روايات

رواية يناديها عائش الفصل الثامن والسبعون 78 بقلم نرمينا راضي

رواية يناديها عائش الفصل الثامن والسبعون 78 بقلم نرمينا راضي

رواية يناديها عائش البارت الثامن والسبعون

رواية يناديها عائش الجزء الثامن والسبعون

يناديها عائش

رواية يناديها عائش الحلقة الثامنة والسبعون

من تحت الأنقاض، تنبثق غزة أقوى. في كل مرة يحاولون إسكات صوتك، تعودين بصوت أعلى وأشد.
اللهم اجعل قلوب إخواننا أقوى من الجراح، وامنحهم الصبر والثبات في مواجهة الظلم. اللهم احفظ غزة وأهلها، وارزقهم النصر والفرج القريب، واجعل من محنتهم منارة للأمل وصوتًا للحق لا ينقطع.
_____________
على المرء أن يكون ثعلبًا ليعرف الفخاخ، وأن يكون ليثًا ليخيف الذئاب.
_ ميكافيلي .
~~~~~~~~~~~~~~
تغيرت تعابير وجه ” منة” تمامًا للصدمة المختلطة بعلامات الدهشة، عندما وقعت عيناها على
” اللواء عزمي” مُقيد و مُكبل بسلاسل حديدية مع باقي الرهائن الأربعة..
استطاع ” قُصي ” يسمعها من خلال جهاز التواصل اللاسلكي، بينما كان يتبعها داخل النفق المؤدي لسجن الرهائن، فتساءل في دهشة
” اللواء عزمي ! ”
لم تنطق ” منة” بشيء بسبب صدمتها، فكان آخر شيء يتوقعونه أن يكون اللواء ضمن الرهائن أيضًا !
قالت في صدمة وهي تقترب منه
” عزمي باشا ! طب ازاي !؟ ”
لم يستطيع اللواء التفوه بحرف؛ بسبب تلك اللاصقة الغليظة التي التصقت بفمه، و بفم باقي الضحايا أيضًا.. أسرعت ” منة” بنزع اللاصقة من عليه، ليأخذ أنفاسه بعمق ثم همس بتعب بدا عليه
” خـَ.. خطفوني ”
نهضت ” منة” فجأةً بصدمة جعلت عقلها يتوقف عن التفكير لبُرهة من الزمن، بينما اللواء بدا عليه تعبيرات مختلطة من الغضب و التوتر فقال في توعد
” الكلاب قدروا يعملوها ”
تساءلت في حيرة
” قصدك إن إحنا اتغفلنا يا سيادة اللواء ! ”
نظر لها بخيبة و إِنْكِسار مُردفًا
” للأسف الشديد ”
” طيب و العمل ؟! ”
تساءلت بها ” منة ” في عجز و قبل أن يتحدث اللواء، أقبل عليهم ” قُصي ” راكضًا وهو يُشهر سلاحه؛ لتتلاقى عيناه بعينين اللواء عزمي مما شهق بدهشة
” عزمي باشا !! ”
نظرت له ” منة ” قائلة بيأس
” كل اللي عملناه طار في الهوا.. اللي كان بيدربنا في الفترة الأخيرة واحد شبه اللواء تبعهم ”
” مستحيل ! يعني اللي كُنت شاكك فيه طلع صح ! ”
قالها قُصي و آثار الدهشة قد فُصلت على مقاس وجهه، مما سألته منة بعدم فهم
” إحنا كده ضعنا ؟! ”
صمت للحظات يفكر بغضب قتل الدهشة و سيطر على وجهه كُليًا، فهتف بحُنق
” معلش.. مجراش حاجة.. طول ما إحنا لسه فينا نفس.. نقدر نقوم من تاني.. بس المرة دي قومتنا هتبقى بوقعتهم كلهم ”
وصل لمسامعهم صوت الضجة تعم في الخارج و على مشارف من الوصول لهم..
هتف قُصي وهو يتحرك ليطلق سراح الرهائن من قيودهم
” بسرعة.. لازم نفكهم قبل ما يوصلوا لنا، و الطيارة اللي مستنية برا هتوصلهم لبلدهم بسلام إن شاء الله.. و بعدين نفضل لشوية الكفرة دول ”
ساعدته منة و كذلك اللواء الذي اقترب من والدته هامسًا بدموع
” سامحيني يا أمي.. آخر حاجة كُنت أتوقعها إنه يخطفك.. سامحيني بس لازم اللعبة تنتهي و يموت.. لازم يموت ”
نزلت الدموع من عين والدته العجوز لتقول بحسرة
” رجع الشباب دي بلدها و سيبني أنا يا عزمي.. أنا هعرف أوقفه ”
” كُنتِ حضرتك وقفتيه من زمان.. القضية بقت قضية بلد و شعب و الموضوع لازم ينتهي في أسرع وقت ”
لم تنطق والدته بشيء، و ظلت تبكي في استسلام.. وجه قُصي حديثه للجهاز اللاسلكي ليسمعه بقية زملاؤه في الخارج، قائلًا بحزم
” استعدوا.. أول ما الباب يتفتح الطيارة تكون جاهزة للإقلاع ”
أتاه الرد من كريم يتأهب لاستلامهم
” و إحنا جاهزين ”
تحرك الضابط كريم و معه ضابط آخر و أيضًا رحيم لاستلام الرهائن، بينما تم إعطاء الأمر لإبراهيم و إياد لبدء عملية تمويه العدو عن طريق إطلاق صفارات بما تشبه صفارات الإنذار و إطلاق قنابل مسيلة للدموع حول الجبل..
أما بالداخل، وصل اللواء عزمي و معه الرهائن للباب المخفي وراء جدران الكهف، و الذي استطاع قُصي اكتشافه و الوصول إليه بواسطة الفلاشة السرية التي كانت بحوزة ” سام إدوارد “..
قبل وصول سام و بعض حراسه إلى قُصي و البقية، كان اللواء و الرهائن الأربعة في الخارج و في تلك اللحظة بدأ الجدار الحجري يعود كما كان، بينما قُصي و منة لا زالا في الداخل و لم يتبقى سوى مكان صغير للعبور من تحت الباب الحجري قبل أن يُغلق، لا يسع سوا لجسدٍ واحد فقط..
تبادلت منة النظرات مع قُصي بتوتر، ليقول الأخير باصرار و هو يزج بها للمرور سريعًا قبل أن يُغلق كُليًا..
” يلا بسرعة.. اطلعي.. ”
هزت رأسها بنفي و إصرار هي الأخرى قائلة
” مش هسيبك لوحدك.. ”
صاح قُصي بتعصب
” أنا هعرف أتصرف معاهم.. اخلصي يا منة ”
وصل إليهما سام و رجاله المسلحون، مما استغلت منة فرصة غفلة قُصي حين رآهم، و قامت برشاقة بركل جسده ناحية الباب ثم دفعته بقوة للخارج و انغلق الباب في الحال و عاد كما كان، جُزء لا يتجزأ من جدران الكهف.. !
أصبح الباب الحجري فاصلًا بين “قُصي” الذي أصبح مع بقية الكتيبة خارج الكهف، و “منة” التي تم محاصرتها من قبل الرجال المسلحون..
بدأ عقل قُصي في ترجمة الأحداث سريعًا و استيعاب ما فعلته تلك المتهورة، وهي تنقذه بالتضحية بنفسها..
كاد أن يجن جنونه وهو يركل الباب الحجري صارخًا بفزعٍ عليها
” ليــه يا غبيــة ليـــه.. ”
لحظات و عم الصمت على الجميع في الخارج، بعد سماعهم لصوت تبادل الرصاص كالغيث القوي.. !
اندفع اللواء نحو قُصي يشده هاتفًا
” مفيش و قت يا قُصي.. لازم نهرب بسرعة”
سحب قُصي يده منه بقسوة ليقول
” نهرب ! إحنا مقطعناش المسافة دي كلها عشان في الآخر نهرب.. يا نواجه و ننتصر يا إما نموت بشرفنا.. ”
” قُصي.. اسمعني يا بني.. الموضوع طلع أكبر مما إحنا كُنا متخيلين.. دول شياطين يا قُصي.. مينفعش نقف في وشهم ”
” مش دول شياطين ! حلو.. و كيد الشيطان ضعيف و ضعيف أوي قدام المؤمن بالذات، و إحنا مؤمنين بقوتنا و نقدر نواجههم كلهم.. قُلتم إيه يا رجالة ؟! ”
قالها قُصي بثباتٍ و إيمان قوي بالنصر ترسخ بداخله، و هو يوزع نظره عليهم، فأردف كريم يوافقه الرأي
” قُصي عنده حق يا سيادة اللواء.. مش المصري اللي يوطي راسه لعدوه.. إحنا اسم بلدنا لوحدها يرعب قلوبهم لو نطقوها.. مش بعد ما قطعنا المشوار ده كله نرجع إيد ورا و إيد قدام ! ”
” منة بقت في خبر كان دلوقت.. يا عالم مين اللي بعدها ”
قالها اللواء بضعف سرى بداخله.. رد قُصي بدموع حاول اخفائها
” حتى لو بقت في خبر كان فهي شهيدة بإذن الله.. مع إني واثق إنها لسه عايشة ”
هرولت الطبيبة شمس تبحث عن منة بعيون تأكلها الفزع، فصاحت باكية
” منة فين يا قُصي ؟؟ ”
أخفض قُصي رأسه بحزن يُفكر في طريقة للدخول للكهف ثانيةً و البحث عن منة، فأعادت إلقاء السؤال على اللواء و الضابط كريم بانهيار
” حد يرد عليا.. أختي فيــن ؟! ”
” مش هنسيبها.. متقلقيش ”
قالها كريم بمواساة و لكن نظراته تنُم عن فقدان الأمل..
أعطى اللواء إشارة لكابتن الطائرة بالاقلاع و معه الرهائن، مع التوصية الشديدة على والدته بالأخص، ثم عاد للانضمام للكتيبة بعد أن قرر الهجوم على الكهف دون أن يضعوا في الحُسبان العواقب الوخيمة المترتبة على ذلك، و ليحدُث ما يَحدُث..
_____________________
“الوقوع في حُب شخص حنون، نجاة.” ♡
~~~~~~~~~~~~
انحنت ” عائشة” لتفتح حقيبة السفر و تضع فيها ملابس ” بدر” وهي تبتسم بمكر قائلة
” خدت بالك من نظرات زين لشهد بنت عمنا؟ ”
ضحك بدر وهو يهز رأسه دلالة على قلة الحيلة، فاقتربت منه عائشة تتفحصه بدقة غامزة
” أنت مالك احلويت كده ليه ! ”
تعجب بدر منها، و ازدادت ضحكاته القمرية التي أثارت إعجاب عائشة؛ فجلست على فخذيه و أحاطت رقبته بدلال هامسة
” تعرف إن ضحكتك حلوة أوي ”
رمقها بدر باستغراب واضعًا كفه على جبهتها مُتصنعًا تحسس حرارتها، ليتساءل
” أنتِ كويسة ؟! ”
نهضت واضعة يديها حول خصرها قائلة بنبرة هزلية
” أنا مش عارفة أنا بقيت وقحة كده امتى و ازاي ! ”
نظر لها بدر باشتياق و تبسم قائلًا
” هتوحشيني بجد ”
” متفكرنيش بقى عشان أنا أصلًا لسه بحاول استوعب أنك هتبعد عني أسبوع كامل ”
قالتها بحزن بدا في نبرات صوتها وهي تستدير لتكمل ترتيب الملابس في الحقيبة، فنهض بدر و جاء من خلفها يستند بذقنه أعلى كتفها الضعيف مقارنةً به، ثم طوق خصرها بحنو و برّقة ضمها إلى صدره هامسـًا بنبرة حنونة
” مُهجتي، يا أسيرةُ قلبي.. كُل شيء في وجودك يُصبح كاملًا، في يسـار صـدري اسمُك يتجلىٰ مُسيطرًا، رقـتك تُثـير زوبعةً في قلبي؛ تجعله يتراقـص كعصـفور صغير وجد مفـرًا من قـفصه..
صغـيرتي، يا من فَتنتِ عينـاي بابتسامتـك.. لا تحرميني طـَلتك..
عائـش، يا مُهجـة قلبي.. دلالك و غناجك أرهق رجُلًا يستحي أن يرفع بصره في عين إمرأة..
أنتِ امرأتي و يُرهِقنـي أنـكِ امرأتي، حبيبت قلبي و فاتنة روحي.. تلك الشفتانِ المُكتنزة قُبلةً واحدةً منها تُصـلح جُلَّ ما أفسدتـه الحيـاة في لحظةٍ واحدة.. يا عائش يا صغيرتي، أنا لم أُحبك لشيء و لكنِ أحببتـُكِ لأنـكِ كُل شيء.. أتساءل أحيانًا إن كان على قلبي عَـتْب في شوقه و توقه إليكِ رغم وجودك معي دائمًا ؟! ”
استدارت في مواجهة وجهه تتأمله بحُب و بعيون لمعت بها دموع السعادة، ثم قالت بعد دقيقة من التواصل البصري بينهما
” معنديش كلام أقوله.. دايمًا بتنجح إنك تخلي قلبي يرفرف من الفرحة.. أنا بحبك أوي يا بدر ”
مسح دموعها برّقةً و قال باسمًا
” أنا بحب اللغة العربية و بحب الغزل بالفصحى و بحب الشِعر جدًا، لكن لما بقف قدامك و أبص في عيونك تلقائيًا لساني بيتحرك و يقول كل اللي في قلبي بدون ترتيب.. أنتِ نعمتي يا عائـش و أعوذ بالله من زوال النِعم.. ”
فكرت للحظات في بيت شعر بالفصحى يليق به، فهى لا تفهم بالشعر و معانيه و تعجز عن قول بعض الجُمل الغزلية بالفصحى، فهي ليست بارعة مثله في القاء الشِعر.. هتفت بثقة عندما تذكرت بيتًا من الشعر كانت قد قرأته يومًا ما..
