روايات

رواية فوق جبال الهوان الفصل الثاني عشر 12 بقلم منال سالم

رواية فوق جبال الهوان الفصل الثاني عشر 12 بقلم منال سالم

رواية فوق جبال الهوان البارت الثاني عشر

رواية فوق جبال الهوان الجزء الثاني عشر

فوق جبال الهوان
فوق جبال الهوان

رواية فوق جبال الهوان الحلقة الثانية عشر

الحالة المزاجية المتكدرة والتي كان عليها منذ أن رأى شقيقه الأصغر يتلقى هذه الصفعة المباغتة من تلك الشابة المتهورة، وعدم قيامه باتخاذ ردة فعل تليق بالموقف، جعلته في أوج غيظه، وانعكس تأثيرها على تصرفاته بوجهٍ عام، فأصبح أكثر حدة وغلظة في تعامله مع كل من يقابله اليوم.
ظل “كرم” يحاسب الجميع بلا هوادة على أصغر الهفوات، وكأنها جريمة نكراء، حتى أصبح الكل يتجنب الصدام معه، أو حتى الاقتراب منه لإطلاعه على أي شيء لئلا ينالوا نصيبهم من التقريع أو العقاب.
مكث في مطعمه، عند طاولته المخصصة فقط له، وراح يحدق بنظرات نارية محمومة في الطريق الممتد على مرمى بصره، كز على أسنانه متوعدًا:
-آه لو اللي خايف منه حصل تاني!!!
آنئذ اقتحم ذاكرته عدة لقطات تشبه الومضات السريعة، لتذكره بأحوال شقيقه حينما وقع فريسة للحب العذري مع إحدى زميلاته بالكلية، كان ساذجًا للدرجة التي جعلته يصبح مغفلًا أمام الجميع، فلم تكف عن التنمر عليه، ولا جرح مشاعره وإهانته، ليضطر في النهاية للتدخل، وإزاحتها عن طريقه بأسلوبه العتيد، ذاك الذي لا يرأف بأحد، متجاهلًا توسلاته واستجداءاته بعدم التعرض لها، لتنتقل من الجامعة، وتغادر المدينة برمتها تجنبًا لتهديداته.
ورغم لقائه العابر بها، قبل وقت وجيز، في مطعمه ذلك، إلا أنه رأى نظرات الألم والحزن في عيني شقيقه لكونها تذكره بمرحلة ضعفه ومغالبته للمشاعر الإنسانية السامية، تلك التي جعلته أضحوكة أمام الغرباء.
فكيف له أن ينسى حينما كان كلعبة في يدها؟ دمية تتسلى بها، بل وتتباهى باستحقارها له؟ هل يترك الزمن يعيد دورته مع أخرى تظن أنها قادرة على جرحه، والمضي قدمًا في طريقها دون أن تُحاسب على إساءتها؟ هيهات، لن يحدث مطلقًا، طالما أنه لازال باقيًا على قيد الحياة!
……………………………..
التعبير الذي غطى على كافة ملامحه كان كفيلًا بقـــذف الرعب في قلبه، وجعله في حالة من الهلع والذعــر، كاد “فهيم” أن يجزم أن رئتيه توقفتا عن التنفس، وضيفه غير المرحب به يواصل تحذيره الصارم إليه:
-احنا زعلنا وحش أوي.
ارتجفت أطرافه وهو يرجوه معتذرًا:
-حقك علينا يا معلم…
طالعه “زهير” باستعلاءٍ، والأخير لا يزال يستعطفه:
-هي عيلة وهبلة، وماتعرفش الصح من الغلط.
رد عليه غير مقتنعٍ بحججه وأعذاره المدافعة عنها:
-بس أنا مش شايفها كده!
ثم أتبع ذلك نظرة غريبة من طرف عينه، فتلبك واضطرب، ورغم كونه لم يفهم المغزى الحقيقي وراء جملته الموحية، إلا أن أسلوبه الغامض كان كفيلًا بمضاعفة مخاوفه الأبوية على ابنته العزيزة، لهذا دون ترددٍ كرر عليه اعتذاره بإلحاحٍ:
-أنا محقوقلك، وشوف الترضية اللي عايزها، وأنا تحت أمرك.
أشار له بيده في عدم مبالاة:
-بعدين.
لم يضف المزيد، واتجه “زهير” نحو باب المنزل ليغادر بشكلٍ أكثر غموضًا، لتأتي “عيشة” بعد ذهابه متسائلة في تحيرٍ وقلق:
-مين ده يا “فهيم”؟
أجابها بما جعل أمعائها تتقلص ذعرًا:
-ده القضا المستعجل يا “عيشة”!
تجمدت في مكانها مذهولةً، وعيناها تشيان بخوفٍ متعاظم، ليمر “فهيم” من جوارها هاتفًا بصوتٍ يعبر عن توتره وارتعابه:
-حاسبي أما أطمن على البت.
………………………………
تلكأ في نزوله على درجات السلم، متعمدًا التباطؤ أكثر حينما أصبح في مواجهة باب منزل تلك الجارة السمجة، استطاع أن يرى ظلها بوضوحٍ من خلف الزجاج المغبش للباب، فصاح في صوتٍ مرتفع سمعته رغم وجود هذا الحائل بينهما:
-مش هتبطلي أبدًا عادتك الزفـــت دي!
لم تجرؤ على الاختباء أكثر من ذلك، ففتحت “إعتدال” الباب، ووقفت عند عتبته مستطردة بترحابٍ لزج:
-سي “زهير”، منور عمارتنا كلنا يا سيد الناس.
حدجها بنظرة غير مستساغةٍ لها، فاستمرت في تبريرها وهي تلصق بشفتيها ابتسامة سخيفة متكلفة:
-ده أنا بس واقفة أستنى أشوف إن كنت محتاج حاجة كده ولا كده.
رد عليها باستحقارٍ ظاهر في نبرته:
-هي عادتك ولا هتشتريها؟!
وكأنها لم تسمع اتهامه المتواري لها بالتلصص على الجيران وتتبع أخبارهم في جملته تلك، لتقول متصنعة الضحك:
-ده احنا نتشرف إننا نخدم…
توقفت لهنيهة عن الكلام لترفع بصرها للأعلى، وكأنها إشارة ضمنية لمقصدها الحقيقي، قبل أن تصرح به بجراءةٍ أزعجته:
-وخصوصًا لو حد قصر معاك من الجيران.
لحظتها تحفز في وقفته، وأنذرها وهو يوجه إصبعه في وجهها:
-أحسنلك تحطي لسانك جوا بؤك، بدل ما تزعلي عليه.
نكست رأسها هاتفة في استعطافٍ مفتعل:
-وأنا أقدر يا سيد الناس أقول حاجة تزعلك؟ يتقطع لساني لو عملت كده.
مال برأسه عليها ليقول من بين شفتيه بما يشبه الوعد:
-هيحصل .. وعن قريب، طول ما إنتي حاشرة نفسك في اللي ملكيش فيه.
بهتت تعبيرات وجهها، وحملقت فيه بعينين متسعتين في ذعرٍ، ليتركها على تلك الحالة المصدومة، ويمضي مبتعدًا عنها، أكمل هبوطه على الدرج، حتى وصل إلى المدخل، أخرج هاتفه من جيبه، ليعبث به قبل أن يضعه على أذنه، انتظر للحظاتٍ حتى أجاب عليه الطرف الآخر، فتكلم بثباتٍ ملقيًا أوامره دون مقدماتٍ تمهيدية:
-أيوه يا “عباس”، تبعت حد من رجالتنا يفضل قصاد عمارة الراجل اللي اسمه “فهيم”، وأتبلغ بكل أخبارهم أول بأول.
جاء رده ملبيًا على الفور:
-اعتبره حصل يا كبيرنا.
لاحت ابتسامة رضا على زاوية فمه، سرعان ما تلاشت بمجرد خروجه من العمارة، حيث وضع قناع الجدية على وجهه، ثم اتجه إلى سيارته، وقف أمام بابه الملاصق لعجلة القيادة، رفع عينيه للأعلى مُلقيًا نظرة ملية على الشرفة الخاصة بمنزلها، وهمهم مع نفسه:
-القدر رماكي في سكتي، يا ترى حكايتك هتخلص معايا إزاي؟
……………………………….
تناوبت على تفقدها كل بضعة دقائق، على أمل أن تستفيق من حالة الجمود التي سيطرت عليها، فرغم أنها استعادت وعيها، إلا أنها ظلت بلا حراكٍ، ترقد كالصنم على فراشها، رافضة التجاوب مع محاولاتها المستميتة لحثها على الكلام.
اشتكت “عيشة” لزوجها سوء وضع ابنتهما، فقالت وهي تصب القليل من الماء في الكوب لتستحثها على شربه:
-البت ما بتحطش منطق من ساعة ما جت.
كان “فهيم” جالسًا على الطرف الآخر من سرير ابنته، ينظر إليها بحزنٍ وإشفاق، فلو لم يقدم على تهذيبها بخشونة لربما ظلت عالقة في هذه التَبَّة ولم تعد معه كعقابٍ رادع على تطاولها الأرعن على أحد سادات هذه المنطقة اللعينة. مد يده ليمسح على جبينها بحنوٍ، ورجاها في صوتٍ مليء بالشجن:
-ردي عليا يا “دليلة”، ما توجعيش قلبي عليكي.
بالكاد كبت دموعه الوشيكة وهو يبدي ندمه لها:
-كان غصب عني والله، بس خوفت عليكي منهم، دول ناس شرـ مابتخافش من حد
جهلها بتفاصيل ما جرى أغاظها للغاية، فصاحت “عيشة” في تذمرٍ غاضب:
-هو إيه اللي حصل؟ ريحني بدل ما أنا عاملة زي الأطرش في الزفة.
نظر إليها هاتفًا في عبوسٍ مشوبٍ بالضيق:
-وقعنا مع اللي ما بيرحموش يا “عيشة”، ارتاحتي.
ضاقت عيناها باسترابةٍ، فسرد عليها تفاصيل الواقعة المشؤومة، ليُنهي حديثه وهي تلطم على صدرها، وتدمدم في عتابٍ شديد:
-أنا قولتلك من الأول أعدتنا في المكان ده مش هتجيبلنا غير المصايب وبس، احنا مش شبه الناس اللي عايشة فيه، احنا غيرهم.
أحنى رأسه معترفًا بسوء قراره:
-كان معاكي حق.
استمرت في لومه بحـــرقةٍ:
-أيوه، إنت اللي صمتت نقعد في ملكنا، بدل بهدلة المفروش، أدينا بقينا واقعين في بلاوي سودة، الله أعلم هنطلع منها إزاي.
تجرع مرارة اتهاماتها بتقصيره في حماية عائلته، وقال بوجهٍ مكفهر:
-هتصرف يا “عيشة”، مش هنفضل هنا كتير.
ظلت دمائها متحفزة، ثائرة، وهي تنهال عليه بوابل أسئلتها:
-هتعمل إيه يعني؟ وبنتك؟ هنسيبها كده؟
أبقى عينيه الحزينتين على مدللتــه قائلًا:
-كله إلا “دليلة، ولو حكمت هبعتها تقعد عند عمتها، لحد ما الهم ده كله ينزاح.
ردت عليه زوجته بتصميمٍ:
-ولحد ما ده يحصل لازمًا تشوفلنا صرفة في البيت ده ونعزل.
عاود النظر إليها مؤكدًا بنبرة عازمة:
-هيحصل، هتكلم مع “كيشو”، وأشوف صِرفة.
رغم أنها كانت تبدو من الظاهر مغيبة ذهنيًا، فاقدة للإحساس من حولها، إلا أن حديث ذويها وقرارهما ببذل كل الجهد لإخراجها من هذا المأزق أشعرها بخطورة الموقف الذي أصبحت فيه جراء تصرفها المندفع، عجزت عن مواجهة أبيها، والاعتذار منه عن اندفاعها الأهوج الذي تسبب في حدوث المزيد من التعقيدات، آه لو لم تنساق وراء تفكيرها المتسرع، إذ ربما لاختلف الوضع كليًا؛ لكن كيف لها أن تتطلع على الغيب وتعلم بالمجهول مسبقًا؟!
………………………………..
لم يجد صعوبة في الوصول إلى مكان شقيقه، فقد كان يحبذ التواجد في مطعمه، وقضاء غالبية الوقت فيه حينما يكون خارج التَبَّة العالية. اندهش “زهير” لخلو المطعم من رواده برغم كونها ساعة عمل مميزة، على ما يبدو أصدر “كرم” أوامره بغلقه في وجه الجمهور، ليختلي بنفسه، وهذا ما يثير مخاوفه، فمعنى ذلك أنه في قمة غضبه واستيائه.
تقدم ناحيته محاولًا الابتسام قليلًا وهو يسأله، كنوع من الاستهلال للحديث بينهما:
-لسه زعلان ياخويا؟
التفت “كرم” ناظرًا تجاهه بوجهه الغائم، ونظرته القاتمة، ليستطرد معلقًا عليه بنبرة مخيفة:
-أنا لو زعلان مش هتلاقيني أعد الأعدة دي، هتشوف وش ماتمنهوش لألد أعدائي.
تأكد من ظنونه، وأدرك أنه ما زال على انزعاجه الحانق، فعَمِد إلى تغيير الموضوع بقوله المتسائل:
-طب إيه؟ مش هناكل؟
أخبره وقد امتدت يده لتقبض على كوب المياه الزجاجي ليعتصره حتى ابيضت سليمات أصابعه:
-هناكل، ونشرب، ونحلي كمان، بس عايز أسمع منك الأول اتصرفت إزاي.
سكت “زهير” ولم ينطق بشيء، فقذف شقيقه الأكبر بالكوب في عصبيةٍ، ليتهشم على الفور ويتناثر زجاجه في أرجاء المطعم محدثًا فوضى واضحة، ليتبع ذلك سؤاله في زمجرةٍ محمومة:
-هتخيب وتنخ ولا إيه؟
رد عليه بهدوءٍ، وقد فهم ما يرمي إليه:
-مش أنا يا “كرم” اللي أطاطي لواحدة.
اعترض على ما وصفه بتصرفه المسالم هادرًا:
-أومال أسمي اللي شوفته بيحصل ده إيه؟
ظل “زهير” محافظًا على هدوئه، ونظر إليه بثباتٍ، ليصيح شقيقه به:
-والمرادي قصاد رجالتنا، مش شوية عيال (….) في كلية!
وكأنه يتعمد وضع الملح الجاف على جُرح نازف بتذكيره بمدى الإهانات التي تعرض لها سابقًا، لم يترك للذكريات المؤلمة الفرصة لاقتحام عقله وتنغيصه، فهتف في صوتٍ انعكست فيه رنة الضيق:
-أنا عارف هتعامل إزاي يا “كرم”.
مجددًا أطلق شقيقه الأكبر تحذيره الصارم إليه، والشرر يتطاير من عينيه:
-بقولهالك من تاني، أحسنلك تعمل اللي يرضيني، بدل ما أتعامل باللي ما يرضيكش.
بلا ابتسامٍ علق:
-حاضر يا كوبارتنا، كل اللي إنت عايزه هيحصل.
بقيت عينا “كرم” عليه، وكأنه يسبر أغواره بنظرته النافذة تلك، ليقطع “زهير” تواصلهما البصري بسؤاله المصحوب بابتسامةٍ باهتة:
-هناكل ولا هنقضيها كده؟
فرقع بإصبعيه مناديًا على النادل ليأتي إليه بقائمة المأكولات حتى ينتقي كلاهما ما يرغبان في تناوله، بعدما يقوم بتنظيف الفوضى التي أحدثها في المكان.
………………………………
جفاها النوم، ولم تستطع الاستلقاء في الفراش بعد معرفتها بما تعرضت له شقيقتها مع والدها، مجرد تخيل ذهابهما إلى مكانٍ كهذا جعل بدنها يرتجف، وقلبها يقصف رعبًا، وما زاد من مخاوفها أكثر إلمامها بتفاصيل صدام شقيقتها الصغرى مع أحد هؤلاء الأشقيـــاء!
انتفضت “إيمان” قافزة من على الأريكة في هلعٍ عندما سمعت قرع الجرس، والطرقات المتتابعة على الباب، تقدمت بخطواتٍ بطيئة، ودقات قلبها تكاد تصم أذنيها من فرط قوتها وانفعالها، تساءلت بصوتٍ مرتعش:
-مين بيخبط؟
أتاها صوتًا مألوفًا من الخارج جعل كل مخاوفها تتبدد على الفور:
-افتحي يا “إيمان”، أنا “راغب”.
في التو رددت وهي تزيح القفل من المزلاج، وتدير المفتاح لتفتح الباب:
-“راغب”!
تهللت أساريرها حينما رأته أمام عتبة البيت، بمجرد أن وطأ داخل المنزل ارتمت في أحضانه، ضمته بقوةٍ، وراحت تهتف بشوقٍ واشتياق:
– حمدلله على السلامة يا حبيبي…
أبعدها عنه ليحدق فيها بهذه النظرة الغريبة، فسألته وهي تتحرك تجاه الباب لتوصده:
-إنت مش كان ميعاد رجوعك بكرة؟
تجمدت في موضعها بتوترٍ، وقد أتى سؤاله من خلفها محملًا باتهامٍ خفي:
-هو إنتي مش عايزاني كنت أرجع ولا إيه؟
التفتت ناظرة إليه لتقول، وقد ظهر الارتباك على قسمات وجهها:
-أبدًا والله، بالعكس أنا مبسوطة إنك جيت، بس إنت اللي كنت قايلي لسه وراك تدريب وآ…
قاطعها قائلًا في ضيقٍ:
-عايزة عقلي يفضل فيا إزاي بعد اللي حصلك؟
ابتسمت في نعومةٍ لتطمئنه:
-الحمد لله، عدت على خير.
ثم دنت منه واحتضنت راحته بين كفيها، مستشعرة دفئها على جلدها البارد، كاد شعورها بالراحة لوجوده يتغلغل في أعماقها أكثر لولا أن سألها فجأة بما صدمها:
-“إيمان”، إنتي اتسرقتي إزاي؟ وما تقوليش تحت البيت!
فرت الدماء من وجهها حينما أكمل:
-بتاع السوبر ماركت قال إنك ماجبتيش منه حاجة!
أحست بجفافٍ شديد يضرب حلقها، فلعقت شفتيها بطرف لسانها قائلة بصوتٍ مذبذب:
-أنا …
انتفضت مرتعشة بخوفٍ أكبر عندما استل يده من بين قبضتيها هادرًا بعصبيةٍ ظاهرة في نبرته:
-قولي الحقيقة وما تكدبيش!
لم تجد بُدًا من الاعتراف بذنبها، فقالت وقد راحت الدموع تتجمع في طرفيها رهبةً من تبعات معرفته بتفاصيل كل شيء:
-حاضر، هقولك على اللي حصل بالظبط.
……………………………….
مع كل كلمة كانت تتلفظ بها، كان الدماء تغلي أكثر في عروقه غيظًا وحنقًا مما اعتبره خروجًا عن طوعه، ومخالفته لأوامره بالتزام البيت في غيابه، من أجل زيارة أهلها في موضع إقامتهم الوضيع. لم يصفح لها “راغب” بسهولة ما اعتبره مجازًا استغلالًا لتساهله معها. فأخذ يوبخها بكلماته المسمومة:
-يعني لو مكونتيش اتسرقتي كنت فضلت مختوم على قفايا ومعنديش خبر باللي عملتيه من ورايا؟!!
بكت “إيمان” وهي تستجدي رحمته:
-والله العظيم أنا كنت هقولك، بس خوفت ترفض زي تملي أروح لماما وبابا وأطمن عليهم.
استمر في لومها بشدةٍ:
-ويا ريتك سمعتي كلامي، وخدتي بنصيحتي، لكن إنتي ركبتي دماغي وعملتي اللي عايزاه، ودي كانت النتيجة.
اعتذرت منه بندمٍ حقيقي، وقد تعلقت بذراعه:
-حقك عليا يا “راغب”، والله ما كنت أقصد أبدًا أروحلهم من وراك، بس ماما وحشتني، وكنت عايزة أصالحها بعد اللي حصل هنا.
انتشل ذراعه من يديها هاتفًا بعصبيةٍ:
-كنتي كلميها تيجي، كان ده أهون عليا.
كفكفت دمعها المسال بظهر كفها، وقالت بصوتها الباكي:
-أنا أسفة، مش هيحصل تاني إني أعمل حاجة من وراك.
رمقها بهذه النظرة المميتة قبل أن يعلق:
-ما ده أكيد، وخصوصًا بعد ما أربيكي.
انكمشت على نفسها خوفًا منه، خاصة حينما رأته يشمر عن كميه، ويكور قبضته، فهرولت مبتعدة عنه لتركض تجاه غرفة نومهما وهي تصرخ:
-لأ يا “راغب”، بلاش!
كز على أسنانه هاتفًا في هسيس غاضب:
-هتروحي مني فين؟
ثم انطلق في إثرها، ليصل إليها قبل أن تتمكن من غلق باب الغرفة، اتكأت عليه بجسدها لتمنعه من الدخول؛ لكنه دفعه بكل قوةٍ فاندفعت للخلف، وأعطته الفرصة للدخول، بالكاد حافظت على اتزانها، وراحت تتراجع بخطوات متعثرة حتى التصق ظهرها بالدولاب، ظلت تنظر إليه بعينين تحتويان قدرًا عظيمًا من الرعب، فصفق الباب بقسوةٍ وهو يتوعدها بلا كلماتٍ بأن يكون تأديبه لها مُجديًا ……………………………..!!

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية فوق جبال الهوان)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *