رواية أحببتها ولكن 7 الفصل الرابع والستون 64 بقلم بيسو وليد
رواية أحببتها ولكن 7 الفصل الرابع والستون 64 بقلم بيسو وليد
رواية أحببتها ولكن 7 البارت الرابع والستون
رواية أحببتها ولكن 7 الجزء الرابع والستون
رواية أحببتها ولكن 7 الحلقة الرابعة والستون
لا البَوحُ يُطفِـ.ـئ مَا في القَلبِ مِن
وَ’جع ولا الدموعُ تُسَلّيني فَتنهمِر
عَـ.ـلِقتُ مَا بينَ كِتما’نٍ يُؤرِّ’قُني
وبينَ قلبٍ مِن الخذ’لانِ ينصَـ.ـهِرُ!
_ضَادٌ.
________________________
السا’رقين كُثُر، هُناكَ سا’رقي للأموال، وهُناكَ سا’رقي القلوب، وهُناكَ سا’رقي البشـ ـر، وهُناكَ سا’رقي الهو’ية، وهُناكَ سا’رقي الإلكتر’ونيات، وهُناكَ سا’رقي الشـ ـرف !! نعم سا’رقي الشـ ـرف والبر’اءة هؤلاء هم أكثر جُر’مًا عن البقية، يذ’بحون الفتيا’ت حـ ـيًا ويسـ ـلبون مِنهن بر’اءتهن ونقا’ءهن الذي وو’لدنا بهِ، كانت هذه القضـ ـية هي ضمن جر’ائم العا’لم وحـ ـشية وقسو’ة وقد تد’اولت عبر السنوات بين د’ول العا’لم بطرقٍ مختـ ـلفة وكانوا جميعهم أبشـ ـع مِن بعضهم البعض..
أقاويلٌ كثيرة تُقال والطريقة تختلف بين الضـ ـحية والأخرى والجا’ني متنـ ـكرٍ ومخا’دع وما’كرٍ يعلم كيف يقوم بإيقا’ع فر’يسته دون أد’نىٰ مجهو’دٍ مِنهُ وبعدها … يَفـ ـرُ هر’بًا !!.
<“وفي يومٍ لَم تشر’ق لهُ شمسٌ، ظهر صاحب الحـ ـق يرُ’دّ الحـ ـقوق لأصحابها.”>
ما أجمل أن تكون صاحب اللقـ ـطة النا’درة والفريدة مِن نوعها، دامت هذه الجر’يمة لسنواتٍ عديدة لا يعلم أحدهم كم مرّت عليها ومتى ستنـ ـتهي ومَن سيو’قفها ويرُدّ لهن حقو’قهن وشـ ـرفهن وبر’اءتهن التي سُـ ـلِبَت منهن دون وجه حـ ـق، ولَكِنّ مهما حد’ث ومهما طا’لت السنوات وأستمرت هذه الجر’يمة الشنـ ـعاء يُقـ ـنون أن في يومٍ مِن الأيام سيأتي جا’لب الحـ ـقوق يرُ’دّ لهن حقو’قهن..
ولج بعد أن تلقى الإذ’ن مِن الطبيب المسؤ’ول عن حا’لته بعدما طـ ـمئنه عنهُ وأخبره أنه أصبح بخيرٍ، وكأنه يهتـ ـم لهُ !! أغـ ـلق الباب خـ ـلفه ببر’ودٍ ومِن ثم أقترب مِن فراشه بخطى هادئة للغا’ية مبتسم الوجه كل هذا أسفـ ـل نظراته هو المتعجبة والمتو’ترة قليلًا، جَلَبَ “علي” مقعدًا ووضعه بجوار فراش الآخر وجلس بكل بر’ود دون أن يتحدث ويقول حرفًا صغيرًا..
ساد التو’تر المكان وبدأ القـ ـلب يخفـ ـق بسر’عةٍ أكبر عن طبـ ـيعته المعتادة، كيف لهُ أن يعلم مَن يكون؟ فقد قام بإيذ’اء العديد مِن البشـ ـر فكيف سيعلم مَن يكون، نظر لهُ “علي” بوجهٍ مبتسم بعدما جلس بأر’يحية ليدوم الصمت قليلًا بينهما ما كان مُسيـ ـطرًا على المكان هو الخو’ف والتو’تر الشـ ـديد، قطـ ـع “علي” هذا الصمت الممـ ـيت حينما قال بنبرةٍ هادئة وهو ير’ميه نظراتٍ ذات معنى:
_مستغرب مش كدا؟ حـ ـقك بصراحة أنا لو مكانك هبقى مستغرب برضوا لمَ أبقى بـ ـني آدم مؤ’ذي جايب المصا’يب لكل اللي حواليا وشخصية **** بتأ’ذي بنا’ت الناس وتطـ ـعن شـ ـرفهم وتتعـ ـدى الحدو’د ويقوموا واخدين صورهم ولا’عبين فيها على برنامج حاجة بصراحة فمـ ـنتهى الـ***** وقـ ـلة الأد’ب، دي لاز’م تكون نها’يتك واحدة بنـ ـت ناس متر’بية تجيب أ’جلك فيشاء ربنا وميرضاش برضوا يجر’الك حاجة فيحـ ـطني أنا فطريقك عشان أنقـ ـذك وأجيبك فالمستشفى الحلوة الجميلة دي عشان تتعا’لج وجـ ـرحك يتخـ ـيط، آه نسيت أقولك صحيح الدكتور قال دا كان جر’ح سطـ ـحي، البـ ـت كانت ر’حيمة بيك شوفت أزاي كانت قا’درة تجيب أ’جلك فثانية واحدة، بس زي ما قولتلك كانت ر’حيمة بيك عشان نعا’قبك إحنا في الدنيا قبل ما ربنا يعا’قبك فالآ’خرة، إيه رأيك بقى فالقد’ر لمَ يمشي فصـ ـف الخيـ ـر؟ حلو مش كدا.
أبتـ ـلع “غالب” غصته بتروٍ وهو ينظر إليهِ بخو’فٍ با’ئنٍ على تقا’سيم وجهه ونظراته تجاه “علي” الذي تعـ ـمد كشـ ـف حـ ـقيقته الو’قحة أمام نفسه حتى يعلم أنه ليس هـ ـينًا ومِن الصـ ـعب التلا’عب معه، ظهر الرُ’عب على معالم وجه “غالب” الذي أنتفـ ـض في جلستهِ ليتأ’وه عا’ليًا وبصوتٍ حا’د وهو يضع يده على جر’حه مع إنكما’ش معالم وجهه، أبتسم “علي” وهو ينظر لهُ ليقوم بإبعا’د كفه بعنـ ـفٍ وهو ينظر إليهِ متشـ ـفيًا يراه يجاهـ ـد لفـ ـك حصا’ر قـ ـبضته القو’ية عن رسـ ـغه..
أتسـ ـعت أبتسامة “علي” وهو ينظر لهُ ليأتيه قول “غالب” الذي قال بنبرةٍ متأ’لمة وحا’دة بعض الشيء:
_أنتَ مين يا عم أنتَ وعايز مِني إيه، أنا أول مرة أشوفك.
_أنا قد’رك الأسو’د، فاكر “چويرية”؟ “چويرية عبدالرحمن” اللي أبتـ ـزيتها بصورها وضحكت عليها ولـ ـعبت فيهم يا قذ’ر وبعتهوملي وقتها وقولتلي شوفوا بنـ ـتكم بتعمل إيه مِن وراكم أصلها ملهاش رجا’لة تلـ ـمها مش قولت كدا ولا بفتـ ـري على أُ’مّك أنا؟.
تأ’لم “غالب” أكثر وأكثر ليقول بنبرةٍ متأ’لمة محاولًا إبعا’ده عنهُ في محاولةً فا’شلة مِنهُ:
_قول كدا بقى، وأنتَ لسه فاكر دا أنا أستنـ ـفعت مِن ورا’ها كتير أوي، أصل بيني وبينك البـ ـت حلوة وشـ ـرسة وفي رجا’لة بتحب النوع دا فجاتلي طلـ ـبية هاكل مِن ورا’ها الشهـ ـد وكانت صاحبة النصيـ ـب أقولها لا يعني !! بعدين أنا مأجـ ـبرتهاش على حاجة هي بعتالي الصور بر’ضاها يعني اللو’م مش عليا فخلاص.
مهلًا !! يتحدث وكأنه يتف’اوض على سـ ـلعةٌ ما لوضع سعرٍ مغـ ـري لها لجـ ـلب مشترين لشراءها يتصا’رعون عليها وليست وكأنها بشـ ـرية وفي الأ’خير أنثـ ـى !! كان “علي” مصد’ومًا مِمَّ يسمعه ويراه فبالتأكـ ـيد قد جُـ ـنّ جـ ـنون العا’لم بالالكترو’نيات التي أصبحت تجـ ـني لهم الأموال المتـ ـلتلة مقابل أي شيءٍ، لا يعـ ـبئون لسُـ ـمعتهم أمام العا’لم ويقومون بتصوير حُر’مة البيوت ويعر’ضونها على مر’ئى الجميع وكأنه شيءٌ عادي مستبـ ـاحٌ فلطالما سيجـ ـني المال فمِن السهـ ـل عليهم التخـ ـلي عن وقا’رهم وشـ ـرفهم !!.
شعر “علي” في هذه اللحظة بالأدر’ينالين ير’تفع داخل جسـ ـده بشكلٍ عـ ـنيف فعند حُر’مة البيت سلامٌ عليك وعلى مَن يُد’افعون عنكَ، صـ ـفعه بقو’ةٍ على وجهه بعدما فَقَـ ـد أعصا’به وصر’خ بهِ قائلًا بإنفعا’لٍ با’ئنٍ:
_يا *** يا عد’يم الرجو’لة، أنتَ فاكرهم ***** زيك يالا !! فاكرهم ***** زيك وبيجـ ـري فعر’قهم ***** بتعمل كدا فبنا’ت الناس عشان ترضي نفسك الـ**** صح؟ فاكرهم جايين منين عشان تتعـ ـدى على حُر’مة أجسا’دهم وتشو’ه نقا’ءهم وبر’اءتهم ها !! طب هما ولا’د ناس ومتر’بيين وعشان بيخا’فوا للأسف مغـ ـلوبين على أمـ ـرهم يسمعوا كلام قذ’ر زيك عشان ميأ’ذيهمش وفالآ’خر بتأ’ذيهم، أنا بنـ ـت عمي كانت واحدة مِنهم وأنا يا رو’ح أُ’مّك ميفر’قليش أي حاجة عارف ليه؟ عشان هي متر’بية وتعرف الحلا’ل مِن الحر’ام آه هي غـ ـلطت لمَ كلمت قذ’ر زيك وبعـ ـتتله صورها وو’ثقت فيه بس هي عرفت غـ ـلطها خلاص وأتعلـ ـمت الدرس … ودلوقتي جه دورك بقى نر’بيك مش قولتلي ملهاش رجا’لة؟ وربنا المعبود اللي عُمـ ـري ما حلفت بيه كد’ب قبل كدا لاوريك الرجا’لة دي هتعمل فيك إيه وعهـ ـد خدته على نفـ ـسي حـ ـق كل بـ ـنت طعـ ـنت فشـ ـرفها أنا بنفسي اللي هاخده وبكرا تبقى عِبـ ـرة لأمثالك كدا حلو؟ أظن قا’سي ومعنديش ر’حمة.
حرك “غالب” رأسه يؤ’كد على حديثه الأ’خير وهو ينظر إليهِ محاولًا إثا’رة غضـ ـبه بأية طريقة، ولذلك لَم يبخـ ـل عليهِ “علي” ذلك وقام بوضع كفه على جر’حه الغا’ئر وضغـ ـط عليهِ لتعلـ ـو صر’خات الآخر متأ’لمًا، ضغـ ـط أكثر عليهِ ليقول بنبرةٍ حا’دة محذ’رًا إياه:
_نصيحة مِني ليك متحاولش تستفـ ـزني عشان هأ’ذيك، طالما جيت على نقـ ـطة حسا’سة يبقى تستحـ ـمل اللي هيجـ ـرالك، سامع؟.
ومِن جديد عاد يُعا’نده ويُثير أستفـ ـزازه ليضـ ـغط “علي” أكثر على جر’حه مطـ ـبقًا على أسنانه بغيـ ـظٍ شـ ـديد قائلًا:
_حلو، عا’ندني كمان وأنا هعـ ـند معاك وكل ما تستفـ ـز’ني هخليك تصر’خ مِن الو’جع ومغـ ـلوب على أمـ ـرك عشان مش عارف تبعـ ـدني، والبقا’ء للأقو’ىٰ بقى أنا عن نفسي فا’ضي لأ’هلك يعني ور’اك ور’اك مش هسـ ـيبك غير وأنتَ محكـ ـوم عليك، بالمناسبة أنتَ هتخر’ج مِن هنا على الحجـ ـز على طول عشان تتحا’كم ووعد مِني ليك هجيبلك ٧ سنين حبـ ـس مع فضيـ ـحة عا’لمية هتنز’ل بإذن الله فالجرايد والنت … وأنا اللي هقوم بالليلة دي لأني شاطر أوي فالتهـ ـكير وممكن أخد موبايلك الحلو دا أفـ ـرمطه كله وههكـ ـر أكو’نتاتك كلها إيه رأيك؟.
نظر إليهِ “غالب” بوجهٍ يتصـ ـببه العر’ق وصد’ره يعـ ـلو ويهـ ـبط بعـ ـنفٍ ووتيرة أنفا’سه سر’يعة فما فعـ ـله “علي” ليس هيـ ـنًا عليهِ البتة حتى وإن أظهر عكـ ـس ذلك، لحظات وبصـ ـق بوجهه محـ ـتقرًا إياه … عجبًا هو مَن يحـ ـتقره وليس العكـ ـس !! أبتسم “علي” بعدما ر’ماه نظرةٍ ذات معنى ليقوم بالضـ ـغط على جر’حه بقو’ةٍ لتعـ ـلو صر’خات الآخر عا’ليًا والتي أصبحت مكتو’مة في لمـ ـح البصـ ـر بعدما قام “علي” بوضع كفه الآخر على فـ ـمهِ يمنـ ـع عنه الصر’اخ، غضـ ـبه هو المسيـ ـطر عليه الآن فلَم يسبـ ـق وعا’نده أحدهم أو تجا’وز الحدو’د بهذه الطريقة ولذلك أصبح في لمـ ـح البصـ ـر كـ “ليل” ابن عمه في غضـ ـبه وجـ ـنونه فكلاهما يشتركان في الغـ ـضب..
ولج في هذه اللحظة “أحـمد” بعدما أخبره أحدهم بتواجد ابن عمه مع هذا الحـ ـقير ليُغـ ـلق الباب مقتربًا مِنهُ بخطى سر’يعة ير’دع فعـ ـله ذاك جا’ذبًا إياه بعـ ـيدًا معـ ـنفًا إياه قائلًا:
_أنتَ أتجـ ـننت يا “علي” هتمو’ته؟.
_آه همو’ته يا “أحـمد”، عشان هو *** ويستا’هل المو’ت، بس أنا مش عايزُه يمو’ت دلوقتي لمَ يعيـ ـش و’جع كل واحدة أتو’جعت بسـ ـببه ويتر’بىٰ ساعتها هبقى أفكر، فاكر نفسه فو’ق القا’نون برو’ح أُ’مّه وربنا المعبود ما هسكوت وحـ ـق كل واحدة طـ ـعن هو فشـ ـرفها أنا مُلز’م قدام ربنا أر’جعه حتى لو على حسا’ب مستقبلي، فدا’هية الشغل وفد’اهية أي حاجة بس على الأ’قل لمَ أتأ’ذي فشغلي أبقى را’جل عنده نخـ ـوة عشان فالآ’خر أنا برضوا عندي ولا’ية ممكن يكونوا في يوم مِن الأيام مكان أي واحدة فيهم … “چويرية” أختي الصغيرة هخا’ف عليها مش شـ ـرط تبقى مِن لحـ ـمي ود’مي بس ربنا خـ ـلقنا كدا الر’اجل يغيـ ـر على حر’يم بيته ويبقى مستعد يخـ ـبيهم عن عيو’ن العالم كله لو فكر بس يبُـ ـصلهم بصة مش كو’يسة، عرفت أنا ليه محـ ـموق أوي ونا’ري مش راضية تهـ ـدى؟.
حرك “أحـمد” رأسه برفقٍ وهو ينظر إليهِ مبتسمًا وفخو’رًا بصديقه وابن عمه ورفيق دربه منذ الصغر، عانقه بفـ ـخرٍ وأعتـ ـزاز كبيـ ـر ليُبادله “علي” عناقه دون أن يتحدث والنير’ان يز’داد لهيـ ـبها دا’خل صد’ره متعـ ـهدةً أنها لن تنطـ ـفئ إلا بالو’فاء بالعهـ ـد والأنتصا’ر على الشـ ـر مهما كـ ـلفه الأمر.
_أنا فخور بيك وفخور إننا ولا’دهم، على الرغم إن “چويرية” بتضا’يقني كتير وبتبقى ر’خمة وخبـ ـيثة معايا بس فالآ’خر هي أخت مراتي وأختي الصغيرة واللي مقبـ ـلهوش على مراتي عُمري ما هقـ ـبله على أي واحدة مهما كانت مين هي سو’اء قريبة أو غريبة، حـ ـقهم هير’جع وخدها كلمة ثـ ـقة مِني، وبكرا تقول “أحـمد” قال.
أبتسم “علي” وربت على ظهر ابن عمه برفقٍ دون أن يتحدث وهو وا’ثقٌ وبشـ ـدة بهِ وبحديثه وبوعوده التي قطـ ـعها على نفـ ـسه، ر’مق الآ’خر القابع على الفراش نظرةٍ تُشبه نظرة الذ’ئب الجا’ئع الذي ير’اقب فر’يسته حتى ينقـ ـض عليها في الوقت المناسب وإلتها’مها لسـ ـد هذا الجو’ع، ليد’ب الرُ’عب في أوصا’ل الآخر الذي رأى نظرات “علي” تلك ليشعر بالخـ ـطر بدأ يقترب مِنهُ رو’يدًا رو’يدًا وهو طر’يح فراشه لا يقد’ر على الهر’ب والنجـ ـاةِ مِن المفتر’س.
________________________
<“لا شـ ـك في أن نبدأ مِن جديد حينما نتو’ه في منتصف الطريق، الأهـ ـم في ذلك أن يجد المرء نفـ ـسه مع بداية الخـ ـط.”>
كلما شعر بأنه بدأ يضيـ ـع ويضـ ـل الطريق يُسر’ع بوضع خـ ـط النها’ية محل وقو’فه ثم يفتح صفحةٌ أخرى جديدة نا’صعةُ البيا’ض يبدأ أولى سطورها يخطو خطواته الهادئة والحذ’رة مثلما يبدأ الخـ ـطاط بكتابة جملته بخطٍ عر’بيٍ، وهكذا يكون هو تمامًا.
كان يجلس في غرفة المعيـ ـشة الوا’سعة يحمـ ـل صغيرته بذراعه الأ’يسر يُلا’عبها ويُقْبّلها تارا، وصغيره على الجهة اليُمـ ـنىٰ يضمه بذراعه الآخر يُلثم وجنته الصغيرة بين الفينة والأخرى لتعـ ـلو ضحكات الصغير حينما يُدا’عب أبيه بشرة وجهه بلحيته الخـ ـفيفة المنـ ـمقة، بدأ الصغير يأخذ معالم وجه أبيه الحا’دة وخصيصًا منطقة الأ’عين الحا’دة، بدأ يكون النسـ ـخة الصغيرة مِنهُ وهذا ما يجعله سعيدًا للغاية..
أخذ عطـ ـلة أسبوعية مِن أعما’له ليقـ ـضي وقتًا أطو’ل مع عائلته الصغيرة التي باتت تشتا’قُ إليهِ مؤ’خرًا، نظر “رائد” إلى أبيه بعدما تحـ ـرر مِن حصا’ره وهو ير’ميه بنظراتٍ طفولية خبـ ـيثة لا تُنذ’ر بالخير البتة يراه منشغـ ـلًا مع شقيقته الصغرى ليَمُدّ يده الصغيرة بحذ’رٍ نحوه وهو ينظر إلى أبيه تارا وإلى هدفه تارا حتى نا’ل مُراده وبدأ يركض مسر’عًا نحو أُمّه التي كانت تمكث في المطبخ وهو يضحك، أما عن “ليل” فقد نظر إلى أ’ثره متعجبًا عاقدًا ما بين حاجبيه قائلًا بنبرةٍ عا’لية بعض الشيء:
_خدت مِني إيه المرة دي يا “رائد”؟.
أنهـ ـى حديثه وهو يتفحـ ـص جيوب بنطاله التي كانت فا’رغة ليبدأ ينظر حوله يرى ما ينقـ ـصه بين أغراضه التي كانت موضوعة على الطاولة ليرى أن هاتفه لا أ’ثر لهُ ولذلك زفـ ـر بعمـ ـقٍ ونهض حا’ملًا صغيرته متجهًا نحو الداخل متو’عدًا إلى هذا الصغير الشـ ـقي الذي لا يتر’كه إلا حينما يأخذ شيئًا مِنهُ، أما على ذِكر هذا الصغير فقد ولج إلى المطبخ راكضًا ليرى أُمّه تقوم بإعداد مشروبًا سا’خنًا ليركض نحوها مخـ ـتبئًا أمامها مِن أبيه..
نظرت “روزي” إلى الأسـ ـفل حينما شعرت بهِ لتراه مُمسكًا بهاتف أبيه ويخـ ـتبئ مِنهُ حتى لا يُمـ ـسك بهِ، أبتسمت بسمةٌ خـ ـفيفة وقالت بعدما عادت تُكمل إعداد المشروب:
_أبعـ ـد يا حبيبي عشان النا’ر متلسـ ـعكش.
ر’فع “رائد” رأسه عا’ليًا وقد وضع سبابته أمام شفتيه الصغيرة وهو يُصد’ر صوتًا خـ ـفيفًا وخا’فتًا حتى لا يسمعها أبيه ثم قال بنبرةٍ خا’فتة للغا’ية:
_مش عايز بابا يعرف إني هنا يا ماما عشان خاطري، لو جه قوليله إني مش هنا ماشي؟.
_عايزني أكذ’ب يعني؟ مش قولتلك قبل كدا الكذ’ب حر’ام حتى لو بهزار؟.
هكذا أردفت تعا’تبه وقبل أن يردّ هو عليها جاءهما صوت “ليل” مِن الخـ ـلف حينما وقف على أعتا’ب المطبخ يقول محذ’رًا إياه:
_أطلـ ـع بدل ما أجيبك ولو طـ ـلعتك أنا مش هسيـ ـبك.
أبتسمت “روزي” وقد شعرت بكف صغيرها الذي تشـ ـبث في ثيابها الثقيـ ـلة خو’فًا أن يقوم أبيه بإمسا’كه وأخذ يردد بصوتٍ طفولي خا’فتٍ سمعته “روزي” حينما قال:
_يا رب ما يشوفني يا رب عشان خاطري.
ولسو’ء حظه صدح رنين هاتفه عا’ليًا يعلنه عن أتصالٍ هاتفي، حسنًا لقد كُشِـ ـفَ أحدهم الآن، أقترب “ليل” مِن “روزي” بعدما لمـ ـح صغيره يخـ ـتبئ أمامها ليقف خـ ـلفها وينحـ ـني بنصفه العلـ ـوي نحوه ينظر لهُ قائلًا:
_جبتك يا حرا’مي الموبايلات.
نظر لهُ الصغير بخو’فٍ ثم سريعًا فـ ـر ها’ربًا إلى الخارج ومعه الهاتف الذي كان مازال يرن عا’ليًا ليلتفت هو ناظرًا إلى أ’ثره قائلًا بنبرةٍ عا’لية بعض الشيء:
_خُد يالا هات أردّ طيب وخده تاني، هات ليكون تبع الشغل توديني فد’اهية كفاية المرة اللي فاتت كُنْت هتر’فدني بسـ ـبب الإ’يميل اللي مـ ـسحته بالغـ ـلط.
أنهـ ـى حديثه وخرج يبحث عنهُ تاركًا “روزي” التي ضحكت مر’غمةً بعدما رأت أفعا’ل صغيرها الصبيا’نية تظهر مبكرًا للغا’ية لهم وخصيصًا مع زوجها الذي بدأ يتفا’عل معهُ ويُمازحه كذلك، فيما خرج هو ليراه يخـ ـتبئ خلـ ـف الستار الر’مادي وهاتفه يُنير، زفـ ـر بهدوءٍ ووقف مكانه ينظر لهُ قائلًا بنبرةٍ هادئة:
_”رائد” بعد إذنك هات الموبايل عشان عـ ـيب الناس بتتصل بيا وأنا مردّش عليهم ممكن؟.
لحظاتٌ وخرج الصغير مِن مـ ـخبئهِ وهو ينظر إلى أبيه الذي كان يقف وينظر لهُ، أقترب مِنهُ بخطى هادئة حتى وقف أمامه ثم مدّ يده الصغيرة بالهاتف إليهِ ليأخذه هو مِنهُ قائلًا:
_هشوف مين بيكلمني وبعدين خده وأعمل اللي تعوزه بس مينفعش مردّش على أي مكالمة عشان ممكن تكون تبع الشغل أو حد محتاجني ضـ ـروري، أتفقنا؟.
أبتسم “رائد” وحرك رأسه برفقٍ يوافق على حديثه قائلًا:
_حاضر يا بابا.
أبتسم لهُ “ليل” ثم أنحـ ـنىٰ بنصفه العلـ ـوي يُلثم وجنته الصغيرة ليستقيم بعدها في وقفتهِ ليرى هاتفه يعاود الرنين مجددًا ليرى المتصل “جـمال”، ر’مق الإسم قليلًا دون أن يُجيب لينظر لهُ “رائد” ويأتي سؤاله حينما قال:
_مش هتردّ ليه يا بابا مش قولتلي في شغل؟.
نظر لهُ “ليل” بعدما أتخذ قـ ـراره ليقول بنبرةٍ هادئة:
_هردّ عشان المكالمة مـ ـهمة، ممكن تروح تساعد ماما عشان متفضلش لوحدها وأنتَ شاطر بتعرف تعمل كل حاجة معاها؟.
_أيوه أنا فعلًا شاطر وهي قالتلي كدا.
هكذا جاوبه “رائد” بنبرةٍ حما’سية ليبتسم “ليل” في المقابل قائلًا:
_حلو روح ساعدها بقى يا شاطر عشان متفضلش لوحدها عشان أكافئك.
تركه الصغير وذهب راكضًا إلى والدته بحما’سٍ لينظر “ليل” إلى أ’ثره قليلًا ثم ذهب نحو النافذة وهو مازال يحمـ ـل صغيرته التي كانت تصدر أصواتًا طفولية ينظر إلى شاشة هاتفه يرى أسم عد’وه يُنيرها، ولذلك لَم يتأ’خر وأجابه دون أن يتحدث ليأتي قول الآخر حينما قال:
_أتأ’خرت ليه فالردّ المرة دي؟ إيه الما’نع يا ترى مشاغـ ـل؟ ولا بتقـ ـضي وقت حلو مع الأسرة الكريمة؟.
_هسألك سؤال واحد وتجاوبني بصراحة.
هكذا ردّ عليهِ “ليل” بنبرةٍ با’ردة ليأتي قوله حينما قال:
_إسأل على طول.
سأله “ليل” بكل وقا’حة وبنبرةٍ با’ردة حينما قال:
_وأنتَ مال أُ’مّك؟.
أبتسم “جمال” في المقابل وأجابه بنبرةٍ مستـ ـفزة يردّ عليهِ قائلًا:
_تؤ تؤ تؤ عيـ ـب، في ظا’بط محتر’م يقول للي كان زميله كدا برضوا دي أخلا’ق؟.
_وأنتَ تعرف إيه عن الأ’خلاق يا خا’ين؟ أنا شايف إنك تكـ ـتم خالص بدل ما أكتـ ـمك أنا العمر كله وبطـ ـل شغل الـ***** دا وهات أ’خرك عشان مش فا’ضيلك ومعنديش أستعداد أضـ ـيَّع أي دقيقة معاك بصراحة.
صر’يحًا لأبعـ ـد الحدو’د ولا يخـ ـشىٰ مِن شيءٍ طالما لَم يُخـ ـطئ، يكر’هه وبشـ ـدة ويمـ ـقت هذه الصداقة التي تَكَوَ’نَت في يومٍ مِن الأيام بينهما، أما عن هذا البغيـ ـض فقد أبتسم بسمةٌ سـ ـمجة وقال بنبرةٍ با’ردة:
_عيـ ـب يا “ليلو” كدا تز’علني مِنك يا را’جل إحنا فينا مِن كدا برضوا.
وحينما أنهـ ـى حديثه تفا’جئ بإنغلا’ق المكالمة دون سا’بق إنذ’ار ليقوم بإبعا’د الهاتف وهو ينظر إلى شاشته ببسمةٌ مستـ ـفزة حينما رأى “ليل” قد أغـ ـلق المكالمة في وجهه دون أن يستمع إلى بقية حديثه، أما عن “ليل” فقد أغـ ـلق المكالمة وهو يشعر بالضـ ـيق والغضـ ـب الشـ ـديد مِنهُ قائلًا بنبرةٍ يملؤ’ها الضـ ـيق:
_يخر’بيت بر’ود أ’هلك هي نقـ ـصاك على المسا، أنا غـ ـلطان إني ردّيت عليك أصلًا.
_مالك يا حبيبي متعـ ـصب كدا ليه؟.
هكذا جاءه صوتها وهي تسأله عن سـ ـبب غضـ ـبه وضـ ـيقه البا’ئن على تقا’سيم وجهه ونبرة صوته ليلتفت هو لها ينظر إليها ليراها تقف وتُمـ ـسك بالصينية المعد’نية المتوسطة التي تحـ ـمل ثلاثة أكواب مِن المشروب السا’خن الذي كانت تُعده، أبتسم لها وقال بنبرةٍ هادئة:
_مفيش يا حبيبتي دا واحد بيستظـ ـرف بس مش أكتر.
تفهمت هي الأمر ولذلك أتسـ ـعت بسمتها وقالت بنبرةٍ هادئة ممازحةً إياه:
_ولا يهـ ـمك مِنهم كتير أوي بيعمل كدا، أستغـ ـل بقى مكانتك وروح شوفه مين ووقتها يمكن يحر’م يعمل كدا تاني ولا تضا’يق نفسك.
_تصدقي فكرة برضوا؟.
هكذا جاوبها مبتسم الوجه لتتسـ ـع أبتسامتها وتردّ عليه قائلة:
_طب رَوَ’ق يلا أنا خلـ ـصت خلاص تعالى عشان نشرب حمص الشام وهو سخـ ـن.
_يلا تعالي.
أخذها وتوجها نحو غرفة المعيشة ليجلس وترافقه هي في جلسته ليقوم “رائد” بالجلوس بينهما كما أعتاد ليشعر بالد’فئ يحومه لتعانقه “روزي” إلى أحضانها ويبدأو بمشاهدة فيلمٍ جديدٍ كما أعتادوا كل ليلة ليبدأ معهما صفحةٌ أخرى بيـ ـضاء يخطو أولى خطواته في أولى سطورها لكتابة مشهدٍ جديدٍ رومانسي ودا’فئ.
________________________
<“وبرغم البُعا’د لازال الفر’اق يُعا’ندنا ليقف أمامنا النـ ـد بالنـ ـد.”>
وبرغم بُعا’دهما وإبتعا’د المسافات بينهم كانت القلو’ب قريبةٌ ومتشا’بكة آ’بية الأبتعا’د، وبرغم قربهما كذلك يشعران بالحو’اجز تز’داد بينهما وكأن الفر’اق آ’بيًا تركهما يعـ ـيشان سويًا في هدوءٍ واستـ ـقرار، ولَكِنّ تجا’نس الأرو’اح كان لهُ دو’رًا ها’مًا في هذه المعـ ـضلة ليجعل الأمور تسير على محـ ـملٍ جيد رافـ ـضًا للفر’اق أن يكون لهُ دورًا بينهما.
وبعد غيا’بٍ طويلٍ فيه أشتا’ق كلاهما إلى بعضهما البعض عاد إلى حبيبته مر’تميًا داخل أحضانها ينعم بد’فئها الذي حُرِ’مَ مِنهُ دون تمـ ـهيداتٍ ففي ليلةٍ وضـ ـحاها كان يودعها وهو لا يعلم متى سيعود، ولَكِنّ عاد اليوم دون أن يُخبر أحدٍ ليذهب أولًا إلى والدته التي سعدت كثيرًا بعودته واستقبلتهُ بعناقٍ حنون وفرحةٍ عا’رمة ليترك نفـ ـسه يلُـ ـذ بهذا العناق الذي أشتا’ق إليهِ كثيرًا..
عانقها مشتا’قًا فكيف بزوجته وطفلته إذًا؟ وبعد أن قضى القليل مِن الوقت تركها ور’حل متلـ ـهفًا إلى زوجته التي بالتأكيد تشتا’قُ إليهِ ويكاد الشو’ق يأ’كلها حـ ـية فحتى المكالمات الهاتفية كانت صعـ ـبة على كليهما ولذلك لا يعلم عنها شيئًا منذ ثلاثة أشهر، عاد أخيرًا لها والشو’ق والحنين يتأ’كلانه فهو متلـ ـهفًا وبشـ ـدة لرؤيتها وأخذها إلى أحضانه يشعر بقربها مِنهُ منذ أن كان يشعر في السابق..
كانت هي في غرفتهما تقوم بترتيبها بإند’ماجٍ وصغيرتها في غرفتها تلعب كما المعتاد، ولج هو في هذه اللحظة بخطى هادئة مبتسم الوجه وهو ينظر لها بأعينٍ تفيـ ـض عشـ ـقًا وشـ ـغفًا لرؤية محبوبته، لَم تتغـ ـيَّر معالم وجهها الهادئة الجميلة مازالت تحتفظ برو’نقها وبطـ ـلتها التي يعشـ ـقها قلبه، أشتا’ق لرؤية تلك العينين الوا’سعتين تنظران إليهِ لتأ’سره في الحال بنظرةٍ واحدة مِنها.
أقترب مِنها بخطى هادئة دون أن تشعر هي بهِ حتى وقف خـ ـلفها يرى إند’ماجها فيما تفعله، تسـ ـللا كفيه نحوها ليضمها إلى د’فئ أحضانه مبتسمًا تزامنًا مع نبرته الهامسة حينما قال بشو’قٍ:
_وحشتيني يا نو’ر العين، دا أنا قلبي مبطـ ـلش ولا هـ ـدي غير لمَ لقى حبيبُه تاني قدامه مستنيه والشو’ق وا’كله مش سا’يبه.
شهـ ـقت بفز’عٍ حينما دا’همها هو بفـ ـعلته تلك خصيصًا أنها كانت تنتظر مكالمته التي يخبرها مِن خلالها موعد عودته لها، ولَكِنّ هذه المرة فا’جئها ولَم يُخبرها ليجعلها مفاجأ’ةٌ كبـ ـيرة لها تُسعد قلبها وتُر’يح رو’حها، ألتفتت برأسها تنظر إليهِ لتراه بالفـ ـعل متواجدًا معها وليست خيا’لاتٍ و’همية صنـ ـعها عقـ ـلها البا’طن لها..
رأت نظرته العا’شقة التي لَم تتغيَّـ ـر مع مرور الزمن وحُبّه البا’ئن على أفعا’له التي أشتا’قت لها كثيرًا، وما أ’كد لها وجوده هذا الد’فئ الذي حاوطها والأ’مان الذي شعرت بهِ مِن جديد وهي برفقتهِ، عودته أعادت لرو’حها الحياة مِن جديد لتُزهر مِن جديد كالفراشة التي تخر’ج مِن جحـ ـرها في يوم ربيعها الأول تنطـ ـلق في الهواء الطـ ـلق تُحلـ ـق عا’ليًا في كل مكان بنشاطٍ وحيو’ية..
ألتمـ ـعت مُقلتيها السو’د’اء بالعبرات وهي تنظر إليهِ حينما تأ’كدت مِن تواجده معها، أبتسم هو بحُبٍّ إليها ثم أدارها برفقٍ نحوه كي تتثنىٰ لهُ رؤيتها بشكلٍ أو’ضح ليرى العبرات تلـ ـتمع في مُقلتيها، ر’فع كفيه وقام بالمـ ـسح على جـ ـفنيها بأطر’اف إبهاميه بحنوٍ ليأتي صوته الحنون الد’افئ حينما قال بنبرةٍ هادئة:
_وليه الدموع دي كلها يا حبيبتي؟ أنا خلاص رجعت أهو الحمد لله بالسلامة وجيت عليكِ على طول عشان عارف إني واحشك وبقالك كتير متعرفيش عنّي حاجة وأكيد هتكوني خا’يفة عليا، متعيطيش يا نو’ر عيني أنا رجعت أهو ومش هسـ ـيبك تاني صدقيني خلاص فترة وراحت لحالها مش هتتكرر تاني.
أنهـ ـى حديثه ثم أقترب مِنها يُلثم عيـ ـنيها واحدةٌ تلو الأخرى بحنوٍ لتُغمض هي عينيها بهدوءٍ تستمتع بهذه اللحظة التي كانت تتمناها منذ وقتٍ طويل، وبعدها ضمها إلى أحضانه الد’افئة مشتا’قًا لها فقد حُرِ’مَ مِن عائلته الصغيرة لوقتٍ طويل كانت هذه حينها هي المرة الأولى لهُ، شـ ـدد مِن عناقه إليها ليشعر بها تضمه كذلك إلى أحضانها فرحةً بعودته لها مِن جديد، دام الصمت بينهما لوقتٍ لا يعلمانه فقط أراد كلاهما الشعور بتواجد الطر’ف الآخر بجواره وهذا ما حد’ث بالفعـ ـل..
قطـ ـعت هي هذا الصمت بعد القليل مِن الوقت قائلة بنبرةٍ باكية تُعبر عن شو’قها إليهِ:
_وحشتني أوي يا “أُسـامة”، أنا مش مصدنقة إنك رجعت وبقيت معايا تاني بجد حا’سه إني بحلم متتصورش أنا كُنْت محتا’جالك أزاي جنبي أنا تـ ـعبت أوي مِن غيرك ومَكُنْتش حا’سة بالأ’مان وأنتَ بعـ ـيد عنّي، بس أول ما شوفتك دلوقتي وحضنتك حسـ ـيت بالأ’مان تاني وخو’في راح … متبعـ ـدش عنّي تاني يا حبيبي عشان خاطري.
شعر بكل كلمة تقولها ولا’مست قلبه فالحديث كان نا’بعًا مِن القلب إلى القلب فكيف بهِ أن لا يشعر بها؟ مسّد على ظهرها برفقٍ ثم قال بنبرةٍ هادئة يطـ ـمئنها مِن خلالها أنه سيكون معها ولَن يتر’كها مجددًا:
_أولًا وأنتِ كمان وحشاني أوي ومصد’قت رجعتلك تاني بجد، ثانيًا أنا حا’سس بيكِ وعارف إنك كُنْتِ محتا’جالي زي ما أنا برضوا كُنْت محتا’جلك جنبي لأني متعودتش أبعـ ـد عنك مهما كانت الأسـ ـباب والظرو’ف، بس وعد أنا مش هبـ ـعد عنك تاني مهما حصـ ـل أنا أكتفيت مِن البُـ ـعد وقلبي تـ ـعب مِن الغُر’بة، متخا’فيش يا حبيبتي أول وآخر مرة هبعـ ـد عنك فيها وعلى طول هفضل جنبك مش هسـ ـيبك تاني.
شعرت بصد’قه مثلما تشعر بهِ كل مرة لتشـ ـدد مِن عناقها لهُ مبتسمة الوجه بعد أن غمـ ـرتها السعادة بعودته لتقول بنبرةٍ سعيدة:
_حمدلله على سلامتك يا حبيبي، نوَّ’رت بيتك تاني.
أبتسم هو كذلك ليُلثم رأسها قْبّلة حنونة ثم قال بنبرةٍ هادئة صاد’قة:
_الله يسلمك يا نو’ر عيني، والبيت طول عُمره منوَّ’ر بيكِ أنتِ.
لحظاتٍ وأبتعـ ـدت عنه تنظر إلى معالم وجهه تتأ’مله بشغـ ـفٍ ووجهٍ مبتسم لتقابلها عينيه الضاحكتين في المقابل، جاء سؤاله حينما سأل عن صغيرته قائلًا:
_أومال فين “شمس”؟.
_فأوضتها بتلعب كالعادة.
هكذا جاوبته بوجهٍ مبتسم ليقول هو قبل أن يتحرك إليها:
_هروح أشوفها دي وحشاني أوي.
أنهـ ـى حديثه ثم تركها وخرج ذاهبًا إلى غرفة صغيرته أسـ ـفل نظراتها السعيدة الضاحكة التي كانت تتابعه، أما عنهُ فقد ولج إلى غرفة صغيرته وهو ينظر لها ليراها تجلس على فراشها تلعب بد’ميتها وظهرها موجهًا نحو الباب لذلك لا تراه، أتسـ ـعت بسمتهُ وهو ينظر لها بحنينٍ فهذه حبيبة الفؤ’اد، قام بمناداتها بنبرةٍ هادئة حنونة ليراها تلتفت لهُ تنظر إليهِ لترتسم أبتسامتها السعيدة على ثغرها لتنهض مِن جلستها تركض نحوه وهي تهتف بأسمه عا’ليًا بسعادةٍ كبـ ـيرة لينحـ ـني هو بنصـ ـفه العلـ ـوي نحوها ليلتـ ـقفها بين كفيه حا’ملًا إياها على ذرا’عيه ضاممًا إياها إلى د’فئ أحضانه وهو يُلثم وجنتها بالعديد مِن القْبّل المتتا’لية لتعـ ـلو ضحكاتها عا’ليًا في المقابل..
ضمها بقو’ةٍ إلى أحضانه بشو’قٍ وهو يهتف بنبرةٍ سعيدة حما’سية قائلًا:
_وحشتيني أوي يا “شموستي”، وحشتيني أوي أوي أوي.
نظر إليها بعدما أنهـ ـى حديثه لتنظر إليهِ كذلك وتُجيبه بنبرةٍ ر’قيقة قائلة بوجهٍ مبتسم:.
_وأنتَ كمان يا بابا وحشتني أوي أوي أوي.
عاد يُلثم وجنتها بحنوٍ مِن جديد وقد جلس على الأريكة الصغيرة وأجلسها بأحضانه ممسّدًا على خصلاتها الشـ ـقراء بحنوٍ وهو يتأملها بحُبٍّ كبـ ـير لتنظر إليهِ كذلك مبتسمة الوجه، جاء صوت “مـلك” مِن الخارج وهي تُنادي زوجها قائلة:
_يا “أسـامة” يلا عشان تاخد شاور وتاكل لُقمة تلاقيك جعان.
أبتسم “أسـامة” وقال بنبرةٍ عا’لية بعض الشيء يُجيبُها:
_حاضر يا حبيبتي جاي أهو.
نظر إلى صغيرته وعاد يُلثم وجنتها الصغيرة ويقوم بملا’عبتها لتعـ ـلو صوت ضحكاتها الر’نانة تمـ ـلئ أرجاء الغرفة ومعها شعر أنه يعو’د للحيا’ة مرةٌ أخرى برفقتها فالفر’اق حـ ـكم عليهِ وأنتـ ـهى الأمر وحينما أنهـ ـى مُدته المطلوبة عاد لأحضانهم مِن جديد متعهـ ـدًا على عد’م مفا’رقتهم مهما كلـ ـفهُ الأمر.
_________________________
<“لقد أصبح الشا’ب الصغير عاشـ ـقًا كبـ ـير.”>
أحبها منذ طفولته، كان يغضـ ـب ويثو’ر لأجلها ويتأ’ثر بدموعها، منذ الصغر وعَلِموا الجميع أنهما لبعضهما البعض في النها’ية، حتى أخويها حينما كانا يغـ ـضبان عليها ويصر’خان بها وتبكي هي كان يغـ ـضب كثيرًا ويركض إلى والده يشـ ـكو إليهِ وهو غا’ضبٌ ليكون والدها كذلك حاضرًا ويستمع إلى شـ ـكواه وكان في حينها يطـ ـلبهما في الحال ويقوم بتو’بيخهما كي ير’ضى هذا الصغير ويأخذ بحـ ـق حبيبته، حتى كبـ ـرىٰ سويًا حتى ذلك الحين، ومازال الحبيب يثو’ر لأجل حبيبته ويصر’خ ويغضـ ـب بمَن يتجـ ـرأ ويصر’خ بها..
وكما أعتاد كلاهما حينما لا يجدا بعضهما البعض يعلمان حينها أين يتواجد كلاهما دون أن يهاتفىٰ بعضهما البعض وقد حضر هو هذه المرة بدلًا عنها حينما شعر بالمـ ـلل وحده وقد فضّل الذهاب إليها والإستئـ ـناس بقربها مِنهُ، أقترب مِنها بخطى هادئة حينما عَلِمَ أنها تقبـ ـع في الحديقة الخـ ـلفية لواجهة القصر ليراها تجلس بالفعـ ـل وتقوم بعملٍ يد’وي جديد..
جلس بجوارها بهدوءٍ وقد قال بنبرةٍ هادئة مبتسم الوجه:
_يا سيدي يا سيدي على الاسترونج وو’من لمَ تعا’ند.
أبتسمت “روان” دون أن تنظر إليهِ وقد كان كامل تركيزها فيما تفعـ ـله ولَكِنّ جاوبته بنبرةٍ هادئة قائلة:
_أنا مش جديدة عليكِ يا “يزيد” مش كدا برضوا؟.
_طبعًا، أنا أكتر واحد فالبيت دا عارفك كويس أوي وبفهمك مِن نظرة عيونك.
جاوبها بمصد’اقيةٍ تا’مة وعلى الرغم أنها تعلم ذلك جيدًا ولَكِنّ لا ضـ ـرر أن تقوم بملا’عبته قليلًا بالكلمات، نظرت إليهِ مبتسمة الوجه لتراه ينظر لها بالفعـ ـل بأعينٍ تفيـ ـض عشـ ـقًا وقد با’غتها بالكلمات حينما قال بنبرةٍ حا’لمة:
_أمتى ييجي اليوم بقى اللي تبقي فيه مراتي، إحنا بقالنا سنة و ٤ شهور وحا’سس إننا بقالنا كتير مخطوبين، ما تيجي بعد ما أروح الجـ ـيش وأرجع نتجوز على طول.
أنهـ ـى حديثه وهو يقترح عليها هذا الأقتراح الذي طا’ف بذ’هنه فجأ’ةً منتظرًا تلقي الإجابة، أما عنها فقد تفا’جئت مِن هذا الاقتراح المفا’جئ بالنسبة إليها، نظرت إليهِ تحاول تجميع شتا’تها الذي بعثـ ـره هو دون سا’بق إنذ’ار، كان ينظر إليها مبتسم الوجه ينتظر تلقي الإجابة وحقًا لَم تبخـ ـل عليهِ ليأتي قولها حاضرًا وهي تقول:
_بعد ما ترجع على طول؟.
حرك رأسه برفقٍ يؤ’كد على حديثه لتقول هي بنبرةٍ هادئة متسائلة:
_مش بدري يا “يزيد”؟.
جاء ردّه في الحا’ل مستنكرًا قولها قائلًا:
_بدري؟! بدري إيه يا “روان” دا إحنا هنعدي فترة الخطوبة كمان بشوية يعني هي سنتين إحنا هنعدي السنتين دول هتبقى سنتين و ٥ شهور تقريبًا أو بكبيـ ـرها ٧ شهور يعني هنبقى دا’خلين على ٣ سنين أنتِ متخيـ ـلة عقبال ما الشهادة تجهـ ـز وحفلة التخرج تتعمل وأبدأ أجهـ ـز ور’ق الجيـ ـش وطبعًا “حُـذيفة” وبابا هيساعدوني فالموضوع دا عشان موا’لها كبيـ ـر وعقبال ما أروح أقعد سنة وأرجع لا يا “روان” هنبقى دا’خلين فـ ٣ سنين يا لهو’ي أنا بقالي سنة ومش قا’در أكمل هنقعد لسه كل دا؟!.
_يعني أنتَ عايز إيه دلوقتي يا “يزيد”؟.
هكذا جاوبته بعدما أعتدلت في جلستها وهي تنظر إليه مبتسمة الوجه وهي تعلم تمام العلم ما يريد قوله لتراه يعتدل كذلك في جلسته ينظر لها مبتسم الوجه قائلًا:
_عايز نتجوز قبل ما أروح الجـ ـيش، أنا مش هعرف أتوا’صل معاكِ خالص وأنا هناك، وبعدين على الأقل أرجع مِن الجيـ ـش تبقي فبيتنا مستنياني بقى وكدا.
ضحكت على أسلوبه في التحدث معها وأفعا’ل جسـ ـده التي كانت عشو’ائية وهو قام بإسنا’د مرفقهِ على ظهـ ـر المقعد وبكف يده أستندت رأسه ونظر بعـ ـيدًا مبتسم حتى تنتـ ـهي هي مِن نو’بة الضحك تلك التي إنتا’بتها، ثوانٍ قليلة نظرت إليهِ بوجهٍ مبتسم وقالت بنبرةٍ ضاحكة:
_”يزيد”، إحنا مش هنتجوز غير بعد ما ترجع، ولا بابا هيوافق ولا خالو “عبدالله” هيوافق يعني عايزنا نتجوز وتسـ ـيبني وتسافر طب تيجي أزاي بقى؟ وبعدين السنة هتجـ ـري بكرا تروح وبعده ترجع ولسه في حاجات نقـ ـصاني أنا مجيبتهاش ولسه في حاجات فالشقة برضوا متجابتش وحاجات محتاجة تظبـ ـيط يعني مِن هنا لحد ما ترجع بالسلامة أكون جيبت باقي الحاجات وأنتَ بعد ما ترجع تشوف إيه اللي ناقـ ـص فالشقة محتاج يتظـ ـبط سواء بقى كهـ ـر’با أو غيره صدقني مفيش أسر’ع مِن الوقت … بس عايزاك قبل ما تمـ ـشي نروح ننـ ـقي سوى السيرا’ميك دي أنا هحتاج رأيك فيها ممكن؟.
أنهـ ـت حديثها مبتسمة الوجه لترى تأ’ثيرها الذي لَم يفشـ ـل في التأ’ثير عليه وإقنا’عه وهذا ما عَلِمَتهُ مِن ليـ ـن معالم وجهه حينما بدأ يُفكر في الأمر مرةٍ أخرى بشكلٍ أكثر جد’ية ليستغـ ـرق الأمر مِنهُ القليل مِن الوقت ليأتي قوله بعدها حينما تحدث بنبرةٍ هادئة:
_تصدقي عندك حـ ـق، أنا عمال أقول نقدم ولسه في حاجات صح لسه متجابتش، أنا جبت نُص الحاجة تقريبًا ولسه في حاجات برضوا مجيبتهاش إحنا أتفقنا على لو’ن الد’ها’ن عشان قبل ما أنز’ل بفترة هكون قايل لـ “حُـذيفة” يكلم الرا’جل يروح يد’هنها والسير’اميك يتر’كب ومش مشـ ـكلة لو أحتاجت و’ش بيا’ض أمـ ـرها سهل … مكتو’ب عليا أستنى تاني لا مفـ ـر للهـ ـرب يا “سـيد”، أهـ ـم حاجة أي حاجة تحتاجيها زيا’دة هاتيها مش مهـ ـم يعني مش هتفر’ق معايا أهـ ـم حاجة عندي را’حتك وتبقي را’ضية عن كل حاجة فيها.
أتسـ ـعت أبتسامة “روان” التي شعرت بالحما’س يز’داد بدا’خلها لتقول بنبرةٍ سعيدة:
_عارف يا “يزيد” أنا مبسوطة أوي ومتحـ ـمسة مِن دلوقتي، وعلى قد الفترة اللي هتغـ ـيبها بس هفتـ ـقدك أوي مش هتكون معايا لمدة سنة كاملة ومعرفش أمتى هعرف أتطمـ ـن عليك بس اللي مطـ ـمني فنفس الوقت إن خالو “عبدالله” و “حُـذيفة” ممكن لو عرفوا يو’صلولك هتطـ ـمن أنا فساعتها، ومتحـ ـمسة أوي أول ما ترجع ونبدأ نشوف الشقة وتجهيزات الفرح … أنتَ أكيد بتتخـ ـيل معايا صح؟.
أتسـ ـعت بسمتهُ وهو يستمع لها طوال الوقت ويرى حما’سها وسعادتها ليُحرك رأسه يؤ’كد على حديثها ويُكمل قائلًا:
_ونشوف ساعتها هنعزم مين مع بعض والدُنيا هتـ ـمشي أزاي ساعتها والفستان اللي هتختاريه وقـ ـصّة الشـ ـعر هتكون عامله أزاي … أنا عمال أتخـ ـيلك كدا بيني وبين نفسي شايفك زي أميرات ديزني ويمكن أحلى مِنهم كمان.
_طب أنا ولا أميرات ديزني؟.
هكذا دا’همته بسؤالها دون مقدمات تنتظر إجابته، أما عنهُ فقد كان ينتظر هذا السؤال مِنها ولذلك لَم يتر’دد في إجابتها ليقول:
_إيه يا سـ ـتي الكلام اللي مبيأ’كلش عيش دا أزاي تقا’رني نفسك بيهم دا أنتِ حتى مش شبه أي واحدة فيهم، هما أميرات عارفه يعني إيه !! بس أنتِ بقى الملكة مفيش واحدة تتقا’رن بيكِ أنا لحد دلوقتي مش شايف حد أحلى مِنك وكفاية لحد كدا بدل ما تقوم فد’ماغي دلوقتي وأقوم أخلي “حُـذيفة” يجوزنا غصـ ـب عنه.
أبتسمت بخجـ ـلٍ وأشا’حت بعينيها بعـ ـيدًا عنهُ لتتسـ ـع بسمتهُ أكثر حينما رأى تَور’د خديها حينما يُخجـ ـلها ولذلك نهض وهو يقول بنبرةٍ هادئة مبتسم الوجه:
_لا كدا هنضيَّـ ـع وقت أنا بقول نقوم نروح نشوف السير’اميك عشان نكسب وقت بدل المر’قعة اللي بنتمر’قعها دي وأتفا’جئ فالآ’خر إني لا’بس فالحيـ ـطة أبقى بتجوز والشقة مش جا’هزة يا فضيـ ـحتي وسط الناس.
ضحكت “روان” على حديثه ولذلك تر’كت ما تفـ ـعله ونهضت قائلة:
_طب مش نعرفهم الأول؟ وبعدين المفروض إنهم هييجوا معانا.
_ما أنا هاخدك ونروح نقولهم وناخدهم معانا ونروح.
وبالفعـ ـل توجها سويًا إلى الداخل وهما يتحدثان سويًا، وفي الداخل كانت “كارما” تجلس رفقة “نوران” تتحدثان سويًا وعلى الجهة الأخرى كانا “عبدالله” و “باسم” يتحدثان في أمور العمل المتعـ ـلق بالشركة، ولجا سويًا لهما وأقتربا مِنهما ليقفا بجوار بعضهما البعض ينظران إلى بعضهما البعض لثوانٍ ليبدأ “يزيد” حديثه قائلًا:
_السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أتمـ ـنىٰ مَكُنْش قا’طعتكم.
نظروا جميعًا لهُ بعدما جذ’ب إنتبا’ههم ليأتيه قول “عبدالله” بعدما ردّوا السلام:
_جيت أقولكم إن أنا و “روان” قـ ـررنا ننز’ل نجيب السير’اميك النهاردة.
_لا واللهِ؟ وأنتوا تقـ ـرروا وتيجوا تفا’جئونا على أساس إننا فا’ضيين مش ور’انا أشغـ ـال يعني؟.
هكذا ردّ “عبدالله” على و’لده وهو يُتابع النظر إلى أوراق الصـ ـفقة الجديدة مع زوج شقيقته ليأتيه الردّ حاضرًا مِن “يزيد” الذي أبتسم قائلًا:
_ما بكرا همشي ومش هطلب مِنك حاجة لمدة سنة يعني هوحشك، وبعدين أنا بقولك تعالى معايا عشان هجيب سيرناميك شقتي يعني المفروض تكون متحـ ـمس كدا وتسـ ـيب كل حاجة وتكون فا’ضيلي.
_ما دا اللي مضا’يقني، إني هنز’ل معاك أجيب سير’اميك شقتك.
هكذا ردّ عليه “عبدالله” بنبرةٍ يملؤ’ها الضيـ ـق دون أن ينظر إليه ليتعجب “يزيد” ومعه “روان” مِن حديثه المُلغـ ـم بالألغا’ز فهو يعلم أن هذه اللحظات تكون الأحب إلى قـ ـلب الوا’لدين ولَكِنّ ما يراه الآن ليس كهذا الذي مِن المفترض أن يحد’ث، ر’فع “عبدالله” عينيه ونظر إلى و’لده الذي كان ينظر إليهِ متعجبًا ليُكمل حديثه بأ’سىٰ قائلًا:
_كُنْت إمبارح بتتعلم المشـ ـي على إيـ ـدي وبتتعلم تقول بابا، النهاردة أنا بنز’ل معاك عشان أشتريلك سيرا’ميك شقتك، شوفت الزمن بيجـ ـري أزاي.
الآن تفّهم “يزيد” السـ ـبب ليترك “روان” ويقترب مِنهُ مبتسم الوجه ليُعانقه دون أن يتحدث وقد تفّهم شعور أبيه الآن والذي في الأ’خير ضمه إلى د’فئ أحضانه مشـ ـددًا على عناقه إليهِ مبتسم الوجه ليقول ممازحًا إياه:
_أنا يا’ض مفرحلكش برضوا؟ دا أنتَ الصغير يعني الد’لع كله كُنْت واخده، أنا فرحانلك وفرحتي بيك هتكبـ ـر وأنا شايفك عريس زي القمر بالبدلة ومش واخد أي واحدة وخلاص، دي الغا’لية حبيبة قلـ ـبي.
أبتسمت “روان” وهي تنظر إليهِ لتقترب مِنهُ بخطى هادئة بعدما د’عاها “عبدالله” الذي أبتعـ ـد عنهُ و’لده ليقوم بمعانقتها يُلثم رأسها بِقْبّلة حنونة قائلًا بنبرةٍ هادئة حنونة:
_”روان” مش بس بنـ ـت أختي دي بنـ ـتي وحبيبة قلـ ـبي، تعرف يا’ض يا “يزيد” لو ز’علتها فيوم هعمـ ـل فيك إيه وقتها؟ يا و’يلك مِني ساعتها هوريك سو’اد، وأنتِ يا “روان” لو ز’علك أو ضا’يقك أو عمل حاجة كدا ولا كدا تيجي تقوليلي على طول وأنا هور’يه اللي عُمـ ـره ما شافه.
في هذه اللحظة نظرت “روان” إلى “يزيد” الذي كان يقف بجوار أبيه بوجهٍ مبتسم لتراه ينظر لها نظرةٍ ذات معنى وأبتسامة خـ ـفيفة تُزين ثغره لتردّ على حديث خالها قائلة بنبرةٍ هادئة:
_لا يا خالو “يزيد” مبيز’علنيش بالعكـ ـس على طول مفرحني ولو زعـ ـلني بيصا’لحني على طول.
في هذه اللحظة جاء صوت “كارما” التي قالت سا’خرةً:
_شوفي يختي البـ ـت، بتمو’ت فيه حتى لو ز’علها بتقول عكـ ـس اللي حصل متفهـ ـميش عاملها إيه ابن أخويا دا مع إن شكله يبا’ن طيب وعلى نيا’ته بس الله أعلم باللي جو’ه، حاكم أنتوا بو’شين.
أقترب “يزيد” مِنها بخطى هادئة مبتسم الوجه ليجلس بجوارها محاوطًا كتفيها بذراعه قائلًا بنبرةٍ هادئة متسائلة:
_شكلك يا عمتو بيقول إنك ز’علانة وشا’يلة مِن نا’حيتي أوي مش كدا؟.
_واللهِ يا “يزيد” أحلى حاجة بتعجبني فيك إنك نـ ـبيه وبتفهم على طول مِن غير تو’ضيح … بس أنا مش ز’علانة أنا بر’خم عليك بس، أنتَ وأخوك حبايبي مقد’رش أز’عل مِنكم بس ممكن أز’عل لو منـ ـعت “روان” عنّي وشوفتلي نفـ ـسك بقى وجَـ ـو أنا را’جل البيت وكلمتي تمـ ـشي هو آه أنتَ هتبقى را’جل البيت وحـ ـقك بس مِن حـ ـقي أشوفها كل ما توحشني.
أبتسم “يزيد” إليها ليُلثم رأسها بِقْبّلة حنونة قائلًا بنبرةٍ هادئة حنونة:
_واللهِ يا عمتو ما أقد’ر أنتِ تيجي فالوقت اللي تحبّيه أنا مش ر’خم أوي كدا يعني أنتِ كدا لسه متعرفنيش، ومش عايزك تخا’في عليا أنا هحـ ـطها جوه عيو’ني وهخـ ـلي با’لي مِنها وأي حاجة تحتاجها هتكون عندها متخا’فيش، أنا قد المسؤ’ولية.
أبتسمت لهُ “كارما” ثم لثمت وجنته بحنوٍ وضمته إلى أحضانها قائلة:
_أنا عارفة يا حبيبي وعارفة أنا هـ ـدّي بنـ ـتي لمين كويس، ربنا معاك تروح وترجع مِن الجـ ـيش بالسلامة ونفرح بيكوا إن شاء الله، وأنا قعدة فا’ضية أهو معنديش أشغـ ـال وهاجي معاكم.
أتسـ ـعت أبتسامة “يزيد” الذي سعد كثيرًا ثم نظر إلى والدته لينهض مقتربًا مِنها جالسًا بجوارها معانقًا إياها لتحاوطه بذراعيها ضاممةً إياه بوجهٍ مبتسم تتمنىٰ لهُ السعادة وحيا’ةٍ مستـ ـقرة هادئة، وبعد القليل مِن الوقت خرجوا جميعًا مع بعضهم البعض لشراء ما ينقـ ـص الطر’فين لبنا’ء منزل أحلامهما سويًا والسعادة في هذه اللحظة هي التي تلعب دورها.
________________________
<“جبـ ـرٌ مِن رب العالمين، ودموعٍ تسقـ ـط فرحًا.”>
جاء يومٌ جديد مُحـ ـملًا بالرا’حة والأ’مان، وهي مازالت عا’لقةٌ في ليلة أمس بعدما عَلِمَت بإيجا’بية التحا’ليل وحينها تتذكر أنها ظلت تبكي لمدة نصف ساعة كاملة كلما نظرت إلى التحا’ليل وجها’ز الأختبا’ر الصغير ترى العلا’مة التي تؤ’كد حد’وث الأمر تبكي مِن جديد حتى غـ ـلبها النعاس وسقـ ـطت في بحو’ره دون أن تستطـ ـيع مقا’ومته حتى حل صباح يومٍ جديدٍ وهي لا تعلم هل عَلِمَ بالأمر أم لاز’ال لا يعلم فمثلما تر’كتهم ليلة أمس وجدتهم كما هم لَم يتحر’كوا إنـ ـشًا صغيرًا ولذلك عَلِمَت أنهُ جاء متعـ ـبًا في الأمس ولَم ينتـ ـبه لهم..
وضعت ملابسه في الخزانة وقامت بإغلا’قها ثم عادت تُكمل ما تفـ ـعله بهدوءٍ، فيما ولج هو مِن الشرفة وهو يتحدث في الهاتف قائلًا:
_لا طبعًا يا “ليل” أنتَ بتقول إيه يا عم أو’عى تعمل كدا، مش معنى إنه حاول يستفـ ـزك إنك تردّ عليه تجا’هل صدقني دي أكتر حاجة ممكن تضا’يقه أكثر عشان مش لا’قي الردّ اللي مستنيه .. تمام يا صاحبي وأنا موجود برضوا بس بالله عليك متتصر’فش مِن د’ماغك.
نظرت إليهِ بعدما أستمعت إلى حديثه لتراه يُنـ ـهي المكالمة مع “ليل” ابـ ـن عمتها ولذلك عادت تنظر إلى ما تفعـ ـله دون أن تتحدث لينظر هو إليها في هذه اللحظة وهو يعلم تمام العلم أنها تنتظر ردًا مِنهُ على رؤيته لهذه التحا’ليل، تر’ك هاتفه على سطـ ـح الطاولة ثم بدأ يقترب مِنها بخطى هادئة لتشعر هي باقترابه مِنها ولذلك لَم تتحدث وأنتظرت ما سيفعـ ـله، وقف خـ ـلفها ثم عانقها بكلا ذراعيه وأحبّ مراو’غتها قليلًا ليقول بنبرةٍ هادئة:
_مالك يا جميل ساكت مِن الصبح على غير العادة يعني … حد ز’علك ولا إيه؟.
أنهـ ـى حديثه وهو ينظر لها يرى ردّة فـ ـعلها، أما عنها فقد ألتزمت الصمت قليلًا تُفكر بينها وبين نفسها فقد كان يتعا’مل معها الآن ويبدو أنه لا يعلم شيئًا وفي الحـ ـقيقة هو يعلم بالفـ ـعل ولَكِنّ أراد فقط مراو’غتها ليأتيه قولها الهادئ قائلة:
_مفيش حاجة، معنديش مواضيع جديدة أتكلم فيها … وأنتَ؟.
_أنا؟ طبعًا عندي مواضيع هو أنا حيا’تي هتخـ ـلو مِن المشا’كل فوجود عيلة أبويا الحر’ابيق دي يعني.
نظرت إليهِ تسأله بنبرةٍ هادئة عن السـ ـبب الجديد الذي خُـ ـلِقَت مِن خلاله المشـ ـكلة قائلة:
_إيه اللي حصـ ـل مين عمل مشا’كل المرة دي معاك؟.
_عادي، عمتي كل شوية تختر’ع حوا’رات عبـ ـيطة وزعلا’نة عشان متجوزتش بنـ ـت عمتي ومكانش العشـ ـم وحو’ار كبيـ ـر كدا، على أساس كُنا بنطـ ـيق بعض وإحنا صغيرين عشان نطيـ ـق بعض وإحنا كبار، قامت ز’علت مِني لمَ قولتلها تقـ ـفل الموضوع واللي حصل حصل وأنا مبسوط مع اللي أخترتها راحت برضوا عملت مشـ ـكلة وكلمت جدي وجدي طبعًا عشان أنا عنده أقر’ب مِنهم كلهم ز’عقلها فالتليفون وقالها متجـ ـيبش سـ ـيرة الموضوع ده تاني وأنا فالآ’خر مبسوط فحيا’تي وبس … عيلة أبويا دي عيلة بتاعت حو’ارات واللهِ مع إنه كان طيب واللهِ ومش زيهم را’حت رز’عت كلمتين زي السـ ـم فالآخر وقـ ـفلت خلتني أتجـ ـننت روحت متصل بيها مد’يها الكلمتين وقـ ـفلت فو’شها.
ألتفتت إليهِ بعدما أستمعت إلى حديثه كاملًا تسأله بنظراتها عن الحديث المجهو’ل الذي دا’ر بينهما وأغضـ ـبه ليفهم هو نظرتها ويُكمل حديثه قائلًا بنبرةٍ هادئة:
_جدي كان فا’تح الاسبيكر وهو بيتكلم فسمعتها بتجيب سيرة أُ’مّي وحـ ـش عشان أبويا حبّها وهي كانت بسـ ـيطة وعلى قدها وهما كانوا جايبنله عروسة بـ ـنت با’شاوات بقى وكانت تقريبًا بنـ ـت حد تقـ ـيل فالحكـ ـومة فهما أصلًا عندي عمي دا ر’د سجـ ـون أساسًا يعني جواز مصا’لح فساعتها بابا رفـ ـض وكانت ماما فحيا’ته ساعتها فقال إنه شاف واحدة وحبها وعايز يتجوزها لمَ عرفوا إنها بقى بنـ ـت ناس على قد حا’لهم رفـ ـضوا وعملوا خنا’قة كبـ ـيرة وقتها جدي أتد’خل وجوزهاله غصـ ـب عنهم … بابا كان بيحب ماما أوي وهي كمان كانت بتحبّه قصة حبهم كانت حلوة أوي، عمي دا بقى ساعتها مكانش عاجبه الحا’ل وعمل مشا’كل كتير أوي عشان يخلي بابا وماما ينفـ ـصلوا عن بعض لدر’جة إنه طـ ـعن فشـ ـرفها وقتها قامت مجـ ـزرة وبابا كان هيمو’ته لولا جدي أتد’خل وبهـ ـدل عمي وجاب حـ ـق أُمّي فساعتها، عدت فترة معقو’لة بعدها أتغيَّـ ـر عمي وبدأ يعامل أُمّي حلو أوي لدر’جة إن ماما أتفا’جئت وبابا أستغـ ـرب فأفتكروه حـ ـس بغـ ـلطه وبقى كويس..
بـ ـتر حديثه بعدما وصل إلى أهـ ـم نقـ ـطة والتي قامت بتغـ ـيير مجـ ـرى حيا’ته مِن بعدها بالكامل، أغمض عينيه ليبدأ يرى المشهد الأسو’د الذي لا يتر’كه البتة منذ طفولته، تو’ترت وتـ ـيرة أنفا’سه وبدأ صد’ره يعـ ـلو ويهبـ ـط بشكلٍ ملحوظ أسـ ـفل نظرات “هند” التي بدأت تلاحظ أضطـ ـرابه ذاك لتضع كفها على كتفه تشـ ـدد مِن قبـ ـضتها قليلًا كمؤ’ازرةٌ لهُ، تحدثت هي بنبرةٍ هادئة قائلة:
_خلاص يا “سـعيد” كفاية يا حبيبي وأنسىٰ.
عاد يُكمل حديثه مِن جديد محاولًا تما’لك نفـ ـسه بشـ ـتىٰ الطر’ق الممـ ـكنة قائلًا بنبرةٍ مضطـ ـربة:
_لحد ما فمرة كُنا رايحين البلد لأهل أُ’مّي زيارة وكُنا فأخر السنة كان ١٢/٢٨ كانت قايلة إننا هنقعد أسبوعين عشان مبتروحلهومش غير فالمناسبات بس، كُنْت ساعتها صغير عندي ٥ سنين جيت بعد ما صبـ ـروا سنتين كاملين كانت ماما تـ ـعبانة وز’علانة أوي عشان لسه محـ ـملتش وكله كان بيتكلم وبيطـ ـلعوا العيـ ـب فيها هي، كُنْت فرحتهم الأولى والأ’خيرة حتى كُنْت فاكر وقتها إنها قعدت تقولي إيه رأيك أجيبلك أخ عشان متبقاش لو’حدك وتقعد تلعب معاه وأنا مِن فرحتي كُنْت موافق وكل يوم أسألها أخويا هييجي أمتى يا ماما تقولي لسه شوية، كل يوم على نفس الموضوع دا، فاليوم دا كُنا مبسوطين وعمالين نضحك كأننا فعيد، بعد سو’اقة تقريبًا ساعة على الطريق بابا حاول يهـ ـدي السر’عة عشان الطريق كان لِيه سر’عة محـ ـددة لقى العربية مفيهـ ـاش فر’امل … حاول كتـ ـير يوقفها معرفش فقـ ـد السيطـ ـرة على تحـ ـكمه فيها قامت مقلـ ـوبة بينا على الطريق كذا مرة و’را بعض لحد ما بقت على ضـ ـهرها..
وقتها أنا مَكُنْتش حا’سس بنفـ ـسي الد’م غـ ـرق وشي والر’ؤية بدأت تتشو’ش والصوت بدأ ير’وح شوفت ناس بتحا’ول تخر’جنا وصوت زعـ ـيق حواليا وبابا وماما قدامي سا’يحين فد’مهم مبيتحـ ـركوش، بعد شوية حـ ـسيت بحد بيشـ ـدني وبيجـ ـري بيا على عربية الإسعا’ف وشوفتهم بيخر’جوا بابا وماما ميـ ـتين قدام عيني، وأنا وقتها كُنْت فاكرهم نايمين..
بدأت تهتـ ـز نبرة صوته والعبرات بدأت تلتـ ـمع في مُقلتيه اللتان بدأت تنظران في كل مكانٍ وهو يرى الحا’دث يُعاد نُصـ ـب عينيه مِن جديد، بينما كانت “هند” تنظر إليهِ بعينين دامـ ـعتين وهي تستمع إليهِ وقد بدأ قـ ـلبها يؤ’لمها حينما تخيـ ـلت المشهد وكم كان قا’سٍ وبشـ ـع لا يتحـ ـمله أحد، عاد “سـعيد” يُكمل حديثه بنبرةٍ باكية قائلًا:
_كله عرف وجـ ـريوا على المستشفى اللي نقـ ـلونا فيها ولقيت جدو بيجـ ـري زي التا’يه مر’عوب علينا ومش عارف يسأل على مين فينا، شافني مِن بعـ ـيد إيدي متجـ ـبسة ور’جلي ورا’سي ملفـ ـوفة بشا’ش أبيـ ـض وبعيط، خدني حضني وفضل يجـ ـري بيا هنا وهنا بيحاول يعرف إيه اللي حصـ ـل وأنا مش مبطـ ـل عياط ومر’عوب مصد’قت لقيت حد بحـ ـس معاه بالأ’مان جنبي عشان يطمـ ـني، وقتها بابا وماما كانوا فتلا’جة المو’تى مستنيين حد مِن أهلهم يوصل وهو ميعرفش وفين وفين لحد ما قالوله كانوا خا’يفين عليه أوي يحـ ـصله حاجة لأنه كان متعـ ـلق بيهم أوي وبيحبهم، وقتها جدو رضي بقـ ـضاء ربنا بس قلبه مكسـ ـور وموجو’ع مكانش فاضل غيري مِن ريـ ـحتهم عشان كدا خدني معاه وحا’فظ عليا وعلمني وربا’ني وكبـ ـرني، عا’نىٰ معايا فالأول عشان كُنْت ساكت ولمَ خا’ف عليا ووداني لدكتور نفـ ـسي شخـ ـصني حا’لة أكتئا’ب حا’د وفضل معايا مسا’بنيش لحد ما أتعا’لجت … لمَ ظهر تقـ ـرير الطـ ـب الشـ ـرعي أثبـ ـت أنها فعـ ـل فا’عل وكل حاجة ظهرت بالتفصـ ـيل واللي قهـ ـر جدو ساعتها أوي إن ماما كانت حا’مل فشهرين وهي متعرفش لأن مظهـ ـرش عليها أي حاجة.
سقـ ـطت عبراتها على صفحة وجهها وهي تستمع إليهِ وتنظر لهُ بحز’نٍ شـ ـديد وهي تستمع إلى جو’ارحه التي تأ’بىٰ الألتئـ ـام تراه فقـ ـد السيـ ـطرة على تحكـ ـمه بنفـ ـسه وبدأت عبراته تنهمـ ـر على صفحة وجهه ليأتي صوتها الباكِ حينما سألته عن الجا’ني قائلة:
_وجدك عرف مين اللي عـ ـمل كدا ساعتها؟.
_كان عمي الجا’ني، هر’ب أول ما عرف بس أتجا’ب وأتحـ ـكم عليه بالإ’عد’ام، كان غـ ـلاوي أوي وبيكـ ـره أُمّي، عمتي دلوقتي بعما’يلها دي فكرتني بيه نفـ ـس قصة بابا أنا بعـ ـيشها دلوقتي عشان كدا أنا مخليكِ بعـ ـيد عنهم رافـ ـض أي حد يتعا’مل معاكِ عشان أنا مش ضا’منهم وعمتي دي زي عمي بالظبط مش سـ ـهلة وأنا بخا’ف عليكِ أوي مِنهم.
ضمته إلى أحضانها دون أن تتحدث تحاول أحتو’اءه قد’ر ما أستطا’عت ليقوم هو كذلك بمعانقتها محاوطًا إياها بذراعيهِ وقلـ ـبه يؤ’لمه بشـ ـدة بعدما تذكر أحدا’ث الماضي، يُريد ألا يتكرر مجددًا فهو ليس مستعدًا لخسا’رتها هي أيضًا فهي الآن حيا’ته بأكملها، أزا’لت عبراتها بكفها محاولةً تهـ ـدأة نفسها فما شعر بهِ شعرت هي بهِ كذلك بعد أن وضـ ـعت نفسها مـ ـحله لتُد’رك كم الأ’لم المتفا’قم بد’اخلهِ والذي يشعر بهِ أيضًا.
وبعد مرور القليل مِن الوقت.
كانت ترتب لهُ أغراضه بهدوءٍ ليخر’ج هو مِن المرحاض مـ ـجففًا وجهه بالمنشفة جيدًا لتقـ ـع عيناه على التحا’ليل الموضوعة على سطـ ـح الطاولة ليتذكر أمر حـ ـملها الذي عَلِمَ بهِ ليلة أمس ولذلك نظر إليها ليراها مند’مجةٌ بترتيب أغراضه، تر’ك المنشفة وأقترب مِنها بخطى هادئة ليعاود معانقتها مِن جديد، نظرت إليهِ وأبتسمت لهُ دون أن تتحدث وعادت تُكمل ما تفعله لثوانٍ دام الصمت بينهما ليقطـ ـعه هو حينما همس إليها بنبرةٍ هادئة في أذنها قائلًا:
_مش تقوليلي إن في نونو صغنون حلو زيك هيشر’فنا قريب، ينفع تسـ ـيبيني كدا كل دا مِن غير ما تقوليلي بقى دا أسمه كلام برضوا؟.
تفا’جئت حينما با’غتها وأخبرها دون أن يُمهـ ـد لها أو يسأل عن التحا’ليل التي كانت تتركها عن عمـ ـدٍ حتى ينـ ـتبه لها وحينما رأت عد’م الرد والسؤال تعجبت لتفهم الآن أنهُ كان يعلم وتركها حتى يأتي الوقت المناسب لمفا’جئتها، سمعته يهمس لها مِن جديد ممازحًا إياها قائلًا:
_تكونيش خو’فتي أعرف متأ’خر زي دلوقتي فأ’دفعك غر’امة؟.
لحظاتٍ وتعا’لت ضحكاتها بعدما أستمعت إلى حديثه لتلتفت إليهِ محتضنةً إياه بسعادةٍ كبيـ ـرة دون أن تتحدث ليضمها هو إلى أحضانه بقو’ةٍ والسعادة تغمـ ـر قلبه لينظر إلى السماء متذكرًا والديه وكم تمنىٰ أن يكونا بجواره الآن يسعدى بهِ مثلما كانا يتمنان والقلب يشـ ـكو آلا’مه وأحز’انه إلى رب العالمين الذي هو وحده يعلم ما في الصد’ور، ولعل مجيء هذا الصغير يشـ ـفي جرا’ح الماضي.
_وما بين ليالِ الماضي وليالِ المستقبل،
أقفُ أنا مكاني على أعتا’ب الحاضر حا’ئرًا.
_______________________________
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية أحببتها ولكن 7)