رواية جعفر البلطجي 3 الفصل الثالث والأربعون 43 بقلم بيسو وليد
رواية جعفر البلطجي 3 الفصل الثالث والأربعون 43 بقلم بيسو وليد
رواية جعفر البلطجي 3 البارت الثالث والأربعون
رواية جعفر البلطجي 3 الجزء الثالث والأربعون
رواية جعفر البلطجي 3 الحلقة الثالثة والأربعون
فَقالوا أَينَ مَسكَنُها وَمَن هِيَ،
فَقُلتُ الشَمسُ مَسكَنُها السَماءُ،
فَقالوا مَن رَأَيتَ أَحَبَّ شَمساً،
فَقُلتُ عَلَيَّ قَد نَزَلَ القَضاءُ،
إِذا عَقَدَ القَضاءُ عَلَيَّ أَمراً،
فَلَيسَ يَحُلُّهُ إِلّا القَضاءُ.
_قيس بن الملوح.
______________________
قيلَ لي في إحدى المرات وما زا’ل تُعو’ضه حلا’وة الأيام، فنظرتُ إليهِ قليلًا وأنا أتسأل، أهذا كان مُحبًا في إحدى الأيام أم أنه لا يعرف شيئًا عن ما يُسمى الحُبّ، فقمتُ بالنظرِ بعـ ـيدًا وتر’كته يهـ ـزي بكلماتٍ حمـ ـقاء مثله وشردتُ أنا أستعيد ذكرياتي السعيدة رفقة مَن طا’لبها قلبي وكان لها خيرُ رفيقٍ.
<“والشا’كِ لشا’كيه ممتلـ ـئٌ بالند’وب السو’د’اء.”>
طر’فين عا’شىٰ ليلةٌ مؤ’لمةٌ فيها تذوقىٰ مـ ـرارة الحُبّ قبل أن ينا’لا حلاوته، كل واحدٍ مِنهم يعـ ـيش نفـ ـس الأ’لم النفـ ـسي فقد فشـ ـلا في إمـ ـتلاك حبيبٍ يكون لهما خيرُ رفيقٍ، كانا يتـ ـلهفان كي يجربان حلاوته ولَم يكونان على علمٍ بأنهما سيتذوقان مُـ ـره.
كان “جـاد” يجلس داخل غرفته مغـ ـلقًا الباب بالمفتا’ح بعد أن لَم يتر’ك فرصةٌ واحدة لأي فردٍ مِن أفراد عائلته للأطمـ ـئنان عليهِ، مُحـ ـملًا بالهمو’م وكأنه ابـ ـن الخمسين وليس العشرين في مرحلة الشبا’ب والحيو’ية مثلما يقول البعض، فاليوم يُعلن فشـ ـله حتمًا حينما لَم يسـ ـتطع الحصول على الفتا’ة التي أحبّها ووجد نفسه وبـ ـنى أحلامه ومستقبله وحيا’ته بالكامل معها، كلما تذكر الأضواء المُعـ ـلقة وأصوات الزغاريد العا’لية التي حتى الآن تر’ن في أذنيه يشعر بأنهُ سيُجَـ ـنّ بالتأ’كيد لا محا’ل..
مسـ ـح بكفيه على وجهه محاولًا تناسي الأمر ولَكِنّ القلب لا يستطيع أن ينسىٰ حتى وإن تناسىٰ العـ ـقل، زفـ ـر بعمـ ـقٍ وهو يشعر أنه سيفـ ـقد عقـ ـله فالفتا’ة الوحيدة التي رأى بها مواصفاته التي كان يبحث عنها ورأى نفـ ـسه معها تؤخـ ـذ مِنهُ الآن وهو يقف عا’جزًا لا يعلم ماذا عليه أن يفعل، تعا’لت الطرقات على باب غرفته بشكلٍ عا’لِ يليها صوت والدته التي قالت بنبرةٍ هادئة:
_”جـاد” أنتَ لسه صاحي يا حبيبي؟ عايزة أتطمن عليك رجعت متأ’خر وطلـ ـعت على أوضتك على طول ومقولتش حاجة.
أستمع إلى نبرة صوتها التي لَم يُخـ ـفى بها بُحَّـ ـةُ الخو’ف عليهِ، ولذلك حاول تما’لُك نفسه ونهض متجهًا نحو الباب يفتـ ـحه بهدوء ليراها تقف وبيدها صينية معد’نية يعتـ ـليها بعض الصحون الز’جاجية المليـ ـئة بالطعام الشتوي السا’خن، إن تغـ ـيَّر الكوكب لن تتغـ ـيَّر “وجـيدة” وستظل تخـ ـشى عليهِ وكأنه طفـ ـلٌ صغيرٌ، ولجت بعدما أبتعـ ـد عن طريقها لتضع الصينية على الطاولة قائلة:
_أكيد جاي على لحـ ـم بطـ ـنك وجعان قولت أجهزلك العشا عشان تاكل وتر’تاح، رغم إني حا’سة إنك مش مر’تاح وفيك حاجة مِن ساعة ما جيت مِن بـ ـره … مالك يا حبيبي أنتَ مش كُنْت عند “يـوسف” المفروض ترجع مبسوط عشان أنا عارفة إنك بتحبه وبتحب تروح تقعد معاه هناك فالحارة، بس المرة دي شيفاك راجع زعلا’ن أوي ومضا’يق كأن حد قالك حاجة أو عمل حاجة ضيـ ـقتك مش كدا برضوا؟.
أنهـ ـت حديثها متسائلة وهي تنظر إليه ترى تهرُ’به مِنها ومحاولة الأحتفا’ظ بوجهه الجا’مد فالأمر الذي كان سيبدأ الكفا’ح فيه أنتهـ ـى قبل أن يبدأ، أبتـ ـلع غصته وقال بنبرةٍ جا’مدة محتفـ ـظًا بثبا’ته:
_ماما مفيش أي حاجة أنا كويس.
_كد’اب يا “جـاد”، كد’اب وكد’بك باين فعنيك اللي فضـ ـحاك ومبينة حُز’ن الدُنيا كله فيها، عينيك بيقولوا عكـ ـس ما أنتَ بتقوله، أحكيلي مش أنا حبيبتك وبـ ـير أسرارك؟ مش عايز تحكيلي ليه مش يمكن تلاقي الحـ ـل عندي وترتاح؟ أتكلم متبقاش وا’جع قلبي أنتَ و “مـحمود” أنا مبقد’رش أشوف حد فيكم زعلا’ن، تعالى يلا أقعد سـ ـمي الله وابدأ كُلّ يا حبيبي وأحكيلي زعلا’ن مِن إيه.
أنهـ ـت حديثها وهي تجـ ـذبه معها برفقٍ تحـ ـسه على الجلوس ليخـ ـضع هو إليها دون أن يعتر’ض لترافقه هي حينما جلست بجانبه تنظر لهُ قائلة:
_يلا أنا سمعاك حتى لو هتقول كلام عشو’ائي مش متر’تب هسمعك المهـ ـم تخرّ’ج الكر’كبة اللي جواك وتعـ ـيد ترتيبها مِن أول وجديد.
دام الصمت في المكان قليلًا بعد حديثها هي تنتظر الأستماع إليهِ وهو يُفكر كيف يبدأ الحديث معها وإخبارها بما يؤ’لم قلبه ولا يتر’ك عقـ ـله لحظةٌ واحدة، لحظاتٌ مرّت عليهما قطـ ـعها “جـاد” الذي تحدث بنبرته الر’جولية دون أن ينظر إليها قائلًا:
_فاكرة لمَ جمعـ ـتك أنتِ وبابا و “مـؤمن” عشان أقولكم على القـ ـرار اللي خدته؟.
_أيوه وساعتها قولتلنا أستنوا يومين وهتعرفوا واليومين خلصوا وأنتَ متكلمتش فحاجة ولا لمحت بحاجة تفهمنا أنتَ نَو’يت على إيه مِن غير ما تقولنا.
نظرت إليهِ بعدما أنهـ ـت حديثها الهادئ ليأتيها الردّ مِنهُ حينما أكمل بنفس النبرة قائلًا:
_خدت قـ ـرار إني أخطـ ـب، لقيت البنـ ـت اللي كُنْت بد’وَّر عليها، بس للأسف بعد ما لقيتها في حد سبقني ورا’ح يطلبها، كُنْت رايح النهاردة عشان أتكلم مع “يـوسف” وأقوله عشان يفيدني لأنه أكتر واحد عارفها بس لقيت نو’ر متعـ ـلق وصوت زغاريد جاي مِن عندهم وقتها شوفت “مُـنصف” وقالي إن هي جالها عريس وقاعدين قعدة تعا’رف واحتمال كبـ ـير الموضوع يمشي لأن العريس ميعيبهـ ـوش حاجة، وقتها أنا مسمعتش أي حاجة تاني بعدها وخدت بعـ ـضي ومشيت مِن غير ما “يـوسف” يعرف حتى.