” فلأقعدنّ على الطريقِ و أشتكي
وأقول مظلومٌ وأنت ظلمتني
و لأدعونّ عليك في غسق الدجى
يبليك ربي مثلما أبليتني ”
رمش بدر و هو يتأملها بنظرات بدا عليها عدم الفهم حول ما قالته، و لماذا اختارت ذلك البيت بالتحديد، فتساءل باستغراب و تعجُب
” أنا عملت كل ده ؟! ”
ظلت تبتسم ابتسامة بلهاء و أمارات الغباء بدت على ملامحها، قائلة في حماس
” عجبك ؟ ”
تبسم ضاحكًا، ثم ازدادت ضحكاته وهو يقول من بينها
” هو أنتِ حافظة مش فاهمة ! ”
” منا مليش في الشعر زيك.. و معرفش أقول كلمتين غزل فصحى على بعض ”
قالتها بحزن مصطنع، فضحك ثانيةً وهو يضمها إليه و يُقبل رأسها قائلًا
” مش لازم تقولي غزل بالفصحى أو شِعر، يكفي أنك بتحبيني و ده اللي أنا عاوزه منك بس ”
” تعرف إنك بتفكرني بالسُلطان سُليمان القانوني.. دايمًا كان يقول شِعر للسلطانة حُرم من كُتر عشقه ليها ”
” أنتِ جنتي على الأرض يا عـائـش ”
عقب بدر قوله بوضع قُبلة عميقة في كفيها، ثم أردف بنبرة نُعاس
” هنام بقى عشان أقدر أقوم الفجر إن شاء الله ”
تذكرت عائشة في الحال تلك الهدية التي أوصت عليها من أجل ذكرى يوم ميلاده، فحاولت تأخيره نصف ساعة عن النوم حتى يحضرها زين لها..
هتفت بنبرة عالية في محاولة منه لتشتيت عينيه عن الاستسلام للنوم
” لسه بدري.. معقول عاوز تنام من غير عشا ! ”
عقد جبينه في استغراب و قال
” ما إحنا لسه متعشيين الحمدلله ”
صفعت جبهتها متذكرة لتقول
” آه نسيت معلش.. أصل باين عليك أنك هفتان ”
تبسم بدر هامسًا وهو يستعد للنوم
” تصبحي على خير يا مجنونة ”
شهقت بدهشة مصطنعة و صاحت
” أنت هتنام بالسهولة دي ! مش كفاية هتغيب عني أسبو.. كمان هتنام كده و تسيبني ؟! ”
تمتم بدر بتعب
” عاوزه إيه يا عائـش ؟ ”
” الحمدلله قالي عائش.. يبقى لسه بيحبني.. ”
” بطلي جنانك ده و تعالي نامي.. بدل ما بتصحي شبه الفرخة الدايخة ”
ضيقت عينيها وهي ترمقه بغيظ بعد أن خطفه النوم بالفعل، فاتجهت لخزانة ملابسهما و أخرجت بدلة رقص مصرية و معها عصا صممت للرقص بها، لترتديها فوق البچامة ثم ضربت بالعصا على الكومود بجانب بدر، فطار النوم من عينيه و نهض بفزع متساءلًا..
” في إيـه !! ”
” فيه إن أنا جوايا واحدة رقاصة وجه الوقت عشان تطلع و تنور ”
مسح على وجهه و زفر بقلة حيلة، و راح يتأملها من رأسها لأخمص قدميها هاتفًا بتعجب و دهشة
” بدلة رقص على بچامة ! طب ازاي ؟! ”
“مش معنى إن أنا رقاصة يبقى أشيل ذنوب ! لا يا حبيبي.. أنا أرقص آه لكن باحترامي”
” لا برافو.. ما شاء الله عليكِ.. ممكن بقى تسيبني أنام ؟! ده بعد إذن يعني الأستاذة صوفي باز يطير ! ”
ضحكت من آخر جملة قالها، ثم أخذت تتوسل إليه بطريقة الهنود..
” ما تسيبني أطلع الموهبة اللي جوايا.. هو في راجل يكره مراته ترقص له ! و لا عاوزني أسيبك تبص بره ؟! ”
زفر بدر مُستسلمًا لها ليقول
” اتفضلي.. وريني عرض القرود الراقصة بتاعك ”
” قرود راقصة ! ”
” مهو أنتِ اللي بتعمليه ده مش إغراء.. أنتِ كده فاهمة الإغراء غلط يا حبيبتي.. عاوزه ترقصي معنديش مانع بس تلبسي البدلة صح ”
شعرت عائشة بالاحراج من طلبه، و همست لنفسها
” هي مالها بردت كده ليه !.. هو الموضوع قلب جد و لا إيه ! ”
حمحمت لتقول في محاولة منها للهروب من طلبه
” أصل بصراحة نسيت هي بتتلبس ازاي.. ما تلبسها أنت كده و وريني ”
” نعم !! ”
هتف بها بدر و عينيه تتسع بدهشة من قولها، ثم أظلمت عينيه وهو يرمقها بنظرات ماكرة لينهض من الفراش متوجهًا نحوها بحيلة اشتعلت في رأسه لمعاقبتها على طريقته الخاصة.. تراجعت هي للوراء محدثة نفسها بلَوم
” يا غبية يا عائشة.. ملقتيش يعني غير اللعبة دي اللي تلعبيها ! ”
تنفس بدر بهدوء وهو يتفحص جسدها المرتجف منه بخوف، فهي تعلم فيما يفكر الآن و هو يعلم أنها تفهم ما يدور في رأسه جيدًا، فقال بنبرة منتصرة وهو يحيطها بين ذراعيه
” قدامك حل من الاتنين.. يا إما تروحي تنامي مع أمي و أنا عارف إنك مستحيل تعمليها عشان بتتحرجي.. يا إما تلبسي بدلة الرقص كويس و ترقصي بجد يا عائش ”
قال آخر جملة بنبرة عالية نسبيًا للدلالة على تأكيد طلبه..
” عيب يا شيخ بدر.. ده أنت بتصلي بالناس ”
قالتها عائشة في محاولة للهروب من بين ذراعيه، فضحك بدر بشدة غير مُصدقًا ما تفوهت به.. هتف و الضحك ينال من قلبه
” هو أنا جايبك من الشارع ! ده أنتِ مراتي !! ”
” ايوه بقى.. دخلنا في سكة أنتِ مراتي يا بت.. لا يا حبيبي أنا محدش ياكل بعقلي حلاوة.. فكك ”
استطاعت الفرار هاربة منه، بينما هو ظل يناظرها بدهشة مستغرقًا في الضحك ليقول
” أنتِ بلوة.. بس بلوة لازم تبقى موجودة في حياتي عشان أعيش مرتاح ”
” بقولك إيه.. أنت مش كنت عاوز تنام.. تعالى نام و اعتبر إن مفيش حاجة حصلت ”
” أنام بعد ما طيرتي النوم من عيني يا مفترية ! مقولتيش برضو.. أخترتِ إيه ؟ ”
” في إيه ! ”
تساءلت بعدم فهم، فغمز لها يُكرر عرضه.. ابتسمت بخجل لتقول
” ما تجرب أرقص لك و أنا محتشمة.. صدقني والله هتطلع من هنا مبسوط ”
” أطلع من هنا مبسوط ! هو أنا قاعد في كباريه !! ”
في تلك اللحظة رن هاتفها بإسم زين أخيها، مما تنفست بأريحية كأنه جاء في الوقت المناسب.. هتفت بسعادة
” ده زين.. أروح أشرب عشان عطشانه أوي و بعدين هكلمه ”
اتجهت نحو باب الغرفة للخروج، فأوقفها بدر ضاحكًا عليها..
” هتطلعي بالمنظر المريب ده ! ”
نظرت لنفسها باستيعاب و ضحكت من هيئتها، ثم نزعت البدلة عنها و خرجت من الغرفة بعد أن أغلقتها خلفها، ثم اتجهت بتريث للأسفل و أخذت الهدية المغلفة من زين شاكرة إياه، و صعدت بحذر ثانيةً وهي تتخيل رد فعل بدر عندما يراها..
دخلت غرفتهما و هي تخفيها خلف ظهرها قائلة لبدر بابتسامة عذبة
” غمض عينك ”
” هو العرض لسه شغال و لا إيه ؟! ”
ضحكت هامسة
” كل اللي حصل ده عملته عشان تفضل صاحي لحد المفاجأة اللي عملتها عشانك ما تيجي ”
” مفاجأة !.. طيب افتح ؟ ”
” فتح ”
فتح عينيه لتستقر على علبة هداية زينت بطريقة جميلة تمسك بها عائشة و تقدمها له برّقة، قائلة
” ربنا يبارك لي في عُمرك.. كل سنة و أنت معايا يا أغلى حاجة في حياتي ”
نظر لها بدهشة و فرحة اتضحت على ملامحه وهو يأخذ العلبة و يفتحها، ليجد ساعة جميلة تحمل صورتهما سويًا.. اتسعت ابتسامته باعجاب وهو يتفحصها، ثم وضعها بجانبه و اتجه نحو عائشة لينحني و يحملها بخفة بين يديه على غفلة منها، هامسـًا
” اليوم اللي اتخلقتِ فيه هو يوم ميلادي ”
” عجبتك ؟ ”
” مش منك ! أكيد هتعجبني.. ”
” تعالى بقى إما أحكيلك السندوتشات اتسرقت مني و أنا في تالتة ابتدائي ازاي ”
ألقى بها على الفراش قائلًا بتوسل
” أبوس إيدك ورانا طيارة الصُبح ”
____________________

‏”من معارك المؤمن اليومية في هذه الحياة؛ ألا يتسلل اليأس إلى قلبه.”
~~~~~~~~~~~~
وقفت رُميساء تفرك أصابعها في توتر بجانب روان، التي تنظر بثقة و ثبات أمامها دون اللامبالاة لشيء..
تحدثت رُميساء بخوف بدا في نبرات صوتها
” أنا خايفة يكتشف إننا بنحور عليه ”
رمقتها روان بحدة و قالت
” رُميساء.. اهدي كده.. خوفك و توترك ده هو اللي هيخليه يشك فينا.. اتعاملي بطبيعتك.. و بعدين هو اللي لازم يخاف مش إحنا ”
” ايوه يا روان.. بس متنسيش إنه كان لواء سابق”
قاطعتها روان ساخرة
” كان.. و كان فعل ماضي مبني على الفاضي.. بقولك إيه.. أنا اللي هتكلم معاه.. اقعدي أنتِ ساكتة ”
تساءلت رُميساء بقلق
” طب و كريم ! ”
” ماله هو كمان !! ”
” لو عرف الحقيقة ! ”
التفت لها روان بنفاذ صبر قائلة بخفوت
” أجيب لك من الآخر.. كريم زوجك ده ما هيصدق يمسك أي حاجة على أبوه ”
لحظات وجاء حارس الفيلا يقول بترحاب
” اتفضلوا يا بنات.. رياض بيه مستنيكم في مكتبه ”
” شكرًا يا عمو ”
قالتها روان وهي تسير في المقدمة و تسحب رُميساء الخائفة من خلفها، حتى وصلا للمكتب و استقبلهما رياض بفتور و برسمية قائلًا
” اتفضلوا استريحوا ”
جلست روان أولًا بثقة تتبعها رُميساء بتوتر جاهدت في إخفائه..
بادرت روان في الحديث عندما وجدت اللواء يحدق بهما بعدم فهم لوجودهما..
” أعرفك بنفسي يا عمو.. أنا روان تقدر تقول أخت رُميساء و عائلتها غاليين عليا زي عائلتي بالضبط.. مش هطول على حضرتك و هدخل في الموضوع علطول.. ”
” ياريت ”
قالها رياض بلا مبالاة، فقالت روان بنظرات تحدي غير آبهةً لفرق السن الكبير بينهما..
” عاوزه أساعدك تطلع الآثار اللي تحت بيت رُميساء ”
نهض رياض بصدمة و توتر من معرفتهما للأمر، فهتف متساءلًا بعدم اتزان
” أنتم.. أنتم مين قال لكم الكلام ده ؟! ”
” مش أنا مخاوية ”
هتفت بها روان في استهزاء و سخرية، فازداد توتر رياض و جلس مكانه بهدوء يحاول استيعابه.. تساءل بعد لحظات
” و المطلوب ؟ ”
” حلو.. كده إحنا بدأنا نفهم بعض.. المطلوب إن حضرتك تسمعني كويس في اللي هقوله ده ”
بدأ رياض يمتثل لأوامرها، و اعتدل في جلسته مُنصتًا لما ستقوله، و بدأت روان في سرد خطتها عليه و كيفية الحصول على الآثار دون تسبب ضرر لأحد من أهل البيت أو حتى معرفتهم بالأمر، و لأن رياض يكترث بشدة للفوز بتلك الغنيمة بأي ثمن، أُعجب كثيرًا بالخطة و وافق على كل ما اقترحته عليه..
بعد مرور نصف ساعة من تجاذب أطراف الحديث بين روان و رياض و رُميساء التي لم تشارك سوا بالاستماع لهما.. قال رياض مُتنهدًا بأريحية
” و أنا موافق.. و هيبقى لك حصة من الثروة العظيمة دي يا آنسة روان ”
” لا حصة ولا درس.. أنا مش عاوزة حاجة غير إننا نلحق أم البت الغلبانة دي ”
قالتها روان مُصطنعة الحزن و التأثر، فتبسم رياض بسعادة وهو يتخيل نفسه يغوص بين تلك الآثار..
نهضت روان قائلة بابتسامة مزيفة
” نستأذن إحنا بقى و على ميعادنا زي ما اتفقنا ”
نهض رياض هو الآخر موجهًا حديثه لرُميساء
” متزعليش مني يا مرات ابني على اللي حصل المرة اللي فاتت ”
ابتسمت رُميساء بغيظ و قالت
” اللي فات مات يا بابا ”
” صدقي حلوة منك كلمة بابا.. هكلم كريم و أخليه يعجل بالفرح.. نفسي أفرح بيكم بقى ”
تمتم فمها بتعصب منه وهي تحاول كظم غيظها
” إن شاء الله ربنا يوقعك في شر أعمالك ”
سحبتها روان للانصراف من مكتبه و الفيلا وهي تقول ضاحكة
” و أنا أقول حماكِ قفاه كبير ليه دونًا عن باقي أهله.. أتاريه بينضرب عليه كتير.. إن شاء الله خطتنا تمشي زي ما إحنا عاوزين ”
تساءلت رُميساء ببراءة
” روان.. هو اللي بنعمله ده مش حرام ؟ ”
” لا مش حرام.. هو اللي بدأ و إحنا بنسهل عليه الطريق مش أكتر.. و بعدين أي حرب بيبقى فيها خطط للايقاع بالعدو و إحنا معملناش حاجة غير إننا حطينا خطة و بننفذها.. و الحرب هو اللي بدأها.. ”
” أنتِ دماغك دي يتخاف منها ”
” الحياة علمتني كده.. و على رأي المثل..
