رواية جعفر البلطجي 3 الفصل الرابع والأربعون 44 بقلم بيسو وليد
رواية جعفر البلطجي 3 الفصل الرابع والأربعون 44 بقلم بيسو وليد
رواية جعفر البلطجي 3 البارت الرابع والأربعون
رواية جعفر البلطجي 3 الجزء الرابع والأربعون
رواية جعفر البلطجي 3 الحلقة الرابعة والأربعون
لَقَد حَكَمَـ ـت بِفُر’قَتِنا اللَيالي
وَلَم يَكُ عَن رِ’ضايَ وَلا رِ’ضاكا
فَلَيتَكَ لَو بَقيتَ لِضُـ ـعفِ حالي
وَكانَ الناسُ كُلُّهُمُ فِد’اكا
يَعِـ ـزُّ عَلَيَّ حينَ أُديرُ عَيني
أُفَتِّـ ـشُ في مَكانِكَ لا أَراكا.
_ضَادٌ.
________________________
كان رفيق الأمس وحبيب اليوم وكل الأيام، عاشـ ـقٌ ويفهم حبيبته مِن نظرة العـ ـين وحركة الجـ ـسد ونبرة صوتها، مِن الصـ ـعب الضحك عليه وإن كان الما’كث أمامه ما’هرًا في التمثـ ـيل، لحظة واحدة تجعله يفهم كل شيءٍ حتى وإن كان مُلغـ ـم بالألغا’ز.
<“لَم يكُن حبيب البارحة، بل هو تو’أم الرو’ح.”>
كانت تبكي دا’خل أحضانه دو’ن أن تتحدث وهو يُحاول أستيعا’ب ما يحد’ث معها، جُـ ـعدت معالم وجهه بتعجبٍ وقد سأل نفسه قائلًا:
_هي مالها دي؟ الحركات دي أنا عارفها كويس جرّبتها مرتين، معقول ومش عايزة تقول؟.
وفو’ر أن توّ’صل إلى هذا الاستنتاج أصا’به الهلـ ـع مِن احتمالية حد’وث الأمر، أما عنها فقد كلما تذكرت بكت فهذه هي مرتها الأولى بشعورها بمثل هذه المشاعر القو’ية تجاهه، شعرت بهِ يُبعـ ـدها عنهُ بقو’ةٍ وهو يُمسك بكلا ذراعيها ينظر لها يتمنىٰ عد’م حد’وث الأمر وهي تتمنىٰ أن يُنـ ـكر ما رأته عينيها، كلاهما يتمنان إنكا’ر ظنو’نهما التي لا تتعـ ـلق ببعضها البعض، وقد تحدثا كلاهما في آنٍ واحدٍ بالسـ ـببين اللذان لا علا’قة ببعضهما البعض:
_أنتِ حا’مل للمرة التالتة؟.
_أنتَ حضنتها بجد قدامي؟.
حاول كليهما أستيعا’ب الأمر بعد أن تحدثا معًا ليُطا’لعها بتعجبٍ وقد ر’مته هي كذلك بنفس النظرات وهي تشعر أنها لا تفهم شيئًا، تحدث “يـوسف” وهو يشعر أنه لا يفهم ما يحدث حوله قائلًا بتعجبٍ:
_إيه؟! أنتِ تقصدي إيه ومالك في إيه؟ لا أنا مش ملا’حقتش على التانية، دي مكملتش عشان ييجي التالت.
_إيه اللي أنتَ بتقوله دا تالت إيه إيه اللي جاب سيرة الحمـ ـل دلوقتي؟.
هكذا ردّت عليهِ بنبرةٍ باكية وهي تنظر إليهِ بعينين باكيتين ليأتيها قوله حينما أعتدل في وقفه قائلًا:
_لا أستني بقى كدا عشان د’ماغي و’قفت خالص دلوقتي، هي مش دي هرمو’نات حمـ ـل أصلك كُنْتِ تضحكِ والدُنيا تبقى فُل وياسمين وبعدها بـ ٥ ثوانِ تقـ ـلبي عليا بد’ون سـ ـبب.
_هرمو’نات حمـ ـل إيه يا “يـوسف” !! أنا بتكلم عليها لمَ حضنتها قدامي.
تغيَّـ ـرت نظراته وأصبحت مستنكرة وأيضًا غير مصد’قة لتطا’لعه هي بنظراتها الباكية تنتظر جوابًا مِنهُ يكون صا’دقًا كما أعتادت مِنهُ دومًا، أستغـ ـرق القليل مِن الوقت حتى أستو’عب الأمر ليقول مستنكرًا تفكيرها الذي سيجعله يجُـ ـنّ في الحال:
_ثوانِ كدا … هو أنتِ بتعيطي عشان حضنت “عَليا”.
_متقولهاش فو’شي تاني !!.
صر’خت بها في وجهه وعادت عبراتها تسـ ـقط على صفحة وجهها بعدما تذكرت الأمر لتجحـ ـظ عيناه بذ’هولٍ قائلًا بأستنـ ـكارٍ شـ ـديدٍ:
_لا واللهِ يا “بيلا” !! دي أختي يا متخـ ـلفة مش واحدة غريبة عنّي، دي أختي الكبـ ـيرة.
_أيوه يعني أعمل إيه أنا دلوقتي؟ وبعد ما عرفت إنها أختك إيه الجديد اللي أتغـ ـيَّر يعني !!.
زفـ ـر بعمـ ـقٍ بعدما رأى العنا’د مِنها ليمـ ـسح بكفه على وجهه قائلًا:
_”بيلا” هقولها لتاني مرة، دي أختي يمكن الموضوع جديد وحا’سه بالغيـ ـرة مِنها بس مهما حصل هي أختي مِن أبويا ومُلز’مة مِني وعشان بابا يبقى مر’تاح أنا عندي أستـ ـعداد أعمل أي حاجة عشانه ومشاعرك دي واللهِ ما بقـ ـلل مِنها بالعكـ ـس دي على را’سي ودموعك غا’لية على قلـ ـبي ويعـ ـز عليا أشوفك كدا بس حاولي واحدة واحدة هي مش غريبة عشان تخـ ـطفني مِنك، فهماني؟.
حركت رأسها برفقٍ تؤ’كد على حديثه دون أن تتحدث ليقوم هو بإ’زالة عبراتها عن صفحة وجهها بكفيه بحنوٍ ثم لثم جبينها بِقْبّلة هادئة ومِن ثم ضمها إلى د’فئ أحضانه ممسّدًا على ظهرها برفقٍ زافـ ـرًا بهدوءٍ دون أن يتحدث، أما عنها فقد عانقته ووضعت رأسها على صد’ره دون أن تتحدث كذلك.
وبعد مرور القليل مِن الوقت.
خر’ج “يـوسف” وأقترب مِن والدته يُعطيها حقيبتها بوجهٍ مبتسم ثم لثم رأسها بحنوٍ لتبتسم في المقابل إليهِ وتأخذها مِنهُ تفـ ـتحها أسفـ ـل أعين الجميع لترى قلادة فـ ـضية اللو’ن تحمـ ـل حرف العين المُزيْن بالفصو’ص الفـ ـضية اللا’معة لتتسـ ـع بسمتها على ثغرها وهي تنظر لها لتسمع صوت و’لدها وهو يقول بنبرةٍ هامسة:
_الحرف دا أغـ ـلىٰ حرف على قـ ـلبي، حرف الغا’لي اللي أنا متأ’كد إنك عُمرك ما نسيتيه وعلى طول فكراه وعا’يش جو’ه قـ ـلبك.
ألتمـ ـعت مُقلتيها بالعبرات وهي تتأمل القلادة وإبهامها يسير على الحرف بحـ ـنينٍ وشو’قٍ إلى حبيب القـ ـلب الذي ر’حل وتر’كها و’حيدة بعدما تعهـ ـد على تر’كها مهما حد’ث ومهما حاول الجميع تفر’قتهم، ولَكِنّ جاء المو’ت حاضرًا وأخذه ور’حل لتبقى هي و’حيدة تعيـ ـش على ذِكراه، نظر “عـماد” إلى زوجة شقيقه الر’احل وهو يشعر بما تشعر هي بهِ في هذه اللحظة فكان أكثرهم تعـ ـلقًا بأخيه وأحبهم إلى قـ ـلبه..
كان “يـوسف” يتأملها منذ أن أهـ ـداها إياها يرى ردات فعلها ليرى العديد مِن المشاعر المتضا’ربة بادية على تقا’سيم وجهها، رأى الحُبّ ورأى الحنين ورأى الشو’ق ورأى الحز’ن ورأى الأ’لم، رأى الحُبّ الصا’دق نا’بعًا مِن قـ ـلب أُمّه إلى أبيه لتلتـ ـمع العبرات في مُقلتيه وهو ينظر لها مبتسم الوجه ليُلثم جبينها بحنوٍ مِن جديد ثم ضمها إلى د’فئ أحضانه لتبادله هي عناقه ذاك تضمه إلى أحضانها وهي في غا’ية السعادة..
نهضت “مـها” واقتربت مِنهما لتجلس بجوار أُمّها حتى تشاركهما هذه اللحظة لتقوم “شـاهي” بضمها إلى د’فئ أحضانها تُلثم رأسها بحنوٍ فهما ما تبقى لها بعد ر’حيله ولذلك تُجاهـ ـد وتُعافـ ـر للحفا’ظ عليهما، مسّد “يـوسف” على ظهرها بحنوٍ ثم تركها وألتفت ينظر أخيرًا إلى زوجته التي كانت تتابعه بوجهٍ مبتسم.
أقترب مِنها بخطى هادئة مبتسم الوجه تاركًا والدته التي كانت سعيدةٌ للغاية بالقلادة، وقف أمامها مباشرةً ور’ماها بنظراتٍ ذات معنى ليراها تُحاول الهر’ب مِن نظراته تلك بالنظر إلى الأسفـ ـل، مدّ كفه وقام بإمسا’ك ذ’قنها بإبهامه وسبابته لير’فع رأسها عا’ليًا لتنظر إليهِ تلقائيًا فأمامه تكون مسا’لمةٌ للغاية، مدّ يده بالحقيبة الأ’خيرة لها وهو يقول بنبرةٍ خا’فتة حنونة:
_دي عشانك يا عم قـ ـلبي، مقد’رش أنساكِ فأي حاجة وعارف إنها هتعجبك أوي.
تعجبت مِن تلك الثـ ـقة التي يتحدث بها لتراه ينظر لها نظرةٍ ذات معنى بطر’ف عينه بوجهٍ مبتسم ليُشير إليها بعـ ـينيه نحوها قائلًا:
_أفتـ ـحيها يلا وشوفيها.
لَبـ ـت مطلبه بالفعـ ـل وبدأت تفتـ ـحها أسفـ ـل ناظريه فقد كانت متحـ ـمسة لرؤية تلك الهدية التي جلبها إليها فجأ’ةً لترى قلادة فضـ ـية اللو’ن تحمل أول حرفٍ مِن أسمه مضمومًا، نظرت إليها قليلًا بعد’م تصديق بينما نظر لها في هذه اللحظة يرى كيف تكون ردات فعـ ـلها، نظرت إليهِ وهي لا تُصدق لتتسـ ـع بسمتها على ثغرها قائلة بعد’م تصديق:
_أكيد بتهزر، أنا أعرف إنك مغـ ـرور آه وبتشوف نفسك بس مش للدرجة دي يعني.
نظر إليها هذه المرة مطو’لًا بعدما أستمع إلى حديثها ذاك يرى تقا’سيم وجهها ليرى السعادة باديةً على ملامحها فكيف الآن تقول مثل هذه الكلمات؟ تحدث متر’قبًا وهو ينظر لها قائلًا بنبرةٍ هادئة متسائلة:
_أفهم مِن كدا إنها معجبتكيش؟ خلاص هاتي أرجعها تاني.
أنهـ ـى حديثه وهو يَمُـ ـدّ يده كي يأخذها مِنها ليراها تُخـ ـبئها بحركةٍ سر’يعة خـ ـلف ظهرها وهي تنظر إليهِ بشقا’وةٍ لينظر لها نظرتٍ خـ ـبيثة ثم أقترب مِنها خطوةٌ واحدة وهو يهمس لها قائلًا:
_هاتيها طالما معجبتكيش وأنا مغـ ـرور هتاخديها ليه مِن واحد زيي.
_عشان أنا بقبل هدايا مِن المغـ ـرورين عادي، وبعدين دي مِن حبيبي أزاي أرفـ ـضها؟.
هكذا ردّت عليهِ مبتسمة الوجه لتقوم بو’مض جـ ـفنها الأ’يسر بعبـ ـثٍ لتتسـ ـع بسمتهُ ويقول هو هذه المرة بنبرةٍ خـ ـبيثة:
_جاية تتشا’قي عليا دلوقتي يا بنـ ـت “فارس”، وربنا لأو’ريكِ.
_هتعمل إيه يعني؟.
هكذا سألته وهي تنظر إليه مبتسمة الوجه لترى بسمةٌ ما’كرة أرتسمت على ثغره بعدما ر’ماها نظرةٍ ذات معنى ثم ألتفت إلى والدته قائلًا:
_معاكِ رصيد يا “شـاهي”؟.
_أيوه يا حبيبي معايا محتاج حاجة؟.
هكذا ردّت عليهِ مبتسمة الوجه ثم سألته بعدها ليأتيها جوابه بعدما ر’مىٰ زوجته نظرةٍ ذات معنى قائلًا:
_أيوه محتاج أعمل مكالمة عشان موبايلي فا’صل شحـ ـن.
_خُد يا “يـوسف” أنا معايا أعمل اللي محتاجه.
هكذا جاء صوت عمه “عـماد” وهو يَمُـ ـدّ يده بالهاتف إلى ابن أخيه الذي أخذه مِنهُ بوجهٍ مبتسم شاكرًا إياه ليقوم بكتابة عِدة أرقامٍ بحركاتٍ سر’يعة ليقوم بوضع الهاتف على أذنه منتظرًا تلقي الإجابة مِن الطر’ف الآخر، أما عن “بيلا” فكانت تنظر لهُ بشـ ـكٍ تنتظر ما سيفعله فهي لا تعلم ما يد’ور دا’خل رأسه وكيف يُفكر وماذا يُخـ ـطط وإيلا’م يسعـ ـىٰ..
تحدث “يـوسف” بوجهٍ مبتسم بعدما تلقىٰ إجابة الطر’ف الآ’خر قائلًا:
_حبيب قلبي، عامل إيه يا’ض مش تبطـ ـل ند’الة شوية وتكلمني فمرة تسأل عليا ولا قعدتك عند “هـناء” نَستك “جـعفر” لو وحشك أطـ ـلعهولك.
تلقىٰ ضحكات على الطر’ف الآ’خر تليها صوته حينما قال ضاحكًا:
_يا حبيبي مقد’رش واللهِ دا أنتَ أخويا اللي مجا’بتهوش أُمّي، بس بصراحة “هـنون” عمالة تغـ ـريني كل ما أجي أمشـ ـي وتقعد تعملي الأكل اللي بحبّه دي النهاردة عاملة شوية محاشي ياض تستا’هل بوقك واللهِ أنا واخد د’لع “أكرم” و “بيلا” و “كايلا” مشافوهوش.
أبتسم “يـوسف” بعدما جلس بين عميه مكملًا حديثه معهُ قائلًا بنبرةٍ خـ ـبيثة:
_قولها أهـ ـدي شوية يا “هـنون” بدل ما أجي أجيبك أنا مِن قـ ـفاك وخليها هي تاكل المحاشي دي لوحدها يومين عشان تعرف تغـ ـريك حلو بعد كدا.
_لا !! ما أنتَ متعرفش اللي فيها أصل “بَـسْبوسَة” جاية النهاردة وهي قفـ ـشتني وعرفت اللي فيها قامت مجددة العزومة وربنا يسترها شكلها مش ناوية على خير خالص.
هكذا جاوبه ضاحكًا يشـ ـكو إليهِ همـ ـه ليتلقىٰ الضحكات مِن “يـوسف” الذي تو’قع حدوث هذا الأمر ليقول بنبرةٍ ضاحكة:
_خلاص طالما “هـناء” قفـ ـشتك أنسىٰ يا حبيبي إنها تعديها كدا وعشان أنتَ أهبـ ـل جر’جرتك وأنتَ تلاقيك ما شاء الله قولت كل حاجة … مبروك عليك يا “بيـشو” الجواز مقدمًا ربنا يستر ومَتكونش متصلة بالمأذون بالمرة.
تعجبت “بيلا” مِن حديثه ولذلك نظرت إليهِ تنتظر تلقي بقية الحديث لتسمعه يقول بوجهٍ مبتسم:
_طب بقولك إيه بما إن “لولو” بتوحشك وهي بتفضل قعدة طول اليوم مبتتكلمش معانا عشان خاطر سعتك مش موجود تعالى خُدها تبات عندك النهاردة … يا را’جل عادي هو لازم يبقى في حاجة يعني ولا أرجع فكلامي وأقولها خالك مرضاش ييجي ياخدك النهاردة وأخليها تقـ ـلب عليك؟.
هكذا جاوبه بتخا’بثٍ وهو ينظر إلى زوجته التي فَهِمَت ما يريد زوجها لتُشيح بنظرها بعيـ ـدًا دون أن تتحدث أو تنظر إليهِ، أما عن “شـاهي” فقد تعجبت مِن إصـ ـرار و’لدها على ذهاب أبـ ـنته إلى خالها لتسمعه يقول بنبرةٍ هادئة مبتسم الوجه:
_طب أتلـ ـحلح شوية وهاتها فإيدك وتعالوا أقعدوا معانا شوية أُمّي هنا بدل ما تفضل قعدة لوحدها طول الوقت وهي تفضل لوحدها هاتها وبلـ ـيل نروح مع بعض عندها نقـ ـضي السهرة.
_أنتَ عندك تأ’خر أستيعا’ب يا’لا؟ بقولك “بـسنت” جاية النهاردة.
زفـ ـر “يـوسف” بحنـ ـقٍ وقد نهـ ـره بعدما خرجت شخـ ـصية “جـعفر” الو’قحة تتو’لى الدور قائلًا بنبرةٍ حا’دة:
_مش هتطـ ـير يا رو’ح أُ’مّك هي مش أهـ ـم مِننا يعني يمـ ـين بالله لو ما جيت فخلال ١٠ دقايق لألبسك مصـ ـيبة وأنا مجـ ـنون واعملها.
أنهـ ـى حديثه ثم أغـ ـلق بوجهه دون أن يقول شيئًا آ’خر وأعطى الهاتف إلى عمه الذي أخذه وهو ينظر إليهِ قائلًا:
_أنتَ مش ناوي تحتر’م نفسك ولسا’نك دا يتـ ـلم شوية؟ أنتَ طا’لع قـ ـليل الأد’ب كدا لمين يا’لا إحنا معندناش حد عـ ـر’بجي كدا !!.
نظر إليهِ “يـوسف” نظرةٍ ذات معنى بطر’ف عينه قائلًا بنبرةٍ خبـ ـيثة:
_أقولك طا’لع لمين ومتز’علش؟.
_”يـوسف” !!.
هكذا نهـ ـرته “شـاهي” وهي تنظر إليهِ نظراتٍ تحذ’يرية ليتدخل “عـماد” يقوم بتهـ ـدأتها قائلًا:
_أهـ ـدي يا مرات أخويا محصلش حاجة.
_أزاي يعني يا “عـماد” بيردّ وهيقـ ـل أد’به معاك وتقولي محصلش حاجة !!.
أشار إليها بأن تهـ ـدأ قليلاً ثم نظر إلى ابن أخيه الذي كان لا يكثر إلى ما يُقال لينظر إليهِ نظرةٍ ذات معنى قائلًا بتساؤل:
_قولي يا “يـوسف” كُنْت هتقولي طا’لع لمين؟.
نظر إليهِ “يـوسف” بوجهٍ مبتسم ثم قال بنبرةٍ ما’كرة:
_أنا را’جل صر’يح ودو’غري، مفيش حد فالعيلة دي قـ ـليل الأد’ب غير شخـ ـصية واحدة بس … مراتك.
تفا’جئت “مـها” مِن ردّ أخيها الذي كان صر’يحًا مع عمها لتجـ ـحظ عينيها قليلًا ثم نظرت إلى والدتها التي كانت لا تقـ ـل عنها شيئًا ليأتي قول “رابـح” الذي أعتدل في جلستهِ قائلًا بنبرةٍ هادئة بوجهٍ مبتسم:
_اللهم صلّ على النبي … سُـ ـمعة مراتك يا خويا بصراحة عاملة زي الجنيه الدهب حتى ابن أخوك مش طا’يقها.
_قصدك زي الجنيه المصـ ـدي، دي خسا’رة فيها ٣ حاجات الدهب سواء أصلي أو فا’لصو والفضة مع أحتر’امي ليك يا عمي أنتَ بعيـ ـد عن الموضوع دا بس صَدَ’ق اللي قال المخدة عُمرها ما بتشـ ـيل ٢ حلوين سوىٰ وفعلًا صدقت المقولة يعني أنتَ بسم الله ما شاء الله حلو ومسمسم هي بو’مة ونكـ ـدية مبتعملش حاجة فحـ ـياتها غير إنها تبعبـ ـع زي البُعبُـ ـع.
ضحك “سـراج” على حديث صديقه الذي يتوا’قح مع الجميع كالمعتاد ومعه ضحك “رابـح” الذي وافقه الحديث قائلًا:
_عندك حـ ـق واللهِ، لمؤ’اخذة يا خويا.
_أنتوا ليه محـ ـسسني إني زعلا’ن عليها أوي كدا على فكرة عادي … وبعدين أنا عمال أفكر أعملها واطلـ ـقها، أنا واقـ ـفلها على تكـ ـة.
_يميـ ـن بالله تبقى رجو’لة وجد’عنة لو عملتها بجد، دا أنتَ هتر’حمنا وهتكسب فينا ثواب، دي شَيِّبـ ـتلك شعرك يا “سـيد”.
أنهـ ـى “يـوسف” حديثه لتتعا’لىٰ الضحكات مِن حوله حينما أردف بكلماته الأ’خيرة بطريقةٍ كوميدية مُضحكة، وقد شاركهم الضحك لتقـ ـع أنظاره على زوجته التي كانت تنظر إليهِ بوجهٍ ضاحكٍ لتتسـ ـع بسمتهُ ويقوم بو’مض جـ ـفنه الأ’يسر بعبـ ـثٍ لها ليراها تُشـ ـيح بوجهها بعـ ـيدًا عنهُ بعدما فَهِمَت سـ ـر تلك الو’مضة الخـ ـفية لير’مقها قليلًا بوجهٍ مبتسم ثم عاد يشاركهم أطر’اف الحديث ليند’مج سر’يعًا في الحديث مع عمه “رابـح” الذي قام بتصديق حديث أخيه مؤ’خرًا حينما أخبره أنهُ يُشبه أخيه الرا’حل في كل شيءٍ، معالم الوجه، طريقة التحدث، جلسته، أسلوبه، وطيبة قلبه وشجا’عته وعِـ ـزَّة نفسه، وكأن مَن يُجالسهم “عـدنان” في صغره وليس “يـوسف”.
__________________________
<“لَقَد حَـ ـكَمَت بِفُر’قَتِنا اللَيالي،
وَلَم يَكُ عَن رِ’ضايَ وَلا رِ’ضاكا.”>
حَبِيـ ـسُ غُرفتهِ شـ ـريدًا في مدينة أحلامه المظلـ ـمة، تا’ئهًا في بحو’ر العشـ ـق والأ’لم، ضا’ئعٌ بعد أن ترا’خت قبـ ـضة الكـ ـف ليَضِّـ ـلُ الو’لدُ ويُصبح تا’ئهًا في مدينةٍ أصبحت اليوم غر’يبةٌ بعد أن كانت في الأمسُ حبيبةُ القلب والر’وحِ، الوحدة تتأ’كله حـ ـيًا والجـ ـنون يكادُ يُصيـ ـب العقـ ـل ويأ’كل خلا’ياه والخو’فُ شـ ـر ر’فيقٍ لهُ.
يد’ور في أرجاء الغرفة كما المحكو’م عليهِ ظُـ ـلمًا وهو بر’يءٌ، يكاد يفقـ ـد صوابه بعد أن عَلِمَ أنها ستكون لغيره، أستطاعت إصا’بة هدفها ببرا’عةٍ ومهارة شـ ـديدة وكأنه كما الطُعـ ـم لها، تظل تقترب وتقترب وتقترب حتى تحين لحظة الإنقـ ـضاض عليها وإفتر’اسها بعد ليلةٍ مَضَت عليها تتد’وَّر جو’عًا، لا يُصدق أبعد ما رآه مِن قُبولٍ مِنها وحُبٍّ وآ’منًا تتر’كه بهذه السهولة وتذهب إلى غيره وكأنها لَم تراهُ قط؟.
بالتأكـ ـيد تمزح معهُ وستهاتفهُ الآن وتُخبره أنها مزحةٌ لطيفة أو ثقـ ـيلة بالنسبةِ إليهِ وهي في الأ’خير لهُ، أر’هقهُ الأ’لم وقام بطر’حهِ أرضًا كالذ’بيـ ـحة التي تواجه مصيـ ـرها في أول يوم عيد، جلس بعـ ـنفٍ على طر’ف فراشه وهو يضر’ب بقبـ ـضتيهِ عليهِ بغضـ ـبٍ، يُفكر ماذا يجب عليهِ أن يفعـ ـل الآن؟ وكيف سيجعلها تتر’اجع وتُفكر في الأمر مرةٍ أخرىٰ، أسئلةٌ عديدة تُطر’ح على رأسه وهو لا يجد لها إجابةٌ مناسبة يقولها..
“يـوسف” هذا أول مَن جال بخا’طرهِ كي يُهاتفه ويُخبرهُ، ولَكِنّ مِن المتو’قع أن يُبدي لهُ بفشـ ـلهِ في هذا الأمر فالأمر كله يتعـ ـلق بقـ ـرارها وموافقة أخوتها الر’جال، شعر بالغـ ـضب يستو’لي عليهِ ولذلك لَم يتحمـ ـل ونهض بعنـ ـفٍ وهو يصر’خ بغضـ ـبٍ قائلًا:
_أعمل إيه !! “كايلا” بترو’ح مِني وأنا واقف أتفرج مش عارف أعمل حاجة !!.
أنهـ ـى صر’اخه وهو يقوم بإلقا’ء الوسادة بعنـ ـفٍ بعـ ـيدًا وصدره يعـ ـلو ويهـ ـبط بعنـ ـفٍ ووتـ ـيرة أنفا’سه أصبحت سر’يعة أكثر وكأنه يركض في سباقٍ طو’يل لا نها’ية لهُ وبكفه يضـ ـغط بعـ ـنفٍ على الكرة المطا’طية البر’تقالية لعلها تُهـ ـدئ غضـ ـبه المتصا’عد هذا قليلًا، و’قع بصـ ـره على هاتفه بعد أن رأى الأمر يبدأ في الخـ ـروج عن سيـ ـطرته فلا بأ’س أن يُحاول..
أخذه بحركةٍ خا’طفة وبدأ يعبـ ـث بهِ بكفٍ والآخر يضغـ ـط بقو’ةٍ واستمرارية على الكرة التي كانت خيرُ رفيقٍ إليهِ، فمنذُ سنواتٍ وتلك الكرة لا تفا’رق كفه في أشـ ـد لحظات غضـ ـبه بعدما أخبره الطبيب أن لا تبتعـ ـد عن كفه في مثل هذه اللحظات، ولج على التطبيق الشهير “فيسبوك” ومِنها على صفحتها الشخـ ـصية التي كانت تخـ ـلو مِن صورها الشخـ ـصية، كانت تضع صورة لخيلٍ عر’بيٍ أصـ ـيل محل الصورة الشخـ ـصية والصورة الخلفية كانت خلفية بُـ ـنية في أولىٰ درجاته كُتِبَت عليها بخطٍ عر’بيٍ..
_”نَعيـ ـبُ زَمانَنا وَالعَيـ ـبُ فينا،
وَما لِزَمانِنا عَيـ ـبٌ سِوانا.”
يبدو وأنها مازالت متأ’ثرة بالماضي، مازالت متأ’ثرة بما حدث معها حتى هذا اليوم وإن أوليناهُ ظهرنا فلا ينسىٰ العقـ ـل وإن مرّت قرونٌ، بدأ يتصفحها والخو’فُ مرافقًا إلى قلبه فهو ليس مستعدٍ لتلقي أيَّ أخبارٍ سيـ ـئة تخص هذا الأمر وتد’هسُ الفؤاد الذي أحب وفُتِـ ـنَ بها، كلاهما مرّىٰ بمرحلةٍ سـ ـيئة في الصغر وأجتمعا سويًا في آلأ’لم والمُعا’ناة والضُـ ـعفُ، جلس مِن جديد بهدوءٍ وهذه المرحلة تختلفُ عن سابقتها..
جلس بجسـ ـدٍ متر’اخي وهو يتأمل شاشة هاتفه ذو الما’ركة الشهيرة يبدأ برؤية منشوراتها بعد أن بدأ بمتابعتها مؤ’خرًا لتظهر منشوراتها لهُ بين الجميع وقد رأى آ’خر منشور قامت بنشره كان منذ أول أمس حيثُ كَتَبَت عدة أحرفٍ وكأنها كانت تقصده هو دونًا عن غيره وهي تعلم تمام العلم أنهُ سيراه ويتفاعل معهُ مثلما كان يفعل دومًا حينما يضع رمز القلب وكأنهُ يُخبرها:
_”كُلّ ما تقومين بنشره فهو الأحبُ إلى قلبي،
حتى وإن كانت ملصقاتٌ لا معنى لها.
هذا ما يُخبره بهِ قلبه دومًا كلما يرىٰ منشورًا لها، وقد كان الفؤادُ صا’دقًا بحـ ـقٍ ولَم يكذُ’ب عليه قط، قرأ آ’خر منشورٍ ومعهُ تأ’لم قلبه كما وأنه يحتر’ق في أرضٍ مغـ ـلقة لا سـ ـبيل للنجـ ـاةٍ فيها سوىٰ إنتظار معجـ ـزةٌ إلهـ ـية، رأى ما جعله يشعر بالغضـ ـب والأ’لم أيضًا حينما فَهِمَ أن هذه الكلمات كانت موجهةٌ إليهِ هو … أو لربما أن يكون موجهًا إلى هذا العريس..
هذا ما فكر بهِ هو وهو ينظر إلى هذا المنشور، لا يعلم أن كلاهما يتأ’لمان الآن ولا يعلم أنها مثله تمامًا كانت تظن أن القادم هو نفسه “جـاد” ولَكِنّ حينما رأت آخرًا غيره كانت الصد’مة حلـ ـيفتها، فقد رَسَمَت حياتها بالكامل معهُ هو ورأته الشا’ب الذي كانت تبحث عنهُ دومًا ولَم يُحالفها الحظ، لا’نت معالم وجهه وأحـ ـتلها آلأ’لم وهو يُعاود النظر إلى هذه الكلمات التي كانت لها معنى كبير تخبره أنها ستظل تنتظره حتى لو مرّت أعوامٌ كُثُر..
_” سأنتظركَ غدًا، وإن لم تأتي،
فكلُّ الأيامِ غدًا حتى تعود”.
وحينما أنهـ ـى قراءة المنشور للمرةِ التي لا يعلمها ضـ ـغط بقو’ةٍ على الكرة المطا’طية لعل نير’انه تُطـ ـفئ ويهـ ـدأ لهيـ ـبها، نظر إلى تاريخ النشر الذي كان منذ يومين فقط، أغـ ـلق هاتفه ووضعه بجانبه على الفراش ونهض محاولًا تما’لُك نفسه بعدما ألتمـ ـعت العبرات في مُقلتيه التي أكتسـ ـتهما الحُمـ ـرة يقف خـ ـلف باب شرفته الز’جاجية ينظر إلى السماء التي كانت تُغـ ـطيها السُحُب الر’مادية تُنذ’ر بهطو’ل أمطارٍ غـ ـزيرة..
_”أنا والسُحُب الشتوية كلانا متشابهين،
كلانا يُزرف العبرات دون توقف طوال الوقت،
أنا أبكِ أ’لمًا، وهي تبكِ لتد’اوي أوجا’عي.
فُتِـ ـحَ الباب بهدوءٍ وهو لَم يتحرك إنـ ـشًا واحدًا وظل ينظر إلى السُحُب التي بدأت تزرف الأمطار بغـ ـزارة، أشتـ ـدت الريا’ح البا’ردة في الخا’رج ليشعر هو ببعض النسمات وكأنها تُعا’نده أن تقوم بإ’طفاء نير’انه الملـ ـتهبة بداخله، ر’فع كفيه يضع القبعة الخاصة بچاكته على رأسه ليسمع صوت رجو’لي مِن خلفه يقول:
_مِن صُغرك لمَ تز’عل على حاجة بتحبها بتر’وح مِنك بتقـ ـف كدا قدام باب البلكونة وتحط طاقية الچاكت على را’سك وتفضل تتفرج على السُحُب وهي بتمطر ومبتتكلمش مع حد لحد ما تيجي أنتَ تتكلم مِن نفسك، بس المرة دي غير المرات اللي فاتت عشان المرة دي اللي ضا’ع غا’لي أوي على القلب صـ ـعب يقبل فرا’قه مهما حصل.
أنهـ ـى حديثه وهو يقف بجواره مرتديًا مثل أخيه تمامًا فجميع ثيابهما مثل بعضها البعض لا يخـ ـلو شيءٌ يخـ ـصهما إلا لو كانا متشا’بهين، نظر إليهِ “مـؤمن” بطر’ف عينه ليرى الثبا’ت الزا’ئف الذي يعلمه يحاوط أخيه، ر’فع ذراعه وحاوط كتفيه يضمه برفقٍ نحوه قائلًا بنبرةٍ هادئة:
_تعرف يا “جـاد”، زمان لمَ كُنْت فسنك كدا وشوفت “نسمة” كُنْت عامل زي العـ ـبيط، بس واللهِ هو مش عبـ ـط فعلًا هو فطـ ـرة فينا لمَ نشوف اللي بنحبهم بنبقى ملبو’كين فرحتنا بتاخدنا وبتخلينا نتصر’ف بطبيعتنا وتلقائيتنا، لمَ قالتلي أنا جايلي عريس ميـ ـعبهوش حاجة أنا عملت زيك بالظبط وكُنْت هتجـ ـنن، فضلت أفكر كتير أوي أنا بحبها مقد’رش أبعـ ـد عنها أنا أستنيت الوقت المناسب عشان أقولها ولمَ أجي أقولها ييجي واحد تاني ياخدها مِني؟ وقتها كُنْت مجـ ـنون وهو ميعـ ـبهوش حاجة يعني سهـ ـل أهلها يوافقوا والدُنيا تمشي بس لو ربنا رايد إنها تكون ليا وحد تاني موجود هتكون ليا، روحت أتقدملها رغم إني عارف إن غيري متقدملها ومهـ ـمنيش ساعتها أي حاجة سواء فيا حاجة تعـ ـيبني أو لا مش فا’رقة معايا غير إنها تكون معايا أنا وبس مش مع حد غيري..
وقتها روحت وأتقدمتلها وأنا مش ها’ممني حد وهي وقتها أتفا’جئت هي عارفة إني مجـ ـنون وأعملها ووقتها كانت واقفة فالطُر’قة خا’يفة ومتو’ترة، مر’عوبة، مش هنسىٰ شكلها وقتها كان عامل أزاي وهي خا’يفة إن أهلها ير’فضوني ويقبلوا التاني، بس طلبتها بقلب جا’مد قاعد را’سي مش خا’يف مِن حد وقتها أبوها قعد يسمعني وأُعجب بشخـ ـصيتي ووقتها قالي كلمة واحدة بس كانت سـ ـبب فسعادتنا إحنا الأتنين.
نظر إليهِ “جـاد” بعد أن أستمع إليهِ حتى أنهـ ـى حديثه وحينها سأله بعينيه عن إكمال حديثه ولذلك أبتسم “مـؤمن” في وجهه وأكمل حديثه قائلًا بنبرةٍ هادئة:
_قالي أنا هقبلك أنتَ وهر’فضه هو عشان حاجتين أولهم جر’اءتك إنك تيجي تطلبها مِني وفي واحد تاني واخد كلمة مِني إني أقوله آه أو لا، وتانيهم إني بحبها وعايزها هي، هو كان عايزها عشان تبقى خد’امة أهله والر’اجل يُشكر كلمه قدامي ور’فضه فعلًا وقالي على بركة الله شوفوا حابين الخطوبة أمتى وأنا موافق هي كدا كدا بتحبك وقر’فاني بحكاويها عنك كل يوم خدها وعليها مروحتين هدية.
أنهـ ـى حديثه وضحك ليبتسم “جـاد” في المقابل وبعدها بدأ يضحك وهو يشاركه هذا الحديث، مسّد “مـؤمن” على ذراعه برفقٍ وقال بنبرةٍ هادئة مبتسم الوجه:
_صدقني هي لو ليك هتكون ليك فعلًا غـ ـصب عن عيـ ـن أي حد طالما ربنا عاوز كدا، رَوَ’ق أنا حا’سس بيك وعارف إنك موجو’ع عشان كُنْت فيوم مِن الأيام مكانك.
_طب ولو محصلش والموضوع مشي وقتها؟.
هكذا سأله “جـاد” منتظرًا جواب أخيه وهو ينظر إليهِ نظراتٍ هادئة، ليأتيه الجواب مِنهُ حينما أبتسم وقال:
_وقتها أعرف إنها مش ليك، وربنا شا’يلك اللي أحسن مِنها.
أنهـ ـى حديثه ثم ألتفت يأخذ الكوب البرتقالي الزجا’جي ومدّ يده إلى أخيه بهِ قائلًا بنبرةٍ هادئة مبتسم الوجه:
_كوباية شاي بلبن سُـ ـخنة فالجَو المتـ ـلج دا إنما إيه أورجانيك.
أبتسم “جـاد” وأخذه مِنهُ شاكرًا إياه ليأخذ “مـؤمن” الكوب الخاص بهِ وصحن الكعك بالشيكولاتة قائلًا:
_الكيكة دي عما’يل “نـسمة” حطالك فنا’بك أكتر مِن نا’بي، بتفـ ـضلك عنّي شوفت الوا’طينا وصلت لفين، أقولها أنا جوزك تقولي وإيه يعني وهو أخويا الصغير.
ضحك “جـاد” على حديثه وأخذ الصحن مِنهُ واضعًا إياه على الطاولة أمامه قائلًا:
_واللهِ “نـسمة” دي فعلًا أسم على مسمىٰ، حنينة أوي.
_د’افع عنها يا خويا د’افع، أنا عايز اللي ييجي يد’افع عنّي بقى دلوقتي عشان شكلي بقى ز’فت أوي.
هكذا جاوبه “مـؤمن” بوجهٍ مبتسم ممازحًا إياه ليضحك “جـاد” في المقابل على حديث أخيه ضحكاتٍ خـ ـفيفة ليجاوبه بنبرةٍ هادئة لا تخـ ـلو مِن المكـ ـر قائلًا:
_شوفت مرات الأخ الحـ ـنينة، شكلك يا عيني بقى و’حش أوي قدامي بس هنقول إيه بقى … أرزاق.
_حا’سس إنك بتسـ ـخني مِن تحـ ـت لتحـ ـت، أنا عارف الحركات السو’سة دي يا’ض قول وأعتر’ف.
هكذا جاوبه “مـؤمن” وهو ير’ميه بنظراتٍ خـ ـبيثة بعدما أغـ ـلق جـ ـفنيه نصف غـ ـلقة ليأتيه مِن جديد قهقهات أخيه الهادئة تليها حديثه حينما قال بنبرةٍ ضاحكة:
_كُلّ يا “مـؤمن” ووحد الله، مكانتش حِتة زيادة يا عم في إيه.
_أيوه كدا فُـ ـك يا عم وحشتني ضحكتك.
هكذا جاوبه “مـؤمن” مشا’كسًا إياه ثم ضر’به برفقٍ بذراعه على ذراعه لينظر إليهِ “جـاد” مبتسم الوجه ثم يبدأ بمشاركته الحديث عن الكثير والكثير مِن الأعمال الها’مة والغير ها’مة ليندمجا سويًا في الحديث مع بعضهما البعض وفي الخا’رج أصوات تسا’قط الأمطار على سطـ ـح الأر’ض هو مَن يُسمع، أجواءٌ يعشـ ـقها القلـ ـب وتسعد برؤيتها العيـ ـن وتُر’يح الرو’ح وتُد’اوي الجر’وح فأنا وأنتَ وفنجانين مِن الشاي بالحـ ـليب وكعكة طا’زجة وكفىٰ.
_______________________
<“غـ ـريقٌ بين أمو’اج البحـ ـر الغا’درة،
شـ ـريدٌ بين المو’ج والمـ ـد لا يعلم كيف ينـ ـجو.”>
في ليلةٍ كان كما الغـ ـريقُ العا’لق بين شتا’تين مِن أمره، مو’ج البحـ ـر والمـ ـد لا يعلم كيف ينجـ ـو وماذا عليهِ أن يفعل، كما العا’صي الذي كلما حاول التو’بة وتكفـ ـير ذ’نوبه وعد’م أقتر’ابه مِن المعـ ـصية في ليلةٍ وضـ ـحاها يكون مر’تكبًا نفس المعـ ـصية، ولسذ’اجتهِ تر’ك الجميع يتحـ ـكم بهِ كيفما يشاءون وكأنه دُ’ميةٌ بين أيدي البشـ ـر يتحكـ ـمون بها كيفما يشا’ءون وبدون أن يُخبرهم أحدهم ماذا يفعلون؟.
اليوم هو يومٌ يحـ ـيا بهِ المرء بعد غـ ـرقٍ دام لوقتٍ طو’يلٍ، عاد إلى الحياة حُـ ـرًا كما كان كالأسـ ـيرِ العا’لق في معـ ـتقله لسنواتٍ وسنوات حتى غـ ـلبه الكِـ ـبَر ووجد نفـ ـسه في ليلةٍ وضـ ـحاها في مرحلة الشيخـ ـوخة حينما أكتسـ ـى اللو’ن الأبيـ ـض خصلاته التي كانت في الأمس سو’د’اء كالسو’اد الحا’لك الذي مِن الصـ ـعب تلطيـ ـخه بسهولة..
وبعد مرور الأعوام الكثيـ ـرة على هذا الأسـ ـير جاء يوم التحـ ـرير حيثُ أصبح حُـ ـر نفـ ـسه يركض ويضحك ويسعد ويفعل ما كان يصـ ـعُب عليهِ فعله في المعتـ ـقل، نظر حوله بأعيـ ـنٍ تملؤ’ها الشغـ ـف والسعادة، عينـ ـين تنطـ ـقان بالسعادة والفرح وفي نفس الوقت الخو’ف يُغلـ ـفها مِمَّ هو مقبـ ـلٌ عليهِ، صف “حـليم” سيارته أسفـ ـل البِنْاية في الحارة ثم قام بإيقا’ف دو’رانها ليترجل بعدها بهدوءٍ مِنها مرتديًا ملابس شتوية ثقـ ـيلة ليبدأ بالظهور في كامل أنا’قته..
أغـ ـلق السيارة بإحكا’مٍ ثم ألتفت خـ ـلفه وبدأ يشاهد المكان مِن حوله لأول مرة في حيا’ته يرى هذه المشاهد ويشعر بهذا الد’فئ الذي أفتقـ ـده كثيرًا في الآونة الأ’خيرة، نظر إلى إحدى البِنْايات التي كانت بها شقةٌ تخص عمته والتي حتى الآن لا يعلم عنها شيئًا، ذهب إلى هذه البِنْاية بخطى هادئة وثا’بتة حتى وصل إليها ووقف ينظر لها بتمـ ـعنٍ وقد بدأ الخو’ف يتمَّـ ـلك مِنهُ مِن جديد حينما رأى أنهُ مُقبـ ـلٌ على أهـ ـم خطواته..
ولَكِنّ لا دا’عي للخو’ف فهو مثلهم تمامًا، كان ضحـ ـيةٌ لأبيه ولَكِنّ لا أحد يعلم هذا الشيء سوى أخيه ووالدته فقط وبعد أن ولج في مناقشةٍ طو’يلة مع أخيه أستـ ـقر الأمر في الأ’خير على ذ’هابه و’حيدًا وإصلا’ح ما تم كسـ ـره وعودة تو’حيد العلا’قات مِن جديد، وقـ ـف أمام باب الشقة وهو يشعر بالخو’ف والتو’تر الشـ ـديد فحتى هذه اللحظة هو ليس مستعدًا لأي شيءٍ أن يحدث خار’ج معتقـ ـداته..
ولَكِنّ في الأ’خير طرق على الباب عدة طَرقاتٍ هادئة ووقف ينتظر صاحب المكان كي يفتـ ـح لهُ الباب على أمـ ـلٍ أن يستقبلهُ بترحابٍ وحُبٍّ كبيـ ـر وحنانٌ لا مثيـ ـل لهُ، لحظات بالفعل وفُتِـ ـحَ الباب مِن قِبَل “هـناء” التي كانت قريبة مِن الباب لتتفا’جئ بوجود “حـليم” أمامها بعد مرور هذه السنوات العديدة عاد اليوم مِن جديد ليس بوجهٍ خبيـ ـث مثلما أعتادت عليهِ، بل بوجهٍ بشو’ش مـ ـليءٍ بالخير والرا’حة يطلب الر’ضا مِن أقرب الأقر’بين لهُ..
حا’لةٌ مِن الصد’مة والذ’هول تلـ ـبست “هـناء” التي كانت لا تصدق ما تراه فمجيئه جعلها مذ’هولة وبشـ ـدة ففي حياتها لَم تتو’قع عودته مِن جديد أو محاولته في التحدث فمنذ آخر مرة وظنت أن كل شيءٍ قد أنتـ ـهى، ولَكِنّ الآن لا شيءٍ قد أنتـ ـهى بل العلا’قات عادت للاستمرارية، أبتـ ـلع هو غصته بتروٍ بعد أن أصا’به الخو’ف والتو’تر مِن ردّ الفعـ ـل النا’بع مِنها الآن وتحدث بنبرةٍ متو’ترة قائلًا:
_أزيك يا عمتي، جيت أتطـ ـمن عليكِ وأقعد معاكِ شوية ونتكلم … لو مش هتما’نعي يعني.
في الحـ ـقيقة كانت متفا’جئة ولا تصدق ما تراه، أهو عاد بالفعـ ـل أم أنها تتخيـ ـل لا أكثر مِن ذلك؟ ولَكِنّ رأت خا’ئفًا ومتو’ترًا مِن جوابها، يبدو عليه التغيـ ـير الجذ’ري الذي حد’ث إليهِ طوال تلك السنوات التي مضت، رأت “حـليم” آخر غير الذي أعتادت على رؤيتهِ تمامًا، صدق مَن قال في قد’يم الأ’زل أن الزمان يُغيـ ـر كل شيء حتى الإنسان يتغيَّـ ـر مع مرور الوقت، رأى عد’م الردّ مِنها كما تو’قع ولذلك أبتسم بخـ ـفةٍ وبدأ يعود إلى الخلـ ـف بخطى هادئة قائلًا:
_آسف يا عمتي لو أز’عجتك، أنا بس كُنْت عايز أتطـ ـمن عليكِ مش أكتر مَكُنْتش عارف إنك هتضا’يقي كدا.
منـ ـعته حينما أمسكت بر’سغه تمـ ـنعه مِن الذهاب وهي تنظر لهُ وكأنها تخبره أن الأ’مر ليس هكذا بل هي فقط مصد’ومةٌ مِن مجيئه دون أن تتـ ـلقىٰ خبـ ـرًا، نظر لها بمُقلتين ملتـ ـمعتين بالعبرات لتقوم هي بفصـ ـل المسافةِ بينهما وضمها لهُ إلى أحضانها تستقبله بحفا’وةٍ وحُبّ، أما عنهُ فقد شعر بالعديد مِن المشاعر المتضا’ربة ولَكِنّ لَم يستطع حر’مان نفسه مِن هذا الشعور وضمها كذلك بكلا ذراعيه يحظى بهذه اللحظات بقربها مثلما كان معتادًا منذ الصغر..
سقـ ـطت عبراته على صفحة وجهه وهو يشعر بالحما’قة حينما أستمع إلى أبيه وتر’كه يتحـ ـكم بهِ مثلما يريد هو، كانت غـ ـلطةٌ شنـ ـعاء أرتـ ـكبها واليوم يحاول تصـ ـحيحها قدر ما أستطاع ويبدو أن البداية خضـ ـراء، أبتعـ ـدت عنهُ تنظر إليهِ قائلة:
_أتغيَّـ ـرت خالص يا “حـليم” أنا معرفتكش، لولا إنك أتكلمت وقولتلي عمتي أنا مَكُنْتش هعرفك.
أبتسم “حـليم” بسمةٌ هادئة ليقول بنبرةٍ هادئة:
_وحشتيني أوي يا عمتي، كُنْت خا’يف أوي تكوني مش قا’بلاني خصوصًا بعد اللي حصل آ’خر مرة، بس صدقيني أنا مظلـ ـوم وضحـ ـية.
أمسكت بكفه بوجهٍ مبتسم وقالت بنبرةٍ هادئة:
_ميصحش الكلام على الباب، تعالى أدخل عشان نتكلم مع بعض.
ولج بالفعـ ـل معها دون أن يُعا’رضها ليولج إلى شقتها مِن جديد بعد سنواتٍ عديدة، جلس معها وبدأ يشر’ح لها ما حد’ث بالتفصـ ـيل الممـ ـل دون أن يُخـ ـبئ عنها شيئًا وهي كانت تستمع إليهِ دون أن تقا’طعه وهي بالحـ ـق مصد’ومة لا تصد’ق أي شيءٍ مِمَّ يُقال فبالتأكـ ـيد هو يمزح، أبعد هذه السنوات العديدة كان أخيها بهذه البشا’عة وهي لا ترى هذا؟.
_صدقيني يا عمتي أنا مظـ ـلوم زيي زيكم وضـ ـحية لأبويا، أنا واللهِ ما ليا ذ’نب، دا’سني يا عمتي ود’بـ ـحني حـ ـي، د’بـ ـحني ومهمـ ـهوش حد.
عادت تضمه مِن جديد بعد أن أستمعت إلى حديثه المؤ’لم ذاك وقلبها ينشـ ـطر إلى نصـ ـفين بعد أن تَلَـ ـقت هذه الكلمات القا’سية، سارت بكفها على رأسه بحنوٍ وبالكف الآ’خر سارت على ظهره تمسّد عليهِ بحنوٍ لتشعر بهِ يضمها بقو’ةٍ وكأنه يشـ ـكو لها وينـ ـقل لها جميع ما يكمن دا’خل قلبه مِن أوجا’عٍ وآلا’مٍ غير محد’ودة..
خر’ج “بـشير” مِن غرفته ليقف مكانه يرى هذا المشهد الذي آ’لمه كثيرًا وجعله يقف مكانه يُتابع بقـ ـلبٍ مكسـ ـور، كيف لا وهو يفتـ ـقر هذا الشعور الذي ظل سنواتٍ وسنوات يبحث عنهُ دون أن يحظىٰ بهِ، يرى قهـ ـر “حـليم” الذي كان يبكي دا’خل أحضانها دو’ن تو’قف وكأنها أعطت لهُ الإشارة الخضـ ـراء كي يظل يبكي ويبكي دون تو’قف حتى يشعر في الأ’خير بالراحة ويطـ ـيب قلـ ـبه تمامًا..
لثمت “هـناء” رأسه بحنوٍ وربتت على ظهرهِ برفقٍ قائلة:
_ولا يهـ ـمك يا حبيبي أنا معاك وهو ربنا ينتـ ـقم مِنُه، حسبي الله ونعم الوكيل فيه ١٠٠٠ مرة، متخا’فش ولا’دي قلـ ـبهم طيب وهيسا’محوك أنا عارفاهم ولو على “يـوسف” هيسا’محك أنا عارفاه دا يُعـ ـتبر تر’بيتي.
خر’ج “حـليم” مِن أحضانها وهو يُز’يل عبراته عن صفحة وجهه بكـ ـفيه، نظرت “هـناء” إلى “بـشير” الذي كان واقفًا ينظر إليهما بعينين دامعتين لتفهم شعوره في هذه اللحظة كيف يكون، نظر إليهِ “حـليم” متعجبًا مِن تواجده ليسمع “هـناء” تقول بنبرةٍ هادئة مبتسمة الوجه تقوم بتعريفهما على بعضهما البعض:
_أعرفكم على بعض، “بـشير” دا “حـليم” ابن اخويا الصغير، ودا “بـشير” يا “حـليم” يبقى ابن جوزي.
أسَمِعَ أحدهم صوت إنكسا’ر قـ ـلبها حينما نطقت بكلماتها الأ’خيرة؟ نظرا لها كلاهما كلٌ مِنهما بشعورٍ مختـ ـلف، فـ “حـليم” كان مصد’ومًا مِمَّ سَمِعَهُ و “بـشير” حز’ينًا ومتأ’لمًا لها فهو يعلم تمامًا هذا الشعور جيدًا ويعلم كيف تشعر الآن، أقترب مِنها بخطىٰ هادئة حتى جاورها في جلستها ليقوم بلثم رأسها قْبّلة حنونة ثم نظر إليها وقال بنبرةٍ هادئة ونبرةٍ يظهر بها الحز’ن:
_أنا أبـ ـنك أنتِ مش إبـ ـن حد تاني، أنا إبـ ـن “هـناء الأسيوطي” مسمهاش إبـ ـن جوزي دي بتجر’حني أوي وأنتِ مش وا’خدة بالك، آه أنا مش مِن لحـ ـمك ود’مك بس في مشاعر وفطـ ـرة بتخلينا قرايب غصـ ـب عن عيـ ـن أي حد حتى لو مش بالد’م، لمَ تيجي تعرفيني على حد تاني قولي دا “بـشير” أبـ ـني وميهمـ ـكيش وقتها كلام الناس محدش لِيه أحـ ـقية غيرك أنتِ وبس، أتفقنا يا سـ ـت الكُل؟.
نظرت إليهِ حينها بوجهٍ باكِ وعبراتها تسـ ـيل على صفحة وجهها دون أن تتحدث فقد كانت الطر’ف المستمع في هذا المجلس وهذه اللحظة، أبتسمت لهُ وقامت بمحاوطة شطـ ـر وجهه بكفها الأ’يمن لينظر هو إليها بعينين يكـ ـتسيها الحز’ن لتقوم بمعانقته إلى د’فئ أحضانها ممسّـ ـدةً على ظهره بحنوٍ لتُجيبه بنبرةٍ باكية قائلة:
_أنتَ أبـ ـني غصـ ـب عن عيـ ـن أي حد، ميهمـ ـناش كلام الناس.
أبتسم هو وربت على ذراعها بحنوٍ دون أن يتحدث ليبـ ـتعد بعدها عنها وينظر إلى “حـليم” ما’ددًا كفه إليهِ بوجهٍ مبتسم قائلًا:
_أزيك يا “حـليم” أنا أخو “بيلا”.
أبتسم لهُ “حـليم” ومـ ـدّ كفه هو الآ’خر معا’نقًا كف الآ’خر قائلًا بنبرةٍ هادئة:
_أتشـ ـرفت بمعرفتك يا “بـيشو”.
_الشـ ـرف ليا.
_طب يلا بقى عشان البـ ـت على وصول الوقت بيجـ ـري قوم أجهـ ـز.
هكذا أردفت “هـناء” بنبرةٍ جا’دة وهي تنظر إلى “بـشير” الذي أبتسم وقال:
_أجهـ ـز ليه ما كدا حلو.
_قوم يا “بـشير” أجهـ ـز مش هقولها تاني.
أبتسم “بـشير” ولثم وجنتها قْبّلة حنونة ثم قال بنبرةٍ ضاحكة:
_خلاص يا سـ ـت الكل هقوم بلاش القَـ ـلبة دي أنا طيب.
نهضت “هـناء” وأتجهت إلى المطبخ قائلة:
_بسرعة ومتتأ’خرش فأي وقت هتكون هنا.
نظر “حـليم” إلى “بـشير” بوجهٍ مبتسم ليسأله قائلًا بنبرةٍ هادئة:
_هو أنتَ مستني حد مهـ ـم ولا إيه؟.
_آه، حد كدا يعني.
هكذا ردّ عليهِ “بـشير” بوجهٍ مبتسم وبعض الخجـ ـل لير’مقه “حـليم” نظرةٍ ذات معنى قليلًا ثم قال بنبرةٍ ما’كرة:
_قول الموضوع في وا’حدة على طول.
_يا عم لا مش كدا، هي جاية زيارة عادي مش حو’ار بس “هـنون” مكبـ ـرة الموضوع شوية.
جاء صوتها عا’ليًا مِن المطبخ بتحذ’يرٍ لينهض هو سر’يعًا متجهًا إلى غرفته بخطى سر’يعة قائلًا بنبرةٍ عا’لية:
_فالأوضة واللهِ إيه الظُـ ـلم دا يا ربي !!.
ضحك “حـليم” على أفعا/ل هذا الشا’ب البشو’ش الذي عندما رآه شعر بالر’احة تجاهه، أ’خرج هاتفه وبدأ يعـ ـبث بهِ بهدوءٍ دون أن يتحدث ليقوم بكتابة بعض الكلمات البسيطة إلى أخيه يطمئـ ـنه أن الأ’مور تسير بخيرٍ وتبدو البداية جيدة وبشـ ـدة لتنذ’رهُ بأن القادم أفضل بكثير.
__________________________
<“في بعض اللحظات المجـ ـنونة،
نأخذ قراراتٍ متهو’رة تُغـ ـير كل شيءٍ.”>
في بلد الألونان الوا’هجة، بلد الد’يانات المتعددة واللكـ ـنات المختـ ـلفة والثقا’فات الكثيرة، في البلد التي تحظى بالحُبّ الشـ ـديد مِن الجميع، بلد البهـ ـجة والإنبها’ر، يُقا’م حفلٌ كبيـ ـر لطا’ئفة مِن الطوا’ئف المتعـ ـددة وتحديدًا لد’يانةٍ هي الأكثر شيو’عًا شوا’رع البلدة وضو’احيها، هذا الد’يانة تكاد تكون تحظى بإستحو’اذٍ كبيـ ـر بها حتى تكاد تكون تخـ ـطت الد’يانتين الشا’ئعتين في جميع أنحاء العا’لم..
يبلـ ـغ عدد الذين يغتنـ ـمون الد’يانة الهنـ ـدوسية ٨٠% لتصبح أكثر الد’يانات شيو’عًا في الهنـ ـد وتليها الإسلا’م الذي يغتنـ ـمه ١٤% ويليه المسيـ ـحية ٢% وبقية الد’يانات تكون ١%، لا أحد يعلم ما سـ ـر أنتشا’ر هذه الد’يانة في الهنـ ـد فحينما تسأل أحدهم يُخبركَ العديد مِن القصص الغير وا’قعية فحينها تشعر وكأنك مغيـ ـبٌ عن الوا’قع تستمع إلى القصص الأسطو’رية كما يتم سـ ـرد الأفلام الكرتونية للأطفال الصغار عبر الرسوم المتحر’كة..
اليوم هو يوم عيدٍ لدى الهنـ ـدوس يُسمىٰ _عيد الد’يوالي” مقسـ ـمٌ على مراحل عدة ففيه يجهزون أشياء كثيرة كعطو’ر وزينة وحلويات وغيرها لاستعدادهم بالأحتفال في صبيحة اليوم، تعا’لت أصوات القـ ـرع على الطبول فهذه هي الآ’لة الموسيقية الشهيرة لدى الهنـ ـود في كل شيءٍ ومعها أنتـ ـشرت الألو’ان في الهو’اء وبدأ الجميع يحتفلون بالرقص والسعادة تغمـ ـر القلوب..
كانت وسط الجميع تبتسم وتحاول التأ’قلم على الأجواء في و’حدتها ففي ليلةٍ وضـ ـحاها تر’كها الحبيب ور’حل دون مقدماتٍ وأصبح الفـ ـراق قا’تلًا والوحد’ة مهـ ـلكة، الحز’ن يحتضن عينـ ـيها ونظراتها لدى الجميع والقـ ـلبُ يتأ’لم، تتذكر في العيد الماضي كان هو برفقتها يحتفلان سويًا ويمرحان ها قد جاء العيد وغا’درنا الحبيب، وقفت بعيـ ـدًا تشاهد الجميع دون أن تشارك في الاحتفال هذا العام فهي مازالت لَم تُشـ ـفىٰ بعد مِن الماضي حتى تعتاد على الحاضر..
الجميع يدندنون ويرقصون ويسعدون وهي و’حيدة بين الجميع كالمنبو’ذ وسط حشـ ـدٍ كبيـ ـرٍ مِن البشـ ـر كل ما يفعلونه هو التبا’هي بمظا’هرهم الخا’رجية وإن كان أحدٍ غيرهم ليس مثلهم يمقتو’نه ويفـ ـرون مِنهُ هر’بًا، ها هي اليوم تعود لمعا’نقة وحـ ـدتها والتر’حاب بها بحفا’وةٍ شـ ـديدة بعد غيا’ب سنواتٍ قـ ـلة عادت لها مِن جديد تلاز’مها وهي لا تعلم إن كانت ستود’عها عمَّ قريبٍ أم لا..
وعلى الجهة الأخرى..
وصل هو منتو’يًا على تنفـ ـيذ ما خـ ـطط إليهِ غير سا’محٍ لأحدٍ غيره بإمتلا’كها فبعد أن طا’وع فكره ونفسه وحـ ـررها مِن قيو’ده واقـ ـنع نفسه بأ’كاذيبٍ و’همية مثل أنه لا يستطيع العيـ ـش بدونها اليوم أكتـ ـشف أنه كان على خـ ـطأٍ كبيـ ـر وأنه بد’ونها لا يستطيع العيـ ـش ولو لحظةٍ واحدة ولذلك عز’م على إعادتها وتعو’يضها عن ما سـ ـببه لها مِن أوجا’عٍ وآلا’مٍ وجرا’حٍ غا’ئرة..
وبالقرب مِنهُ كانت “سـيهار” تبحث عنهُ والخو’ف يأ’كلها حـ ـية فهي تعلم جـ ـنون أخيها وتعلم كيف تكون طباعه وماذا يريد وماذا يخـ ـطط وكيف سيفعل كل هذا، كان يرافقها “أبـهي” وكذلك “ريـشي” وصديقهم الجديد الذي بات يُلا’زمهم مؤ’خرًا “راهـول” يبحثون عنهُ بخو’فٍ مِن تنفـ ـيذ ما يسـ ـعىٰ لهُ منذ وقتٍ قريب..
يعلم أين تتواجد كيف لا وهي كالكتاب المفتو’ح بالنسبةِ إليهِ يعلم ما تُفكر بهِ وما تريده وما يُسعدها وما يُحز’نها، وصل إلى و’جهتها ليراها أمامه فا’تنة وسا’حرة مثلما أعتاد رؤيتها، فلا يتذكر أن تكون مرّت لحظةٌ ولَم تكُن جميلةٌ بها ولَكِنّ غـ ـروره وتكبـ ـره وكبـ ـرياءه حينها منـ ـعوه مِن أفصا’ح حُبّه لها وحينما فقـ ـدها عَلِمَ أنها ليست بالشيء الهـ ـين وهو بد’ونها ليس هو “رانـڤير” فقد أشتا’ق إلى عناقها الد’افئ الحنون وأشتا’ق إلى سماع نبرة صوتها الر’قيقة النا’عمة، أشتا’ق إليها وبشـ ـدة بحـ ـقٍ..
تعا’لت أصوات قر’ع الطبو’ل وأز’داد اللو’ن الأحمـ ـر في أجواء المكان مِن حولهما ليبدأ هو بالأقتراب مِنها بخطى هادئة مِن الخـ ـلف دون أن تشعر هي بهِ أو تنـ ـتبه إليهِ وهو ينتو’ي على تنفـ ـيذ ما يُريد فيكفي فـ ـراقٌ حتى هذا الوقت لن يتحمـ ـل أكثر مِن ذلك حقًا، وقف خـ ـلفها ومدّ كفه نحو الصحن المعد’ني الذ’هبي الذي يعـ ـتليه لو’نٌ أحمـ ـر يُسمىٰ _الزعفران_ تقوم المـ ـرأة المتزوجة بو’ضعه على مقدمة فرو’ة رأ’سها حتى يستطيع الجميع تمييزها أنها متزوجة..
ملـ ـئ كفه بهِ وهو ينظر لها مِن ظهرها فقد أتخـ ـذ قـ ـراره ولَن يترا’جع بهِ، سيعود لإمتلا’كها مِن جديد يريدها زوجته وحبيبته فلَن تكون لأحدٍ غيره هو مثلما كانا في السابق، وقبل أن يُلـ ـفت أنتبا’هها رآها تستد’ير خـ ـلفها تراه أمامها بعد أن أنذ’رها قلبها بوجوده حولها وبالقربِ مِنها، كيف لا تشعر بوجوده وقلبها خيرُ د’ليلٍ على ذلك ففو’ر أن بدأت نبـ ـضات القلب تعلـ ـو عَلِمَت بوجود الحبيب هُنا حولها..
_”رانـڤير !!”.
هكذا أردفت بأسمه وهي تنظر لهُ متعجبةً لا تُصد’ق بأنه أمامها، الوقت توقف بهما في هذه اللحظة النا’درة والتي مِن الصـ ـعب حد’وثها كثيرًا خـ ـصيصًا مع “رانـڤير”، ألتمـ ـعت العبرات دا’خل مُقلتيها وهي تتأ’مله بعد’م تصديق وهو ينظر لها نظراتٍ غير مفهو’مة ولَكِنّ في وسط هذا الز’حام دا’خل مُقلتيه رأت الحُبّ أخيرًا يشـ ـق طريقه ويبدأ في الظهور يُنـ ـبئها بما هو قادمٌ مِن تغـ ـييرٍ جذ’ري قد حد’ث لهُ في الحياة قام ببعثـ ـرة ثبا’ته ذاك وأطا’ح بهِ بعيـ ـدًا..
لَم يتحدث بحرفٍ واحدٍ بل ردّ عليها بفعـ ـلٍ واحدٍ بعثـ ـر كل ما بد’اخلها وجعلها تصا’ب بالذ’هول الشـ ـديد حتى أن عقـ ـلها قد تو’قف عن العمل بعد فعـ ـلته تلك، ر’فع كفه الملـ ـيء بالزعفران ومـ ـسح بهِ على رأ’سها ليكتـ ـسي اللون الأحمـ ـر رأ’سها بالكامل مِن الأمام يُعـ ـلن بفـ ـعلته تلك عن عودة أمتلا’كه لها وعد’م السما’ح لغيـ ـره بالأقتر’اب مِنها مهما حد’ث..
الصد’مة كانت حلـ ـيفتها والذهول مرافقًا لها، لا تُصدق ما فعـ ـله “رانـڤير” معها وكيف أتخذ قـ ـرارًا كهذا مِن جديد بعد أن كان يريد الإنفـ ـصال عنها وتر’كها تعيـ ـش حُـ ـرة، لا تعلم ماذا حد’ث لهُ وكيف تم تحو’يله بهذه السر’عة فتتو’قع مِنهُ أي شيءٍ عدا هذا الفـ ـعل الذي كان مِن رابع المستحـ ـيلات أن يحد’ث، سقـ ـطت عبراتها على صفحة وجهها وهي تنظر إليهِ دون أن تتحدث فصد’متها تبدو وكأنها أفقـ ـدتها النطـ ـق، أبالفـ ـعل عاد الحبيب الذي كان يجاور حبيبه أمسٌ بعد أن أشـ ـرقت شمسُ الفـ ـراق؟.
كانت “سـيهار” تقف بالقرب مِنهما وهي تشاهد ما يحدث دون أن تتحدث فبعد أن أخبرته بأن هناك أحدٍ آخر يريد الزواج مِنها جُـ ـنّ جـ ـنونه فجأ’ة وأصبح يُحـ ـطم كل شيءٍ حوله ويصر’خ بهم وأصبح حينها كما الثو’ر الها’ئج في ميد’انه فو’ر أن رأى الو’شاح الأحمـ ـر ير’فرف في الهواء يوَّد إثا’رة غـ ـضبه بأيا طريقة مهما كانت..
تأ’ثرت لأجلها فهي تعلم أن أخيها قد أتعـ ـبها كثيرًا وقام بتحـ ـطيم قـ ـلبها العديد مِن المرات ولَكِنّ ليس في كل مرة يُجـ ـبر المرء على تحمُّـ ـل هذا التصر’ف الهو’جائي فالإنسان لديه طا’قته المحـ ـددة إن نفـ ـذت فلَن يستطيع التحمّـ ـل كثيرًا وسيفقـ ـد هدوءه، ورغم ما حد’ث بينهما وكيف أنتـ ـهت هذه العلا’قة في الأ’خير لمـ ـعت المُقلُ مرةٍ أخرىٰ وظهرت نظرة الحُبّ والشو’ق مِن جديد تخبران الحبيب كم الشو’ق يتأ’كله وكم مِن الحز’ن تحمّـ ـل في غيا’به وكأنه يُعا’تبه على مها’جرته والتخـ ـلي عنهُ..
لَم يتحمّـ ـل هو نظرتها هذه المرة ليُبا’در ويقوم بمعانقتها بقو’ةٍ إلى د’فئ أحضانه يريد عودة الشعور بقيـ ـمة هذا العناق الذي سعـ ـىٰ في إحتو’ائه وهو كان طيـ ـلة الوقت ينفـ ـر مِنهُ، الآن وبعد هذا الوقت الكبير يريد أن ينـ ـعم بهِ ويشعر بد’فئه وأحتو’ائه الذي بغبا’ئه قد خسـ ـره وكان أن يكون لآخرٍ غيره، أحبها وبعد أن تخلـ ـىٰ عن غـ ـروره وكبـ ـرياءه أكتشـ ـف أنها على مشا’رف الزواج بأ’خرٍ غيره ليُسا’رع هو ويذهب لإعادته لهُ والو’قوف لأي واحدٍ ير’يدها بالمر’صاد..
في هذه اللحظة مَن سيـ ـطرت على أفعا’لها هي مشاعرها وعاطفتها، فهي مازالت تُحبّه كانت تر’فض الجميع مِن بعده وهي تريد العـ ـيش على ذِ’كراه، ضمته بعد أن غـ ـلبتها عا’طفتها مشـ ـددةً مِن عناقها لهُ بقو’ة وعادت عبراتها تتسا’قط على صفحة وجهها وهي لا تصدق أن هذه اللحظة التي تمَّنت أن يُعانقها بها قد جاءت فهذه بالنسبةِ إليها معجـ ـزةٌ كبيرة، شعرت بهِ يُشـ ـدد مِن عناقه لها ثم سَمِعَتْهُ يهمـ ـس لها بجوار أذنها بنبرةٍ هادئة قائلًا:
_أشتـ ـقتُ لكِ كثيرًا يا فتا’ة، كيف لكِ أن تتر’كيني هكذا وتذهبين إلى رَ’جُلٍ آخر غيري ألهذه الدرجة لَم تعودي تهتـ ـمين بي ونسيتِ سر’يعًا حُبّنا، أنا لَم أنساكِ منذ أن تر’كتكِ عُدتُ أشعر بالو’حدة حينما ذهبتِ، أنا لا أستطيع التخـ ـلي عنكِ مهما حد’ث، أُحبّكِ بشـ ـدة يا “فـيرولا”.
تخـ ـلىٰ أخيرًا عن غـ ـروره وكبـ ـرياءه وشعر بقيـ ـمتها الكبيـ ـرة التي لَم يشعر بها حينما كانت ترافقه، تذكر كيف كان زفافهما المرة الماضية وكيف عاملها وألقـ ـىٰ على مسا’معها الكلمات اللا’ذعة القا’سية وكيف جعلها تبكِ بأ’قل كلمة وفعـ ـلٍ صغير، هذه المرة تعهـ ـد لنفسه على إصلا’ح الماضي وتعو’يضها مهما كـ ـلفه الأمر، شعر بها تبتـ ـعد ليمنـ ـعها سريعًا ثم يعا’ود الهـ ـمس لها قائلًا:
_لا تبتـ ـعدي عنّي يا “فـيرولا” مرةٍ أخرىٰ، أنا أحتا’جكِ بجانبي أُريد تعو’يضكِ عمَّ بَدَ’رَ مِني في السابق، أُريد أن نُعيد الماضي بطريقةٍ أخرىٰ جديدة، أُريدكِ أن تكوني رفقتي وحبيبتي ونبدأ سويًا صفحة جديدة بيـ ـضاء، عندما أبتعـ ـدتُ عنكِ “فـيرولا” شعرتُ بالفـ ـراغ يملـ ـئ حياتي، كُنْتِ تهتـ ـمين بي وتعتـ ـني بي حينما أمر’ض ولا يغـ ـلف جفـ ـنٌ لكِ، عودي لي حبيبتي أنا أمو’ت كل يوم بد’ونك.
ولأنها طيبة القـ ـلب وحنو’نة وعا’طفية تأ’ثرت بحديثه وشعرت بالضـ ـعف يجتا’حها مِن جديد، قلـ ـبها أحبُّه بل عشـ ـقه وهيـ ـمن بهِ كيف لهُ أن يقـ ـسو عليهِ، وهُنا جاء دور العقـ ـل يُنذ’رها ويجعلها تفـ ـيق مِن حالة الهيـ ـام التي تعيـ ـشها تلك يصفـ ـعها وبشـ ـدة على صفحة وجهها يُعـ ـنفها ويُذكرها كيف أنتـ ـهت علا’قتهما وكيف قام بإها’نتها حينها، لاحظت “سـيهار” تحو’لها الجذ’ري ذاك لتراها تد’فعها بعنـ ـفٍ بعيـ ـدًا عنها وهي تر’ميه بنظراتٍ كالسهـ ـام الحا’دة التي تختر’ق صد’ر العد’و دو’ن ر’حمة أو شـ ـفقة..
فيما لا’حظ هو تحولها ذاك ورأى في هذه اللحظة “فـيرولا” أخرىٰ أمامه غير تلك التي يعرفها، رأى أخرىٰ شـ ـرسة لَم تتأ’ثر بهِ وبهمسا’ته المُسـ ـكرة ولا بأحضانه الدا’فئة الحنو’نة، ذُ’هِلَ مِن هذا التحو’ل الجذ’ري ليعلم أنها مازالت متأ’ثرة بأخر مو’قفٍ بينهما فحينها هو ألقـ ـىٰ على مسا’معها كلماتٍ سا’مة لا يتحـ ـملها بشـ ـريٍ قط كيف يتو’قع أنها ستتـ ـحمله وتستمر معهُ دون أن تتأ’ثر؟.
_”فـيرولا” أهـ ـدأي حبيبتي، ها أنا قد جئتُ اليوم لأُخبركِ أنني أُريد أن أعود إليكِ مرةٍ أخرىٰ، أشتـ ـقتُ إليكِ وعلمتُ أنني قد خسـ ـرتُ جو’هرة نا’درة مِن الصعـ ـب إمتلا’كها، أغفـ ـري لي وعودي لي أنا أحتا’جُكِ وبشـ ـدة صدقيني لا أستطيع التخـ ـلي عنكِ مهما حد’ث، أرجوكِ.
لأول مرة “رانـڤير سينغ” ير’جو أحدٌ في حياته، يتر’جاها أن تغفـ ـر لهُ وتعود إليهِ فهذا هو المرء دومًا لا يُد’رك قيـ ـمة مَن معهُ إلا بعد أن يصحو مِن غفـ ـوتهِ ويُد’رك أنهُ قد خسـ ـره بالفعل لا شـ ـك في ذلك، واليوم أستفا’ق الفـ ـتىٰ وهر’ع يدعو الحبيب للعودة ومد’اواة قلبٍ عاشـ ـقٍ لا يريد شيئًا سواه، نظرت إليهِ “فـيرولا” نظراتٍ حا’دة لتقول بنبرةٍ حا’دة:
_حقًا يا “رانـڤير”؟ أتظن أن الوضع هذا بمنتهىٰ البسا’طة سوف ينتـ ـهي بكلمتين حنونتين وعناقٌ دا’فئ؟ كان هذا في الماضي حينما كُنْتُ أر’جو مِنك نظرةٍ حنونة أو كلمة لطيفة تُشعرني بحُبك لي أو تُشعرني أنني أنثـ ـى مفـ ـعمة أحـ ـظى ولو بجزءٍ صغير دا’خل قلبك … ولَكِنّ ماذا فعلت أنت في المقابل؟ قمت بإها’نتي العديد مِن المرات وتلـ ـقيتُ كلماتٍ لاذ’عة تسُـ ـم الآذان، أبكيتني كثيرًا وعاملتني وكأني حشـ ـرة وليست بشـ ـرية، تحد’يتُ العا’لم بأ’سره ورغم كل هذه الخلا’فات التي كانت بيننا كُنْتُ لا أقوم بتوضيح ذلك، لقد كسـ ـرتني يا “رانـڤير” كسـ ـرتني، بدأتُ أكر’هك، أتسمعني !! عُد مِن حيثُ جئت !!.
أنهـ ـت حديثها صا’رخةً بهِ ثم أستد’ارت إلى الجهة الأخرىٰ وهي تتنفـ ـس بسرعةٍ فا’ئقة وعبراتها تتسا’قط على صفحة وجهها أ’لمًا وحز’نًا، أما هو كان يقـ ـف مكانه ينظر لها وقلبه يؤ’لمه على ما أوصل حبيبته إليهِ هذا اليوم حتى أنها أخبرته أنها تكر’هه وهذا ما جعل قلبه يتأ’لم أكثر وأكثر، ولَكِنّ لا حر’ج عليها فهذا أبسط شيءٍ يُمكن أن تفعله ترد بهِ عليهِ، أقترب مِنها بخطى هادئة دون أن يُحيـ ـد ببصـ ـره بعيـ ـدًا عنها حتى و’قف بجوارها مباشرةً ليأتيها قوله المتحـ ـدي حينما قال بنبرةٍ يظهر بها عنا’ده وإ’صراره:
_لن يحدث “فـيرولا”، لن أتخـ ـلىٰ عنكِ وستكونين لي والد’ليل على ذلك ذاك الزعفران الذي يكتـ ـسي رأسكِ، هذه هي أكبـ ـر علا’مة على أمتلا’كِ لكِ وإن أقترب مِنكِ أحدٌ غيري سأقـ ـتله ولَن أتر’دد في ذلك صدقيني، أنتِ لي أنا فقط ولَن أسـ ـمح لغيري بالأقتراب مِنكِ مهما حد’ث حتى يوم مما’تي أتسمعيني “فـيرولا”؟.
أ’صراره وعنا’ده يجعلانها تشتعـ ـل غـ ـضبًا لتلتفت إليهِ تواجهه بتحـ ـديٍ سافـ ـر قائلة بنبرةٍ حا’دة:
_لن يحد’ث سيد “رانـڤير سينغ” لن أسـ ـمح لكَ بفعل ذلك حتى وإن كانت حيا’تي هي الثـ ـمن، وتعلم أيضًا أنت لا تعنـ ـيني في شيء وهذا الزعفران الذي تتبا’هىٰ بهِ سأنز’عه كما نز’عتُ حُبّك مِن قـ ـلبي.
حسنًا أتضـ ـحت الأمور الآن بينهما وأصبح كل شيءٍ سطـ ـحي فقد أتضـ ـحت النو’ايا وما يكمُن دا’خل القلو’ب قد خرج دون تمهـ ـيداتٍ لتجعل القلو’ب تتبد’ل ويتبـ ـدد كل ما هو جميلٌ، هذا كان نها’ية غـ ـروره وكبـ ـرياءه وعنا’ده، نها’يته كانت حا’سمة ولَكِنّ أيستـ ـسلم ويرضى بما هو يراه؟ هذا لَم ولَن يكون “رانـڤير” بالطبع ولذلك هو لَم يتحدث ويُعا’ندها بل أبتسم لها بسمةٌ غريبة لَم تفهمها هي ورأته بدأ يعود إلى الخـ ـلف بخطى هادئة دون أن يتحدث مِمَّ أصا’بها هذا بالر’يبة فكانت تتو’قع أن ترى العنا’د والأ’صرار مِنهُ، ولَكِنّ في الأ’خير رأت غير ذلك..
على الجهة الأخرى.
كان هناك أخر يتابعهما ويستمع إلى حديثهما بالكا’مل ليشعر بالغضـ ـب يستو’لي عليهِ حينما رأى وسَمِعَ كل شيءٍ وعَلِمَ نوا’يا “رانـڤير” تجاه “فـيرولا” ولذلك تأ’كد مِن وجود سلا’حه الأبيـ ـض الذي كان يند’س في جيب بِنطاله ليبدأ بالأقتراب مِنهُ بخطى هادئة وهو ينتو’ي على إنها’ء حيا’ته تمامًا حتى يضمن وجود “فـيرولا”، أما على ذِكرها فقد كانت تنظر إليهِ وهي تتسأل عن ما ينتو’ي هو عليهِ حتى رأت الآخر الذي مِن المفترض أن يكون زوجها يقترب مِنهُ بخطى هادئة وهو ينتو’ي على فـ ـعل ما لا يُغفـ ـر لهُ..
_وعلى الرغم مِن التكابـ ـر والمعا’ندة،
تظل حبيبًا دا’خل القـ ـلب والرو’حِ.
________________________________
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية جعفر البلطجي 3)