رواية عقيق آل دورادو الفصل الخامس والعشرون 25 بقلم منة ممدوح
رواية عقيق آل دورادو الفصل الخامس والعشرون 25 بقلم منة ممدوح
رواية عقيق آل دورادو البارت الخامس والعشرون
رواية عقيق آل دورادو الجزء الخامس والعشرون
رواية عقيق آل دورادو الحلقة الخامسة والعشرون
حالة حداد ملت أرجاء المملكة لأيام، كانت صدمة مفجعة
الملك رسلان بقاله أعوام طويلة متربع على عرش المملكة اللي ازدهرت بشكل ملحوظ بسبب سياساته في الحكم، في لحظات اتحولت المملكة لضباب بعد ما كانوا بيهللوا فرحين بالانتصار اللي صابهم، خاصة إن مملكة زي ازتلان مكانتش قليلة، إنها تنضاف كولاية لمملكة إل دورادو فـ دي اضافة كبيرة جدًا!
ولكن للأسف مكانش فيه روح أو شغف إنهم يحتفلوا بالانتصار ده.
خبطت على الجناح ودخلت عليه بتردد، كعادته كان واقف في شرفة جناحه، بيتأمل الأراضي اللي قدامه بلا روح، ملامحه فقدت رونقها، حاسس بعجز وقهر بيتملكوا منه، بقاله أيام سارح في ملكوت تاني، لولا وجود الوزير الأكبر وقائد الحرس كانت المملكة انهارت
اتأملته هي بحزن، واتجهت ناحيته، مكانش حتى حاسس بإنها دخلت، الألم اللي جواه وصوت عقله كانوا أعلى وأكبر من أي صوت حواليه، بحركتها المعتادة ضمته من ضهره وهي بتلف إيديها حوالين خصره وبتسند راسها على ضهره وهي بتتنهد بألم، كإنها بتحاول تسحب كل الألم اللي جواه داخلها، فضل صامت هو شوية ومتحركش من مكانه، فبعدت هي ولفت لحد ما بقت قدامه، واحتوت وشه بين إيديها واجبرته يبصلها، لوهلة انتفض قلبها من نظرته اللي صابتها في صميمها، دموعه المحبوسة ونظرة العجز اللي ظاهرة فيها كإنه طفل صغير فقد أمانه، ولكنها حافظت على قوتها علشان ميضعفش أكتر، وهمست_بدر حبيبي
أرجوك اخرج من حالتك دي
فيه ناس كتير محتاجينك
المملكة
وشعبك
حتى أنا، أنا كمان محتاجاك يا بدر!
فضل باصصلها شوية، ورفع إيده نزل إيديها من على وشه بهدوء، ولف وشه تاني وهو بيقول_مبقاش فيه وجود لبدر
بدر أصبح بلا روح
ولكنها اتشبثت بيه أكتر وهي بتقول بدموع_أديك روحي يا بدر
بس ترجع تاني، ترجع بدر القوي الشامخ، ترجع الملك القوي اللي يليق بالمملكة اللي سابهالك الملك رسلان
تفتكر هو هيكون سعيد بحالتك دي؟
بدر المملكة هتنهار لو مفوقتش، كل اللي عمله الملك رسلان طول السنين دي هيضيع
أرجوك متخليهوش حزين عليك!
ضم قبضة إيده وهو بيحاول يتمالك نفسه، وهمس بصوت متحشرج من تأثير مشاعره_ليه عملت فينا كده؟!
ليه مسابتش ولو ذكرى واحدة كويسة ليها!
حتى مكتفتش بإنها تحرمني منها، حرمتني من الملك كمان!
حرمت الشعب من ملكهم العظيم
دمرت قوة مملكة كاملة!
سقطت دمعة منه خانته فمسحها بسرعة بدراعه، ضمته ضي القمر بكل قوتها وهي بتقول بإصرار_المملكة متدمرتش
وعمرها ما هتدمر، الملك رسلان ساب وراه ولي عهد قوي يقدر يمسك زمام الأمور، هو متأكد إنك هتكون جدير بالمملكة دي
خليك قد ثقته فيك وأقف على رجلك يا بدر
عشان خاطر شعبك!
وخاطر باباك..
لف دراعه حوالين خصرها، ودفن وشه في تجويف رقبتها، ضمها بقوة وكإنه عايز يخليها ضلع تالت ليه، بيحاول يستمد قوته منها، من بين أنفاسه الساخنة اللي كانت بتلفح بشرتها همس بصوت ضعيف_متسيبينيش يا ضي القمر
أرجوكي
أنا مبقاش ليا غيرك!
ملست على خصلات شعره الفاتحة، كانت عيونها مليانة دموع، احساس بالعجز مراودها هي كمان، ازاي هتقدر تسيبه، لازم تضحي بعالم من العالمين، ولكنها فضلت الصمت الفترة دي ورددت_مش هسيبك يا بدر، معاك يا حبيبي…
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بخطى بطيئة دخلت للزنزانة اللي في مملكة إل دواردو
كان فيها عدد من الجنود اللي أسروهم هنا بقالهم أيام
ولكنها اتجهت بقلب مكلوم لزنزانتين جمب بعض، اللي كانت واحدة فيهم من نصيب رئبال والتانية من نصيب داريا اللي علاقتهم انهارت تمامًا بعد اللي حصل
وقفت الملكة آريا بين الزنزانين تتأمل حالة أولادها الرثة بحزن شديد، مكانتش تتخيل إنهم يتحطوا في الوضع ده، ولكن ضرغام هو اللي وصلهم بكده لما غدر بيهم عشان زمرد!
كان رئبال قاعد مكانه على الأرض، يدوب رفع عيونه ليها بصلها بنظرات جامدة مفيهاش مشاعر بعدين اتلفت بوشه للناحية التانية، أما داريا فقامت قربت من الزنزانة وهي بتقول_ماما
ماما ارجوكي خرجيني من هنا، مش هقدر أفضل هنا وقت أطول!
شاورت الملكة آريا في الوقت ده براسها للحارس اللي اتحرك بسرعة وفتح أقفال زنزانة داريا، وقفت مكانها مدهوشة مش مصدقة نفسها، سرعان ما خرجت بسرعة وحضنت والدتها اللي ضمتها وهي بتستنشق خصلاتها بحنان أم كان قلبها مكلوم على صغيرتها
بعدت عنها داريا اللي انهارت في البكا وهي بتقول_أنا قتلته بإيدي يا ماما
قتلت بابا بإيدي
قتلته!
كانت بتقولها وهي رافعة كفوفها اللي كانوا بيرتجفوا بعنف قصاد مرمى بصرها، فمسكتها الملكة آريا واحتوتها وهي بتقول_متلوميش نفسك يا داريا، ضرغام اللي عمل فينا كده لما فضّل الساحرة علينا
ولكن داريا انهارت أكتر وقالت_أنا مكنتش مصدقاكي
قولت إنك خونتينا
لحد ما شوفتهم بعيني يا ماما، شوفتهم، محستش بالغضب اللي جوايا وقتها و
قتلته!
جذبتها الملكة آريا وضمتها بقوة وهي بتملس على خصلاتها وبتنقل ببصرها على رئبال اللي كان ساكن تمامًا وبتردد_بس اهدي يا حبيبتي
خلاص إحنا هنبدأ من جديد
هنرجع المملكة ونمارس حياتنا الطبيعية ولا كإن حاجة حصلت
صدرت عن رئبال ضحكة مليانة سخرية لفتت نظرهم فالتفتت داريا ليه، أما هو فقال_قصدك المملكة اللي بقت تحت سيطرة إل دواردو؟
بصتله الملكة آريا بقوة وقالت_كان بيني وبين الملك رسلان اتفاق وبدر مش هينقضه، المملكة هتكون تحت حكمي ولكن منضمة شكليًا لمملكة إل دواردو
يعني من الآن مملكة ازتلان ومملكة إل دورادو شركاء ومفيش بينهم عداوة
وده اللي كان المفروض يحصل من زمان
رفع حاجبه بسخرية وقال_ده مكانش رأيك زمان يا جلالة الملكة!
بصتله بضيق وردت_فيه حاجات كتير اتغيرت يا رئبال وأنتَ مش واخد بالك
اتغيرت من يوم ما فضّل ضرغام الساحرة علينا
قام وقف واتحرك ببطئ لحد ما وقف قدامها وهو رافع راسه بكبرياء وقال_وبالنسبة لمصيري يا جلالة الملكة
ولا هتحضري حكم اعدامي بنفسك؟!
اتهزت الملكة آريا لوهلة، ولكنها اتكلمت بقوة_الملك بدر قرر يعفو عنك، ولكنك هترجع على مملكة بريتيا مع جدك، هتكون تحت حراسة مشددة هناك عشان نضمن إنك مش هتتصرف بشكل غير مقبول
واعتقد أنتَ عارف أوامر جدك الصارمة اللي متقبلش نقاش
بصلها بضيق شديد وقال وهو بيرجع عشان يقعد تاني ببرود_مش عارف أودي وشي فين من كرم…جلالة الملك!
نهى كلامه بسخرية، كان متضايق من جواه بشدة إن بدر أصبح الملك بالفعل، ولكن مفيش باليد حيلة، هو أصبح تحت سلطة جده اللي مش هيتهاون معاه نهائيًا خاصة إن قوانين مملكة بريتيا صارمة بشكل كبير وجده شخصية حازمة
رمقته الملكة آريا بنظرة أخيرة بحزن، كان نفسها تضمه على الأقل، ولكنه أشاح بوشه للناحية التانية برفض قاطع ليها معلنًا عن عدم تقبله، فاتنهدت باستسلام واحتوت كتف داريا ومشيت بيها لبرا
كان بدر واقف مع ضي القمر مستنيها بجانب العربة اللي هتقلهم، اتجهت ليه الملكة آريا اللي ابتسمتله وهي بتقول بامتنان_بكرر شكري ليك يا جلالة الملك
صدقني مش هنسى اللي عملته مع أولادي
بصلها بقوة وقال_اتمنى نفضل على اتفاقنا يا جلالة الملكة، أظن خسرنا كتير بما فيه الكفاية
بسطت كفها على صدرها وقالت بصدق_بأكدلك إني مش هقوم بأي حركة غدر
وعدي للملك رسلان بكرره ليك
هز بدر راسه بهدوء فوجهت نظرها لضي القمر اللي كانت واقفة تتابع اللي بيحصل بصمت وابتسمتلها وهي بتحييها بهدوء وبعدها صعدت لعربتها ووراها داريا اللي رمقتهم بنظرة أخيرة بعد ما ادركت خسارتها تمامًا
وبالفعل اتحركت عربة الملكة آريا لمملكة ازتلان بصحبة حراسة مشددة، وبعدها خرج جنود مملكة بريتيا اللي كانوا بصحبة رئبال المقيد ودخلوه للعربية بالاكراه بعد ما كان بيوجه نظرات قاتلة لبدر اللي متهزش، اتحركت نظراته لضي القمر فتلقائيًا افتكرت محاولته لقتلها واتشبثت بدراع بدر بخوف اللي احتواها عشان يطمنها، وبعدها اتحركت عربة رئبال العائدة لمملكة بريتيا
بعدها بدر عنه، في حين باصص لعيونها مباشرة، رفع اطرافه يملس على خدودها برقة وهو بيقول_متقلقيش، رئبال مبقاش فيه خطر منه، استحالة يقدر يقربلك تاني
رفعت إيديها وثبتتها على دراعه اللي على وشها وهي بتقول بابتسامة_عارفة، أكيد بعد الانتصار الكبير اللي حققته استحالة حد يقدر يخترق حدود إل دواردو
اتنهد بألم وقال_رغم الانتصار الكبير، بس الخسائر مكانتش تقل عنها..
ضمته وهي بتقول_مينفعش انتصار من غير خساير
لازم يبقى فيه أثر نفتكر بيه اللي بذلناه عشان الانتصار ده
عشان نحكيها للأجيال الجاية…
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
دخلت جناحه ووقفت تتأمله بإنبهار بثوبه الملكي، بداية من السترة اللي مصنوعة من الحرير ومطرزة بالذهب والأحجار الكريمة، والبنطال الواسع، ده غير الوشاح اللي على ضهره واللي كان مطرز برضه بالأحجار الكريمة كعادة ملابسهم، اتلفت ليها في الوقت ده، مكانتش تقل جمالًا بل بالعكس قدرت إنها تسلب أنفاسه، بفستانها الضخم اللي باللون الذهبي المطرز بالأحجار الكريمة وبفتحه صدر مش واسعة بشكل كبيرة والأكمام المخروطية الشكل، سابت شعرها مفرود على جنب واحد في حين على راسها وشاح بتاج صغير بنفس لون الفستان، وزينت رقبتها بعقد عقيق وبعض المجوهرات اللي كانت مصنوعة من العقيق برضه واللي اختارتهم بعناية
قرب منها مسلوب الإرادة، واحتوى خصرها يقربها منه وهو بيهمس بوله_آآه من سحرك يا ذات عيون الزبرجد!
رغم حالة الرومانسية اللي كانت فيها إلا إنها عقدت حواجبها بتعجب وهتفت_الـ إيه عدم اللامؤاخذة؟!
بصلها بصدمة شوية، وبعدين بعدها عنه وهو بيمسح على وشه بنفاذ صبر، فضحكت هي على شكل وشه بعد ما كان متأثر بشكل كبير في هالتها ولكنها قدرت بكل بساطة تفصله!
على مظهرها لانت ملامحه وضحك رغمًا عنه، فقربت هي منه وعدلت من الوشاح اللي على كتفه وقالت_جاهز؟
مسك كفها ورفعه قبل باطنه برقة وهو بيقول_طول ما أنتِ معايا..
ابتسمت برقة على غزله اللي اتعودت عليه منه، دق الباب في الوقت ده ودخل قائد الحرس اللي انحنى وقال_مولاي
الجميع في انتظارك
هزله راسه فابتسمله قائد الحرس وخرج، أما بدر فوجه نظره لضي القمر اللي شجعته بعيونها بنظرة فخر بتشع من عينيها، أخد نفس عميق وعدل من هندامه ورفع راسه بشموخ يليق بيه، وبعدين اتحرك لبرا وضي القمر وراه باصة لضهره بفخر كبير
صعدوا لأعلى قاعة المملكة اللي كانت بتطل على ساحة القصر الملكي واللي كانت بتعج بالشعب كله تقريبًا اللي أول ما شافوا بدر فضلوا يهتفوا باسمه بفرحة شديدة، رفع بدر إيده ليهم وهو بيحييهم بوقار، دقت الطبول في الوقت ده فسكت كل الموجودين
اتقدم واحد من الحراس اللي كان شايل وسادة مخملية حمراء اللون عليها تاج الملك رسلان، وقف قصاد بدر اللي اتملت عيونه بحنين ومد إيده يملس على التاج بحزن وفخر في نفس الوقت، هو الذكرى اللي باقية من والده وتراثه ولازم يحافظ عليه ويبقى قد ثقته، مسكه بين إيديه الاتنين ورفعه حطه على دماغه، وفي الوقت ده صدر صوت الوزير الأكبر اللي هتف_الملك بدر رسلان
ملك مملكة إل دورادو العظمى
في الوقت ده ارتفع صوت الهتاف من جميع الشعب اللي كانوا بيصفروا ويهتفوا باسمه ويطبلوا بفرحة شديدة، أما ضي القمر فكانت واقفة بتصقف هي كمان بحماس وعيونها بتدمع بفخر شديد، اتلفت ليها بدر في الوقت ده وهو باصصلها بامتنان، وفجأة جذبها ليه خلاها تقف جنبه وسط صدمتها الشديدة من حركته وهي بتتأمل هتاف الجميع باسمهم، فرفعت أنظارها ليه بعيون مليانة حب..
كانت واقفة من على بُعد بتتفرج عليه وهو بيسلم على الملوك اللي جم يهنئوه وعلى وشها ابتسامة واسعة، حست بحركة جمبها، فاتلفتت براسها وهي متوقعة مين، كان سلطان واقف جنبها وهو مثبت نظره على بدر وقال_واقف بشموخ يليق بملك فعلًا
بصتله بسأم ورددت_احسده بقى يا سلطان
ما هي ناقصاك أنتَ وضفدعتك!
صدر صوت معترض من الضفدعة على كلامها، فوجهت ضي القمر كلامها ليها وقالت_عارفة يا بتاعة أنتِ
لولا إنك عملتي جميلة فينا وخلصتينا من زمرد كنت رميتك لبجاسوس خليته يلعب بيكي كورة!
بصتلها الضفدعة بامتعاض، فضربت ضي القمر كف على كف وهي بتقول_والله ما عارفة أنتِ ضفدعة ولا بني آدم مسخوط!
اتكلم سلطان في الوقت ده بنبرة ذات مغزى_سيبك من الضفدعة يا ضي القمر
الاختيار قدامك بقى صعب دلوقتي
وحان الوقت إنك تقرري
هل هتفضلي إلى جانب الملك بدر وتكوني ملكة تليق بمملكة إل دورادو
ولا هتختاري عالمك الحقيقي
القرار ليكي..
قال جملته وسابها ومشي، كانت واقفة تايهة وهي مثبتة عيونها على بدر، الاختيار بالفعل صعب، واللي قالقها أكتر إنها بقالها أيام كتيرة مرجعتش لعالمها واللي أكيد عدى وقت كبير هناك، متعرفش إيه اللي ممكن يحصل لما تكتشف جدتها اختفائها.
لقت نفسها بتسيب الحفل كله وبتتجه لجناحها، طلعت كتاب عقيق المفضل من تحت مخدتها، واتجهت بيها للنافورة اللي سبق واتلاقت كتير هي وبدر فيها، قعدت على طرفها وابتدت تفتح الكتاب اللي كان بيتكلم على العوالم المختلفة والبوابات اللي بتنقل الأشخاص ولكن ملقتش أي حاجة ممكن تفيدها في الأزمة دي
قلبت في صفحات الكتاب بمملل وعجز ولكن لفت نظرها كتابة على أحد الصفحات، فرجعت ليها تاني، اكتشفت وقتها إنها كتابة بخط عقيق اللي كانت سايبة فيها كلام يعبر عنها وبيقول..
“الوطن
ماهو؟
أرض ترتكز عليها بقدميك؟
منزل بفراش وثير تلقى بجسدك عليه
أم شخص تراه كل ما سبق؟
الحقيقة كان الصراع دائرًا
حتى رأيتك فيها، فعلمت أن الوطن ما هو إلا المكان الذي تجد به نفسك
وأنا وجدت نفسي بعينيك
وأدركت أنك أنتَ وطني..”
انتهت الحفلة وفضل يدور بعيونه عليها لحد ما لقاها قاعدة على طرف النافورة باصة للقمر اللي كان في تمامه، قرب منها بخطوات بطيئة وقعد جنبها، اتلفتت ليه براسها في الوقت ده، فشافته بيتطلع ليها بعيون لامعة.
سكتت شوية وبعدين اتكلمت بابتسامة بسيطة_إيه هو الوطن بالنسبالك؟
رغم غرابة سؤالها إلا إنه رد_الوطن هو المكان اللي اتربيت فيه، المكان اللي حبيته من كل قلبي وروحي بقت فداء ليه، الوطن هو حب شعبي ليا، الوطن هو أنتِ برضه يا ضي
المكان اللي بحس إني أنا فيه، إني محبوب كبدر قبل ما أكون ملك.
حست بقلبها بينتفض في الوقت ده مم كلامه اللي أثر فيها، ولكن اتحولت نظراتها للحزن ونزلت راسها للأرض، مد إيده هو ليها ورفع وشها ليه برقة وقال_مالك يا ضي
اترددت شوية قبل ما تقول_محتاجة اقولك حاجة
رد بلطف_كلي آذان صاغية
عبثت بإيديها بإرتباك واضح وشحب لونها من التوتر، كان منتظر هو على أحر من الجمر وهو عارف إنها هتقوله على سر البحيرة الغريب، رفعت عيونها ليه وقالت_أول يوم جيت فيه المملكة، وقولتلكم فيه إن السلسلة دي تخص جدة أم جدتي
ضحك بدر في الوقت ده وقال_آه ورجعتي تقولي إن عقيق هي جدة أم جدتك!
سكتت شوية وبعدين قالت بجمود_الكلام ده صحيح يا بدر
عقد حواجبه باستغراب وقال بعدم فهم_عفوًا؟!
أخدت ضي القمر نفس عميق وبعدين قالت_عقيق جدة أم جدتي فعلًا يا بدر، أنا مش من العالم ده، أنا من عالم تاني يختلف تمامًا عن العالم اللي هنا، السلسلة اللي أنا لابساها دي هي البوابة اللي بتنقلني لهنا
كان حاسس بعدم استيعاب من الكلام اللي مكانش منطقي تمامًا بالنسباله، فهز راسه بذهول وهو بيقول_أنتِ بتقول إيه؟
عقيق جدة أم جدتك ازاي وهي من عمر الملك؟!
وعالم إيه اللي بتتكلمي عنه؟!
قربت منه واحتوت كفه وقالت_صدقني يا بدر، أنا مش من هنا فعلًا، العالم بتاعي الزمن فيه مختلف عن هنا، السنة هنا عدد أيامها كتيرة جدًا عكس هنا، عمر الملك اللي بتتكلم عنه بالنسبة لهناك عدى قرون
حرفيًا عقيق تعتبر جدتي الكبيرة اللي مشوفتهاش ولا عرفتها ولا ليها صورة حتى
أنا يدوب عرفت اسمها بالصدفة من جدتي
ابتدى يستوعب الموضوع، هو بالفعل كان فيه حاجة مش منطقية، كان حاسس إنها غريبة عنهم
كلامها وتصرفاتها وملابسها
كإنها فعلًا مش من عالمهم، فبصلها بصدمة وهو بيقول_عشان كده كنتي بتدوري على السلسلة باستماتة؟!
هزت راسها من غير ما ترد، رمش كذه مرة بذهول وردد_والبحيرة!
شوفتك…
قاطعت كلامه وقالت_بتتفتح بوابة في البحيرة بترجعني للعالم بتاعي
واللي اكتشفته إن البحيرة دي هي اللي الساحر رمى فيها السلسلة من أعوام فنشأ عن سحرها بوابة بتنقل بين العوالم
فقال بنفس الذهول_يعني عقيق وقت ما اختفت كانت رجعت لعالمها وسابت السلسلة دي أثر بتتوارثوه بين بعض؟
طب ازاي محدش من اجدادك ظهر بعدك!
رفعت اكتافها وهي بترد_السلسلة بتختار اللي تلبسها يا بدر
وأنا كنت المُختارة
سكت بدر تمامًا وفضل باصص قدامه بصدمة كبيرة اتملكت منه، حست هي بيه، فضمت كفه ليها وهي بتقول_بدر أنا قررت اعترفلك لإن الاختيار صعب بالنسبالي، مش قادرة اسيبك وفنفس الوقت مش قادرة ابعد عن العالم بتاعي، عن جدتي والناس اللي شبهي
بمجرد ما اتجوزك هتتقفل البوابة ومش هقدر ارجع لهناك
صدقني الوضع صعب بالنسبالي
لوهلة خفق قلبه بقوة فغمض عينه بألم وهو بيبلع ريقه، وبعدين فتح عيونه وبصلها بضعف وهو بيقول_يعني هتمشي؟
قامت وقفت وقربت منه بسرعة وهي بتضمه بقوة وبتقول_مقدرش اسيبك يا بدر
أنا هفضل معاك، ولكن هفضل خليلتك مش زوجتك
لحد ما ألاقي حل للمعضلة دي!
رفع بدر إيده، وضمها ليه وهو باصص قدامه بعجز وصدمة في نفس الوقت، مكانش مستوعب اللي بيحصل
الظاهر إن كلام الكتب والاساطير كان حقيقي
فيه حاجات كتيرة مختلفة غايبة عن عينه…
اتحرك معاها جهة البحيرة وهي ساحباه من إيديه، وهو ماشي وراها بصمت تام، وقفوا هما الاتنين يبصوا لانعكاسهم في الماية
وجهت ضي القمر أنظارها ليه، واتشبثت بإيده كويس، وبعدين نطت بصحبته في قلب البحيرة وسابت نفسها
كان بدر مسلط عيونه عليها، اتحركت هي بعشوائية وضمته من تحت الماية، وبعدها بعدت عنه تحت أنظاره، وفي لحظات صدر شعاع قوي من السلسلة لدرجة إنه عجز عن النظر، فغمض عيونه من شدته، ولما فتحها تاني لقاها اختفت من قدامه، فاتلفت حواليه بلهفة ولما ملقاهاش طلع للسطح وهو بياخد أنفاسه الضايعة من صدمته، وعلى بُعد كان سلطان واقف بيراقب اللي حصل وعلى وشه ابتسامة سعيدة، بص لضفدعته وقال_الأسرار كلها كان لازم تنكشف
ولكن برضه مسير النبوءة تتحقق..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
شهقت بعنف وهي بتكح من الماية اللي دخلت في أنفها، اتعدلت وهي بترفع شعرها اللي نزل على عينيها من الماية، وبالطبع كان سريرها غرقان كالعادة، ولكنها انتفضت على صوت جنبها بيهتف بصدمة_ضي القمر!
اتلفتت على صوت جدتها اللي كانت قاعدة على الكرسي في غرفتها وكان باين عليها البكاء، قربت جدتها منها بذهول وهي شايفة حالتها، واحتوت كتفها وهي بتقول_أنتِ
أنتِ ازاي؟!!
من الصدمة عجزت عن إنها تكمل السؤال، هي بقالها يومين تقريبًا قاعدة هنا في غرفتها بتبكي على غيابها بعد ما لقتها اختفت مرة واحدة من غير أثر، سألت كل أهل البلد عنها، لفت في الشوارع تدور عليها، حتى بلغت الشرطة باختفائها ولكن مكانش فيه أي أثر ليها
ادركت ضي القمر في الوقت ده إن خلاص مبقاش فيه مجال للأسرار، زي ما كشفت الوضع لبدر
لازم تعرف جدتها سر التراث
فقربت منها فاتراجعت جدتها لورا بخوف، مسكتها ضي القمر من إيديها وقعدتها على الكرسي، وقعدت قدامها على الأرض على ركبتها وقالت_هفهمك…
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أيام قليلة قضتها بتتنقل بين عالمها والمملكة ، رغم حزن بدر من عجزه عن اتمام زواجهم ولكن كان كفاية عليه إنها جنبه، في كل مرة كانت بتعود ضي وهي معاها حاجة جديدة بتوريهاله من عالمها وسط اندهاشة بالتطور اللي وصلوله هناك
كانت جدتها ما زالت مش مستوعبة الوضع، أو يمكن فسرت ده بإن موت والدة ضي أثر على عقلها
ولكن في كل مرة كانت بتجيبلها ضي القمر اثباتات ولكنها برضه لا زالت مش مصدقة رغم الدلائل
لحد ما انتكست جدتها تاني، واضطرت تقعد ليالي طويلة جنبها في المستشفى عجزت فيهم إنها تسيبها وترجع للمملكة
لحد ما في النهاية خسرت آخر فرد في عيلتها
قضت أيام العزاء وحيدة، أهل البلد بييجوا يعزوها ويفضلوا معاها لحد وقت متأخر وبعدها يسيبوها ويرجعوا لحياتهم، كانت هي حاسة بالصدمة، طول الأيام دي قاعدة على الكرسي بتراقب الوضع من حواليها بملامح جامدة تمامًا
متخيلتش إنها تبقى وحيدة بالشكل ده
بالفعل أدركت إن مبقاش ليها وجود هنا
وبعد انتهاء أيام العزاء، وقفت تتفرج على البيت لآخر مرة اللي بقى بدون جدتها، سابت جواها ألم كبير
في البداية خسرت والدها وبعدين والدتها وفي النهاية جدتها كمان استسلمت للمرض!
اتحركت وقفلت باب البيت بالمفتاح والقفل من جوا، واتأكدت من قفل الشبابيك كلها
طلعت لغرفتها وهي بلا روح، طلعت الصندوق بتاعها، ولبست السلسلة اللي ومض رمزها بقوة، وبعدين شالت صورة جدتها وصورتها مع مامتها وحطها في الصندوق، واتحركت اتمددت على السرير وهي بتغمض عينيها، ورغمًا عنها نزلت دموعها من الحزن..
كان حاسس بالخوف والقلق عليها، بقالها أيام مجتش لدرجة إنه افتكر إنها سابته خلاص
الاحساس بالنسباله كان مميت
هو معتبرها كل عيلته دلوقتي
مش هيقدر يتحمل خسارتها هي كمان.
كان واقف في ساحة القصر وهو بيتكلم مع قائد الحرس ولكن ببال مشغول، لحد ما شافها داخلة بحالة لا يرثى لها، ملابسها تتشح بالسواد، عيونها منفوخة من البكاء، ووشها شاحب تمامًا
ساب قائد الحرس وجري ناحيتها ضمها ليه بقوة وهو بيهتف_ضي القمر
إيه الغياب ده كله
ليه تقلقيني عليكي بالشكل ده؟!
رفعت عيونها ليه بتراقب لهفته، وبعدها رفعت إيديها واحتوت خده وهي بتبصله بحنان، وقالت_بـدر
همهم بلهفة منتظر كلامها، فابتسمت ابتسامة خفيفة وقالت_بحبك
اتبدلت نظراته للسكينة وهو بيبصلها بعذاب، مش قادر يقرب منها بسبب الحاجز اللي بينهم ولكن مش عايز يبقى أناني ويبعدها عن أصلها، ولكن ما أدركش إنها خلاص كانت أخدت قرارها، بعدت عنه وحطت الصندوق على الأرض، وبعدين قلعت السلسلة وحطتها بين قبضته وقفلت عليها، بصلها بدر بدهشة وعيون متسعة، وهمس بعدم استيعاب_ضي القمر!
ابتسمتله في الوقت ده وهي بتهز راسها كتأكيد ليه على اللي في باله، فبلع ريقه بارتباك وقال_وموطنك؟!
احتوت وشه الاتنين بين إيديها وقالت بعشق جارف_أنتَ موطني….
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في النهاية أدركت إن الوطن مش كلمة توحي بمكان
ولكن باحساس
احساس الراحة والطمأنينة
احساس إنك لقيت نفسك، احساس إن ده مكانك!
وزي ما قالت عقيق، أدركت إن وطني في عيونه
سطرت آخر كلامها في كتاب عقيق وقفلته وهي قاعد على العشب وساندة ضهرها على الشجرة، وهي بتراقب بدر اللي بيلعب مع بجاسوس ورسلان
ثمرة حبهم الصغيرة اللي جت ملت عليهم حياتهم
نزل رسلان من على بجاسوس اللي كان يشبه لحد كبير باباه بشعره الفاتح ولكنه كان واخد نفسه عيونها الواسعة الخضراء، جري ناحيتها وهو بيقول_ماما
بابا بيقولي إني لما أكبر هبقى ملك عظيم
ابتسمت بحنان وهي بتنقل نظرها بينه وبين النسخة الكبيرة منه واللي قرب منهم بخطى بطيئة وهو بيتأملها بحب، رفعت إيديها واحتوت خد صغيرها وقالت_متأكدة إنك هتبقى ملك عظيم زي والدك بالضبط
ضحك رسلان وهو بيصقف بفرحة، فوقفت ضي القمر واتجهت ناحية بدر اللي احتوى كتفها وهما بيتابعوا صغيرهم اللي كان بيلعب مع بجاسوس
رفعت عيونها ليه في الوقت ده، فاتقابلت نظراتهم بحب نقي حتى الزمن مقدرش يطفيه، وهمست برقة_موطني أنتَ…..
أنا ضي القمر
ودي كانت حكايتي…
تمت
لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية عقيق آل دورادو)