قل للبغال وإن تعالى صوتها ما قص أجنحة الصقور نهيق.. ”
” يعني إيه ؟! ”
ردت روان و هي تخرج العلكة من حقيبتها
” يعني تروحي تنفذي الخطة اللي اتفقنا عليها عشان لازم بكرة يكون البيت فاضي، و أنا هكلم رئيس الحرس اللي على بيتكم أظبط معاه الدنيا ”
” نفترض إنه موافقش ! ”
” مش شغلك بقى.. اعملي اللي بقول لك عليه و خلاص ”
زفرت رُميساء بتوتر قائلة
” ربنا يستر و الموضوع يعدي على خير.. ”
” اعملي حسابك هنروح القسم بكرة قبل ما تسافروا عشان نعمل اللي اتفقنا عليه ”
قالتها روان، ثم اتجهت لاستدعاء رئيس الحرس بينما رُميساء دخلت البيت لتعرض على أهلها السفر للتنزه في الأسكندرية..
وضعت ” روان ” خطة محكمة تجعل من يسمعها لا يصدق أنها تخرج من فتاة بمثل عمرها..
بعد أن أوهمت ” رياض ” بمساعدته لإيجاد تلك الأثار المدفونة تحت منزل ” رُميساء ” أصبح عليها تنفيذ الخطة الحقيقية لتحقيق المرغوب منها، وهي إقناع رئيس الحرس اللذين عينهم كريم لحراسة بيت زوجته قبل سفره لأداء المهمة الوطنية؛ بالوقوف في صفهم مقابل الحصول على مكافأة ثمينة و ترقية مرضية من كريم حينما يعود لمصر و يعرف أنه استطاع بشهامة حماية زوجته و عائلتها من بطش والده، و لأن الرجل على علم بما حدث لرُميساء من تحت رأس رياض و أن كريم على خلاف كبير مع والده، وافق على خطة ” روان” ظنًا بأن ذلك سيرضي سيده..
و غرض روان من موافقته على الخطة، هو القيام بإخلاء المكان من حراسه لتسهيل لرياض الدخول للبيت، و عندما تتأكد من بدء رياض أعمال الحفر.. تتجه لقسم الشرطة و معها رئيس الحرس و رُميساء لتقديم بلاغ عن لواء سابق يهدد حياة مدنيين للخطر بهدم منزلهم للعثور على أثار مستخدمًا لقبه السابق كلواء في الداخلية ولا يهاب أحد و لا يهتم بشؤون المواطنين، و عندما يعلم الضباط أن من قدمت الشكوى هى زوجة ضابط المخابرات المصرية ” كريم الكردي ” و هو رجل مهم لدى الدولة، سيتحركون في الحال و يلقون القبض على والده بتهمة تعريض حياة زوجة رجلهم للخطر، باعتبار أن كريم أهم من والده لدى الدولة الآن..
و بالفعل سارت الخطة كما رسمتها روان و بدون أي خلل فيها، فبعد أن وافق والد رُميساء على السفر جعلتهم ينتظرون في السيارة، لأنها نسيت أمرًا مهم عليها فعله ثم ستعود إليهم حالما تنتهي، و اتجهت لقسم الشرطة لتجد روان و رئيس الحرس ينتظرونها هُناك؛ لئلا يدخل الشك قلب والدها إذا رأى روان معها أو ذلك الحارس..
و ها هي تجلس الآن بتوتر حاولت السيطرة عليه وهي تخبرهم بتهديد حماها لها و لعائلتها و أنهم إن لم يخرجوا من المنزل حالًا سيقوم بهدمه فوق رؤوسهم..
وصل الأمر للجهات المختصة و تم إصدار الأمر بخروج قوة للتحرك فورًا و إلقاء القبض على اللواء السابق ” رياض الكردي ” و تم الامساك به بالفعل وهو يأمر العاملون بالحفر داخل البيت و بجانبه يقف دجال يسانده في ذلك..
أخبرت رُميساء أهلها بالحقيقة كاملة، فانزعج منها والدها و صرخ عليها أن ما فعلته سيعود عليهم بالضرر، و لكنها طمأنته أن زوجها سيحل كل شيء، و حماها كان يجب ردعه بأي حال من الأحوال..
انتفض رياض بصدمة و ارتبك فور رؤية الشرطة تحاصر المكان..
قال أحد الضباط بهدوء
” اتفضل معانا يا رياض باشا ”
فقد رياض أعصابه و ظل يصرخ عليهم بوعيد و تهديد هاتفًا
” أنتم نسيتم نفسكم ولا إيــه !! أنا اللواء رياض الكردي ”
اقترب الضابط منه و تحدث بأدب
” حضرتك على راسنا بس البيت اللي بتحاول تهده ده يبقى بيت مرات ابنك يا باشا.. و حضرتك عارف الضابط كريم مهم عندنا و عند الدولة قد إيه.. و زوجته في حمايتنا طالما هو مش موجود.. حضرتك اتفضل معايا من غير شوشرة ”
لم يكف عن الزمجرة و التهديد و الصياح فقال
” طيب.. أنا هوريكم.. ”
” حضرتك هتفضل مشرفنا في زنزانة خاصة لحد ما كريم بيه يرجع مصر و في محضر عدم تعرض هتمضي عليه ”
” بقى أنا ينضحك عليا من شوية عيال بـ*** زي دول ! ماشي.. حسابكم تقل معايا ”
” اتفضل يا باشا ”
قالها الضابط وهو يشير لسيارة مخصصة لنقل المتهمين للسجون، و لكنها نظيفة تمامًا تليق برتبة رياض السابقة، أما روان قالت ساخرة وهي تتابعه بنظراتها الهازئة بينما يركب السيارة
” سكة السلامة يا رياض باشا ”
جاء مصطفى والد رُميساء من خلفهم و قال باستياء
” أنتم ازاي تعملوا كده من ورانا !! كريم لما يعرف اللي حصل لأبوه هيكون وضعه إيه معانا ؟! ”
صمتت رُميساء بخجل، و تحدثت روان بأدب
” كريم مش هيسكت لأبوه على اللي عمله ده.. حضرتك متعرفش رُميساء بالنسبة لكريم إيه.. غير كده بعد الفضيحة دي رياض مش هيقدر يضايق بنتكم بأي طريقة تاني لأنه كده اتعلم عليه و مش في صالحه أبدًا أنه يحط رُميساء في دماغه ”
” بس ممكن يحطك أنتِ في دماغه ”
قالتها رُميساء بخوف حقيقي على روان، فضحكت الأخيرة قائلة
” ليـه ! هو أنا قفايا كبيـر زيه !! ”
” طيب يلا عشان تتغدي معانا ”
” لأ.. همشي أنا عشان هفتح الحضانة بكرة إن شاء الله.. بقالي يومين قفلاها و قايلة للولاد على أجازة.. كفاية كده.. نرجع نمارس حياتنا بشكل طبيعي بقى ”
” ماشي.. خلي بالك على نفسك و كلميني لما توصلي ”
قالت روان بابتسامة هادئة قبل أن تذهب
” سامحني يا عمو بس كان لازم نأدب الراجل ده عشان رُميساء تبطل تخاف ”
” والله يابنتي أنا مش خايف غير عليكم.. ربنا معاكِ و شكرًا على وقفتك معانا ”
” مفيش شُكر بين الأهل يا عمو.. يلا مع السلامة”
انصرفت روان متجهة لبيتها، فهي مشتاقة كثيرًا لقسط وفير من النوم بعد تلك الأيام التي مرت عليها دون راحة..
صعدت درجات السلم وهي تتذكر أحداث اليوم بابتسامة واسعة و طرقت الباب، ففتحت لها زوجة والدها بابتسامة صافية و عريضة لتقول
” حمد الله على السلامة يا ست البنات ”
نظرت لها روان باستغراب قائلة
” هو في إيه.. عندنا فسيخ انهارده و لا إيه ! ”
ضحكت إيناس و أردفت
” أبوكِ جوا.. ادخلي له.. هو مستنيكِ من ساعتها ”
” مستنيني من ساعتها ! ربنا يستر ”
قالتها بقلق؛ ظنًا أن يكون والدها قد علم بالأمر..
قابلها والدها بترحاب أبوي حنون ليقول
” إيه آخر حاجة كانت نفسك فيها ؟ ”
فكرت روان للحظات، ثم هتفت بنبرة مرحة
” عربية ”
” اتفضلي يا حبيبة بابا.. مفتاح عربيتك ”
نظرت للمفاتيح في يد والدها غير مصدقة ما تراه، صاحت بدهشة
” مفتاح عربيتي !! ”
أومأ والدها المسرور لأجل فرحة ابنته البكر و أول ما رأت العين، ليقول
” تحت في الجراج.. انزلي اتفرجي عليها.. و جبتها لون رصاصي زي ما كان نفسك.. هنتغدا و نروح مكان لتعليم السواقة عشان أدربك عليها ”
استوعبت الأمر وهي تقفز من مكانها بفرحة عارمة و تتجه نحو والدها تعانقه بشدة هاتفة
” أنت أحسن أب في الدنيا.. ربنا ما يحرمنيش منك أبدًا يا حبيبي ”
” ولا يحرمني منك يا نور عين أبوكِ”
جاءت إيناس وهي تضحك معهما قائلة
” أول مشوار تطلعي بيها تاخديني معاكِ ”
” بس كده.. عنيا ”
رغم أن روان مرت بطفولة صعبة و مراهقة استنزفت معظم طاقتها دون الشعور بوجود أم في حياتها؛ إلا أن الله أكرمها بتوبة نصوح غيرت مجرى حياتها، ترتبت عليها وجود أب يفعل أي شيء لارضائها، و زوجة أب تعاملها كأنها أمها و صديقة بمثابة أخت لها، و أيضًا بشخص رائع يحبها مثل ” سيف الإسلام ”
_____________________
استيقظت ” عائشـة” قبل صلاة الفجر بدقائق، و اتجهت للمرحاض للوضوء و جدت أن الكهرباء قد انقطعت، فتراجعت عن الدخول للحمام وهي تحدث نفسها بخفوت
” طب اتوضى أنا ازاي دلوقت و الحمام ضلمة كده ! أشغل كشاف الموبايل ! لأ بس أنا أخاف أدخل الحمام برضو لاتلبس و لا حاجة.. طب اعمل إيه !.. ”
شهقت فجأة و تابعت الحديث مع نفسها
” ايوه صح… لقيتها.. ده أنا متزوجة من سوبر مان ازاي اخاف ! أروح أصحيه أحسن يقف لي على ما أتوضى.. ”
استدارت لتعود للغرفة وهي تردد كلمات أغنية قد علقت في أذنيها لفترة..
” أنا عايزك تطلع واد مجدع و فى الشدة تكون أجدع من أي… أعوذ بكلمات الله التامة.. لا متطلعش خليك !!
تفوهت بها فور أن رأت خيال كبير يتدلى من رأسه شعر تشكل على هيئة شجرة على الحائط مع نور الكشاف الصغير الموضوع في الصالة و الذي يعمل تلقائيًا فور انقطاع الكهرباء..
صاحت بهلع أيقظ سيف و والدته
” الحقوني.. في شجرة عاوزه تاكلني ”
” ششش.. بس.. أنت ناوية تجيبيلي صرع ! ”
قالها بدر وهو يقترب منها لتتضح صورته أمامها، فضحكت من نفسها باحراج و قالت
” متأسفين يا بيه.. اللي ما يعرفك يجهلك ”
” اتوضيتِ ؟ ”
” الكهرباء قاطعة و خايفة أدخل الحمام.. تعالى استناني على الباب ”
غمز لها وهو يناغشها بالقول
” وليه على الباب.. ما أدخل معاكِ أحسن ”
هتفت وهي تصفق بيديها
” آه.. قول بقى.. قـول بقى إنك عاوز تستفرد بيا.. آيوه.. ما أنتم رجالة ملكوش أمانة.. لا يا حبيبي.. البيت ده طاهر و هيفضل طول عمره طاهـر.. و يا أم المطـ….
أسرع بدر بكتم فمها وهو يقول بتوسل
” أبوس ايدك كفاية.. اتفضحنا في البيت.. ”
جاءت مفيدة من خلفهم وهي تضحك بشدة عليهما..
” فرق السن ما بينكم يخليك مضطر تعامل مراتك زي الطفلة يا بدر يا بني.. ”
انضمت عائشة لكلام حماتها و قالت بجدية بدت مضحكة
” يلا روح جهز لي الببرونة عشان ميعاد الرضعة بتاعتي جه ”
مسح بدر على وجهه بنفاذ صبر، ثم دفع عائشة في رفق للمرحاض قائلًا
” يلا يا آخرة صبري.. اتوضي عشان أروح أقيم صلاة الفجر في المسجد ”
انتهت عائشة من الوضوء، و اتجه بدر للمسجد تاركًا سيف يصلي في البيت؛ لأنه لم يعد هناك متسع من الوقت على الصلاة..
و في المسجد تقابل مع أعمامه و زياد و أُبَيِّ، لتأدية الفريضة جماعة مع بقية أهل الحارة اللذين يحافظون على صلاة الفجر.
بعد انتهاء الجميع من الصلاة، و مع بزوغ الفجر أصبح بدر و سيف جاهزان للسفر، ولم يكن الأخير على علم بأن من تكلف بالعملية و السفر و الإقامة هو مدير شقيقه الذي أراد من صميم قلبه أن يتطوع للتكفل بتلك العملية من باب فعل الخير، وقد أخبر بدر أعمامه بذلك، و لكن لم يرد إخبار سيف؛ حتى لا يعترض خجلًا من الرجل الغريب.
امتلأ البيت بأفراد عائلة الخياط لتوديع سيف و الدعاء له بنجاح العملية و عودتهما سالمين، و أيضًا جاء زين لتوديع زوج أخته رغم تعجب الموجودين منه، فهم لأول مرة يروه و لكن بدر عرفهم عليه و رغم الاستغراب منهم لكنهم رحبوا به جميعًا كفرد من العائلة..
لاحظت عائشة نظرات أخيها الخفية لشهد باستمرار، فاتجهت لتقف بجانبه هامسة
” متقلقش.. سيب لي أنا الموضوع ده ”
رد زين بتوتر و خجل
” موضوع إيه ؟! ”
غمزت له بابتسامة لعوب و قالت
” إهيه.. هنستعبط كده من أولها ! ”
” أنا بجد مش فاهمك.. أنتِ عاوزه مني إيه ؟ ”
ربتت على كتفه بحزن مصطنع لتقول
” أنا عاوزه أفرح بيك يا اخويا قبل ما العمر يسرقني.. ”
” يـا.. يا بدر بيه.. ما تيجي تشوف مراتك دي ”
جاء بدر يتبادل النظرات هو و عائشة بضحك ليقول بخفوت هو الآخر
” تحب أكلم لك أبوها ”
توردت وجنتي زين و قال في تلعثم
” أبو مين ! أنا.. أنا.. أنا..
قاطعته عائشة بصوتها المزعج
” أنا بتقطع من جوايا و نسيت طعم الفرح.. ”
” صدقوا بالله أنا غلطان إني جيت أصلًا ”
ضحكوا الجميع عليهم رغم عدم فهمهم لشيء، و لكن أسلوب عائشة الفكاهي مع زوجها و أخيها كان مضحكًا للغاية..
حمل سيف في يده مصحف صغير ليقرأ منه طوال الطريق، و ودعتهما العائلة.. بينما بدر يودع عائشة قامت باحتضانه بشدة في محاولة منها ألا تبكي أمامه..
قالت وهي تمسك يده بحنان
” حصنتك باسم الذي وضعك في قلبي ألا يضرك مع اسمه شيء ”
قام بتقبيل يديها و جبينها قائلًا
” تركتك في معية الله يا مُهجة قلبي ”
آن الوقت للسفر للمطار، و رافقهما أُبَيِّ يصلهما بسيارته..
في الطريق و بعد الخروج من محافظة الدقهلية، كان سيف يقرأ في مصحفه بينما أُبَيِّ يقود في صمت تام جعل بدر يلاحظ شروده الغير معتاد..
تساءل بدر في هدوء
” أُبَيِّ.. أنت كويس ؟! ”
لم يجيب أُبَيِّ، أو لم يسمعه من الأساس بسبب شروده العميق مما أعاد بدر عليه السؤال، فانتبه له و قال بهدوء مقلق
” الحمدلله.. ”
صمت بدر قليلًا، بينما أُبَيِّ كان شاردًا بشدة في شقيقه قُصي الذي لم يستطيع الوصول إليه منذ أيام ولا معرفة مكانه..
تساءل بدر بعفوية
” الواد قُصي مفيش أخبار عنه ؟ وحشني والله ”
تنهد أُبَيِّ بحزن فشل في إخفائه، ثم قال
” هو.. هو كويس.. مع.. مع صحابه ”
” هيرجع امتى إن شاء الله ؟ ”
” قريب.. قريب بإذن الله ”
خيم الصمت عليهما ثانيةً لدقائق، قطعها أُبَيِّ تلك المرة مُتحدثًا بصدر محترق و جوفٍ نال منه التعب المعنوي و ليس الجسدي..
” تعرف يا بدر.. أنا.. أنا جربت كل أنواع.. الـ.. التعب.. في.. في سن المفترض.. إنه أحلى.. أيام حياتي ”
ربت بدر على فخذه بلُطف و قال
” هون على نفسك يا ابن عمي.. الحياة بحلوها و مرها لازم هتتعاش ”
ابتسم أُبَيِّ بانكسار ليردف
” ساعات.. ساعات بحس إني.. إني مهما عملت.. ما.. ما فيش حاجة.. بتتصلح.. و.. و ساعات بحس.. إن.. إن ربنا بيصعبها عليا.. عشان.. عشان مش بيحبني.. شعور.. أن.. أن ربنا مش بيحبك.. ده أقسى حاجة.. أنا.. أنا حسيت بيها ”
تفهم بدر حزن ابن عمه، فأراد إعانته على همه.. أردف بهدوء مع ابتسامة صغيرة
” ربنا رحيم و جميل يا أُبَيِّ.. ربنا من حبه لنا كل شوية يقربنا منه، يُحط فى طريقنا مرض مرة..
أو ياخد مننا حاجة مشغولين بيها عنه مرة، يسمعك آية تقشعر منها و تحس إنها ليك، يبعد عنك شخص كان قريب منك فتعرف إنه أقربلك من أى حد.. حكمة ربنا كبيرة على عقولنا هو بس اللي يعلمها.. ربنا غنى عن عبادتنا، بس بيرجعك له لسبب واحد.. إنه بيحبك.. عشان كده بيبتليك و يشوفك هتصبر و تلجأ له و لا لأ.. و الابتلاء على قد المحبة يا أُبَيِّ.. ”
فكر أُبَيِّ في كلام بدر لدقائق من الوقت، و استرجعه في ذاكرته عدة مرات مما شعر بالراحة و تفهم ما قاله ابن عمه بصد رحب..
ختم بدر حديثه قائلًا
” إذا رأيت الله يحبس عليك الدنيا و يكثر عليك الشدائد، فأعلم أنك عزيز عند الله ”
ابتسم أُبَيِّ ابتسامة رضا و قال
” ربنا يهون الدنيا علينا يا بـدر ”
” آمـين ”
مر الوقت و وصل ثلاثتهم للمطار، ظل أُبَيِّ مع أبناء عمه حتى اطمأن عليهما و أقلعت بهما الطائرة، ثم عاد هو بسيارته مُتجهًا لعمله..
في منتصف الطريق أوقف السيارة أمام أحد المقاهي لتناول كوب من القهوة..
استدعى العامل بالقهوة ليطلب بأدب
” قهوة سادة.. بعد.. بعد إذنك ”
” نوع البن اللي حضرتك تحبه إيه ؟ ”
رد بلا مبالاة فهو يريد الذهاب سريعًا
” أي.. أي.. أي حاجة ”
بدون قصد ضحك العامل و قال بنبرة مزح
” في الفاسسسكونيا ”
رمقه أُبَيِّ بجمود، فاعتذر العامل في التو.. تركه أُبَيِّ بغضب و اتجه لصاحب المقهى و قبل أن يلتقي به ارتدى الجهاز الذي يساعده على التحدث دون تلعثم مثلما فعل في حفلة افتتاح الشركة مع راجي..
لحق به العامل و هتف بخوف من رب عمله
” حقك عليا يا بيـه.. اوعى تكون زعلت من هزارى ! ”
“لأ طبعا مزعلتش.. أنا عارف إنك قليل الذوق و مش متربي و عندك مشاكل نفسية ومقدر ده ”
قالها أُبَيِّ بحدة و بغضب، ثم ترك المقهى و خرج يحاول تهدئة نفسه من سخرية العامل به.. قاد سيارته بتعصب و في داخله بصيص من تأنيب الضمير بشأن ما قاله للعامل، و لكنه نفض ذلك الشعور عنه قائلًا برضا
” يستحق أكتر من كده كمان.. مينفعش أسيب حد يقلل مني تاني.. أنا متخلقتش للذل و الإهانة.. لحد هنا و كفاية.. السيئة بالسيئة و لستُ آسف ”
توقف بالسيارة لدقائق يحاول تهدئة نفسه أثناء القيادة، فأخذ يفحص في هاتفه ليلمح منشور على صفحة الفيس بوك يخص نورا حبيبته جعله في أوج غضبه..
قال بدموع تجمعت في عينيه فور قراءته
” حتى أنتِ يا نورا ! ”
___________________
في داخل الكهف المحاط بجبل طريق الموت، عندما حاصر سام و رجاله ” منة ” ألقت عليهم على الفور قنابل دخان تجعل الرؤية ضبابية لبعض الوقت، ثم تسللت من بينهم للهروب و أثناء خروجها تطاير الرصاص بعشوائية و أصيبت في قدمها اليسرى مما اضطرت للزحف و مواصلة الهروب منهم..
استطاعت الكتيبة الهجوم على الكهف، و بدأ التشابك بالرصاص بينهم.. لمحت ” الضابط نيرة ” إصابة منة في قدمها و محاولتها للفرار منهم، فأسرعت نحوها في الحال و ساعدتها للخروج من الكهف و في تلك اللحظات بدأ تلاشى الدخان و انتبه أحد رجال سام لهروب نيرة و منة؛ فأطلق النار عليهما لتخر نيرة على الأرض فور تلقيها رصاصة في الرأس جعلت رأسها ينفجر، و انهارت منة صارخة بهيستيرية حالما رأت ذلك..
انتبه لها قُصي و ركض نحوها يحملها خارج الكهف، مُتجهًا بها نحو الطائرة الثانية التي كانت بانتظار الكتيبة، لتأخذها منه الطبيبة شمس و تبدأ في مداواة أختها..
أما قُصي عاد لبقية زملاؤه و قتل ثلاثة من رجال سام كانوا يعيقون طريقه، ثم قفز بمهارة باتجاه اللواء ليبعده عن الرصاصة التي كانت ستفتك به، و جاء رحيم يوزع رصاصات مسدسه عليهم فيسقط واحد يليه الآخر حتى تلقى رصاصة في كتفه جعلت مسدسه يسقط منه.. انتهز واحد من الرجال الفرصة و حاول قتل ” رحيم ” لكن إبراهيم كان موجودًا في الوقت المناسب و أطلق النار على يده الممسكة بالسلاح..
بدأت الذخيرة تنفذ من ” قُصي ” فتخفى وراء أحد الجدران ليعيد ملء مسدسه، و أثناء ذلك هجم عليه رجل مسلح مما اضطر قُصي للدفاع عن نفسه دون أن يكمل ملء المسدس، فثني ذراع الرجل و أسقط منه سلاحه، ثم جعل من وجهه كيسًا للملاكمة حتى خرّ الرجل فاقدًا للوعي و أخذ قصي سلاحه بجانب مسدسه الذي أعاد ملء ذخيرته..
تحدث سام في الهاتف بخوف و بسرعة
” تم الهجوم علينا من قبل عناصر إرهابية.. أريد قوة الآن.. أكرر.. أريد قوة الآن ”
خرج قُصي من خلف الجدار، ليصوب مسدسه نحو رأس ” سام ” و لحسن حظه انتبه عليه أحد رجاله و تلقى الرصاصة بدلًا منه..
بدأ بعض الناس العاديون يعودون لوعيهم من آثار الدخان المصيب للشلل المؤقت، اللذين جاءوا لتأدية الطقوس الشيطانية و ليس لهم شأن بما يحدث.. قاموا بالفرار ناجين بأنفسهم من الكهف..
أما رحيم رغم إصابة كتفه، لكنه لم يترك زملاؤه و ظل يقاتل معهم، و في ظهره كريم يحميه و يقاتل في جهة أخرى..
جاء إياد ومعه ضابط آخر من الكتيبة بقنابل دخان و قبل أن يلقوا بها، قُتل الضابط الذي معه و حاول إياد التخفي سريعًا..
اشتدت المعركة بينهم بين مصاب و قتيل، و بدأ رجال سام في هجوم جماعي، فأطلق واحد منهم متفجرات تجعل فاصل بينهم و بين الكتيبة ليستطيعوا الهروب.. انتفض جسد كريم على أثرها و طار خارج الكهف ليسقط من أعلى الجبل على حافة منحدر، فتمسك بكامل قوته بحجرة كبيرة.. هرع رحيم وراءه ينقذ صديق طفولته و عمره، فمد يده السليمة هاتفًا بانهيار
” امسك ايدي يا كريم.. حاول توصل لايدي ”
حاول كريم التشبث بالصخرة بقوة و الامساك بيد رحيم، و لكن يده كانت بعيدة عنه.. أدلى رحيم بجسده أكثر ليستطيع صديقه و أخاه في الحقيقة الوصول ليده و انقاذ نفسه من السقوط..
جاء اللواء من خلفهما يصرخ و وجهه مغطى بالدماء و يده اليمنى مقطوعة
” قُصي.. الحقوا قُصي.. الرصاص خلص منه.. زميلكم محاصر جوا.. رحيــم متسيبش قُصي ”
لم ينتبه اللواء لما يحدث مع كريم بعد، فالتفت له رحيم بوجهه و قال بدموع الاستسلام
” ساعدني أطلع كريم يا باشا ”
نظر كريم تحته ثم أعاد النظر لرحيم بدموع الوداع هامسًا
” روح لقُصي يا رحيم.. متسيبوش لوحده.. ”
هتف رحيم بنفي شديد
” مش هتحرك من مكاني غير و أنت معايا ”
صرخ عليه كريم بنفاذ صبر
” نفذ الأوامر يا حضرة الضابط.. روح لقُصي حالًا”
نظر له رحيم نظرة أخيرة و نزلت الدموع من عينيه رغمًا عنه، ثم ترك صديقه و أسرع اللحاق بـقُصي..
في تلك اللحظة تُقبل ” منة ” نحو الكهف وهي تعرج بسبب إصابة قدمها، و بيدها
” بندقية كلاشنكوف “.. بعد مجادلة و شجار دام لدقائق مع أختها حول عودتها و انقاذ زملائها، دخلت الكهف و اتسعت عينيها بدهشة وهي ترى معظم الكتيبة على وشك الموت..
ضيقت عينيها بغضب عارم و فقدت صوابها، و هي تضغط على زناد البندقية بجنون تصطاد العدو مثل العصافير؛ فقتلت نصفهم و أصابت الآخر مما شعر ” سام ” باقتراب أجله و أخذ يركض بعيدًا عنهم، في محاولة منه للهروب من أحد أبواب الكهف السرية..
لمحه قُصي و أراد اللحاق به، و لكن منة أوقفته قائلة
” الناس دول مش هيسكتوا يا قُصي.. إحنا لازم نرجع البلد حالًا.. ”
” مش هسيبه يعيش ”
دلف إياد و ألقى بالقنبلة الخاصة بالدخان وهو يصرخ في زملاؤه
” بلش يجي الدعم إلهم.. ما فينا نبقى ”
تحركوا جميعًا متوجهين للطائرة، و استطاع إبراهيم الوصول لكريم في الوقت المناسب و إنقاذه، أما منة فور رؤيتها للواء مقطوع اليد.. نزعت قميصها و لفته حول ذراعه المبتور لايقاف النزيف غير آبهة لانكشاف ملابسها الداخلية العليا..
استطاعوا الوصول للطائرة، و أسرع الطيار بالاقلاع بينما ظلوا جميعهم يلهثون بصعوبة..
بعد دقائق من الاقلاع و ابتعاد الطائرة عن جبل طريق الموت..
نظر اللواء حوله بصدمة مخيفة ظهرت على ملامحه متساءلًا
” قُصي فين ؟؟! ”
نظروا فيما بينهم بعدم استيعاب فلم يجدوا له أثر … !

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية يناديها عائش)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *