رواية صرخات أنثى الفصل السادس والستون 66 بقلم آية محمد رفعت
رواية صرخات أنثى الفصل السادس والستون 66 بقلم آية محمد رفعت
رواية صرخات أنثى البارت السادس والستون
رواية صرخات أنثى الجزء السادس والستون
رواية صرخات أنثى الحلقة السادسة والستون
ها قد شارف القمر ببداية ليله، وما زال يجوب بسيارته الطرق، حائرًا لا يعلم إلى أي وجهة سلكتها فيذهب للسؤال عنها، خمس ساعات متواصلة يسير بلا أي هدف، وكأنه هو التائه بين تلك الزقاق، عساه فقد ذاته بين إحدى الزقاق والأرصفة.
أوقف سيارته على جانبي الطريق، وفتح بابها يخفض ساقيه للخارج ويميل على الجزء الجانبي منها برأسه، انهمرت دموعه من شدة العجز، وكلما جابه بأنها بمفردها الآن ببلدٍ غريبة موحشة يؤلمه قلبه، ترى كيف حالها وحال صغيره؟ ترى ماذا تفعل الآن وهي وحيدة؟ ماذا عن جرحها الحديث وماذا عن جرح قلبها النازف؟!!
يشعر الآن بقمة ضعفه وهو الذي لم يكن يومًا ضعيفًا، هو نفسه الشاب المكافح الذي تغرب منذ صباه لأجل عائلته، لطالما كان رجلًا مسؤولًا، يتعلق برقبته مسؤولية والدته وعائلته وزوجته، فكيف السبيل لراحةٍ وهو فقد أحد الاشخاص العالقون برقبته؟! كيف السبيل للراحة هذة زوجته وهذا ابنه؟!!!
_آآآه!
صرخة موجوعة تحررت منه وسقط بعدها أرضًا أمام سيارته يبكي كالطفل الصغير، بكاءًا متواصل لو استمع إليه الجاحد لضمه لصدره من شدة تأثره به.
ماذا يفعل وقد خسر زوجته، ابنه، أخيه!! يا ويل قلبه المسكين من شعور ألمٍ لم يكن ليختبره بإرادته يومًا.
جذب “جمال” هاتفه، يتطلع لصورتها، هو اليوم محظوظ وله كل الحظ، يتذكر بالماضي أنها كانت تطالبه دومًا بالتقاط صور لها برفقته، وكم كان أحمقًا حينما كان يتذمر وينعتها بالتفاهةٍ، وبتلك المرات نجحت باستمالته لالتقاط تلك الصورة الوحيدة التي آرسلتها لهاتفه بالآجبارٍ، ها هو اليوم ممتن لذلك!
مرر إبهامه على ملامحها المشرقة جواره، رغم انزعاجه مما تفعله والمعكوس بالصورة، راح يخاطبها بآنينٍ قاتل:
_آسف، حقك عليا من اللي عملته! أنا آسف إني حطيتك في الموقف ده! آسف إنك بسببي موجوعة ومش عارفة تروحي بابننا فين!
وتابع وكأنها قبالته تستمع إليه:
_بس عشان خاطري إرجعي، إرجعي يا صبا! إرجعي وشوفي ذنبك وهو بيخلص مني، إنتي عارفة أنا من شوية روحت المكان اللي بيسهر فيه الكلب نعمان واتفقت مع اللي هيجبلي حقك منه، بكره هتشوفي بنفسك حقك وهو بيرجع، مفضلش غيري إرجعي وخدي حقك مني!!!!
ضم الهاتف لصدره وانهمر باكيًا، يتمنى أن يريحه الله من هذا العذاب، فأتاه هاتفه يصيح برنينه للمرة الثلاثون برقم “يوسف”، فأغلق” جمال” هاتفه نهائيًا ليتخلص من ضجته، وهو بحالة لا يحتمل بها سماع صوت نسمة الهواء!
******
دفع “يوسف” حساب الأغراض التي اشتراها، شكر البائع وحمل الاغراض وخرج يتفحص هاتفه بخوفٍ، وحينما وجد الهاتف مغلق، اتصل بعُمران الذي أجابه بعد المرة الرابعة:
_خير يا يوسف، مش قايلك مترنش عليا وإنسى الحوار ده خالص، أنا كلها ساعتين وهكون في المطار ولو عملت أيه مش هتراجع عن اللي في دماغي.
اندفع يخبره قبل أن يغلق الهاتف بوجهه مثلما يفعل:
_جمال مختفي ومش عارف أوصله، حالته مخيفة وممكن يأذي نفسه، عُمران مهما حصل بينكم ده أخوك متسبهوش يا عُمران، بالله عليك!
هدأت وتيرته حينما لمس بحة حزنه وإنكساره، فقال بهدوء:
_متخافش يا يوسف، أنا باعت رجالة وراه من أول ما خرج من مكتبي، هخلي واحد منهم يبعتلك موقعه، هو كويس اطمن.
وتابع بارتباكٍ يخفي من خلفه حزنه:
_متزعلش مني إني مبردش على مكالماتك، أنا محتاج أكون لوحدي فترة صدقني اللي بعمله ده عشاني وعشان جمال، لو فضلت هنا هفارقه بجد وأنا مش عايز ده يحصل.
مسح وجهه بضيقٍ، واضطر بالحديث برزانة:
_زي ما تحب يا عُمران، المهم تكون كويس ومرتاح، خليهم يبعتولي موقعه.
أغلق الهاتف ووضع الاغراض المنزلية والادوية بشنطة السيارة ثم قادها متجهًا لشقة “ليلى” القديمة.
******
فتح “يونس” باب منزله، متذمرًا من الطارق الغليظ الذي لا يكف عن ضرب الجرس، فوجد “إيثان” يقف قبالته يطالعه بوجهٍ متخشب، ولج للداخل وصفق الباب هادرًا:
_مش عايزين النهاردة عدي علينا بكره.
عركل قدمه بفاصل الباب، ودفعه للداخل بكل قوته، فسقط يونس على الحائط من خلفه بينما تابع إيثان طريقه للداخل بآليةٍ تامة، صفق يونس الباب بعصبية وتابعه للداخل يصيح:
_داخل زريبة إنت!!!
واستطرد ببسمةٍ خبيثة:
_أنا كنت عايز أحميك من الصدمة العصبية اللي هتاخدها لو دخلت بس وماله، ابن حلال وتستاهل.
ولج للردهة فإذا به يتوقف فجأة، ليستدير تجاه يونس المبتسم من تأثير المشهد عليه، فتخطاه واتجه للأريكة حيث يجلس فارس الذي يحمل كرتون الشوكولا الفاخر يتناولها بنهمٍ.
جلس يونس جواره يشاركه تناول لوح الشوكولا باستمتاعٍ، وأشار لمن يراقبهما بغيظٍ يتصاعد من حدقتيه:
_واقف عندك ليه يا إيثو، ما تقعد يا حبيبي.
اتجهت نظرات إيثان للطاولة التي تتوسط الصالون، فإذا بالورود التي سبق لها شراءها برفقة الشوكولا تزين المزهرية، كبت يونس ضحكاته وأشار بيده عليها:
_آه. ده الورد اللي كنت شاريه عشان المرحومة، استخسرت والله أرميه فحطيته في الڤازة دي بدل ما هي بتنش كده.
واستكمل بابتسامة شامتة وهو يلعق إصبعه الملطخ بالشوكولا:
_بس بصراحه ذوقك في الشكولاته يهوس، لا بجد حاجة فاخرة، ودي دفعت فيها كام يا إيثو؟
احتقنت عينيه بحمرةٍ قابضة، فتابع وهو يتناول قطعة اضافية:
_حلوة يا فارس؟
هز الصغير رأسه باعجابٍ شديد، فقال يونس بسخريةٍ:
_عمو إيثان اللي جيبهالك يا حبيبي، ادعي إن ربنا يكتر من أمثال بنت خالته عشان يكونلك فرصة تأكل شكولاته من نفس النوع على طول!
خرج عن طور، هدوئه، فجذب المزهرية وألقاها تجاه يونس الذي انحنى يتفادها ببراعةٍ وصوت ضحكاته تعلو صاخبة، فإذا بإيثان ينقض عليه، وهو يصيح غاضبًا:
_يعني إنت من الصبح شمتان فيا يا حقير، بدل ما تقلبها صوان عشان صاحبك بتشمت فيه وقاعد تحتفل إنت وابنك برفضها ليا!
حاول التصدي له ولكنه لم يستطيع من فرط الضحك، فقال بصعوبة بالحديث:
_شمتان ومتكيف بصراحه، مش إنت اللي رايح نافش ريشك؟ وبعدين عندها حق ترفضك ده أنا صاحبك وبستحملك الكام ساعة اللي بشوف خلقتك فيهم بالعافية ما بالك هي!! وإنتوا ما شاء الله عندكم اعتكاف لطوال العمر، يعني لا رد ولا استبدال هتعمل أيه يعني لازم تتمعن بالاختيار وتراجع نفسها يا إيثو!
صب غضبه عليه، وهو يصرخ بانفعالٍ:
_هنشوف مين فينا اللي محتاج يراجع نفسه.
هرول الصغير للاسفل يستدعي آيوب بعد رؤيته لما يحدث، فولج للداخل يهرول حينما وجد الباب مواربًا.
إتجه لغرفة المكتبة المخصصة للشيخ “مهران”، حيث يتخذها آيوب محله بالفترة الاخيرة يدرس التعاليم الإسلامية والقرآن الكريم لسدن.
وها هي اليوم تجلس قبالته تنتهي من أول جزء من القرآن الكريم، وما أن انتهت حتى ردد مندهشًا:
_ما شاء الله عليكِ يا سدن، حفظتي أول جزء في مدة صغيرة أوي.
منحته ابتسامة عريضة وراحت تخبره بغرورٍ:
_فارس بتقول لسدن إنه يحفظ جزء عامة قبله، خديجة حفظ سدن الجزء الاول كُوله..
تحررت ضحكة جذابة على شفتيه وهو يستمع لها بحبٍ، وقال يمازحها:
_أنا راضي عنك في كل حاجة حتى المصري بتاعك المكسر ده، على قلبي زي العسل.
عبثت بحاجبيها تتابعه بعدم فهم، ورددت بعد فترة من الاستيعاب:
_إنتي عايزة عسل آيوب؟
تعمق بزُرقة عينيها قليلًا ومن ثم انفجر ضاحكًا، هاتفًا بصعوبة بالحديث وهو يستقيم بوقفته:
_عندك حق أنا فعلًا عايز عسل،بس أنا طماع وعايز البرطمان كله،عشان كده هحترم نفسي وهطلع أذاكر، يعني من مبدأ أمتحن الأول وبعد كده نشوف حوار العسل ده…يلا تصبحي على خير.
حاولت النهوض من خلفه باسدالها الواسع، فوقفت على اطرافه بقدميها وكادت بالسقوط على وجهها لولا يديه التي أحكمت تمسكها بها، ضحك رغمًا عنه وقال:
_كل مرة بنزل اديكِ الدرس بتقعي نفس الوقعه وبنفس إسدال أمي ده، فمبقتش اتفاجئ بالعكس ببقى مجهز نفسي قبلها للحركة دي.
قُتل الحديث على شفتيها وهي تناظر فيروزته من هذا القرب المؤذي لمشاعرها، تلاشت ضحكته من آسر نظراتها، فأحاط وجهها بيده ليجدها تهمس له بكل حب:
_سدن بيحبك آيوب!
سقط بسحر عينيها، صوتها الرقيق المعترف بحبها له، عشقها له النابع قولًا وفعلًا، أحاطها بوابل من عاطفته، وهو يخبرها:
_يا بخت آيوب بحبك يا نور عين آيوب.
انساقت معه بسحابة وردية، جعلتها تتمنى قربه ولا تعلم لما يتراجع دومًا من إتخاذ هذا القرار، ابتعد وتهيئ لفتح باب الغرفة، وخرج لفارس الذي يناديه، انحنى تجاهه وسأله بابتسامة واسعة:
_أيه اللي خلاك تسيب الاحتفال وتنزل يا فارس؟ يونس هيخلص الحلاويات لوحده.
أجابه الصغير بخوفٍ:
_بابا وعمو إيثان بيتخانقوا!
عبث بخصلات شعره ببرود:
_سيبك منهم شوية وهيتصافوا.
وسحب من جيب بنطاله بعض المال ثم قدمه له يخبره:
_إنزل اشتري عصير وبسكويت ليك، واطلع على طول يا فارس.
هز الصغير رأسه بفرحة وطبع قبلة على خد آيوب ثم هرول للاسفل بسعادة.
******
تمددت على الفراش بتعبٍ شديد، يجتاح الألم جسدها بأكمله فيصيبها بشعورٍ قوي بقربها من الموتٍ، ليته يتمكن منها فوالله لن تقاومه، ستسلم روحها إليه بكل صدر رحب.
أغلقت جفونها تحرر دموع قهرها وهي ترى “ليلى” تقرب صغيرها إليها، وتخبرها بشفقةٍ حتى أنها تستطيع رؤية الدموع تتلألأ داخل مُقلتيها بوضوحٍ:
_صبا حبيبتي حاولي تقومي عشان تأكلي الولد، بيعيط وشكله يا حبيبي جعان.
أغلقت جفونها باستسلامٍ للنوم بعد مجهودًا شاقًا بذلته بالفرار من مكانٍ كان سيجمعها به مجددًا، بالرغم من ألم قلبها لترك الصغير باكيـًا.
ضمت “ليلى” الصغير إليها بحزنٍ، حملته وإتجهت به للخارج حيث محل جلوس زوجها بغرفة الضيافة.
نهض إليها “يوسف” يحمل الصغير من يديها ويتساءل بريبةٍ من أمر بكائها:
_في أيه يا ليلى؟ المدام صبا كويسة؟
هزت رأسها تنفي سؤاله، وأجابته بقهرٍ:
_غيرتلها على الجرح ونامت على طول، والبيبي زي ما أنت شايف بيعيط ومش راضي يسكت، شكله جعان يا يوسف!
منع ابتسامة كادت بالانفلات على وجهه الوسيم، وقال بجدية مصطنعة:
_طيب إنتِ بتعيطي عشانها ولا عشانه؟
تمعنت بالتطلع للصغير، وقالت باكية:
_عشانه طبعًا، شكله يا قلبي جعان وأنا مش عارفة أكله أيه؟
إلى هنا ولم يستطيع منع ضحكاته، فتعالت صاخبًا وهو يتابعها بعدم تصديق:
_معقول!! والله هشك إنك دكتورة!!
صوبت سهامها إليه بشكلٍ جعله يفكر مرتين بالأمر، فتراجع عما يفعله وقال:
_خلاص متزعليش هحاول أتأقلم إن لسه مفيش خبرة بالأمر.
وتابع يشير لها وهو يتجه للمطبخ:
_عمومًا أنا كنت عامل حسابي، تعالي نجهز الأكل للباشا اللي أخد قلبك أسرع مني ده.
تعجبت مما يقول، ولكنها إتبعته للمطبخ مثلما أخبرها، فوقفت على عتبته تراقبه بدهشةٍ، حمل “يوسف” الصغير بيده وباليد الأخرى شرع بتجهيز المياه لإعداد رضعة صناعية، فإذا بزوجته تندفع تجاهه وتخطف الصغير من يده.
التفت يوسف إليها باستغرابٍ، فوجدها تطالعه بصدمةٍ، وكأنه يفعل شيئًا لا يمت لكوكب الأرض بصلةٍ، فإذا بها تصرخ بوجهه:
_إنت بتعمل أيه يا عديم الانسانية، بتأكل الولد لبن صناعي!!
وتابعت وهي تتراجع به للخلف وتحتضن الصغير، كأنما تحميه من ذئبٍ بشريًا مفترس:
_يعني مش كفايا عليه كل اللي شايفه من أبوه اللي إنت ماشي تلم في غلطاته، كمان بتديله لبن صناعي!! إنت معندكش قلب يا يوسف!!!
إرتاب من أمرها، فوضع احتمالًا بأنها لم تفهم ما يصنعه، وببسمةٍ بلهاء أخبرها:
_أنا بعمله أكل مش سم!!
صرخت بوجهه تنفي إنسانيته الكاذبة:
_أسوء من السم يا دكتور، تديله ليه لبن صناعي ومامته جوه، أنا هحاول معاها تاني تقوم تأكله.
وتركته وكادت بالرحيل، ولكنها استدارت تضم بطنها المسطوح هادرة بهلعٍ:
_ابتديت أخاف على اللي في بطني منك ومن قسوتك، يا خسارة يا يوسف، يا خســــــارة!
وتركته مصعوقًا وإتجهت لغرفة النوم، تدفع بابها بقسوةٍ بوجهه، أغلق فمها المتسع بصعوبة، وترك عُلبة الحليب الصناعي من يده هامسًا بسخطٍ:
_الهرمونات بدأت بدري أهو! بجملة هي جت عليكِ يعني!!
وخرج من الشقة متجهًا لسيارته حينما آرسل له رقمًا غريبًا موقع سيارة جمال معرفًا ذاته بأنه من رجال “عُمران الغرباوي”، صعد لسيارته ومازال موقفها يلاحقه، فانطلق ولسانه لا يتوقف عن نطق:
_مخها لحس!! لا حول ولاقوة الابالله العلي العظيم!!
*******
انتهى من قراءة جزء كبير من كتابه الخاص، فاغلقه ونهض يغلق باب مكتبه، كان” علي” بطريق صعوده للأعلى، إلى أن أوقفه صوتًا قادم من المطبخ، عكس وجهته وإتجه للأسفل، فوقف يتابع من بالداخل بهذا الوقت المتأخر بصدمة.
حملت “فريدة” طبق الجبن والخضروات واستدارت لتغادر بهدوءٍ دون أن يشعر بها الخدم، فتصبح أضحوكة القصر، فما أن استدارت حتى تخشبت محله بالصينية قبالة علي المتفاجئ مما يراه.
تركت الصينية على رخامة المطبخ، وكأنها تنفي جريمتها، ابتسم “علي” على تصرفها الطفولة، وإتجه إليها يقرب الصينية لها وهو يخبرها برفق:
_الجبن والخضروات مفيدة بس مش كفايا لتغذية الجنين.
وتابع وهو يتجه للبراد:
_هشوف في أيه ينفع نزود بيه البروتين.
تابعته وهو يحمل المقلاة ويشرع بتحضير وجبة صحية سريعة لها، وقالت بحرجٍ ملموس:
_كفايا يا علي، أنا هاخد الجبنه والسلطة بس عشان وزني ميزدش.
تجاهل طلبها وفور انتهائه من صنع شرائح الدجاج بالمعكرونة، حتى أبعد الصينية عنها ووضع ما بيده قبالتها:
_بعد الولادة هتقدري ترجعي وزنك.
راقبت الطبق الشهي الموضوع أمامها، فلعقت شفتيها بجوعٍ، وجذبته تتناوله بنهمٍ غير مصدق.
تابعها “علي” بابتسامة حنونة، سكب لها كوب من المياه ووضعه قبالتها، ربما كانت سابقًا لا تتناول المياه بنصف طعامها أبدًا، ولكن الآن استثنت بعض القواعد لاجل صغيرها.
تناولت فريدة الطبق بجوعٍ، وبعدما انتهت منه شعرت بالحرج وباتت تبرر:
_تسلم إيدك يا علي، أنا شكلي كنت جعانه أوي، ومقدرتش أستحمل الجوع زي الأول.
حمل الطبق من أمامها ونظف الطاولة بالمناديل المبللة، مرددًا بحب:
_ألف هنا على قلبك يا حبيبتي، هجهزلك كوباية لبن ومتقلقيش مش هحط سكر نهائي.
ضحكت بصوتها كله، وقالت مستنكرة؛
_سكر، أيه بقى، ده أنا أكلة مكرونة وفراخ الساعة 9 يا علي!!
مال على الطاولة قبالتها يجيبها بابتسامة هادئة:
_مش إنتِ يا فريدة هانم، ده البيبي.
راق لها رفعه الحرج عنها حتى لو كان مازحًا، فوجدت ذاتها تجذب رأسه طابعة قبلة على خده وهي تهمس له:
_تصبح على خير يا حبيبي.
شعر وكأنه طفلًا صغيرًا، يعاد له ذكريات طفولته المميزة رفقتها، وكأن هذا الصغير يجدد روابط الطفولة بحضرته.
أجابها علي ومازال يحافظ على ابتسامته:
وحضرتك من أهل الخير فريدة هانم.
فور أن غادرت حمد الله انها لم تشك بسفر عُمران لمصر، وبأنها لم تلاحظ شيئًا مما يحدث.
صعد علي لغرفته حزينًا على أخيه وما حدث له، ولج لغرفته فوجد زوجته تغفو على الأريكة ومن حولها عدد من الملفات والحاسوب الخاص بعمران، على ما يبدو بأنه ترك العمل بإشرافها قبل رحيله.
*******
ترك سيارته بمنتصف الطريق وهرع لجمال الذي مازال يجلس أرضًا يناديه بلهفةٍ:
_جمـــــــــال!
انتبه إليه ذلك الشارد، فتوسعت عينيه بدهشةٍ، نهض ينفض الغبار عن ملابسه وهو يتساءل باستغراب:
_إنت عرفت مكاني إزاي يا يوسف؟؟
تغضى عن سؤاله ودنى يراقبه باهتمامٍ وخوف، حالته كانت مريبة لدرجة أقلقته، فسأله بهلعٍ:
_مال عينك حمرا كده؟ ومبتردش على تليفونك ليه يا جمال؟؟
وكأنه يتلبسه شبحًا يردد دون توقف:
_عرفت مكاني ازاي؟؟؟
ارتبك قبالته، وفكر جيدًا فيما سيقول،فردد دون مبالاة:
_مش مهم، المهم إني قدرت أوصلك.
تضخم شكوك جمال بشعوره المسبق بأن هناك من يتبعه، فزاد من اصراره بحزمٍ شرس:
_مش هعيد سؤالي تاني، رد عليا؟
لطالما كان ذكيًا، سريع الملاحظة، لذا استسلم بمحاولة التمويه الفاشلة وأجابه:
_عُمران كان قلقان عليك لما خرجت من مكتبه، فخلى اتنين من رجالته يرقبوك.
اعتصر جفنيه بوجعٍ، بالرغم مما فعله ومازال يهتم لأمره، أخفض رأسه بقلة حيلة وغمامته لا تصل لسمعه حديث يوسف، يرى شفتيه تتحركان بأحاديث عديدة ولكنها لم تصل إليه.
انتفض فجأة يسرع لسيارته، فركض يوسف من خلفه يناديه:
_رايح فين يا جمال، استنى!!!
لم يجيبه وحرك مقود سيارته بسرعةٍ جعلتها تحتك بالرصيف بصوتٍ مرعب، زفر يوسف بنفاذ صبر واستدار يتأمل المكان وهو يهتف بغيظٍ:
_متسرع وغبي!!!
******
وصل للمطار بزمنٍ قياسي، ترك سيارته بالخارج وهرول للداخل يبحث عنه بين الوجوه، وكأنه طفلًا صغيرًا فقد والده، طال بوقوفه حتى استجمع ذاته، فاستعلم عن رحلة القاهرة القريبة، ومنه اندفع للبوابة الخاصة، يتمنى أن يلحق به قبل دلوفه للداخل.
انحنى يستند على ساقيه وهو يلتقط أنفاسه الهادرة بصعوبةٍ، ثم انتصب بفرحة حينما وجد يجلس بين أحد الزوايا يتابع هاتفه.
اتجه إليه بخطواتٍ مترددة، حتى بات قبالته، ابتسامة صغيرة داعبت شفتيه وهو يراقب الحذاء الاسود الواقف قبالته، ودون ان يرفع عينيه للأعلى كان يعلم صاحبه، فقال ومازال يستكين بجلوسه:
_وبعدين؟
جلس جمال جواره وقال بتعبٍ:
_مش هتسافر.
اتسعت ابتسامته رغمًا عنه واستدار بوجهه إليه يمنحه نظرة ساخرة:
_أوامرك تتنفذ عليك مش على عُمران سالم الغرباوي!
هز رأسه باستسلام ونهض يخبره:
_خلاص يبقى رجلي على رجلك، هنسافر مع بعض.
لم يستطيع منع ضحكة انفلتت صاخبة منه، وقال مستهزءًا:
_هو إنت ايه محسسني إني سايب ابني الصغير ورايا ومسافر؟
وتابع وهو يشير له على وجهه:
_وأيه اللي إنت عامله في نفسك ده؟ ده هيهون عليك اللي حصل يعني؟! بدل ما تفوق وتقف على حيلك وتفكر ترجع حقك وحق مراتك وصاحبك ازاي؟
رمش بدهشةٍ من حديثه، فتابع عُمران بغضب بعدما نهض يستعد للرحيل فور سماع النداء الاخير:
_أنا عايز حقي وإنت اللي هترجعهولي يا جمال، بكره الصبح هتكون ضربتي وصلت لنعمان، عايزك تكمل في اللي بتعمله وتخليها القاضية ليه، يمكن ساعتها أقدر أسامحك بجد.
خسر قوة ثباته قبالته، فأمسك يده يترجاه:
_متسافرش أنا محتاجلك جنبي، متبعدش يا عُمران أنا غلطت في حقك وده قتلني، لو مشيت مش هسامح نفسي.
ترقرقت رماديته بالدموع، فأحاطه بيديه يضمه بقوةٍ، فتعلق به جمال كتعلق الغريق بقشة نجاته، ربت على ظهره بحنان وقال:
_قولتهالك قبل كده عُمران الغرباوي مبيتخلاش عن اللي منه.
وابتعد يقابله بنظرة دافئة مستطردًا:
_وإنت كُلي يا جمال، مهما دخل لحياتي أصدقاء أو قرابة عمر ما حد فهمني قدك.
وربت على كتفه يدعمه:
_بس صدقني لو سافرت معايا وسبت نعمان الكلب ده من غير ما ترجع حق مراتك، عمرك ما هتقدر ترفع رأسك في وش حد تاني.
واستطرد بوجعٍ لمسه جمال ببحة صوته:
_أأنا اللي قدرت أعمله اني أضره في شغله، مقدرتش اعمل أكتر من كده لانه للاسف بالنهاية خالي، لكن باللي رجالتي قالولي عليه وهما بيراقبوك بقولك نفذ ومتفكرش في حاجة غير تارك وتار مراتك، يمكن ناري تبرد وتكون الخلاص ليا من النار اللي بتأكل فيا.
أزاح جمال دموعه وقال بصوت مبحوح:
_خليك هنا وشوف بنفسك اللي هعمله فيه، متمشيش.
اتسعت ابتسامته رغم دموعه الهابطة على وجنته، فأزاحها وهو يدعي سخريته الكاملة:
_مش بقولك طفل!! أنا يعني لو سافرت هقعد العمر كله، دول كلهم اسبوعين تلاتة وراجع.
واستكمل بخبث يشتت ذهنه:
_ أنا هسافر أريح دماغي منك تقوم تيجي ورايا!! وبعدين إنت ناسي المشروع ولا أيه، لو الممولين لقونا احنا الاتنين اختفينا مش بعيد يلبسونا قضية نصب.
يعاد تكرار النداء الاخير وازداد تشبث جمال به، ولأخر مرة يخبره بحزنٍ:
_عشان خاطري خليك…آآ..أنا آسف آآ..
قاطعه عُمران بما اعتاده من وقاحته:
_مش نقصاك بروح أمك،ما صدقت خلعت من مايا، مش ناقص انا خنقة هرمونات حمل وحوارات حريم ماليش فيها،سبني أدلع نفسي يومين وأشوف طريقة أفركش بيها جوازة شمس المنيلة دي، أنا مش هستحمل إنه يأخد البت بالسهولة دي.
وربت على كتفه بعنف:
_روح دور على مراتك وسبني أشوف حالي.
رد عليه بحزن:
_مسبتش مكان الا ودورت عليها، مش لاقيها يا عُمران.
حمل الحقيبة الصغيرة على كتفيه، وضمه إليه لمرته الاخيرة، ليتفاجئ به جمال يهمس قرب أذنيه مازحًا:
_راقب يوسف هتوصل لمراتك يا بجم!
وغمز له يشاكسه:
_ هتفضل طول عمرك غبي يا جيمي!
استعد للرحيل وتلك المرة التفت له يخبره:
_اللي حصل في اليوم ده اتمحي من ذاكرتي وذاكرتك، مفيش كلام ولا عتاب تاني فيه يا جمال، ولو عايز تريحني بجد اكسب حب مراتك وثقتها فيك من تاني، لإن هي أكتر حد اتوجع في اليوم ده.
ومر من البوابة قبالة عينيه، واستدار يشير له بالوداع مشيرًا بأنه سيهاتفه فور وصوله.
أقلعت الطائرة وتباعدت عنه، وكلما ارتفعت زادت من وجع قلبه النازف، استعاد جمال كامل قوته فأزاح دموعه الغائرة وتحرك بعد هذا اللقاء الغريب بينهما، فاتجه لسيارته يقودها بسرعةٍ فائقة متجهًا لمحل ما وجهه “عُمران” وهو يكاد يشتعل من الغضب والغيظ، متوعدًا ليوسف أشد وعيدًا، ورغمًا عنه لا يستطيع منع ابتسامته السعيدة التي تخلق فجأة كلما تذكر حديث عُمران ومسامحته الصريحة له.
******
بمبنى الجهاز المصري.
إنقلب المبنى رأسًا على عقب، مع تسرب ذلك الخبر المقبض، والمهين في حق المخابرات المصرية، بالرغم من تعنت الخبر وعدم وصوله لأي صحافة دولية الا أنه ذاع في الجهاز كخبر موسمي خطير.
اندهش “آدهم” من التكدس بالطابق الأول من المبنى، وتجهمر عدد من المتدربين يتهامسون فيما بينهم مما استرعى فضوله.
سُلطت عينيه على أفواههم واستطاع ببراعةٍ قراءة ما يقولون.
«المقدم يحيى اللي إختاره القادة إتقتل على الطيارة من قبل ما ينزل منها، والغريبة إنه كان متنكر كشفوه إزاي!!»
توجه مباشرة لمكتب “الجوكر”، استأذن العسكري لدخوله، وبعدها ولج للداخل فوجد غرفة مكتبه الضخمة تعج بعدد مهول من القادة وكبار الرتب الاستخباراتية، غادروا المكان تباعًا ولم يتبقى سوى”الجوكر مراد زيدان” يضم رأسه المشغول بالفكر ويكاد يصيب بالجنون.
تنحنح ليلفت إنتباهه، نهض “مراد” عن المقعد الرئيسي للطاولة الزجاجية الضخمة، التي تساع لأكثر من عشرونٍ شخصًا، وإتجه لمكتبه الجانبي، جلس وأشار له بثباتٍ عجيبٍ، كأنه لم يحدث شيئًا هز الجهاز بسرعة زلزالًا:
_إتفضل يا عمر.
بقى واقفًا محله يتطلع له بجمودٍ، نصب اهتمام الاخير، فقال:
_مالك؟
سحب أكبر قدر من الهواء ولفظه مع تحرر كلماته:
_أنا عايز أستلم المهمة دي يا باشا.
ألقى الجوكر قلمه الثمين على المكتب بانفعالٍ:
_تــــاني!! هو إنت مستغني عن عمرك يابني!!
وتابع بعصبيةٍ بالغة:
_مش فرحك بعد عشر أيام؟ وبعدين مش المفروض إنك في أجازة؟
بإصرارٍ قال:
_يتأجل، المهم الميكروفيلم مآآآ..
بترت حروفه فور أن ارتفعت نبرة الجوكر بضيقٍ من تمسكه بما يريد:
_أنا كلمتي واحدة وإنت عارف، وجودك هنا في مكتبي لو عشان الحوار ده فاتفضل معنديش وقت أضيعه في تفاهات هتعطلني.
وجذب الحاسوب من أمامه يستعد لمتابعة عمله، فإذا بآدهم يصيح منفعلًا:
_انا عايز أفهم أيه اللي مخلي حضرتك خايف بالشكل ده وإنت عارف كويس إني أقدر أرجع بالميكروفيلم.
انتصب الجوكر بوقفته المهيبة قبالته يحدجه بنظرة قاتلة:
_إنت إزاي تسمح لنفسك تكلمني بالشكل ده؟ نسيت نفسك ولا أيه؟ ثابت يا سيادة الرائد بدل ما أحولك للمحاكمة!
أدى تحيته بكل احترامٍ، وقال:
_أنا آسف إني اتجاوزت حدودي، عن إذن حضرتك.
وما كاد بالمغادرة حتى تسلل له صوت “مراد” الهادئ، وندائه بإسمه المحبب:
_تعالى يا آدهم.
عاد لمحل وقوفه يتابعه باهتمامٍ، فأشار بزورقة عينيه الساحرة لاحد المقعدين:
_اقعد.
إتجه للمقعد واقفًا محله بانتظار جلوس قائده، جلس مراد فاتبعه وهو يتابعه بملامح واجمة، تنهد مراد وقال:
_أنا مبقللش منك برفضي إنك تقوم بالمهمة دي، أنا أكتر واحد عارف أيه اللي تقدر تعمله، متنساش إنك من تلاميذتي.
واسترسل يوضح له:
_اللي عايزك تعرفه إني يهمني مصلحتك بالاساس لانك إنت نفسك تهمني، فرحك بعد كام يوم فإزاي عايزني أرميك لخطر زي ده؟ إنت بقالك سنين بتشتغل وبعيد عن والدك القعيد، وأكيد ما صدق يفرح بيك أقوم أبعدك تاني عنه.
ومنحه ابتسامة جذابة وهو يخبره بمشاكسة:
_يا سيدي اتجوز وعيشلك يومين وبعدها إرجع وأوعدك مش هخليك تشوف البيت ولا المدام مرة تانية لو ده هيرضيك.
بدا الحزن واضحًا على ملامحه، وما كاد بأن يستميله مرة ثانية، حتى ظهر من أمامهما ذلك الواقف على بعدٍ يتابعهما بضجرٍ منذ بداية حديثهما:
_مش فاضي أنا لمحايلاتك العظيمة مع تلميذك النجيب!
استدار “آدهم” للخلف، وانتفض يؤدي التحية للاسطورة الذي نصب طوله بعدما كان يستند بجسده على الطاولةٍ البعيدة عنهما.
فك تربيعة يديه واتجه يحتل المقعد الذي كان يحتله “آدهم” منذ قليلٍ، واضعًا قدمًا فوق الاخرى، وبيده يلهو بالكرة الجلدية التي تزين مكتب أخيه، بينما زيتونيته تتابع آدهم الواقف على بعدٍ منهما بنظراتٍ لطالما كانت غامضة.
كسر “مراد” حاجز الصمت بينهما، حينما قال:
_عمر في أجازة عشان فرحه.
مرر اصبعيه جوار شفتيه متابعًا بخبث:
_شكله مش قادر يستغنى عنك!
وتابع وهو يشير له بمكرٍ:
_أتمنى تكون المهمة اللي جمعتنا مع بعض فادتك يا حضرة الرائد.
منحه ابتسامة صغيرة وقال ومازالت عينيه أرضًا:
_فادتني جدًا وبتمنى لو تتكرر يا باشا.
قاطع الجوكر حديثهما الشاعري، قائلًا:
_وأنا بتمنى متتقابلش فيه حتى لو صدفة يا آدهم، يلا روح حضر لفرحك وحاول تستمع بأجازتك بعيد عن الشغل.
أجابه رحيم بنظرة ساخرة:
_وإنت بقى هتقف للصدف ولا هتعين حراسة ورانا!
كاد بأن يجيبه فاستوقفه رنين الهاتف الأساسي للمكتب الرئيسي، تركهما مراد واتجه يجلس على حافة المكتب ليتمكن نن الوصول لسماعة الهاتف.
بالقرب منه.
بقى آدهم محله، عزم على انتظار مراد ليتمكن من اقناعه للمرة الأخيرة، فجذب انتباهه نظرات الاسطورة الغامضة، وسؤاله الغريب:
_إنت فعلًا فرحك بعد عشر أيام؟
هز رأسه بخفوتٍ، فتابع بابتسامة خبيثة:
عظيم!
وإعتدل بجلسته يخبره بنظرة كانت غير مفهومة لآدهم:
_ويا ترى قررت هتقضي شهر العسل فين؟
ارتاب آدهم لأمره، لم يكن رحيم بالشخص السلسل بالتعامل مع أحدٌ، دومًا كان جامدًا لا يرغب بالحديث فيما لا يعنيه، أفطن بأن هناك رسالة غامضة يرسلها له الاسطورة، فراقب حروفه بتمعنٍ وخاصة حينما تابع بثبات مقبض:
_خليني أرشحلك ميلانو، بس نصيحه خدلك أسبوع هنا في مصر، قبل ما تستعد للسفر، لإنك لما تشوف جمال الطبيعة هناك مش هترضى ترجع هنا تاني.
يدون عقله كل ملحوظة يخبره بها ذلك الحاذق، وتابع ببراعته الشيطانيه:
_بس خد بالك يا حضرة الظابط مش الكل بيكون محظوظ وبيقضي شهر العسل بسلام، الله أعلم ممكن أيه يحصل.. يعني لو كنت محظوظ كفايا مش هيظهرلك علاقة سابقة في حياتك تهد أحلامك الوردية هناك، ومهما حلفت للمدام إنك مقابلتهاش في حياتك غير مرة واحدة بس مش هتصدقك، هو كده العلاقات اللي فاتت وانتهت ليها وقت ظهور بيقلب في اللي فات واتردم.
ارتسمت ابتسامة واسعة على وجه آدهم بعدما وصل إليه مفهوم الرسالة السرية التي أرسلها له الاسطورة، فاتجه إليه يصافحه وهو يردد بفرحةٍ:
_شكرًا لنصيحتك يا باشا، أوعدك اعمل بيها.
_نصيحة أيه؟!
قالها مراد بذعرٍ بعدما انتهى من مكالمته، فوقف يوزع نظراته المصعوقة بينهما، ودون أي رد فعل اتجه لاخيه يصيح منفعلًا:
_قولتله أيه يا رحيم؟!
ابتلع آدهم ريقه بارتباكٍ وقال:
_مفيش الباشا كان بينصحني أبعد عن المهمة دي لإن في الأكفئ مني.
استقام بوقفته وأسرع بالفرار، قبل أن ينكشف أمره لقائده، بينما جلس مراد قبالة أخيه يحاوطه بنظرات شك، فعاد يضع قدمًا فوق الاخرى ويطالعه بنفس الثبات الحاد، متسائلًا بسخريةٍ:
_خدت كام صورة؟
انفجر به بضيقٍ من بروده الدائم:
_رحيم متستعبطش، قولت أيه لعمر خلاه ماشي بالسعادة الغريبة دي؟
رفع كتفيه ببراءة واجابه:
_ولا حاجة!
ضم شفتيه معًا يعتصرهما معًا واغلق عينيه يستمد الهدوء وهو يخبره:
_رحيم إبعد آدهم عن المهمة دي، فرحه بعد عشر أيام والمهمة دب عايز حد متمكن أكتر منه، وطبعًا بعيدًا عن انهم كشفيني أنا وانت محتاجين حد بنفس الكفاءة تقريبًا ويكون وش جديد.
اعتدل رحيم بجلسته وقد تلاشى عنه البرود وهو يصيح منفعلًا:
_اللي عملوه النهاردة ده مش هيعدي بالساهل، ولو مخدناش الميكروفيلم ده مكانتنا هتتهز وسط الاستخبارات الدولية!
أيد حديثه حينما قال:
_عشان كده لازم نتحرك وبأسرع وقت.
وأضاف الجوكر حائرًا:
_بس للاسف اللي عملوه مع يحيى ده بيأكد إنهم واخدين حذرهم جدًا وده هيخلي المهمة أصعب.
نهض عن المقعد، ودث يديه بجيوب بنطاله، تتثاقل خطوات حذائه بخطواتٍ مدروسة، أنهاها حينما قال بغيومٍ أبادت مقلتيه بشكلٍ مخيف:
_مفيش غيره اللي يقدر يعمل كده.
انتصب الجوكر بوقفته، ولحق به يتساءل بلهفةٍ:
_مين؟
اتسعت ابتسامته الشيطانية وهو يردد ببطءٍ قاتل:
_ليل… ليل العربي!
جحظت زُرقة عينيه بصدمةٍ، فابتلع ريقه وراح يردد بصعوبة حديثه:
_إنت اتجننت يا رحيم!!!!!! ده سفاح دولي مطلوب من كل أجهزة المخابرات الدولية، عايزينا نلجئ ليه!!!! إنت مش في عقلك الطبيعي، اتجننت مؤكد إنك اتجننت!
_بالعكس ده قرار ذكي وخبيث!
قالها ذلك الذي ظهر فجأة من خلفهما، فاستدار مراد خلفه فابتسم مرددًا بعدم استيعاب:
_والله زمان يا وحش!!!
نزع جاكيته وألقاه على المقعد، ثم اقترب منهما يثني أطراف قميصه الابيض، مرددًا بسخرية وهو يرفرف برموشه الطويلة :
_أفتقدت للمة الشياطين دي، وخصوصًا لو مع الجوكر والاسطورة.
تابعه رحيم بنظرةٍ ساخطة، وقال:
_بس المرادي اللمة مش هتكون علينا بس يابن الجارحي، في دخيل من جهنم معانا، هنأخد حذرنا من عدونا مرة ومنه ألف مرة!
إبتسامة تسلية تشكلت على وجه “عدي الجارحي”، وبثقةٍ قال:
_المارد الصح ميهمهوش لا جن ولا شياطين.
وتابع وهو يشير لباب الخروج السري:
_ هنتحرك لمكان المصباح دلوقتي ولا تحبوا نروح أمته؟
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية صرخات أنثى)