رواية وابقى بدون لقاء الفصل الخامس 5 بقلم حور طه
رواية وابقى بدون لقاء الفصل الخامس 5 بقلم حور طه
رواية وابقى بدون لقاء البارت الخامس
رواية وابقى بدون لقاء الجزء الخامس
رواية وابقى بدون لقاء الحلقة الخامسة
المراه بصوت متقطع، وكأنها تحاول أن تقاوم، لكن كلماتها تكشف ضعفها::”يعني لازم…؟”
الـ ـدجال يقترب منها أكثر، وكلماته تخرج وكأنها تعويذة تسلب إرادتها::”لازم… وإلا كل اللي عملتيه هيروح. وعمرك كله هيبقى في الهوا… إنتِ عايزة القوة؟ عايزة تنتقمي؟ لازم تدفعي الثمن… واللي أنا بطلبه مش مجرد جسد، ده قربان لازم يتقدم من القلب… ومن الجسد.”
المراه بهمس::”موافقه…”
الـ ـدجال بصوت عميق، يلتف الـ ـدخان حوله وكأن الطقوس بدأت::”إذن… تعالي.
المراه تتقدم نحوه ببطء، عيناها مترددة لكن مشدودة إليه كأنها مغناطيس، وكأنها فقدت قدرتها على التراجع::”أنا مش عايزة أضيع كل حاجة… مش قد الخسارة.”
الـ ـدجال يمد يده نحوها، يلامس وجهها بأصابع خشنة كأنها أفاعٍ تزحف على جلدها::”الطريق بدأ، وانتي اخترتيه. مفيش رجوع دلوقتي. كل خطوة بتاخديها نحوي بتقربك من اللي إنتِ عايزاه.”
المراه بهمس مرتبك::”أنا بس عايزة حقي… عايزة كل اللي ضاع مني يرجع.”
الـ ـدجال صوته يزداد خشونة ورهبة::هيرجع… بس الجسد لازم يندمج مع الروح… دي قوانين الكون، ما ينفعش تكسريها. الطقوس دي أقدم من الزمان، وأنا مجرد الوسيط. هتنالي القوة، لكن لازم أكون أنا الباب اللي تعدّي منه.”
المراه بيدين مرتجفتين وهي تحاول أن تقنع نفسها::أنا مش حاسة إني عندي اختيار…”
الـ ـدجال يهمس في أذنها، يتسلل إلى أعماقها::”الاختيار بقى من زمان مش في إيدك… انتي جيتي لي بإرادتك، وقدمتِ كل شيء. ما فضلش غير التضحية الأخيرة… وكل اللي حلمتي بيه هيبقى ليكي. هنبدأ دلوقتي.”
المراه بهمس خافت يكاد لا يُسمع::”اعمل اللي لازم تعمله…”
الـ ـدجال يبتسم بشفاه ملتوية ويشير بإصبعه نحو دائرة غامضة مرسومة على الأرض، تحيطها رموز وطلاسم. يبدأ بترتيل كلمات غير مفهومة، والـ ـدخان يتكثف من حولهما::”اركعي هنا، وقدمي نفسك للطقس… اللحظة دي هتغير كل شيء.”
المراه تنظر إلى الدائرة، تشعر بشيء يجذبها بقوة خارجة عن إرادتها، تدخلها ببطء وتقع على ركبتيها، عيناها مغلقتان كأنها تستسلم لمصيرها::”خلصني…”
الـ ـدجال صوته يصبح أكثر عمقًا وتهديدًا، يتردد صداه في الغرفة وكأنه قادم من عالم آخر::”كل شيء له ثمن… والتضحية الكبرى بدأت الآن.”
الشموع المحيطة تتراقص بشكل أعنـ ـف، والـ ـدخان يلتف حول جسدها كأنه يبتلعها، في حين يرفع الـ ـدجال يديه في الهواء، وكلماته الأخيرة ترن كأنها نهاية عهد وبداية عهد جديد.؟
************************
في غرفة هادئة داخل منزل والدها، كانت بشرى تجلس على طرف السرير، تنظر من النافذة التي تُطل على الحديقة، والهاتف بيدها يهتز بخفة. أخذت نفساً عميقاً قبل أن تتحدث بصوت متردد:: “حبه في قلبي كان أكبر من أي جـ ـرح يا كاميليا، لكن؟…”
كاميليا على الطرف الآخر، بصوت مليء بالدفء والحنان:: “يا حبيبتي، قلتلك قبل كده إنك بتحبيه. أسر ما عملش كده إلا عشان خايف عليكِ.”
بشرى، بابتسامة باهتة تخفي خلفها مزيجاً من الألم والحيرة::”بحبه، بس مشاعري لسه متلخبطة. طلبت منه يسبني عند بابا يومين… عشان أفكر، أفهم أنا فين من كل ده.”
كاميليا بصوت هادئ ومتفهم:: “فهمك يا بشرى. أحيانًا بنحتاج نبعد شوية عشان نقدر نشوف الأمور أوضح. بس خلي بالك، المسافة اللي بينكوا ممكن تقويكوا أو تبعدكوا عن بعض أكتر.”
بشرى، وهي تمسك بالهاتف بشدة وكأنها تبحث عن طمأنينة من خلاله:: “هو مش فاهم.أنا كنت محتاجة إيه. لما قرر الإجهـ ـاض من غير ما يسألني، حسيت إني اتكسـ ـرت. حتى لو كان خايف عليَّ، كان لازم أكون جزء من القرار ،ده.”
كاميليا بتنهيدة عميقة::”أسر عمل اللي افتكر إنه صح، لكن برضه أنا معاكِ… كان لازم يبقى في حوار بينكم. يمكن ده الوقت المناسب عشان تقعدوا وتتكلموا بصراحة.”
بشرى، وهي تمسح دمعة سالت بهدوء على خدها::عارفة يا كاميليا، أنا مش هقدر أنكر إني لسه بحبه. بس اللي حصل خلاني أشك في قدرتنا اننا نكمل. يمكن المسافة دي فعلاً تبقى اختبار لينا.”
كاميليا، بصوتها اللطيف المليء بالأمل::”ممكن يكون كده، وده مش غلط. أحيانًا بنحتاج نعيد ترتيب مشاعرنا، ونواجه بعض الحقايق اللي كنا بنهرب منها. أهم حاجة إنك تبقي صادقة مع نفسك.”
بشرى، وهي تنظر إلى السماء من النافذة وكأنها تبحث عن إجابة:: “يمكن… لكن مش عارفة هقدر أرجعله زي الأول ولا لا. كل حاجه بقى مختلف.”
كاميليا بابتسامة مشجعة:: “لو الحب حقيقي، هتلاقوا طريقكم لبعض. بس إدي نفسك الوقت اللي محتاجاه، والأهم… متخليش الخوف هو اللي يقرر بدالك.”
بشرى تمسح دموعها وتتنفس بعمق، محاولة استعادة هدوئها::”هحاول يا كاميليا، هحاول أكون قوية.”
كاميليا بلطف::”وأنا معاكِي في كل خطوة، مش هسيبك.”
**********************
بعدما أغلقت كاميليا الهاتف مع بشرى، جلست على الأريكة وهي شاردة بأفكارها. كانت تشعر بثقل كلمات صديقتها وتدرك أن ما تمر به بشرى ليس سهلاً. فجأة، قاطع تفكيرها صوت ابنتها شهد وهي تنزل السلم بخفة..
شهد (13 سنة) بابتسامة::”ماما، أنا نازلة السنتر عندي درس.”
كاميليا، بلمحة حنان واهتمام::”طيب يا حبيبتي. كلميني أول ما توصلي عشان أطمن.”
شهد وهي ترتدي حقيبتها: “حاضر يا ماما.”
في هذه اللحظة، دخل كارم مبتسمًا، ينظر إلى ابنته بفخر::”حبيبة بابا… الدكتورة شهد كارم!”
شهد تضحك بخجل::”ادعيلي يا بابا، عندي امتحان مهم.”
كارم وهو يربت على كتفها::”ربنا معاكي يا بتي، وإنتِ قدها. مش محتاج أدعي، إنتِ شاطرة وتستاهلي كل خير.”
شهد تبتسم بفخر وهي تودعهم بسرعة::”شكراً يا بابا، هكلمكم أول ما أوصل.”
تخرج شهد من الباب، وتبقى كاميليا تنظر إلى الباب للحظات، غارقة في أفكارها مرة أخرى. كارم يلاحظ شرودها ويقترب منها،بهدوء::”إيه اللي شاغلك كده؟ لسه مكالمة بشرى انا عارف انت دي بتحب بشرى وبتتاثري في اي حاجه بتحصل لها؟”
كاميليا تتنهد بعمق::”أيوة، حالتها صعبة ومش عارفة أساعدها إزاي. خايفة عليها، بس في نفس الوقت حاسة إنها محتاجة تلاقي طريقها بنفسها.”
كارم بحنان::”أحيانًا اللي بنحبهم بيحتاجوا بس نكون جنبهم. مش لازم دايمًا نلاقي الحلول.”
كاميليا تبتسم له بلطف::”يمكن عندك حق… المهم إنها تعرف إننا معاها.”
كارم يقترب منها، يحاول أن يعانقها ويقبلها بلطف، لكنه يتفاجأ بها وهي تبتعد عنه بخفة، مغيرة الموضوع، بنبرة متوترة::”هقوم أحضر الغدا…”
كارم يمسك يدها بلطف، لكن بصوت حازم::”استني. ليه كل مرة أحاول أقرب منك تبعدي؟”
كاميليا تتوقف للحظة، لا تنظر إليه مباشرة، تتظاهر بالانشغال::”مش دلوقتي يا كارم… عندنا حاجات تانية أهم.”
كارم، بنبرة يشوبها الحزن والقلق::”مش موضوع الغدا أو الحاجات التانية… أنا شايفك بتبعدي عني من فترة، وإحنا عمرنا ما كنا كده. إيه اللي حصل؟”
كاميليا تلتفت أخيرًا لتنظر في عينيه، تحملق للحظات قبل أن تتنهد بعمق::”مش عارفة يا كارم… يمكن أنا اللي مش قادرة أفهم اللي جوايا. بس بجد محتاجة شوية وقت لنفسي.”
كارم، بصوت يحمل مزيجًا من الحيرة والألم::”وقت؟ إحنا متجوزين بقالنا سنين… إيه اللي محتاجه تفهميه دلوقتي؟”
كاميليا بصدق::”مش حاجة تخصك،يا كارم. حاجة جوايا… حاجات مش محلولة، وحاسه إني مخنوقة.”
كارم يراقبها بعيون قلقة، ثم يترك يدها ببطء:”طيب… لو عايزة وقت، أنا مش هضغط عليك. بس عاوزك تعرفي إني هنا، ومستنيك.”
كاميليا تنظر إليه ممتنة، لكنها ما زالت مترددة:”شكراً يا كارم…”
***********************
في غرفة المعيشة بمنزل عفاف، جلس بجانب والدته عفاف التي كانت تشغل نفسها بترتيب بعض الأوراق على الطاولة، وهو ينظر إليها بجدية..
أسر، بنبرة هادئة لكنه يحمل في صوته بعض التوتر:”ماما، بشري هترجع البيت كمان كام يوم. مش عايزك تضيقيها بكلامك.”
عفاف ترفع حاجبها وتنظر إليه بنظرة حادة، وكأنها تستنكر ما يقول: “دلوقتي كلامي أنا بقي يضايق الست هانم بتاعتك؟ بقى أنا اللي الغلطانة؟”
أسر، يحاول تهدئتها وهو يقبل رأسها بحنان: “عشان خاطري يا ماما، لو بتحبيني. بشري تعبانة، وأنا ما صدقت إنها هترجع. بلاش تضغطي عليها.”
عفاف ترد بصوت ملغوم، وكأنها تدبر شيئًا في داخلها: “حاضري يا ابني، أول ما الهانم بتاعتك تيجي مش هفتح بقي، بولا كلمه.”
ثم تلتفت نحوه بابتسامة خبيثة: “بس وحياتك عندي، هتسيبك تاني، هتيجي. ساعتها هتفتكر كلامي لما تشوفها على حقيقتها.”
أسر ينظر إليها بخيبة أمل، يشعر بالعجز وهو يحاول الحفاظ على هدوئه: “ماما، بشري بتحبني وأنا بحبها. ليه كل ده؟”
عفاف بتنهيدة زائفة، وكأنها تبرر نفسها: “أنا بس عايزة مصلحتك، يا ابني. لكن الوقت كفيل يوريك مين الصح ومين الغلط.”
أسر يقف بصمت، ينظر إليها بعينين مثقلتين بالحيرة، ثم يغادر الغرفة دون أن يضيف كلمة، تاركًا عفاف غارقة في أفكارها.
خرج من الغرفة، خطواته ثقيلة تعكس الصراع الداخلي الذي يعيشه. وقف للحظة في الممر، مشهد والدته وهي تزرع بذور الشك في عقله يثقل صدره. كيف يمكن أن يوازن بين حبه لبشري وولائه لأمه التي يبدو أنها لن تتوقف عن محاولات هدم علاقته؟
في الداخل، عفاف لم تكن قد انتهت بعد. وضعت الأوراق جانبًا، نظرتها المتجمدة تحدق في الباب المغلق خلف أسر. ارتسمت على وجهها ابتسامة باردة، وكأنها قد أعدت خطة لم تفصح عنها بعد. نظرت إلى السقف وكأنها تتحدث إلى نفسها بصوت منخفض: “هترجع البيت… بس اللي هيحصل بعد كده؟ الله وحده اللي يعلم بيه.”
كانت عفاف تلعب لعبة طويلة، لعبة لا يراها أحد سواها. في داخلها، كانت تؤمن أن بشري ليست الشخص المناسب لابنها، وأن الوقت سيثبت ذلك. ::”أنا عارفة نوعية الست دي… مهما حاولت تلمع نفسها، في الآخر هتتكشف. وحياة عيونك يا أسر، هتشوف بنفسك.”
في هذه الأثناء، أسر جلس في غرفته، مغمض العينين، يحاول أن يجد هدوءًا وسط الفوضى التي تعصف بداخله. تفكيره يتأرجح بين حبه لبشري ووعود أمه الغامضة التي لم تكن مجرد تهديدات عادية. كان يشعر أن هناك شيئًا أكبر من مجرد كلمات، شيئًا غريبًا يكمن خلف نبرة أمه الملتوية. هل هي مجرد حماية أم أنها تدبر شيئًا في الخفاء؟
أسر لم يكن يعلم، لكن هناك سحابة من الغموض تقترب من حياته، تتشكل بهدوء ودقة، والعلاقة بينه وبين بشري ستخضع لاختبار لم يتوقعه.
في الخارج، وقفت عفاف عند النافذة، نظرتها تتجول بين السماء والأرض. ::”مش هطولي كتير، هتبقى أيام يا بشري… وأسر هيجيلي، منهار قدامي… وهقول له، كنت عارفة.”
صوت الرياح يمر بهدوء في الحديقة، لكنه لم يكن يحمل أي سلام… فقط المزيد من الغموض الذي يقترب شيئًا فشيئًا.
*************************
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية وابقى بدون لقاء)