رواية يناديها عائش الفصل الثمانون 80 بقلم نرمينا راضي
رواية يناديها عائش الفصل الثمانون 80 بقلم نرمينا راضي
رواية يناديها عائش البارت الثمانون
رواية يناديها عائش الجزء الثمانون
رواية يناديها عائش الحلقة الثمانون
_____________________♡
«اللهُمّ أنجِ المُسلمين المستضعفين في العِراقِ واليَمن وسُوريا والسودان ولُبنان وفِلَسطين وسائر بِلاد المُسلمين».
_______________
يقول أحدهم فد فاض به الكيل من الدنيا:
«ربما كان الأفضل للبشرية أن تتوقف عند عتبة
السبعينيات، طائرات سريعة، هاتف مباشر،
مطبعة، تلفزیون ملون، والكثير من الخصوصية».
~~~~~~~~~~~~~
في وسط تلك الأيام المُزدحمة بالمفاجآت و التوتر والضغط العصبي و النفسي الذي يمر به أفراد عائلة الخياط، كان ” زيـاد” في مُنحدر لوحده و أصبح مكتب وكيل النيابة مُكْتَظّ بالأوراق التي تخص قضية يقوم بالعمل عليها قد أثارت في نفسه الحُزن و الغضب الشديد من المُتهم.
دلفت ” هاجر” تلك الوردة الحمراء التي امتد بطنها و أصبحت ظاهرة لكل من يراها لمكتبه، وهي تحمل فنجال من القهوة السادة لذاك الذي
جلس قابعًا في كرسي مكتبه الذي حوصر بالأوراق المتناثرة هنا و هناك..
وضعت الفنجال و نظرت إليه في ابتسامة حنونة قائلة..
” تحب أحضر العشا دلوقت ؟ ”
لم تصدر منه إجابة؛ بسبب انشغاله الشديد بالنظر في أوراق القضية مما التزمت الصمت و امتدت أناملها تُداعب شعره في حنو، ثم وضعت قُبلة رقيقة على رأسه و اتجهت خارجة من المكتب عندما وجدته في أوج انشغاله..
استوقفها بلُطف قائلًا..
” هاجر.. أنا آسف.. مشغول جدًا حقك عليا ”
تبسمت في صفاء و عادت إليه تتساءل
” هي القضية صعبة للدرجة دي ؟ ”
مطّ شفتيه بضيق و بدت علامات الانزعاج على وجهه، ليقول..
” هي مش صعبة، لكن توجع القلب.. تخيلي إن المتهم حرق أبوه حي ! ”
اتسعت عين هاجر بعدم تصديق و هتفت
” لا حول و لا قوة إلا بالله.. ده معندوش قلب.. هو ده حصل بجد فعلًا !! ”
أومأ في حُزن..
” للأسف.. حرق أبوه عشان رفض يديله فلوس يجيب بيها مخدرات ”
” الله يخربيت المخدرات على اللي اخترعها.. الشباب ضاعت.. حسبي الله ونعم الوكيل.. الناس لما تركت دينها شهواتهم بقت تتحكم فيهم زي الحيوانات.. دنيا مُريبة.. ربنا يطلعنا منها على خير ”
قالتها بمشاعر حزينة متبادلة مع زوجها، ثم تابعت بتنهيدة ثقيلة
” نفسي اتسدت والله من اللي قولته ده.. أنا هنزل أقعد مع نورا شوية ”
هزّ رأسه بموافقة دون رد، ثم نهض قبل أن تذهب و أقبل عليها باسم الثُغر يشدها برقة من خصرها، ليضمها إليه بحنانٍ هامسـًا
” سامحيني عشان كنت مشغول عنك الفترة اللي فاتت.. أوعدك أفضي نفسك لكِ يوم و نخرج في المكان اللي تقولي عليه ”
وضعت رأسها على قلبه و احتضنته قائلة
” أنا مقدرة التعب اللي بتتعبه في شغلك و عمري ما أزعل إنك مشغول عني.. أنت بتؤدي شغلك بما يرضي الله و بضمير و ده عندي بالدنيا.. بدعي لك دايمًا ربنا يسترها معاك و يوفقك ”
” بحبك أوي يا أم تاليا إن شاء الله ”
قالها مبتسم في مكر قاصدًا المجاكرة، فابتعدت عنه قليلًا لتهتف في هجوم كوميدي
” مين تاليا دي ! اسم حبيبتك القديمة ؟ و بعدين ايش عرفك أنها بنت ! بالعند فيك بقى إن شاء الله هيجي ولد.. عشان يبقى دراعي اليمين و أنت دراعي الشمال ”
ضحك بصخب قبل أن يقول
” الرسول عليه الصلاة والسلام قال إن البنات هن المؤنسات الغاليات ”
” اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه سيدي وحبيبي رسول الله.. لكن الحديث ده سنده ضعيف.. بس هرجع أقولك إن البنات أحن من الولاد و إن وجودهم في البيت بيضفي على البيت و ناسه الألفة و السعادة.. أنا بحب خلفة البنات جدًا و بحب الصبيان برضو و اللي يرزقنا بيه ربنا هو نعمة و فضل من عنده.. و بصراحة بقى يا سيادة وكيل النيابة يا حبيبي أنا عاوزه ولد عشان أغيظك بيه ”
رفع حاجبه باستنكار و قال بلا مبالاةٍ مصطنعة
” امم.. خلاص بقى، شكلها حبيبتي القديمة ملهاش نصيب اسمي بنتي على اسمها ”
ضيقت هاجر عينيها بطريقةً مضحكة و قالت
” أنتم الرجالة ملكوش أمان.. بس ما علينا و لا يهزني.. قال تاليا قال ”
” على فكرة يا أم شعر أحمر أنتِ.. معنى اسم تاليا يعني نور من الجنة.. أنا قولت بقى بما إنك نوري على الأرض فمش باقي غير ربنا يرزقني بنور من الجنة.. بس في ناس بقى شعرها شبه الأميرة ميريدا مش عاجبها الكلام ”
” مالها الأميرة ميريدا ! طب والله كانت شجاعة و بت بنت بلد جدعة ”
” بنت بلد ! ليه.. هي أميرة كفر أبو عِجلة ! ”
هتف بها زياد في احْتَجَّاج، بينما هي ضحكت على قوله الهزلي و أردفت من بين ضحكاتها وهي تتجه للخارج
” طب أسيبك أنا بقى عشان تخلص اللي وراك ”
” ماشي يا وردتي.. براحة و أنتِ نازلة على السلم.. و متنسيش ميعادنا الأسبوع الجاي عشان نعرف جنس البيبي.. و إن شاء الله توأم.. أنا قلبي أبيض و دعوتي مستجابة ”
“ده عيبك يا زيزو يا حبيبي إنك بتنام من غير غطى”
قالتها ضاحكةً قبل أن تغلق باب الشقة وراءها..
عاد زياد لعمله على تلك القضية التي حزن لها قلبه كثيرًا، فبرغم أن المشتبه فيهم كانوا ثلاثةً وهم والدته التي دائمًا في شِجار مستمر مع الضحية بسبب الحالة المادية و ظروف المعيشة رغم أن الرجل كان كبير السن ومع ذلك يعمل ليل نهار لتوفير احتياجات أسرته من مأكل و ملبس و غيره، و المشتبه الثاني هو ابنه الذي يتعاطى المخدرات و الثالث مدير المصنع الذي يعمل به و الذي كان يقرض الضحية المال وعندما عجز عن دفع الديون مرةً واحدةً هدده بالقتل في لحظة غضب، إلا أن مع استجواب وكيل النيابة ” زياد”
المشتبه فيهم الثلاثة و مع دراسة الأقاويل الخاصة بهم و استجواب الشهود و البحث في القضية من جميع خيوطها، توصل أخيرًا إلى أن المتهم و القاتل هو فلذة كبد الضحية و الذي يكون والده..
جمع زياد أوراقه و تأكد من اتمام كل شيء للمثول أمام المحكمة غدًا..
________________
”بعضُ الناس يُحبون السَّماء مهما كان الطَّقس، يومًا ما قد تجِد شخصًا يُحبُّك بنفسِ الطَّريقة.”
- أحمد خالد توفيق.
~~~~~~~~~~~~~~~~
نزلت هاجر للطابق السُفلي من البيت و الخاص بحماها و حماتها.. وجدت “سارة” حماتها تقوم بعجن بعض المخبوزات المصرية كالتي يسمونها في الأرياف ” بكاكين ” فهتفت هاجر تعرض عليها المساعدة وهي تجلس بتعب بدا عليه
” بكاكين ! الله.. نزلت في الوقت المناسب.. قومي يا ماما إما أكمل عجن عنك ”
ردت سارة بنفي و حنان
” لا يا حبيبتي تسلميلي ارتاحي أنتِ ”
” هي نورا جات من الشغل ؟ ”
” آه جوا في الأوضة.. مرضيتش تتغدا و دخلت الأوضة من ساعة ما جات مطلعتش.. شكلها زعلانة من حاجة.. روحي شوفيها ”
“أكيد في حاجة بينها و بين أُبَيِّ.. هي فترة الخطوبة كده فيها شد و جذب”
طرقت هاجر باب غرفة نورا هاتفة في صياح
” العروسة المنتظرة هتفتح في سنتها دي و لا إيه ! ”
فتحت لها نورا وهي تبتسم بخفوت قائلة
” اتفضلي يا هاجر ”
” اتفضل ! لا بقولك إيه.. الأدب ده مع الغُرب مش معايا أنا.. مالك يا ست حلويات.. مكشرة ليه ؟ ”
قالتها هاجر في مزاح و هي تتأمل ملامح نورا العابسة، ردت الأخيرة بحزن حاولت إخفائه
” مفيش ”
” لأ أنا مش خطيبك عشان تقولي مفيش.. انطقي حصل إيه ؟ ”
صمتت نورا للحظات قبل أن تحكي لهاجر ما حدث بينها و بين أُبَيِّ، لتختم قولها
” أنا عارفة و واثقة إن أُبَيِّ بيحبني و هايجي يعتذر تاني.. بس كان لازم أخد موقف قوي منه عشان أعلمه ميدخلش الشك علاقتنا تاني مهما حصل ”
” طلعتِ نبيهة يا بت يا نورا ”
ابتسمت نورا و أردفت
” أُبَيِّ لو فكر يسيبني أنا مش هحله ”
” إيه جوا الشبحنة ده ! ”
تابعت بثقة
” بس هو ميقدرش يتخيل يكمل حياته من غيري.. أنا عارفة كويس.. و أنا كمان بحمد ربنا إنه رزقني بشخص نقي و طيب زيه.. تعرفي يا هاجر إني ساعات بحس إن بتعامل مع طفل بريء العالم لسه متركش أثر خدش واحد فيه !
أُبَيِّ شخص جميل.. و أنا مش قصدي شكله.. هو قلبه جميل و بريء أوي.. عنده كده نبرة في صوته تحسي إن حنية العالم فيها.. بس لازم قرصة ودن صغيرة كده تفوقه ”
أنهت جملتها لتتفاجأ بوالدها يستأذن للدخول عليهما قائلًا
” عاملين إيه يا بنات.. ممكن أدخل ؟ ”
ردت هاجر في أدب باسمة
” البيت بيت حضرتك يا بابا.. طيب أنا هروح أشوف ماما خلصت ولا لسه ”
قصدت هاجر الانصراف لتترك مجال لهما للحديث بأريحية..
جلس مُصطفى بجانب ابنته و أحاط كتفيها في حنان أبوي، ليقول
” أُبَيِّ قابلني و حكى لي اللي حصل بينكم ”
كادت أن تتحدث، و لكنه أسكتها بمتابعة حديثه بسلاسة
” هو غلطان أنا مش بدافع عنه، لكن يا بنتي اعترف بغلطته و أنا ربيتك على المسامحة طالما الغلط متكررش.. أُبَيِّ رجُل صاحب مسؤولية و شخص خلوق و جدع و غير كده بيحبك بجد.. هو ندمان على سوء ظنه و كل اللي طلبه مني إنه يجي يقعد معاكِ و يعتذر لكِ.. و عاتبيه براحتك.. لكن يا نورا اوعي تنسي اللي علمته لكِ.. مهما يكون فيه بينك و بين الشخص زعل لازم ولابد يكون فيه احترام في الحديث من غير تطاول أو تعدي في الحدود.. فهمتي يا بنتي ؟ ”
أومأت في احترام و تقدير لوالدها، فوضع قُبلة على جبينها و قال
” تعالي معايا.. هو مستنيكِ في الصالون ”
نظرت له بأعين متسعة في دهشة يصاحبها الخجل و قالت في تلعثم
” بس.. بس يا بابا..
قاطعها ضاحكًا
” مبسش.. ادخلي اتكلمي معاه و أنا قاعد قصادكم لو في أي حاجة ”
انصاعت لكلام والدها، و اتجهت للغرفة التي يجلس بها أُبَيِّ تفرك أصابعها في توتر..
عندما وطئت قدميها عتبة الغرفة، وجدته يَقبل عليها بابتسامة جميلة كوجهه و بيده باقة من الورود الرائعة و التي أضفت عليهما جو من الرومانسية، ليُقدمها لها قائلًا بتلك النبرة الدافئة في صوته
” أنا.. أنا خجلان.. من.. من.. من نفسي.. عشان.. زَ.. زعلتك.. أنا.. أنا آسف.. حـَ.. حـقك على.. رَ.. راسي ”
كانت نورا تطالع الأرضية بخجل منه، و عندما بدأ الاعتذار ملكتها الدهشة من إزالة الجهاز الذي يستخدمه ليَحُد من التلعثم المُصاب به، و العودة لطبيعته، فأصابه الارتباك و التوتر أمامها كعادته مما جعله ذلك يتلعثم عند الاعتذار؛ خوفًا من ألا تقبله..
تساءلت بعفوية
” أنت شيلت الجهاز ؟! ”
خاف من أن يكون ذلك قد أزعجها، فقال سريعًا
” لو.. لو عاوزاني ألبسه.. هـ.. هلبسه.. حَـ.. حالًا”
هزت رأسها بنفي و همست باسمة
” أنا بحب طبيعتك و مش عاوزاك تتصرف غير بطبيعتك.. قليلين في الزمن ده اللي قلبهم لسه نضيف.. و أنت قلبك نضيف يا أُبَيِّ سواء لبست الجهاز أو لأ.. أنا لما حبيتك حبيت كده.. و على فكرة.. أنت بالنسبة ليا شخص مميز جدًا و مش شايفة فيك أي عيوب.. و أنت لو شايف التلعثم ده عيب.. أحب أقول لك إن حتى عيوبك مميزات.. لو سمحت يا أُبَيِّ خلينا كويسين علطول و متخليش سوء الظن يدخل بينا.. و أنا لو عملت حاجة ضايقتك تعالى عاتبني و قولي.. و أنت كمان لو صدر منك كلمة أو فعل زعلني هاجي أقول لك.. اللي بينهم حُب كبير لازم يسعوا إنهم يحافظوا على الحُب ده.. و إحنا لازم نعمل كده يا أُبَيِّ ”
تنهد بارتياح بعد سماعه لهذا الكلام، و أومأ برأسه بعينين ينبعث منها الأمل
” أوعدك.. إني.. إني أحافظ.. على.. على علاقتنا.. و إن.. إن شاء الله عن قريب.. هرجع.. أتـ.. أتكلم كـ.. كويس زي.. زي الأول ”
جلست على الأريكة باسمةً بعد أن أخذت منه الورود الجميلة، فوجدت في منتصفها رسالة و علبة الخاتم الخاص بالخطبة..
تناولت الرسالة لتقرأها في صمتٍ تحت تلك الأعين الزرقاء التي تراقبها في صَبْوَة و غرام، لتتسع عينيها بانبهار أثناء قراءة ما خطته يداه بخطٍ منظم و منمق مثله..
” رأيت في عينيك سحر الهوى، مندفعًا كالنّور من نجمتين فبتّ لا أقـوى على دفـعـه من ردّ عنه عارضًا باليدين، يـا جنـّة الحب ودنيا المُنى ما خلّتني ألقاك في مُقلتين.. ”
بدأ رسالته بأبيات شعر للشاعر إيليا أبو ماضي، ثم تابعها بكلامٍ نابع من قلبه أراد أن يكتبه في رسالةٍ تخلو من التلعثم بدلًا عن قوله، قصد من ذلك أن تُبحر بخيالها في بحر عشقه الطاهر دون أن يتم تشتيت خيالها بجُملهِ المُتقطعة..
” حينما تنظر إليَّ عينيكِ الجميلتين، أشعر بشيء يأسر قلبي و يجذبه إليكِ، بحثت في معاني اللغة لأجد كلمةً توصف مدى عشقي، فوجدت أن اللغة لا تكفي لوصف ما في قلبي من حُب تجاهك..
أنا ذلك العاشق الذي لا دنيا له إلا بوجودكِ، و لا يقبل قلبي بغيرك حتى تفارق الروح جسدي، وجهك وصوتك في أحلامي و في صحوتي حتى في الغفوة لا يفارقوني، يا فتاةً هونت عليّ قسوة الحياة قد بلغ حُبي لكِ مُنتهاه.. أغثِ قلبًا بات في عشقكِ مُتيمُ. ”
نزلت منها الدموع رغمًا عنها بعد قراءتها لهذا الجمال الذي سلب عقلها و قلبها، ثم ارتدت الخاتم وهي تقول بسعادة
” برغم إننا مينفعش نبوح بمشاعرنا لبعض في الخطوبة بس أنا عشقتك يا أُبَيِّ و بطالب بتعجيل كتب الكتاب عشان إحنا نعتبر مش محترمين كده”
ضحك بدموع تجمعت في عينيه لسعادتها ثم قال بموافقة على كلامها
” عندك حق.. استغفر الله لي و.. و لكِ.. ادعي قُصي.. يرجع بـ.. بالسلامة.. و إن.. إن شاء الله.. يكون زواجنا.. قـُ.. قريب ”
” ربنا يطمنا عليه يارب ”
” آمين ”
________________
“وهل للشوقِ دواءٌ غير اللِقاء ..؟ ”
~~~~~~~~~
تقلبت تلك الفراشة الحائرة في نومتها ليلًا بأرق، فشعرت بوخز في رقبتها مما دعاها ذلك للنهوض في ألم و أخذت تتحسس مكان القلادة، لتتفاجأ بشيء معدني بين يديها مع بعض قطرات الدماء !
نهضت سريعًا في فزع تقف أمام المرآة، تتفحص رقبتها في خوفٍ، لتلاحظ أن القلادة خرجت من رقبتها كما يقع السِن من الفم !
ظلت تتأمل في صدمة بعدم فهم و استيعاب لما حدث، و أسرعت بالاتصال على ” روان ” تقص عليها هذا المشهد الغريب..
ردت روان بعد عدة رنات و أثر النوم واضح في نبرات صوتها..
” مين ..؟ ”
” مين إيه.. أنا رُميساء.. فوقي كده بالله عليكِ يا روان.. أنا حصلت معايا حاجة رعبتني ”
بدأت روان في استعادة وعيها، فتساءلت بقلق
” أنتِ كويسة ؟ ”
” أنا كويسة ما تخافيش.. بس القلادة قمت من النوم لقيتها جنبي على السرير و في دم بسيط عليها و الغريب إن رقبتي مفيهاش خدش واحد.. بس مبقتش حاسة بالقلادة في رقبتي.. يعني هي خرجت لوحدها يا روان.. ده معناه إيه !
أنا فرحانة و مرعوبة في نفس الوقت.. فرحانة عشان أخيرًا اتخلصت من البتاعة دي و خايفة يكون كريم حصل معاه حاجة ”
تنهدت روان بتفكير و قالت
” الموضوع غريب يا رُميساء.. أنا أصلًا لحد دلوقت مش مستوعبة موضوع القلادة ده ”
ردت رُميساء بدموع و خوف
” حاسة إن كريم حصل له حاجة وحشة ”
” توقعي الخير يا بنتي.. إن شاء الله مفيش حاجة وحشة ”
أثناء حديث الفتاتان، سمعت روان أصوات استغاثة و صراخ؛ فألقت الهاتف و نهضت سريعًا لتجد زوجة والدها تضع يدها على أسفل بطنها و تصرخ في ذعر..
” الحقيني يا روان.. المغص هيموتني ”
توترت روان بشدة و ظهر عليها علامات الفزع وهي تصيح
” حصل إيه ؟؟ هو.. هو المغص ده من إيه ؟
أنا.. أنا هكلم بابا حالًا ”
ردت إيناس باكية بألم
” أبوكِ هيبات برا في الشغل و اتصلت كذا مرة تليفونه مفقول.. ”
” طب.. طب أعمل إيه.. إيه اللي يوقف المغص ده ؟؟ ”
” أنا حاسة إني هولد.. ده وجع الطلق ”
” تولدي ! أنتِ لسه مدخلتيش في التامن !! ”
” اتصرفي أنا بـموت.. مش قادرة ”
قالتها في صراخ و بكاء، فأخذت روان تدور حول نفسها كالمجنونة لا تدرِ ماذا تفعل..
ارتدت ملابسها سريعًا و ألبست زوجة والدها قائلة في خوف و ارتباك
” أنا هاخدك المستشفى ”
” مين هيودينا دلوقت و إحنا نص الليل كده ! ”
” العربية معانا متقلقيش.. هنروح بسرعة ”
نظرت لها إيناس بخوف كبير و همست
” بس أنتِ لسه متعلمتيش السواقة ”
نظرت لها روان نظرة سريعة، ثم أخفضت بصرها و قالت وهي تساعدها على النهوض
” هنشوف ”
_________________
“اشبعوا من بعضكم فالموت لا يعطي إنذار، واسألوا عن بعضكم فلا أحد يعلم متى سيكون آخر تواصل أو لقاء.. ” لقائلها
~~~~~~~~~~~~
استأذنت عائشة من حماتها ” مفيدة” بعد أن استأذنت من زوجها لزيارة جدتها و أخيها..
جلس ثلاثتهم يشاهدون مسرحية على التلفاز و يجمعهم الشاي و الفشار في جو أُسري لطيف..
هتفت عائشة بنظرات حالمة قاصدة استفزاز
” زين”
” فينك يا بدوري.. كُنت زمانك بتقولي دلوقت اقلبي على الماتش ”
رمقها زين بغضب مزيف و قال
” خدي بالك أنا سايبك تتفرجي براحتك عشان أنتِ ضيفة عندنا بس.. و عشان زوجك الراجل الغلبان المحترم وصاني عليكِ.. ربنا يصبره والله ”
صفقت له عائشة و نهضت تود العراك في مزاح
” ضيفة ! ضيفة مين يا عسل.. أنا هنا سيدة القصر ”
” طب اقعدي يا فاتن حمامة خلينا نسمع ”
” ماشي يا بتاع شهد ”
نظرت لهما جدتهما بعدم فهم و تساءلت
” شهد مين ؟! ”
ضحكت عائشة بانتصار هاتفة
” ها.. قولها شهد مين.. ”
توردت وجنتي زين سريعًا و ترك الفشار من يده قائلًا في هروب
” متاخديش في بالك يا تيته.. حد ياخد على كلام الهُبل برضو.. دي بت هبلة ”
” أنا هبلة ! ده أنا بقفشك كل قفشة و التانية..”
قالتها رافعة حاجبها في مكر، فرد بلا مبالاةٍ مُحاولًا ألا تنتصر عليه
” متغاظة اكمني روميو ! ”
” روميو ! ده أنت محصلتش حتى جبنة روميو”
نهض زين غاضبًا بشتكي لجدته
” سامعة يا تيته.. و لما أمسكها أعمل منها بطاطس محمرة كده.. هيبقى كويس ! ربنا يكون في عون بدر والله ”
هتفت عائشة بثقة
” بكرة تيجي لي ركض و أقول لك بطلت ”
” لا يا شيخة ! ”
” هنشوف.. أنا و أنت أهو و الأيام بيننا.. إن مجتش يا زين قولت لي أنا بحبك شهد و عاوز اتجوزها.. ساعتها اعمل ما بدا لك ”
قالت الجدة ضاحكة عليهما
” هو الحب حرام يا ولاد.. يارب أشوفك مع بنت الحلال اللي تصونك يا زين قُريب.. و أشيل أحفادكم يارب قبل ما أموت ”
هتف الاثنان سريعًا بحُب تجاه جدتهما
” بعيد الشر عليكِ يا تيته… ربنا يبارك لنا في عمرك ”
نهضت الجدة قائلة بحنان وهي تتجه للمطبخ
” كملوا أنتم المسرحية و أنا هطلع الكيكة من الفُرن و أجيبها ”
تنهدت عائشة بأريحية و قالت
” أنا عمري ما دوقت أطعم من الكيكة بتاعتك ”
رد زين بموافقة على كلامها
” عندك حق.. تيته أشطر حد يعمل كيكه و رز بلبن”
” أنت هتقولي على الرز بلبن بتاعها.. نفسي أعرف بيطلع حلو كده ازاي مع إن بعمله بنفس طريقتها بالضبط و بيطلع طعمه شبه الرنجة ”
” رنجة ! افتكري حاجة حلوة طيب ”
قالها زين في نفور و غثيان بدا على ملامحه، فردت عائشة دون اكتراث له
” لو قولت الكلام ده قدام حد من عيلة الخياط مش بعيد يخلعوا راسك و يحطوا مكانها راس فسيخة ”
تقشعر بدن زين و صاح بانزعاج
” إيه تعبيراتك السوقية دي ! ”
” سوقية ! فوق يا حبيبي ده أنت قاعد في عزبة اسمها عزبة الشخاخني ”
” منه لله اللي سماها الاسم ده والله ”
تشارك الاثنان الضحك، حتى جاءت الجدة بالكيكه الساخنة و التي كان مذاقها طيب للغاية..
انتهت المسرحية و نهض زين للنوم؛ لينهض باكرًا و يذهب لعمل مقابلة عمل شخصية في إحدى الشركات الكبرى بالمحافظة، بينما اتجهت الجدة و عائشة للخلود للنوم أيضًا..
نامت عائشة في حضن جدتها كالعادة عندما تبيت عندها بعد أن ضبطت المنبه لصلاة الفجر..
مرت ساعات الليل و أقبل الفجر، فرن المنبه مما نهضت عائشة تتثاءب ثم ذهبت للوضوء و عندما انتهت، أيقظت زين ليلحق الصلاة في المسجد، و اتجهت لتوقظ جدتها التي رغمًا عنها لفت جنبها للنوم على الجانب الأيمن دون أن تشعر عائشة بذلك أثناء نومها في حضنها..
هزتها عائشة برفق و نادت في همس
” تيته.. تيته اصحي عشان صلاة الفجر ”
لم يصدر صوت من الجدة، أزاحت عائشة الغطاء الخفيف عنها و تحسست جسدها فوجدته باردًا كالثلج..
انتفض قلبها بخوف و دق بعنف و أخذت تهز الجدة هاتفة بصوت عالٍ نسبيًا
” تيته قومي عشان الفجر.. ردي عليا طيب.. يا تيته عشان خاطري ردي ”
قالت جملتها الأخيرة و بكت بعفوية، ثم هرولت تصيح على زين
” زين الحق.. تيته مش بترد عليا ”
نظر لها زين في استغراب، و اتجه لغرفة جدته في الحال يتحسس نبضها و جسدها، ليهمس بدموع بعد لحظات و يديه ترتجف في وَجَل
” إنا لله و إنا إليه راجعـون ”
______________________
جاء اليوم الذي سيقوم فيه وكيل النيابة ” زياد”
بتقديم القضية إلى رئيس النيابة، و بصفته عضو في السلطة القضائية فقد تعامل مع المتهم بنفسه و التحقيق في الواقعة؛ ليسبغ عليها التكييف القانوني قبل تقديمها إلى رئيس النيابة، مثل إضافة تقارير الاتهام وقوائم الأدلة والاثباتات قبل إحالة المتهم إلى المحكمة.
لقد ذاع صيت زياد منذ آخر قضية عمل عليها، وهي قضة ابن رجل الأعمال المشهور الذي قتل والدته، و اليوم تصبح القضية مشابهة فالمتهم حرق والده حيًا !
ارتدى بدلة زرقاء أنيقة، و أخذ ملف القضية ثم قاد سيارته متجهًا للمحكمة..
تكأكأ الجميع أمام قاعة المحكمة من صحافة و أهالي و محاميين لمتابعة القضية.. و دخل زياد القاعة مُرتديًا الوشاح ذو اللونين الأخضر و الأحمر
بعد عدة ساعات سمع الجميع صوت يعرفونه جيدًا يهتف بجدية
” محـكمة ”
نهض زياد يقف بشموخ ينظر للمتهم من خلف القضبان بغضب يود لو يحرقه مثلما فعل بوالده الشيخ الضعيف، ليقول بصوت رن في المسامع و ضج في القاعة ليسكت الجميع..
” سيدي الرئيس، حضرات السادة المستشارين.. أقول، و كأن بأبٍ مكلوم يُنادي لماذا يا ولدي..؟
هل ضاق صدرك بأبيك.. ! لما يا ولدي تعجلت قدرًا سيؤتيني و نسجت بيدك الأكفان.. يا ولدي كنت أرجو أن تُكمل معي السعي حين أكبر، و كُنت أرجو أن أشم شذاك عطرًا في الأوراقِ حين تُزهر.. فقطفت بيدك آخر أوراق عمري، كنت أرجو أن تكون رفيق عمري، و تكون عزي و عزوتي.. و كنت أرجو أن تكون عصاي اتكأ عليها حين تخور قوتي..
هذا هو جزء من حياة الأب و كأنه يستغيث بولده القاتل، ويلك ما فعلت.. خسرت دُنياك و أُخراك ثم تخافت أصوات اسكتها البُكاء على ضياع البر و الوفاء، شاكيًا بثه و حزنه إلى الله و كأن به يتوجه لابنه بهذه الكلمات.. ”
ضجت قاعة المحكمة بُكاءًا و تأثُرا، فأسكتها القاضي ليتابع زياد
” سيدي الرئيس، إن الجريمة التي ارتكبها هذا الابن العاق تعتبر من أكثر الجرائم بشاعة في القضاء المصري، و السبب في ذلك..
أقول أن الضحية وهو الأب المسكين كان ذنبه أنه رفض اعطاء المال لولده لتعاطي المخدرات و فعل المنكرات، و ماذا فعل الابن العاق ! حرق والده حيًا..
لقد سكب البنزين عليه بعد أن قيده و كبل حركته، ثم ألقى عليه النار فاشتعل والده أمامه دون أن تأخذه رأفةً و رحمةً به..
سيدي الرئيس حضرات السادة المستشارين، هذه هي أدلة الدعوى طرحناها على عدالتكم و آمل أن تكون قد حققت بغيتنا في اقناعكم بارتكاب المتهم لتلك الجريمة الشنيعة، إنني أطالب بتحقيق أقصى عقوبة في قانون العقوبات و بإعدام ” صابر محمد السماك “..
بعد ساعات قليلة من النظر ثانية في الأدلة من قبل النيابة العامة و القضاة، طُرقت المطرقة على المنضدة و سُمعت كلمة..” محكمة”
ليقول القاضي..
” قررت المحكمة بإحالة الأوراق إلى فضيلة السيد مفتي الجمهورية لإبداء الرأي الشرعي فيما أسند إلى المتهم من اتهامات وحددت جلسة الثلاثاء القادم من هذا الشهر للنطق بالحكم.. رُفعت الجلسة ”
تنهد زياد بأريحية وهو على ثقة تامة بأن الجاني سيتم إصدار حكم الاعدام شنقًا عليه.
” ملحوظة/ حدثت تلك الواقعة في مصر بالفعل وتم اقتباس بعض الكلمات من مرافعات النيابة لأجعل المشهد حقيقي و واقعي بجانب بحثي الوفير عما يخص عمل وكيل النيابة و تغيير اسم المتهم، و دراسة ما يحدث داخل قاعة المحكمة جيدًا، لأجعلكم تتخيلون كل كلمة أثناء القراءة ”
__________________
“الوطن شجرة طيبة لا تنمو إلا في تربة التضحيات وتسقى بالعرق والدم. ” قول مأثور.
~~~~~~~~~~~~~
وقع أثار ما سمعه ” قُصي ” من ذاك الرجل على مسامعه وقوع المزحة من مهرج فكاهي، فرفع حاجبيه ضاحكًا و هازئًا ليقول
” مش عيب تبقى في السن ده و هجاس ! ”
امتعض وجه الرجل و أَزْبَدَ فمه بقول..
” أنت أذكى من كده.. و لو فكرت كويس هتلاقي إن في بيننا تشابه كبير.. ”
” بقولك إيه يا عم الحج.. ما تخليك جدع و تفكني بما إنك بابا و كده يعني ”
ابتسم الرجل بقلة حيلة من استهزاء قُصي به، وفكر في فك قيده و لكنه تراجع في آخر لحظة ليقول بلُطف
” عليك أن تثق بي و تصدقني أولًا ”
” طب ما احنا كنا كويسين و بنتكلم مصري زي الفل.. لسانك اتعوج ليه لما قولت لك فكني ! ”
صاح بها قُصي في هدوء استفز الرجل، مما أجبره يقول في سَخط..
” أنا حزين على سوء تربيتك.. لسانك سليط للغاية ”
رد قُصي قبل أن يُخرج له لسانه كالصغار
” اللي بيكتم الشتيمه بيعجز بدري عشان كده تشوفني تديني اصغر من سني ”
“كفاك استهتارًا.. هل تعلم كما انتظرت مجيئك؟”
صاح بها الرجل و قد إِمْتَلأَ غَيْظا من لا مبالاة قُصي و كأنه في كوكب من كواكب سبيس تون للمغامرات و ليس مخطوفًا من قبل جماعة عبدة الملعون.. !
صمت عمّ للحظات عليهما، قطعه قُصي وهو ينظر لتلك اللبؤة الذي يبدو عليها الجوع الشديد.. هتف وهو يَرمقهما بسخرية
” غريبة يعني إنك متربيش أسد و تربي مراته ! فعلًا الحيوانات على أشكالها تقع ”
صاح الرجل بضيق شديد
” لأ.. كده كتيـر ”
” ايوه اظهر كده على حقيقتك.. بقى بعد السنين دي كلها بتزعق لابنك ! أنت كُخه أوي يا بابا ”
تنفس الرجل بعمق، ثم اتجه يصب النبيذ الأحمر ليهدئ نفسه قائلًا وهو يُقبل الزجاجة
” تعرف إن دي أغلى زجاجة نبيذ في العالم !
دي بقى سميتها الدلوعة.. عشان بدلعني و بتكيف دماغي.. مزيج من عنب كابيرنت فرانك و ميرلوت.. اسمها شاتو شيفال بلانك.. قيمتها عندي بكنوز الدنيا..
تابع وهو يستدير في مقابلة قُصي الذي بدت علامات الاستهزاء عليه..
” أنت بقى قيمتك بالنسبة ليا أغلى من الدلوعة ”
” طب و ربنا أنت راجل هجاس.. دلوعة إيه يا شايب يا للي مشغل شواذ معاك.. أنت عندك علم إن سام ادوارد المساعد بتاعك كان عاوزني بمعنى عاوزني ! عندك علم بالقرف و المهزلة دي و لا أنت بتشرب الدلوعة من هنا و تقرف أبونا !
يا شيخ يلعن أبوكم كلكم.. أنتم بالذات يجوز عليكم اللعن رغم إن اللعن حرام بس في ناس كده ملعونين زيهم زي الشيطان اللي بتعبدوه و هو ملعون و مطرود من رحمة ربنا ”
صاح قُصي بتلك الكلمات بغضب حقيقي، فقد
إِكْفَهَرَّ و انفعل عندما تذكر حقيقة هولاء..
تأمل الرجل قُصي للحظات، ثم قال في هدوء
” مُجاهد و عزمي هما السبب في كل حاجة.. هما اللي فرقوني عنك السنين الطويلة دي كلها.. أنت كبرت و نشأت في بيوت مسلمين فطبيعي تكون ميال ليهم.. و أنا مراعي صدمتك إنك لسه مش مستوعب إني أبوك الحقيقي.. ”
” أقول لك على حاجة عشان ترتاح.. خلي إن أنا أصلي يهودي و إن أنت أبويا الحقيقي.. أنا بقى بقولك من موقعي هذا.. أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له و أشهد أن سيدي محمد رسول الله و آخر الأنبياء و المرسلين.. أنا كده يا عم دخلت الإسلام أهو.. و أنا بريء منك يا حج.. سامحني بقى ”
تشنجت أعصاب الرجل، و ألقى الزجاجة من يده هاتفًا في عصبية بالغة..
” أنت غبي.. لقد علمك الاسلام الوقاحة.. وقح ”
” طب الحق الموبايل وقح منك ”
قالها قُصي ضاحكًا بعدم اهتمام، ثم زفر بضيق هامسًا بينه و بين نفسه
” يارب ارحمني من شوية الكفرة دول و الراجل المعتوه ده.. ”
كاد أن يتركه الرجل ويخرج، لولا أن استوقفه قُصي قائلًا..
” أنا عارف إنك أنت اللي كلمتني و أنا في مصر و كنت عاوزني أسافر السويد.. و عارف إنك خطفت اللواء عزمي و بدلته بواحد شبه أو عملته ليه وش نفس وش اللواء بس نسيتم تشيلوا نجمة داوود اللي على كتفه.. و عارف إن الراجل اللي قام بدور اللواء عزمي في الفترة الأخيرة من التدريب قبل ما نسافر للمهمة كان هو اللي موجود لما قبضنا على كارمن و جماعتها وهو اللي قتلهم قبل ما يفضحوا أي سر يخصكم.. و عارف إن أنت بتهري و تلت زي الحريم عشان تقنعني أدخل الماسونية و تستفادوا من ذكائي خصوصًا إني مخترع ذكي.. كل ده أنا عارفه.. بس أنا بفضل أموت على دين الإسلام.. على الأقل أموت نضيف ”
رمقه الرجل للحظات باسمًا باعجاب ثم قال
” كل اللي قولته صح ما عدا إني بهري و ألت.. أنا فعلًا أبوك.. و دي التحاليل اللي تثبت إنك من صُلبي.. و إن أصلك يهودي ”
قدم الرجل التحاليل أمام عينيه و التي بالفعل تثبت صحة حديثه، و لكن قُصي ألقى عليها نظرة خاطفة و ضحك غير مُصدقًا
” عاوز تقنعني إن التحاليل دي سليمة ! و الله مهما تعمل أنت في نظري راجل هجاس ”
ألقى الرجل التحاليل على الأرض بغيظ و هتف بنفاذ صبر
” زمايلك اللي عاملين نفسهم بيحبوك اترحلوا للمحاكمة الدولية و عشان يرجعوا مصر بسلام كانت نصوص الاتفاقية إن رؤوسهم كلهم مقابل راسك.. يعني يرجعوا بلدهم بس ينسوك تمامًا.. و فعلًا لسه واصلين مصر حالًا، لأن حتى لو رفضوا فالمحكمة الدولية خدت قرارها خلاص، و ده عشان القرار يرجع لي.. ”
هز قُصي أكتافه بعدم اكتراث لما يقوله و أردف
” و كان هيبقى قراري أنا كمان.. كل واحد فيهم عنده حياة و مستقبل مستنيهم، إنما أنا مش فارق معايا الدنيا.. كنت هختار إنهم يرجعوا مصر بسلام.. ”
” صدقني يا رافائيل، أنت لا تعرف مدى أهميتك بالنسبة لي و للعالم ”
قالها الرجل بحزن بدا في عينيه على رفض قُصي تقبل و تصديق حقيقته، ثم خرج و أخذ اللبؤة معه تاركًا قُصي وحده في تلك الغرفة الشاسعة شديدة البرود، دون حتى أن يفك قيده..
مرت ساعات كان قُصي صابرًا فيها لأبعد حد، حتى سمع صوت مناقشة حادة تأتِ من خارج الغرفة في اليوم الثالث له على التوالى في النفق المخطوف به تحت الأرض..
في الأيام التي مضت عليه، كانوا يدخلون له الطعام و الشراب، و لكنه أبى أن يتذوق طعم الزاد
أو الماء حتى بدا جسده يدخل في حالة من التعب و الاعياء..
فُتح الباب و فُتحت عين قُصي مع الصرير القادم منه ببصيص أمل، ليهتف غير مُصدقًا بدموع طفل وجد النجاة أخيرًا..
” بابا.. ! ”
اتسعت ابتسامة مُجاهد و سبقها الدموع ليقول
” طول ما أنا عايش محدش هيقدر يؤذي ابني”
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية يناديها عائش)