رواية جعفر البلطجي 3 الفصل الحادي والأربعون 41 بقلم بيسو وليد
رواية جعفر البلطجي 3 الفصل الحادي والأربعون 41 بقلم بيسو وليد
رواية جعفر البلطجي 3 البارت الحادي والأربعون
رواية جعفر البلطجي 3 الجزء الحادي والأربعون
رواية جعفر البلطجي 3 الحلقة الحادية والأربعون
رَأَيتُ في عَينَيكِ سِحرَ الهَوى،
مُندَفِقاً كَالنورِ مِن نَجمَتَين،
فَبِتُّ لا أَقوى عَلى دَفعِهِ،
مَن رَدَّ عَنهُ عارِضاً بِاليَدَين،
يا جَنَّةَ الحُبِّ وَدُنيا المُنى،
ما خِلتُني أَلقاكِ في مُقلَتَين.
_إيليا أبو ماضي.
_____________________
منذ بداية البشرية وخـ ـلق سيدنا “آدم” عليه السلام وحواء..
كانت بداية الخير والشـ ـر على هذا الكوكب، الحر’ب التي نُشِـ ـبَت منذ خـ ـلق البشرية حتى هذه اللحظة كانت ومازالت مستمرة وستستمر حتى يوم يُبـ ـعث الخـ ـلق حينما يكون الخير منتـ ـصرًا على الشـ ـر، وكانت هناك واحدة مِن ملا’يين القصص التي يتنا’زع فيها الخير والشـ ـر معًا وتلك كانت واحدة مِنهم، قصته مع الشـ ـر الذي لا يأ’بى تركه يعيش منفر’دًا بعائلتهِ يُعا’ند ويُكا’بر حتى يكون النصـ ـرُ حـ ـليفًا لهُ، ولَكِنّ هل أستسـ ـلم الملك قبلًا في حرو’به وتنا’زل عن عر’شه للعد’و؟.
<“مرةٌ واحدة يكُن بها طو’ق النجا’ة في وسط البحا’ر الغا’ضبة.”>
التبجـ ـح مِن ثمات المرء في هذه الفترة وعلى الرغم مِن أخطـ ـاءه الفا’دحة مازال يظهر في صورة الملا’ك ذو الأجـ ـنحة البـ ـريئة ير’فرف في كل مكانٍ، ضم صغيرته بقو’ةٍ إلى أحضانه وعاد خطوتين إلى الخـ ـلف وهو ينظر إلى “شـيراز” التي كانت تقف أمامه بالفعل وليست خيا’لاتٍ و’همية صوَّرها لهُ عـ ـقله، الصمت كان سيد المكان بينهما هو يُفكر كيف ينـ ـجو بصغيرتهِ وهي تُفكر كيف تنفـ ـذ ما جاءت إليهِ، متنا’قضين ولن تجمعهما أر’ضٍ محا’يدة سويًا بالرغم مِن أن الخير والشـ ـر يجتمعان ولَكِنّ مِن المستـ ـحيلات السبع أن يجتمع “يـوسف” بها معًا.
_إيه اللي جابك؟ جاية عايزة تاخدي مِني بـ ـنتي مش كدا؟ مش هيحصل وربنا المعبود ما هخليكِ تلمـ ـسي مِنها شـ ـعرة حتى لو على جثـ ـتي … بنـ ـتي لا يا “شـيراز”، بنـ ـتي لا أنا لو عا’يش وفيا نَفَـ ـس دا’خل وخارج فهيكون عشانها، هي الحاجة الوحيدة اللي مخلياني مستحمـ ـل وبعافـ ـر فالدنيا دي عشان أشوفها كويسة، متجيش تاخدي رو’حي مِني وتمشي كدا مش بالساهل … ساعات بسأل نفسي ليه الإنسان ممكن يحر’م غيره مِن حاجة مُعينة بدون سـ ـبب؟ وفالآخر بوصل لسـ ـبب واحد مستحـ ـيل يتغـ ـيَّر، أنتِ عشان معندكيش عيال مش حا’سه بو’جع غيرك لمَ تحر’ميه مِن ضناه، أنتِ متعرفيش يعني إيه طفل يبقى حِتـ ـة مِنك بيكبر قد’ام عنيكِ كل يوم وفرحتك بتكبر معاه، لو كان عندك طفل واحد بس أعتقد كُنْتِ هتحا’ربي وتعا’دي الدنيا كلها عشانه، مش سهل عليكِ تتحـ ـملي و’جعه ودمعة عـ ـينيه ولا سهل تكـ ـسري بخاطره لو أحتاج مِنك حاجة خا’رج مقد’رتك، عُمرك ما هتحـ ـسي بإحسا’سي اللي حا’سس بيه دلوقتي بسـ ـببك غير لمَ تبقي مكاني … ساعتها بس لو بصيتي على نفسك وقتها هتلاقي إن عندك قلـ ـب ومشاعر زينا مش واحدة عايشة عشان تأ’ذي اللي حواليها وتحر’مهم مِن سعادتهم فالدنيا … طب أنتِ عندك مليون حاجة بتسعدك فحياتك زي إنك تشوفيني مكسـ ـور ومذ’لول وبـ ـنتي تحت سيـ ـطرتك، بس أنا معنديش غيرها تعتبر سـ ـر سعادتي، لو لسه جواكِ ذ’رة إنسا’نية ولو بسيطة أأذ’يها … بس وقتها مش هتلاقي على إيدك غير د’مي وأنا بفد’يها برو’حي عشان خاطر هي تعيـ ـش وتشوف الدنيا بعيـ ـن غير عيـ ـني اللي شوفت بيها القسو’ة وبس.
رباه لو كانت تنطـ ـق الأحجا’ر لكانت صر’خت أ’لمًا وبكت د’مًا ونَدِ’مَت على ما أقترفتهُ لهذا الشا’ب الذي يقف الآن أمام مَن تُدعى شقيقتهِ ير’جوها أن لا تؤ’ذي أبـ ـنته، أبٌ يُحا’رب في أر’ضٍ ير’فضها ساكنيها حتى يوفر لها الأ’من والأ’مان والإستقرار، الأبو’ة غـ ـريزةٌ فطـ ـرية نُشِأت منذ يوم أن خُـ ـلِقَ فالر’جال خُـ ـلِقوا مِن أجل حِما’ية نسا’ءهم والد’فاع عنهن والتصد’ي لأي شـ ـرٍ يمكن أن يلـ ـحق بهن ويطو’لهن، في قا’نون الغا’بة الأسـ ـد يفتر’س أي حيو’انٍ حتى وإن كان غـ ـزالًا، وفي قا’نون البشر الأسـ ـد ما عليه سوى حما’ية الغـ ـزالة والد’فاع عن عـ ـرينه وإن كانت د’ماءه ثمـ ـن تضـ ـحيته فلا يتحمـ ـل أي ر’جلٌ أن يرى الأذ’ىٰ يطو’ل زوجته وأطفاله وإن كان ثمـ ـن التضـ ـحية د’ماءًا.
أما عن امرأ’ة لا تمـ ـلُك المشاعر والعو’اطف وقفت أمامه عا’جزة ولأول مرة منذ أن تلاقت بهِ تُظهر هذا الضُـ ـعفُ وهذا الإنكسا’ر وهذا الإستسـ ـلام وتتـ ـخلىٰ عن جشـ ـعها وسُلـ ـطتها وكبر’ياءها وولا’ءها لِمَ تنتـ ـمي إليهِ، فقد كان حديثه قا’سيًا وبشـ ـدة عليها مِمَّ جعلها تُصا’ب بإنتكا’سة سو’د’اء تُعيدها عِدة سنواتٍ إلى الخلف، زا’غ بصرها وأصا’بها التخد’ر في أنحاء جسـ ـدها مِمَّ جعلها تستند على الجدار الماثل خـ ـلفها وتسـ ـقط برفقٍ على أر’ضية المكان وهي تنظر في نقطةٍ فا’رغة بعدما أستطاع حديثه إصا’بة ضـ ـربته في نقطته الصحيحة، ثوانٍ معدودة وسقـ ـطت عبراتها على صفحة وجهها دون إرادةٍ مِنها وبدون سابق إنذ’ار مِمَّ جعل “يـوسف” يُصد’م فبالتأكيد هذا ليس صحيحًا أن تبكي “شـيراز” أمامه وتُظهِر ضُـ ـعفها هذا ليس مِن السهل حد’وثه بالتأ’كيد.
وقف برهةٍ مِن الوقت مشد’وهًا فلَم يكُن يتو’قع أن يكون حديثه ذاك لهُ تأ’ثيرٌ قو’يٌ عليها حتى يجعلها تضـ ـعف بهذا الشكل أمامه وتتخـ ـلىٰ عن قسو’تها وجمو’حها وتكون هشـ ـة كقطعة البسكويت الطا’زج، فكر لثوانٍ ينتظر سماع الصوتين المتنا’قضين بد’اخلهِ فـ “جـعفر” يرفـ ـض الإنخد’اع بدموعها تلك ويُخبره أنها حيـ ـلة جديدة مِن حيـ ـلها الما’كرة ولَن تؤ’ثر بهِ دموعٍ إلا دموع ثلاث سيـ ـداتٍ يُعتبرن محو’ر حياته بأكملها والأضـ ـلع الثلاث لهُ، وفي نفس الوقت صوت “يـوسف” يعلـ ـو حتى يُغـ ـطي على صوت هذا المتبـ ـجح المتمر’د يُخبره أن يُصدق تلك العبرات فهي مَن كانت سـ ـبب نجا’تهما في الصِغَر حينما دّ’لت والدتها على د’ربِ آخر غير الذي أتخذه هو رفقة شقيقتهِ الصغرى.
_”شـيراز” أنتِ بتعيطي بجد؟.
كان مشد’وهًا حتى خر’ج هذا السؤال مِنهُ دون أن يشعر حتى يؤ’كد لنفسه مدى سلا’مة عقـ ـله وأنه لَم يُجَـ ـنّ حتى هذه اللحظة ومازال بكامل قو’اه العقـ ـلية، كل ما قام بتحريكه هي إنسا’نيته وحُسنُه ونقا’ء قلـ ـبه ولذلك تقدم مِنها خطوتين ثم جلس على ر’كبتيه أرضًا أمامها بصره مـ ـثبتًا عليها وأبـ ـنته مازال يحتضنها بكل قو’تهِ تحـ ـسُبًا لأي غد’رٍ يُمكن أن يلحـ ـق بهِ مِنها، وعنها فقد كانت تبكي ولا تدعي البكاء فقد ضغـ ـط على جر’حها الذي لا يلتئـ ـم ولا يتعا’فى مِن نز’يفه حينما أعاد لها الذكريات السو’د’اء مِن جديد لتهـ ـجم عليها تلتـ ـهمها دون ر’حمة ولا سابق إنذ’ار.
إزد’اد بكاءها عن زي قبل ليطيـ ـل “يـوسف” النظر إليها دون أن يتحدث وهو لا يعلم ماذا عليه أن يفعل فحتى الآن هو لا يثـ ـق بها ولا يعلم نوا’ياها الخـ ـبيثة فلَم يرى سوى الخـ ـبث مِنها ولَكِنّ وعلى نفـ ـس النقيـ ـض صوت إنسا’نيته تعا’لى بداخلهُ يُخبره أن يتحرك ويفعل لها شيئًا لربما يعلم شيئًا لا يراه حتى هذه اللحظة، أبتـ ـلع غصتهِ بتروٍ ثم نظر لها قليلًا قبل أن يقول بنبرةٍ هادئة:
_”شـيراز” أنتِ كويسة؟ طب إيه اللي حصل خلاكي تعيطي بالشكل دا أنا معملتش حاجة؟.
دقائق مِن البكاء دامت حتى رآها تر’فع رأسها تنظر إليه بعينيها الباكية ليقابلها خضـ ـراوتيه الصا’فية التي تتطـ ـلع إليها بهدوءٍ ليأتيه صوتها الباكِ حينما قالت بنبرةٍ باكية:
_أنا عيـ ـشت طول عُمري بحاول أعيـ ـش زي البني أد’مين وحاولت كتير أوي أبقى زيك … بس أبسط حاجة أي حدّ يعرف يعملها أنا فشـ ـلت فيها، الحاجة الوحيدة اللي نجحت فيها فحياتي إني أنقـ ـذت حيا’تك أنتَ وأختك زمان مِن أُمّي عشان متقتـ ـلكوش زي ما قتـ ـلت أبويا، بس دلوقتي مُطالب مِني أسلّـ ـم أخويا اللي هر’بته زمان لـ “ماري” عشان تعمل اللي أُمّي ساعتها معرفتش تعمله … أنا فإ’يدي دلوقتي أعمل حاجتين مع بعض وأظن أنتَ عارفهم، بس أنا أضعـ ـف مِن كدا أنا مش بالجبـ ـروت اللي بتشوفني بيه مِن زمان أنا بني آد’مة زيي زيك بحـ ـس وعندي مشاعر وقلـ ـب ور’حمة بس كل دول أتد’فنوا لمَ بقيت معاها، كلامك رجعلي نفـ ـسي اللي مد’فونة مش قا’درة تطـ ـلع وتطا’لب بالحـ ـرية، أنا مقداميش دلوقتي غير المو’ت مستنيني.
لا شيء يستطيع التغـ ـلب على إنسا’نية المرء ومشاعره والر’حمة المكنو’نة بداخلهِ، لا شيء يستطيع إبدال العا’طفة بالكر’اهية ولا الخير إلى الشـ ـر إلا إذا سمـ ـح المرء بهذا، والآن هو ما بين المطر’قة والسند’ان لا يعلم أيُ الطُرقاتِ يجب أن يسـ ـلُك، صر’يخٌ عا’لِ يُغـ ـطي على المكان حوله حينما أستيقظ مَن يكمُـ ـن بد’اخلهِ، صوتين مضطا’ربين كلاهما يسـ ـعىٰ لفرض سيطـ ـرته وهـ ـيمنتهِ على الآخر في حر’بٍ سافرة بين الطر’فينِ، تفا’جئ ونظر لها مشد’وهًا حينما نظرت إليهِ وقالت بنبرةٍ باكية ونظرةٍ كانت را’جية:
_أنا عارفة إني مش مِن حـ ـقي أطلب مِنك طلب زي دا، بس يمكن يبقى آخر طلب أطلبه مِنك قبل ما أمو’ت وأتمنى تحـ ـققهولي ومتكسـ ـرش بخاطري ومتخـ ـيبش أملي وخليك أحسن مِني … أنا محتاجة حضن أخير يمكن أرتا’ح ويكون أول وآخر حضن أخده مِن أخويا الصغير قبل ما أمشي خا’لص وميبقاش ليا وجو’د تاني غير سيرتي الو’حشة اللي عملتها بإ’يدي والكل خدها عنّي.
رباه أيُمكن أن يكون المرء مصدر ر’ئيسي للأ’لم؟ لِمَ تأ’ثر لها ولِمَ هو يبكي الآن ولِمَ يشعر بالأ’لمِ في قلبه؟ لَم يكُن يتو’قع أن يتأ’لم لتلك الدرجة ففي حياته هو لا يتأ’ثر بسهولة إذًا لِمَ هو الآن يبكي أمامها رغم ما فـ ـعلتهُ بهِ؟ لَم يجد سوى أن يتجا’هل الصوتين اللذان تعالى صر’خاتهما حتى ير’دعانه عن فعـ ـلتهِ تلك ليأخذ هو القـ ـرار المناسب مِن وجهة نظرهِ هو كإنسانٍ يمـ ـلُك المشاعر والإنسا’نية ليكون مُلـ ـبيًا مطلبها حينما حَـ ـمَلَ صغيرته بذراعه الأ’يسر وفَرَ’دَ ذراعه الآخر لها يد’عمها مُرحبًا بها لتسـ ـقط دموعها أكثر مر’تميةً داخل أحضانهِ تعانقهُ بكل ما تحـ ـملهُ مِن قو’ةٍ وأجهـ ـشت في البكاء أكثر عن زي قبل.
لَم يسبق وأن أجتمع الشـ ـرق مع الغـ ـرب ولا أجتـ ـمع الليلَ مع النهار، لَم يصل عَدِ’وان مِن قبل وأتفقا على معا’هدة سلا’مٍ بينهما وإستقـ ـلال كلا الطر’فين، لَم يسبق وأن تر’ك الأسـ ـد الغـ ـزال يتحر’ك أمامه حُـ ـرًا دون أن يفتر’سه، وها هو أجتمع الأسـ ـد مع الغـ ـزال وتعانقى سويًا دون أن يفتر’س واحدٍ مِنهما الآخر، تأ’ثر “يـوسف” ولَن يُنكـ ـر أنه أقتنـ ـع وقام بتصديقها وشعر بمصد’قيتها وحُسنُ نو’اياها، رأى الخو’ف والحز’ن والقهـ ـر في عينيها وخو’فها مِن مصيرها المحتو’م ولذلك شـ ـدد مِن عناقه لها وكأنه يحـ ـميها مِن شيءٍ يجـ ـهله هو حتى هذه اللحظة مثلما يقوم بحما’ية أهل بيته.
بكت أكثر ونُبِـ ـحَ صوتها دا’خل أحضانه ليشعر هو بالعجـ ـز في هذه اللحظة فلا يعلم ماذا عليهِ أن يفعل غير ذلك فقام بتلـ ـبية مطلبها ماذا تريد الآن؟ ر’فع كفه الذي يحتضنها ومسّد على خصلاتها السو’د’اء اللا’معة برفقٍ وأخذ يتلو آياتٍ مِن الذكر الحكيم مثلما تفعل معهُ والدته كي تهـ ـدأ ويطـ ـمئنُ قلبها.
_{ إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ * وَما جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} … أنا يمكن مش مُتـ ـقِن فالقراءة بس عايز أقولك إني قعدت أحفظ فيها وقت طويل أوي لأنها بتطـ ـمني وبتر’يح قـ ـلبي وأُمّي على طول لمَ تعوز تطـ ـمني بتقرألي آيات مِن القرآن الكريم، وأنتِ كمان هتر’تاحي زيي، أنا جنبك وربنا موجود ومعاكِ مش هيسـ ـيبك وصدقيني لو مكتو’بلك تمو’تي دلوقتي هتمو’تي لأن دا مكتو’ب عند ربنا وهو وحده يعلم أمتى هتمو’تي حتى لو كله أجمع على أنه يمو’تك دلوقتي وربنا مأر’ادش فدا عشان لسه ليكِ عُمـ ـر تعيـ ـشيه … ومش عايزك تخا’في أنا جنبك مش هسـ ـيبك لوحدك أنتِ فالآ’خر أختي الكبيرة ومهما الإنسان يغـ ـلط مسيره يتعلم مِن غـ ـلطاته ويعا’لجها كلنا خطـ ـائين وأنا مش ملا’ك برضوا وبغـ ـلط بس بتعلم مِن غـ ـلطي فيما بعد ومكررهوش تاني، مش عايزك تخا’في مِن حاجة أخوكِ جنبك وطالما خدتي صفـ ـه فهو مستحيـ ـل يخـ ـذلك وهينصـ ـفك قدام العا’لم كله.
طمئـ ـنها مثلما يطـ ـمئنهُ غيره ويحتو’يه، هكذا هو قـ ـلب “يـوسف” الفتـ ـى الصغير الكا’من بدا’خلهُ، قـ ـلبه كبير وحنانه لا حد’ود لهُ وعطفه على غيره هو سـ ـر مفتاحه في الحيا’ة، شعر بها تشـ ـدد مِن عناقها إليهِ وكأنها تحـ ـتمي بهِ مِن و’حشٍ مفتر’سٍ يلحـ ـق بها مسافاتٍ كبيـ ـرة يسـ ـعىٰ للإمسا’كِ بها والنَـ ـيلُ مِنها، شعرت معهُ بالأ’مان الذي أفتقـ ـدتهُ منذ صغرها بعد مقتـ ـل أبيها ووالدتها وكأن أبيها يضمها إلى أحضانهِ وليس أخيها الصغير الذي لَم يُخـ ـيب أمالها.
فيما أبتسم هو بسمةٌ هادئة وزفـ ـر بعمـ ـقٍ وهو يُفكر ماذا عليهِ أن يفعل في هذا الموقف الذي و’قع بهِ الآن دون سا’بق إنذ’ار، فيما أتاه صوتها الباكِ حينما قالت بنبرةٍ باكية:
_أنا متو’قعتش مِنك ردّ الفعـ ـل دا، أنا بجد مكسو’فة أوي مِنك رغم إني حاولت أأذ’يكم بس أنتَ فالآ’خر عملت عكـ ـس اللي تو’قعته، أنتَ بجد ونِعمَ الأخ أنا طلعت صغيرة أوي قدام فعـ ـلك دا.
أبتسم هو ليُمسّد على خصلاتها بحنوٍ أتبعـ ـها قوله الهادئ:
_متقوليش كدا يا “عليا”، أنتِ أختي الكبيرة وهتفضلي الكبيرة وأنا الصغير واللي عملته دا هو دا اللي أتر’بيت عليه مِن صغري وبتعامل بيه دلوقتي، أخوكِ موجود وقت ما تحتاجيه هتلاقيه بس طالب إني أفهم إيه اللي حصل معاكِ، محتاج أفهم كل حاجة … ممكن؟.
أبتعـ ـدت عنهُ بهدوءٍ وهي تُز’يل عبراتها بأطر’اف أصابعها بهدوءٍ أسـ ـفل نظرات أخيها لها والذي أنتظر سماعها لتبدأ هي تقـ ـص عليه ما حد’ث معها منذ أن كانت صغيرة حتى أصبحت الآن وكيف أصبحت مع هؤلاء الغر’باء فيما كان هو منصتًا لها طوال الوقت يستمع إلى الحـ ـقيقة التي كانت مد’فونة منذ سنواتٍ وما الذي جعلها تفعل بهِ وبصغيرته هذا كله ليبدأ يتفهم كل شيءٍ، على يقينٍ أن هناك طر’فًا آخر سيقوم بتأ’كيد حديثها إن كان صحيحًا بالفعل أم أنها تكذُ’ب عليهِ وتخد’عه في إنتظار الردّ الر’سمي مِن الطر’ف الآخر الذي يبدو أنهُ عَلِمَ بالأمر.
في الولايات المتحـ ـدة الأمر’يكية.
وفي منزل عائلة “آلبرت”..
ولج “كين” إلى الداخل جا’هلًا الأمر العا’جل الذي أخـ ـفتهُ “إيميلي” عنهم حتى عودته هو يسير بخطى سر’يعة ظنًا أن الصغيرة قد أصا’بها مكـ ـروهٌ وهي تخـ ـشى إخباره حتى لا يفقـ ـد السيـ ـطرة على نفسه ويُد’مر المكان مِن حوله فمازالت تحتفظ بمكانتها الخاصة دا’خل قلبه الذي منذ أن رآها وتهـ ـللت أسا’ريره فرحةً وتعـ ـلق بها رافـ ـضًا الأبتعا’د عنها وإن كان الثمـ ـن هو حيا’ته، تقدم مِنهم ليرى الجميع يجتمعون في ردهة المنزل ينتظرون مجيئه وعندما وصل قال بنبرةٍ حا’دة متر’قبًا الردّ مِنهم:
_ماذا حد’ث؟ لِمَ طلبتم مجيئي بهذه السر’عة المُـ ـريبة هل حد’ث مع الصغيرة شيئًا “إيميلي”؟.
نظروا جميعهم إليهِ بهدوءٍ لا توجد إمارات الزُ’عر أو الخو’ف أو أي مشاعر سـ ـلبية تجاه ما طلبوه لأجله بل رأى التو’تر وهذا جعل عقله يُبَر’مج تلقائيًا أن الصغيرة بالتأكيد أصا’بها مكـ ـروه ولذلك نظر إلى زوجته بفـ ـراغ الصبر محاولًا عد’م الصر’اخ عليها فلا تعلم الآن أنها تلعب على و’تره الحسا’س، وهي ليست بحمـ ـقاء بل تعلم خو’فه ذاك جيدًا وتعلم مدى حُبّه للصغيرة وخـ ـشيته عليها مِن أي مكـ ـروهٍ ولذلك كان الحل الأمثل الآن أن تتحدث وتخبره بما حد’ث حتى لا تطـ ـيل عليه أكثر مِن ذلك، أخذت نفـ ـسًا عمـ ـيقًا ووقفت في المنتصف بين الجميع وقالت بنبرةٍ هادئة:
_”شـيراز” ذهبت إلى “يـوسف” الليلة وفعلت شيئًا غريبًا.
تأهـ ـب لسماع ما هو قادم وعقـ ـله يُصوّ’ر إليهِ آلآف المشاهد السو’د’اء بذهابه إليهم فمثلها لا يفعل شيئًا سوى إيذ’اء الجميع مِن حوله، أما عن “إيميلي” فقد ر’حمت بهِ وأكملت حديثها مصـ ـيبةً هدفها ببراعةٍ حينما قالت:
_أعترفت إليهِ بكل شيءٍ وكانت مر’تعدة وكأن ثمة أحدٍ يركض خـ ـلفها لينُـ ـل مِنها، فعلت هذا بدون أن نعلم على الرغم مِن أن “ماري” حذ’رتها مـ ـرارًا وتكـ ـرارًا أن لا تفعل هذا حتى لا تنـ ـتهي ممـ ـلكتهم هم، “شـيراز” الآن تنفُـ ـد بحيا’تها وتختار أخيها وتتخـ ـلىٰ عن “ماري” بعد هذه السنوات العديدة التي مضت، “شـيراز” تسر’عت ففعل هذا فإن عَلِمَت “ماري” هذا الأمر ستقتـ ـلها في الحال والآن يجب علينا حما’يتها فأنا أ’ثق بأن “يـوسف” قام بتصديقها فهو لا ينخد’ع بسهولة ويعلم متى يكون المرء صادقًا … إنها حمـ ـقاء كان يجب عليها أن تستشيرنا في هذا الأمر لا ينبغـ ـي بعد هذا كله تتصر’ف مِن تلقاء نفسها وتضعنا جميعًا في وجه المد’فعية.
أنهـ ـت حديثها وهي تجلس على المقعد بيأ’سٍ تضع يدها على رأسها بإحبا’طٍ شـ ـديدٍ، فيما كان “كين” متفا’جئًا لا يُصدق ما يسمعه ويراه فمثلما قالت زوجته إنها تسر’عت في قـ ـرارها ذاك ولَكِنّ بالتأكيد يعلم أن “شـيراز” تخـ ـشى على أخيها مِنها ولذلك تصرفت سر’يعًا دون أن تُفكر في الأمر، زفـ ـر بعـ ـمقٍ ومسـ ـح بكـ ـفه على وجهه بيأ’سٍ قائلًا بقـ ـلة حيـ ـلة:
_لا مفـ ـر، ستعلم “ماري” أننا زر’عنا “شـيراز” بينهم لتنـ ـقل لنا أخبارهم وستعلم أن هذا كله تخـ ـطيطًا جهـ ـنميًا مِنا لإسقا’ط ممـ ـلكتها والقضا’ء عليها لنعيـ ـش نحنُ في موطننا الذي سر’قته هي مِنا بكل تبجـ ـح ووقا’حة ولا لو’م علينا فيما نفعله الآن لأننا نستـ ـعيد مو’طننا الذي سُرِ’قَ مِنا ونحنُ ممنونين لـ “شـيراز” لموافقتها في الوقوف بجانبنا ومثلما قالت “إيميلي” يجب علينا أن نقف بجانبها ونحـ ـميها فهذا واجبنا تجاهها.
قـ ـرارٌ مصيري ووضِعوا بهِ ولا مفـ ـر للهر’بِ مِنهُ فلا يوجد شيءٍ سوى الموا’جهة والد’فاع عن الأر’ض والكفا’ح لإستعا’دتها فلن ييأ’س أسـ ـيرٌ رأى الذُ’ل والمعا’ناة والتعذ’يب مِن معتـ ـديٍ أخذ مو’طنهُ وبيته بالقو’ة وز’جهُ إلى الخا’رج، إن صمت الآن فسيأتي يومًا يخر’ج فيه عن صمته ذاك ويخر’ج صا’رخًا بعلـ ـو صوته حتى ير’ن في أنحاء العا’لم ليعلموا أن ثمة أسـ ـيرٌ وغيره يتجر’عون القسو’ة في صمتٍ دون أن ينتبه لهُ أحد لتكون هذه حينها هي بداية التحـ ـرير.
__________________________
<“لن ينسىٰ الفــتى قسو’ةِ الطفولة البـ ـريئة.”>
مرحلة الطفولة تظل المرحلة الأساسية المتر’سخة في عقو’ل البشر وإن أصبح ر’جُل السبعين عامٍ، فتخيَّل أن تكون مرحلة الطفولة خاصتك هي أسو’أ مرحلة مرَّت عليك في مرحلتك العمرية فبدلًا أن تسترجع ذكرياتك البـ ـريئة لها تهرُ’ب اليوم مِنها خـ ـشيةً أن ينا’لُ مِنك أشلا’ءها؟.
اليوم يترك الفراش والمنزل بعد هذا الحا’دث الأ’ليم ويعود للتجول في أرجاء حارتهُ الحبيبة، خر’ج مِن البِنْاية بوجهٍ مبتسم مشرق ليُقابل الجميع بأبتسامتهُ الهادئة التي كانوا يعتادون عليها دومًا، وقف مكانه يشاهد الجميع مِن حوله بوجهٍ بشوش حتى سقـ ـطت عيناه على شخصٍ ما غريبًا بالنسبةِ إليهِ يرتدي ملابسه، في بادئ الأمر ظن أنها صُدفةٌ وليس هو وحده مَن يرتدي تلك الكنزة ولَكِنّ حينما ألتفت الآخر وأصبح يواجهه رأى أنها ملابسهُ بالفعل؟.
تفا’جئ “بـشير” كثيرًا وسؤالٌ واحدٌ يد’ور في رأسه … كيف أستطاع الحصول على ملابسه التي مِن المفترض أن تكون في شقة شقيقته؟ شعر بالتشـ ـتت ليُحا’دث نفسه بتعجبٍ شـ ـديدٍ مستنكرًا الأمر كله قائلًا:
_هو في إيه؟ هو أنا عشان خدت هدوم “أكرم” ألاقي اللي واخد هدومي بعدها؟ هو “أكرم” سَـ ـلَط حـ ـرامي يسر’ق هدومي ولا إيه؟.
هكذا سأل نفسه جا’هلًا ليجد قدماه تقوده نحوه دون أن يشعر يريد أن يتأ’كد مِن الأمر قبل أن يتهوَّ’ر ويفعل شيئًا يند’م عليهِ مؤ’خرًا، أما عن “نـادر” فوقف يعبـ ـث في هاتفٍ آخر غير الذي يمـ ـلُكهُ الأسا’سي حتى لمح شا’بًا يقترب مِنهُ ويبدو أنه يقصـ ـده هو ولذلك ر’فع عينيه ينظر إليهِ ثم أغـ ـلق هاتفه ليقف “بـشير” أمامه وهو لا يعلم ماذا يقول وكيف يبدأ.
تعجب “نـادر” كثيرًا وهو ينظر إليهِ لا يفهم شيئًا ولذلك بدأ هو الحديث حينما قال بنبرةٍ هادئة:
_خير يا ابن خالتي؟ في حاجة ولا إيه؟.
هكذا سأله “نـادر” جا’هلًا ما يحتاجه هذا الشا’ب الذي تو’تر فجأ’ةً وأصبح الأمر صـ ـعبًا عليه فهو يُفكر الآن ماذا سيفعل إن كانت الملابس تخص الشا’ب نفسه فسيكون الأمر مُحر’جًا إليهِ كثيرًا لا محا’ل، أبتـ ـلع “بـشير” غصته وقال بنبرةٍ هادئة متو’ترة:
_لا أبدًا، أنا بس يعني كُنْت … كُنْت عايز أقولك إن أستايل لبسك حلو أوي، نفس ستايل لبسي تمامًا.
أبتسم “نـادر” إليهِ وأجابه بنبرةٍ هادئة ممازحًا إياه قائلًا:
_حبيبي يا ابن خالتي واللهِ تسلم، هو فالحـ ـقيقة دي مش هدومي دي هدوم أخويا بس أنا لابسها لأن عندي شوية ظروف كدا بس هدومي معايا وقريبة مِن الأستايل دا برضوا.
تعجب “بـشير” كثيرًا حينما ذكر أن هذه الملابس تخص أخيه وليست إليهِ ليعقد ما بين حاجبيه مرددًا بأستنكارٍ كلمته قائلًا:
_أخوك؟!.
أكمل “نـادر” بنفس النبرة ونفس الأبتسامة مجيبًا عليهِ قائلًا:
_آه، بصراحة ليا أخت أكبر مِني ساكنة هنا جوزها أسمه “يـوسف” لو تعرفه لأن اللي أعرفه إنه معروف هنا أوي يعني هي اللي أدتني اللبس دا وقعدتني فأوضته لأن عندي شوية مشا’كل مع أخويا الصغير وأُمّي فأضطـ ـريت أسـ ـيب البيت وأمشي وجيت هنا بصراحة مكانش عندي مكان تاني غيره فبَيت أول ليلة فالمسجد اللي هنا دا بتاع واحد أسمه “رمـزي” هو اللي قعدني فيه بصراحة عشان صاحب الشقة اللي المفروض هأ’جرها مسافر فأختي عرفت وز’علت أوي مِني وحلفت ما هتسـ ـيبني وقالتلي أقعد بقى فأوضة أخويا لحد ما يرجع أنا بصراحة معرفش هو فين لأنها مجابتليش تفا’صيل عنه غير إنه طيب ومش هيقول حاجة لو خدت هدومه … حا’سس إني قولت كل حاجة بس مش مشـ ـكلة أنتَ مش غريب وشكلك مِن هنا.
كان “بـشير” مصد’ومًا وبشـ ـدة مِمَّ يسمعه، وكأن د’لوًا مِن الماء البا’رد سقـ ـط على رأسه أصا’به بالصد’مة فلَم يتخيل سماع هذا الحديث مِنه والتي يقصدها هذه تكون شقيقته، شعر بالتـ ـيهةِ والتشـ ـتت الذي د’اهمه منذ لحظاتٍ ليحاول تما’لُك نفسه وإلقا’ء سؤالًا آخر ليس في الحُسبان حينما قال بنبرةٍ هادئة متر’قبة:
_أختك أسمها إيه؟.
تعجب “نـادر” كثيرًا مِن سؤاله فلِمَ يسألهُ عن أسم شقيقته وهو غريبٌ عنها، نظر إليهِ نظرةٍ ذات معنى لدقائق معدودة قبل أن يقول بنبرةٍ متر’قبة:
_وأنتَ عايز تعرف أسم أختي ليه؟.
عَلِمَ “بـشير” أنهُ لن يخبره ويبدو أنه بدأ يشُـ ـك بهِ ولذلك أجاب هو على السؤال الذي طرحه وقال:
_أسمها “بيلا” مش كدا؟ “بيلا فارس عوض”.
تفا’جئ “نـادر” حينما أستمع إلى أسم شقيقتهِ، بل صُدِ’مَ فقد صد’مه “بـشير” الذي يقف أمامه الآن ينظر إليهِ بعد أن عَلِمَ هوية “نـادر” دون أن يفصـ ـح هو عنها فلا وقت إليهِ الآن أن يتحدث فهو في صد’مةٍ قو’ية أستطاع “بـشير” أن يُعطيها إليه بأقل مجهـ ـودٍ مِنهُ، رفـ ـرف “نـادر” أهـ ـدابه مراتٍ عد’يدة متتالية وهو ينظر لهُ ليخر’ج أخيرًا صوته بعد دقائق قِلـ ـة يقول مند’هشًا:
_أنتَ، أنتَ تعرف أختي منين؟.
أبتسم “بـشير” بسمةٍ يرتسمُ بها الأ’لم الذي يكمُن داخل قـ ـلبه والذي لا يتركهُ سو’اء كان مِن أبيه أو أُمّه التي سـ ـببت إليهِ جر’حًا جديدًا، نظر إليهِ وقال بنبرةٍ هادئة مُشيرًا على ملابسه:
_الهدوم اللي لابسها دي، تبقى بتاعتي، أنا “بـشير”.
صد’مةٌ أخرى تُصيـ ـب هدفها ببراعةٍ وأحترافية وتلك المرة كان الذي ينالها هو “نـادر” الذي نظر إليهِ غير مُصدقًا ما سَمِعَه منذ ثوانٍ فيما حرك “بـشير” رأسه برفقٍ يؤ’كد على حديثه قائلًا:
_أنا أخوها، مِن الأم التانية.
حسنًا لقد ووضِعَت النقا’ط على الأحرف حتى تتضح الكلمة وتظهر كما البريق اللا’مع في الأ’فق، أبتسم “نـادر” بسمةٌ سا’خرة وهو يَمُد يدهُ إليهِ كي يصافحهُ قائلًا:
_وأنا أخوها وأخوك وأخوكم كلكم معرفش عددكم بس تمام، أنا أسمي “نـادر” مِن الأم التالتة.
حـ ـقيقة تبدو مضحكة لدى البعض حينما يتعرفون الأخوة على بعضهم البعض في هذا العُمر، ولَكِنّ في الوا’قع هي حـ ـقيقة مؤ’لمة وصـ ـعبة وليس مِن السهل التعا’يش معها والتأ’قلم عليها، كلاهما يشعر بالآخر وكلاهما يمتـ ـلكان نفس المشاعر والأ’لم والحز’ن، نظر “بـشير” إليهِ قليلًا ثم بعدها إلى يده الممّددة ليقوم بمّد يدهِ مصافحًا إياه ولكونه هو الأخ الأكبر إليهِ الآن با’در وضمه إلى أحضانهِ مُرحبًا بهِ ليُبادلهُ “نـادر” عناقه مشـ ـددًا مِن عناقه إليهِ ليشعر تجاهه بالرا’حة والطمأ’نينة.
مَن يراه ولا يطـ ـمئن إليه؟ مَن يُمكن أن يراه ولا ير’تاح إليه؟ يكفي بشاشته وأسلوبه اللـ ـبق في التحدث، أبتعـ ـد “بـشير” عنه ناظرًا إليهِ بوجهٍ مبتسمٍ بشو’ش ليبتسم “نـادر” تلقائيًا ويُبا’در في الحديث قائلًا:
_أرتحـ ـتلك رغـ ـم إني أول مرة أشوفك ودخلتك عليا على قد ما هي مقـ ـلقة بس مش مشـ ـكلة.
ضحك “بـشير” بخـ ـفةٍ ثم قال بوجهٍ مبتسم يمازحه:
_ما أنتَ يعني لابس هدومي وقاعد فأوضتي وبتاع وفي أستحو’اذ على ممتلـ ـكاتي ولا أكمني عملت نفس الموقف فـ “أكرم” فهتيجي أنتَ تطـ ـلعهم عليا.
ضحك “نـادر” على مزاح أخيه إليهِ ليُبادلهُ “بـشير” ضحكاته قليلًا ليهـ ـدأ كلاهما معًا ويأتي سؤال “نـادر” إليهِ حينما قال:
_بس هو مين “أكرم”؟.
_”أكرم” دا يا سيدي أخويا وأخوك الكبير، أكبرنا هو و “بيلا” و “كايلا” أخواتنا الكبار.
هكذا ردّ عليه “بـشير” بوجهٍ مبتسم ليبتسم “نـادر” في المقابل لهُ بسمةٍ هادئة للغا’ية ثم أخذ نفـ ـسًا عمـ ـيقًا داخل صد’ره ثم زفـ ـره بعـ ـمقٍ وقال بنبرةٍ هادئة متسائلًا:
_وهو فين دلوقتي؟.
_فالورشة تعالى أعرفكم على بعض.
هكذا كان ردّ “بـشير” على حديث أخيه الذي ذهب معهُ نحو مقر عمل أخيهما يتحدثان سويًا ليبدأ “بـشير” يُعرف أخيه على المكان مِن حوله ويشرح لهُ وقد كان “نـادر” يستمع إليهِ طوال الوقت منصتًا وبشـ ـدة لِمَ يقوله حتى وصلا سويًا إلى مقر عمل أخيهما ليولج “بـشير” أولًا قائلًا بنبرةٍ عا’لية بعض الشيء:
_السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أنا جاي أعتـ ـب عليك.
توقف “بـشير” وبجانبهِ “نـادر” الذي نظر إلى المكان حوله بهدوءٍ، فيما ألتفت لهما “أكرم” ينظر لهُ بعدما تر’ك المنشا’ر مِن يدهِ قائلًا:
_وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، تعـ ـتب عليا ليه يا ننو’س عيـ ـن أُ’مّك جيت جنبك أنا دلوقتي ولا كلمتك أنا فحالي أهو ليه نَكـ ـش الفراخ دا دلوقتي أنا ساكتلك.
نظر “نـادر” إلى أخيه الكبير والذي يراه لأول مرة يرى معالم وجه أخيه الجميلة التي كانت مأ’خوذه مِن معالم وجه والده فقد كانت معالمه رجو’لية وحا’دة بعض الشيء، فيما أبتسم “بـشير” وقام بالردّ على أخيه حينما قال بنبرةٍ خـ ـبيثة:
_وماله أنا أحب النَكـ ـش والمِـ ـرازية فخـ ـلق الله، جا’ريني.
_أنا را’جل ورايا أشغال يا’ض حِـ ـلّ عن نفو’خي النهاردة.
هكذا ردّ عليه “أكرم” متصنعًا الضجـ ـر ليقوم “بـشير” كالمعتاد بعد’م الإكتر’اث إليهِ ثم أخذ أخيه وأقترب مِن أخيه الكبير بخطى هادئة وكلما أقترب “نـادر” زا’دت نبـ ـضات قلبه أكثر وأكثر خو’فًا مِمَّ هو مقبلٌ عليه جا’هلًا مصيره الذي ينتظره بعد ثوانٍ، وقفا أمامه ونظرا إليه ليتولى “بـشير” ز’مام الأمور ويبدأ الحديث المثقـ ـل على قـ ـلب “نـادر” حينما قال:
_”أكرم” أحبّ أعرّفك على “نـادر” أخونا، “نـادر” دا “أكرم” أخونا.
يا للعا’ر حينما تتعرف الإخوة على بعضها البعض في هذا العُمر جميعهم قد بلـ ـغوا سن الرشـ ـد ومِنهم مَن أستـ ـقل بحياته ومِنهم مَن مازال يبحث عن حياته الضا’ئعة وآخرٍ مازال ينتظر خطوته تجاه مستقبلٍ مشر’ق، تفا’جئ “أكرم” وإن كُنْت تريد وصفًا د’قيقًا فهو صُدِ’مَ مِن حديث أخيه لينظر إلى “نـادر” الذي حاول إخفا’ء تو’تره والإحتفا’ظ بثبا’ته رغم صعو’بة الأمر.
نظر “نـادر” إلى “بـشير” الذي طمـ ـئنه ونظر إلى “أكرم” مشيرًا إليهِ خـ ـفيةً أن يتحرك ويفعل شيئًا وأن لا يظل صامتًا هكذا حتى لا يشعر الآخر بعد’م الر’غبة في بقا’ءه ولربما هذا ما يقوم “أكرم” بإيضا’حه إليهِ، بالطبع صُدِ’مَ “أكرم” ولَم يكُن يتوقع حد’وث ذلك، ألتفت موليهما ظهره محاولًا أستيعا’ب الأمر دون أن يُبدي أي ردٍّ لهذا الذي يجاور “بـشير” والذي كذلك تفا’جئ بفعـ ـل أخيه.
الأمر صعـ ـبًا على جميع الأطر’اف وليس بالشيء الهيـ ـن بالنسبةِ إلى أيٍ مِنهم، حاول الإحتفاظ بهدوءه أكبر وقتٍ ممكن ومحاولًا تجا’وز كل ذلك حتى لا يؤخذ هذا الصمت بشيءٍ ليس بصحيحٍ، لَم يستفق مِن د’وامته تلك إلا حينما صدح صوت “بـشير” يوقف أخيه الذي عز’م على الر’حيل والإكتفاء بهذا القد’ر ففي بادئ الأمر هو ليس بمرحبٍ بهِ، ألتفت ينظر لهما ليرى “نـادر” ير’حل مِن المكان و “بـشير” يُحاول إيقافه ورد’عه بشتىٰ الطر’ق الممكنة حتى أوقفه هو فجأ’ةً حينما قام بمناداته دو’ن أن يتحرك إنـ ـشًا واحدًا.
توقف “نـادر” فجأ’ةً حينما سَمِعَ أخيه يقوم بمناداته وكذلك توقف “بـشير” في المنتصف بينهما ينظر إلى “أكرم” الذي ألتفت لهما ينظر إلى أخيه الذي كان على وشـ ـك مغا’درة المكان ينتظر رؤية ر’دة فعـ ـله، أما عن “أكرم” فقد تحرك تجاه أخيه بخطى هادئة متجا’وزًا “بـشير” الذي تابعه بهدوءٍ دون أن يتحدث منتظرًا رؤية ما سيفعله، توقف “أكرم” أمام “نـادر” ينظر إليهِ ليرى مُقلتيه تلتمـ ـعان وهو ينظر إليه ليشعر أنه قد با’لغ في ر’دة فعله ولذلك با’در وعانق أخيه دون أن يتحدث لبرهةٍ مِن الوقت، فيما شعر “بـشير” بالرا’حة وجلس على المقعد الخـ ـشبي ينظر لهما بهدوءٍ دون أن يتحدث على أملٍ أن يُصـ ـلح أخيه ما حدث ومُصا’لحة هذا الشا’ب.
_________________________
<“إنقطـ ـعت المُدة قبل أن تكتمل والمفا’جأة حاضرة.”>
إنقطا’ع المُدة أو المُـ ـهلة المحـ ـددة قبل إكتمالها بعد نفا’ذ صبـ ـرٍ دام لوقتٍ طو’يل ليس بقـ ـليلٍ، تخـ ـطى الأمر قد’رة تحـ ـمله وأصبح الوضع بالنسبةِ إليهِ محتو’مًا، لا تغضـ ـب حينما يخر’ج الأسـ ـد عن طو’ر صمته وطلب الد’فاع والمطالبة بحقو’قه.
ولج إلى غرفته مغـ ـلقًا الباب خـ ـلفه وهو يدندن بنبرةٍ خا’فتة ويبدو أنه في حالة مزاجية عا’لية، فيما كانت هي تجلس على المقعد تأ’كله بعينيها منذ أن ولج لتبدأ النير’ان تز’داد لهيـ ـبها داخل صد’رها تنهـ ـشه دون ر’حمة لتتحرك غــ ـريزتها الأنو’ثية مقررةً نز’ع تلك الحالة التي نادرًا تتلبـ ـسه لتقطـ ـع طريق سيره حينما وقفت أمامه تعقـ ـد ذراعيها أمام صد’رها وهي تنظر إليهِ.
فيما توقف هو ناظرًا إليها وهو يعلم تمام العلم أنها ستنز’ع حالة الصـ ـفاء والهدوء تلك كالمعتاد لتخـ ـتفي بسمتهُ ويحل مكانها الو’جوم حينما رآها أمامه، أتاه صوتها حينما أشارت بعـ ـينيها تجاه الهاتف قائلة:
_شايفة الغـ ـزالة رايقة يعني والحالة ١٠٠ فُل و ١٠، بتكلم مين فالفون؟.
_وأنتِ مالك؟.
هكذا ردّ عليها سؤالها بسؤالٍ آخر لا يمُـ ـت لهُ بصلة لتشتا’ط هي غـ ـضبًا وتبدأ صر’اخها بهِ كالمعتاد قائلة:
_يعني إيه وأنا مالي دي مش مراتك أنا ومِن حـ ـقي أعرف!.
_صوتك بدل ما أز’علك، وبعدين أنتِ لسه فاكرة إن في واحد فحياتك أسمه جوزك عشان تقولي إنك مراتي؟ نسيتي حقو’قي عليكِ ولا إيه يا “تماسي”، مراتي دي تقوليها لمَ تديني حقو’قي غير كدا مش شايف بصراحة إن علا’قتنا دي علا’قة زوج وزوجة أصلًا.
عاد يتمر’د عليها وعاد يُنا’طحها في الحديث متخذًا القو’ة سلا’حه الدا’ئم في كل مواقفه، للمرةِ الثانية يُذكرها بما يُريد ليكون ردّ’ها حاضرًا بالرفـ ـض التا’م ليبدأ الشـ ـد والجذ’ب بينهما، وقبل أن ير’حل أوقفتهُ حينما د’فعته إلى الخـ ـلف تر’دع فعله قائلة بنبرةٍ حا’دة:
_رايح فين أنا لسه مخلصتش كلامي على فكرة.
نظر إليها نظرةٍ حا’قدة وقد إشتـ ـعلت النير’ان دا’خل صد’ره ليصـ ـق على أسنا’نه بغـ ـضبٍ جا’م قائلًا بنبرةٍ حا’دة:
_تعرفي لو واحد تاني مكاني وعملتي معاه الحركة دي، كان جابك مِن شعـ ـرك تحت ر’جليه وورا’كِ سو’اد عُمرك كله، بس نصيبك إني مش كدا، إيدك تتمـ ـد وتتجر’أي أوي تاني والجلا’لة تاخدك هتلاقيني را’ميكِ لأبوكِ ورا’مي عليكِ يمـ ـين الطلا’ق وبالتلاتة.
جحـ ـظت عينيها بصد’مةٍ كبيرة حينما أستمعت إلى حديثه الذي قد أصا’ب هدفه لترى التمر’د والغضـ ـب باديان على معالم وجهه ونظراته لتأ’بى هي الإستسـ ـلام إليهِ وتقوم بالردّ عليهِ والإصـ ـرار على ما تريده قائلة:
_لتاني مرة بقولك وريني التليفون يا “مـحمود” ومش هكررها تاني، إلا إذا تبقى بتخو’ني بقى وتعرف واحدة عليا عشان كدا خا’يف توريني.
وقبل أن يتحرك إنشًـ ـا أوقفهُ حديثها لينظر لها مِن جديد يرى التبـ ـجح عنوانها كما أعتاد رؤيتها دومًا، عاد خطوتين إلى الخْـ ـلف ووقف مكانه ينظر لها ليقول بنبرةٍ با’ردة:
_ولو أعرف يخـ ـصك فإيه دا حـ ـقي لأن الفلحو’سة اللي متجوزها مطـ ـنشاني على الآخر أو بمعنى أصح شيلا’ني مِن حساباتها فمِن حـ ـقي بقى أشوف نفسي وأدور على واحدة تقدر وجودي فحياتها وتحتر’مني وتعرف إن معاها ر’اجل مش قر’طاس لب، وتديني حقو’قي.
ضغـ ـط على أحرف كلماته الأخيرة وكأنه يؤ’كد عليها حـ ـقيقة الأمر الذي قد وضعتهما هي بهِ الآن ليُشـ ـعل هو بهذه الكلمات جـ ـنونها ليأتي الردّ مِنها حينما قالت بنبرةٍ غا’ضبة:
_لا يا حبيبي أنسىٰ عشان مفيش مِنُه الكلام دا، لا تانية ولا تالتة يا “مـحمود” أنتَ سامع أنسىٰ خالص.
_لا واللهِ؟ ويا ترى هتمنـ ـعيني أزاي إن شاء الله هتحبـ ـسيني فالأوضة ولا هتلـ ـسعيني بالشـ ـمعة؟ “تماسي” حِـ ـلّي عنّي بدل ما تز’علي وياريت تعقـ ـلي شوية وتخـ ـلي عندك مـ ـخ وتديني حقو’قي عشان نعرف نكمل زي أي أتنين.
في بادئ الأمر كان يسخـ ـر مِنها ثم بعدها تو’عد لها وفي الأخير ألقـ ـى تحذ’يرًا خـ ـفيًا عا’زمًا أن تكون هذه هي المرة الأ’خيرة ليأتيه الردّ الذي تو’قعه حينما رفـ ـضت مِن جديد قربه وقالت بنبرةٍ غا’ضبة:
_ما قولتلك لا يا “مـحمود” هو في إيه اللي هنعيده هنز’يده كل شوية قر’فتني فعيـ ـشتي دي مبقتش عيـ ـشة يا أخي أر’حمني.
دام الصمت بينهما قليلًا بعد حديثها المنفعـ ـل بهِ والمُثقـ ـل على قـ ـلبه والذي يكون أشبه بالسيو’ف الحا’دة التي تختر’ق صد’ر المرء لتُطا’لعهُ بغـ ـضبٍ وصد’رها يعلـ ـو ويهبـ ـط بعنـ ـفٍ ويُطا’لعها هو بوجهٍ ينطق بالأ’لم والحز’ن فلا تعلم أن بفعلتها تلك تطـ ـعن رجو’لته، أبتـ ـلع غصتهِ بصعو’بة بعد أن أتخـ ـذ قراره لينظر لها عا’زمًا على فعـ ـلها فقد طفـ ـح بهِ الكيـ ـل لَن يضـ ـيع عمـ ـره المتبقي بجانبها فيكفي ما مضى.
_”تماسي” أنا خلاص خدت القرار ومبقتش قا’در أكمل على النمط الممـ ـيت دا، أنتِ طا’لق، طا’لق، طا’لق، وورقتك هتوصلك بيتك وأنتِ قعدة مُعـ ـززة مُكرمة، أنا مبقتش قا’در خلاص.
أصا’ب هدفه في مرماه هذه المرة بمهارة وأحترافية جعلتها تُصا’ب بالصد’مة، جحـ ـظت عينيها وألتمـ ـعت العبرات في مُقلتيها وهي تنظر إليهِ لا تصدق ما سمعتهُ منذ ثوانٍ فبالتأكيد هو يمزح معها ولَن يتر’كها، حاولت تما’لُك شتا’ت نفسها لتنظر إليهِ قليلًا دون أن تتحدث عقـ ـلها يُحاول إسعا’فها ويرفـ ـض في نفس الوقت تقبُل الوا’قع، وأخيرًا وبعد دقائق معدودة خر’ج صوتها محاولةً إخرا’ج الكلمات مِن فَمِها قائلة بنبرةٍ متذ’بذبة:
_”مـحمود”، لا أنتَ أكيد بتهزر صح؟ أنتَ بتهزر يا “مـحمود” مش كدا؟.
نظر إليها دون أن يُخـ ـفي نظرة الحز’ن والأ’لم عنها فكيف ينتـ ـهي هذا كله في غمـ ـضة عين، كيف أن تنتـ ـهي العلا’قات في ثانية دون أن يكون لها تمـ ـهيداتٍ قبل حد’وثها، جاءت لحظة الأ’لم والحسـ ـرة كلٌ مِنهما بُتِـ ـرَت بدا’خلهِ قطعةٌ كبيرة، كلٌ مِنهما أصبح بد’اخلهِ فرا’غٌ كبيرٌ لن يمـ ـتلئ بسهولة كما كان سابقًا، أبتسم بسمةٌ متأ’لمة وقال بنبرةٍ مثقـ ـلة بالأ’لم:
_أنتِ اللي وصلتينا للمرحلة دي يا “تماسي”، أنتِ اللي كتبتي أن تكون دي نها’ية علا’قتنا وكُنْتي أنا’نية فيها وظلـ ـمتيني معاكِ، أنا’نية عشان مفكرتيش غير فنفسك وبس كان كل اللي يهمك جسـ ـمك ميبو’ظش وتفضلي زي ما أنتِ وظلـ ـمتيني معاكِ وحر’متيني مِن أبسط حقو’قي عليكِ، الناس مش تحـ ـت أ’مرك ولا مستنيين أمـ ـر مِنك يا “تماسي” ولا خد’امين تحـ ـت ر’جليكِ، ولا سهل عليهم يقبلوا الإها’نة، بس أنا قبلتها وقبلت كل حاجة مش عشان أنا واحد معد’وم الشخصية ومش عارف أسيـ ـطر على مراتي لا بالعكـ ـس، أنا كان قدامي حلول كتير أوي أقدر أعملها بس للأ’سف كلهم مقد’رتش أعملهم عشان كانوا أذ’ية ليكِ أنتِ فالآ’خر وأنا مقد’رش أأ’ذي واحدة سـ ـت ولا أر’فع إيـ ـدي عليها لأنها مُعـ ـززة ومكا’نتها كبيرة، نصيبك إنك خدتي واحد متر’بي بيحبّ مِن قـ ـلبه ومـ ـخلص للسـ ـت وبيقد’رها وعنده أستعداد يحا’رب عشانها، بس أنتِ معرفتيش تفهميني ولا تقد’ري مشاعري ولا تحا’فظي عليا، ودا مصيرنا مع بعض، الطلا’ق أنسـ ـب حل لينا لأني صبرت عليكِ شهر قولت يمكن ربنا يهـ ـديها وترجع لعـ ـقلها تاني، بس للأ’سف دا محـ ـصلش، خليت خلاص يا “تماسي” ورقتك هتوصلك والنفـ ـقة والمؤ’خر هيكونوا عندك كاملين وبكدا أنا عملت بأ’صلي واللي عليا، هتصل بأبوكِ عشان ييجي ياخدك وأتمنالك حياة سعيدة ونصيحة مِني يعني لو ربنا كرمك بواحد ابن ناس بيتـ ـقي الله فيكِ حا’فظي عليه وشـ ـيلي الأفكار الهبـ ـلة دي مِن د’ماغك عشان حياتك متبو’ظش أكتر لأن قـ ـليل أوي لو لقيتي واحد بيتقي الله فالسـ ـت اللي معاه.
أنهـ ـى حديثه المثقـ ـل والمؤ’لم على القلب ليتركها ويخرج دون أن يلتفت إليها، ر’حل ور’حلت معهُ سعادته وأبتسامته وكل ما هو جميل، تركها وحيدة تنظر في أثره بصد’مةٍ وخـ ـيبة أملٍ كبيرة، سقـ ـطت تجلس على المقعد بعدما تها’وى جسـ ـدها ومعها سقـ ـطت عبراتها على صفحة وجهها بعدما أدركت ما يحدث حولها وأن علا’قتها بهِ قد قُطِـ ـعَت نها’ئيًا ولا سبيل للعودة، مثل الطفل الشـ ـريد الضا’ئع في بلاده لا يجد سبيلًا للعودة مِن جديد فقد ضا’عت نفسه أين مِن المفترض أن يجدها؟.
_ر’حل الحبيبُ وهجـ ـرنا في ضـ ـلمة الليل،
وما كان خطـ ـأ المُحب سوى أنه كان مخـ ـلصًا.
_________________________
<“أثنان وعشرون رصا’صة لَم تُصـ ـب المُحب سوى الرصا’صة رقم ثلاثة وعشرون.”>
التخـ ـطيط ورسم حياةٍ مستقبلية مشر’قةٍ مع مَن نُحبّهم، الحما’س والسعادة واللهـ ـفة والتنظيم وتجهيز كل شيءٍ، سعادة المرء تحركه دومًا وهي مَن تجعلهُ يفعل كل شيءٍ دون إرا’دةٍ مِنهُ، ومع أول مـ ـطب لهُ يسـ ـقط دون أن ينـ ـهض.
مع إنقطا’عه عن الذهاب إلى الحارة لأيامٍ قرر اليوم الهر’وب مِن العمل والذهاب إلى ابن عمه لمفا’جئته بالقرار الذي أتخذه، صف سيارته أسفـ ـل البِنْاية المنشو’دة وترجل مِنها بوجهٍ مبتسم وهو في كامل أناقتهُ يرتدي بِنطالًا قما’شي مِن اللو’ن الأسو’د يعـ ـتليه كنزة ثقـ ـيلة باللو’ن الأسو’د ويعتـ ـليها معطفًا طو’يل مِن نفس اللو’ن وكذلك الحذ’اء فهذا هو لو’نه المفضل بالإضافة إلى ساعة اليد الألكترونية.
أغـ ـلق السيارة وقبل أن يتحرك أتاه صوت زغاريد عا’لية نابعة مِن البِنْاية الخاصة بـ “يـوسف” لير’فع رأسه ينظر عا’ليًا ليرى الأضواء الملو’نة تزين وجهة البِنْاية والصوت نابعٌ مِن شقة ابن عمه ليعقد ما بين حاجبيه متعجبًا فلَم يُخبره ابن عمه أن ثمة مناسبة عمَّ قريب ولذلك نظر حوله ليرى “مُـنصف” يقف على الجهة المقابلة لهُ حا’ملًا أبـ ـنته ويقوم بملا’عبتها، ولذلك تحرك نحوه بخطى هادئة عا’زمًا على معرفة ما يحد’ث ومَن الذي سيتزوج.
_أزيك يا “مُـنصف”.
هكذا تحدث “جـاد” الذي نظر إليهِ لير’فع الآخر رأسه ينظر لهُ ليبتسم قائلًا بترحابٍ شـ ـديدٍ:
_أهلًا أهلًا بالغا’لي ليك وَ’حشة يا را’جل فينك؟.
هكذا سأله “مُـنصف” بعدما رحب بهِ ليتبادلان أطرا’ف الحديث والترحاب حتى جاء سؤال “جـاد” الذي قال بنبرةٍ هادئة متسائلًا:
_أومال إيه صوت الزغاريط دي كلها هو “يـوسف” قرر يتجوز التانية ولا إيه؟.
_لا يا را’جل تـ ـف مِن بوقك دا يتد’بح فيها قبل ما يفكر فيها، دا عريس جاي لـ “كايلا” عقبالك.
هل سَمِعَ أحدكم صوت تكسـ ـير قلبه؟ صد’مةٌ مؤ’لمة وأصـ ـابت قلب شا’بٍ كان يُخـ ـطط لخطبتها بعدما قضـ ـى معها بعض الوقت وتأ’كد مِن شعوره نحوها وصدق مشاعره إليها حينما كان يصر’خ القلب كل يومٍ مطا’لبًا بها، شعر بالد’وار وتشو’ش الرؤية أمامه لير’فع رأسه مِن جديد ينظر نحو الشقة بقـ ـلبٍ يعتـ ـصر أ’لمًا، لا يُصدق أن ثمة أخرٍ غيره قد سبقه وذهب لخطبتها، لقد دُ’مِرَت أحلامها بالكامل.
_كان الفتـ ـى يرسم مستقبلٍ مشرقٍ لهُ،
حتى جاء المُعلم وهد’م سقـ ـف طموحاته.
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية جعفر البلطجي 3)