحدث معه بالفعل عندما يتحدث في جو من التوتر..
بدأت المشاعر المختلفة ما بين الحزن و الشعور بالخجل تداهم رأسه، و بدأ التوتر يتملك منه أكثر تاركًا للغضب حيز واسع ليُسيطر عليه؛ فأخذ يهز قدميه في ارتباك و يده تضرب على عجلة القيادة هاتفًا في حُزن
” مكنتش متوقع إنه يجي اليوم اللي تعايريني فيه يا نورا.. بس ماشي إحنا لسه فيها يا بنت عمي ”
أخرج هاتفه طالبًا نورا، فردت بعد لحظات
” السلام عليكم.. ازيك يا أُبَيِّ ”
رد بفتور بدا في صوته
” الحمدلله.. أنتِ فين ؟ ”
” في الشغل..”
قالتها في استغراب، ثم تساءلت بعفوية
” خير في حاجة ؟! ”
” لأ مفيش.. هتخلصي امتى ؟ ”
” يعني على الساعة خمسة كده إن شاء الله ”
” تمام.. هاجي أخدك ”
كادت أن تتحدث و لكنه أغلق المكالمة سريعًا وهو يقول..
” يلا سلام ”
ظلت تنظر للهاتف لحظات في تعجب من طريقته معها في الحديث التي لأول مرة تحدث، و إنهائه للمكالمة سريعًا دون انتظار لرد منها، فوضعت الهاتف في جيبها و عادت للعمل وهي شاردة بتعجب و حزن بدا عليها..
انتبهت لها ممرضة زميلتها في المشفى و أقبلت عليها تتساءل
” مالك يا نورا ؟ ”
ردت بلا مبالاة
” مفيش.. ميعاد الحقنة بتاعت الحجة بشرى كمان خمس دقايق.. روحي جهزيها و أنا هخلص هنا ”
كانت زميلتها منذ أن تمت خطبة نورا، وهي تراقبها في الخفاء بوعي مُتفتح؛ بسبب خاتم الألماس الذي ترتديه بديلًا عن دبلة الخطبة المتعارف عليها في مجتمعنا، فمعظم المتزوجون أو المَخْطُوب في المشفى يرتدي دبلة من الذهب إما في اليمين أو الاصبع الشمال، لكن أمر خاتم الألماس هذا جديد عليهم خاصةً أنهم في منطقة شعبية ريفية..
لقد شعرت زميلتها بالغيرة منها و ساقها الطمع إلى سرقة ذلك الخاتم، فدبرت مكيدة للوقوع ” بنورا”
دون أن يتم التشكيك بها..
قارب اليوم العملي على الانتهاء، و اتجهت نورا لتبديل ملابس العمل بالخروج، فاتجهت خلفها زميلتها و قالت وهي تبدل ملابسها بتلقائية مُصطنعة..
” نورا.. ممكن أطلب منك طلب ؟ ”
أومأت نورا دون رد، فقد كانت تفكر في مكالمة أُبَيِّ التي أتتها صباحًا..
قالت الفتاة و التي تدعى ” ميادة ”
” أنا رايحة اشتري لبس بعد ما نطلع من الشغل عشان فرح بنت خالتي قرب وكده.. و كنت عاوزاكِ تيجي معايا.. أنا عارفة إن ذوقك حلو و غير كده أنا مليش اخوات بنات و بعتبرك أختي.. قولتِ إيه ؟ ”
اعتذرت نورا بأدب قائلة
” أنا آسفة والله يا ميادة.. بس خطيبي جاي ياخدني و هروح معاه.. ممكن تخليها بكره ”
ازداد شعور ميادة بالحقد تجاهها، و صممت على تنفيذ مخططها، فحدثت نفسها بغيرة
” هو أنا بعد ما اتفقت مع الناس يجي المحروس خطيبك ده و يعكلي الدنيا ! ماشي أنا هوريكم”
عادت تلح عليها بأسلوب عاطفي و تردد جملة
” أنا مليش أخوات بنات و بعتبرك أختي” حتى استطاعت ميادة اقناع نورا بالذهاب معها، و وافقت الأخيرة بحُسن نية، لتقول
” خلاص هاجي معاكِ.. بس مش عاوزين نغيب بالله عليكِ و أنا هكلم أُبَيِّ أقوله إني رايحة مشوار ”
بالفعل اتصلت به و أخبرته أنها ذاهبة مع صديقتها لشراء بعض الأغراض الخاصة، و لم يبالي أُبَيِّ بسبب غضبه منها و أغلق المكالمة كالصباح بدون سابق إنذار، مما بدا التعصب على ملامح نورا دون التفوه بشيء..
و لكن أُبَيِّ كان بالفعل ينتظرها خارج المشفى..
غادرت ميادة و معها نورا مقر عملهما، و لم تلاحظ الأخيرة وجود سيارة أُبَيِّ بجانب الطريق..
اِسْتَقَلَّت ميادة ” توك توك “و بجانبها جلست نورا تفكر بشدة في طريقة و أسلوب أُبَيِّ معها الذي تغير كثيرًا، و لم تنتبه للطريق الذي سارت فيه المركبة.. و خلفهما يتبعهما أُبَيِّ بسيارته !
كانت ميادة قد دبرت كل شيء مع اثنان من المجرمين واحد منهما على علاقة بها غير شرعية، و اتفقت معهما أن يأت ذلك الذي تربطه معها علاقة و يأخذهما بالتوك توك لطريق زراعي مجهول، و تدعي ميادة أنها نسيت محفظة النقود في بيتها وعندما تنزل من المركبة و تترك نورا، يكون في انتظارها الرجل الآخر ثم يقوم بتخديرها و سرقة خاتم الألماس منها و جميع محتويات حقيبتها؛ حتى تبعد ميادة جميع الشكوك عنها و تكون السرقة من قطاع الطرق، ثم يتم تخدير ميادة بجانب نورا و سرقة محتويات حقيبتها أيضًا، و عندما تعود نورا لوعيها أولًا لأنها تم تخديرها قبل ميادة، لا تساروها أي شكوك نحو زميلتها و تكون السرقة قد نالت منهما سويًا.
توقف السائق فجأة بأمر من ميادة التي قالت على عجلة من أمرها
” معلش هنزل أجيب الفلوس و أجي بسرعة ”
انتبهت نورا لها و تعجبت من وجودهما بهذا الطريق و قد قاربت الشمس على الغروب، فتساءلت..
” إحنا فين يا ميادة ؟ ”
قالت ميادة بنبرة حنونة مزيفة
” أنا آسفة يا نورا والله.. بس نسيت الفلوس اللي هشتري بيها اللبس.. هدخل أجيبها و أجي بسرعة”
” أنتم نقلتوا بيت تاني و لا إيه ! ”
قالتها نورا بتعجب و هي تتأمل الطريق و المنزل، فهي تعرف القرية التي تسكن بها زميلتها و قد رأت واجهة البيت في إحدى الصور الخاصة بها و هذا ما جعلها تتعجب، و لكن لم تعطي للأمر أهمية و أخرجت هاتفها تعبث ببعض الألعاب حتى تعود ميادة، و لكن خروج السائق من التوك توك و نظراته المريبة تجاهها؛ جعلها في تخوُّف و قَلق..
تراجع السائق للخلف بضع خطوات أو بالمعنى الأصح المجرم، وهو ينظر أمامه بارتباك قبل أن يخرج المخدر و يفعل فعلته، مما جعل ذلك نورا تخرج رأسها من المركبة لتجد أُبَيِّ أمامها و بيده مسدسه الخاص الذي يضعه في سيارته دائمًا..
أقبل المجرم الآخر يصطنع الجهل بالأمر و يتساءل في عفوية لينقذ زميله
” في ايه يا باشا.. التوك توك عطلان منك ولا حاجة ! محتاج مساعدة ؟ ”
نزلت نورا و قبل أن تتفوه بحرفٍ واحد، أشار لها أُبَيِّ برأسه أن تأتِ خلفه ثم التفت للرجلان ليقول بجمود
” خير ! ”
تحدث أحدهما بارتباك تحديدًا السائق
” كل خير يا باشا.. الآنسة و صاحبتها قالولي اوصلهم هنا.. أنا مجرد سواق على باب الله مليش دعوة بحاجة ”
” امم.. و اللي في جيبك ده.. تبعك ؟! ”
قالها أُبَيِّ بنبرة ساخرة يصحبها النظرات الثاقبة تجاه الرجلان..
تحسس الرجل زجاجة المخدر الظاهرة من جيب البنطلون وهو يبتسم ببلاهة، فقال الآخر مُسرعًا
” يا باشا إحنا ملناش دعوة بحاجة.. الآنسة اللي معاك دي كانت جاية مع ميادة صاحبته هو يا باشا.. وكانوا عاوزين اللهم صلِّ على النبي يسرقوها و ياخدوا الخاتم اللي معاها و كانوا هيدوني اللي فيه النصيب.. إنما أنا والله مليش دعوة بحاجة ”
اتسعت عين نورا بدهشة غير قادرة على استيعاب ما كان سيحدث لها لولا مجيء أُبَيِّ في الوقت المناسب، لقد تتبعها لذلك المكان لأنه قد ظن بها سوءًا و ربما تحاول التهرب منه لأنها لم تعد تحبه..
وجه أُبَيِّ المسدس تجاههما هاتفًا بغضب
” امشي يالاه هات البت اللي دخلت جوا دي ”
أومأ الرجل بخوف و هرول لداخل المنزل الذي يبدو أنه غير مسكونًا بأحد، ثم جاء و معه ميادة التي تحاول الافلات من يده..
صاحت نورا عليها بعدم تصديق لما فعلته
” بقى كل ده يطلع منك يا ميادة ! طب ليه ؟؟
أنا عملت لك إيه ! ”
لم تنطق ميادة بشيء و ظلت تنظر للمسدس في يد أُبَيِّ، الذي وجهه نحوهم قائلًا بنبرة حادة
” بطايقكم ”
عرفوا ثلاثتهم في الحال أنه ينوي ادخالهم السجن، فظلوا يتوسلون إليه ليقول في النهاية بلا مبالاة لهم
” مش عاوزين تتدخلوا السجن يبقى اللي هقوله يتنفذ ”
أنهى جملته بالالتفات لنورا هاتفًا باصرار
” أنا مبمدش ايدي على حريم.. خدي حقك منها بالطريقة اللي ترضيكِ و أنا في ضهرك متخافيش.. طالما بيتعاملوا بهمجية يبقى نعاملهم بنفس الأسلوب.. ”
رمقته نورا في استغراب من تغيره الكُلي و طريقة حديثه الطبيعية تمامًا دون التلعثم في حرف واحد.. فأعاد قوله بحدة
” يلا يا ماما.. ”
نظرت نورا لميادة التي تتوسلها بنظراتها الخائفة، ثم أعادت النظر لأُبَيِّ و قالت في خفوت
” إحنا مش همج زيهم.. أنا كل اللي عاوزاه إن مشوفش وشها تاني ”
تجاهلها أُبَيِّ ثم أخرج هاتفه و قام بتشغيل الفديو وهو يضع الكاميرا نصب عينهم و يقول
” قولوا كل اللي حصل.. اللي عملتوه واللي كنتم ناويين تعملوه.. عشان اللي دماغه هتفكر فيكم إنكم تكرروا اللي حصل ده بأي شكل بعد كده.. الفديو ده مش هيطلع على السوشيال و تتفضحوا.. لأ.. ده أنا هخليكم عبرة للدنيا كلها.. بالذات أنتِ ”
قال آخر جملة موجهة لميادة التي ظلت تبكي في صمت، و فعلوا ما طلبه منهم أُبَيِّ و بعد أن انتهوا.. استدار لنورا و أعطاها مفتايح سيارته قائلًا
” تدخلي العربية و تقفلي و مهما حصل متطلعيش”
أومأت في طاعة و خوف من شخصيته التي بدت غريبة عليها و نفذت ما أمرها به، بينما أُبَيِّ شمر عن ساعديه و قال بهدوء يسبق العاصفة على عكس شخصيته
” أنا عمري ما ضربت حد ولا قليت من حد.. بس دلوقت عرفت أبويا و أنا صغير كان بيعلمني فنون قتالية ليه.. أحيانًا في ناس مينفعش معاهم رد الإساءة بالحُسنى.. لازم تاخد حقك منهم كويس و تسيب لهم علامة زي ذكرى ليهم كده عشان يحرموا يقفوا في طريقك تاني.. ”
أنهى حديثه ثم انقض على الرجلان يمارس عليهما جميع أنواع الفنون القتالية التي نشأ عليها هو وشقيقه حتى أتقنوها كلها..
أخذت ميادة ترتعد بخوف وهي تراه يبرحهما ضربًا حتى رأت الدم يسيل من أنف الشاب الذي على علاقة بها، و الآخر ظل يصرخ من الألم الذي عصر عضلات صدره.. ابتعد عنهما أُبَيِّ بعد أن ظلا يصرخان بألم و هتف بنبرة تهديد و وعيد
” يا ويلكم مني لو شفتكم في مكان أو عيني لمحتكم بس.. ”
تركهم و اتجه لسيارته يقودها دون النظر لنورا أو حتى التحدث معها…
تساءلت بعد لحظات من الصمت
” عرفت مكاننا ازاي ؟ ”
رمقها بفتور و قال
” هو ده كل اللي شاغلك ! ”
تأملته في حزن و همست
” أُبَيِّ.. أنا عملت حاجة زعلتك ؟ ”
التزم الصمت للحظات قبل أن يجيب بجمود
” أنتِ وافقت على واحد بيتهته في الكلام ليه يا نورا ؟”
انعقد حاجبيها في استغراب و استنكار من سؤاله، و ظلت صامتة لبُرهة تناظره بتعجب لتقول بصدق
” عشان حبيتك يا أُبَيِّ ”
أوقف سيارته بجانب الطريق و التفت إليها يتأملها بنظرات ساخرة ثم أخرج هاتفه على المنشور و قال في احتدام و صرامة
” بتحبيني تتريقي عليا قُدام الخلق ! ”
أخذت الهاتف منه في صدمة تنظر للمنشور، ثم التفتت له و قالت بدموع
” أقسم بالله ما كان في نيتي أنت خالص.. ده بوست هزار عادي ”
” هو السف و التريقة على الناس بقى هزار !
التنمر بقى هزار ! إنك تستهوني بمشاعري و أنتِ عارفة إن هشوف البوست و كل أهلنا عندك.. ده شايفاه هزار ؟! ”
قالها بنبرة بدت فيها القسوة و الغضب دون مراعاة للدموع التي تجمعت بعيناها، لتقول بدهشة
” أنت ازاي تفكر كده أصلًا ! ازاي تتوقع إن ممكن اتريق عليك ! لو البوست زعلك أنا والله همسحه حالًا بس والله ما كان قصدي.. أنا مش مصدقة أنك خدت الكلام على نفسك و فكرت إني بلقح عليك ! ازاي أصلًا هعمل كده و أنا بحبك ؟ ”
صاح بنفاذ صبر
” يعني هيكون قصدك إيه ؟! ”
” هيكون قصدي إيه ! أُبَيِّ أنت بجد فاكر إني بلقح عليك و بقصدك أنت بالبوست ؟
أنا مش مستوعبة و الله اللي بيحصل.. آخر حاجة كنت أتوقعها منك أنك تسوء فيا الظن.. اظاهر إنك محبتنيش بجد.. لأنك لو كنت بتحبني فعلًا و واثق من حُبي ليك.. كنت هتبقى عارف إني مستحيل أعمل اللي في دماغك ده.. الله يسامحك يا أُبَيِّ ”
قالتها في محاولة منها ألا تضعف أمامه و تبكي؛ كيلا يظن أنها تحاول استعطافه، فقال بهدوء حاول التزامه
” نورا.. أنا الفترة دي أسوأ فترة بتمر عليا حرفيًا.. قُصي أخويا أنتِ عارفة إنه كل حاجة بالنسبة ليا و منعرفش هو فين و عايش ولا ميت دلوقت.. الدنيا معايا متلخبطة و تفكيري واقف تمامًا.. بقيت عصبي زيادة عن اللزوم و مش طايق أتكلم مع حد.. و موضوع التلعثم ده أنتِ عارفة كويسة إنه مسبب لي عقدة في حياتي.. الصبح داخل كافيه أطلب قهوة العامل اتريق عليا.. لقيت نفسي بطلع الجهاز البسه.. رغم إني متعمد أفضل بطبيعتي و اتعالج واحدة واحدة لحد ما أرجع اتكلم طبيعي زي الأول.. لكن مع التوتر بيزيد التلعثم عندي.. و أنا طول الوقت متوتر و تفكيري في تشتيت دايم بسبب قُصي.. أنا مش بس خايف عليه.. أنا مرعوب.. و لما شفت البوست بتاعك حسيت إني مليش قيمة عندك خصوصًا إن شايفه بعد ما حصل موضوع العامل بتاع القهوة ده.. الأمور كلها دخلت في بعضها.. سامحيني على أسلوبي معاكِ.. بس بوست زي ده مينفعش ينزل ”
انتظرت تمامًا حتى الانتهاء من حديثه، ثم قالت وهي تتأمله بنظرات عتاب
” و لما اتصلت عليا الصبح مقولتش ليه الكلام ده ؟ كنت على الأقل عاتبني لو أنا غالية عليك.. أصل بيقولوا العتاب محبة.. لكن أنت عملت إيه !
فضلت تحوش جواك لحد ما عقلك هيأ لك أني بتريق عليك.. أنت غلطت يا أُبَيِّ.. المفترض اتنين بيحبوا بعض لما يحصل بينهم أي مشكلة يبقى في عتاب.. مش جايز يكون فيه سوء تفاهم ! ولا نسبق الأحداث و نخلي سوء الظن يفرق بينا ؟
أُبَيِّ.. كلنا لما بيحصل لنا توتر وخوف بنتلغبط في الكلام و اللسان مش بيبقى عارف يقول كلمتين على بعض.. ده اللي كنت اقصده من البوست.. فأنت مش من حقك أبدًا تقولي بوست زي ده مينفعش ينزل.. دي مشكلتك حلها أنت.. إنما أنا مفيش في نيتي أي تنمر تجاهك.. أنا حبيتك بجد بس أنت مش مقدر الحُب ده.. فأنا آسفة مش هقدر أكمل ”
قالت آخر جملة وهي تنزع الخاتم و تفتح كفه، ثم وضعته فيه قائلة بدموع جاهدت في اخفائها
” كل شيء قسمة و نصيب.. و طالما الشك و سوء الظن دخل بينا و إحنا في أول الطريق، يبقى الطريق ده مينفعش نمشي فيه أكتر من كده ”
نزلت من السيارة و أغلقت الباب خلفها بهدوء، بينما هو ظل ينظر للخاتم في كفه بحسرة و ندم تجلى على ملامحه.
هكذا يفعل سوء الظن بصاحبه، يزرع في نفسه الريبة والشك، ويسرق الراحة منه فيظلّ في حالة قلق وتأهبٍ للردّ على أي هجومٍ متوقع، وكأنه يجلس فوق جمر، وهذا يُشعره بالتعب ويُسبب له القلق والتشتت وعدم التركيز.. و شخصية مثل شخصية ” أُبَيِّ ” تعاني من مرض الاضطراب في الكلام و كثرة التلعثم عند الشعور بعدم الراحة أو التوتر و الغضب؛ يتملك منه الخجل كثيرًا و الاحراج عند التحدث مع أي شخص و قد جعل التلعثم منه شخصية هشة تتأثر بكلام الآخرين، و لشدة حبه لابنة عمه و تعلقه بها، ظن أنها توجه له التنمر بطريقة هزلية فخاف أن يفقدها؛ لذلك كان التعصب و الغضب عليها حليف الموقف..
شخصية جميلة و لطيفة مثل أُبَيِّ، يحب ألا يعيش في نزاع مع الآخرين، لطالما اختار البُعد عن كل ما يضايقه دون الرد على أحد؛ لأنه دومًا يتوقع أن الآخرين يُضمرون له الشر و يتآمرون عليه، و ذلك بسبب كثرة الأشخاص السيئين اللذين دخلوا حياته، و عندما قرر المواجهة تصادم مع حبيبته نورا و أساء الظن بها..
لم ينوي إطلاقًا حدوث تلك الفجوة بينه و بينها، ولكن تسرعه على الحكم عليها و سوء ظنه بها وضعه في موقف لا يُمدح، و لذلك قال ابن القيم: (سوء الظن هو امتلاء القلب بالظّنون السّيئة بالنّاس حتى يطفح على اللسان والجوارح)
وقال ابن كثير: (سوء الظنّ هو التّهمة والتخوّن للأهل والأقارب والنّاس في غير مَحلِّه).
_________________
“قدرتك على حفظ اتزانك في الطوارئ و وسط الاضطرابات وتجنب الذعر هي العلامات الحقيقية للقيادة. ” لقائلها.
~~~~~~~~~~~~
لم يجدوا لقُصي أثر بينهم، فتغضنت جباههم صدمةً اختلطت بعدم الاستيعاب و قفزت ” منة” من بينهم هاتفة بغصة شعرت بها في حلقها
” ازاي يعني مركبش معانا !! ده كان قدام عيني ! ”
صاح كريم في كابتن الطائرة
” لف بينا ناحية الجبل حالًا ”
قال الكابتن رغمًا عنه
” آسف يا حضرة الضابط.. أوامر الدولة إني أوصلكم لمصر بسلام و مش مسموح لي بالهبوط غير في مصر ”
صرخ كريم عليهم جميعًا
” يعني إيــه !! معانا واحد مفقود و نقعد ايدينا على خدنا زي الولايا ؟! نفذ الأوامر و اهبط بالطيارة ”
رد الكابتن بتوسل
” يا كريم باشا أنت عارف أوامر الدولة فوق الجميع.. لو رجعت بيكم هنتمسك كلنا و نتسلم للمحكمة الدولية لأن مهمتنا ارجاع الرهائن مش الاشتباك معاهم.. الدولة مش هتسمح بتصادم مع الناس دي عشان المصالح السياسية و الاقتصادية المشتركة بين الدول و بعضها.. و دول مهمين أوي عند دولتهم ”
” قُصي لازم يرجع معانا.. مستحيل نسيبه هناك”
هتف بها رحيم هو الآخر بخوف حقيقي على قُصي، و قال إبراهيم الذي خانته دموعه
” أرجوك يا سيادة اللواء اتصرف.. مينفعش نسيب قُصي ”
لم يكن أمامهم حل سوا الهبوط بمظلات القفز الهوائية..
~~~~~~~~~
في مكان ما، مُلغم بالأسلحة فائقة الصُنع و المختلفة، تحديدًا داخل نفق أرضي.. بداخل ذلك المكان أو النفق غرف واسعة كثيرة تحتوي على أسلحة و معدات أخرى لكن المكان منظم بطريقة رائعة حتى أن الغرف نظيفة تمامًا، كما لو أن أحدًا يعيش بها.. و في معظم الجدران عُلقت رموز خاصة بعبدة الشيطان و صور لرجال يبدو من هيئتهم أنهم ذو نفوذ و سُلطة واسعة و قوية..
في منتصف أحد الغرف، بدأ ذو العينان الزرقاوان في فتحهما ليبدأ عقله في استيعاب ما حدث..
عندما ألقى ” إياد ” بالقُنبلة الدخانية و أسرعت الكتيبة للوصول للطائرة، جاء رجل من جنود سام و قام بتخدير قُصي ثم أخذوه معهم بتعليمات من زعيمهم تخبرهم بالعثور على ذلك الفتى حيًا و الاتيان به لمقرهم الخاص..
كان جالسًا على كُرسي مزود بكهرباء، و قاموا بتقييد حركته بربط يديه خلف ظهره و ربط قدميه بسلاسل من حديد، بدا مظهره مُزريًا بسبب التشابك معهم في الجبل و القاء الكثير من القنابل التي تأثرت ملابسه منها، فظهر جسده خلف قميصه المقطوع من عدة أماكن يرتعد بفعل برودة الطقس رغم أنه تحت الأرض، و لكن هولاء قاموا بتشغيل التبريد كنوع من أنواع العذاب الجسدي، و ظهرت بعض الجروح و الندوب في صدره و وجهه..
تناثر شعره على جبهته، فحجب الرؤية عنه قليلًا..
ظل يهز رأسه و ارجاعها للوراء مرارًا للتخلص من تلك الغُرة المزعجة والتي أضفت عليه وسامة رغم الشحوب على وجهه.. تخلص منها أخيرًا و بدأ في استيعاب المكان حوله بدقة، حتى وقعت عيناه على أربعة رجال يبدو من هيئتهم أنهم حراس لشخص مهم..
تقدم واحد منهم أمام قُصي وهو يمسك سلاح رشاش Kalashnikov Commonly known as AK-47 و هو من أقوى أنواع الأسلحة العالمية و يتميز بقدرته الرائعة على إطلاق النار مهما كانت الظروف و الموانع..
هتف بلكنته الإنجليزية وهو يتأمل قُصي بنظرات بدت عليها السخرية
” والده كان خائنًا و مع ذلك.. الفتى قام بعمل جيد ”
استطاع قُصي فهمه بسهولة، مما رد عليه بسخرية مماثلة
” لتعرف من الخائن قم بعمل ال D N A
الخاص بك و بوالدك و اشكر أمك ”
عبس وجه الرجل و صاح بنبرة تهديد
” ماذا تقول أيها الوغد اللعين ”
هتف رجل آخر وهو يقوم بتوجيه بندقيته في منتصف جبهة قُصي
” سيحدث لك ما لا تحمد عُقباه ”
رمقه قُصي ببرود و قال
” لنرَ ما لديكم ”
” اخرس و إلا قمت بصعق فمك ”
قالها وهو يريه جهاز التحكم بالكهرباء المتصلة في الكرسي الذي قُيد به قُصي، فهتف الأخير بلا مبالاة
” تعرف أين يمكنك وضع هذا ”
ضحك رجل من الأربعة و قال لزملائه بنفاذ صبر
” يبدو أن الفتي سيكلفنا الكثير من التعب ”
رد زميله وهو ينظر لقُصي بغيظ
” قريبًا سنحكم العالم و ستكونوا كالعبيد لدينا.. أنتم أيها المسلمون تظنون أنفسكم أقوياء و لكن القوة كلها لإسرائيل.. المُلك لنا وحدنا ”
تعمد قُصي الضحك بصوت عالٍ أثار استفزازهم كثيرًا، و قال بثقة مُطلقة ناظرًا في عينهم بلا خوف
” هل تعرف معنى كلمة إسرائيـل أولًا ؟..
إسرائيل هو نبي الله يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام، و معناه عبد الله، لأن “إسر” في اللغة العبرية معناها العبد، و”إيل” هو الله.. ”
صمت يرمقهم بسخرية ثم تابع
” إسرائيل مجرد إسم و ليست دولة و لن تكون دولة، لأنكم في الأصل كنتم تائهون في أرض الله ليس لكم مكان، و الأراضي التي اغتصبتوها و قمتم باحتلالها و تدعون أنهم مِلكًا لكم، لم و لن تكون مِلكًا لكم أبدًا، و أنتم تعلمون ذلك جيدًا و تعلمون أن نهايتكم باتت قريبة جدًا و أنه مهما طال الزمان ستكون نهاية إسرائيل المحتلة الجحيم؛ لذلك تقومون بزراعة شجر الغرقد بكثرة تصديقًا لنبوءة الرسول محمد صلّ الله عليه وسلم بأنّ هذا النوع من النبات سيكون مصدر الحماية الأوحد لليهود في معركة آخر الزمان.. و بالنسبة لاحتلالكم فلسطين فهي مثل طائر العنقاء ينبعث من تحت الرماد أكثر قوة وصلابة في كل مرة تحاولون تدميرها ”
نظروا فيما بينهم بدهشة و غضب ليقول واحد منهم
” هذا الفتى أصبح يشكل خطرًا جسيم علينا ”
رفع آخر مسدسه تجاه قُصي وكاد أن يضغط عليه، لولا أن أوقفه زميله قائلًا
” لا ترغب أن تلطخ يدك بمثل هذا الدم صدقني”
أما قُصي كانت نظراته لهم تنم عن البلادة، ليقول وهو يزفر بملل منهم
” لماذا تضيع وقتك بهذه الثرثرة عديمة الجدوي ؟ إذا كنت تريد قتلي.. هيا افعل.. سيأتي ألف قُصي من بعدي ”
” أنت لا تدرِ ما الذي أقحمت نفسك فيه ”
” هل تعلم أن حبس الغازات وعدم اطلاقها يؤدي إلى صعودها للدماغ عن طريق العمود الفقري فتصيب الدماغ بسكتة خرائية ينتج عنها أشكال خرائية مثلكم تمامًا ؟! ”
قالها قُصي باستهزاء و برود تعمد اظهارها في نظرات عينيه.. كاد أن يتحدث آخر و لكن الصوت الذي سمعوه جعلهم جميعًا في صمت تام..
كان ذلك الصوت عائد لأنثى الأسد التي دخلت الغرفة عليهم قبل دخول ذلك الرجل حاد النظرات، الذي فور دخوله قاموا بالانحناء الأربعة له في طاعة عمياء..
عندما وقعت عيناه على هيئة قُصي الشاحبة، استدار لهم و صرخ عليهم بصرامة هاتفًا
” ماذا فعلتم به ؟ لقد أمرتكم أن تحسنوا معاملته.. ألا تعلمون مدى أهمية الفتى عندي ! اغربوا عن وجهي الآن و إلا فجرت رؤوسكم جميعًا ”
خرجوا الأربعة بخوف، و التفت الرجل يقول باللهجة المصرية لقُصي و بابتسامة حنونة طغت على ملامحه جعلت قُصي في أوج دهشته..
” كُنت خايف أموت قبل ما أشوفك.. أنا أبوك الحقيقي يا قُصي.. و أنت رافائيل ابني اللي خطفوه من حضني من اثنان و عشرون سنة ”
~~~~~~~
بعد عدة ساعات في السماء مضت على بدر و سيف الإسلام، هبطت الطائرة أخيرًا في الولايات المتحدة الأمريكية لتبدأ رحلة علاج سيف و العودة للسير على قدميه..
أما بالنسبة للكتيبة، فعندما هبطوا بالمظلات لم تمر النصف ساعة عليهم من البحث عن قُصي، و تم القاء القبض عليهم جميعًا و ترحيلهم للمحاكمة الدولية..

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية يناديها عائش)

‫6 تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *