روايات

رواية حان الوصال الفصل الحادي والثلاثون 31 بقلم أمل نصر

رواية حان الوصال الفصل الحادي والثلاثون 31 بقلم أمل نصر

رواية حان الوصال البارت الحادي والثلاثون

رواية حان الوصال الجزء الحادي والثلاثون

حان الوصال
حان الوصال

رواية حان الوصال الحلقة الحادية والثلاثون

الحياة تسير؛ سعيد او حزين لا تتوقف ، وإن لم تتقدم وتتخطى المعوقات، لا تكن أبدًا اهلا للعيش بها .
الاستسلام هو عدوك الأكبر، فلا تساير الواقع دون مقاومة او بحث عن حلول.
لا تكف عن المحاولة
#بنت_الجنوب
اصطفت السيارة في المكان المخصص لها، داخل محيط الجامعة الضخم، لتترجل في البداية صديقتها العزيزة، ثم تبعتها هي لتسحب انفاس قوية، وتتوجه بأبصارها نحو المبنى الغالي على قلبها، والذي هجرته منذ سنوات على غير ارداتها ليأتي اليوم وتحاول إكمال المتبقي من الطريق، لتحقيق حلمها.
– ها يا قمر مستعدة؟
توجهت صفية بالسؤال نحوها، والتي أتت معها اليوم لتؤازرها وتساعدها في الإجراءات، وفي دعم معنوي ايضا.
ردت بهجة باشتياق شديد ومشاعر لا تعرف وصف لها؛
– مستعدة جدا، مستعدة اوي، بس خايفة لتحصل معوقات ويرفضو الطلب العودة.
تبسمت صفية بثقة قائلة:
– عيب يا بنتي كلامك ده، دا انا مجهزة طلب العودة من امبارح، شغل المعلم لابنه يعني عملته بمزاج، ان شاء الله مجلس الكلية يوافق ومتواجهناش اي معوقات
– يارب يارب
تضرعت بها بقلق لتقترب منها صفية تضغط على يديها الباردتين تمازحها:
– ايه يا بنتي ايدك متلجة، لدرجادي متوترة، لا اهدي كدة وخليكي واثقة في نفسك وفي صاحبتك، هتكملي يا قلبي وهتنولي كل اللي بتتمنيه، بس نتحرك بقى، مش عايزين نتأخر اكتر من كدة.
تبسمت اليها بامتنان، لتسير معها نحو مبني الهام الذي حرمت منه ، وقبل ان تصل إلى الدرج الرخامي الضخم لمدخله، صدح صوت الهاتف برقمه، لتتبادل مع صديقتها النظر بحيرة قطعتها صفية بالضغط على اغلاق الهاتف قائلة:
– متزعليش مني بقى، احنا مش عايزين عطلة .
وسحبتها تسرع بصعود الدرج، لتعقب بهجة بضحكة اختلطت بتوترها:
– يالهوي عليكي يا صفية، طب افرضي شادي ابن عمتي اتصل دلوقتي عشان يطمن، يلاقيه مغلق ويقلق بقى، ما انتي عارفة انه متابع معانا المشوار.
– هيبقى يتصل عليا يا اختي متشليش هم.
تمتمت بها صفية بإصرار لتواصل السير بها دون اكتراث بمن يحترق محله الاَن، وهذا التجاهل المبالغ فيه، يجعله على وشك ارتكاب جريمة .
– بتقفلي السكة في وشي يا بهجة، دا انتي شكلك اتجننتي، ولا انا اللي طولت بالي عليكي زيادة وخليتك تتفرعني عليا.
– بتكلم نفسك يا حبيبي؟
جاء الصوت الناعم من خلفه ليزيده حنقًا، فيلتف اليها بغضب لا يخفيه:
– لا طبعا يا ست الكل، وانا هتعصب ولا ازعل نفسي ليه؟ والهانم بتقفل السكة في وشي، طبعا حقها مادام بتلاقي اللي يعصيها عليا .
كعادتها هذه الأيام، استطاعت إخفاء ابتسامتها لتجيب بمراوغة:
– تاني بتتحمق وتحمل عليا وعلى المسكينة بظنونك، طب افرض هي مشغولة دلوقتي في تقديم أوراقها، شيء طبيعي أنها تقفل تليفونها.
نهض يطالعها باستهجان واستفسار غير مريح:
– تقدم أوراقها فين؟ هي بتعمل ايه بالظبط من ورايا؟ ومن غير ما تبلغني؟
– بتقدم طلب عودتها للجامعة، فيها ايه دي؟
قالها ببساطة زادت من اشتعاله، ليهدر بها:
– فيها كتير يا نجوان هانم، كتير اوي، دا كفاية أنها بتعرفك خطواتها وانا جوزها ما بتقوليش، لكن تمام، تمام اوي.
بصق كلماته وخرج ذاهبًا من امامها بخطواته السريعة، وقد علمت الاَن طريق اتجاهه، لتردد في أثره بقلق:
– أحنا شكلنا زودانها المرة دي ولا ايه؟ ربنا يستر.
❈-❈-❈
بصق من فمه على الارض بعد خروجه من إحدى المنازل في داخل المحمية الغريبة، بعدما استيقظ من نومه صباحًا يجد نفسه على فراش غريب مع فتاة لا يعرفها، ليكتشف انه أثقل في الشراب السيء والمواد الممنوعة تلك التي يتاجر فيها، وبات على الفراش الرث بعد إقامة علاقة مع هذه الفتاة الرخيصة، والتي كانت تشير اليه الان من نافذتها ضاحكة وقد أعجبها وسامته، عكسه هو، فكل ما يشعر به الآن هو القرف، لا يدري كيف فعل معها ذلك، والفضل يرجع طبعا للمواد المخدرة التي غيبت عقله.
ليبصق مرة ثانية يتجنب الالتفاف لها، رافضًا اي ارتباط معها حتى لو عادي، يغمغم بحديث نفسه؛
– الله يحرقك ويحرق محمية الزفت دي كلها، بقى انا هيما اصحى الاقي نفسي على فرشة وسخة زي دي، ومع مرة عفشة ما تساويش نكلة في سوق النسوان، بعد الستات النظيفة اللي كانت بتترمى تحت رجلي وبفلوسي…
ابصر بعيناه هذا الفتى الذي كلفه بمهمة لم ينجح بها حتى الاَن، ليتذكر من كانت لعبة في اصبعه، تلك التي كان يستمتع بذلها فكان يستكثر عليها نفسه، ويراها في الجمال اقل من العادية، ليتفاجأ بها بعد زواجها من آخر تحولت كليًا، هل كان أعمى عن جمالها؟ ام هي من كانت تتعمد إخفاء فنتنها لمن يستحق، لكن لا والله لن يجعلها تهنأ بعيدا عنه، يسقط هو في الوحل، وتستقر هي في حياتها الجديدة مع رجل اخر يتمتع بما كان حق له ، هذا ابدا لن يستمر
بخطوات سلحفية اقترب من الفتى الذي كان يعطيه ظهره، منشغلا في الهاتف كعادته على احد الالعاب، ليباغته فجأة بالقبض على قماش قميصه من الخلف
– ازيك يا عويضة، وحشتني يا راجل
اجفل الفتى واعتراه الهلع في البداية، قبل ان يستعيد ثباته ليعبر عن اعتراضه نحو الطريقة التي يمسكه بها:
– الله الله يا عم إبراهيم، ايه المسكة اللي شبه عكشة الحكومة دي، نشفت دمي يا راجل.
هزهزه ابراهيم بعنف ليزيد عليه بعدم اكتراث:
– ان شالله انت كلك تنشف على بعضك ولا تغور في داهية حتى، انت متهمنيش في حاجة ياض، عملت ايه في الطلب اللي طلبته منك؟
انتفض عويضة داخله، تأثرًا بهذه الهيئة المخيفة لهذا المدعو ابراهيم، وعيناه الحمراء تبث مزيدًا من الرعب اليه، ليبرر على الفور مدافعًا عن نفسه:
– والله العظيم كذا مرة ابعت لينكات مسابقات وحاجات ياما تخص الستات، لكنها مبترودش ولا اكنها بتفتح اساسا.
– مليش فيه يا حبببي، تتشقلب تعمل نفسك قرد، المهم تتصرف وتهكر الخط، انا مش هعتقك يا عويضة لو ما نفذت وعملتها، انا خلقي ضيق ياض ومعنديش حد يقول كلمة وميبقاش قدها.
يهدر مقربًا وجهه منه، وكأنه على وشك الفتك به، ليجبره على مهادنته، خشية أن يأذيه:
– خلاص يا عم إبراهيم هحاول بكل جهدي النهاردة
دفعه بعنف اسقطه ارضًا:
– ميخصنيش كلمة احاول دي، انا عايز الخبر اليقين فاهم ياض ولا افهمك.
– فاهم والله العظيم فاهم .
تمتم بها عويضة برعب منه، ليستعد بداخله إلى مرحلة اخرى من المحاولات علٌها تأتي بنتيجة هذه المرة.
❈-❈-❈
فتحت رؤى باب المنزل تستقبل زوج شقيقتها الذي كان يحمل عددًا من الأكياس، ملقيًا اليها بالتحية:
– عاملة ايه يا رؤى؟
– حمد لله يا ابيه اتفضل؟
قالتها تتناول بعضهم، ليدلف خلفها بحلة عمله، لتستقبله نرجس بمبالغتها كالعادة:
– اهلا اهلا يا جوز بنتي، شرفت ونورت، طلتك ولا القمر وانتي داخل كدة بالبدلة الميري
تبسم يجاريها في الحديث رغم ضيقه:
– تشكري يا حماتي، اصل انا خلصت شغلي وجيت على هنا على طول، عشان اطمن على أمنية، هي عاملة ايه دلوقتي .
– كويسة يا ابيه اطمن، هي بنفسها قالتلي كدة الصبح .
قالتها رؤى لتضيف نرجس:
– وانت لسة هتسأل، ما تدخل لها يا حبببي ، هو انت غريب يعني؟ دا حتى بيتك ومطرحك.
تردد في استقبال الدعوة ليردد بمكر رغم ادعائه الحرج:
– ماشي يا حماتي، بس انا عايز اطمن الاول، لا يمكن يكون عندها حد من الجيران ولا اصحابها.
– لا والله مفيش، ولو في يبقى هما اللي ينكسفو مش انت
قالتها نرجس بعفويتها، لتعلق رؤى ضاحكة وقد فهمت مقصده:
– هيجو ازاي بس الجيران يا ابيه؟ ومحدش منهم يعرف بموضوع امنيه، ولا انت فاكرنا نسينا تعليماتك .
تبسم يدفعها بخفة على جانب رأسها بيده وقد أعجبه ذكائها:
– لا منستش طبعا يا عفريتة، خليكي على طول كدة شاطرة بقى، وانا هروح اطمن على أمنية
تطلعت نرجس في أثره لحظات، ثم تسائلت نحو ابنتها بعدم فهم:
– هو جوز اختك بيقولك خليكي شاطرة ليه؟
❈-❈-❈
دلف اليها بداخل الغرفة ليجدها نائمة، يبدو أنها لم تشعر به، فلم يكلف نفسه تعب ايقاظها، وقد تحرك بخفة ليرتد ويغلق باب الغرفة، ثم يخلع عنه سترته العليا، ليتبقى فقط بالفانلة البيضاء على البنطال ، واندس بجوارها تحت الغطاء على الفراش، يلف ذراعه حولها
شعرت به لتستيقظ من غفوتها البسيطة، حتى كاد ان يصيبها الهلع، لولا همسه الخفيض:
– اشش انا عصام
غمرها الإطمئنان بغمرته لتحاول الاعتدال نحو جهته او الجلوس بجذعها ولكنه قربها بذراعيه التي تضمها من الخلف:
– خليكي براحتك ماتتحركيش، انا اصلا مرتاح كدة.
تبسمت مزعنة لأمره تسخر:
– انت شكلك تعبان من الشغل وجاي تنام؟
لم ينكر ، فجاء رده وانفاسه تلفح بشرة عنقها:
– بصراحة اه، الليلة اللي فاتت مرت عليا زي الكابوس وانتي مش معايا، وعمال أأنب نفسي اني سمعت كلام الدكتور وجيبتك هنا تريحي عند مامتك، كان واجب تقعدي في شقتنا واقعد انا جمبك واراعيكي.
هذه المرة غلبها الشوق لتعتدل بجسدها وتقابل وجهه، تمسح عليه بكفها الحانية تطمئنه:
– بس انت مهما عملت لا يمكن هتبقى زي امي، هتبقى عطلة ع الفاضي لاني برضو كنت هبعتلها تساعدك
تناول كف يدها التي تلامس بشرته، ليردف باستسلام:
– ماشي انا اتأكدت أنها هتعرف تساعدك وتريحك على ما نعدي الفترة الصعبة دي اكتر مني، لكن انا بقى هعمل ايه في بعدك وانتظار الايام دي اللي محد عارف هتبقى كام يوم لحد ما يطمنا الدكتور،
واستطرد يقرب نفسه أكثر ويقبلها من وجنتيها:
– انا اتعودت خلاص انام على دفى حضنك، حتى لو مفيش اي حاجة بينا، يكفي نفسك جمبي على السرير.
رغم تأثرها الشديد بكلماته، إلا أنها فضلت اخذ الأمر بمزاح حتى لا تدمع عيناها امامه:
– خلاص يبقى انتقل معايا هنا، هات هدومك وكل حاجتك، واهي الأوضة واسعة وتساعي كتير.
قرصها بإصبعي السبابة والابهام على وجننتها مرددًا:
– واضيق على امك واختك في بيتهم يا مجنونة يا أم عقل طاقق.
– ااه براحة يا عصام خدي وجعني.
قابل قولها بابتسامته:
– احسن عشان تبطلي جنان واقتراحات هبلة، اهم حاجة بس طمنيني حاسة بإيه النهاردة؟
أغمضت عينيها بتعب مرددة:
– تاني يا عصام ، ما انا قولتلك كذا مرة في التليفون كويسة، اسجلها ريكورد عشان تسمعها كل دقيقة.
عبست ملامحه يدعي الضيق في رد لها:
– لا يا ظريفة متسجليش عشان انا مش هبطل سؤال والمطلوب منك برضو تجاوبي بصدق، يعني لو في حاجة كدة ولا كدة تقولي ، مش تهملي زي المرة اللي فاتت، فاهمة كلامي.
قال الاخيرة بتحذير فهمت عليه، لتسارع في ترضيته على الفور بقولها:
– خلاص يا عصام والله فهمت ومش هكررها تاني .
– يبقى تسمعي الكلام وانتي ساكتة.
اومأت بطاعة ليضمها اكثر ويغمض عينيه مردفًا:
– شطورة وياللا نامي بقى، عشان اعرف انام انا كمان ، واخطفلي ساعتين بعد سهر الليلة اللي فاتت .
❈-❈-❈
تقدم بخطواته داخل المخزن المهجور منذ سنوات، حتى لم يعد احد يتذكره، نظرا لتوسع تجارتهم واختيار غيره بمسافة أقرب،
نظر إلى داخل المكان الذي تركها به ولم يجدها ، فجالت عينيه يبحث عنه حتى وجدها واقعة بالمقعد الموثفة به، وقد بدا جليًا محاولاتها الحثيثة لفك قيدها حتى انقلبت بهذه الهيئة، وحينما يأست من فشل محالولاتها المستمرة اضطرت للنوم بهذه الصورة، انتابه شيء من الشفقة نحوها، ولكن سرعان ما أخمد هذا الإحساس بداخله،
ليقترب منها ويعدلها بالمقعد المقيدة به، مما جعلها تستقيظ فتصطدم عينيها بوجهه بهذا القرب، لتخاطبه على الفور برجاء:
– انت جاي عشان تفكني صح؟ اكيد رجعت لعقلك وعرفت انا مين ؟
تبسم بثقة يتركها ، ثم قرب احد الكراسي يمسحها من الغبار اولا ثم يجلس مقابلا لها واضعًا قدما فوق الأخرى، يتحدث بهدوء:
– للأسف كان نفسي افرحك، بس الحقيقية هي ان انا واحد مخه طاقق، حتى وانا عارف انتي بنت مين؟ برضو مُصر اعلمك الأدب على عملتك معايا.
صرخت به بعد احباطه لأملها الاخير:
– لا دا انت فعلا مجنون بقى؟ انت مقيدني من امبارح صبح يا معتوه انت، لا اكلت ولا شربت ولا دخلت حمام.
رد ببساطة:
– بس انا ممنعتكيش من الأكل، عرضت عليكي الأكل والشرب امبارح بس انتي رفضتي.
عبرت مشمئزة:
– بقى عايزني انا اكل من ايدك، انا اش ضمني ان كانت نضيفة ولا هببت بيها ايه؟
ضحك يرفع الكفين امام عينيها:
– اهو يا ستي عشان تتأكدي أنها نضيفة، ما هو انتي مفيش قدامك غير الطريقة دي، لأن انا مش هحلك دلوقتي، انسي.
– انسى دا ايه؟ هو انت ناوي تضربني ولا تقتلني.
رددت بها بخوف غلف نبرتها، ليسارع هو بالتوضيح غاضبًا:
– مش انا اللي أمد ايدي على واحدة ست ولا أذيها، حتى لو كانت هي تستاهل
صدرت الاخيرة منه بعنف جعلها تجفل لتستعيد شراستها مرة أخرى في الرد عليه:
– ولما هو كدة حبسني ليه في ظروف غير ادميه، رابطني ومانعني اكل ولا اشرب ولا ادخل حمام.
– لا حول ولا قوة الا بالله
تمام بها ضاربًا كفيه ببعضهما من تذمر يراه غير مجدي معه:
– تاني برضو بتعيدي وتزيدي في نفس الكلام، ما قولتلك يا بنت الناس، اكل مش هتاكلي غير من ايدي، والشرب نفس الأمر، هتدلعي بقى وترفضي براحتك، وخلي الجوع يقرصك بقى.
زامت بقلة حيلة تستلم اخيرا، اذعانًا لصوت الوحوش بمعدتها التي كانت تصرخ من الجوع، لتوميء برأسها قائلة:
– طب الاول قبل ما اكل، عايزة اغسل ايدي، امسح المكياج اللي زمانه بهدل بشرتي.
– وماله يا ستي يعني جيتي في جمل
قالها يضحك بمرح، لينهض من امامها، ثم يقرب الطاولة التي وضع عليها الطعام وزجاجات المياه، ثم تناول محرمة ورقية وما ان رفعها امامها حتى ارتدت رأسها للخلف بخوف منه، ليزفر بضيق قائلًا:
– دي عشان أمسح المكياج اللي باظ في وشك، مش هعملك حاجة وحشة يا ست..
اضطرت للأستسلام، ثم امتدت يداه ليبدأ بالجبهة ثم ينزل بخفة على باقي ملامحها، برقة متناهية، فكلما مسح من المساحيق، كلما ظهر جمال بشرتها الصافية والخالية من أي شوائب، حتى وصل الى الشفتين والتي ما ان أزال اللون القاني منها حتى ظهر لونها الوردي، ليلعلن داخله غباء امرأة مثلها، تتمسك بأحدث صيحات الموضة، وتخفي ما وهبها الله من جمال فاتن.
زفر مرة اخرى ، ليلقى المحرمة من يده، شاعرًا بأشياء لا تصح ابدا مع امرأة مثلها، وجلس بغضب يكتمه ، ليقرب شطائر الطعام المعروفة، ليتهكم مخاطبًا لها:
– مرديتش اجيبلك من البيت ولا اي محل عادي من الشارع، عشان تعرفي غلاوتك عندي، قولت اجيبلك من حاجة مشهورة تفتح نفسك
لوكت قليلًا بفمها تمضغ القطعة التي قطمتها، لتعبس ردا له:
– وانت فاكر يعني ان اكل ال Fast Food حاجة حلوة ولا مستحبة عندي، دا انا بس عشان جعانة.
مط بشفتيه يظهر عدم اكتراثه، ليظل صامتًا في انتظارها حتى تنتهي من طعامها، قائلة:
– انا خلصت اكل، فاضل الحمام هتعملها ازاي دي بقى.
تبسم بمكر ليعود إلى كرسيه مسترخيًا:
– دا حاجة سهلة، المخزن هنا فيه كذا حمام، المهم نتكلم شوية ناخد وندي مع بعض.
جحظت ابصارها نحو الجهة التي أشار اليها، مبنى صغير وضح جليًا فائدته، وقد كان يشبه المراحيض العامة التي تتصادف برؤيتها احيانا في الطريق لتصرخ:
– لا بقى كل الا ده، اتنازلت واكلت من ايدك ، شربت من ازازة مية معدنية مش معروف مصدرها، لكن اسكت على ده اهو دا اللي يمكن يحصل، انا لورا، عيلتي متأصل جذورها لأسرة محمد علي، يعني أمرا وباشوات….
ظل صامتًا، يتركها تهذي وتصيح بالتهديد والوعيد ، يتأملها جيدًا بعدما أزال عن وجهها تلك المساحيق التي كانت تخفي جمالها الطبيعي، فكلمة فاتنة قليلة عنها ، ولكن لسانها وروحها الخبيثة تحتاج المزيد من الترويض، وهو مستعد تمام الاستعداد لذلك
– انت يا بني أدم انت، هتفضل سايبني كدة من غير ما ترد وكأني بكلم نفسي.
تبسم بتكاسل:
– دا ذنبي يعني، اني سايبك تخرجي كل اللي في قلبك، شتيمة وأي كلام زفت على دماغك، المهم انك في الآخر تهدي او تتهدي بمعنى أصح .
فغرت فاهها بانشداه تشعر أنها على وشك الإصابة بجلطة من افعاله:
– يا نهار اسود على برودك، انتي ازاي طايق نفسك كدة؟ لوح تلج.
.
قهقه ضاحكًا بصورة اثار استفزازها، رغم إعجابها بضحكته الغريبة التي لم تسمعها قبل ذلك على الإطلاق، والتي تجمع بين الروح الشعبية التي ينتمي اليها، وبين خشونة الرجال الأقوياء، رغم هدوءه المبالغ فيه، لتنفض عنها تلك الأفكار الغريبة عقب قوله:
– والله انتي حقك تحمدي ربنا اني كدة معاكي، بعد عملتلك السودة معايا والقصة اللي ألفتيها عشان اروح وابهدل الدنيا عند بنت عمي في محل عملها، بس اللي مجنني بقى، انتي ليه تعملي كدة؟ كان قصدك ايه؟ واحدة زيك وواخدة منصب كبير، بتغل ليه من واحدة غلبانة زي بهجة وعايزة توقعها في مصايب .
تبسمت بشر وكأنها وصلت اخيرا للجزء المحبب في الحوار:
– حقك تستغرب اكيد بس بقى لما تسمع مني أسبابي ، وتعرف مين بالظبط هي بنت عمك اللي بتعمل دلوقتي مصيبة عشان خاطرها، اكيد هتقدر ، ومش بعيد تتفق معايا .
تحركت رأسه بعدم استيعاب مرددًا خلفها:
– اتفق معاكي كمان! دي انتي عندك ثقة جامدة في نفسك ، طب انا عايز اعرف بقى دلوقتى، ايه هي اسبابك .
زاد اتساع ابتسامتها الماكرة لتجيبه برحابة:
– حلو اوي الكلام ده، بس الاول كدة هات تليفوني اللي انت محتفظ بيه عندك وانا افتحه بالبصمة واطلعلك الدليل اللي يثبت على كل كلمة اقولهالك
❈-❈-❈
تم الانتهاء اخيرا من الإجراءات، بأخذ الموافقة على عودتها إلى دراستها الجامعية بعد انقطاع، ليأتي الان موعد العودة، وحديث بينهما لا ينتهي.
– انا فرحانة اوي يا صفية، رغم اني حاطة ايدي على قلبي لامعرفش اسد واستوعب المواد اللي نسيتها من الركنة.
– بعد الشر عليكي، هتسدي وتبقى من الشطار كمان، انتي يا قلبي كنتي ممتازة، دا الدكتور مؤيد افتكرك بمجرد ما ذكرت قدامه اسمك.
قالتها صفية وهي تتقدم نحو سيارتها، ليصدح فجأة بوق سيارة اخرى انتفضت له بإجفال، جعل من يقودها يضحك بملئ فمه، اثناء ترجله منها مبديًا اعتذاره:
– انا اسف يا آنسة، مكنش قصدي اخضك وآلله…..
واكمل ضحكاته حتى استفزها لتنهره غاضبة:
– يا خفة، يعني كمان بتستظرف وبتضحك اعرفك منين انا عشان تعمل معايا الحركة دي؟
اجابها ببساطة:
– بس انا مش عامل كدة عشانك
قالها متوجهًا بأبصاره خلفها، ليجبرها على الالتفاف، فتجد بهجة تكاد ان تقع على نفسها من الضحك، كاتمة على فمها ، وما يظهر من بشرتها، قد تلون للأحمر القاني.
– يا سلام، وانتي كمان يا بهجة بتضحكي لهزار البني آدم السخيف ده.
– طب اعمل ايه….. مقدرتش والله،….. هي كدة…… جات فجأة.
تمتمت الكلمات بتقطع نتيجة لفرط ضحكاتها، ليزداد اندهاش صفية عقب قول الاخر والذي تماسك بصعوبة هو الاخر:
– إيه الاخبار يا بهجة؟ خلصتي ورقك بقى؟
– ايه ده؟ انتو تعرفوا بعض؟
توجهت نحوهما صفية بالسؤال، فجاء الرد من بهجة بعدما توقفت بصعوبة عن الضحك، تقدمهما إلى بعض:
– دا يبقى الدكتور هشام يا صفية، اللي متابع حالة مدام نجوان، ودي صفية صاحبتي يا دكتور، المحامية الشاطرة بتاعتي برضو
امتدت كفه نحوها:
– اهلا آنسة صفية، مش برضو آنسة ولا مدام؟!
– استااااذة، تقولي أستاذة، لا آنسة ولا مدام، انا محبش التصنيفات دي اساسًا .
قالتها بانفعال آثار تسليته، ليواصل بسماجة استلذها معها:
– اكيد دا حقك يا أستاذة، بس مجاوبتيش على سؤالي برضو، آنسة ولا مدام
رمقته بشر رافعة حاجبًا واحدًا، وكأنها على وشك الفتك به، رافضة بجدية استخفافه:
– لو سمحت حضرتك يا اسمك ايه أنت ياا دكتور، انا محبش حد يكلمني كدة.
امام عصبيتها المفرطة وارتباكها الخفي والذي وصل اليه، لتزداد ابتسامته اتساعًا، يزيدها استفزازًا حتى خشت بهجة من تطرفها في الرد بعنف نحوه، لتسارع بالتلطيف بينهما:
– الدكتور هشام بيهزر والله يا صفية، هي دي طبيعته وحياة ربنا، انا بقول نمشي احسن بدل ما يتطور الأمر اكتر من كدة.
همت لتسحبها ولكنه تصدر فجأة عارضًا عليهما:
– استنوا طيب، ما تيجو عندي اعزمكم على فنجان قهوة في مكتبي…..
لم تمهله ليكمل وقد صدر اعتراضها على الفور مرددة:
– فنجااان قهوة في مكتبك، هقولهالك تاني،، اعرفك منين انا عشان اقبل بعزومتك؟ ولا هي نفسها، انت بالنسبالها مجرد معرفة عادية على فكرة.
– يالهوي عليا
غمغمت بالكلمات بهجة لتتخطاه هذه المرة ترفض بزوق:
– متشكرين جدًا يا دكتور، بس احنا فعلا والله لازم نمشي، دقيقتين تاني كمان، والجامعة كلها هتولع.
فتحت باب السيارة لتدفعها دافعًا داخلها، امام مراقبة الاخر والذي ظل واقفًا لا يكف عن الابتسام، وقد أعجبه شراستها، وغضبها السريع.
اما هي وقد ظلت على تواصلها البصري متحفزة نحوه:
– انا مش عارفة انتي بتعامليه بزوق ليه؟ دا باين عليه انسان بارد.
حاولت بهجة إخفاء ابتسامتها، تهادنها بالكلمات علها تهدئ:
– والله دي طبيعته يا بنتي، دا كذا مرة يخرج رياض عن شعوره ويبقى على وشك ان يقتله، بس ربنا بيسترها، شغلي العربية بقى، مش هنفضل اليوم كله نبصله ويبصلنا، ان كان عليه هو مبسوط على فكرة، حتى باين من وقفته.
استدركت صفية تشعر بالحرج، وقد تنبهت أنها بالفعل قد أطالت التحديق به، ولكنه هو من يستفزها، لتشيح بأبصارها عنه بصعوبة، تدير المحرك من أجل المغادرة.
ولم يتحرك هو من محله، يرتسم على ثغره ابتسامة منتشية، يتابعها تطالعه من مرأة السيارة الجانبية وسيارتها تمر من جانبه، حتى تلاعب لها بحاجبيه، يرى تحرك شفتيها بكلمات حانقة، وبهجة من جوارها تعود للضحك مرة اخرى، حتى اجفل الثلاثة، بقطع الطريق عليهم، بتلك السيارة العالية، والتي ترجل صاحبها بعد لحظات بسيطة بغضبه امامهم:
تجمدت بهجة بصدمة بمعرفة صاحبها، اما صفية فقد ترجلت تقابله:
– ايه ده ايه ده؟ دا انت كان ناقص تخش فينا بعربيتك يا رياض باشا .
رمقها بنظرة خاطفة وعدم اكتراث، قبل ان يتجه بأبصاره نحو بهجة، ليتحدث بجمود:
– انزلي دلوقتي حالًا يا مدام، وتعالي على عربيتي عشان نتكلم براحتنا.
وقبل ان يصدر ردها سبقتها صفية متهكمة:
– هي سابت الشغل عندك على فكرة يا باشا، وأن كان على موضوع مدام دي اللي انت قاصدها دلوقتي، فهي اكيد بلغتك بقرارها، زي ما بلغتني انا محاميتها.
بابتسامة ساخرة خاليه من أي مرح، تحدث كازًا على اسنانه يحاول السيطرة بصعوبة على نيران غضبه:
– نقطة ومن اول السطر، هعتبر نفسي مسمعتش اي حاجة، دا لمصلحتك على فكرة….
همت تقاطعه، ولكنه اوقفها رافعًا سبابته امامها:
– مسمعش نفس تاني، انا مش بوجهلك كلام من اساسه، انزلي يا بهجة،
صدر أمره الاخير بعنف لتضطر الاخيرة للإنصياع لأمره، خشية تطور الشجار مع صديقتها التي تتحداه، غير اَبهة بهيئته التي تعرفها جيدًا، وكأنه على وشك ارتكاب جريمة.
– خلاص يا صفية هتصل بيكي اطمنك بعدين.
همت الأخرى لتجادلها، ولكن جاء الرد من جهة اخرى مختلفة:
– اي الحكاية يا جماعة؟ غريبة ان رياض باشا جاي بنفسه يعني على الجامعة هنا.
سمع الاخر ليلتف اليه بأعين تلونت بالدماء، وكأنه كان ينقصه، ليلتف إلى بهجة بالتساؤلات العديدة والشكوك، والتي سارعت تنفيها، وقد سقط قلبها من الرعب :
– دكتور هشام قابلنا بالصدفة دلوقتي واحنا خارجين من الجامعة، سلم عليا يسألني على مدام نجوان.
– جرا ايه يا بهجة ما انا عارف ان انتي سيبتي الشغل عندها.
قالها ببساطة ليتابع نحو هذا الذي استوحشت ملامحه:
– انا عرضت عليها تيجي على مكتبي مع صاحبتها وتشرب عصير، اصلي فرحان اوي أنها رجعت لجامعتها من تاني، من هنا ورايح بقى اي حاجة تحتاجيها يا بهجة انا تحت امرك….
وما كاد ينهيها حتى باغته الاخر بلكمة قوية على فكه الأيمن اسقطته للخلف، تتلقفه ذراعي صفية التي غلبها ثقله، لتسقط معه على الارض شاهقة بإجفال، فصدر صوت بهجة بذهول:
– يا نهار اسود، انت عملت فيه ايه؟
لم يكلف نفسه بالرد، ليقبض على كف يدها ويسحبها معه إلى داخل سيارته، ثم تحرك بها على الفور مغادرًا، تاركًا خلفه هذا المسكين الذي تأوه متوجعًا:
– اااه ايده مرزبة يخرب بيته.
تأوهت هي من خلفه تصرخ به:
– هو ايده مرزبة وانت ايه؟ اوعى يا عم بتقلك ده.
اعتدل عنها على الفور يعبر عن اسفه:
– انا اسف والله، بس اديكي شوفتي بنفسك، عامل زي الطور الهايج، وفي الاخر برضو خطف البنت من وسطنا، مفتري.
قطبت صفية تطالعه بتشكك قائلة:
– بس انت استفزيته، بطريقة كلامك معاه…..
تبسم يحاول تدليك الفك المتوجع، وقد فهم على الباقي من حديثها:
– عشان هو يستاهل، بيستهبل مع ان كل تصرفاته معاها فضحاه.
فغرت فاهها بأعين متوسعة:
– يعني انت كمان عارف باللي بينهم .
تبسم بثقة:
– طبعًا مدام نجوان متبخبيش عني حاجة.
لتضرب كف بالاخر مرددة:
– يا نهار اللوان، انا بقيت حاسة الدنيا كلها عارفة بجوازهم، كدة مش فاضل غير أخواتها بقى.
ربما تخشى غضبه ولكنها لا تخافه، يكمن قلقها الأكبر في الخوف عليه من نفسه، نعم فهذا السعير المشتعل في نظرته اليها، ثم الصمت المطبق الذي اتخذه منهجًا منذ آن انضمت اليه داخل السيارة، بعدما اجبرها على ذلك، ليضع همه في القيادة وفقط، دون ان يتوجه لها بكلمة واحدة، حتى اصابها الضجر، ولم تعد بها طاقة للإنتظار:
– اوووف وبعدين بقى؟ انا هفضل ساكتة كدة كتير، وانت بتسوق بيا وانا معرفش راج بينا على فين .
زفر بقوة دون ان يتحرك فمه ببنت شفاه، مما اضطرها للاستكمال:
– رياااض، انا مش طايقة اقعد كدة على اعصابي من غير ما افهم ولا اعرف انت سايق ورايح بيا فين بالظبط؟
ايضًا لم يجيب او يعير استفهامها اعتبارًا لتواصل بإلحاح:
– رياض، يا رياض، يا رياض رد عل……..
قطعت في الأخيرة بعدما اجفلها بنظرته الحادة حينما التف اليها على حين غرة، ليصدر أمره:
– مسمعش صوت تاني يا بهجة لحد ما نوصل،
همت تجادله:
– طب رد على سؤالي..
– قولت اخرسي يا بهجة.
هتف بالاخيرة يوقفها عن الحديث مرة اخرى معه في اي شيء بعدما قاطعها للمرة الثانية، يفرض عليها الصمت، حتى يصل بها الى وجهتهم
❈-❈-❈
بحذر شديد تتحاشى ملامسة الجدار او اي شيء في هذا المرحاض المقرف كما تصفه، بعدما اجبرت على قضاء حاجتها فيه، وغسل وجهها ويديها بماء الصنبور الوحيد به، ثم هندمة ملابسها امام المراَة التي تشغل حيزًا صغيرا به.
لتخرج الاَن من مخرج الباب الذي امسكت مقبضه بالمحرمة الورقية، وتتخذ طريقها نحو هذا الجالس بشرود على كرسيه، يطالع شاشة هاتفها على نفس الصورة التي قدمتها دليلًا اليه يثبت صدق قولها، ليغمرها الانتشاء بعدما استطاعت بدهائها ارباكه، او ربما تجعله في صفها وتنفيذ ما تصبو اليه لتفرقة هاذان العاشقان
هتفت بثقة تسحبه من شروده لينتبه اليها:
– لسة برضو مركز في الصورة؟ مزهقتش من البص فيها، ولا يمكن كمان مش مصدق انها هي؟
بتجهم يعلو ملامحه، وأعين ضاقت بالنظر اليها بتفكير متعمق، وكأنه ينفذ داخل روحها وعقلها الشيطاني، ظل على صمته لتقترب وتجلس مقابله تواصل اقناعه بدهاء تجيده:
– الصور دي عندي من اول يوم كشفتهم فيه، بس انا مرضيتش اتكلم وكتمت في نفسي خوفًا على سمعتها كبنت زي زيي، وبرضو حرص على سمعة المكان اللي بشتغل فيه، ما هو لو الحاجات دي اتنشرت، مين هترضى تشتغل في مصنع مشهور عن رئيسه القصص دي، وبصراحة دي اول مرة تحصل منه، بس أكيد هي السبب معلش يعني، مفيش راجل بيقرب غير لما الست تتجاوب معاه، ودي كانت شغالة عنده في بيته، الله اعلم بقى ايه اللي حصل ما بينهم……
قالت الأخيرة بقصد وصل اليه، لتزيد على غضبه المكتوم، وهو يتظاهر بالثبات بالإنفعالي حتى الاَن، ليخرج صوته اخيرًا، متجاهلا كل ما سبق:
– على فكرة تليفونك رن يجي مية برقم الست الوالدة وأرقام تاني شكلهم قالبين الدنيا عليكي، انا من رأيي تاخدي تطمنيها الاول، لاحسن تبلغ البوليس ولا يمكن عملتها الله اعلم .
تجاهلت كف يده التي امتدت نحوها بالهاتف، فقد كان الفضول يقتلها لمعرفة رد فعله على ما اخبرته به:
– مامي هاتصل بيها بعدين، المهم انت ايه رأيك في الكلام اللي قولته؟
شدد بالكلمات يحذرها:
– امسكي التليفون واتصلي بيها الأول، التليفون اتفتح، يعني لو في متابعة لرقمك فجأة هلاقي البوليس نط فوق دماغي دلوقتي، واديكي شوفتي انا لحد الان معملتكيش حاجة، يدوب بس بردلك المقلب اللي عملتيه فيا
تناولت منه، وارتفع حاجبها الأيسر بضيق تتسائل:
– طب وايه اللي يضمني انك متأذنيش بعد ما اطمن مامي
اجابها بتأفف:
– شايفاني رابطك دلوقتي يعني، ما اديكي قاعدة زي القرد اهو قدامي، ولو عايزة تمشي باب المخزن مفتوح، المهم خلصينا انا مش ناقص عوق، ولا انتي عايزة اللي يخوض في سيرتك لو الموضوع انتشر، الناس ملهاش غير الظاهر.
استدركت بالفعل لصدق قوله، لتسارع بالاتصال بوالدتها وطمأنتها بحجة اختلقتها لتبرير اختفائها، حتى لا يوصم اسمها او يصبح علكة في الافواه والتكهنات التي هي بريئة منها، لتثير على شفتي الاخر ابتسامة ساخرة، لخوفها الشديد على سمعتها رغم خوضها منذ ساعة في عرض ابنة عمه، والتي لم يصدق حتى الاَن ما سمعه منها حتى والصورة تثبت صحة قولها.
– اديني خلصت اهو وطمنت ماما، ما قولتليش بقى هتعمل ايه؟ خد بالك لو هتبلغ والدك أو اي حد من أهلك، متجيبش سيرتي نهائي، تعمل ان انك عرفت من نفسك، وبشطارتك كدة تتصرفوا مع بنتكم اللي جبتلكم العار، اكيد انت مش هتراضاها على رجولتك انك تعرف
حاجة زي دي وتسكت
كانت تأخذها الجلالة في القاء سمومها بأذنه، حتى توجهه في الطريق الذي تبتغيه في التخلص من غريمتها ولا تدري ان مبالغتها تلك لم تكن أبدًا في مصلحتها، بل بالعكس، مع رجل شعبي مثله يحكمه عقله في اختبار الأشياء، حتى يصل إلى قرار حكيم،
– خلصتي كلامك؟
– نعم!
– بسألك خلصتي كلامك؟
اجفلتها طريقته الحادة لينتفض فجأة، ويتناول القيد الملقى على الارض، ثم يباغتها بالقبض على كفيها الاثنان لتصرخ به:
– انت بتعمل ايه يا مجنون؟ مش قولت انك خلاص هتخرجني
شدد بتصميم على قراره:
– قولت يا حلوة، بس دلوقتي طقت في دماغي اروح اتأكد من صاحبة الشأن الاول واسألها واحكم، مش يمكن تكون لعبة منك.
رددت من خلفه بالكلمات حانقة، تحاول اثناءه، ولكنه اثبط عزيمتها بإصراره على عدم سماعها؛
– لعبة ايه يا غبي ما هي الصورة قدامك اهي، دا ايه الهباب دا بس ياربي اووف.
انهى إعادة تقيد رسغيها وقدميها بالمقعد ثم نظر اليها متحدثًا:
– انا اكتفيت بإيدك ورجليكي بس، لأنك مهما صرختي ولا طلعتي صوت محدش هيسمعك، المنطقة هنا كلها مهجورة، يعني لو حصل وحد دخل على صوتك هيبقى عشان يأذيكي مش يساعدك، ياريت تكون وصلتك وفهمتي قصدي ايه؟
❈-❈-❈
لا يدري كيف أتت هذه الفكرة الخبيثة في عقله، ان يدعي التعب وعدم الاتزان امام هذه المرأة الجميلة كي ينال استعطافها وحتى تخفف من حدتها معه، فيتطور الأمر إلى تمثيل كامل وقد أعجبه شفقتها نحوه ، بعدما لامس طيبة قلبها، التي اجبرتها لتحمل رجل غريب عنها ومساعدته حتى تصل به إلى المشفى حتى يتم إسعافه،
يالها من خليط عجيب، شرسة في الدفاع عن الحقوق وتحدي الرجال، وفي نفس الوقت بريئة لدرجة السذاجة حتى تصدق رجل مثله.
– اه يا مناخيري اَه، يا خوفي لا يبقى نزيف داخلي يا خوفي، انا عارف حظي.
مازال يردد ويتصنع التوجع حتى فاض بها لتهتف به:
– يا عم كفاية بقي، حظك ده اللي بتندب عليه لا يمكن هيبقى اكتر من حظي اللي دبسني في مشاوير معاك من غير سابق معرفة، ثم تعالى هنا، مناخير ايه بالظبط اللي وجعاك؟ البوكس كان على الفك ولا المناخير؟
– الاتنين؟
– نعم!
مال نحوها بمزيد من المسكنة، وعيناه تتمعن النظر بملامحها الدقيقة مستغلا انشغالها بالقيادة:
– الضربة كانت تقيلة اوي، وانتي شوفتي بنفسك لما وقعتني عليكي وبعدها مقدرتش أقف على رجلي من الدوخة، هزت كياني كله، يعني الفك والمخ والمناخير، كله اتأثر وكله بيوجعني يا أستاذة يا آنسة صفية .
تعقد حاجبيها باستنكار لما وصل لسماعها
– أستاذة واَنسة ازاي يعني الأتنين في جملة واحدة؟ دا غير اني مقولتكش اني آنسة، مش يمكن اكون متجوزة واستحق لقب مدام؟
انفعلت بها، بغفلة منها عن تأثيرها عليه، وقد سقط قلبه بين قدميه ان تصدق بذكر الإحتمال الثاني بالفعل، لكن سرعان ما ادراها بعقله ليصل إلى يقين استنتاجه، انها تتلاعب به، كما يفعل هو ايضًا، ليستدرجها بذكائه:
– خلاص اعذريني طيب لو غلطت يا مدام صفية…..
– يخرب بيتك .
صرخت بها لتواصل بنفاذ:
– لا تقولي مدام ولا اَنسة ولا زفت حتى، ممكن لو تكرمت تفضل ساكت لحد ما نوصل للنيلة المستشفى اللي قولت عليها؟
كادت تفضحه ابتسامته، ولكنه استطاع ان يكبتها ليميل إلى الخلف، يريح رأسه على المقعد ويعود إلى اتقان التمثيل؛
– زي ما تحبي يا أستاذة، انا كمان تعبان ومش قادر اتكلم، لما نوصل المستشفى اللي قولتلك عليها تبقي تصحيني، دا لو مروحتش في غيبوبة الله اعلم بقى.
تطلعت اليه بعدم استيعاب تجده اغمض عينيه بالفعل لتعقب بضجر:
– دي مكنش بوكس ده يا ربي، يارتني اخدته انا .
❈-❈-❈
توقفت اخيرا السيارة امام البناية التي تعرفها عن ظهر قلب، ورغم اشتياقها الشديد لها، إلا أنها ترفض رفضًا قاطعًا أن تدخلها مرة اخرى دون ان تتغير صفتها من زوجة سرية إلى اخرى في العلن.
– نعم! ممكن افهم انت جايبني هنا ليه؟
التف اليها بتجهمه يتحدث بجدية لا تقبل النقاش.
– خلي بالك ان معنديش الميزة دلوقتي اللي تخليني اسمع ولا اجادل معاكي، انزلي من العربية حالا يا بهجة ومسمعش نفس، اخلصي ياللا.
صاح الاخيرة بحزم جعلها تترجل على الفور، رغم تذمرها، لتتبعه بعد ذلك في الدلوف إلى داخل المنزل الذي كان عشها الجميل، وربما مايزال ولكن هذا مشروط بإعلانه.
توقفت في الوسط بعدما القت بالتحية على الخادمة الأجنبية، والتي انصرفت بعد ذلك حينما شعرت بتوتر الأجواء.
وقد وقف هو ايضًا يقابل عنادها بتغطرس، واضعًا كفيه بجيبي بنطاله، ليعود إلى الصمت الذي يثير انفعالها:
– وبعدين يعني؟ انا هفضل اليوم كله ابصلك وانتي تبصلي من غير ما تتكلم بحرف، لو مش لاقي كلام اللم نفسي واروح احسن .
همت لتلتف ولكنه اوقفها بصيحة جهورية:
– اقفي مكانك يا بهجة ومتخرجيش شياطيني عليكي، انا محجمهم بالعافية.
ابتلعت رمقها تجاهد للثبات امامه، وفي محاولة منها لامتصاص غضبه:
– وانا عملت ايه يعني لغضبك عليا؟ انا اصلا مستغربة نرفزتك من البداية، انا خارجة من الجامعة، مش من مكان وحش لا سمح الله .
تقدم بخطواته البطيئة نحوها يردد خلفها ساخرًا بغيظ :
– لا طبعا وانتي تعملي حاجة وحشة اصلا؟ ست متجوزة رايحة تقدم طلب عودة للدراسة ومبلغة الجميع بخطوتها إلا جوزها، غلطت في ايه يعني؟
جاهدت للثبات امامه، رغم ارتجاف قلبها في الداخل فهيئته كانت غير مطمئنة على الإطلاق، وهي تبرر بصوت مهتز:
– انا شوفت انها حاجة متهمكش ان ابلغك بيها.
احمرت عيناه ليتخلى عن هدوءه صائحًا بها:
– تعليمك ميهمنيش يا بهجة، تهميشك ليا في خطوة تقومي بيها لنفسك او لاخواتك متهمنيش يا بهجة.
واقترب يمسكها من عضديها مزمجرًا بها:
– انتي ايه حكايتك بالظبط؟ سايقة في تمردك وانا صابر عليكي وبقدر زعلك من آخر موقف ما بينا، لكن لحد امتى بالظبط هفضل مستحمل؟ انا فاض بيا خلاص منك ومن عمايلك.
شحذت همتها، لتدفع بقبضتيه عن ذراعيها، فتواجهه بشراسة:
– يبقى ريح دماغك ومتتعبش نفسك معايا، انا واحدة سايقة الاستعباط، تتحمل ليه انسانة زيي؟….
– اخرسي يا بهجة.
صرخ بها يرفع قبضته للأعلى حتى خشت ان يضربها، ليفاجأها بسحبها وضمها اليه على حين غفلة منها، يطبق عليها بقوة، وكأنه يريد إدخالها بين اضلعه، انفاسه الخشنة تهدر بقوة حتى كانت تشعر بها في صدرها، وصوته المتحشرج:
– ليه مصرة تطلعي أسوء ما فيا، دا انا ملقتش روحي غير معاكي، ليه عايزاها تتوه مني من تاني؟ ليه؟ ليه ماحبتنيش زي ما انا حبيتك يا بهجة؟
انشق قلبها نصفين تأثرًا بعذابه، حتى كادت ان تضعف وتخر راكعة طالبة السماح، تعترف بعلو صوتها انها تعشقه، بل تتنفسه كالهواء، كما انها اشتاقت اليه وبشدة، براح العالم في ضمته، رائحته التي تغمرها، دفئه الذي يغنيها عن العالم هو امانها، ولكن مهلُا، ان سلمت وضعفت الاَن فعليها ان تسلم بضياع حقها إلى آخر العمر، ولكن هذا لن يحدث ابدًا.
لتتمالك وتنزع نفسها عنه فجأة بعدما ظن تجاوبها وارتخاء حصونها امام غزوه، فتذهله بقناع القوة الذي ترتديه:
– ومين قالك اني ماحبتكش، بس العشق زي الزهرة يا باشا، بتزهزه وتزهر في ضي الشمس، انما لو خبيتها في أوضة ضلمة، مهما راعيت ولا سقيتها من قلبك عمرها ما بتكبر، بل بالعكس دي بتموت.
– قصدك ايه يا بهجة؟
يسألها وكأن المعنى لم يصله بعد، او ربما لا يريد تصديقه، ورغم الوعد الذي قطعته على نفسها، إلا أنها ترى هذه المرة الضرورة الملحة لإظهار رغبتها:
– مش محتاجة شرح يا باشا، بس انا عايزة افكرك كويس بأول يوم كلمتني فيه عن جوازنا، ساعتها كنت واضح اوي لما اظهرت الأمر مجرد رغبة، وانا اسست نظامي على كدة، بمجرد انتهائها تخلص كل حاجة ما بينا وكل واحد يروح لحاله، انما انت دلوقتي بتكلمني عن غرام وعشق، يعني انا لو هوافقك وابادلك احساسك…. يبقى في النور، لأن العشق اللي في الضلمة ليه اسم تاني؟
بدت الصدمة على ملامحه، وقد وضحت ما تريده الآن وبدون مواربة.
بالطبع لم يعجبها رد فعله، رغم انه لم يتكلم حتى الاَن، إلا ان الإجابة اعتلت تعابيره وبقوة، فما حاجتها لتبرير كاذب لن يجدي نفعًا منها.
– مفيش داعي تتخض اوي كدة يا باشا، انا مش بطالبك بحاجة لا سمح الله، انا عارفة مقامي أوي بالنسبالك، والفرق الشاسع بيني وما بينك، الفكرة بس اني حبيت ابقى واضحة وافكرك…… عشان متجيش وتجيب اللوم عليا بعد كدة، عن اذنك بقى عايزة اشوف اخواتي…..
– استني يا بهجة انا لسة متكلمتش اصلا
هتف بها يوقفها في رد متأخر منه ليوجه السؤال مباشرة لها:
– عايزاني اعلن عن جوازنا يا بهجة، يعني هو دا غرضك من الاول؟
ابتلعت غصتها لتجيبه بعزة نفس:
– لأ طبعا مش غرضي، بس كمان مش هفضل طول العمل عشيقة سرية لجنابك حتى لو بورقة رسمية محللها الشرع والقانون، انا بحط الأمر في ايدك وانت تقرر، ياريت ما توقفنيش تاني وانا ماشية دلوقتي.
قالت كلماتها واستدارت مغادرة على الفور، لتتركه متجمدًا محله، ما تطلبه صعب ، وفراقها ايضًا صعب، اذن ماذا يفعل؟،
سقط بجسده على الكرسي القريب منه، ينزع عنه رابطة العنق التي تخنقه
لماذا لا يسير الأمر كما يخطط له؟ لماذا لا تستمر ايام سعادته معها؟ وهي الوحيد التي احبها وبصدق، لماذا يتكرر كابوسه القديم؟ وتنعاد نفس قصة ابيه، حتى وبهجة لا تشبه ابدا تلك الملعونة من قريب أو بعيد، ولكن القصة واحدة
اما هي فقد خرجت من المنزل لا ترى امامها ، بأعين تغشاها الدموع، تؤلمها النهاية التي تبدو على وشك، ولكن كرامتها تأبى التراجع، حتى وروحها تصرخ داخلها، وقلبها يأن شوقًا، لن تصبح له بعد الآن سوى في النور .
توقفت فجأة في نصف الطريق، بعدما اصطدمت عينيها باَخر شخص تتمنى رؤيته الاَن، مستندًا بظهره على جانب سيارته المتواضعة، بوقفته الغريبة وكأنه كان في انتظارها:
– واقف هنا ليه يا سامر؟
القى بنظره نحو المنزل الذي خرجت منه قبل ان يعود اليها، في رسالة واضحة وصلت اليها ليخرج صوته بعد ذلك بما يشبه الأمر:
– تعالي واريا على العربية يا بهجة، انا عايزك في كلمتين.
أنه قوله، ثم قام بفتح الباب الأمامي ليأخذ مكانه خلف عجلة القيادة، فاتجهت هي إلى الناحية الاخرى لتنضم اليه بشجاعة القبول بالمواجهة مهما واجهها من اتهام
❈-❈-❈
صدح صوت زغروطة عاليه في قلب محل الصائغ المشهور لتصل إلى المارة في السوق تجذب انتباههم؟ فتبعهها عدد آخر؟ تعبيرا عن فرح المجموعة التي موجودة بالداخل لتبتاع منه الحلي وخاتمي الزواج؟ ولا احد يعلم بتلك المتأففة التي اجبرها شقيقها على المجيء حتى أنه حضر حارسًا كي لا يصدر منها تصرف
لا يعجبه.
وقد قدم مع والدته بالإضافة إلى والدة العريس الذي كان لا يرفع عينيه عنها ولا يبالي برفضها الواضح؟ حتى أنه ادخل محبس الخطبة بإصبعها عنوة مستغلا دعم شقيقها له الذي كان يتحدث في الخارج عبر الهاتف الاَن، وانشغال البقية في البحث عن الأفضل ضمن باقة من الحلي العصري والثقيل.
– الدبلة على مقاسك بالظبط يا عروسة، وهتاكل من الأيد الحلوة حتة، عشان تعرفي بس زوق العبد لله.
همت لتنزع يدها منه ولكنه شدد يردف بتحذير هامس:
– اهدي كدة وبلاش قنزحة من غير داعي .
همت لتجأر به رافضة ولكن اصطدمت عينيها بخاصتي شقيقها، الذي التفت بالصدفة نحوها، ليظهر وجهه الصارم لها حتى لا تفضحه بفعل ناقص من افعالها، لتعود إلى هذا السمج كما تصفه، تعطيه ردها بقرف، وبصوت خفيض لا يصل الا اليه :
– دبلة مش من مقامي ولا تلزمني من الاساس، قريب اوي هخلعها من ايدي وارميها في اي مقلب زبالة.
تبسم كازًا على اسنانه يرد على قولها بصوت خفيض هو الاخر:
– دا في خيالك المحدود يا حلوة، الدبلة دي مش هتخرج غير بقطع صباعك، وبكرة تقولي شيكاغو قال
همت ان تقرعه بما يستحقه، ولكنه اجفلها يرفع كف يدها إلى شفتيه، يقبلها قبلة عميقة اثارت قشعريرة بجلدها، ترى في عيناه تحدي واضح للاعتراض، حتى جالت بعيناها نحو شقيقها ووالدتها فلم تجد منهم ردًا يثلج قلبها، بل ازداد غضبها بترحيب والدة شيكاغو والتي صدحت بزغروطة ذات صوت عالي، لتنفرج شفتيه بابتسامة متوسعة يضغط على كفها التي احتجزها داخل قبضته، متوجهًا نحو الصائغ:
– كدة الدبلة تمام وعاجبة العروسة يا عم جورج، شوف لنا باقي الشبكة بقى وشد حيلك معانا مش هناخد اليوم كله عندك .
– من عنيا يا عم شيكاغو، بس قول الكلام ده بقى للهوانم، بقالهم ساعة محتارين في خاتم
قالها رجل الصاغة، ليجد الرد من درية ووالدة شيكاغو بالمزاح معه ومع الرجل، وهو يبادلهم بصورة طبيعية، بعدم تأثر على الإطلاق بتلك التي كانت تصارع لنزع كفها من يده، التي اطبقت عليها ككلابة حديدية ، لولا خشيتها من رد فعل شقيقها لكانت صرخت بصوتها حتى ينجدها احد منه، ولكن مهلا ، هي في الأصل لن تستسلم لهذا العته، وفي القادم خطة توشك على تنفيذها، فالتتحلى الاَن بالصبر
❈-❈-❈
جلست على احدى مقاعد الانتظار منذ ما يقرب من ساعة، من وقت دخولها معه لتلك المشفى التي يعمل بها، اذعانًا لرغبته، مع انها لا ترى الأمر يستحق، ولكنها اجبرت خشية ان تصبح شكوكه حقيقية، فطيبة قلبها مازالت تغلبها رغم وقوفها كنمرة شرسة في الدفاع عن حقوق موكليها في المحاكم، إلا ان تلك الصفة التي ورثتها من شقيقتها زهرة، ليتها ورثت الندالة ايضًا من ابيها، حتى تنفعها في موقف كهذا مع هذا الطبيب الغريب .
وكأنه سمع ما تفكير به، فخرج امامها من غرفة الكشف التي دخلها منذ ما يقرب من ساعة، حتى فاض بها وكادت ان تذهب وتتركه، ليصيبها التعجب الآن وهي تراه مستندًا على ذراع طبيب صديقه، والآخر يرتسم على ملامحه الأسى
– اه براحة يا رمزي عشان متعبش منك.
– اهو براحة يا حبيبي، انا بحاول مضركش
– طبعا يا حبببي انا واثق من كدة، بس اعمل ايه؟ تعبااان.
– سلامتك يا حبيبي سلامتك.
كانت تطالعهم بذهول فاغرة فاهها، حتى اذا اقتربا منها هتفت بعدم استيعاب:
– في ايه؟ دا بوكس واحد اللي خده على فكه، مازدتش عليه.
جلس بجوارها متنهدًا بدراما قائلًا:
– انا مش هتكلم، الدكتور رمزي هو اللي هيشرحلك حالتي
التقط الآخر الإشارة منه، لتأخذه الجلالة في الاسهاب والشرح لتلك المسكينة التي لا تعلم عن الطب سوى المعلومات العامة.
– زي ما قولتلك كدة يا أستاذة صفية، الضربة كانت شديدة اوي على رأس الدكتور هشام، اينعم هي كانت في الفك لكنها تقريبًا عملت ما يشبه الارتجاج، نظرا لضعف بنية الدكتور……
اوقفه مشيرا بسبابته ليوضح لها هذه الجزئية:
– ايوة بس في حاجة يا دكتور، انا جامد وشديد على فكرة، هي بس هزة الراس دي اللي متحملتهاش.
اَزره الاخر يدعمه للنهاية:
– ايوة طبعا يا دكتور وهي دي حاجة محتاجة تشكيك، على العموم يا أستاذة هو محتاج رعاية شديدة اوي في الايام اللي جاية.
– بس انا مش مراته يا سيدي عشان تقولي الكلام ده.
هتفت بها بنفاذ صبر ، ليسارع هو بالرد:
– الدكتور رمزي مش قصده حاجة، دا بس بيشرحلك حالتي عشان شكلك مش مصدقاني.
– يا عم اصدقك ولا اكدبك، انا هيهمني امرك في ايه بس؟ الدكتور صاحبك والمستشفى مكان عملك، انا كدة ابقى خليت مسؤوليتي وعملت اكتر من اللي عليا كمان، عن اذنكم.
– استني يا دكتورة هتمشي وتسبيني؟
هتف بها يوقفها فور ان استقامت واقفة عن مقعدها لتذهب، لتطالعه باستهجان، جعله يعود لإدعاء المسكنة حتى يكسب تعاطفها:
– قصدي يعني هتمشي من غير ما تطمني عليا، انا مليش حد على فكرة، لا معايا ست ولا أطفال، ساكن لوحدي في القاهرة وأهلي في الارياف، فالو ممكن تتصلي بيا حتى تطمني عليا، لتجرالي حاجة في الشقة وملقيش اللي يسأل عليا.
– ما هو صاحبك قدامك اهو ميسألش ليه عليك؟
قالتها تشير بذقنها نحو الطبيب الذي اندمج في اتقان الدور يجاري صديقه:
– للأسف انا طول اليوم مشغول في المستشفى والعمليات، حتى دلوقتي كمان مطلوب في الطواريء عن اذنكم.
قالها وذهب على الفور ليواصل هشام:
– اهو دا كمان مشي وسابني، للأسف شكلي مش هلاقي حد يسأل عليا، ممكن يا دكتورة تديني رقمك على الاقل لو عوزت حاجة وملقتش اللي يساعدني.
تطلعت اليه بغيظ شديد حتى ودت ان تنفجر به، فقررت تجاهله والذهاب، ولكن غلبها قلبها الضعيف
لتعود سريعًا مخرجة من حقيبتها كارت صغير، وضعته بيده قائلة:
دا الكارت بتاع المكتب، فيه تليفواناتي، انا بديه لأي حد على فكرة طالب مساعدة، ارجو ميبقاش اني مسمعش صوتك خالص غير لو كان الأمر يحتاج بالفعل لمساعدة، عن اذنك، يا ساتر
وصل اليه غمغمتها الأخيرة بعدما استدارت ذاهبة من امامه، لتبزغ ابتسامة صافيه على زاوية فمه، وقد اسعدها النتيجة التي وصل اليها بعد المجهود الشاق في التمثيل واجبار صديقه كي يحبكها معه، ليقضي أجمل ثلاث ساعات مع هذه الجميلة الطيبة لدرجة السذاجة رغم ارتدائها ثوب القوة بوجه الجميع، يغمغم بسعادة داخله:
– شكلك محتاجة دراسة يا أستاذة صفية، وانا بحب اوي التعليم والاسكشاف.
❈-❈-❈
وفي مكان آخر
وبعدما توقفت السيارة بهم، لم يتركها تنتظر كثيرا ، حتى اخرج لها هاتفها، يثبت الشاشة على تلك الصورة التي آتى من اجلها، فيقدمها اليها بتساؤول.
نظرت هي بها قليلًا تزفر بتعب، وتطالعه بضيق مكشوف سائلة:
– الصورة دي امتى خدتها؟ او بمعنى أصح، مين اللي ادهالك؟ وبلغك ايه عني بالظبط؟

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية حان الوصال)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *