روايات

رواية عذرا لقد نفذ رصيدكم الفصل الثاني 2 بقلم فاطمة طه سلطان

رواية عذرا لقد نفذ رصيدكم الفصل الثاني 2 بقلم فاطمة طه سلطان

رواية عذرا لقد نفذ رصيدكم البارت الثاني

رواية عذرا لقد نفذ رصيدكم الجزء الثاني

عذرا لقد نفذ رصيدكم
فاطمة طه سلطان

رواية عذرا لقد نفذ رصيدكم الحلقة الثانية

تفاقم غضبه واراد الطيح بكل شيء أمامه، لم يتحمل الوقوف أو البقاء وهبط للاسفل كي ينتظرها ويستنشق هواء نقي عله يبرد نيرانه..
مضت ساعة ولم تأتي بعد، كاد يجن ويفقد عقله، سار مثل المجنون ذهابًا وأيابًا؛ حتى سقط بصره على إحدى السيارات وترجلها منها مهندمة حجابها التي يتضح بأنها لم تكن ترتديه.
جحظت عيناه، ولم يشعر بذاته الا وهو يقطع المسافة الفاصلة بينهم وقسماته توحي بالشر….
غادرت السيارة وهندمت حجابها ورفعت عيناها كي تصل إلي بنايتها، لكن تيبست في مكانها وهي تراه يقترب منها ويقبض على معصمها متمتمًا من بين أسنانه يتوعد لها:
-نهار أبوكي مش معدي النهاردة..
كانت تلك الكلمات التي قالها نضال إلى سامية بعدما قبض على معصمها والسيارة التي كانت تنقلها كانت قد ذهبت في الوقت نفسه ولم تكن هي موضع اهتمام نضال الآن..
كان هناك خيارين بالنسبة إلى سامية أما أنها سوف تبكي لشدة خجلها وتوترها تحديدًا وهي تعلم بأن حجابها غير موجود على رأسها والخيار الثاني هو أن تكابر وترفع صوتها مثله متحدثة بانفعال واضح من أسلوبه الهمجي وتطاوله عليها وحاولت دفع يداه عنها لكنها لم تستطع فقالت بتشنج:
-إيه نهار ابوكي دي ما تتكلم كويس وتتكلم معايا عدل، فاكر نفسك مين يعني؟!! أنتَ مجرد ابن عمي وملكش حكم عليا ومش من حقك أبدًا تمسكني بالشكل ده.
هتف نضال بغضب جامح وهو ينظر لها:
-فين طرحتك ولا وقعت من الصياعة وقلة الأدب اللي أنتِ فيها، راجعة بعد نص الليل وقالعة طرحتك وعايزاني أكلمك ازاي يعني؟!..
كان قد ترك يدها فغادرت من أمامه وهي تحمل الحقيبة بصعوبة وركضت نحو المنزل وصعدت على الدرج وهو خلفها يسير بغضب، فقامت بقرع الجرس وفتحت لها انتصار الباب سريعًا وهي تنهر ابنتها كي تنقذها من بطشه وحتى لا تكبر المشكلة أكثر من ذلك:
-إيه اللى اخرك كل ده يا مقصوفة الرقبة حسابك معايا عارفة لو الموضوع اتكرر تاني…
عقب نضال على كلمات والدتها:
-يتكرر مين هو لسه هتستني لما يتكرر، بنتك راجعة من غير الطرحة يا حجة انتصار دي متخرجش من البيت تاني ومفيش شغل ولا غيره.
هللت سامية واضعة يدها أعلى خصرها وهي تأتي من الداخل:
-نعم يا حبيبي؟! يعني إيه اللي مفيش شغل؟! أنتَ بتحلم، وبعدين أنتَ مالك؟! حاشر نفسك في حياتي ليه أنتَ مجرد ابني عمي وقريبي ملكش أي صفة في حياتي أنتَ سامع؟! ده الواحد يسيب ليكم البيت ويغور في داهية، دي بقت عيشة تقرف….
انتهت من حديثها ثم ولجت إلى الغرفة دافعة الباب بعنف من خلفها، مما جعله يهتف بنبرة هسترية:
-أنا هوريكي القرف على أصوله يا سامية.
تحدثت انتصار بغضب وخزي من أفعال ابنتها:
-خلاص يا نضال يا ابني اهدى ووطي صوتك وأنا هتكلم معاها ونقعد بكرا نتكلم مينفعش كده هتلموا وتفرجوا علينا الناس أطلع يا ابني وعدي الليلة دي على خير..
_____________
في اليوم التالي..
-قسما الله لو ما حطيتي حد ليه واخدتي موقف بجد وبطلتي شغل معاهم معاهم عليهم عليهم ده هسيبلك البيت واطفش أنا بقولك اهو…
صرخت سامية في وجه والدتها بتلك الكلمات، منذ ليلة أمس نيران مشتعلة بها بسبب طريقته المستفزة والوقحة معها بالنسبة لها وأصابتها بالحرج أمام صديقها….
ردت عليها انتصار بغضبٍ:
-لمي نفسك وكلميني عدل، تصدقي هو فعلا نضال حياقك، يمكن يربيكي علشان أنا شكلي معرفتش.
قالت سامية بثقة:
-بقي علي أخر الزمن أنا أتجوز نضال ده اتخبط في نفوخه باين، أنتِ بس نضال داخل دماغك علشان ابن عمي وعلشان أنتِ طول النهار في البيت مشوفتيش الرجالة برا عاملة ازاي..
تمتمت انتصار ساخرة وهي تنظر لها بسُخطٍ:
– عاملين ازاي يا هانم؟! وبعدين هما الاشكال دي هيبصوا ليكي علي إيه يا بنت عبد السميع؟! اتوكسي واحترمي نفسك جيبتي لينا الكلام يا بجحة..
نما إلى سمعهما صوت رنين الجرس لتنهض انتصار وتفتح الباب لتجد زهران أمامها لتهتف بقلق وهي تبتلع ريقها بتوتر:
-أهلا يا معلم اتفضل.
هتف زهران بعبوس نادرًا ما يكون عليه دائمًا الجميع يصفه رجل صاحب “مزاج”، ولكن منذ الصباح ونضال يخبره بما حدث ليلة أمس مما أفسد مزاجه:
-البت سامية صاحية؟!.
ردت عليه انتصار بارتباك:
-أيوة اتفضل.
ولج زهران بعدما أفسحت له انتصار الطريق وهو يدخل ويجلس على المقعد بينما تجلس سامية على الأريكة وولج إلى صُلب الموضوع فورًا:
-بسببك يا سامية أنا لسه مشربتش الحجر بتاعي اللي مقدرش أكمل يومي من غيره وقولت أنزل اسمع منك اللي حصل بعد ما سمعت من ابني.
تمتمت سامية بغضب واضح:
-اللي حصل يا عمو أني مش عايزة ابنك ولا هفكر اتجوزه، وياريت يبطل يتحكم فيا ولا كأن في بينا حاجة، ده أول نقطة..
قال زهران بنبرة لا تعرف المزاح:
-أنتِ واخده مقلب في نفسك يا سامية ولا إيه؟! لو شايفة نضال ابني مش عاجبك ولا مناسب ليكي وشايفة نفسك علينا وعلى ابن عمك وأنك تستاهلي الأحسن فابني نضال لو شاور بس هيلاقي البنات تحت رجله فوقي من اللي أنتِ فيه.
كادت أن تجيب سامية عليه ولكنه لم يعطها المجال:
-وموضوعنا مش موضوعك أنتِ ونضال ولا هو بيتحكم فيكي بس أنتِ ساكنة في بيت رجالة، عمك مش مركب قرون يا سامية علشان تقلعي طرحتك؛ ولا عيال عمك *****، احترمي نفسك وارجعي لعقلك مش معني إني سايبك براحتك أني هسمح تخلي الناس تجيب سيرتنا على أخر الزمن.
هتفت سامية بتوتر ولكنها حاولت أن تكابر وهي تغمغم:
-الحجاب ده حاجة بيني وبين ربنا ومحدش له حق يدخل فيها وانا اصلا مكنتش محجبة بمعنى الكلمة يعني أنا كنت بحطها فوق رأسي وخلاص منظر؛ وبعدين ابنك قل مني واتكلم معايا بأسلوب وحش في الشارع هو مش وصي عليا.
تحدث زهران بنبرة واضحة:
-سامية كلام الستات أنا مبحبهوش ومعاكي حق نضال ملهوش حق يحكم عليكي بس أنا عمك وليا حق غصب عنك ولو أمك مش هتقدر تلمك وتحكم عليكي وتخليكي تحترمي نفسك وتفهمك أنتِ بتهببي إيه يبقى أنا اللي هحكم عليكي متخرجيش برا باب البيت.
كادت سامية أن تتفوه بما قد يخرب الوضع أكثر ولحقتها والدتها التي قالت:
-معلش يا حج زهران البت بس لسه طايشة وصغيرة.
هتف زهران بنبرة جامدة:
-صغيرة إيه؟! اللي قدها فاتحين بيوت كلامك ده اللي مخليها تتفرعن، أنا عمري ما حكمت عليها ولا ادخلت في حاجة وحتى ابني كنت بمنعه عنها وبقوله يشوف غيرها لكن ده مش معناه أنها تنسى أنها لحمي ودمي وأنا مش هقبل بأي غلط وكلام ملهوش لازمة، عقلي بنتك يا انتصار ولغايت ما تعقل ملهاش خروج برا البيت ولو على نضال هو من النهاردة ملهوش علاقة بيكي الكلام معايا أنا.
وجه حديثه الأخير إلى سامية ثم نهض، لتنهض سامية هي الأخرى متحدثة بعدم استيعاب:
-يعني إيه الكلام ده؟! انا عندي شغل ومواعيد وحجوزات.
رد زهران عليها ببساطة:
-مش هتخرجي من البيت لغايت ما تكون قد الثقة أننا نسيبك تخرجي وتروحي وتيجي زي الأول، ولا تقوليلي حجوزات ولا مواعيد اقعدي ساعدي أمك في البيت أنتِ مش ناقصك حاجة ومتجادلنيش اكتر من كده أنا رايح أشرب الحجر بتاعي على رواق..
وسار بضعة خطوات ليقول بنبرة جهورية:
-عقلي بنتك يا انتصار وخليها تحمد ربنا أن نضال هو اللي شافها مش أنا علشان كنت جرجرتها من شعرها..
كانت تلك الكلمات هي ما ختم زهران بها حديثه وهو يغادر من الباب الذي مازال مفتوحًا..
______________
بعد أذان العصر..
أول شيء فعلته سلمى عند دخولها إلى المنطقة هو الذهاب إلى جزارة خطاب من أجل شراء اللحمة؛ اليوم هو يوم الراتب لذلك هي ستقوم بشراء اللحمة التي قد تكفيها الشهر كله تقريبًا..
ذهبت وتحدثت مع الشاب الذي يعمل هناك وهي تخبره ببساطة شديدة:
-عايزة اتنين كيلو لحمة مفرومة واتنين كيلو صاحية، بس كلهم مفيهمش دهون خالص عايزة حتة لحمة حمراء، وعايزة كل ثمن منهم لوحده أو ربع…
عقب الشاب بانزعاج وهو يقوم بتقطيع اللحم للمرأة التي تقف بجانبها دون أن ينظر لها:
-ثمن إيه يا آنسة هي في حاجة اسمها كده؟!.
جاءه صوت رجولي يعرفه جيدًا وهو يأتي من خلف سلمى:
-كمل اللي أنتَ كنت بتعمله وأنا مع الآنسة سلمى هشوف محتاجة إيه وفي أي وقت تيجي تعملها طلبها.
هتف الشاب وهو يرفع بصره بنبرة هادئة وتغيرت نبرته تمامًا وهو ينظر لهنا:
-حاضر يا معلم نضال.
أستدارت سلمى متحدثة بنبرة هادئة:
-ازيك يا نضال عامل إيه؟!.
أجاب نضال عليها ببشاشة كعادته مع الجميع رغم انزعاجه مما حدث ليلة أمس حتى أنه تأخر في نزوله اليوم عن أي يوم أخر..
-الحمدلله بخير، ثواني هدخل اغسل ايدي واجي.
بعد دقائق كان يقف أمامها يقوم بتقطيع اللحمة لها؛ لحم صافي كما أختارت وأخذ يقسمه لها كما أرادت رغم أنه لا يفعل هذا إلا قليلًا لكنها في النهاية أخت زوجة شقيقه المستقبلية.
-وقفت علشانك مخصوص مهوا مش كل يوم بتنورينا دي أول مرة اشوفك..
تحدثت سلمى بنبرة ساخرة رغمًا عنها:
-شكرًا تعبتك معايا..
-العفو متقوليش كده وبعدين صحيح العروسة عاملة إيه؟!.
ردت سلمى عليه ساخرة:
– شكلها مفيش عروسة ولا عريس، جهاد حطت الشبكة لسلامة في السبت أنتَ متعرفش ولا إيه؟!
قهقه نضال هاتفًا وهو يهز رأسه لها متحدثًا وهو يزن اللحمة في الأكياس:
-اه ما أنا شوفت بعيني الشبكة منورة عندنا على السفرة، ويا ستي دول عقلهم صغير وبيحبوا بعض وكلنا عارفين أنهم هيتصالحوا، وبعدين هي أول مرة أختك تديه الشبكة يعني؟! على يوم الخميس هتلاقي أبويا طالع معاه او مرات عمي انتصار وبيصالحوهم على بعض.
تمتمت سلمى بنبرة هادئة وهي تعقد ساعديها:
-ربنا يصلح ليهم الحال ويهديهم.
– آمين يارب.
ثم أسترسل حديثه ببساطة وهو ينظر لها بعدما وضع كل شيء في كيس كبير ويمد يده لها:
-بعد كده لما تعوزي حاجة متتعبيش نفسك اتصلي بس بيا او بالرقم اللي على اليافطة ويطلعولك الحاجة لغايت فوق.
أخذت سلمى منه الكيس ووضعته على المقعد الحديدي الذي يتواجد جانبها هاتفه وهي تخرج محفظتها من الحقيبة:
-تمام شكرًا جدًا يا نضال.
-العفو على إيه بس؟!.
هتفت سلمى بهدوء:
-ها الحساب كام بقا مش عايزة أعطلك عن كده أكيد رايح المطعم.
عقب نضال على حديثها وهو يرفع حاجبيه:
-أنتِ بتهزقيني يا سلمى؟!.
تحدثت سلمى بعدم فهم لا تعلم فيما أخطأت:
-عملت إيه أنا غلط؟!
-حساب إيه اللي تدفعيه؟! أحنا أهل ومفيش الكلام ده.
قالت سلمى بصلابة وهي تنظر له رافضة:
-لا شكرًا يا نضال، بس مش هينفع لو سمحت قولي الحساب كام لأني معرفش أصلا كيلو اللحمة عامل كان دلوقتي أنا أول مرة أصلا أجيب لوحدي ماما دايما اللي بتجيب كل حاجة.
هتف نضال بهدوء:
-يا سلمى قولتلك خلاص.
-لا مفيش خلاص لازم تقولي بكام…
نبرتها كانت مرتفعة قليلا؛ وكان من يصعد على السلالم في الوقت نفسه الحاج زهران وخلفه الصبي يحمل له أرجيلته بعدما هبط من شقة شقيقع:
-أهلا أهلا يا سلمى يا بنتي مالك صوتك عالي ليه؟! هو نضال تخصص يضايق لينا القوة الناعمة ولا إيه.
ضحك نضال هاتفًا بسخرية من نفسه:
-شوفتي يا سلمى أهو هتثبتي عليا تهمة بحاول ابعدها عني.
ثم وجه حديثه نحو والده:
-يا بابا مصممة تدفع حق الحاجة.
تحدث زهران برفض قاطع وهو ينظر لها بعتاب:
-تدفعي إيه يا سلمي؟! متزعلنيش منك يا بنتي خدي الحاجة ودي حاجة بسيطة روحي….
ثم وجه حديثه إلى الشاب الذي يقف ويراقب الحوار ويشرب كوب الشاي:
-ادخل اوزن للست سلمى اتنين كيلو سجق كمان علشان تجربه وتقولنا رأيها
تمتمت سلمى بحرج شديد:
-يا عمو أنا مش هينفع اخد أي حاجة إلا لما أدفع ثمنها.
أردف زهران وهو يمزح معها:
-دوقي بس السجق والحاجة وقوليلي عجبوكي ولا لا، وبعدين نبقى نشوف حوار الدفع ده، عيب يا سلمى أنتِ زي بنتي وأحنا أهل، ده أنا حتى بقول عليكي عاقلة مش زي اختك وسلامة الاتنين عقلهم خفيف، ربنا يكملك بعقلك..
ثم أسترسل حديثه بنبرة ذات معنى:
-ازيك وازي الحاجة يسرا؟!.
ردت سلمى بحرج وهي تشعر بالضيق الشديد لم يكن عليها أن تأتي إلى هنا ولن تأتِ مرة أخرى:
-الحمدلله بخير.
تحدث نضال مقاطعًا الحوار:
-أنا هدخل اغسل ايدي وامشي علشان رايح هناك..
رد والده عليه:
-روح أنتَ وأنا كلمت ليك سمير يبعتلك الخضار…
______________
-يعني إيه يعني مش هتسبيني أنزل؟!.
قالت سامية تلك الكلمات وهي تقف بجوار والدتها في المطبخ وهي تقوم بتقطيع الخضروات من أجل صنع الطعام..
تحدثت انتصار ببساطة:
-هو أنتِ مسمعتيش كلام عمك؟! مش قالك مش هتنزلي من البيت؟! يبقى متنزليش.
هتفت سامية بنبرة غاضبة:
-وهو هيحكم عليا ليه؟!؟
-بصفته عمك، مش أنتِ عايزة حد له صفة يحكم عليكي مدام نضال ملهوش صفة يبقى عمك من حقه يربيكي.
غمغمت سامية متأففة بنبرة هسيتيرية:
-أنا معرفش أنتِ اللي سلبية معاهم بالشكل ده معايا ولا معاهم أنا اللي بنتك؟! وبعدين هما بيمنوا علينا يعني؟! أي حاجة بيعملوها ده حقنا مش زيادة منهم، وأحنا حريين.
أستدارت لها انتصار قائلة بعصبية مُفرطة:
-لا يا بنت بطني أنتِ مش حرة، مدام وصلت بيكي قلة الأدب أن حتى الطرحة اللي كنتي بتحطيها منظر ومبينه شعرك منها تروحي خلعاها بكل بجاحة معرفش ليه، يبقى أنتِ عايزة راجل يشكمك مدام أنا مبقتش قادرة عليكي وبعدين اتخفي من وشي أنا مش طايقاكي أصلا.
هتفت سامية بنبرة غاضبة:
-أنا هكلم خالو وخالتو على فكرة وهقولهم..
قاطعتها انتصار ساخرة:
-قوليلهم عمي مانعني اخرج علشان قلعت الطرحة وانا ماشية ولو مجاش خالك كسر رجلك وعمل اللي عمك معملهوش مبقاش انا انتصار وابعدي عن وشي بقا سبيني اتنيل اخلص الأكل بدل سدة النفس اللي أنتِ مخلياني فيها دي روحي اترزعي في أي حتة..
قالت سامية بتهور:
-أنا هنزل..
-عمك تحت لسه كنت شايفاه وانا بنشر الغسيل عايزة تفرجي عليكي الشارع وعلينا انزلي.
أبتعدت سامية عنها وذهبت إلى غرفتها وألقت بحقيبتها على الفراش بغضب وغل كبيران فهي كانت قد استعدت للخروج لكن الآن حديث والدتها جعلها تتراجع قليلًا ولأنها ترغب في السيارة لا تريد أي نقاش جديد مع عمها إلى أن تأتي السيارة على الأقل..
نهضت من الفراش والتقطت هاتفها وهي تغلق باب الغرفة ثم قامت بالاتصال على رقم مُسجل باسم حمزة..
أجاب عليها بصوتٍ هادئ ومشرق:
-الو يا ساسو عاملة إيه؟!.
على الأقل هي “ساسو” في نظر بعض الأشخاص، حمزة هو زميل لها في الجامعة، كانت على علاقة سطحية جدًا به، لكنها نوعًا ما كانت تكن له الإعجاب بطريقته وحديثه اللبق، وكل شيء…
وبعد ان انتهت من دراستها منذ عامين تقريبًا لم يحتك بها إلا قبل ثلاث أشهر تقريبًا وجدته قد أرسل لها طلب صداقة قامت بقبوله وأخذ يتابع منشوراتها ويبدي إعجابه بها وكان من القليل جدًا من الرجال الذين يتابعون محتوى هكذا…
كان بين الحين والأخر يسألها عن أحوالها في محادثات قصيرة جدًا وعلى فترات متباعدة إلى أنه قبل ثلاث أسابيع تواصل معها من أجل حفل زفاف شقيقته ورغب في إتيانها وجعل شقيقته تحدثها بأنها تتابعها وشعرت بالسعادة حينما علمت بأنها صديقة مشتركة بينها وبين شقيقها…
ليلة أمس كانت مختلفة جدًا بالنسبة لها، لطالما عرفت بأن حمزة من وسط مختلف تمامًا عن وسطها وبيئتها لذلك كانت ترغب في الظهور بشكل مختلف؛ وهي لم ترتدي الحجاب الحقيقي، ولا غير الحقيقي عن اقتناع، بل اجبرتها الظروف فقط؛ لكنها ترغب في ترك خصلاتها حرة وأرادت الظهور بهذا الشكل ليلة أمس، وفي نهاية اليوم عرض عليها أن يقوم بتوصيلها..
-الحمدلله يا حمزة أنا كويسة، أنا بس متأسفة مش هقدر اجي الكافية عندك النهاردة.
سمعت صوته تحول من الإشراق إلى العبوس في ثواني:
-ليه كده بس؟!.
-حصلت ظروف.
ادهشها وهي تسمع صوته من الهاتف يقول:
-بسبب الواد اللي جه في الشارع خدك ده لما نزلتي من العربية، على فكرة انا مرضتش انزل علشان ميحصلش مشكلة أنا استنتجت أنه حد من ولاد عمامك علشان كده مرضتش انزل واعملك مشكلة مع إني اضايقت جدًا من الأسلوب الهمجي ده..
شعرت بالحرج الشديد لذلك أجابت عليه:
-يعني أنا كنت متأخرة وكده..
قاطعها هو بنبرة واضحة:
-وهو ماله هو مجرد ابن عمك ملهوش حكم عليكي.
-يعني اكيد بس طبعا الموضوع وصل لعمي وأنا اتاخرت امبارح فحصلت شوية مشاكل يعني الأمور عندنا مش بتمشي كده.
سمعته يهتف متأسفًا:
-للأسف…
ثم أسترسل حديثه بنبرة خافتة:
-مع إني كان نفسي اشوفك النهاردة ونتكلم مع بعض واوريكي الكافية بتاعي اللي لسه فاتحه.
تمتمت سامية بنبرة هادئة ومرتبكة من أن تأتي والدتها في اي لحظة:
-معلش ان شاء الله تتعوض قريب أول ما ظروفي تتحسن هجيلك علطول أنا عرفت مكانه.
-بلغيني قبلها وهكون في انتظارك.
____________
– يوه يا إيناس أنا جاية أقعد معاكي مش علشان اشوف الحيطان.
قالت أحلام ” شقيقة طارق” وهي تعمل طبيبة في أحدى المستشفيات، لم يقصر شقيقها طارق المهاجر في تعليمها ابدًا حتى أن أنهت دراستها والآن اصبحت طبيبة مثلما حلمت والدته للراحلة يومًا وتمنت.
قال أحلام تلك الكلمات وهي تجلس في الصالة الخاصة بشقة الزوجية الخاصة بصديقتها إيناس ” شقيقة دياب” وزوجها عمرو الذي يكون متواجد في عمله الآن..
جاءت إيناس من الداخل وطفلتها “جني” البالغة من العمر ثلاث سنوات تسير بجانيها وهي ممسكة بطرف عبائتها، بينما شقيقتها التوأم “جواد” نائم بالداخل.
كانت إيناس تحمل فوقها أكواب الشاي وكعك صنعته من أجل صديقتها، وها هي تجلس على الأريكة مما جعل صديقتها أحلام تتحدث وهي ترى الضمادة الموجودة حول معصم ايناس والتي قامت بتغييرها عند إتيانها:
-عرفتي اخوكي دياب أو امك؟!.
تحدثت إيناس وهي تهز رأسها نافية:
-لا معرفتش حد لو عرفوا هتبقي مصيبة ومشكلة يا أحلام، أنا مش بروح علشان العيال والمسافة بعيدة على امي وهي عارفة ان ظروفنا على قد حالها مش بتيجي غير لو أنا عزمتها هي بتكلمني كل يوم وأنا بقولها أن كل حاجة تمام.
لوت أحلام فمها بتهكم متحدثة بجنون:
-المصيبة فعلا أن تعيشي تحت سقف واحد مع الراجل ده، اللي كل شوية يديكي علقة وأنتِ سكتاله.
تنهدت إيناس ثم أردفت وهي تراقب ابنتها التي جلست بجوارها على الأريكة تشاهد أحدى المقاطع على الهاتف:
-لو مسكتش هعمل ايه؟! ما أنا لما بناطحه بيضرب اكتر، ولو قولت لدياب او امي هيحصل مشكلة وهيطلقوني منه.
-احسن هو دي عيشة تكوني مطلقة احسن ما تكوني في بيته ولا للدرجاتي لاحس مخك وبتحبيه.
خرجت من إيناس ضحكة ساخرة وهي تتذكر وقت مراهقتها حينما كانت فتاة في مرحلة الثانوية العامة لا تدري متى وكيف تعرفت عليه، أنقلبت حواسها وقتها رغم تفوقها الشديد في الدراسة، الجميع كان يراهن بأنها ستدخل إلى كلية الطب هي وصديقتها وجارتها أحلام، لكنه استحوذ عليها بالكامل أهملت كل شيء لأجله حتى في النهاية ولجت إلى كلية التجارة ووقتها تم الزواج وهي في الفرقة الثانية، بينما أحلام ولجت إلى كلية الطب محققة أحلامها ورغم كل ذلك علاقتهما لم تنتهي أبدًا.
-الحب ده اللي ضحك عليا وكل عقلي بيه يا أحلام قبل الجواز، لكن دلوقتي مفيش حب كل حاجة راحت.
سألتها أحلام بعدم فهم:
-اومال مكملة يعني معاه علشان العيال؟! وهو صريف اوي يعني..
-لا مش صريف بس بيصرف حتى لو قليل أخر مرة روحت عن امي وغضبت من سنة مكنش بيبعت حتى جنية وأنا كنت متقلة على دياب أوي، دياب وراه حمل ما يتلم امي ودراسة اختي، وجوازه بقاله ثلاث سنين خاطب ولسه شقته مخلصتش لو روحت واطلقت هزود الحمل من عليه، خصوصًا ان امي قالتلي امبارح انه ساب الشغل.
تمتمت أحلام بحيرة وانزعاج:
-انزلي اشتغلي يا ايناس أنتِ مش جاهلة يعني والمحاسبة والشئون الإدارية مرتباتهم حلوة، أنزلي اقفي على رجلك كده واصرفي على نفسك والعيال وديهم حضانة.
أردفت إيناس بألم:
-مش عايزني اشتغل خالص.
-اطلقي واشتغلي وريحي دماغك وريحيني أنا مش مستحملة أشوفك كده..
تنهدت إيناس ثم ابتسمت بمرارة محاولة تغيير الموضوع:
-اتكلمي في أي حاجة تانية يا أحلام؛ أنا قرفانة وعايزة اقضي معاكي وقت حلو ينسيني الغلب اللي أنا فيه مش يفكرني بيه..
تفهمت أحلام ذلك وسمعتها تعقب بعدها:
-صحيح لابسة أسود ليه كده؟!.
أردفت أحلام موضحة:
-مش أنا قولتلك أن الدكتور عز الدين توفي، روحت المستشفى وكنت فاكرة أن جواد هيجي محبتش أقابله وأنا لابسة ملون بس مجاش النهاردة برضو.
ردت إيناس عليها بدهشة:
-أنا مش عارفة أنتِ عايزة أيه من الراجل ده؟! يعني ولا جواز عايزة تتجوزيه ولا عايزة تسبيه والمفروض انك بتحبيه.
-مش عايزة اكون زوجة تانية ولا عايزة الناس تتكلم عليا.
هتفت إيناس ساخرة:
-وهي الناس مش هتتكلم عليكي والمستشفى كلها عارفة العلاقة اللي ما بينكم تقريبًا؟!.
هزت أحلام رأسها متحدثة بلا مبالاة:
-دلوقتي هي مجرد شكوك غير لما يكون الوضع رسمي وواضح.
ببساطة شديدة أجابت عليها إيناس:
-طب ما أنتِ عارفة من البداية من قبل ما يكون في بينكم حاجة أنه متجوز ومن بنت عمه ومفيش أمل يطلقها؛ وهي معندهاش مشكلة يتجوز كمان علشان موضوع الخلفة زي ما قولتي وبعدين الراجل غني وبيجيبلك كل شوية شيء وشويات بتقبلي ليه مدام أنتِ مش عايزة.
أردفت أحلام بنبرة عادية:
-يعني أنا كنت بحبه ومنجذبة ليه في البداية فعلا بس مع مرور الوقت بحاول احسبها صح.
-عارفة إيه مشكلتك يا أحلام؟!.
-إيه هي مشكلتي يا إيناس؟!.
تمتمت إيناس بصراحة مطلقة رغم أنها لا تعرف الرجل نفسه فقط تقرأ عنه في صفحات التواصل الإجتماعي ومن صديقتها تسمع عنه:
-مشكلتك أنك بتدوري على الاحسن منه لكن لغايت دلوقتي مش لاقية حد ينافسه، يعني مش لاقية حد يجيبلك اللي هو بيجيبه ولا يعملك اللي هو بيعمله وبيساعدك في مجالك والمستشفى وبيصرف على الماجستير بتاعك، ويكون مش متجوز وقدك في السن لو لقيتيه هتكرفي الراجل ده، زي ما كنتي حاطة عينك على نضال بعدين كرفتيه لما لقيتي اللي يناسب مستواكي في التعليم…
ضحكت أحلام متحدثة بنبرة هادئة:
-بحب فيكي يا إيناس أنك فهماني أكتر من أي حد، وبعدين أنا فعلا بحب جواد بس برضو مفيش مانع اخد وقتي محدش بيجري ورايا وفي نفس الوقت هو فعلا مقدرش أتخلى عنه ده راجل لما أقول الحاجة قدامه بالصدفة بعديها بكام يوم يكون جايبها ليا ليه اسيبه؟!.
ابتسمت إيناس بعدم رضا:
-بس انا مش مرتاحة للموضوع ده يا أحلام يا حبيبتي، يعني خدي موقف الافضل يا تكملي معاه وخلاص مدام هو كويس يا تسبيه وتنتظري حد فيه المواصفات اللي أنتِ عايزاها.
قالت أحلام بثقة وهي تنهض من مكانها تعدل من وضعية ملابسها:
-متخافيش عليا يا إيناس أنا عارفة أنا بعمل ايه وبأخد أكتر ما بدي، المهم أنا هقوم امشي بقا قبل ما جوزك يجي، وهحاول أكلم جواد وأنا ماشية يمكن يرد عليا لأنه موبايله أغلب الوقت يا مقفول يا مش بيرد من ساعة وفاة والده.
ثم أسترسلت حديثها بنبرة ذات معنى وهي تنحني متحدثة بنبرة خافتة:
-الشنطة اللي اديتهالك فيها البرشام أنا جيت اول ما قولتيلي خلص ومش عارفة تنزلي تجيبي حاجة، اوعي تحملي تاني من الراجل ده حتى لو بالغلط هي المشرحة مش ناقصة قُتلة، كفايا عليكي جنى وجواد اوعي تسمعي كلامه وتخلفي تاني أبدًا، فهميه أن التأخير مش منك سمعاني.
-حاضر يا أحلام متقلقيش أنا مش ناوية أزود الحِمل عليا.
___________
في البناية التي يقطن بها دياب مع عائلته في الطابق الثالث..
أما الطابق الأول يعود إلى صاحب البناية ولكنه تركها منذ زمن وشقته مغلقة يأتي بين الحين والأخر…
أما الطابق الثاني تقطن السيدة بهية البالغة من عمر سبعون عامًا بمفردها، منذ أن وُلد دياب وهو يعلم بأن تلك المرأة تقطن بمفردها وبين الحين والأخر كانت تأتي شقيقتها مع طفلها إلى حين أن توفت ويأتي لزيارتها ابن شقيقتها فقط، تلك المرأة هي حالة نادرة بالنسبة إلى دياب، لم يأتِ في عقله يومًا أن تصبح أمرأة عزباء لمدة تزيد عن خمسين عامًا ولم تتزوج بعد وفاة خطيبها ظلت طوال عمرها وفية له حتى الآن تعلق صورته في منزلها، كانت دومًا حزينة يتذكر بأنها كانت أمرأة جميلة جدًا قبل أن يصيبها العجز وبعدها ذهب نظرها….
يحمل بين يديه كيس بلاستيكي يتواجد بداخله دجاج مشوي على الفحم من أجلها رغم أنها جزء من أخر نقود في جيبه بجانب ما أعطاه إلى والدته “حُسنية” من أجل مصاريف دراسة شقيقته ومصاريف المنزل ولا يعرف ما الذي سيفعله في أيامه القادمة..
ضغط على الجرس ولم يجد إجابة منها، كررها للمرة الثانية والمرة الثالثة، وهي أخبرته أنه إذا تخطى الأمر ثلاث مرات ولم تفتح، يدخل هو مستعملًا نسخة المفتاح التي أعطتها له ذات يوم لعل هناك مكروة أصابها، فتح دياب الباب وولج بلهفة وقلق بعدما ترك الطعام ليجدها تجلس على المقعد ترتدي خمارها المنزلي وهي تؤدي صلاتها هنا تنفس الصعداء وأغلق الباب ببطئ شديد وقرر أن يمرح معها قليلًا..
وجدها في مرحلة التسليم لذلك أسقط أحدى الزهريات البلاستيك التي أتى بها يومًا للزينة والتي يخرج منها ورود بلاستيكية ليجدها لم تتحرك ولم تصدر أي رد فعل ؤرغم أنها أنتهت من صلاتها ولكنه وجدها تنهض وتتوجه ناحيته وهي تسير على عكازها شعر بأنها أتت من أجل أن تفتح له الباب ولكن لم يكن في الحسبان أنها رفعت عكازها وضربته على كتفه متحدثة بسخرية:
-أنتَ فاكرني عامية يا واد ومش هحس بيك؟!.
تأوة دياب وهو يضع يده على ذراعه متحدثًا بفظاظة:
-أومال أنتِ أيه يا حجة؟! بتضحكي علينا يعني وبتشوفي؟!.
-بحس يا عبيط وبسمع، ودني بتسمع ضربة النملة يلا تعالي أقعد معايا وحشتني يا ابني.
هبط دياب بجسده وترك قُبلة على كفها الممتلئ بالتجاعيد وتحدث وهو يسير خلفها حتى جلس على المقعد وهي جلست على الاريكة، وتحدث:
-وأنتِ كمان وحشتيني يا بهية، عاملة ايه يا ست الكُل؟!.
هتفت بهية ببشاشة:
-بخير يا حبيبي وزي الفل، أنتَ إيه اخبارك من ساعة ما سيبت الشغل؟!.
رفع دياب حاجبيه وتحدث ساخرًا:
-جرا ايه ؤا حجة بهية طب بتحسي وبتسمعي ماشي، لكن مش شغالة في المخابرات، عرفتي الكلام ده منين؟! ده لسه امبارح…
ردت عليه وهي تستند على عكازها وتنظر ناحيته ولكن ليس له:
-مش بسمع صوت دبة رجلك وأنتَ نازل في ميعاد شغلك، فسألت البت حور وهي رايحة المدرسة قالتلي أنك سيبت الشغل.
-اهو بسبب واحدة بس لو أعتر فيها هلعب في وشها البخت ومش هيطلع عليها الصبح، واحدة من الناس اللي شايفة نفسها ومشافتش ساعة تربية.
تمتمت بهية بعد تنهيدة خرجت منها وهي حزينة على هذا الخبر الذي قام بتأكيده:
-معلش يا ابني اهو ده النصيب، نصيبك في الشغل ورزقك هناك انقطع لغايت كده، وربنا هيرزقك بالاحسن ان شاء الله؛ البت ليلى خطيبتك عاملة ايه؟!.
هتف دياب بنبرة مختنقة:
-زي القردة وشبة متخانق معاها.
ضيقت بهية عيناها متحدثة بانزعاج:
-ليه كده بس.
-كل ما أكلمها تجلد في اللي خلفوني، وهتعمل إيه هتعمل إيه، وتروح قايلالي أمي مش ومش أمي، وتقعد تشيلني الهم أكتر ما أنا شايله، فقولتلها متتصلش بيا تاني لغايت ما أفوقلها واشوف هعمل معاها هي إيه، أنا مش ناقصني واحدة تعلني.
حاولت بهية قول أي شيء قد تواسيه به:
-يمكن يا ابني بس هي نفسها تتجوزوا علشان كده بتعبر بطريقة غلط بس ومش قصدها تضايقك ولا حاجة.
-دي مش عيلة صغيرة ولا مش فاهمة كم الضغوطات والمسؤوليات اللي عليا أنا جه وقت كنت بنام اقل من ثلاث ساعات في اليوم، الصبح في المطعم وبليل كنت بشتغل في صيدلية دكتور جورج قبل ما يسافر علشان اعرف اجيب الشقة بس واسدد اللي ورايا وهي مش حاسة بأي حاجة طول الوقت هتعمل إيه، هتعمل إيه وتسم في بدني.
أردفت بهية بهدوء:
-خلاص روق كده وبعدين دي ليلى حبيبتك يعني، هي بس بتعبر عن خوفها عليك بطريقة غلط.
يعلم بأنها تحاول التهوين عليه بطريقة لم يفعلها أحد سوى أمه، حتى معشوقته تلومه في الليل وفي النهار، لا تشعر بعجزه الحقيقي….
هتف دياب محاولًا أن يغير الموضوع:
-أنا جايبلك بقا فرخة مشوية من عند الكبابجي اللي بتحبيه في السيدة روحت مخصوص.
عاتبته بهية متحدثة بتهكم:
-يا ابني خلي فلوسك أنا عندي كل حاجة والله مش محتاجة حاجة، لازم تقعد تبزعق في اللي معاك وأنتَ في فترة صعبة.
تمتم دياب بنبرة جادة:
-الساعة اللي بقعدها معاكي دي يا بهية بالدنيا وما فيها عندي وبعدين مستورة الحمدلله، أنا عموما لو احتاجت أي حاجة هاجي أخد منك مش أحنا صحاب وفي ضهر بعض.
ضحكت بهية على ما يبدو لم يستكمل جديته إلى النهاية:
-وأنتَ يا واد بتعرف تأخد أوي، أنا بطلت اطلب منك تجيبلي حاجة علشان مش بتأخد ثمنها وبقيت أقول لأبن ام شيماء وهو نازل علشان بيأخد مني وبيرحني.
حاول دياب تغيير الأمر قائلا:
-يلا يا بهية الفرخة هتبرد، أنا سايب البسلة بتاعت أمي فوق علشان بشوفها بتنرفز ومبحبش حتى اشوفها في الطبق قدامي ونازل أكل معاكي، تعرفي لو كنت شوفتك زمان او كنت عايش على أيامك أنا كنت اتجوزتك اهو احسن من بنات اليومين دول……
____________
تسير ” أحلام” في الشارع وهي تضع الهاتف على أذنيها متحدثة بنبرة هادئة بمجرد أن سمعت صوته الكئيب بسبب ما يمر به:
-الو ازيك يا حبيبي عامل إيه؟!.
أتاها صوته من الهاتف مقتضب:
“الحمدلله يا أحلام، أنتِ عاملة إيه وإيه اخبارك؟!”.
-بخير الحمدلله؛ المهم أنتَ عندي، كنت فاكرة أنك هتيجي المستشفى النهاردة وكنت مستنياك.
“مش هعرف اجي الكام يوم دول قاعد ما اخويا قبل ما يسافر ومع اختي”.
بصوتٍ حنون كانت أحلام تعقب على حديثه:
-ماشي يا حبيبي خد وقتك مع أنك واحشني والمكان من غيرك ملهوش طعم، بس علشان خاطري حاول ترد على الأقل على الواتساب انا قلقانة عليك ومش عارفة أقعد كده من غير ما أعرف عنك حاجة.
“هحاول بس موعدكيش أنا مخنوق جدًا”.
-عارفة ومقدرة اللي أنتَ فيه، لأني مريت بيه ربنا يعينك ويقويك يا حبيبي…..
_____________
مش بتحبى تعيشى حياتك غير بشروطك
مش بتحبى تشوفى حقيقتك غير فى مرايتك
مهما اتكلم عمرك مابتسمعى غير صوتك
خدتى حياتى وروحى وعمرى خلاص بكفاية
انانية وغرورها ماليها وبتظهر على غير حقيقتها
قسوتها دى احن مافيها وبتتباهى بحنيتها
ولا دى الانسانة اللى اتمنيتها ولا اختارتها
ياخسارة كل التضحيات اللى انا ضحيتها
على واحدة مبتحبش فى حياتها غير نفسها
مش دى الانسانة اللى اتهيائلى فى يوم حبيتها
ولا دى الانسانة اللى اتمنيتها ولا اختارتها
ياخسارة كل التضحيات اللى انا ضحيتها
على واحدة مبتحبش فى حياتها غير نفسها
يسمع “سلامة” كلمات الأغنية من المقطع الذي قامت جهاد بنشرها على حسابها الشخصي يحاول فهم ما الذي تريده في نشر مقطع هكذا الحديث لا يناسبه مثلًا إذا كانت قامت نشره من أجل أن يراه وهي تقصده كباقي الأغاني…
للحق هو مشتاق إلى حد الجنون لذلك أراد أن يكف عن العناد ويصالحها وأخذ يفكر في تعليق مناسب قد يكتبه لها على المقطع لعله يكون السبب في صُلحهم…..
” جرا إيه يا جهاد واخدة دوري ليه، أستاذ أحمد سعد كان بيغنيها لواحدة، ياريت تاخدي الاغاني اللي تمشي معاكي وتسبيلي الاغاني اللي تمشي معايا لو سمحت”.
ألحق تعليقه بـ ملصق تعبير غامزًا لها، وكانت في الوقت نفسه جهاد الهاتف بين يديها رأت إشعار قد أرسل لها بتعليقه لتستشيط غضبًا وهي تقوم بقرأته وأخذت تكتب له دون تفكير وكعادة أي رجل حاول أن يصالحها وأن يبدأ الحديث بينهما لكنها ظنت بأنه يصفها هي، لذلك جدث مشكلة أخرى الرجال لا يعرفون تنسيق كلماتهم يقصدون شيء ويحدث شيئًا أخر…
“مين دي اللي أنانية وغرورها ماليها يا أستاذ سلامة؟! أنتَ تقصدني أنا بالكلام ده، كتر خيرك وعلى العموم أنا اللي غلطانة إني مبلكتكش من ساعة ما اخدت شبكتك كان المفروض متبقاش عندي على الاكونت..”.
قرأ سلامة التعليق الخاص بها فهو ينتظره على أي حال وحاول قرأة تعليقه مرة أخرى ولا يعلم ما الذي فهمته تلك المعتوهة هو يريد الصلح معها…
ولما تخبر الناس على الملأ في التعليقات بأنها قد أخذ شبكته؟!.
” تبلكي مين يا جهاد؟! أنتِ شكلك أتجننتي”
تعليق يتم اتباعه بتعليق جديد…
“اتجننت يوم ما حبيتك يا سلامة واتخطبت ليك، لو أنا أنانية وغروري ماليني مالك بيا؟! خطبتني ليه واتحايلت عليا علشان أوافق بس اتخطبلك ليه”
“أنتِ كنتي تطولي أساسًا؟!! وبعدين أنا ولا قولت أنانية ولا غيره أنتِ اللي عاملة شير للأغنية أساسًا فوقي يا دراما كوين”.
هذا ما كتبه وحاول كتابة تعليق أخر لكن في الوقت نفسه أتى له إشعار بأنه قام بانتهاك المعايير الخاصة بالتطبيق ولا يعلم ما الذي فعله!!!..
لكن كل ما يعرفه بأنه تم حظره…
ليراقبها وهي تعلق..
“مين دي اللي تطول اومال مين اللي كان في الطالعة والنازلة كان بيتحايل عليا علشان اوافق بيه”
كتبت جهاد التعليق وانتظرت رد لكن لا يتواجد رد لمدة دقائق…..ظ
قامت بكتابة تعليق أخر..
“أنتَ فين يا أستاذ سلامة؟! روحت فين؟! لما رديت عليك سيبتني؟!! ولا علشان معندكش كلام تقوله”
” ولا أقولك شوف نفسك بتكلم مين ان شاء الله عنك ما رديت”.
كتبت تعليقها الأخير وألقت بالهاتف على الفراش ثم ركضت إلى الخارج بطريقة جعلت كوب الشاي الذي يتواجد في يد والدتها يسرا على وشك أن يسقط وهي تخبرها:
-أنا مش هرجع لسلامة أنتِ سامعة..
تزامنًا مع صوت صراخ جهاد كانت سلمى تدخل إلى المنزل وهي تحمل أكياس اللحم وبعض المشتريات التي وضعتها وتسمع صراخ شقيقتها وهي تختم حديثها:
-لو أخر راجل في الدنيا أنا مش عايزاه ولا يمكن ارجعله….
أنهت حديثها وركضت إلى غرفتها وهي تأخذ هاتفها من وسط دموعها وتجده لم يجب على تعليقاتها فقامت بمسح المنشور وأخيرًا انتبهت أن هذا الشجار كان أمام الجميع، ولأنها ترغب في تكملة الشجار كانت على وشك الاتصال به من كثرة الغيظ التي تتملكها ولكنها أبت من أجل كرامتها، لكن بما أن الهاتف قد اهتز في يدها معلنًا عن اتصال من سلامة نفسه إذن لن تتأذى كرامتها وهي تجيب عليه:
-ألو..
هتف سلامة معتذرًا أنه لم يستكمل الشجار..
“ألو يا جهاد معلش يا حبيبتي معرفتش اكمل الخناقة والله اتحظرت ومش عارف أرد اوعي تفتكري اني طنشتك”.
ردت عليه بنبرة منفعلة:
-حبك برص..
” لا حبتني جهاد”
ثم أسترسل حديثه بشقاوة:
“وبعدين مين دي اللي أنانية يا بت، ده أنتِ روح قلبي من جوا يا جهاد وبعدين أنتِ معاكي حق أنا كنت بلف الدنيا وفي الطلعة والنازلة بتحايل عليكي علشان تتجوزيني ونتخطب، كل اللي قولتيه صح فعيب بقا بعد ده كله نفضها سيرة…..”.
هتفت جهاد بكبرياء:
-والله كنت قولت لنفسك الكلام ده قبل ما تروح تنزل بوست لشاهندة تقولها كل سنة وهي طيبة..
“امسحلك شاهندة واللي خلفوها كمان لو حابة، هبلكها خالص؛ ولا هنزل لأي واحدة اي حاجة، بس نتصالح، يا جهاد احنا فرحنا قرب بقا المفروض نعقل شوية”.
تمتمت جهاد بنبرة هادئة مقارنة بما كانت عليه:
-هو أنا يعني اللي بعمل المشاكل دي لوحدي؟! ولا أنتَ اللي بتقول شكل للبيع.
“حقك عليا، حقك عليا يا ستي أنا غلطان متزعليش بقا علشان خاطر اللي ما بينا، وبعدين هي ولا أول خناقة ولا أخر خناقة هتحصل يعني..”..
المشهد قد يبدو غريبًا..
لكنه ليس غريبًا أبدًا أن كان يصف علاقة كـ علاقة سلامة وجهاد….
في الخارج..
كانت سلمى هي التي تدب شجار هاتفة:
-أنتِ ليه مقولتليش أنك لما بتروحي تجيبي لحمة من عند جزارة خطاب أنهم مش بيأخدوا منك فلوس.
سألتها يسرا بغضب وتوضيح في الوقت ذاته:
-وهو أنتِ سألتيني وأنا مردتش عليكي؟! وبعدين أنا عارفة حصلت معايا مرتين ومن ساعتها بطلت اروح وبجيب من جزارة اولاد عزت من السوق وبريح دماغي وبعدين سلامة لما كان بيجي زيارات كان ساعات بيجيب معاه لحمة بس لكن انا مبروحش اشتري أنتِ مسألتنيش..
هتفت سلمى بنبرة ساخطة وأعصاب طوال الوقت مشدودة:
-كان لازم تعرفيني برضو…
قالت يسرا بجنون من بناتها فهما على وشك أن يكونوا السبب في ذهابها إلى العباسية:
-هو أنا بخمن يعني؟!!!! لو كنتي اتنيلتي سألتي كنت قولتلك وابعدي عني بقا علشان اخلص كوباية الشاي واقوم اشوف البت مالها إيه اللي فتحها تاني بالمنظر ده..
تمتمت سلمى باختناق شديد وهي تخبر والدتها بما حدث:
-انا روحت ومرضيش لا نضال ولا أبوه ياخدوا مني فلوس، وكمان ادوني حاجات غير اللي طالباها.
وفي الوقت نفسه وقبل أن تنهي يسرا كوب الشاي جاءت جهاد من الداخل ببسمة واسعة وهي تمسح دموعها بيد واليد الاخري تحمل الهاتف بها والذي كان سلامة عليه..
-أنا وسلامة اتصالحنا يا ماما وهو بيقولك فاضيين امته علشاني يجي يديني الشبكة؟!.
كانت الصرخة تلك المرة من نصيب سلمى التي هتفت:
-هو المسلسل التركي ده كل شوية يتعاد ولا إيه احنا زهقنا
سمعت جهاد صوت سلامة من السماعة الموضوعة في أذنيها:
-لا اختك مجنونة بجد وتصرفاتها مش طبيعية أنا هبقى أكلمك وقت تاني خدي ميعاد من طنط….
____________
في اليوم التالي…
-أنا بس لو أشوفها تاني مش هحلها.
قال دياب تلك الكلمات وهو يسحب نفس من سيجارته وهو جالسًا على القهوة مع صديقه نضال الذي رد عليه بنبرة عادية:
-خلاص يا دياب سيبك منها بقا هي واحدة في الاول والاخر مش راجل، سيبك منها وخلاص راحت لحالها.
هتف دياب ساخرًا:
-اه راحت لحالها ياخويا بعد ما قلت مني وبسببها اطردت من الشغل والنهاردة روحت مقابلة عايز يشغلني بألفين جنية في الشهر، والله مشيت قبل ما اسمعه الغلط والصح واللي ميتقالش واللي يتقال.
حاول نضال أن يواسيه متحدثًا بطريقةٍ إيجابية:
-ان شاء الله تلاقي فرصة كويسة قريب أنتَ لسه سايب الشغل أول أمبارح ملحقتش تدور كويس أصبر شوية ووسع خلقك.
تمتم دياب متهكمًا:
-ماشي ولما أنا اوسع خلقي المسوؤليات اللي ورايا هتوسع خلقها هي كمان؟! مش في دروس ومصاريف بيت غير ليلى هانم اللي بتسم بدني بالكلام ومش عاجبها اني سيبت الشغل على أساس إني سايبه بمزاجي ولا علشان أخد ريست..
كان يرغب في أن يقترح عليه أن يعطيه مبلغ من المال ويرده حينما يستطيع ولكنه خشى أن يزعجه فهو يعلم حساسية دياب في تلك الأمور وأنه حينما يريد “سُفلة” منه سيخبره بمفرده ويُردها لذلك عقب نصال بنبرة هادئة:
-أن شاء الله هتتحل قريب فكها بقا.
تمتم دياب باستغراب وهو ينظر له:
-أنا اللي افكها؟! ولا أنتَ اللي ضارب بوز أكتر مني ولا كأنك أنتَ اللي واحدة ملهاش لازمة مسحت بكرامتك الأرض وبقيت عاطل..
لأنه يحمل هموم أخرى منذ رؤيته إلى سامية وهو يشعر بمشاعر غريبة غير مفهومة لكن من ضمنها الغضب وتلك المرة لا يستطيع مشاركة مشاعره تلك وهذا الموقف أمام صديقه، هي ابنة عمه في النهاية لا يستطيع أن يخبر أحد بما فعلته.
-مفيش حاجة بس مخنوق شوية لا أكثر ولا أقل.
تمتم دياب بذكاء هو يعلم على الأقل أن الموضوع يخص ابنة عمه حتى ولم لا يفصح عن التفاصيل:
-والله أنتَ اللي دماغك مريحاك اللي مش عايزك متعوزهوش يا نضال وشوف ست ستها واتجوز ريح دماغك ولا تتعب قلبك ولا نفسك مع اللي مش مقدرك….
كلمات كانت في الصميم….
لكن لم يكن نضال يرغب في أن يتحدث في الأمر لذلك تمتم بنبرة عادية:
-إيه رأيك لو نكلم الواد طارق فيديو كول أنا مكلمتهوش النهاردة تعالى نشوفه عامل إيه……
الاتصالات لم ولن تنقطع بين الثلاثة أبدًا..
صداقة لن تجد لها مثيل ونادرة في هذا الوقت..
عقب دياب بنبرة جادة:
-يلا نكلمه علشان اخليه يحسبن معايا على اللي ما تتسمى يارب تقع تحت ايدي تاني وهطلع قرف السنين كله على جتتها….
____________
في مطار القاهرة كان يقف محمد مستعدًا للسفر إلى الإمارات العربية المتحدة، من أجل مؤتمر…
محمد يمتلك شركة خاصة بالانشاءات والعقارات بل أنه أكبر المستثمرين في الشرق الأوسط، يبلغ من العمر خمسة خمسين عامًا، ورث كل شيء عن والده…
وقبل أن يتحرك مع رجاله إلى الساحة الخاصة بالانتظار صدع صوته هاتفه يعلن عن اتصال من رقم غريب..
فأجاب ليأتيه اتصال من ابنته ريناد:
-بابا الحقني..
تيبس محمد في مكانه هاتفًا بقلق:
-مالك يا ريناد؟! ورقم مين ده اللي بتتكلمي منه؟!!
-بابا أنا في القسم تعالي ضروري….
___💜

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية عذرا لقد نفذ رصيدكم)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *