رواية وبها متيم أنا (نعيمي وجحيمها 2) الفصل الحادي والأربعون 41 بقلم أمل نصر
رواية وبها متيم أنا (نعيمي وجحيمها 2) الفصل الحادي والأربعون 41 بقلم أمل نصر
رواية وبها متيم أنا (نعيمي وجحيمها 2) البارت الحادي والأربعون
رواية وبها متيم أنا (نعيمي وجحيمها 2) الجزء الحادي والأربعون
رواية وبها متيم أنا (نعيمي وجحيمها 2) الحلقة الحادية والأربعون
– يعني كدة الموضوع اتحل؟
تسائلت بها مجيدة بعد انتهائهم من وجبة الطعام، وسرد حسن وشهد عن سبب تأخرهما، وذلك في الجلسة العائلية التي ضمت الجميع، وجاء الرد من الأخيرة:
– تقدري تقولي الدنيا هديت شوية، بعد ما انكشفت الحقيقة قدامهم، عم ابو ليلة وولاده كانوا مصممين يرجعوا بيها ع الصعيد، وطبعًا محدش يقدر يلومهم، دي ناس طبعها حامي ولا يمكن يتحملوا حد يجيب سيرة بنتهم.
عقب حسن بابتسامة ماكرة وبيده يعطيها طبقها من الحلوى:
– لا بس صبا لقت اللي يدافع عنها بشراسة، الجدع جارهم دا ما بيتحملش عليها كلمة، جايب صاحبتها تشهد باللي سمعته وعمال يدقق ويفند في الدلائل، وكأنه بيحاضر في قضية حياته، دي اول مرة اشوفه، بس بصراحة عجبني.
تبسمت شهد وقد فهمت ما يقصده، وقد وصلها هي أيضًا نفس الشعور، فتدخلت أنيسة قائلة:
– عشان بنت ناس وطيبة، ربنا وقف لها ولاد الحلال، هي دي برضوا حد يصدق عليها كلام زي ده؟!
عقبت نرجس لتظهر شخصيتها بينهم، بينما فمها ممتلًأ بقطع الحلوى التي كانت تأكل فيها من طبقها:
– بيصدقوا ياختي وبيقولوا أكتر من كدة، طول ما الصورة تنزل على الأبصر ايه ده اللي اسمه النت، لازم البت يمسكوا سيرتها ويعيدوا ويزيدوا عليها، بس هي برضوا غلطانة مكنتش اتصورت مع الراجل ده من الأول ، اهي جابت لنفسها المشاكل.
قالتها ببساطة أزعجت شهد حتى تقلصت ملامحها، وبدا عليها حرج ممتزج بحنقها، فقال حسن مصححًا بحلم:
– يا ست نرجس، هو انتي مخدتيش بالك ولا إيه؟ ما احنا شرحنا وقولنا ان الموضوع كله كان لعبة من واحدة عايزة تأذي البنت، ولا انتي مخدتيش بالك من بداية الكلام.
ناظرته بعدم تركيز تجيبه بتلجلج:
– هاا يمكن اكون مخدتش بالي صح.
قالتها وعادت لطبقها وكأن شيئًا لم يكن، لتزيد من استياء الأخرى، بالإضافة الى الحرج الذي اكتنف ابنتيها، حتى امنية شعرت به، فردت رؤى:
– الحاجات دي بتحصل كتير يا ماما، دا انا عرف واحدة كانت زميلتي في المدرسة، رقصت في فرح ابن خالتها عادي يعني، تاني يوم لقت الفيديو بتاعها متشير ع النت وفضيحة بجلاجل.
– يا ساتر يا رب، ربنا يكفينا شر ولاد الحرام .
دمدمت بها مجيدة والاَخرين، فعادت شهد للموضوع الأصلي موضحة:
– عندك حق طبعا يا رؤى، بس على فكرة بقى لو مكنتش صبا على حق مكنش عدي عزام بجلالة قدره راح لها البيت بنفسه عشان ياخد بخاطرها.
– بتقولي مين؟
قالها أمين بإجفال حتى ان الطبق اهتز من يده بشكل لفت الأنظار إليه، وبالأخص لينا التي رمقنه باندهاش وهو يتابع سؤال الأخرى بفضول يشوبه الإستنكار:
– انتي متأكدة انه عدي عزام نفسه شهد؟ طب ازاي؟ هو لدرجادي متواضع كدة عشان يروح بنفسه لبيت موظفة ويراضيها؟
قالها بحدة زادت من ارتياب الأخرى، وأجابة على أسئلته، رد شقيقه بتخمين:
– مش لازم يكون عشانها، يمكن بص لسمعته هو مثلًا، ع العموم احنا سيبناه ومشينا، وأكيد ابو ليلة هيبقى عنده تفسير لما نسأله.
تكلمت مجيدة لتنهي الجدال:
– خلاص يا جماعة سيبونا من السيرة دي وخلونا في القعدة الحلوة، ولا الحلو اللي عمل الحلو، تسلم ايدك يا انيسة، انتي بتعملي الحاجات دي ازاي يا ولية انتي؟
قالتها وانطلقت كلمات الإستحسان من الجميع نحو المرأة وما صنعته من أطباق رائعة المذاق، وهي تبادلهم الرد بزوق، حتى انتبهت على انشغال أكبر مشجعيها عنها، فقالت بمشاكسة:
– اه بس اظاهر كدة قصرت في حاجة ومش كل الناس عجبها الحلو، ايه يا حضرة الظابط دي مش عوايدك يعني؟
انتبه من شروده لينفي بحرج قائلًا:
– لا ازاي بس؟ يا نهار ابيض، دا انتي حلوياتك تجنن ولا يعلى عليها، انا بس دماغي لفت في حاجة كدة شغلتني لحظات.
– سلامة دماغك يا حضرة الظابط.
صدرت من لينا بتهكم لا يخفي حنقها، وبهيئة لفتت الانظار حولها، لتغزو محياه ابتسامة مشاكسة في الرد عليها:
– الله يسلمك يا رب يا حنينة.
ردت بضحكة سخيفة رافعة طرف شفتها بامتعاض جعله يبادلها مقهقهًا.
مجيدة والتي كانت تراقب بصمت وبقلب يخفق بالفرح، تشعر بقرب ما تتمناه دون جهد منها، فضلت عدم التدخل والانتباه لباقي ضيوفها حتى وقعت عينيها على أمنية والتي كانت هادئة ساكنة، على عكس الفكرة التي أخذتها عنها سابقًا. فاقتربت لتجلس بجوارها ، وتقدم لها طبقًا آخر قائلة:
– ايه يا قمر مبتاكليش ليه زيهم؟ ولا انتي كمان مش عاجبك الحلويات.
تبسمت تجيبها بامتنان:
– لا طبعا ازاي بس؟ انا خدت حتة صغيرة، عشان بس مش عايزة ازود السكر، وازيد أكتر ما انا زايدة.
لكزتها بخفة لتعطيها الطبق قائلة بغمزة بطرف عيناها وبتباسط يقرب المسافات:
– يا عبيطة خدي وأجلي الرجيم بعدين، القعدة الحلوة بين الحبايب ما بتتعوضش، دوقي واتمتعي بعمايل خالتك أنيسة، هو احنا كل يوم بنلاقي حاجة كدة، خدي بقى ومتبقيش عبيطة.
لم تقوى على الرفض، فتناولت منها، مستجيبة لعرضها المغري، تتزوق بشهية واستمتاع قائلة:
– حلو أوي .
– والنبي انتي اللي حلوة.
تفوهت بها وهي تباغتها بقبلة على وجنتها بعفوية، وكأنها شيء عادي بالنسبة لها، ولا تعلم بتأثير فعلتها البسيطة على الأخرى، فقد كانت في أشد الحاجة للفتة اهتمام بصدق، تشعرها أنها محبوبة بحق، بعيدًا عن محيطها العائلي من والدتها وشقيقاتها،
❈-❈-❈
بابتسامة تعلو ثغرها ورأسها تتحرك بعدم تصديق، تطالع بمرح شقيقها الذي كان في حالة من الشرود الذيذ بالنسبة لها، فتعيد عليه السؤال للمرة الثانية بإلحاح:
– انت بتتكلم بجد، اوعى تكون بتضحك عليا يا شادي، أزعل وربنا.
نظر إليها وافتر ثغره بضحكة مقهقهة، ضاربًا كف بالاَخر، ليرد:
يا بنتي انتي مجنونة؟ احلفلك يعني عشان تصدقي؟ ما هو دا اللي حصل بالفعل والله، ايه بس اللي يخليني اكدب؟
فردت كفيها أمامه بإشارة مفهومة لتقول :
– ما انت لازم تعذرني برضوا، كون صبا قالتها بالجرأة دي دا معناه……
توقفت لتزيل دمعة من طرف عيناها، صدرت مع نبرتها المشبعة بالفرح:
– معنى كدة انها حبتك يا شادي، انا خلاص بقيت متأكدة منها دي، بس المشكلة دلوقتي بقت في ابو ليلة تفتكر هيوافق.
اهتز كتفيه أمامها مع مط شفتيه بعدم معرفة بسكوت قلق، قبل أن تستعيد النفس سكينتها بتذكره لما حدث منذ قليل
حينما غادر عدي عزام، لتخلو الجلسة على أربعتهم في مواجهتها وشادي الذي كان في حالة من الذهول الشديد لدرجة جمدته على كرسيه كالتمثال بأعين ثابتة لم تحيد عنها مطلقًا؛ من وقت أن القت قنبلتها بوجه الجميع، ليأتي الاَن وقت الحساب من والدها وشقيقيها بعد التزامهم أقصى درجات ضبط النفس حتى انصراف الاَخر، وكان فراج هو المبادر بسؤاله بلهجة متهكمة:
– نفهم من كدة يا أستاذ شادي ان انت خاطب المحروسة واحنا مش دريانين؟!
– ها.
تمتم بها بتركيز منعدم، وتكلفت هي بالرد:
– متكلمهوش هو، خلي كلامك معايا، أنا اللي جولت، الراجل مذنبوش حاجة.
خرج حجازي عن حكمته ليعقب بغضب:
– نعم يا عين أخوكي؟ انت اتخبلتي ولا اتجنيتي يا بت؟
– ليه وانا عملت ايه لدا كله؟
قالتها بتساهل جعل والدها يهدر عليها بحزم يوقفها:
– اتعدلي يا صبا، واتكلمي عدل مع اخواتك، ولا انتي مش دريانة بالنصيبة اللي عملتيها؟
اضاف عليه حجازي ساخرًا:
– دي كمان بتسأل عملت ايه يا بوي؟ ردت ع الراجل في حضورنا ومن غير ما تعمل لحد مننا احترام، وادعت نفسها مخطوبة لواحد غريب عنينا، انا اللي عايز اعرفه دلوك، الراجل دا اللي جاعد وسطينا وكأنه واحد من العيلة، صفته ايه ما بينا؟
قالها بإشارة نحو شادي الذي بدأ يستعيد توازنه ليرد نافيًا بحرج؛ لهذا الموقف الذي بوغت به:
– انا مليش صفة وسطيكم، انا جاركم وبس والله، والكلام اللي قالته صبا ده انا متفاجئ بيه زي زيكم.
– عشان مألفاه من مخي.
قالتها بثبات تحسد عليه، وكأنها غير مبالية بعواقب فعلها، ف التفت جميع الرؤس نحوها، بأعين نارية وأخرى متسائلة، فتابعت بتماسك ينبع من غضب مكتوم داخلها:
– انا عملت كدة عشان اجطع عليه الطريق من أولها، متأخذنيش يا بوي ولا تعتبره تعدي عليك انت ولا اخوتي، بس الراجل اللي كان هنا دا متجوز ومعاه ولدين، وبيقولك جاي يخطبني بعد الكلام والحديت اللي اتشاع عليا وعليه، يعني الموضوع اللي احنا بجالنا ساعات بنلت ونعجن فيه، انا بجى مجبلتهاش لنفسي مع واحد من عيال عمي زي ما كان اخواتي مخططين من شوية، يبجى هجبلها مع ده؟
حديثها كان به شيء من المنطق خفف من حدة التوتر قليلًا، مع بدأ استيعابهم لوجهة نظرها، فجاء الرد هذه المرة من والدتها والتي رمقتها بأعين كاشفة وقد ترسخت الفكرة بداخلها:
– حتى لو كان يا صبا، برضوا مكنش يصح تدخلي اسم الراجل في حاجة محرجة زي دي، ولا انتي مش واخده بالك من غلطك في حجه كمان.
ذكاء المرأة لا يقل إطلاقًا عن ابنتها، هذا ما استنبطه بعقله، وقد رأى بأم عينيه حجم الارتباك والإضطراب الذي انتاب صبا في بحث عن رد مناسب، ليستغل هو وقد جاء دوره الاَن بالتقاط الفرصة الذهبية، والتي أتت على طبق من ذهب بفضل لباقتها المدهشة في ضرب عدة عصافير… بحجر واحد.
– اانا مكنش جصدي اورطه طبعًا، بس هي جات كدة معايا لما لجيته جدامي، ما هو مش معجولة يعني هجول اني مخطوبة لحد من خواتي طبعًا؟
قالتها بطريقة بدت كالمزحة، أثارت امتعاض شقيقيها لتتابع بجدية موجهة الحديث نحوه”
– أنا اسفة يا مستر شادي.
أخفى بصعوبة ابتسامته، رغم اشراق وجهه الذي بدا ظاهرًا بوضوح أمامهم، ليرد على قولها:
– مفيش داعي للاعتذار يا صبا انا مش زعلان اساسَا، بل بالعكس.
توقفت ليردف نحو والدها وشقيقها:
– انا عارف ان الوقت ممكن يبقى مش مناسب، بس بصراحة بقى مينفعش انتظر أكتر من كدة، عم مسعود، انا بطلب منك إيد صبا رسمي واتمنى من كل قلبي انكم توافقوا على طلبي، ودا بغض النظر طبعًا عن أي كلام او شيء حاصل، انا يبقى ليا الشرف لو ناسبتكم.
❈-❈-❈
دلف لداخل جناحه بخطوات وئيدة متثاقلة، حتى وصل لأَريكته، فارتمى بجسده عليها بانهزام، ألقى بسلسلة مفاتيحه على المنضدة الصغيرة بجواره، ليتمدد مستلقيًا بإحباط، أنفاسه تخرج بخشونة، وقد نال منه شعور التعاسة حتى افقده كل معاني الأشياء الجميلة من حوله، هذه الصفعة التي تلقاها منها وأمام الجميع حينما رفضته وبكل ثقة، مفضلة هذا النكرة عنه، هو من يحرك بطرف إصبعه الصغير جيوش من الرجال والنساء التي تعمل تحت إمرته، يأتي هذا اليوم فيتساوى بمن هو أقل منه في كل النواحي.
ما الذي يميزه عنه؟ ما الذي جذبها في شخص عادي مثله، حتى يغشى بصرها عمن هو أعظم مكانة، وأوسم خلقة، بل وأصغر سنًا، والأهم من كل ذلك؛ نظرة البغض والكره التي كانت تطل من عينيها اليوم، هو ليس بالغبي حتى يغفل عن إشارات العداء في نظرة موجهه نحوه، النبرة المحتدة في حديثها إليها……
انتفض فجأة متذكرًا ما تفوه به هذا الملعون عن ذكر مكالمة سمعتها الملعونة الصغيرة الأخرى من…
– ميرناااا، يا بت ال…….
دمدم بسبة وقحة مع استدراكه المتأخر، أنها المتسبب في ما حدث بالإضافة إلى هذه الشائعة المغرضة والتي زادت من تضخيم الأمر سوءا.
عاد يغمغم متوعدًا:
– أقسم بالله لاربيكي واندمك عليها
❈-❈-❈
– انتي كنتي عارفة ان الواد ده هيتجدملك يا بت؟
سألها بنظرة ثاقبة متمعنًا في النظر إليها، بشكل كان يثير بقلبها الجزع، ورغم هذا تمكنت من الرد بتماسك مذهل:
– وانا كنت هعرف منين يعني؟ ما على يدك يا بوي، كل حاجة جات على غفلة.
عاد بظهره للخلف وتفحص النظرات بريبة ما زال قائمًا، فتدخل حجازي قائلًا:
– بس دا شكله كان مستنياها يا جلب اخوكي، ما صدج وجاتله الفرصة، ع العموم هو كان باين عليه من الاول، ما هي الحمجة اللي كان بيتكلم بيها دي، تبين جوي انها مش مسألة جيرة ولا شغل وبس.
عقبت تنفي التلميح المبطن من خلف كلماته:
– الكلام ده هو اللي يتسأل عنه، اما انا بجي عارفة نفسي زين، لا عمري عشمت حد ولا حتى اتلونت بنص كلمة، ولا انتوا مش عارفين بتكم؟
– لا عارفينها يا ست صبا، عارفينها زين جوي.
قالها والدها بلهجة لم تريحها، وتابع يزيد من توترها:
– لكن اللي عايزين نعرفه دلوك، ايه رأيك انتي بقى فيه؟
ردت مستهبلة، تدعي عدم الفهم:
– رأيي في إيه؟
استفزه الرد فقال محتدًا:
– ردي ع السؤال عدل يا بت، انت عارفة جصدي.
– ابتعلت ريقها بتوتر غلف ملامحها الجميلة، ممتزجًا بخجل تجاهد لإخفاءه، وتعلثمت قليلًا حتى استطاعت اخراج صوتها، متصنعة عدم الاكتراث:
– انا مليش رأي طبعًا، الرأي رأيك انت.
– يعني مرفضتيش على طول يا ست صبا زي ما بتعملي كل ما نجيبلك سيرة أي حد من عيال عمك؟
هتف بها فراج يجفلها، وقد أتي فجأة من الداخل لينضم معهم وبدون سابق، اثار بفعله حنقها فردت كازة على أسنانها:
– ويعني شوفتني دلوك وافجت؟ ثم انت عارف من الاول كمان مشكلتي من الجواز في البلد او لأي فرد من عيال عمي.
جادل يصيح غاضبًا بها:
– ومالهم عيال عمك يا بت؟ دا انتي تحمدي ربنا لو لجيتي حد منيهم يرضى بيكي؟
قابلت صيحته بأخرى ساخطة، وقد استفزها بقوله:
– عنّ ما حد فيهم رضي، ولا انت فاكرني هتأثر بالحكيوة اياها دي؟ لا يا حبيبي، طول ما انا واثقة في نفسي زين، ميهمنيش أي حد.
– وطي صوتك يا بت.
هدر بها حجازي وتابع بأمر للآخر كي ينهي الشجار من أوله:
– وانت كمان يا فراج، جفل على كدة خلينا في اللي احنا فيه.
– وايه هو اللي احنا فيه يا واد ابوي؟ دي رفضت عدي عزام، عارف بجى دا يبقى مين؟ دا يبقى اخو مصطفى عزام اللي بإشارة منه يجدر يشتري بلدنا والمحافظة بحالها، ولا انت متسمعش عنه؟
ردد خلفه والده باستنكار ينهي الجدال بحزم:
-‘يسمع ولا ما يسمعش، الموضوع دا خلص وانتهى على كدة، انا اساسًا كنت هرفض على طول من غير تردد ولا حتى وخد مشورة منيكم، يروح هو لمرته ولا لصاحبة النصيب، وخلونا احنا في اللي ايدينا.
– وايه هو اللي في إيدينا دلوك يا بوي، هتوافج ع المحروس اللي اسمه شادي، ولا نرجع لمرجوعنا الأساسي، ونجوزها لحد من عيال عمنا؟
قالها حجازي بتساؤل، واعترضت هي قائلة:
– تاني هتجول عيال عمي، ما جولنا فضناها يا واد ابوي، وانتوا عارفين رأيي من الأول …..
قاطع فراج استرسالها وبصراحته الفجة سألها:
– يعنى عايزة شادي؟
أجفلها حتى تخضب وجهها بحمرة الخجل، ومع ذلك حافظت على واجهتها الا مبالية، لتنهض عنه بسأم قائلة:
– انا جايمة وسايبهالكم خالص، اصل شكل فراج مش عايز يجيبها لبر معايا النهاردة واصل.
تركتهم وذهبت لغرفتها، فعاد حجازي لسؤال والده:
– وبعدين يا بوي رسيت على ايه؟
زفر يطرد كتلة كثيفة من الهواء مشبعًا بحيرته، وظل صامتًا لعدة لحظات بتفكير حتى ارتفعت رأسه نحو زوجته التي تتابع منذ البداية دون تدخل ، فقرر توجيه السؤال إليها:
– وانتي رأيك إيه يا زبيدة؟
رمقته بنظرة يفهمها جيدًا، حينما تدخل لعقله وتعلم ما يدور بداخله، لترد بعدها بإجابة مبهمة:
– الرأي رأيك يا ابو حجازي، ومدام مرفضتش من أولها كعادتك مع أي واحد غريب، يبجى خد وجتك في التفكير زين عاد!
❈-❈-❈
على المقعد المجاور للسرير الطبي المستلقية عليه بلا حول لها ولا قوة، كان جالسًا بترقب موجع، لا ينفك عن النظر إليها أو السهو عن مراقبتها ولو لحظة، لقد كاد أن يفقدها منذ ساعات قليلة، ولولا حكمة القدر التي جعلته يحضر ويرى بنفسه نتاج الإثم الذي يفعله، ثم يلحق بإنقاذها على اَخر لحظة، وإلا كانت ذهبت للعالم الاَخر، كي يعيش بذنبها ولتعاسته محرومًا منها.
فرق دقائق، لا بل ثواني، ثواني فقط هي التي فصلت بين الحياة أو الموت
عاد بذاكرته قبل عدة ساعات
وقد كان مغادرًا من مطعم الوجبات السريعة، وفي طريقه الى العودة، واذ به يجفل بسيارة غريبة، تقطع الطريق الذي حادت عن مساره الطبيعي وبالسرعة الفائقة متوجهه نحو سيارته، لقد ظن في البداية ان قائدها مخمورًا، أو به شيء ما، ولكن مع استشعاره للخطر، ألقى ما كان يحمله بيده من طعام أو مشروبات ليركض نحوها، وقبل أن يستوعب أو تصدر صرخته، صعق مذهولاًً وهو يرى السيارة المعتدية تضرب بقوة جانب السيارة التي داخلها زوجته، بدفعة غاشمة جعلتها تتدحرج أمامه وكأنه بمشهد سينمائي، جحظت عينيه وقد وقع قلبه بين قدميه متخيلًا نهايتها، ولكن مع صرخات البشر من حوله، والصرخات على قائد السيارة الذي كان يتحرك للهرب وقد أنجز مهمته، استفاق سريعًا ليتناول سلاحه الناري المرخص اسفل سترته من الخلف، والذي يستعين به عادةً كحماية في غياب رجال حراسته، ليصوب به سريعًا نحو العجلات في الأسفل حتى استطاع بمهارة أن يوقفها ويترك أمرها للبشر التي التفت حول الجناة من اجل الإمساك بهم، وبقلب وجل ذهب نحو الأهم، وهو زوجته، وقد اتجهت إليها مجموعة أخرى من أجل إخراجها.
كيف له ان يصف شعوره وقتها؟ وقد كاد ان يموت من الرعب والخوف عليها، وحين رأها سالمة بصورة ظاهرية حينما أخرجها الرجال وهو معهم من نافذة السيارة المقلوبة، لم يصدق نفسه وهو يحتضنها بجنون وذهول انها بخير، وقد اقتنع ان حزام الامان كان له الفضل في حمايتها من هذا الحادث الغاشم، ليتفاجأ بعد ذلك بغيابها عن الوعي وإصابات أخرى غفل عنها في غمرة الوهم بنجاتها، لقد أوشك أن يفقد عقله في الصراخ ومحاولاته الحثيثة لنجدتها، حتى تبرع أحد الأشخاص ليُقلهما داخل سيارته، الأمر الأهم الذي كان يشغله في هذا الوقت هو نجاتها وفقط، حتى أنه لم يشغل نفسه بأمر المجرمتين بعد أن قبض عليهما الرجال، جيرمين والأخرى التي كان يبحث عنها؛ سوزي، ترك أمر تسليمهم للشرطة وظل هو محتضنًا زوجته داخل سيارة الرجل الغريب، يترجاها لتستفيق حتى وصل بها إلى المشفى، ليتولى أمرها الأطباء.
– كارم.
عاد من ذكراه المؤلمة على صوت والدته والتي ولجت اليه داخل الجناح الذي يضم زوجته في المشفى، نهض يستقبل عناقها كالغريق الذي وجد أحد ما يشجعه على المقاومة للنجاة.
شددت عليه بذراعيها تمرر كفها على ظهره بحنان، وتربت بالاخر على كتفه، حتى انسل عنها بصعوبة، غير قادرًا حتى على الكلام، القت بنظرها نحوها بتمعن قبل ان تعود اليه سائلة:
– هي عاملة ايه دلوقت؟
اومأ برأسه يجيب بصوت كالهمس:
– أحسن من الأول.
عادت بتأملها مرة أخرى لتضيف بتقليل:
– انا شايفاها كويسة، هي راسها بس اللي متعورة، وباينها حاجة بسيطة كمان، ليه انت بقى الخوف دا كله؟ مش لدرجادي يعني؟
حدجها بنظرة حادة وقد تغيرت ملامح التعب لأخرى غاضبة، فتحرك يشير لها لتتبعه إلى خارج الجناح.
وفي الخارج وقف لها متحفزًا بتجهم يعلو قسماته، ليثير بقلبها الريبة في سؤاله:
– إيه مالك؟ بتبصلي كدة ليه؟
اجاب على سؤالها بسؤال:
– ماما هو انتي مش متأثرة لحادثة رباب ولا باللي جرالها؟
تغير وجه المرأة لترد على قوله باستهجان:
– ايه اللي انت بتقوله ده؟ هو انت شايفني قلبي حجر؟ أكيد طبعا متأثرة، انا بس صعبان عليا حالتك، إنت مش شايف نفسك ازاي؟ وشك اصفر زي اللمونة، وهيئتك بعفارك وترابك، طب ع الاقل استحمي وغير هدومك على ما فاقت.
– كل اللي هامك منظري؟
هدر بها منفعلًا ولكن بصوت مكتوم حتى لا يلفت إليهما الأنظار، ليتابع مفرغًا شحنة غضبه:
– مراتي اهم من أي شكل وأي حاجة في الدنيا، لو جرالها انااااا….. لا منصب ولا أي شيء له لازمة من غيرها.
توقفت تطالع هذا الجانب المفاجئ منه، وكأنها تكتشف ابنها من جديد، ليخرج صوتها بعدها بلحظات بابتسامة جانبية ضعيفة:
– يااااه، انا مكنتش اعرف انك بتحبها اوي كدة، ياللا بقى ربنا يقومهالك بالسلامة، وتبقى هي قد الحب ده.
عاد بانفعاله غير قادرًا عن التغاضي عن تلمحيها:
– ومتبقاش قد الحب ليه؟ انت شايفاها متساهلش عشان طول الوقت بتقارني بينها وبين كاميليا اختها، واللي مازالتي لحد الاَن شايفاها فرصة عمري اللي ضيعتها من ايدي بغبائي، صح يا أمي؟
رغم غضبها من الهجوم الغير مبرر منه في هذا الوقت الحساس، وفي مكان عام كالمشفى، ولكن سؤاله المباشر جعلها تجيب على الفور غير قادرة على الصمت:
– بصراحة بقى اَه، انا عارفه ان مش وقته، بس انت اللي أجبرتني، الفرق بينها وبين كاميليا فرق السما والأرض، وانا هنا مش بتكلم عن الجمال، لأن مراتك ما شاء الله عليها، بس انا بتكلم عن الشخصية، فين دي من دي؟…
– لكن ابنك مش ملاك.
هتفت مقاطعًا لها بحدة، واستطرد:
– عارفة عيوبي وانا عارف عيوبها، استوعبتها واستوعبتني، إحنا عيشنا مع بعض اكتر من خمس سنين، هي الوحيدة اللي حبتني وهي الوحيدة برضوا اللي خلتني أحبها بجد ومقدرش استغني عنها…..
توقف بأنفاس هادرة ووالدته تتابعه بتأثر، ليفاجأها متابعًا:
– وعشان تبقي عارفة، كل اللي بيجرالها ده بسببي، الحادثة دي والحادثة اللي قبلها بسبب خيانتي ليها، انا المجرم في الحالتين، يبقى انا استاهل العقاب….. مش هي.
انهى كلماته ليسقط بجسده على مقعد الانتظار من خلفه، وجلست خلفه على المقعد المجاور ، لتربت على ذراعه قائلة بدعم لا يخلو من ندم:
– خلاص يا حبيبي ولا يهمك، ان شاء الله ربنا هيقومها بالسلامة عشان خاطرك، انت أكيد ربنا بيحبك مدام نجاها في الحالتين، بس انت مقولتش، هي عندها ايه بالظبط؟
مسح بكفه الكبيرة على صفحة وجهه يجيبها مُغتم:
– عندها ارتجاج في المخ، ورضوض شديدة في كل اعضاء جسمها.
– يا حبيب قلبي برضوا احنا نحمد ربنا ان موصلش لكسور ولا حاجة اصعب من كدة، وان شاء الله تكون بخير.
قالتها تزيد من ضمها له، وقد وصلها الاَن حجم ما يشعر به من خوف.
انتبهت على اهتزاز الهاتف بجيب سترته، فتناولته لتطلع على الشاشة قبل ان تخاطبه:
– دي كاميليا اختها هي اللي بترن، هترد عليها….
– ردي انتي، انا مش قادر اتكلم أساسًا.
❈-❈-❈
في اليوم التالي.
دلفت كاميليا بخطوات مسرعة تقطع الرواق الطويل في المشفى بمرافقة زوجها طارق، وفمها يغمغم بالتوعد والسباب:
– يوم كامل بليلته وانا هموت من الرعب على اختي، ولما اتصل بالباشا ميكلفش نفسه حتى بالرد عليا، عشان اعرف في اَخر الليل من والدته عن حادثة اختي، ان ما كنت اربيك يا كارم مبقاش انا، وديني لو طلع له يد في اللي حصل لها ما هررحمه،
دمدم طارق بجوارها مهدئًا:
– بلاش الظن السوء يا كاميليا، احنا لسة مش عارفين ايه بالظبط اللي حصل، اهم حاجة دلوقتي نطمن عليها.
– أكيد، أكيد يا طارق.
تفوهت بها وتابعت الطريق نحو شقيقتها، وفمها يردد بالدعاء، حتى أذا وصلت لرقم الجناح المذكور، فتحت على الفور ودون استئذان، لتصعق باَخر شيء تتوقع حصوله، كارم كان جالسًا بوسط السرير الطبي يضم شقيقتها اليه من الخلف حيث كانت مستريحة برأسها المتعب على صدره العضلي، وبيده يطعمها بروية وصبر وكأنها طفلته، اقترب طارق برأسه مستغربًا تسمرها الغريب دون حراك، ولكن مع النظر نحو ما تنظر إليه، مال برأسه نحوها بنظرة ذات مغزى ولسان حاله يقول:
– صدقتي كلامي.
❈-❈-❈
استيقظت على صوت الهاتف بجوارها اسفل الوسادة كما تضعه دائمًا حينما يغشاها النعاس ليلًا، تناولته لتجيب المتصل، فتفاجأت بصوته الدافئ ولأول مرة تسمعه صباحَا وعلى بداية اليوم:
– الوو صباح الخير.
تلجلجت تعتدل جالسة لتبادله رد التحية:
– ألوو صباح النور، أهلًا يااا مستر شادي.
– تاني مستر برضوا؟
دمدم بالجملة بشيء من السخرية ثم اردف:
– انا كنت بتصل عشان اطمن عليكي، حد من اخواتك ولا والدك، زعلك مرة تانية بخصوص الموضوع اياه.
هزت براسها تنفي وكأنه أمامها، ثم استدركت سريعًا لتجيبه:
– لا الحمد لله، الليلة مرت على خير، هي بس كانت شوية مناوشات ومشادات بسيطة مع فراج اخويا، أصله عصبي ودي طبيعتنا اساسًا مع بعض، عشان ما انا نازلة فوج راسه يعني ودا شيء طبيعي.
– إيه يا صبا؟ يعني ايه؟
وصلها صوت ضحكاته الرجولية النادرة، على قدر ما اسعدها البحة الجميلة بها، على قدر أشعرها بالحرج لتضيف بنوع من التصحيح:
– انا جصدي اني اخر نمرة بعده.
– عارف يا صبا والله فهمت من غير ما تقولي
قالها ثم توقف ليسألها باهتمام:
– طيب انا كنت عايز اعرف لو رايحة الشغل النهاردة، ولا مكملة في استقالتك؟
ردت بثقة وبنية تامة على عدم التراجع:
– لا طبعًا انا مصممة ع الاستقالة، المكان دا لا يمكن ارجعله تاني غير عشان انهي الاجراءات والم متعلقاتي.
وصلها صوته، يشوبه لمحة من رضا، ليعقب قائلًا:
– برافوا يا صبا، وانا كمان هستقيل، وأجري على الله.
سألته بجزع، محتجة على قراره:
– ليه طيب تقطع عيشك انت كمان؟ ايه ذنبك؟
– مفيش ذنب يا صبا، بس انا كمان كرهت الشغل هناك، دا غير اني بصراحة يعني، مش هتحمل اقعد في مكان انتي مش فيه.
هل هذا غزل؟ ام هو شيء أجمل من الكلمات، لفتة صغيرة منه، جعلت ابتسامة رائعة تغزو قسماتها، لتنثر بذور الفرح داخلها، صمتت ولم تجد من الردود ما يناسب رقته، فتابع لها:
– طب انا هقفل دلوقتي، بس كان نفسي اطمن يعني لو في اي معلومة بخصوص الطلب اللي طلبته امبارح من السيد الوالد.
ردت بابتسامة متوسعة:
– للأسف ياريت كنت اعرف، ابو ليلة محدش يجدر يعرف اللي في رأسه.
إجابة ماكرة تعلقه بالأمل ولا تروي عطشه، ولكنه استمرار في محاولاته بسؤالها مباشرةً
– طيب وإجابتك انتي بقى؟
انتظرها لحظات حتى جاءه ردها على نفس النمط السابق:
– لا طبعًا انا مليش رد، ردي هيكون مع ابويا .
ضحك بصوت مكتوم يهزهز رأسه بقلة حيلة، وقد فقد حكمته، وعجز بتفكيره السليم عن الدخول لعقلها الماكر، ليخرج صوته اخيرًا:
– اممم ماشي يا صبا، نستنى ونصبر ان شالله العمر كله حتى، بس بقى ربنا يقرب البعيد.
– يارب.
تمتمت بها بصوت خفيض كالهمس مع نفسها، والابتسامة مازالت تزين ثغرها
❈-❈-❈
بداخل المكتب الذي أصبح مكانها منذ ايام، حيث كانت تعمل بجد واجتهاد على مجموعة من الملفات التي وضعتها أمامها شقيقتها لتحسب ميزانيتها والمصروفات التي تحتاجها، باندماج شديد حتى أنها لم تنتبه على من دلف إليها متبخترًا بخطواته، حتى وقف
يتابعها بصمت وحينما طال انتظاره خرج صوته بإلقاء التحية نحوها:
– صباح الخير يا أمنية
رفعت رأسها إليه مجفلة، لتجيبه بنبرة فاترة عادية:
– صباح النور، اهلا يا ابراهيم.
لم يعجبه ردها فاقترب ليجلس أمامها دون استئذان مرددًا خلفها باستنكار:
– اهلا يا ابراهيم، ايه يا بت السلام البارد ده؟ خلاص يا ختي نفسك مسدودة حتى عن رد عدل؟
اغلقت الملف بيدها، واضعة كفها بعنف عليه تقول:
– وعايزني ارد بنفس ازاي؟ ارقص مثلًا وانا بنطقها؟ في ايه يا ابراهيم؟ انت جاي تتخانق معايا ع الصبح؟
ضغط يكبح لجام لسانه عن الرد بسبة وقحة أو شتيمة قاسية تعيد هذه المعتوهة لصوابها، وتذكرها بمن هو ابراهيم، ولكنه تراجع حتى لا يزيد الأمر سوءا، فقال ملطفًا بعتب:
– كدة برضوا يا أمنية؟ وانا اللي جايلك مخصوص عشان اصالحك، وجايب عربية الواد حوكشة عشان افسحك بيها، هي دي معاملتك ليا؟ انت قلبك اسود اوي.
حبست بصعوبة دمعة حارقة مع تذكيره لضربها واهدار كرامتها بالطرد المهين والمذل، ليخرج صوتها بارتجاف مع احتداد أنفاسها:
– اعذرني يا بن خالتي، ما انا فعلًا جاحدة وقلبي اسود، وبيني استاهل الضرب صح؟
ضرب بكفه على سطح المكتب بسأم، وزفر حانقًا يقول مشددًا على كلماته:
– وايه لزوم تلقيح الكلام ما انا جاي اصالحك اهو، مستلف عربية صاحبي وعامل حسابي بمبلغ حلو، افسحك واشتري حاجة حلوة.
قابلت عصبيته ببرود أدهشه، لتفاجأه بردها:
– كتر خيرك والله وتشكر، بس المشكلة بقى ان الوقت غير مناسب، اختي اتصلت بيا من شوية، وعايزيني اروح اسد مكانها، عشان في لجنة جاية تعاين الموقع الجديد اللي هي شغالة فيه.
– ولما تروحي انتي تسدي مكانها؟ ست الحسن والجمال هتروح فين؟
قالها بتهكم لا يخفي حقده، فردت بما جعل حمم الدماء تغلي بأوردته:
– اختي وراها مشوار مهم مع خطيبها، تبع المصلحة اللي شغال فيها، الله يكرمه، بيعمل المستحيل عشان يكبرها ويكبر شغلها، ابن أصول.
– أبن أصووول
نطق بها وغليل صدره يدفعه لخنقها وتكسير عظامها، أو قطع لسانها الغبي حتى يخرسها للأبد، وقد تأكد الاَن من ظنه بهذه الحمقاء التي تردف حديثها عن قصد أمامه، وكأنه تكيده او توضح الفرق الهائل بينه وبين الآخر، ثم هذه النظرة التي تطل من عينيها بتحدي في انتظار انفعاله واستشكاف المزيد عنه.
نهضت فجأة تلملم الملفات لتضعها داخل داخل درج المكتب، لتقول بعملية تنهي الجلسة:
– انا مضطرة اسيبك دلوقتي يا ابراهيم، يدوبك اللحق مشواري في الشغل.
نهض هو الاخر وبحنق يسألها:
– والخروجة بتاعتنا يا أمنية؟
ردت ببساطة وهي تبحث في حقيبتها عن سلسلة المفاتيح:
– أجلها يا ابن خالتي،، أو براحتك عادي يعني.
قالتها وتحركت نحو الباب ذاهبة، ومن خلفها قبض على كفه بعنف حتى ابيضت مفاصله، ولكنه استدرك فجأة ليسألها :
– وهاتروحي ان شاء الله لوحدك بقى؟
– أكيد طبعًا بالمواصلات العادية، بس دا لحد اول الطريق هناك، وبعدها هتصل بشهد تيجي تاخدني بعربيتها توصلني ع الموقع ما قبل تروح هي مشوارها.
– اه
اومأ برأسه يدعي التفهم قبل أن يصدر قراره بحسم:
– خلاص بقى يبقى اوصلك في طريقي، واهو يبقى العربية عملت لها فايدة وخلاص .
بعد قليل
كانا الاثنان يستقلان السيارة المذكورة بقيادته، يخترق بها الطريق الخالي في المناطق السكنية الجديدة، أبنية غير مكتملة وأبنية اكتمل بناءها، ولكنها ما زالت لم تسكن بعد، فخرج صوته متسائلًا بفضول:
– امال اختك وعمالها بيشتغلوا فين؟
ردت وعينيها منشغلة في مراقبة الطريق:
– اختى في المنطقة اللي بعد دي، ما هي مدينة متكاملة واخدها المصلحة، وبينتهوا منها جزء جزء قبل التسليم والتشطيب.
الهدوء الشديد وخلاء المنطقة المريب إلا من أعداد قليلة جدا تمر سريعًا وتختفي في طريقها نحو الوجهات التي تقصدها، جعل عقله يومض بفكرة شيطانية، اكتملت ونضجت معالمها حتى توقف فجأة وبدون سابق إنذار امام إحدى الأبنية النصف مكتملة،
فخرج صوتها بتساؤل:
– وقفت هنا ليه؟
التف إليها برأسه وملامح مبهمة يغلفها الغموض، يرمقها بصمت اثار بقلبها الارتياب لتعود إليه سائلة مرة أخرى:
– وقفت ليه يا ابراهيم؟
❈-❈-❈
وفي مكان آخر
وقد انتظرها اليوم في سيارته بناءًا على طلبها، حينما اتصلت كي تخبره عن رغبتها في استرداد الشيء المفقود منها، كان بجوار المبنى الذي تعمل به على الميعاد، وصلت لتصطف سيارتها في المكان المخصص، قبل أن تترجل منها بخطواتها الرشيقة حتى وصلت إليه لتنضم في المقعد الأمامي بجواره، مبادرة بإلقاء التحية على عجالة:
– صباح الخير يا حضرة الظابط ، عامل ايه؟
– صباح النور يا ست لينا، عاملة ايه انتي كمان؟ بما اننا بندخل على طول ع الأسئلة.
قالها بلمحة ساخرة لم تسجيب لها حتى ولو بنصف ابتسامة وردت بجفاء:
– كويسة اوي، ممكن بقى تديني القلب
زوى ما بين حاجبيه مستغربًا طريقتها المتعجرفة، ليرد بتساؤل:
– على طول كدة، طب خدي نفسك الأول، هو انتي زعلانة من حاجة يا لينا؟
برقت فيروزيتيها كحجر ناري، تردف بانفعال يخفي من خلفه غضب مكتوم:
– وايه اللي يخليني زعلانة؟ ومين دا اللي يقدر يزعلني اصلًا؟
طالعها مشدوهًا بعدم فهم، فهذه المجنونة المتقلبة على الرغم من استمتاعه بشراستها، الا أنها تثير حيرته في البحث عن السبب.
بتريث شديد اشار بكفه يخاطبها بهدوء:
– طيب ممكن بس تهدي شوية وانتي بتكلميني؟ انتي جامدة أكيد ومحدش يقدر يزعلك.
أخفت بصعوبة ابتسامة لاحت على ملامحها بشكل واضح لتردف:
– ما تحاولش تاخذني على قد عقلي يا أمين، انا مش مجنونة، وهات القلب بتاعي ياللا، ياللا هاتوا.
ضحك مجلجلًا بصوته ليتناول العلبة المغلقة من جيب سترته، ثم قدمها لها قائلًا:
– اهو، اهو القلب يا ست العاقلين، انتي مش مجنونة، دا انا اللي ستين مجنون كمان، وحياتك عندي يا شيخة.
ظلت زامة شفتيها حتى وهي تتناولها باستغراب ازداد أكثر حينما فتحت العلبة، لتفاجأ بسلسال كامل من الذهب، يتدلى القلب منه، رفعته أمام عينيه متسائلة:
– إيه ده يا أمين؟ إنت حطيته في سلسلة تانية ليه؟
توقف عن الضحك يجيبها:
– عشان دا مكانها الصح، غلط يتحط وسط مجموعة ويبقى مهمل وسطهم وكأنه شيء عادي، قلبك دا غالي اوي، مينفعش معاه شريك.
رفعت عينيها عن تأمل السلسال وقد وصلها المغزى الصريح، فقالت بتوجس:
– هو انا ليه حاسة ان ورا كلامك ده، فيه معنى مبطن.
رد معترفًا ببساطة أذهلتها:
– ما هي دي الحقيقة يا زكية، ولا انتي فاكراني يعني برمي فلوسي في الأرض، وهجيب دهب كدة لأي واحد تعدي في حياتي.
شهقة عالية صدرت منها، أعقبها التساؤل بانفعال:
– قصدك ايه يا سعادة الظابط؟ لتكون نيتك رايحة لحاجة غلط؟
اشار بسبابته نحوها بثقة:
– أنتي عارفة كويس قصدي ايه؟ فبلاش تلفي وتحوري عليا، قولي بقى رأيك؟
تسائلت تدعي عدم الفهم:
– في ايه؟
– الله، اتعدلي يا لينا.
قالها بانفعال أثار ضحكاتها الشقية، رغم مسحة الخجل بها، وظل هو يراقبها باستمتاع حتى انقلبت فجأة ثائرة به:
– اه بس دا مكنش باين امبارح، لما اتغيرت خلقتك فجأة اول اما سمعت باللي عمله عدي عزام عشان يراضي صبا بنت عم ابو ليلة، كنت غيران عليها بقى ولا إيه؟
ضرب كفًا بالاَخر يردد بعدم تصديق، وقد فهم الاَن سبب ثورتها:
– يخربيت دماغك، بقى كل القلبة دي عشان السبب ده، ومطلعاني انا كمان اللي بغير.؟
قال الاَخيرة بضحكة زادت من حنقها، ولكنه تابع بجدية:
– افهمي بقى، مشكلة صبا والفخ اللي كان منصوب لها، أنا عارف بيه من فترة، دي حكاية طويلة وقضية كنت ماسكها أنا وزميلي.
عقبت بما يشبه الأمر:
– خلاص يبقى احكيها.
تبسم بمكر يفرض شروطه:
– تمام اوي، ومستعد احكيها بالتفاصيل كمان، بس الاول اسمع رأيك واخد منك ميعاد نزوركم فيه انا والست الوالدة.
– نننعم كل دا عشان تحكيلي؟
– مش انتي عايزاني تعرفي الحقيقية، يبقى لازم بقى يبقالك عندي صفة رسمية عشان احكيلك بيها، ولا ايه؟
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية وبها متيم أنا (نعيمي وجحيمها 2))