تفا’جئت “وجـيدة” كثيرًا بحديثه مِمَّ جعلها تنظر إليهِ مصد’ومة لا تصدق ما تسمعه، لَم ير’فع عينيه مِن على أر’ضية الغرفة فهو الآن في أقصـ ـى مراحل ضُعـ ـفه بعدما أفصـ ـح لها عن الحـ ـقيقة دون أن يُخـ ـبئ شيئًا عنها فهو لَم يعتاد على ذلك، أما عنها فقد كانت مندهشة وحز’ينة في نفس الوقت لأجله، نظرت إليهِ وقالت متسائلة:
_البنـ ـت دي تبقى مين وشوفتها فين؟.
_تبقى أخت مرات “يـوسف” التو’أم، كل ما بروح بتكون هناك ومع الوقت لقيتني حبيتها، بس بعد اللي حصل النهاردة أكتـ ـشفت إن الحُبّ طعمه مُـ ـر أوي مش زي ما كُنْت أعرف عنه، بيتز’وَّق فشكله الحلو في الأول يشـ ـد البني آدم ويوريه حلاوة الدنيا وقد إيه هو أحلى حاجة فالدنيا، بعدين يقلـ ـب و’شه ويوري الواحد مـ ـرارته ويظهر على و’شه الحـ ـقيقي، أنا سمعت النهاردة صوت قلبي وهو بيتكـ ـسر ١٠٠ حتة يا ماما وفضلت عا’جز مش عارف أخد قـ ـرار.
آ’لمها قلبها كثيرًا وهي تستمع إلى حديثه المؤ’لم ذاك ترى ضُعـ ـف و’لدها وحز’نه وإنكسا’ره لأول مرة، جـ ـذبته إلى أحضانها ضاممةً إياه ممسّدةً على خصلا’ته وظهره صعو’دًا ونز’ولًا برفقٍ تقوم بموا’ساته بعد أن تجمـ ـع الدمع في مقلتيها، شـ ـددت مِن عناقها إليهِ وقالت بنبرةٍ حز’ينة تو’اسيه:
_مش مِن نصـ ـيبك يا “جـاد”، مش نصـ ـيبك يا حبيبي لو كانت ليك كانت جتلك على طول، متز’علش خير ربنا على طول بيجبلنا الخير أرضى وقول الحمد لله وأدعيلها ربنا يسعدها ويعوضك ويرزقك ببنـ ـت الحلا’ل بحـ ـق لا إله إلا الله يا “جـاد” يا ابـ ـن “وجـيدة” أنتَ و “مـحمود” ابـ ـن “زيـنات”، هَوّ’ن على نفـ ـسك يا حبيبي وأنسى وطالما هو كويس هي أكيد مش هتر’فضه مفيش واحدة عا’قلة هتر’فض واحد كويس ومـ ـليان مميزات.
_بس عادي متر’فضش عشان اللي بيحبها وعايزها؟ أنا بحبها ومش قا’در بجد أبعـ ـد ولا أنساها كل ما بروح مكان بشوفها حتى وأنا نايم بشوفها، أنا مش عايز غيرها هي أنا لقيت نفـ ـسي معاها ومش قا’بل بغيرها وحا’سس إن جوايا نا’ر مش عارف أطـ ـفيها.
هكذا ردّ عليها “جـاد” وقلبه يحتـ ـرق لأجل حبيبٍ ضـ ـله ولَم يَعُـ ـد يجده بعد أن كان أمامه على مدار اليوم، وكأنه كالخـ ـيل الحُر الذي يركض في سا’حة الميدان المحتـ ـرقة هر’بًا مِن مصـ ـيرٍ محتو’م ينتظره، مصـ ـير المو’ت حر’قًا، شـ ـدد مِن عناقه إلى والدته وكأنه يوّد نقل جميع آلآ’مه وأو’جاعه لها، أو ينتظر تضـ ـميد جـ ـراحه الغا’ئرة.
مسّدت هي على خصلا’ته بحنوٍ ثم لثمت رأسه قْبّلة حنونة دون أن تتحدث ولَكِنّ قلبها يؤ’لمها على و’لدها فلـ ـذة كبـ ـدها الذي لأول مرة تخـ ـتفي بسمته المرحة منذ أن كان طفـ ـلًا صغيرًا ويحـ ـل محلها الحز’ن والأ’لم، أما عن “مـؤمن” فقد كان يقف على أعتا’ب الغرفة يسمع حديثهما سويًا مندهشًا، شرد قليلًا بينه وبين نفسه ليقول بنبرةٍ هادئة متسائلة:
_”جـاد” أخويا بيحب أخت مرات “يـوسف”؟ يعني “يـوسف” لسه ميعرفش الليلة دي معقو’لة؟.
أبتعـ ـد عن غرفة أخيه وهو يعـ ـبث في هاتفه ليبدأ بمهاتفة ابـ ـن عمه الذي ينتظر مكالمةٌ مِنهُ الآن للاطمـ ـئنان على هذا الفـ ـتى الذي جعل القـ ـلق يسا’ور قلبه منذ أن ذهب حتى هذه اللحظة، لحظات واستمع إلى صوت ابـ ـن عمه الذي قال بنبرةٍ رجو’لية متسائلة:
_وصل ولا لسه؟.
_وصل بقاله شوية.
هكذا جاوبه “مـؤمن” بنبرةٍ هادئة ليأتي قول ابن عمه عبر الهاتف حينما قال متسائلًا:
_وإيه الأخبا’ر كويس ولا؟.
أبتـ ـلع “مـؤمن” غصته بتروٍ وأجابه بنبرةٍ هادئة قائلًا:
_لا مش كويس خالص، لأول مرة أشوف “جـاد” أخويا مكـ ـسور أوي كدا مِن سنين، قاعد بيتكلم مع ماما جوه وعرفت إنه أتصد’م مِن العريس اللي جه لأخت مراتك النهاردة تقريبًا كان مخـ ـطط ير’بط كلام مع أخواتها، مِن الآخر أخويا بيحبها بس العريس اللي جه دا سبقه أيًا كان لو ربنا هيكملها على خير وتتخطبله أتمنى متقولش لـ “جـاد” أي حاجة لأنه مضا’يق جدًا وماما مش عارفه تسيـ ـطر عليه.
أبتسم “يـوسف” على الجهة المقابلة بعدما أستمع إليهِ ليدوم الصمت بينهما لحظاتٍ ثم قطـ ـعه حينما قال بنبرةٍ هادئة:
_أتطمـ ـن الموضوع مش هيـ ـتم، بس ياريت متعرفش “جـاد” حاجة دلوقتي أنا هقوله بطريقة تانية لمَ ييجي المرة الجاية، “أكرم” و “نـادر” مش مرتا’حينله وفيه عر’ق الخيا’نة فهيستنوا الأسبوع دا ويردّوا عليهم بالرفـ ـض، بس أهـ ـم حاجة “جـاد” مش لا’زم يعرف أي حاجة دلوقتي مهما حصـ ـل يا “مـؤمن” سامعني وخليه يفتـ ـح تليفونه عشان أكلمه.
_حاضر يا “چـو” زي ما تحب، بس بالله عليك متطو’لش عليه أنا قلبي موجو’ع عليه ومش قا’در أشوفه بالحالة دي.
أتاه قول “يـوسف” حينما قال بنبرةٍ هادئة:
_متقـ ـلقش أنا عارف هعمل إيه كويس، كدا كدا لاحظت فالقعدة على “كايلا” إنها مش قا’بلة العريس وقعدة غصـ ـب، أديني وقت بس أظـ ـبطها وأشوف “كايلا” هتقول إيه لـ “بيلا” مسافة ما نتأ’كد هكلم “جـاد” أجيبه هنا واللي فيه الخير يقدمه ربنا إن شاء الله.
_تمام يا “چـو”، وأنا وا’ثق فيك.
أنهـ ـى مكالمته مع ابن عمه زافـ ـرًا بعـ ـمقٍ، ألتفت ينظر إلى غرفة أخيه قليلًا ليذهب إلى غرفته مقـ ـررًا المجيء في الصباح الباكر للاطمـ ـئنان عليهِ حتى لا يضغـ ـط عليهِ الآن ويُز’يد الطـ ـين بلـ ـة.
__________________________
<“وغريب الأمس بدأ يكون حبيبًا اليوم.”>
كانت في الأمسُ غريبةٌ عليهِ والفتا’ة المسـ ـببة إليهِ كو’ارث عديدة سواء في حياته العملية والشخـ ـصية معًا، يجلس على فراشه يُفكر بها وبزيارتها لهم في الغد بعدما أعتذرت لهم في المرة السابقة على عد’م المجيء لأسبا’بٍ شخـ ـصية، أخذ هاتفه يعـ ـبث بهِ قليلًا ليولج على صفحتها الشخـ ـصية على التطبيق الشهير “فيسبوك” حيثُ يعتبره بيته الثانِ، صفحتها ملـ ـيئةٌ بأبياتٍ شعرية وورودٍ ملو’نة وصورًا لأماكن أ’ثرية وقد’يمة تتمتع بالطـ ـراز الإسلا’مي القد’يم.
بدأ يتصفحها كما أعتاد دون سـ ـببٍ معلوم، فمؤ’خرًا بدأ ينجـ ـذب لها بعدما رأى تغيـ ـرها فعـ ـليًا على أر’ض الو’اقع نُصـ ـب عينيه، أصبحت تشغـ ـل حَـ ـيز تفكيره ولا تتر’كه سواء في وا’قعه أو منامه، توقف فجأ’ةً أمام إحدى منشوراتها التي قد قامت بنشرها مؤ’خرًا يقرأها بعينيهِ ليبتسم بهدوءٍ حينما أنهـ ـى قراءتها لينسى نفسه ويقوم بالتفاعل برمز القلب دون أن ينتـ ـبه أنه تفاعل لمنشورها هي..
وهذا ما يحدث مع مُحِبٍّ مثله لا يد’ري ماذا يفعل فقط ما تحر’كه هي مشاعره نحو الطر’ف الآخر دون أن ينـ ـتبه إلى نفسه، فقد أصبح مُحِبًا ماذا ينتظره غير ذلك !! تخطى هذا المنشور وبدأ يشاهد البقية بوجهٍ مبتسمٍ لبعض الوقت حتى جاء صوت زوجة أبيه والتي كانت تقف على أعتا’ب الغرفة تشاهده بوجهٍ مبتسمٍ حينما عَلِمَت ما يجعل هذا الهدوء يسيطـ ـر عليهِ، أنتفـ ـض في جلستهِ مغـ ـلقًا الهاتف سر’يعًا تاركًا إياه معتدلًا في جلستهِ بعدما أصا’به التو’تر الشـ ـديد..
فيما ولجت هي بخطى هادئة مبتسمة الوجه تتابعه بنظراتها الما’كرة حتى جلست أمامه على طر’ف الفراش واضعةً الكوب على سطـ ـح الطاولة قائلة:
_شايفة إن في حاجة غـ ـلط فيك اليومين دول، متغيَّـ ـر وعلى طول ما’سك موبايلك ومبتسم … يكونش خير اللهم أجعله خير الموضوع في واحدة وأنا معرفش.
تفا’جئ مِن حديثها لينظر إليها مذهولًا ليرى نظرتها الما’كرة مصو’بة نحوه تر’ميه نظراتٍ تحمـ ـل الشـ ـك في طا’ياتها، أبتـ ـلع غصته بتروٍ ونظـ ـف حلقه وهو يتلا’شىٰ النظر إليها قائلًا بنبرةٍ متو’ترة:
_لا مفيش حاجة مِن الكلام دا، أنا مبفكرش فالموضوع دا خالص وغير دا كله ملقتش لسه البـ ـنت اللي بحلم بيها، لسه بدري على الكلام دا … ولا تكونيش بقى عايزة تخلـ ـصي مِني؟.
أنهـ ـى حديثه وهو يقوم بقلـ ـب الطا’ولة عليها ناظرًا إليها ليرى المـ ـكرُ مازال يحتضن عـ ـينيها ليأتي قولها حاضرًا:
_لا يا حبيبي كلكم بتقولوا كدا فالأول بعدين تشوفوا واحدة تجيبكم الأ’رض تبدأو تتغيَّـ ـروا واحدة واحدة وهو’ب تطلب جواز فجأ’ة أصلها جَت فجأ’ة … شايفني عبيـ ـطة يا “بـشير” ولا إيه هتضحك عليا بكلمتين دا أنا أكتر واحدة فاهمة الد’نيا دي وعارفه نظرة البني آدم لمَ تتغـ ـيَّر، صار’حني وقولي مين دي اللي واخدة عقـ ـلك بالمنظر دا ومخلياك هتتجـ ـنن كدا؟.
حسنًا لقد تم كشـ ـفه توًا لا مفـ ـر للهر’ب بعد الآن، تر’قبت ردود أفعا’له فيما أبتـ ـلع هو غصته بتروٍ وقال بعدما حا’صرته هي ببراعةٍ شـ ـديدة غير سا’محةٍ إليهِ بالفـ ـرار مِنها:
_آه الموضوع في واحدة زي ما قولتي، وشكلي كدا و’قعت رسـ ـمي بعد ما قولت مستحيـ ـل أبُصلها ولا تجمعني بيها صُد’فة تاني، شوفتي الإنسان والزمن بقى بيتغيَّـ ـروا أزاي؟.
أتسـ ـعت بسمتها ترتسم على ثغرها حينما صد’ق حد’سها لتعتدل في جلستها قائلة بوجهٍ مبتسم ونبرةٍ حنونة:
_طب أعتبرني زي ماما وأحكيلي وو’عد سـ ـرك فبـ ـير محدش هيعرف بيه مهما حصل.
_مينفعش تقا’رني نفسك بماما … لأنك مينـ ـفعش تتحطي فمقا’رنة معاها.
هكذا جاءها ردّه فجأ’ةً دون سا’بق إنذ’ار حينما أنطـ ـفت لمـ ـعة عينيه وأختـ ـفت بسمتهُ الجميلة وحـ ـل الوجو’م وجهه، تفا’جئت مِن هذا التحو’ل الجذ’ري الذي رأته أمام أعينها في لمـ ـح البصـ ـر لتسأله بنبرةٍ هادئة حنونة قائلة:
_ليه يا حبيبي بتقول كدا؟ دي أُ’مّك.
_لا مش أُ’مّي وأنا متشر’فش إنها تكون أُ’مّي أصلًا، متسـ ـتحقش أصلًا يتقال عليها أُمّ، هي لو أُمّ بجد مش هتطـ ـلق مِن أبويا وتسـ ـيبني وتمشي وأنا لسه عيـ ـل صغير عنده ٥ سنين مش وا’عي إيه اللي بيحـ ـصل بين أبوه وأُ’مّه، مشـ ـيت وهي سيبا’ني وراها عمال أعيـ ـط وأصر’خ عشان متسيـ ـبنيش لحد ما صوتي أتنـ ـبح وتـ ـعبت، مسألتش على أبـ ـنها ولا تعرف عنه حاجة مِن ساعتها أنا كبرت وأتر’بيت مع أبويا طول السنين دي مِن غير أُ’مّ مع إني كُنْت محتاجها أوي فحياتي، كُنْت بخا’ف أنام لوحدي بـ ـليل على سريري فالضـ ـلمة وعشان مكانتش موجودة كُنْت باخد هدومها القد’يمة أحطها على جسـ ـمي وحواليا وأحضن المخدة على أساس إنها هي..
أنا تـ ـعبت أوي فحياتي وأوقات كتير أوي بابا كان بيسـ ـيبني ويمشي بالأيام والأسابيع وأنا أفضل قاعد بين أربع حيـ ـطان مر’عوب وخا’يف ومش حا’سس بالأ’مان … مفكرتش تسأل عليا ولو مرة واحدة بس تطـ ـمن عليا بالعكـ ـس كأنها مصدقت، ودلوقتي رجعت بعد ٢١ سنة تسأل عنّي !! هو أنا هكون قاعد تحـ ـت أ’مرها وقت ما تر’جع وتاخدني بالأحضان هتلاقيني بحضنها ومبسوط؟ منكـ ـرش إني فرحت بس كان بعد فو’ات الأو’ان ورغم كل دا طعـ ـنتني ووجـ ـعتني ولأول مرة أشوف بابا يعمل حاجة صح فحيا’ته عشاني، كان عنده حـ ـق لمَ بَعـ ـدني عنها هي سافرت واتجوزت واستقـ ـرت جَت بس عشان تخلـ ـص ضـ ـميرها مش أكتر مكانتش مجيتها دي حُبًّا فيا، رجوعها وجـ ـعني أوي وحـ ـسسني باليُتـ ـم بجد أنا تـ ـعبان أوي وقلبي واجـ ـعني مليش غيركم ألجـ ـأله.
أنهـ ـى حديثه وأنخـ ـرط في البكاء بعدما لَم يستطع التما’سك أمام زوجة أبيه التي ذكرته بجرو’حه القد’يمة التي ترفـ ـض أن تلتئـ ـم وكأنها تعهـ ـدت على ملاز’مته طوال الحياة دون أن تفا’رقه، أما عنها فقد سقـ ـطت عبراتها على صفحة وجهها بعدما أستمعت إلى حديثه الذي آ’لم قلبها ولامـ ـس رو’حها لتقوم بجـ ـذبه دا’خل أحضانها تعانقه بحنوٍ إلى د’فئ أحضانها ممسّدةً على ظهره برفقٍ وقد أستحقـ ـرت والدته كثيرًا في هذه اللحظة فكيف تأتيها الجـ ـراءة لتر’ك شا’بٍ كـ “بـشير”؟ شا’بًا كهذا غيرها تتمناه لها كيف لها بالفـ ـعل أن تتر’كه وتر’حل بهذه السهولة والبساطة وكأنها لَم تفـ ـعل شيئًا؟.
ضمها هو بعدما تر’كها تعانقه باكيًا دا’خل أحضانها بعدما عادت جر’وحه تنزُ’ف مِن جديد بعدما حاول وحا’رب لمد’اوتها، شـ ـدد مِن عناقه إليها محاولًا أن يشعر بأي مشاعر أمو’مية مِنها تجاهه فقد أفتقـ ـر لتلك المشاعر ولذلك هو لا يعلم كيف تكون، مسـ ـحت هي بكفها على خصلا’ته السو’د’اء وظهره بحنوٍ لتز’يل عبراتها بكفها الحُـ ـر الآخر محاولةً التما’سك قد’ر المستطاع ليأتي صوتها الباكِ حينما قالت في محاولةٍ مِنها لتصـ ـليح الأمور قليلًا:
_حـ ـقك عليا أنا يا حبيبي صدقني هي اللي خسـ ـرت مش أنتَ، هي خسـ ـرت شا’ب زي القمر زيك محتـ ـرم ومتر’بي وملـ ـتزم د’ينيًا وجد’ع ورا’جل يُعتمـ ـد عليه، خسـ ـرت شا’ب زي القمر ميتعو’ضش صدقني، وأنتَ كسبت عيلة وعزوة تعوضك عنهم، ربنا بيا’خد مِننا حاجة ويدينا الأحسن مِنها على طول، وأهو ربنا عوضك بأخوات وأُمّ تانية ليك، مش أنتَ بتعتبرني أُ’مّك برضوا ولا إيه؟.
أنهـ ـت حديثها ممازحةً إياه تنتظر جوابه الذي لَم يتأ’خر حينما ر’فع رأسه ينظر لها بعينين باكيتين لترى بسمةٌ صغيرة ترتسم على ثغره مجاوبًا إياها بما أسعد قـ ـلبها حينما قال:
_أنتِ أحسن مِنها وتستا’هلي إني أقولك أُمّي بجد، مِن ساعة ما شوفتك وشوفت مُعاملتك ليا وأنا حبيتك أوي ومؤ’خرًا أتعـ ـلقت بيكِ، ببقى بصراحة نفسي أناديكِ بيها بس بخا’ف.
_تخا’ف مِن إيه يا عبيـ ـط بالعكـ ـس دا أنا هفرح جدًا كفاية إني هيكون عندي شا/ب تاني مع “أكرم” يبقى أبـ ـني، زيك زيهم بالظبط فكل حاجة تقدر تناديني ماما مِن النهاردة وأنتَ مِن النهاردة أبـ ـني أي حاجة تحصل معاك أو تكون مضا’يقاك أو محـ ـيراك تيجي تتكلم معايا وأنا هسمعك ونحـ ـلها سوى مع بعض متخبـ ـيش عنّي حاجة خالص وهتلاقيني جنبك على طول فأي وقت تحتا’جني فيه، أتفقنا يا حبيبي؟.
أبتسم إليها أخيرًا وهو يُطا’لعها بعينين ملتـ ـمعتين يؤ’كد على حديثها بإما’ءة صغيرة مِن رأسه ليُعاود معانقتها مِن جديد وهو يشعر بد’فئٍ لَم يسبق لهُ وأن شعر بهِ مِن قبل، شعر بحنان الأ’م الذي أفتقـ ـره منذ الصغر لأول مرة في حياته حتى حينما عانق والدته لَم يشعر بهذا الد’فئ والحنان الذي يشعر بهِ الآن مع زوجة أبيه وكأنها تُعا’ند الجميع مهما حدث ستظل هي الأولى في كل شيءٍ مهما تعـ ـدد عليها نسـ ـاءًا أ’خريات تظـ ـل هي الأولى..
تذكر أخيه “نـادر” وتذكر كيف تكون حالته الآن بعدما قـ ـصّ عليه كل شيءٍ حد’ث بينه وبين والدته ليشعر أنهُ يُشبهه كثيرًا في هذه الحياة، تر’دد كثيرًا في التحدث معها وإخبارها عن وجود زوجةٌ ثالثة وأبـ ـنًا آخر غيره مِن أخرى ففي الأ’خير هو أخيه الصغير ورؤيته إليه في هذه الحا’لة يؤ’لم قلبه كثيرًا، أبتعـ ـد عن أحضانها ونظر لها مبتسمًا لتأخذ هي الكوب السا’خن تَمُدّ يدها بهِ إليهِ قائلة:
_بُص بقى أنا عاملة حبة حمص الشام طعمه سُكّر خالص وا’ثقة إنه هيعجبك كل شتا فالتوقيت دا بالذات بعمله وبجمع الحبايب كلهم عندي ونقـ ـضي يوم مع بعض، فبكرا إن شاء الله نَوّ’يت أجمعكم ونقـ ـضي اليوم مع بعض.
أبتسم “بـشير” لها وشعر أنه الوقت المناسب لإخبارها بعدما رفـ ـض “أكرم” إخبارها بشيءٍ كهذا خو’فًا عليها وقد كلـ ـفه في الأ’خير بهذه المهـ ـمة الصـ ـعبة التي شعر بصعو’بتها الآن، أبتـ ـلع غصته بتروٍ وأبتسم قائلًا:
_أكيد طعمه لا’زم يبقى سُكّر كفاية إن أنتِ اللي عاملاه يا سـ ـت الكل، بس بصراحة أنا كُنْت محتاج أتكلم معاكِ فموضوع يعني بس خا’يف.
_خا’يف مِن إيه يا حبيبي أتكلم عادي على طول إيه اللي يخو’فك.
أخذ نفـ ـسًا عميـ ـقًا داخل صد’ره ثم زفـ ـره بتروٍ وأجابها بنبرةٍ هادئة قائلًا:
_لأن بصراحة يعني الموضوع ممكن بشكل كبـ ـير يضا’يقك.
_يضا’يقني ليه بالعكـ ـس أتكلم وأنا هسمعك.
هكذا أجابته بوجهٍ مبتسم تطـ ـمئنهُ حتى يتحدث، ليشعر بالتو’تر قليلًا قبل أن يأخذ القر’ار ويُحدثها قائلًا:
_بصراحة الموضوع هيضا’يقك وأحتمال يز’علك وأنا عارف كدا كويس، بصراحة مش هكد’ب عليكِ أنا وأنتِ وأخواتي عارفين إن بابا كان بتاع جواز كتير، آه ربنا قال مثنى وثُلاث ورُباع بس يكون في سـ ـبب قو’ي ومقنـ ـع عشان يتجوز بس هو تقريبًا مكانش عنده سـ ـبب للجواز كل شوية سو’اء أتجوز عليكِ أو على أُ’مّي، بس هو فالحـ ـقيقة راح أتجوز على أُ’مّي، معرفش دا طـ ـبع ولا حُبًّا فالستا’ت مش عارف بصراحة كل ما كُنْت أجي أدوّر على سـ ـبب ملا’قيش، يمكن فالآ’خر د’اء فيه الله أعلم المهـ ـم التالتة اللي أتجوزها على أُ’مّي جايبة شا’بين، واحد مِنهم جه بعد ما حصلت بينهم مشـ ـكلة وشبه يعني وقفـ ـتله كل حاجة عشان تجبـ ـره ير’جع وهو مش راضي، أول ليلة باتها فمسجد “رمـزي” عشان ميعرفش أي حاجة هنا ومبيحبش يكون تقـ ـيل على حدّ حتى لو مش مبين، بعدين “بيلا” عرفت وز’علت جدًا هو جه قبل كدا ليها هو وأخوه وساعتها يعني “يـوسف” شـ ـد معاهم عشان مكانش يعرف وشافهم غُرب عن أهل الحارة..
هو بأ’مانة يعني تحسيه غـ ـلبان أُ’مّه سـ ـت جبـ ـروت جايه عليه على حسا’ب أبنها الصغير، “بيلا” خدته عندها كام يوم مكاني لحد ما الر’اجل اللي هيأ’جر مِنُه الشقة ير’جع بس بدأت أفكر أديله مفا’تيح شقتي يقعد فيها مؤ’قتًا لحد ما يلاقي حـ ـل مش عارف أتصـ ـرف، وشكله بيقول إنه مش عايز ير’جع تاني ز’هق وشا’يل حِـ ـمل تقـ ـيل أوي فو’ق كتافه وساكت بقاله ٣ سنين، ومحبتش معرفكيش برضوا كدا أو كدا هتعرفي … “أكرم” عرف وطـ ـلع جد’ع وخده بالأحضان إحنا فالآ’خر كلنا أخوات مِن أب واحد وأتظلـ ـمنا كلنا وأدينا فالنها’ية سنـ ـد لبعض.
دام الصمت بعدها لوقتٍ لا يعلمه هو، تلقت الحديث وأستمعت إليهِ حتى أنتهـ ـى وهي لَم تتحدث أو تقول شيءٍ مِمَّ جعل الخو’ف يتسـ ـلل إلى قلبه بسـ ـبب صمتها ذاك والذي لا يُنذ’ر سوىٰ بشيءٍ واحدٍ فقط يخـ ـشىٰ حدوثه، أما عنها فلَم يكُن الأمر جديدًا عليها بل تو’قعت حدوث ذلك وتو’قعت مجيئ هذا اليوم وإن لَم يكُن غدًا فسيكون بعد غد، لَم تعُد تتأ’لم كما حد’ث في السابق فهذا طـ ـبعٌ بهِ لَم يكُن سيتغيَّـ ـر وهو على قيـ ـد الحياة، عادت بذاكرتها ليلة أمس حينما رأت شا’بًا غريبًا يجلس معهم في الجلسة التعا’رفية وحينها تعجبت وجوده ولَم يُخبرها أحدهم..
ولَكِنّ كان يُشبهه بعض الشيء، كان يُشبه “فارس” في معالم وجهه وطريقه تحدثه وإنصاته لمَن حوله، أبتـ ـلعت غصتها بتروٍ ثم نظرت إليهِ وقالت بنبرةٍ هادئة للغا’ية وبسمةٌ أرتسمت على ثغرها تعجبها “بـشير” كثيرًا:
_هو اللي كان قاعد جنبك إمبارح؟.
حرك رأسه برفقٍ يؤ’كد على حديثها لتظل هي محتفظةً بأبتسامتها قائلة:
_خلّي “بيلا” تجيبه معاها بكرا وهما جايين، مينفعش ميجيش.
_أنتِ مش زعلا’نة بجد ولا مضا’يقة مِن وجوده؟.
هكذا سألها “بـشير” متر’قبًا وهو ينظر لها متعجبًا وخا’ئفًا مِن بسمتها وهدوءها ذاك ليأتيه ردّها المتعـ ـقل حينما وضعت كفها على ذراعه تنظر إليه بوجهٍ مبتسمٍ قائلة:
_أنتَ قولتها بعـ ـضمة لسا’نك يا “بـشير” وأنتَ بتتكلم، أنتوا فالآ’خر أخوات مِن أب واحد وسـ ـند لبعض، مش ذ’نبكم اللي حصل أنتوا أخوات ولا’زم تحبّوا بعض وتقـ ـفوا جنب بعض، وهو ربنا يسا’محه بقى عند الله تجتمع الخصو’م … مش عارفه أسا’مح.
حز’ن كثيرًا لأجلها حينما رأى بر’يق عينيها وحز’نها الذي عاد يحو’مها ليعتدل في جلستهِ ثم مدّ كفيه وأز’ال عبراتها بإبهاميه عن صفحة وجهها بحنوٍ ومِن ثم لثم جبينها قْبّلة حنونة وضمها إلى د’فئ أحضانه قائلًا بنبرةٍ حز’ينة لأجلها:
_ولا تز’علي نفـ ـسك أنتِ زي القمر وحنينة وتتحبي واللهِ وهو خسـ ـرك وخسـ ـر ولا’ده وخسـ ـر كل حاجة، حـ ـقك عليا أنا مش عايزك تفضلي زعلا’نة كدا وإن شاء الله ربنا هيعوضك خير وبكرا تقولي “بـشير” قال، لو جه عريس توافقي على طول أديني بقولك أهو عايزك مبسوطة ومرتاحة عشان أنتِ طيبة وتستحـ ـقي كل خير، تمام يا قمورة؟.
أنهـ ـى حديثه مبتسم الوجه وهو ينظر إليها، فيما رأى هو بسمتها تتـ ـسع على ثغرها وهي تنظر إليهِ لترى بسمتهُ تتسـ ـع على ثغره وهو ينظر لها، صفـ ـعته برفقٍ على ذراعه معـ ـنفةً إياه قائلة:
_بس يا و’اد أستحـ ـي شوية جواز إيه دلوقتي خلاص فا’ت الأو’ان.
_إيـه !! فا’ت الأو’ان؟ بجد واللهِ أنتِ شايفة كدا؟ لا لا كدا أز’عل.
نظرت إليهِ مبتسمة الوجه لتراه ينظر لها بطر’ف عينه بوجهٍ مبتسم ثم ضحك ضحكاتٍ خـ ـفيفة وضمها إلى أحضانه ممسّدًا على ذراعها برفقٍ دون أن يتحدث، أما عنها فكانت تضع رأسها على صد’ره مبتسمة الوجه وهي تُفكر في حديثه إن حد’ث بالفعـ ـل؟ فبعد مو’ت زوجها لَم تعُد تريد الزواج فقد أُر’هِقَت رو’حها ولَكِنّ لا أحد يعلم ماذا يُخبـ ـئ لنا القد’ر.
_______________________
<“عاد الفتـ ـى يُد’افع عن مملـ ـكته مكشـ ـرًا عن أنيا’به.”>
لأول مرة تذهب في رحلةٍ أستكشا’فية لتلك الحارة التي يعـ ـيش بها أخيها الصغير، فبعد أن جاءت وسا’محها شعرت بأنها تعـ ـيش سعيدة للمرة الأولى منذ سنواتٍ، تبدو صغيرة ولطيفة فهي قد ور’ثت جمال أُ’مّها وقد أو’قعت العديد مِن الر’جال في مصـ ـيدة حُبّها ولَكِنّ لَم تقبل بأي واحدٍ مِنهم وأستـ ـقلت بحياتها فجميعهم يريدون أن يتزوجوا بها فقط لجمالها السا’حر لا أكثر مِن ذلك.
صدح رنين هاتفها يعـ ـلو دا’خل حقيبتها يُعلنها عن أتصالٍ هاتفي، تو’قفت على جـ ـنب الطريق وأخرجته لترى أخيها مَن يُهاتفها، شعرت بنبـ ـضات قـ ـلبها تعلـ ـو دا’خل قفـ ـصها الصد’ري وهي ترى أسم أخيها يترا’قص على شاشة هاتفها للمرة الأولى في حياتها، شعرت بالعديد مِن المشاعر تد’اهمها، السعادة، والحز’ن، والتو’تر، العـ ـديد مِن المشاعر تتخـ ـبط بد’اخلها فلَم تكُن تتو’قع أن تصل إلى هذه المر’حلة في يومٍ مِن الأيام..
ألتمـ ـعت مُقلتيها بالعبرات وهي تنظر إلى أسمه ولوهلةٍ شعرت أنها تريد أن تبكي، بالحـ ـق تريد أن تبكي فما تشعر بهِ الآن خا’رجًا عن إر’ادتها ولَكِنّ في النها’ية هي ترى نفسها أسعد فتا’ةٍ على و’جه الأ’رض في هذه اللحظة، أنتـ ـهت المكالمة وعاد فو’رًا يهاتفها لتنظر هي إلى شاشة هاتفها مجيبةً إياه بنبرةٍ باكية قائلة:
_أيوه يا “يـوسف”.
أتاها صوته مند’فعًا حينما شعر بالخو’ف عليها بعدما لَم تُجيبه في المرةِ الأولى قائلًا بنبرةٍ حا’دة:
_في إيه يا “عَليا” مبترديش عليا ليه مش قايلك أول ما أتصل بيكِ تردي عليا على طول عشان مخا’فش عليكِ مردتيش ليه.
أبتسمت حينما أستمعت إلى نبرته الحا’دة والمند’فعة حينما شعر بالخو’ف عليها عندما لَم تُجيبه، أخذت نفـ ـسًا عمـ ـيقًا وقالت بنبرةٍ باكية:
_مفيش حاجة أنا كويسة أهو وردّيت عليك.
ألتزم الصمت للحظاتٍ حينما جاءه نبرتها الباكية لتبدأ السيناريوهات العـ ـديدة تتلا’عب في رأسه ليقول بنبرةٍ هادئة حذ’رة متر’قبًا ردّها:
_أنتِ معيطة؟ حد ضا’يقك أو جه جمـ ـبك؟.
نَفَـ ـت حديثه فو’رًا حينما قالت بنبرةٍ سر’يعة تر’دع حديثه:
_لا لا خالص مفيش حاجة.
_”عَليا” متكد’بيش عليا لو حد عـ ـملك حاجة قوليلي مفيش نـ ـملة عا’يشة هنا معرفهاش، قولي وأنا أجيب أُ’مّه تحـ ـت ر’جلك يعتذرلك قدام الكل.
هكذا جاوبها بنبرةٍ حا’دة ليأتيه حديثها حينما قالت بوجهٍ مبتسم ونبرةٍ هادئة:
_لا صدقني محدش جه جـ ـنبي، كل الحكاية إني أول ما شوفت أسمك على الموبايل حسـ ـيت بمشاعر غريبة، هي حلوة بس لوهلة لقيتني بعيط وحا’سه نفـ ـسي بحلم مش قا’درة أصدق لسه إن بقى ليا عيلة وأهل وأخ يخا’ف عليا … مشاعر بعيـ ـشها لأول مرة.
تفهم حديثها ولذلك هـ ـدأ نوعًا حينما أستمع إلى هذا السـ ـبب ليأتي ردّه متنا’فيًا مع حديثها قائلًا:
_قوليلي أنتِ فين دلوقتي؟.
نظرت هي حولها تبحث عن علا’مةٍ مميزة تخبره مِن خلالها مو’قعها لترى ور’شة صيا’نة سيارات لتقول:
_أنا جنب ور’شة عربيات، مكتو’ب عليها ور’شة “حـودة”.
_خلاص عرفت أنتِ فين، ٥ دقايق وأكون عندك أو’عي تتحركي مِن مكانك سمعاني؟.
أبتسمت حينما أستمعت إلى لهجـ ـته الآ’مرة والحا’دة بعض الشيء لتُجيبه منصا’عةً لهُ قائلة:
_يلا ماشي أنا هفضل مكاني مش هتحـ ـرك بس متتأ’خرش.
أنهـ ـت حديثها وكذلك المكالمة معهُ مبتسمة الوجه فيما كان هو يبتا’ع بعض الأغراض لزوجته بعدما رفـ ـض ذهابها لجلـ ـبهم وقد أراد الاطمـ ـئنان عليها حينها، قام بتغيـ ـير مسا’ر سيره لمقابلتها فهي مازالت تجهـ ـل الطُرُقات ولذلك خشـ ـى عليها أن تكون قد ضـ ـلت الطريق، كان منـ ـضبطًا في ميعاده فبحلول الدقيقة الخامسة كان يقترب مِنها على بُعد سنتيمترات..
رأته مِن بعـ ـيد ولذلك أبتسمت لهُ حينما رأته قد ظهر أمامها، أما عنهُ فلَم يستـ ـطيع أن يبخـ ـل عليها بإبتسامته ولذلك أبتسم لها ليقترب مِنها الخطىٰ الفا’صلة مُعانقًا إياها بحنوٍ، كانت سعيدة بهذا العناق الحنون ولذلك بادلته إياه قائلة بنبرةٍ سعيدة:
_حُضنك حلو أوي يا “يـوسف”.
أتسـ ـعت بسمتهُ ليجاوبها بنبرةٍ هادئة قائلًا:
_مش هبخـ ـل عليكِ بيه، أهم حاجة تكوني مبسوطة وسـ ـطنا.
أبتعـ ـدت عنهُ قليلًا وهي تنظر إليهِ بأبتسامةٌ مشر’قة لتجاوبه دون أن تكذُ’ب عليهِ قائلة:
_مبسوطة أوي إني رجعت وسـ ـطكم تاني … بس أتمنى مامتك متكونش كر’هاني، يعني شعورها هيغـ ـلبها وهتفتكر الماضي.
حرك رأسه ينفـ ـي حديثها هذا مطـ ـمئنًا إياها قائلًا:
_لا متخا’فيش بالعكـ ـس هتحبك وهتعا’ملك كأنك بـ ـنتها بالظبط هي طيبة وقلـ ـبها كبـ ـير وأبيـ ـض، وخصوصًا لمَ تعرف إنك سـ ـبب نجا’تنا وإحنا صغيرين، الحاجة دي هي الو’حيدة اللي عمري ما هنساهالك يا “عَليا” مهما حصل لو’لاكِ كان زماني أنا و “مـها” ميـ ـتين، أنتِ نقـ ـية مِن جو’اكِ يا “عَليا” وأنا عارف كدا كويس.
سعدت كثيرًا بحديثه ذاك ليظهر ذلك على تقا’سيم وجهها ولـ ـمعة عينيها لتعا’ود معانقته مِن جديد قائلة بنبرةٍ سعيدة:
_متتصو’رش كلامك دا بيفرحني قد إيه وبيخليني طا’يرة مِن الفرحة، وأنا وا’ثقة إنها طيبة وهتقبـ ـلني.
أبتسم مِن جديد وقال بنبرةٍ هادئة متسائلة:
_طب إيه مش ناوية تر’وحي بقى ولا هتفضلي فالشارع كدا كتير؟.
_عايز الصراحة ولا بـ ـنت عمها؟.
هكذا أجابتهُ مراو’غةً إياه مبتسمة لير’فع هو حاجبه الأ’يمن عا’ليًا وهو يُطا’لعها بطر’ف عينه قائلًا:
_بتتشا’قي معايا بالكلام لا لا تبقي لسه متعرفنيش … قولي الصراحة.
أجابته بنبرةٍ حما’سية وهي تنظر إليهِ مبتسمة الوجه قائلة:
_بصراحة عايزة أتمشى شويه كمان، حبيت المكان وعندي شغـ ـف أ’لف شوية، لو ور’اك حاجة رو’ح عشان معطـ ـلش.
ر’مقها نظرةٍ ذات معنى لتنظر إليهِ قليلًا حتى تلا’شت بسمتها حينما طا’لت نظراته الغير مفهومة، بدأت تشعر بالتو’تر مِن نظراته الحا’دة المصو’بة نحوها ليأتيها قوله حينما قـ ـطع هذا الصمت قائلًا:
_عايزاني أسيـ ـبك كدا لوحدك وأروح أشوف مشاغـ ـلي اللي هي أهـ ـم مِنك؟ شيفاني إيه إن شاء الله عشان أسـ ـيب حر’يم بيتي كدا وأروح أنا عشان أقـ ـضي مشاغـ ـلي، لولا إنك مش عارفاني لسه كُنْت وريتك الو’ش التاني.
نظرت إليهِ بتو’ترٍ دون أن تتحدث لتراه يُشـ ـيح ببصـ ـره بعيـ ـدًا عنها زافـ ـرًا بعـ ـمقٍ بعدما أستفـ ـزه حديثها العفـ ـوي كثيرًا، دام الصمت بينهما قليلًا لمدةٍ لا يعلمانها هي تلعب بأصابع يدها وهو ينظر بعـ ـيدًا، دام ذلك أيضًا قليلًا قبل أن يعاود هو النظر إليها، تحدث بنبرةٍ هادئة قائلًا:
_الفكرة إني بغـ ـير على أهل بيتي وهنا في ناس كويسه وفي عا’لم ضا’لة عايزة الحر’ق مقـ ـبلش يتقال كلمة مش تما’م كدا أو كدا مِن أي حد فيهم لأنهم ما بيصدقوا يمـ ـسكوا حد مِن طر’في يضا’يقوه، تعالي هنتمشى سوى.
أنهـ ـى حديثه مبتسم الوجه ناظرًا إليها، فيما أتسـ ـعت بسمتها مثلما كانت مِن قبل تزين ثغرها، وقبل أن يتحركا أشتـ ـدت الريا’ح البا’ردة مِن حولهما لتضم “عَليا” نفسها بعدما شعرت بصـ ـقيع الريا’ح مِن حولها، نز’ع “يـوسف” چاكيته الثقـ ـيل الأسو’د لتحاول هي منـ ـعه قائلة:
_متقلـ ـعش يا “يـوسف” هتاخد بـ ـرد.
لَم يُعـ ـيرها أيا أهمـ ـية ونز’ع چاكيته ومـ ـدّ يده بهِ لها قائلًا بلـ ـهجةٍ آ’مرة:
_أمسـ ـكِ ومتجاد’ليش معايا عشان أنا عـ ـنيد.
نظرت إلى يدهِ الممسكة بچاكيته ثم نظرت إليهِ تراه ينظر لها بهدوءٍ، تر’ددت كثيرًا ولَكِنّ في النها’ية أخذتهُ مِنهُ وأرتدته قائلة:
_مش هتبقى سقـ ـعان كدا؟.
حرك رأسه ينفـ ـي حديثها مبتسمًا ليُشير إلى كنزته الثقيـ ـلة التي يرتديها قائلًا:
_أنا متد’في مِن غير الچاكيت.
أبتسمت كذلك ثم تحر’كت معهُ تسير في أرجاء المكان تشاهده مِن حولها بوجهٍ مبتسم بعدما تو’لى هو شـ ـرح تفا’صيل المكان إليها لتتابعه وتستمع إليهِ دون مـ ـللٍ فكيف تمـ ـلُ مِنهُ وهي تشتا’ق لسماع المزيد والمزيد مِنهُ !! كانت مبهو’رةٌ بالمكان مِن حولها وقد أحبته كثيرًا وأحبت المكو’ث بهِ بعدما أستمعت إلى أخيها، أخذها وذهبا إلى العديد مِن المتاجر الخاصة بالملابس والأحذ’ية والأكسسو’ارات النـ ـسائية لتبدأ هي بمشاهدة المكان مِن حولها مبتسمة الوجه..
تو’قفت تشاهد بعض الأكسسو’ارات بوجهٍ مبتسم ووقف هو بجوارها يتابعها قائلًا بتساؤلٍ:
_في حاجة عجبتك ولا إيه؟.
حركت رأسها برفقٍ وقالت مبتسمة الوجه:
_بتفر’ج بس.
تر’كها تشاهدهم ليقوم بإخر’اج محفظته الجديدة التي أهـ ـدتها إليهِ أُ’مّه مؤ’خرًا ليرى أن نقوده كُثُر هذه المرة بعدما أخذ مبلغًا بسيـ ـطًا مِن نقود أبيه التي تر’كها لهما في الأ’خير فبعد أن كانت الثر’وة مقـ ـسمةٌ عليه هو وشقيقته الصغيرة اليوم عادت الأخرى التي يكون لها حـ ـقٌ أيضًا بها، شرد قليلًا بينه وبين نفسه يُفكر كيف سيقوم بتقـ ـسيم هذه الثر’وة على ثلاثتهم حتى أنتـ ـشله صوتها حينما قالت بوجهٍ مبتسم تُشهـ ـر بإحدى الاكسسـ ـوارات الفـ ـضية التي نا’لت إعجابها:
_الله بُص يا “يـوسف” حلوة أزاي السلـ ـسلة دي، ر’قيقة أوي مش كدا؟.
أبتسم إليها بعدما رأى السلسـ ـلة التي نا’لت إعجابها ليُبدي برأيه كذلك حينما قال:
_حلوة أوي فعلًا، لايقة عليكِ تصدقي.
_بجد؟!.
نطـ ـقت بها بحما’سٍ وعادت تنظر إليها ليأتيها ردّه حينما قال بنبرةٍ هادئة:
_أعتبريها بتاعتك.
نظرت إليهِ بعدما جاءها صوته الهادئ لترى البسمة تزين ثغر الآخر الذي كان ينظر إليها، جاء صوته مِن جديد حينما قال:
_دي هدية صغيرة مِني ليكِ، شوفي بقى إسو’رة حلوة معاها.
كانت لا تصدق ما تسمعه مِنهُ لينظر هو إلى صاحب المتجر قائلًا بنبرةٍ هادئة:
_بعد إذنك هناخد السلـ ـسلة دي.
أقترب الر’جُل مِنهما بوجهٍ مبتسمٍ ليبدأ “يـوسف” يطو’ف بعينيه على جميع السلا’سل الفضـ ـية مِن حوله ليبتا’ع واحدةٌ كذلك إلى زوجته وشقيقته الصغرى، سقـ ـطت عيناه على سلـ ـسلةٌ فضـ ـية تحـ ـمل قـ ـلبًا صغيرًا مصنو’عًا مِن الفـ ـص الأحمـ ـر اللا’مع، وأول مَن خـ ـطرت على عقـ ـله شقيقته الصغرى فيبدو أنهُ صُـ ـنِعَ خصيصًا لأجلها هي..
نظر إلى صاحب المتجر ثم أشار نحو السلسـ ـلة تلك وقال:
_بعد إذنك ممكن أشوف دي؟.
_آه طبعًا لحظة واحدة.
نطـ ـق بها الر’جُل بوجهٍ مبتسم ثم ذهب كي يجلبها لهُ أسـ ـفل نظرات “عَليا” إليهِ والتي قالت متسائلة:
_الله ذوقك حلو أوي يا “يـوسف”، بس دي لمين؟.
_”مـها”، هتليق عليها أوي.
هكذا جاوبها بوجهٍ مبتسم ونبرةٍ حنونة وهو يأخذها مِن الر’جُل ليرى أنها تلـ ـيقُ بها بالفعل ولذلك لَم يتر’دد ونظر إلى صاحب المتجر قائلًا:
_وهاخد دي كمان.
عاد يطو’ف مِن جديد بين السلا’سل ينتقي واحدةٌ إلى زوجته الحبيبة التي تحمـ ـلت معهُ الظرو’ف العصـ ـيبة وقدمت الجميع مِن المسا’عدات معهُ ولَم تشـ ـكو يومًا، ولذلك أراد أن يُهـ ـديها شيئًا يكون مكا’فأةٌ لها على صـ ـبرها وتحمـ ـلها طوال تلك السنوات، ظل يبحث ويبحث عن سلـ ـسلةٍ مميزة بينهم حتى سقـ ـطت عيناه على واحدةٌ لَم يتر’دد في جلبها، سلسـ ـلةٌ فـ ـضية لا’معة تحمـ ـل أول حرفٍ عر’بي بأسمه “يُ” هكذا كان الحرف على الرغم مِن أن الحرف ينتسـ ـب لأسم “يُمنىٰ” كذلك ولَكِنّ أسمه يحـ ـمل أول حرفٍ كذلك ولذلك أشار تجاهها وقال:
_ودي كمان بعد إذنك واللي جنبها.
الرابعة بالتأ’كيد ستكون إلى والدته الحبيبة حيثُ حـ ـملت أول حرفٍ مِن أسم أبيه الحبيب، الأثنتين مميزتين ونا’لتا إعجابه بشـ ـدة، قام الر’جُل بتجميعهم ووضع كل واحدةٌ في عُلبتها الخاصة وكذلك الإسو’ار الذي أختارته “عَليا” بُناءًا على طلب “يـوسف” لها ليتحدث الر’جُل بوجهٍ مبتسم قائلًا:
_شكل الحبايب كتير ربنا يباركلك فيهم.
أبتسم “يـوسف” بسمةٌ هادئة وقال:
_أغـ ـلى حاجة فحياتي، يستحـ ـقوا عـ ـينيا كمان.
_ربنا يباركلك فيهم ويحفظهم يا بختهم بيك واللهِ، وعشان خاطرك وخاطرهم هعملك خصـ ـم عليهم ربنا يباركلك فحياتك وفلوسك ويديكِ على قد نيـ ـتك.
أبتسم “يـوسف” ثم نظر إلى شقيقته التي كانت فخو’رةٌ بهِ وسعيدة في نفس الوقت بتلك الهدية التي أهـ ـداها إليها، خرجا سويًا مِن المتجر ليقول متسائلًا:
_نفـ ـسك فأي حاجة تانية؟.
حر’كت رأ’سها تنفـ ـي حديثه قائلة بنبرةٍ هادئة:
_لا كفاية السلـ ـسلة والإسو’رة الحلوة دي، تعيـ ـش وتجيبلي يارب.
حاوطها بذراعه الحُـ ـر ونظر لها بوجهٍ مبتسم دون أن يتحدث، ذهبا إلى المنزل وولجا إلى الداخل ليرا كلاهما الجميع حاضرًا والضحكات تتعا’لى وقد حضر كذلك عمه “عـماد” وكذلك “رابـح” للمرة الأولى لهُ، ترك شقيقته وذهب يُرحب بوالدته وعميه مبتسم ويضحك وقد و’قفت هي مكانها تنظر إليهم مِن بعـ ـيد والحز’ن يأ’كلها حـ ـية على ما هي عليهِ الآن، وبعد الترحيب وتبادل بعض الأحاديث عاد لها مِن جديد يحاوطها بذراعه مبتسم الوجه لتنظر إليهِ وترسُم سر’يعًا بسمةٌ زا’ئفة على ثغرها..
نظر “يـوسف” إلى والدته التي كانت على علمٍ بما حد’ث مع هذه الفتا’ة التي على الرغم أنها الأكـ ـبر بين أخوتها ولَكِنّ معالم وجهها تدُ’ل على صغرها، أقتربت مِنهما بخطى هادئة وبسمتها مرتسمةٌ على ثغرها أسـ ـفل نظرات الجميع إليها وخصيصًا “عَليا” التي نظرت إلى أخيها بتو’ترٍ ليُطـ ـمئنها على الفو’ر بتواجده، وقد و’قفت “شـاهي” أمامها تنظر لها مبتسمة لتبتسم إليها “عَليا” في المقابل دون أن تتحدث لتسمع الأخرى تشكرها وتمتـ ـن لها قائلة:
_أنا عارفة إنك خا’يفة مِني وخا’يفة مِن التعا’مُل معايا بس أنا أطيب مِن كدا بكتير، أنتِ كُنْتِ آه صغيرة ووا’عية إيه اللي بيحـ ـصل حواليكِ ورغم سو’ادها نقا’ءك مسـ ـمحلكيش تنفـ ـذي كلامها وأنقـ ـذتي أخواتك الصغيرين مِنها ودي حاجة أنا حبيتها فيكِ عارفة ليه؟ عشان مفكيش عر’ق الخيا’نة والغد’ر زيها طيبة زي أبوكِ بس فالآ’خر دا قد’ر وإحنا لا’زم نقبله سو’اء حلو أو لا لأن اللي بعديه أكيد خير … أخواتك بيحبوكِ وأنتِ كبيـ ـرتهم بالسـ ـن، بس شخـ ـصية بقى فـ “يـوسف” أبـ ـني عامل كبير بالبلطـ ـجة على الكل هنا ميغو’ركيش الحـ ـنية والأحتر’ام اللي بيعاملك بيهم شوية وهيقلـ ـب زي ما عمل معايا كدا، بس مفيش فطيبة قلـ ـبه وحنيته على اللي حواليه مهما حاول يبين كل الو’حش اللي جو’اه، هيفضل طيب، أنتِ مش لوحدك أنتِ معاكِ عيلة كا’ملة دول واللي هناك عيلة أبوكِ، دول عمامك أنتِ مِننا أوعي تفتكري إنك لوحدك أبدًا مهما حصل وزيك زي الو’اد الشحـ ـط دا والبـ ـت الحلوة اللي هناك دي متناديليش غير بأسمين أتنين تختاري اللي تحبيه لو عايزة تقوليلي ماما أنا معنديش ما’نع بالعكـ ـس هفرح أوي ولو عايزة تقوليلي “شـاهي” عادي أنا سـ ـت مسا’لمة جدًا بس أو’عي تتبلـ ـطجي زي الو’اد دا يقوم با’هت عليكِ تبقي نسخة مصغـ ـرة مِنُه هز’عل أوي.
أنهـ ـت حديثها بخو’فٍ مِن حد’وث الأ’مر جعلت الجميع يضحك عا’ليًا مِن حولها على تقا’سيم وجهها التي كانت تتبد’ل بين الحين والآخر كتغيـ ـر نبرات صوتها كذلك، أبتسمت لها “عَليا” وحركت رأسها تنـ ـفي ظنونها تلك قائلة بنبرةٍ مهـ ـزوزة:
_أنا حبيتك أوي يا ماما “شـاهي”.
عانقتها “شـاهي” في الحال متأ’ثرةً بعدما ألتمـ ـعت العبرات في مُقلتيها قائلة بنبرةٍ مهـ ـزوزة كذلك:
_وأنا بحبك يا قـ ـلب “شـاهي”، أحلى واحدة لحد دلوقتي تقولي “شـاهي” وتطـ ـلع مِنها زي السُكّر كدا.
عانقتها “عَليا” كذلك مشـ ـددةً مِن عناقها لها دون أن تتحدث وقد سقـ ـطت عبراتها على صفحة وجهها حينما شعرت بكم تلك المشاعر التي تجتا’حها في هذه اللحظة، أما عن “يـوسف” فكان سعيدًا وبشـ ـدة لأجل شقيقته وقد نظر إلى عميه ليتحرك “عـماد” أولًا مُرحبًا بأبـ ـنة أخيه معانقًا إياها لتشعر “عَليا” أنها كانت تعيـ ـش في بلدةٌ غريبةٌ عنها بين أُناسٌ غُرباء لا تعلمهم ولا يعلمون عنها شيئًا، وحتى عادت الآن شعرت بد’فئٍ لَم تشعر بهِ مِن قبل منذ أن يُتِـ ـمَت ولذلك وجدت هو’يتها أخيرًا بعد سنواتٍ بينهم..
وبعد الترحيبات مِنهم إليها بأبتسامة تبا’دلت بينهم أقترب “يـوسف” مِن شقيقته الكبـ ـرى أولًا وبحـ ـكم أنها الأكبـ ـر مِن “مـها” أمام الجميع ومَـ ـدّ كفه بالحقيبة الصغيرة إليها قائلًا بوجهٍ مبتسم بعدما و’مض جـ ـفنه الأ’يسر لها بخـ ـفةٍ قائلًا:
_دي مِني ليكِ يا كبـ ـيرتنا بمناسبة رجو’عك لينا.
أبتسمت هي وأخذتها مِنهُ بعدما فَهِمَت مقصده ليُشير لها قائلًا:
_أفتـ ـحي وشوفيها.
أخر’جت العُلبة مِن الحقيبة وفتـ ـحتها أسفـ ـل نظرات الجميع وأكثرهن فضو’لًا مِن الفتيا’ت ليظهر العقـ ـد الفـ ـضي والأسو’ار المرافق إليهِ على شكل فراشةٌ زر’قاء اللو’ن، شهـ ـقت “مـها” حينما رأته لتقول بإعجابٍ شـ ـديد:
_الله شكلها حلو أوي، دي زي ما تكون معمولة ليها مخصوص.
في هذه اللحظة نظرت “عَليا” إلى أخيها الذي نظر إليها مبتسم الوجه لتعانقه أمام الجميع شاكرةً إياه مِن صـ ـميم قلبها، عانقها بحُبٍّ أخوي مبتسمًا ثم لثم رأسها بحنوٍ وأبتعـ ـد عنها ليتوجه إلى شقيقته الصغرى التي كانت ترافق زوجها ليُعطيها حقيبةٌ أخرى قائلًا بوجهٍ مبتسم:
_ودي عشان الشـ ـقية اللي جـ ـننتني معاها مِن زمان.
أخذتها مِنهُ بوجهٍ مبستم وحما’سٌ شـ ـديد وبدأت تُخر’جها أمام الجميع ومِن ثم بعدها فتـ ـحتها لتشـ ـهق بتفا’جؤٍ قائلة بسعادةٍ طا’غية:
_الله يا “يـوسف” دي عشاني؟.
حرك رأسه برفقٍ إليها لتعانقه هي سر’يعًا بسعادةٍ كبيـ ـرة وهي تشكره قائلة:
_يا حبيبي ربنا يباركلِ فيك وتعـ ـيش وتجيبلي يا أحلى أخ فالدُنيا كلها.
أنهـ ـت حديثها ومِن ثم لثمت وجنته قْبّلة حنونة وشـ ـددت مِن عناقها إليهِ ليُمسّد هو على رأ’سها بحنوٍ قائلًا بنبرةٍ حنونة:
_ويباركلِ فيكِ يا نو’ر عيني وأعيـ ـش وأفرحك يا حبيبتي.
تر’كها ثم أتجه إلى والدته ولَكِنّ قبل ذلك لمـ ـح عد’م تواجد زوجته ليرى طيـ ـفها نحو المطبخ ولذلك توقف فجأ’ةً وأعتذ’ر مِنهم وذهب إليها، أما عنها فقد ولجت إلى المطبخ تمـ ـسح عبراتها بكفها لا تعلم ما حد’ث ولَكِنّ شعرت بالغـ ـيرة حينما رأت “عَليا” تحتضنه وكذلك “مـها” بعدما قدم لهما الهدايا.
شعرت بهِ يقف خـ ـلفها يحاوط ذراعيها بكفيه يليها صوته الذي خر’ج هادئًا يقول:
_مالك يا حبيبتي أنتِ كويسه؟.
تما’لكت نفسها سر’يعًا وقامت بإز’الة عبراتها سر’يعًا بكفها لتلتفت إليهِ تنظر لهُ لينظر هو إلى عينيها الباكيتين ليتفا’جئ هو حينما رآها ليترك الحقيبتين مِن يديه وهو يجهـ ـل سـ ـبب بكائها ليَمُـ ـدّ كفيه يُز’يل عبراتها عن صفحة وجهها بحنوٍ قائلًا:
_في إيه ليه العياط طيب حد ز’علك فحاجة؟.
ومِن جديد لَم تُجيبه لتر’تمي داخل أحضانه تبكي ليُحاوطها هو بذراعيه يضمها إلى د’فئ أحضانه ممسّدًا على ظهرها بحنوٍ جا’هلًا ما حـ ـل بها وكل ما فعله في هذه اللحظة أنه حاول تهـ ـدأتها قد’ر المستطا’ع حتى يعلم ما حدث ويستطيع معا’لجته في الحا’ل.
_وظننتُ أنني لا أُبا’لي بهن حوله،
لأجد نفسي أشعرُ بالغيـ ـرة عليهِ مِن جميع السـ ـيدات.
_______________________________
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية جعفر البلطجي 3)