روايات

رواية وبالعشق أهتدي (ميثاق الحرب والغفران 2) الفصل الثامن عشر 18 بقلم ندى محمود توفيق

رواية وبالعشق أهتدي (ميثاق الحرب والغفران 2) الفصل الثامن عشر 18 بقلم ندى محمود توفيق

رواية وبالعشق أهتدي (ميثاق الحرب والغفران 2) البارت الثامن عشر

رواية وبالعشق أهتدي (ميثاق الحرب والغفران 2) الجزء الثامن عشر

وبالعشق أهتدي (ميراث الحرب والغفران 2)
وبالعشق أهتدي (ميراث الحرب والغفران 2)

رواية وبالعشق أهتدي (ميثاق الحرب والغفران 2) الحلقة الثامنة عشر

وصلت لغرفتها وفتحت الباب بكل راحة وطمأنينة لكنها تسمرت بأرضها عندما سقط نظرها على عمران الجالس فوق الفراش ينتظرها وهو ينظر باتجاه الباب.. عليها تحديدًا بعين قذفت الرعب في أوصالها، ابتلعت ريقها بتوتر وعيناها المضطربة استقرت عليه وهي تفكر بحجة أو كذبة جيدة يمكنه تصديقها.
قررت بدء الحديث بسؤال عشوائي ولكن ليتها لم تسأل:
_أنت چيت ميتا؟
فرك أصابعه ببعضهم واستقام واقفًا وقال وهو يتقدم نحوها بخطوات متريثة:
_آه طبعًا أنتي كان في نيتك تطلعي وترچعي بسرعة قبل ما أنا ارچع البيت عشان تغطرسيني زين ومعرفش حاچة وابقى كيف رچل السرير اللي كنت قاعد عليه
هزت رأسها له بالنفي في خوف حقيقي من نظراته وتقدمه البطيء نحوها وكأنه أسد يستعد للانقضاض على فريسته، فقدت القدرة على النطق وهربت الكلمات كلها من عقلها ولم تعد تجد ما تقوله وتبرر موقفها أمامه فالتزمت الصمت بينما هو فوقف مباشرة أمام جسدها وعينيه الثاقبة يصوبها نحو خاصتها وراح يصرخ بها بصوت جهوري نفضها:
_احنا لساتنا مكملناش كام ساعة على موضوع طلوعك من غير أذني ده ويدوب أنا طلعت من البيت بس وأنتي طلعتي تاني من ورايا، لا وكمان طلعتي كيف الحرامية بتتسحبي ومحدش شافك ولا لمحك واصل في البيت
تحدثت أخيرًا بصدق وهي تحاول انقاذ نفسها من ذلك المأزق:
_أنا روحت لفريال ياعمران والله
ابتسم متهكمًا وبدا وكأنه لم يصدقها حيث هتف بانفعال أشد:
_لما أنتي روحتي لفريال مقولتليش ليه وكنتي طالعة بتتسحبي من البيت
ازدادت ريقها بارتباك ملحوظ فقد حاصرها بسؤال لن تستطيع الإجابة عليه وإلا ستكشف أمر عمها ودخول شقيقها السجن وبلاغ فريال عن منصور، بينما عمران فصمتها أثار جنونه أكثر وزاد الشك داخله فراح يصرخ بها بصوت مرعب:
_ما تنتطقي ولا القط كل لسانك، كنتي فين يا آسيا وإياكي تفكري تكذبي عليا تاني
قالت بصوت مهزوز وعينان متعجبة من شك بها وعدم تصديقه لها:
_انا مكذبتش عليك ياعمران، أنا كنت عند فريال فعلًا حتى اتصل وأسألها لو مش مصدقني
طالت نظرته المريبة لها ثم قال بنبرة قاسية:
_أنا هصدقك يا آسيا ومش هتصل بحد، أو هعمل روحي مصدقك بس خلي في علمك دي المرة التانية يعني التالتة مفيهاش رچعة
اتسعت عيني آسيا ورفعت حاجبها باستغراب لتسأله بقوة:
_قصدك إيه يعني؟!
عمران بحدة وجفاء:
_أنتي فاهمة قصدي زين، انا لو مش عاوز المواضيع تكبر فده عشان ولدي اللي في بطنك
ابتسمت آسيا بسخرية ثم تقدمت نحوه خطوة لتقترب منه أكثر وهتف بعصبية:
_عشان ولدك بس يعني، لا وچاي على روحك إكده ليه يامعلم خليها تكبر وتخلص خالص
استشاط غيظًا من انفعالها عليه ونبرتها المرتفعة فهتف منذرًا إياها بلهجة آمرة:
_وطي حسك، صوتك ميعلاش عليا فاهمة ولا لا
آسيا باستهزاء ونظرة نارية كلها شر وغل:
_إيه رأيك تطلقني مدام معدتش بتثق وبتشك فيا وتخلي الست إخلاص تچوزك منى اللي كانت بتلف وتدور كيف الحية حواليك وهتموت عليك اصلها هي الوحيدة اللي معندهاش كرامة وهتستحمل أنك متثقش فيها، وتستحمل راچل ميقفش في ظهرها ولا يچبلها حقها ولا ينصفها، لا وكمان فوق ده كله بيسمع لأمه اللي بتبخ سمها في ودنه
هاج وثار ودون وعي قبض على ذراعها بقوة يصيح بها بصوت ارعبها:
_لمي لسانك ده بدل ما اقصهولك واكتم حسك على الآخر
ثارت هي الأخرى وكانت على وشك أن تنفجر به صارخة لكن صوت رنين هاتفها خلق شحنة من الفضول لديه وجعلها تصمت وتخرج الهاتف لتنظر لشاشته وتقرأ اسم المتصل ” علي ” فترفع رأسها لعمران وتنظر لتعبيرات وجهه التي تحولت وأصبحت أشبه بجهنم الحمراء وهتف يسألها بهدوء ما قبل العاصفة:
_بيتصل بيكي ليه ” علي ” !
مالت بوجهها للجانب وهي تتأفف وتزفر نستغفرة ربها بنفاذ صبر، ثم عادت له بنظرها وقالت في برود محاولة الإجابة برد يخفف من حدة الشجار بينهم لأنها انزعجت بشدة:
_معرفش ممكن يكون بيتصل يسأل عادي
صرخ بصوت جهوري جعل جسدها ينتفض فزعًا:
_ميتصلش وأنتي مترديش، قال بيسأل!!!!
صرت آسيا على أسنانها بغيظ ووسط محاولاتها القوية للحفاظ على ثباتها وهدوئها المزيف إلا أنها كانت تشتعل من الداخل ولم تتمكن من منع نفسه لقول آخر كلماتها التي كانت بمثابة النقطة الفاصلة في علاقتهم:
_عمران أنا معرفاش أمك ملت راسك وودانك بإيه، بس صدقني لو الوضع ده استمر على إكده كتير وأنت متغيرتش هتخسرني، أنا سكت على كل حاچة بس مش هسكت على شكك فيا فاهمني ولا لا، حط عقلك في راسك لو مش عاوز تنهي اللي بينا وخليك فاكر زين مين آسيا بت خليل صفوان، ومتقولش إني مش هقدر اهملك ولا أبعد عنك عشان بحبك، سبق وعملت اللي محدش كان يتخيل إني اقدر اعمله وحاچة كيف إكده مش صعبة عليا اعملها طالما حسيت أني في مكان محدش فيه بيحترمني ويقدرني ومع راچل ميعرفش قيمتي.. أظن أنت فاهم قصدي كويس قوي!
رفع عمران حاجبه وقال بنظرة رجولية كلها وقار وشموخ دون أن يعي لما يتفوه به وأنه قد يصنع شرخ بعلاقتهم لن يصلحه أي شيء ويكون نقطة النهاية :
_انتي بتهدديني يعني وبتلوي دراعي أني لو مغيرتش من نفسي هتهمليني، أنتي لو كنتي تقدري تسبيني كنتي عملتيها من زمان بس متقدريش عشان عارفة أنك ملكيش غيري ومفيش حد هيفضل چارك ولا في ضهرك ويحميكي غيري ولا حتى ناسك اللي رموكي ليا ومسألوش عليكي وأنا اللي حميتك منهم وسترتك وستتك وخليتك إهنه فوق الكل ومحدش بيقدر يقول كلمة عنك ولا يقلل منك، أنتي لو عارفة أن ليكي ضهر هيحميكي احسن مني كنتي عملتيها من أول ما اتچوزنا، أنا مش من الرچال اللي بيضعفوا وينخوا تحت رچلين حريمهم عشان بيحبوهم ولا بيتلوى دراعهم يابت خلــيــل، وسبق وقولتلك أنا لو بشك فيكي مكنتش خليتك على ذمتي يوم واحد وقرار أنك تهمليني ولا لا ده مش بمزاچك.. أنا اللي اقرره ويا سمحتلك بده يا لا
كانت تستمع لما يتفوه به ويخرج من فمه وهي لا تستوعب أنه هو الذي يتحدث، كانت في حالة ذهول وصدمة حتى أن عيناها امتلأت بعبرات الخذي والحسرة، لكنها لملمة شتات قلبها المبعثر وردت بصوت مبحوح وابتسامة مريرة وباهتة لكن بعينان كلها وعيد:
_عندك حق يامعلم عمران أنا مقدرش أهملك عشان مليش غيرك ضهر وسند يا راچــلـــي، وشكرًا أنك فكرتني أني مليش حد اتسند عليه غيرك وأني لو هملتك ناسي هيرموني في الشارع كيف ما عملوا قبل سابق وأنت اللي سترتني وداريت على فضيحتي وكان ليك الفضل عليا يا تاچ راسي
توقفت على الكلام واكتفت بهذا القدر عندما شعرت بأنها ستنهار باكية أمامه وتفقد صمودها وهذا آخر شيء يمكنها السماح به بالأخص بعد كلامه المسمم، تركته وعبرت من جانبه بقوة حتى أنها اصطدمت بكتهه بقوة وهي تعبر لتبعده عن طريقها واتجهت للحمام وأغلقت الباب عليها لتنهار باكية بحرقة ورغم كل هذا كانت تكتم صوت بكائها حتى لا يصل لأذنيه وتظهر أمامه ضعيفة وهشة، بينما هو فوقف يحدق على أثرها تجاه الحمام وعقله مشتت لا يمكنه التفكير بشكل سليم لكن غضبه ازاد الضعف واندفع لخارج الغرفة ثائرًا.
***
فور دخوله سمع صوت فريال التي هرولت من الداخل راكضة عندما سمعت صوت الباب ينفتح وتأكدت أن زوجها عاد:
_چلال أنت رچعت
وجدها تقف على مسافة بعيدة منه بعدما وصلت وهي تحدقه بعينان مشتاقة وممتلئة بالدموع، ثم أسرعت نحوه والقت بجسدها عليه تعانقه بحميمية وحرارة وهي تردد بصوت يغلبه البكاء:
_الحمدلله أنك بخير، أنا كانت هتچرالي حاچة من الخوف عليك والقلق
كان ساكنًا وجامدًا كالصنم لا يتحرك ولم يلف ذراعيه حولها حتى، فابتعدت هي عنه ببطء بعدما اختفت ابتسامة ورمقته باضطراب بسيط وهي تسأله بتعجب:
_مالك ياچلال
خرج صوته غليظ يسألها:
_العيال فين؟
بدأ التوتر يتمكن منها أكثر وأصبحت شبه متأكدة أنه اتكشف أنها هي من قدمت البلاغ للشرطة، أجابته بخفوت:
_نايمين ليه؟!!
لم يجيب عليها وقبض على ذراعها فجأة ثم جذبها معه عنوة باتجاه أقرب غرفة من باب المنزل بحيث يكونوا بعاد عن أذن اولادهم وأغلق الباب خلفهم ثم التفت لها ونظر في عينيها المرتعدة بغضب مرعب ليقول مبتسمًا بتهكم:
_بلغتي عني يافريال عشان حق أبوكي!!!
هزت رأسها بالنفي مسرعة وقالت بصدق تحاول تبرير موقفها له:
_لا لا أنا مبلغتش عنك والله
صرخ بصوت جهوري مرعب جعلها تتقهقهر للخلف لا إراديًا خوفًا منه:
_متكذبيش انتي اللي بلغتي الحكومة على المكان، وكذبتي عليا يومها إنك رايحة تشتري طلبات من عند الحچ حامد وأنتي طلعتي ورايا تراقبيني عشان تعرفي المكان
ظلت تهز رأسها بالنفي وقد انهمرت دموعها فوق وجنتيها بغزارة وراحت تهمس بصوت متقطع من حدة البكاء:
_أنا بلغت على عمك والله عشان كنت خايفة عليك
جلال بانفعال شديد:
_عمي مكنش قاعد في الشقة أنا اللي كنت فيها وكنا بنتقابل هناك عشان محدش يشك فيه
جلست على اقرب مقعد وراحت تشهق وتبكي بحرقة وتقول بصدق:
_والله ما كنت اعرف أنه مش موچود هناك ومكنتش اعرف أنك هتروح عنده، أنت قولتلي رايح الشغل
تقدم جلال منها وجلس القرفصاء أمامها ثم قال بنظرة غاضبة وحادة:
_فريال لو لسا ليا غلاوة عندك قولي الحقيقة أنتي كنت قاصدة تبلغي عني؟
رفعت رأسها له ورمقته بدهشة ثم صاحت بعدم استيعاب لما يتفوه به:
_أنت بتقول إيه ابلغ عنك كيف، ده أنا عملت إكده عشانك وعشان احميك
أجابها بخشونة واستنكار:
_عشاني أنا ولا عشان حق أبوكي؟!
بكت عاجزة عن الرد فقد كانت تظنه لن يشك بها وسيتفهم موقفها حتى لو ثار وهاج عليها بالبداية، لكن اتضح أنها أخطأت الظن به، بينما هو فاستقام واقفًا مجددًا وقال بنظرة عتاب وغضب:
_لساتك مبتفكريش غير في نفسك ورغم أنك عارفة أن اللي عملتيه ده ممكن يأذيني وهو بالفعل حصل، بس برضوا عملتيه عشان تطفي نارك وتاخدي حق أبوكي
القى عليها نظرة أخيرة كلها خزي وحنق ثم استدار وتحرك باتجاه الباب فهبت هي واقفة وركضت خلفه لتمسك بذراعه ترغمه على الوقوف وهي تهتف له بشجن ويأس:
_چلال أبوس يدك ما تعمل إكده معايا، معقول أنت مش مصدقني.. معقول تصدق أني ممكن افكر أذيك واعمل حاچة أنا عارفة أنها ممكن تأذيك
صاح بها منفعلًا باستياء شديد وقسوة:
_مصدق أو مش مصدق مش هتفرق، انتي اللي عملتيه ميتغفرش يافريال.. خططتي ونفذتي من دون علمي وخرچتي عن طوعي وكسرتي كلمتي لما نبهت عليكي وقولتلك ملكيش صالح بالموضوع واصل وإياكي تدخلي فيه
رمقته بعين متوسلة وهمست بندم حقيقي:
_أنا آسفة حقك عليا، سامحني يا سيد الرچال
لم تلين نظراته لها وظل يطالعها بنفس الجفاء ثم جذب ذراعه من قبضتها بسخط وابتعد عنها وانصرف ليتركها تنخرط في نوبة بكاء من جديد وهي تائهة لا تعرف كيف تصلح خطأها وكيف تجعله يغفر لها ذلتها، فمهما فعل ومهما ثار وهاج عليها تعرف جيدًا أنه على حق وهي المذنبة، حتى لو كان فعل بنية صافية وبدافع حبها وخوفها عليه.
***
داخل المستشفى……
كالعادة كان الوحيد الذي يمكث اغلب الوقت بجانب ” مريم ” هو بشار، أن غاب عنها لا يغيب أكثر من بضع ساعات أما خلاص ساعات العمل المهمة أو آخر الليل عندما يرهقه طول اليوم ويظهر على جسده الخمول ويبدأ عقله يلح طالبًا أخذ استراحته من النوم فيضطر أن يلبي النداء ويذهب للمنزل لينام ويعود لها بالصباح الباكر من اليوم التالي.
تلك الليلة كان يجلس معها بنفس الغرفة وهذه المرة لم يكن ملزمًا بعدد دقائق محدد للزيارة أو حتى ارتداء الأقنعة وأخذ الاحتياطات اللازمة من تعقيم وغيره قبل الدخول لغرفة العناية المشددة، بل كان يجلس على المقعد بجوار فراشها ويراقبها بكل حرية ويتشاركون الأنفاس بين الأربع حوائط دون حائل بينهم، وبيده كان يمسك بكتاب الله ( المصحف الكريم ) ويقرأ آيات متفرقة من القرآن سائلًا الله الشفاء العاجل لها، وبعد انتهائه وضع المصحف فوق المنضدة الصغيرة بجواره ثم مال عليها بجزعه للأمام ليتأملها بشرود وحزن لكن فجأة ظهر شبح ابتسامته الباهتة على ثغره وراح يتحدث معها ويهتف وكأنها تسمعه:
_بيني وبينك يامريم أنا الصراحة مكنتش اعرف أنك غالية عندي إكده ومكنتش أتخيل واصل أن ده ممكن يكون حالي لو چرالك حاچة
أخذ نفسًا عميقًا ثم تابع بمشاعر صادقة ونابعة من اعماق فؤاده:
_أحيانًا بتاچي عليا لحظة غريبة وبفكر هل القرار اللي أنا اخدته صح ولا غلط، حاسس أني تايه وضليت طريقي، خايف اختارها واندم إني سبتك.. وخايف اسيبها واندم إني ضيعت مني حب سنين كنت بتمناه
ابتلع ريقه واردف بسرعة يدافع عن نفسه وكأنها مدركة لكل شيء يقوله:
_أنا مفيش في نيتي واصل أني اخونك والله وعشان كدا اخدت قرار أننا ننفصل.. عشان مظلمكيش معايا وعشان أنا خائف اكمل معاكي ومعرفش احبك ولا انسى رحاب، أنا عارف أنك ممكن تقولي عليا خسيس وأناني وراچل متديلوش الآمان وأنه أول ما بت عمته اللي بيحبها فسخت قرر يتخلى عني ويروحلها وأنه كان واخدني احتياطي مش اكتر، بس اقسم بالله أنا مش إكده يامريم، صدقيني أنا لما قررت ادخل الباب من بيتكم واطلب يدك كان نيتي العمار وأنك تكوني مرتي وأن عيالي في المستقبل وأحبك وقولت يمكن تكوني أنتي العوض اللي ربنا يعوضني بيه، وكنت خلاص شبه نسيت رحاب وبحاول اكمل حياتي معاكي، معرفش إيه اللي حُصل فجأة وموضوع فسخ خطوبتها ده غير الموازين كلها، بقيت حاسس ان الفرصة چاتلي لغاية عندي إني أكون مع اللي كنت بحبها وكمان اسيبك أنتي تكملي حياتك ومظلمكيش معايا يمكن تلاقي الشخص اللي يحبك صُح ويسعدك لأنك تستاهلي اكتر من إكده كمان
توقف عن الكلام وسكت وهو يفكر ثم لاحت ابتسامة مريرة على ثغره ورفع عينيه لها يطالعها بود ويتمتم:
_رغم كل اللي قولتهولك ده مقدرش أنكر حقيقة أني اشتقتلك واشتقت لصوتك وحديتنا مع بعض وأنك كنتي الركن الدافي اللي دايمًا بشكيله همومي واحكيله مشاكلي وتخففي عني، انتي مكنتيش خطيبتي بس لا كمان كنتي صديقتي اللي بشاركها أسراري
تنفس الصعداء بقلة حيلة وحزن وهتف بحيرة:
_أنا تايه ومش عارف انا عاوز إيه يامريم صدقيني، بس أنا متأكد زين أن ربنا هينورلي طريقي وينور بصيرتي للطريق الصح اللي فيه الخير ليا، ولو في حاچة أنا عاوزها ومتأكد منها دلوك هي أنك تفوقي وترچعلينا وترچع ضحكتك وصوتك يملوا المكان
قطع حديثه الدافيء معها صوت رنين هاتفه فأخرجه وأچاب بعدما قرأ اسم المتصل، وسمعه يهتف برقة في الهاتف:
_بشار
رد بلطف وهدوء تام:
_نعم يارحاب!
تمتمت بنعومة وحب:
_اخبارك إيه؟
تنهد بإرهاق وقال في جدية:
_بخير الحمدلله يارحاب
بتلك اللحظة دخلت الممرضة الغرفة وعندما رأت بشار بجوار فراش مريم ويتحدث في الهاتف ابتسمت له بصفاء فراقبها وهي تقوم بالفحص الروتيني على مريم ثم سألها باهتمام:
_في أي چديد في حالتها؟
هزت الممرضة رأسها بالنفي في أسف لكنها ردت عليه بمشاعر صادقة وهي معجبة بحبه وإخلاصه لها:
_للأسف لسا بس أن شاء الله في أقرب وقت تفوق، وهي محظوظة أن ربنا كارمها بواحد زيك قاعد جمبها طول اليوم، في حالات مرضى كتير نفس الوضع وأهلهم وأولادهم مش بيسألوا عليهم بالأيام لولا إدارة المستشفى ما تتصل بيهم وتبلغهم لو في أي چديد يخص حالة مريضهم، ربنا يخليكم لبعض ويقومها بالسلامة ويشفيها
اكتفى بشار بابتسامة ودودة لتلك الممرضة وشكرها بنظراته فقط، بينما رحاب فلسوء الحظ أنها سمعت كل كلمة واستساطت غيظًا وراحت تهتف لبشار بانزعاج ملحوظ:
_بشار أنت لسا قاعد في المستشفى مع مريم دي!
رفع حاجبه باستغراب وردد خلفها بلهجة جادة:
_دي!!.. أه قاعد معاها
رحاب بعصبية وغيرة حارقة:
_أنت مش ملاحظ أنك مهتم زيادة عن اللزوم بواحدة قبل الحادثة كنت ناوي تفسخ خطوبتكم ومش بتحبها
بشار بحدة ولهجة رجولية غريبة:
_مش معنى أني مش بحبها يبقى مهتمش لأمرها يارحاب، مهما كان دي واحدة كان في بيني وبينها عشرة وخطيبتي، أنا مش ندل للدرچة اللي تخليني اسيبها وهي في الحالة دي
هتفت باستياء شديد تصحح له عبارته لتؤكد له فكرة انفصالهم وتذكره بوعده لها:
_كانت خطيبتك يابشار، أنت في نيتك أن كل حاچة انتهت بينكم وخلاص مش محتاچ تستنى لما تفوق عشان تنهيه.. هو بالفعل منتهي من ناحيتك وكل ما في الأمر أنها لما تفوق هتبلغها عشان نتچوز احنا
أطلق زفيرًا حارًا بخنق وتمتم بعدم مبالاة:
_يامسهل يارحاب، أنا هقفل عشان تعبان وهروح البيت ارتاح وأنام
لم يمهلها الفرصة لتتحدث حيث أنهى الاتصال فورًا وتركها ثائرة وتتوعد له متمتمة بخبث:
_متفتكرش أني ممكن اسيبك تضيع من يدي تاني، حتى لو كان غصب عنك أنا سبق وغلطت لما اتخطبت للي ما يتسمى ده وسبتك بس دلوك مش هتخلى عنك تاني حتى لو كان إيه
***
داخل منزل ابراهيم الصاوي تحديدًا بغرفة الجلوس الخاصة بعمران بالطابق الثالث، كان جالسًا بها بعد الشجار العنيف بينه هو وزوجته ويحاول الاسترخاء والهدوء، فإذا ترك نفسه الثائرة تطيح بكل شيء لن يتبقى سوى بقايا مهشمة وسيكون أصدر حكم الإعدام، وجد الباب ينفتح وللحظة ظن آسيا حتى لو كان احتمال مستحيل لكنه أراد في نفسه أن تكون هي.
ظهرت إخلاص من خلف الباب التي ابتسمت له بحنو ثم اغلقت الباب بهدوء وتقدمت إليه بخطوات بطيئة حتى أصبحت بجواره على الأريكة وتنظر له باهتمام تسأله بثقة:
_طبعًا كذبت عليك ومقالتش الحقيقة
هتف عمران بغضب يرفض الحديث:
_أما أنا شايط لوحدي ومش متحمل اسمع ولا كلمة
لوت إخلاص فمها بحنق وقالت بازدراء وهي تهمس بصوت خافت:
_ليك حق يا ولدي هي بت خليل دي تطفش بلد
مسح على وجهه وهو يزفر بنفاذ صبر وانزعاج بينما إخلاص فتابعت بنبرة بدت مهتمة لأمره لكن العكس فهي لا ترى شيء سوى كرهها لآسيا:
_أنا قولتلك يا عمران مصدقتش كلامي، قولتلك متنفعلكش يا ولدي وهتتعبك وأنها بت مش ساهلة ولا شبهنا، أنا مكنتش موافقة على الچوازة من البداية وقولتلك أنت وأبوك الله يرحمه شوفوا أي حل تاني، بس أنتوا اللي صممتوا على رأيكم ونفذتوا اللي في دماغكم، وأهو ناسها قتلوا أبوك وهي مش بعيد كمان تكون عارفة مكان عمها ومخبية عليك عشان مش عاوزاك تاخد حق أبوك وعمها يتسجن يعني بتداري عليه وبتحميه، هي بس اتحسبت عليك چوازة وحتى ما فرحنا بيك كيف الخلق ولا عملنالك فرح وليلة يشهد بيها الكل، ولما قولتلك طلقها وأچوزك ست ستها كنت بتهب فيا كيف البابور
طفح كيله من إصرار أمه على ذلك الكلام المستفز الذي يثير الأعصاب أكثر فصاح منفعلًا:
_وبعدين عاد ياما ما بزياداكي الحديت اللي يفور الدم ده، همليني واطلعي أنتي عاوزة مني إيه
طالعته بعين دافئة مفعهة بحنان الأم وهي تقول بحزن:
_معوزاش حاچة ياولدي، أنا عوزاك تكون مبسوط بس ومرتاح، وأنا شايفة حالك لا يسر عدو ولا حبيب، والله اعلم مرتك دي كمان بتعمل إيه من وراك وبتكذب عليك ما يمكن تكون اتعرفتلها على حد وبتطلع تقابله مهو مش بعيد عليها قادرة وتعملها
فارت الدماء في عروقه وعيناه أظلمت بشكل مرعب، تشجنت عضلات وجهه وصاح بأمه في صوت رجولي مهيب:
_احسبي كلامك ياما قبل ما تقوليه في وشي، انتي إكده مش بتعيبي فيها هي أنتي بتعيبي في رچولتي وشرفي، أنا عارف مرتي زين وواثق فيها، وأنتي حذاري اسمعك بتقولي الكلام ده تاني وإلا هيبقى في زعل كبير قوي بينا
كانت ستهم بالرد عليه وتعتذر منه وتكمل ما بدأته فوجدته يهب واقفًا ويندفع باتجاه الباب فسألته بتعجب:
_رايح وين ياعمران
لم يجيبها سوى بصوت صفع الباب الذي اهتزت له أركان الغرفة وانتفضت هي مفزوعة، لكن سرعان ما ارتسمت البسمة الشيطانية على ثغرها وهي تهمس بوعيد:
_إما طلعتك من بيتي وخليت ولدي يطلقك مبقاش أنا إخلاص الصاوي يابت چليلة، أنا سبق وقولتلك مش هسبلك ولدي ولا عاوزة أنتي وناسك تقتلوهولي كيف ما قتلتوا أبوه
ألقت بنظرها من النافذة على الشارع فرأت ابنها يستقل بسيارته وينطلق بها مسرعًا، فهي القت عود الكبريت فوق الغاز وتنتظر اشتعاله.
***
بصباح اليوم التالي داخل منزل جلال…….
كان يجلس على الأريكة بالصالة، عيناه عالقة على التلفاز المغلق وعقله بمكان آخر، خرجت فريال من الغرفة بعدما استيقظت ولم تجده بالغرفة، ليلة أمس لم يشاركها النوم بنفس الغرفة إلا بعد صلاة الفجر ونام على الأريكة بعيدًا عنها.
وجدته جالسًا بالصالة وشارد الذهن وجهه عابس فتنهدت بحزن وتقدمت نحوه بخطوات بطيئة حتى جلست بجواره وراحت تتمعنه بعينان منطفئة وهو لا ينظر لوجهها حتى، ازدردت مرارة ريقها ومدت يدها تضعها فوق كفها تمسكه بحنو وتهمس:
_چلال
اشاح بوجهه بعيدًا عنها وهو يزفر بحنق ثم جذب يده ببطء من قبضتها دون أن يتفوه بحرف واحد، فأمتلأت عيناها بالعبرات وتمتمت بوجع يظهر في صوتها بوضوح:
_للدرچة دي مش طايق صوتي ولا لمستي
أثر الصمت للمرة الثانية ولم يجيب فهتفت بأسى:
_چلال رد عليا
التفت لها أخيرًا ورمقها بقسوة ثم صاح بعصبية:
_عاوزاني أرد اقولك إيه يافريال، معدش في كلام يقال بعد اللي عملتيه
حاولت الثبات أمامه وقالت بأسف ورجاء:
_أنت ليك حق في كل حاجة تقولها والله وانا عارفة أني غلطانة اني اتصرفت من دماغي من غير ما أقولك بس أنت اللي وصلتني للمرحلة دي وأنا كنت خايفة عليك
قال مزمجرًا وصوت رجولي قوي:
_لو خوفك عليا بالمنظر ده متخفيش عليا يافريال، ومتفكريش فيا واصل حتى، أنا في دماغي مليون مصيبة كانت ممكن تحصل بسبب عملتك دي وبحمد ربنا أنه سترها ومكنتش هتأذيني أنا بس دي كانت حتى أنتي هتأذيكي، لكن أنتي طبعًا مبتفكريش في ده كله.. بتعملي اللي في راسك وفاكرة روحك صح
اطرقت رأسها أرضًا بقلة حيلة وعجز، ورغم كل هذا مازالت تتحكم في عبراتها بصعوبة وتحاول الصمود لتكمل حديثهم للنهاية وتحاول استمالته ونيل السماح منه، لكن يبدو أنه لن يغفر لها بسهولة وأنه سيعاقبها بقسوة على فعلتها، رفعت رأسها له مجددًا بعد دقيقة وسألته باستسلام وصوت مبحوح:
_طيب اعمل إيه عشان اخليك تسامحني
هب واقفًا وهو يمسح على وجهه ويزفر بامتعاض ثم نظر لها وقال بحزم ولهجة قاسية قليلًا:
_روحي يافريال على بيت أبوكي
وقعت الكلمات على أذنها كوقع الصاعقة واتسعت عينيها بذهول وعدم استيعاب لم خرج من فمه للتو، فوثبت واقفة وتمتمت بصدمة:
_إيه!!!!!
اخذ نفسًا عميقًا واكمل بنبرة بدت أكثر رزانة وحكمة عن السابق:
_يعني روحي ارتاحي يافريال وريحي راسك شوية وأنا كمان أكون هديت من ناحيتك
فريال بعدم تصديق وقد تغرغرت الدموع في عينيها وهي تقول:
_چلال أنت بتتكلم چد، عاوزني امشي من البيت!!!
راح يستغفر ربه مرارًا وتكرارًا وقال لها بهدوء وصوت رخيم رغم أن نظراته كانت حازمة:
_أيوة بتكلم چد.. وأنا مش بقولك امشي ومترچعيش بيتك تاني أنا بقولك الأفضل نبعد كام يوم عن بعض لغاية ما اهدى لأني مش عاوز الموضوع يكبر بينا ولا اقول كلام يچرحك واندم بعدين، يعني اللي بقوله في صالحنا
انهمرت دموعها بغزارة على وجنتيها في حرقة وقهر، وقلبها ينزف الدماء المًا وهي تستصعب فكرة أنه يريد أن يبعتد عنها ولا يريد رؤيتها حتى لو كان لبضع أيام، هل ما فعلته استحق كل هذه القسوة والعتاب منه؟!.
أجابته بصوت حاولت إخراجه طبيعيًا وسط دموعها:
_لا في ده صالحك أنت مش في صالحي، أنت اللي غضبك مني وصلك لمرحلة أنك مش طايق تشوفني، متقلقش أنا مش هخليك تشوفني أصلًا لغاية ما تهدى كيف ما بتقول
أنهت عباراتها واندفعت لداخل غرفتها لكي تترك العنان بروحها المتألمة أن تبكي وتفرغ شحنتها المكتظة.
***
بمنزل ابراهيم الصاوي داخل غرفة عمران….
كانت آسيا تقف في الشرفة تتحدث في الهاتف مع ” علي ” وتتناقش معه حول أمر شقيقته مازالت تحاول إقناعه وهي تهتف:
_يا علي بزيادة عاد اللي بتعمله ده، أنا ليا فترة يكلمها ومش عارفة اوصلها أصلًا وخايفة يكون المچنون ده عمل فيها حاچة وأنا مقدرش اروحلها في بيته هناك
علي بانفعال ونفاذ صبر من الحاحها:
_وبعدين معاكي أنتي يا آسيا بتعيدي وتزيدي في موضوع منتهي وأنا قولتلك مليش أخوات بنات
تأففت بانزعاج منه وقالت:
_أنت الكلام معاك ملوش فايدة صُح، أنا بحاول الين قلبك على أختك ليا قد إيه وأنت مفيش فايدة معاك، أنا عملت اللي عليا وريحت ضميري خلاص
توقفت عن الكلام عندما سمعت صوت الباب ينفتح فالتفتت برأسها للخلف ورأت عمران يدخل فإنهت الاتصال مع علي وظلت بمكانها لم تتحرك ولا حتى غادرت الغرفة، بينما هو فتقدم نحوها ووقف خلفها يسألها بصوت غليظ:
_كنتي بتكلمي مين؟!
التفتت له ورمقته ببغض لأول مرة يراه في عينيها وأجابت بكل ثبات وشجاعة:
_بكلم ” علي ”
رأت عينيه أظلمت وعضلات وجهه تشجنت بشكل مرعب ثم هتف بهدوء ما قبل العاصفة:
_وبتكلميه ليه؟!
تقدمت خطوة إليه بنظرات كلها قوة تليق بها وكأنها عادت تلك الساحرة الشريرة التي كانت تحاول قتله
والتخلص منه وقالت بجرأة:
_عشان بخونك مش أنت بتشك فيا وبتفكر إكده ولا إنا غلطانة
ثار عليها وصرخ بها بصوت جهوري وهو يقبض على ذراعها بقسوة:
_اقسم برب العزة لو ما لميتي لسانك ده وقفلتي خشمك لتكوني شايفة اللي عمرك ما شفتيه مني
رغم الالم الذي اجتاح ذراعها إلا أنها ابتسمت بكل برود وهتفت بنظرة ملتهبة كلها نقم وتهكم:
_ليه هو أنا هشوف واسمع منك إيه أكتر من اللي سمعته امبارح، هو أنت لساتك ناوي تثبتلي وشك الحقيقي أكتر من إكده ولا إيه.. يا مـعــلــم وسيد المعلمين كلها اللي عارف الأصول والصُح والغلط وبتعاير مرتك بفضلك عليها
ارتخت عضلات وجهه وكذلك قبضته على ذراعها وبدا على ملامحه وكأن كلماتها ذكرته بخطأه المعترف به، فترك يدها والتزم الصمت لكنها تابعت فهي تكلم بالأمس وهي استمعت والآن حان دوره:
_العيب مش عليك، العيب عليا أنا أني اللي رخصت روحي ورچعتلك بعد اللي عملته أمك معايا وأنت مخدتليش حقي ولا نصفتني، فافتكرت أني كل مرة هعدي واسكت على حقي، العيب عليا يامعلم عمران أني حبيت ولد ابراهيم الصاوي اللي قتل أبويا وغدر بيه وقولت أنك غيرهم ومختلف عن العيلة دي كلها بس شكلي اتخدعت فيك وطلعت شبه أبوك، أنا اللي غلطانة أني وافقت اتچوزك واستسلمت لناسي اللي أنت كنت بتعايرني بيهم امبارح أنهم رموني ليك كيف الزبالة وانت اللي سترتني واتفضلت عليا وأني مليش حد غيرك وأني خلاص فات الأوآن لو حبيت اهملك وامشي يعني مش هقدر للأسف لأن طبعًا أنت راچلي وأبو ولدي وسندي وضهري ومليش غيرك، صدقني ياعمران أنت مش غلطان في حاچة أنت فكرتني بس باللي نسيته وفوقتني، وعرفتني أني أنا اللي غلطانة من البداية
التزمت الصمت للحظة وراقبت تعابير وجهه التي تبدلت تمامًا لأخرى نادمة وتابعت مبتسمة بمرارة:
_تعرف أنت امبارح خليتني ندمت أني سمحتلك أن يكون ليك فضل عليا، خليتني اقول يارتني سبت ناسي قتلوني على الاقل كان اكرملي، أنا حتى حسيت بالندم أني هچيب عيل منك
أنهت كلماتها وتحركت بخطواتها تنوي الرحيل وتركه لكنه قبض على ذراعها يوقفه وهو يقول بصوت رجولي يحمل نبرة الصدق:
_آسيا أنا مكنش في نيتي أعايرك ولا كان قصدي إكده أنا ااااا……
أوقفته عن استرسال حديثه بصرختها الغريبة التي ذكرته بتلك الفتاة التي كانت قبل زواجهم بضبط وهي لا تكن له سوى مشاعر الكره، وجذبت يدها من قبضته بعنف:
_يدك دي متلمسنيش واصل فاهم ولا لا، بقيت بقرف منها
ضيق عينيه بدهشة من عبارتها الأخيرة بينما هي فابتعدت واكملت طريقها لخارج الغرفة بأكملها لتتركه متسمر بأرضه وهو مشتت الذهن.
***
بمساء ذلك اليوم داخل منزل خليل صفوان…..
كانت غزل تقف بالمطبخ تقوم بمساعدة إنصاف في بعض أعمال المطبخ وتحضير الطعام، وشاردة الذهن تفكر في حيلة ذكية تثير بها جنون ” علي ” مجددًا، ولم تجد سوى أن تكمل في حيلة الملابس المتحررة والمكشوفة، سمعت صوت إنصاف وهي تسألها ضاحكة:
_ إيه اللي واخد عقلك ياحلوة
التفتت لها غزل وسألتها بعفوية تامة وفضول:
_طنط إنصاف هو علي قالك حاچة عني؟
ابتسمت إنصاف بخبث وردت غامزة بدفء:
_حاچة كيف إيه يعني؟!
غزل بتلقائية ورقة تليق بها:
_يعني قصدي أنه بيكرهني أو مش حابب وجودي كدا يعني
قهقهت إنصاف بخفة وأجابتها بنظرة ماكرة:
_أنتي إيه رأيك، شايفة أنه بيكرهك؟!!
سكتت وشردت تتذكر مواقفه معها وتحذيراته الدائمة لها من ارتداء الملابس الغير محتشمة، ربما هي لا تفهم بعاداتهم وتقاليدهم كثيرًا وأن فسرت هذه التصرفات كما اعتادت في أمريكا ستقول أنه إنسان رچعي ومتخلف، لكن في هذه البيئة ومع رجل شرقي بالطبع ستختلف، وتذكرت أيضًا عندما أصلح لها إطار صورتها واهداها واحد جديد.. لا إراديًا ارتفعت البسمة لثغرها الوردي ونظرت لإنصاف تهز كتفيها لأعلى بجهل وهي تبتسم، لتجدها تكمل ضحك وتجيبها بجدية بسيطة وكأنها تعطيها بعض النصائح عن ابنها:
_علي دمه حامي وممكن تحسيه قاسي شوية بس الحقيقة أنه طيب وحنين قوي كمان، هو مبيعرفش يبين ده بس للأسف، وكمان بيحب يحس أنك مقدراه وفارق معاكي وأنك واثقة فيه وفي كلامه وتصرفاته عشان إكده مبيحبش اللي يعانده، طيب استنى هحكيلك حكاية عنه كان لساته في الثانوي وكان في بت معاه في المدرسة عچباه قوي، واحنا إهنه عندينا البنات بتلبس الحجاب بدري ومفيش بت بتقعد بشعرها طالما دخلت الثانوي وكبرت وبقت عروسة، بس البت دي كانت بشعرها وناسها كانوا مدلعينها قوي وسايبنها على راحتها وكان لبسها كمان ضيق قوي غير بقية البنات، بس كانت عچباه، من كتر غيرته عليها كان كل يوم بيرچع متعارك مع العيال في المدرسة، بسبب أن مرة واحد كلمها أو ضايقها أو وقف معاها وهزر في الكلام، ومكنش عاچبه واصل لبسها وشعرها وأنها غير البنات وأكمنها إكده كان الكل في المدرسة عينه عليها والولاد وراها كيف ضلها وعينهم مش بتتشال من عليها
سألت غزل السؤال الأهم بالنسبة لها والذي سيرضى فضولها:
_وهي البنت دي فين دلوقتي؟!
ردت إنصاف مبتسمة بمرح:
_لا فين إيه عاد دي اتچوزت ومعاها عيال كمان دلوك
سألت للمرة الثانية حتى تطمئن:
_طيب هو لسا بيحبها؟
ضيقت إنصاف عينيه باستغراب من سؤالها الساذج واجابتها بحدية:
_بقولك متچوزة ومعاها عيال يا غزل تقوليلي بيحبها بعدين دي حكاية قديمة كان لساته عيل صغير هو مش بعيد يكون ناسي الكلام ده من أساسه
هزت رأسها بتفهم مبتسمة وهي تتنفس الصعداء براحة ثم تقول بنعومة:
_OKay معلش بقى ياطنط أنا هطلع اكلم بابا لاني بكلمه كل يوم في الوقت ده وأكيد هو مستنيني دلوقتي
هزت إنصاف رأسها بالموافقة وودعتها بنظراتها الدافئة وابتسامتها العذبة، بينما هي فغادرت وهي تفكر في الحكاية التي سردتها لها عنه وربطت بين الماضي والحاضر وطرحت سؤال بحيرة في عقلها ” هل هذا يعني أنه يحبني أيضًا ” نفرت عن رأسها تلك الأفكار وابتسمت بخجل واكملت طريقها بسرعة للأعلى لكي تتحدث مع والدها.
بعد مرور نصف ساعة تقريبًا انتهت من حديثها الطويل مع والدها وهو يسرد لها عن مشاكل عمله الصعب وهي كذلك شاركته تفاصيل يومها، استقامت واقفة واتجهت للشرفة تنظر للشارع بالصدفة فرأته وهو يدخل المنزل فسكنت للحظات واشتعلت في ذهنها فكرة إثارة غيرته مجددًا، فهي لن تستلم حتى تتأكد من شكوكها حوله.
اتجهت لخزانتها وبسرعة في ظرف دقيقتين كانت ترتدي تنورة قصيرة لا تكاد تصل لركبتها من الأساس وبالأعلى قميص قطني بحمالات رفيعة ومجسم بالضبط على إنحناءات جسدها العلوية، واسرعت لتقف خلف الباب وتضع أذنها عليه تنتظر سماع صوت خطواته وهو يتجه لغرفته التي فور سماعها فتحت الباب وهي تضع الهاتف على أذنها متصنعة التحدث في الهاتف باللغة الإنجليزية، وتصرفت كأنها لا تراه حيث اتجهت نحوه دون أن تنظر لوجهه وهي تتصنع الانشغال بالحديث الهاتفي، ولم يغفل عنها طبعًا نظراته النارية لملابسها وعندما وصلت له وعبرت من چانبه وجدته يقبض على ذراعها ويهتف يغضب:
_إيه اللي طالعة بيه ده!!!
رمقته شزرًا ومثلت الغضب بعدما انهت الاتصال المزيف وتحدثت إليه:
_سبق وقولتلك this is none of your business
جز على أسنانه محاولًا التحكم بانفعالاته وهتف:
_طيب ادخلي اوضتك وغيري اللي لبساه ده بدل ما اوريكي بنفسي يخصني ولا ميخصنيش
عقدت ذراعيها أمام صدرها ووقفت بكل غنج وهي تقول بعناد مبتسمة بتحدي:
_ولو مدخلتش هتعمل إيه؟!
شعرت بقبضته العنيفة فوق ذراعها وهو يجذبها معه تجاه غرفتها عنوة ويدفعها للداخل بغيظ ثم يدخل خلفها ويغلق الباب حتى لا يسمعهم أحد وينفجر بها منفعلًا:
_أنا مش نبهت عليكي وحذرتك ياغزل امبارح متلبسيش اللبس ده تاني
بدت باردة المشاعر بشكل مستفز وهي تجيبه بتلذذ بغيرته:
_أه قولتلي بس أنت not my dad or my brother يعني هسمع كلامك وانفذه بصفتك إيه
تثيره جنونه أكثر وتستفزه لدرجة أن النتائج لن تكون في صالحهم أبدًا، دون أن يعي اندفع نحوها ثائرًا فارتدت هي للخلف فزعة منه والتصقت بالحائط خلفها لتجده يشرف عليها بجسده الضخم الذي يفوقها طولًا وحجمًا ويهتف لها بنظرة ثاقبة كالصقر:
_وهي الهانم عاوزاني اكون بالنسبالها إيه عشان تسمع الكلام
اضطربت بشدة من اقترابه وتسارعت نبضات قلبها حتى أن لسانها انعقد ولا تتمكن من الرد عليه لكن طرق الباب المصحوب بصوت حمزة وهو يهتف:
_غزل أنتي جوا يابتي!
انتفضت بفزع وصاحت لعلي بخوف:
_Oh my god my grandpa
كتم على فمها فورًا بحدة هامسًا لها بحدة:
_وطي حسك دي فيها قطع رقاب
التفت حوله يبحث عن أي مكان يمكن الاختباء فيه بينما هي فسألته بارتيعاد شديد:
_هنعمل إيه؟!
سمعوا صوت طرق حمزة مجددًا وهو يهتف باسمها بصوت اعلى فوجدت نفسها تجيب على جدها بصوت خائف:
_حاضر ياجدو ثانية هلبس هدومي
رأت ” علي ” ينظر لها بعينان متسعة من الدهشة على ردها، فهتفت بحيرة:
_إيه عايزني أقوله إيه؟!.. مش احسن ما يدخل ويشوفك
علي ساخرًا بنفاذ صبر:
_عشان لو دخل وشافني يبقى اتمسكنا بالجرم المشهود وأنتي بتقوليلوا بلبس هدومي
كانت على وشك البكاء من فرط الخوف والتوتر وصاحت به مغتاظة:
_أنت إيه اللي دخلك اوضتي، أنت أصلًا مش محترم
رفع كفه في الهواء وهو يضغط على قبضة يده مغتاظًا منها ويهتف متوعدًا لها:
_ما انتي لو تبطلي نشفان الراس ده وتسمعي الكلام مكنش ده حُصل، بس ماشي ياغزل أنا هربيكي نطلعوا بس من المصيبة اللي ورطتينا فيها دي
قالت له بارتباك شديد وغضب:
_اخلص هتستخبى فين كدا جدو هيشك
على بعصبية:
_مش عارف هو في مكان عدل اتنيل فيه، اطلع على السقف يعني ولا إيه
أمسكت بيده وجذبته معها بسرعة شبه ركضًا حتى وصلوا للحمام الصغير الملحق بالغرفة ودفعته بداخله ثم اغلقت الباب عليه، لتتركه وهو يستشيط بنيران الغيظ ويتوعد لها هامسًا باحتدام وهو يجوب الحمام يمينًا ويسارًا:
_على آخر الزمن استخبى في حمامات الأوض، ماشي ياغزل حسابك معايا بعدين أنا هربيكي من أول وچديد
***
وصل عمران للمنزل بعد يوم طويل في العمل حاول فيه نسيان مشاكله وهمومه لكنه فشل، صعد الدرج يقصد غرفته بالأعلى دون أن يلقي التحية حتى على أمه وبعدما وقف أمام غرفته ومسك بمقبض الباب، تردد في الدخول كأنه سيدخل غرفة ليست له والمرأة التي بالداخل غريبة عنه، تنهد الصعداء وحسم قراره ثم فتح الباب ودخل ولكنه لم يجدها بالغرفة، فغضن حاجبيه باستغراب وأغلق الباب خلفه ثم تلتفت حوله في أرجاء الغرفة بحثًا عنها وصاح مناديًا عليها:
_آســيا
اتجه إلى الحمام وفتح الباب وكانت ليست بالداخل، للحظة أنها خرجت مجددًا دون عمله لكن سقطت عينيه على طرف الخزانة المفتوح وبدت له من بعيد وكأنها فارغة فاندفع مسرعًا له وفتحها ولم يكن يخيل إليه بل كانت بالفعل فارغة، راح يفتش في بقية الغرفة عن أغراضها عله يجد لها أي شيء يطمئنه أنها لم تترك المنزل لكن الغرفة كلها كانت فارغة ولا يوجد أثر لها ولا لأي شيء منها، وبتلك اللحظة دخلت إخلاص الغرفة ونظرت لابنها بعبوس متصنع وهي تقول:
_مرتك هملت البيت ولمت خلجاتها وحچاتها ومشيت ياعمران

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية وبالعشق أهتدي (ميراث الحرب والغفران 2))

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *