رواية أحببتها ولكن 7 الفصل السابع والستون 67 بقلم بيسو وليد
رواية أحببتها ولكن 7 الفصل السابع والستون 67 بقلم بيسو وليد
رواية أحببتها ولكن 7 البارت السابع والستون
رواية أحببتها ولكن 7 الجزء السابع والستون
رواية أحببتها ولكن 7 الحلقة السابعة والستون
فلا تخن عهدَ من أهدى لكَ نبضتهُ،
ولا تكن مثلَ من بالهجرِ أقساهُ،
فالعمرُ يمضي، وأيامُ الهوى حلمٌ،
والودُّ في لحظةٍ قد ضاع مسعاهُ،
فاختر لقلبكَ من بالحبِّ يغمرُهُ،
ولا تجرّبْ أسيرَ الهجرِ تلقاهُ.
_بشار بن برد.
______________________
الإنسان ملـ ـيءٌ بالند’وب السو’دا’ء، مر’هق الرو’ح فا’قد للشغـ ـف عد’يم الحما’س، أستنفـ ـذت طاقته في مرحلةٍ معيَّنة وبقى يمضي قُدُمًا تعـ ـيسًا لا يهتم لأي شيءٍ سوف يحد’ث ولا يهتـ ـم لمستقبلٍ ينتظره ملـ ـيءٌ بالأعما’ل الكثيرة التي تتطلب جهـ ـدًا كبيرًا، حتى القلب ما عاد يشعر سوىٰ باليأ’س وقـ ـلة الحـ ـيلة كل ما كان يفعله العُز’لة عن البشـ ـرية منز’ويًا في إحدى الأركان المظـ ـلمة شارد الذهن قليل الحيـ ـلة معد’وم الأ’مان والر’احة يُلا’زم ضـ ـجيج رأسه ككل ليلة حتى ينتـ ـهي الأمر بالنوم ليصحوا في صبيحة اليوم الموالي يعيـ ـش نفس الأحد’اث وكأنه كالأنسان الآ’لي يُحركه البشـ ـر وفي بعض الأحيان نفسه … نفسه المـ ـيتة.
<“لقاءٌ واحد كان كفيلًا بجمعهما،
والقـ ـلب في تلك اللحظة سيد اللحظة.”>
مو’اجهة حاضرة وفريدة مِن نوعها، يتكرر اللقاء ويختلف الزمان والمكان والموقف، ففي الأمس كان أصتد’امًا عابرًا واليوم كان إنقا’ذًا مِن أيدي ذ’ئب لا شيء يسـ ـعىٰ إليه سوىٰ إرضاء نفسه الأما’رة بالسو’ء وشهـ ـواته، لقاءٌ جمع شملـ ـين مختلفين كُتِبَت لهما قصة جديدة مليـ ـئة بالمغا’مرة والأحد’اث الكثيرة وهما فقط الآن في بداية أولى سطو’ر هذه القصة المـ ـلهمة..
شعرت “جـويرية” بقلبها الذي دا’همها وبدأ ينبـ ـض بعـ ـنفٍ داخل قفـ ـصها الصد’ري وهي تنظر إلى “مُـهاب” الذي كان يقف في مو’اجهتها يتطّـ ـلع إليها دون أن يتحدث فها هي تعود لأستحو’اذ عقله والسيـ ـطرة على فِكره وإحتـ ـلال قلبٍ يُفتـ ـن لأول مرة بحواء، كلاهما تر’ك نفسه لأهو’اءه، كلاهما تر’ك نفسه لأمو’اج البحـ ـر تُحركه كيفما تشاء وكلاهما يعلم أنهما في النها’ية سيجتمعان سويًا على الشـ ـط وبدون تفر’قة مرةٍ أخرىٰ..
أستمعت إلى نبـ ـضات قلبها المتعا’لية في أذنيها يُخبرها بأنه هو الذي كان ينتظره منذ سنواتٍ على أمل أن يلتقي بهِ في يومٍ ما، قلبها يُخبرها أنه هو الحبيب الذي بنظرةٍ واحدةٍ مِنهُ سيخـ ـطف القلب والعقل والرو’ح والفكر، هو الذي سيستحو’ذ عليها وكأنه نظام إختر’اق يختر’ق أجهزة الكمبيوتر بدون وجه حـ ـق، دا’عبت نسمات الهواء البا’ردة خصلاتها القصـ ـيرة وبرغم برو’دتها لَم تقد’ر على إطفا’ء لهيـ ـب قلبها..
إلتصـ ـقت خصلاتها بوجهها وعَلِـ ـقَت بنظارتها بفعل نسمات الهواء ليبتسم هو حينما رأى هذا المشهد الذي خطـ ـف قلبه فمازال يتذكر معالم وجهها الفا’تنة التي فتنـ ـته في المرةِ السابقة وعَـ ـلِقَت بذاكرته ليراها تحاول إبعاد هذه الخصلات عن وجهها في محاولةٍ فا’شلة مِنها، قـ ـرر المساعدة فهذه فرصته قد جاءت إليهِ على طبقٍ مِن ذهب، وضع هاتفه في جيب معطفه ثم مـ ـدّ كفه إليها كي يأخذ كوبًا مِن الكوبين حتى تستطيع هي إبعا’د خصلاتها عن وجهها..
نظرت إليهِ “جـويرية” لتراه يَمُـ ـدّ يده كي يأخذ الكوب مِنها لتشعر بالتو’تر يُسيـ ـطر عليها ولَكِنّ قد لَبَّـ ـت لهُ مطلبه ومـ ـدّت يدها بالكوب إليهِ وهي تنظر بعيـ ـدًا عن مر’ماه ليأخذ هو الكوب وتبدأ هي بإ’بعاد خصلاتها عن وجهها إلى الخـ ـلف لتعاود نسمات الهواء تد’اعبها وتُعيدها إلى الأمام لتزفـ ـر هي بضيـ ـقٍ وتعاود إبعادها إلى الخـ ـلف ليستمر الهواء في إعادة خصلاتها إلى الأمام ليأتي صوته حاضرًا مقترحًا عليها رأيه حينما قال:
_ممكن تر’فعي النضارة لفو’ق وشعرك مش هيضا’يقك.
رأت أن أقتراحه صحيح ولذلك نز’عت نظارتها ووضعتها على رأسها كي تحـ ـكم حركة خصلاتها، أبتسم هو بسمةٌ خـ ـفيفة دون أن يتحدث لتنظر هي إليهِ بتلك العينين اللتان تزينهما الكـ ـحل الأسو’د ليشعر هو أنه قد ضُرِ’بَ في مقـ ـتلٍ حينما رأى هاتين العينين تنظران إليهِ وتلك المعالم الحا’دة التي أحبَّها منذ الوهلة الأولى، تعا’لت نبـ ـضات قلبها أكثر حينما رأته ينظر إليها بتلك الطريقة لتبتـ ـلع غصتها بتروٍ وتشيـ ـح ببصرها بعيـ ـدًا عنهُ..
_خلّي بالك بعد كدا لأن المكان هنا ساعات بيبقى فيه شبا’ب مش كو’يسة يعني على الأ’قل يكون حد معاكِ بدل ما تتعر’ضي لمواقف زي دي وأنتِ بنـ ـت أكيد فهماني.
هكذا أنهـ ـى حديثه بنبرةٍ هادئة يحاول شـ ـرح الأمر لها بدون أيا إحر’اج لها ولهُ لتتفهم هي ذلك وتجيبه بحر’كةٍ خـ ـفيفة مِن رأسها ثم أبتسمت بسمةٌ خـ ـفيفة وقالت:
_فاهمة قصدك، وشكرًا على وقفتك دي جيت فالوقت المناسب.
_العفو أنا معملتش حاجة دا فالآخر واجبي.
هكذا جاوبها بوجهٍ مبتسم لتبتسم هي في المقابل بسمةٌ وا’سعة بعض الشيء ومِن ثم أستأذنت مِنهُ وتركته وذهبت وهي تكاد تشتـ ـعل خجـ ـلًا تاركةً إياه يقف مكانه بعد أن ألتفت ينظر إليها وهي تسا’رع خطواتها لتتسـ ـع بسمتهُ على ثغره وهو يراها تكاد تركض مِن شـ ـدة خجـ ـلها، زفـ ـر بعمـ ـقٍ ثم و’قعت عيناه على الكوب الذي مازال ممسكًا بهِ والخاص بها ليشعر بالذهول حينما نسىٰ كلا الطر’فين أمر المشروب الخاص بها..
أما عن “جـويرية” فقد عادت إلى سيارتها وهي تعـ ـض على أظافرها خجـ ـلًا وهي تقول بنبرةٍ متو’ترة:
_هو ظهر منين دا؟ طب الفرح وكانت صدفة عابرة كدا وقولت مش هتتكرر تاني، دلوقتي برضوا رجعت أشوفه فالكافيه كان معايا فنفس المكان، طب أنا قَـ ـلَبت كتكوت مبلو’ل ليه قدامه مع إني بعمل على أي حد ٧ رجا’لة فبعض والبـ ـت الجا’مدة اللي محدش قا’در عليها … يارب ما أرجع أشوفه تاني عشان كل ما بشوفه بحـ ـس إن قلبي بيد’ق بسرعة وكأني فسباق الـ ١٠٠ متر، المرة دي كانت صدفة برضوا ويارب ما تتكرر تاني، عشان خاطري يارب مش عايزه أشوفه تاني خالص.
أنهـ ـت حديثها وهي تدعو ربها أن لا تتقابل معهُ مرةٍ أخرىٰ وكأنها أصبحت أُمنية تتمنىٰ تحـ ـقيقها، أقتربت مِن سيارتها وجلست على مقعد السائق وهي شاردة الذهن تُفكر في أمر “مُـهاب” ولِمَ يقوم بملا’حقتها دومًا، نظرت إليها “ليالي” وهي تعقد ما بين حاجبيها حينما رأت كوبًا واحدًا معها ثم نظرت إليها لترى التو’تر باديًا على تقا’سيم وجهها، تحدثت بنبرةٍ هادئة تسألها قائلة:
_”جـويرية” أنتِ كويسة؟.
_تاني مرة أشوفه، تاني مرة ومعرفش إذا كان في تالتة ولا لا.
هكذا حدثت “جـويرية” نفسها بنبرةٍ متو’ترة للغاية وهي تعـ ـض على أظافرها لتتعجب “ليالي” مِن قولها لتقول بنبرةٍ هادئة:
_هو مين دا اللي بتتكلمي عنه؟.
_يارب ما يظهرلي تاني أنا معرفش إيه اللي حصـ ـلي قدامه بجد.
هكذا تمنت مغمضة العين بتو’ترٍ شـ ـديد ليأتي قول “ليالي” عا’ليًا حينما قالت:
_”جـويرية” أنا بكلمك مالك في إيه ومين دا اللي بتتكلمي عنه !!.
أستفاقت “جـويرية” في هذه اللحظة مِن دوا’متها تلك لتفتـ ـح عينيها تنظر إلى “ليالي” التي كانت تنظر إليها متعجبةً لتبتـ ـلع غصتها بتروٍ تَمُـ ـدّ يدها بالكوب إليها قائلة:
_ولا حاجة، خُدي.
أخذت “ليالي” الكوب مِنها ثم نظرت إليها وقالت متسائلة:
_وكوبايتك فين؟ أنتِ مش قولتي هتجيبي ليكِ برضوا؟.
_أيوه ما أنا جبت و…
بـ ـترت حديثها حينما لَم تجد الكوب الثانِ والخاص بها لتنظر حولها تبحث عنهُ قائلة:
_غريب، كوبايتي راحت فين؟.
_أنتِ جاية بواحدة بس يا “جـويرية”؟!.
هكذا ردت عليها “ليالي” وهي تنظر لها بتعجبٍ لتنظر إليها “جـويرية” بتو’ترٍ شـ ـديد لتعود بذاكرتها إلى الخـ ـلف تتذكر أين تركتها وهي تعـ ـض على أظافرها، لتأتي ذاكرتها حاضرة حينما أخذ “مُـهاب” الكوب مِنها حتى تُعيد خصلاتها إلى الخـ ـلف ويبدو أنها قد نسيتها معهُ ورحلت مِن شـ ـدة تو’ترها، وعند هذه النقطة جحـ ـظت عينيها بصد’مةٍ حـ ـقيقية لتقول:
_يا ربي، أنا نسيت كوبايتي معاه.
_مع مين بالظبط؟.
هكذا سألتها “ليالي” التي حتى الآن لا تفهم ما حـ ـل بها ليأتي قول “جـويرية” التي قالت بنبرةٍ متو’ترة بشـ ـدة:
_مع الشا’ب اللي شوفته مرتين، مرة ففرح “مَرْيَم” و “شـهاب” ومرة دلوقتي، في واحد سكر’ان طـ ـلعلي مِن تحـ ـت الأرض معرفش جه منين ومعرفتش أتصر’ف وبصراحة خو’فت أوي مِنُه قام دا ظاهر مرة واحدة بصراحة لحـ ـقني مِنُه، سيبت كوبايتي أو نسيتها كان الهوى شـ ـديد وشعري كان مضا’يقني فخد كوباية مِني عشان أعرف أظبط شعري وشكلي مِن تو’تري وخجو’لي نسيتها ومشيت.
كانت “ليالي” تنظر إليها بذهولٍ تا’م لا تصدق ما تسمعه لتنظر إليها “جـويرية” قائلة حز’نًا على الكوب:
_ضا’عت كوبايتي خلاص، معرفش إيه اللي جرالي قدامه يا “ليالي” بجد كُنْت شبه الكتكوت المبلو’ل رغم إني د’بش ولسا’ني سا’بقني بس بجد أنا قدامه كُنْت بجد مكسو’فة أوي ونظراته كانت غريبة رغم إن أي حد هيقول عكـ ـس كدا بس حسـ ـيت إن نظرته فيها حاجة.
كانت “ليالي” لا تفهم شيئًا مِمَّ تقوله “جـويرية” التي أخذت تتحدث بسرعةٍ فا’ئقة حتى أنها ضر’بت على مقو’د السيارة بكلتا يديها وهي تشعر أنها في أقصـ ـى مراحل تو’ترها كلما تذكرته وتذكرت نظرته لها ومِن جهة أخرىٰ قـ ـلبها الذي ينبـ ـض بعـ ـنفٍ شـ ـديد حينما تراه أمامها، تعا’لى رنين هاتف “ليالي” برقم زوجها لتجيبه هي مند’مجةً في الحديث معهُ، فيما زفـ ـرت “جـويرية” وحز’نت على الكوب الذي تركته معهُ ورحلت..
لحظات، نعم كانت لحظات وسَمِعَت طرقات خـ ـفيفة على ز’جاج سيارتها لتنظر بجانبها لتراه هو مِن جديد يبتسم إليها، جحـ ـظت عينيها بعد’م أستيعا’ب أهي بالفعل تراه أمامها أم أن عقـ ـلها صوَّر لها هذا؟ فر’غ فاهها بذهولٍ حينما رأته يُشير لها بكوبها الخاص الذي قد نَستهُ معهُ، نظرت إليهِ “ليالي” لترى أنهُ نفس الشا’ب رأتهُ مِن قبل رفقة “يـزيد” ولذلك ركزت معهُ دون أن تنـ ـتبه إلى ما يقوله زوجها، فـ ـتحت “جـويرية” النافذة لتراه يَمُـ ـدّ يدهُ بالكوبِ إليها قائلًا ببسمةٌ هادئة:
_نسيتي كوبايتك معايا ومشيتي يا آنسة.
وزَّعت “جـويرية” بصرها بينه وبين الكوب لتأخذه مِنهُ بحر’كةٍ خا’طفة وأشا’حت ببصرها بعيـ ـدًا عنهُ وقد شعرت بنبـ ـضات قلبها تعلـ ـو مِن جديد وعن نظره المصوَّ’ب تجاهها فقد كان لهُ تأ’ثيرٌ كبيـ ـرٌ عليها، أبتـ ـعد عنها وهو يبتسم ليستلق سيارته التي كانت تجاور سيارتها ليتحرك بعدها أسفـ ـل نظرات “جـويرية” التي كانت تتابعه، وضعت يدها على قلـ ـبها تحاول السيـ ـطرة عليهِ أسفل نظرات “ليالي” التي كانت تنظر إليها نظرةٍ ذات معنى لتبتسم بخـ ـفةٍ بعد أن عَلِمَت ما تشعر بهِ “جـويرية” تجاه هذا الشا’ب..
أبتـ ـلعت “جـويرية” غصتها بتروٍ وحاولت تهـ ـدئة نبـ ـضات قلبها المتعا’لية، أدارت سيارتها وتحركت هي الأخرىٰ والقلب يصر’خ عا’ليًا والر’وحُ تا’ئهة والعـ ـقل مشـ ـتت، فظهوره كان لهُ تأ’ثيرٌ قو’يٌ عليها والآن يبدو أنها ستكون في حر’بٍ طا’حنة بين قلبها وعقـ ـلها.
______________________
<“وكتفٌ إذا أنحـ ـنيتُ يُساندني،
وضـ ـهرٌ صـ ـلبٌ كالجبا’ل لا ينحـ ـني.”>
كان دومًا سعيد الحظ، إذا أنحـ ـنى يمـ ـينًا يجد مَن يُسانده وكفٌ لا يَمِّـ ـلُ عن معانقة كفٍ آخر أتخذه عو’نًا لهُ في الشـ ـدائد، هكذا كانا وهكذا سيظلا سويًا يُبهـ ـران الجميع بعلا’قتهما الود’ودة والحنو’نة تلك مَن يقف أمامها يتمنىٰ أن يحظى بواحدةٍ مثلها..
في صبيحة هذا اليوم.
وكعادتهِ كان يقود السيارة بهدوءٍ متجهًا إلى منزل أخيهِ بعد أن شعر بالضـ ـيق فذهابه إليهِ يُعتبر شفا’ءُ الرو’حِ، وصل بعد قيادة دامت ساعة ونصف تقريبًا ليقوم بصف السيارة أسـ ـفل بِنْاية أخيهِ مترجلًا مِنها بهدوءٍ، توَّجه إلى صندوق السيارة ير’فعه عا’ليًا ليأخذ الحقائب مِنهُ بهدوءٍ ثم أغـ ـلقه مِن جديد وقد أغـ ـلق السيارة كذلك وصعد إلى الأ’على بعد أن ولج إلى ردهة البِنْاية مستعينًا بالمصعد الذي كان أمامه ثوانٍ ويُصبح في الطابق السُـ ـفلي..
أخذ المصعد وصعد إلى الطابق الذي يمكث بهِ أخيهِ وأثناء ذلك قد شعر بشيءٍ غريبٍ يحد’ث معهُ، ألتفت خـ ـلفه ينظر إلى المرآة الكبيـ ـرة ليرى أنفه ينزُ’ف بدو’ن سابق إنذ’ار، أخرج المحر’مة سر’يعًا مِن جيب معطفه ووضعها على أنفه حتى يصل إلى الطابق المنشو’د، تعجب “يـزيد” كثيرًا فهذه أول مرة تحدث فلَم يُسبق وقد مرّ بشيءٍ كهذا، وصل أخيرًا المصعد ليد’فع هو الباب إلى الخارج ويخرج مغـ ـلقًا إياه خـ ـلفه ليذهب إلى شقة أخيه ويبدأ بالطر’ق على الباب وضر’ب جرس المنزل..
أخرج محر’مة أخرى ووضعها على الأولى بعد أن شعر بأن الأمر يز’داد عن حـ ـده ليُفتـ ـح الباب في هذه اللحظة مِن قِبَل “حُـذيفة” الذي ما إن رأى الد’ماء جحـ ـظت عيناه بصد’مةٍ ليُفـ ـسح إليهِ الطريق قائلًا بنبرةٍ قلـ ـقة ومتلهـ ـفة:
_في إيه مالك؟ أنتَ أتخـ ـبطت طيب تعالى.
ولج “يـزيد” واضعًا الحقائب على الطاولة ثم نظر إلى أخيه الذي أغـ ـلق الباب خلـ ـفه وأشار إليهِ سا’حبًا إياه خـ ـلفه قائلًا:
_تعالى بسرعة على الحمام، إيه اللي حصـ ـل بس ر’عبتني.
ولج “يـزيد” إلى المرحاض وبدأ بغسل وجهه أسفـ ـل نظرات أخيهِ الذي وقف بجواره يُتابعه بقلـ ـقٍ وهو يرى غـ ـزارة الد’ماء بشكلٍ أر’عبه ليقول بنبرةٍ قـ ـلقة متسائلة:
_”يـزيد” أنتَ كويس بجد؟ حا’سس بحاجة طيب؟.
حرك “يـزيد” رأسه برفقٍ ينـ ـفي حديثه ليستمر الأمر لدقائق أخرىٰ حتى توقفت الد’ماء تمامًا، ربت “حُـذيفة” على ظهر أخيه برفقٍ ثم أخذه وذهب إلى الخارج قائلًا:
_أول مرة تحصـ ـلك يا “يـزيد”، ر’عبتني أقسم بالله عليك منـ ـظرك يخـ ـض.
جلس “يـزيد” على المقعد وهو يمـ ـسح وجهه بالمحر’مة ليقول بنبرةٍ هادئة:
_أنا أتخـ ـضيت أكتر مِنك واللهِ، أهـ ـم حاجة اللبس بَقَّـ ـع ولا حاجة؟.
نظر إليهِ “حُـذيفة” نظرةٍ ذات معنى قليلًا ثم قال مستنكرًا:
_لا واللهِ؟ أنتَ كُل هـ ـمك هدومك يا “يـزيد”؟!.
_آه طبعًا أمشي مبـ ـقع يعني ولا إيه؟.
هكذا جاوبه “يـزيد” وهو ينظر إليهِ لير’مقه الآخر قليلًا بعد’م تصديق ثم قال قبل أن يذهب إلى المطبخ مغتا’ظًا:
_يا صبر أيوب.
رحل “حُـذيفة” تاركًا أخيه الذي نظر إليهِ قليلًا ثم نهض ولَحِقَ بهِ ليولج إلى المطبخ ليراه يقوم بعمل القهوة ليقول:
_مالك يا “ذيفة” أتعـ ـصبت كدا ليه دا أنا حتى بهزر معاك راعي إني لسه كُنْت بنز’ف مِن شوية.
_مِن مناخيرك يا أوڤر.
هكذا رد عليهِ “حُـذيفة” بعد أن ر’ماه بنظرةٍ ذات معنى بطر’ف عينه ثم عاد ينظر إلى ما يفعـ ـله ليضحك “يـزيد” ضحكاتٍ خـ ـفيفة ثم أقترب مِنهُ بخطى هادئة حتى جاوره قائلًا:
_شايفك قاعد لوحدك يعني مشوفتش القر’د الصغير ولا “أيـسل”.
_خدته وراحت تجيبله حاجة حلوة تكافئه بيها عشان بيساعدها فشغل البيت.
هكذا جاوبه “حُـذيفة” بنبرةٍ هادئة ليأتي رد أخيه الذي أبتسم وقال:
_الله يرحم على أيامنا كُنْا بناخد على د’ماغنا بالشبـ ـشب والحـ ـزام يشـ ـتغل.
_”يـزيد” لاحظ إنك بتفـ ـتي، أُمّك كانت مبتضـ ـربناش أصلًا دا إحنا كُنْا بنتر’بى تر’بية الملوك هنحوَّ’ر على بعض؟
هكذا جاء الرد حاضرًا مِن “حُـذيفة” لينظر لهُ “يـزيد” نظرةٍ ذات معنى قليلًا ثم قال بنبرةٍ هادئة:
_يا عم سيبني أفتـ ـي يا عم قا’طع عليا كل حاجة كدا ليه؟.
نظر إليهِ “حُـذيفة” نظرةٍ ذات معنى ليرى الضيـ ـق مرتسمًا على تقا’سيم وجه أخيه ليعاود النظر إلى ما’كينة القهوة قائلًا:
_شكلك متخا’نق مع “روان”.
_دي حـ ـقيقة عرفت منين؟.
هكذا رد عليهِ “يـزيد” يسأله عن معرفته بالأمر ليراه يبتسم قائلًا:
_عيـ ـب عليك ياض، أنتَ تر’بيتي حافظك أكتر مِن نفسك، قولي متخا’نقين ليه ولا الحوار شخـ ـصي؟.
أعتدل “يـزيد” في وقفته وعقد ذراعيه أمام صدره وزفـ ـر بعمـ ـقٍ قائلًا بنبرةٍ هادئة:
_أبدًا يا عم مخـ ـتلفين على لو’ن سيراميك الأر’ضية، أنا عايزُه أبيـ ـض وهي عايزاه أسو’د إمبارح دا’بين مع بعض خنا’قة لرب السما بسـ ـبب الموضوع دا وقفـ ـلت معاها مِن غير ما أقول حرف ومبنتكلمش مِن ساعتها.
_هو مش المفروض برضوا أنتوا متفقين؟ وبعدين السيراميك دا بيتحـ ـدد على لو’ن الحيطان اللي معمول مش عاملينه فانيلا لاتيه يعني السيراميك المفروض يكون لا أبيـ ـض ولا أسو’د، في لو’ن كدا مقارب للو’ن الشاي بلبن بيبقى فا’تح كدا هيلـ ـيق أكتر.
هكذا رد عليهِ “حُـذيفة” بنبرةٍ هادئة يقوم بتو’عيته والتحدث بهدوءٍ ليأتي الرد حاضرًا مِن “يـزيد” الذي قال:
_بس “ليل” عاملُه أبيـ ـض وشكله حلو.
نظر إليهِ “حُـذيفة” بعد أن أعطاه فنجان قهوته وقال:
_يا حبيبي عشان “ليل” لو’ن شقته ر’مادي غا’مق فالأبيـ ـض لايق إنما أنتوا هتعملوها فانيلا لاتيه فيمشي لو’ن سيراميك مقارب للو’ن الد’هان، بعدين “روان” قامت فدما’غها تعمله أسو’د أزاي مش هيمشي مع لو’ن الد’هان؟.
زفـ ـر “يـزيد” بعمـ ـقٍ وقال بنبرةٍ هادئة:
_لا ما هي قـ ـررت تخلي الشقة كلها سو’دة حتى الحمام عشان حياتنا تبقى سو’دة كل ما أدخل يجيلي أكتـ ـئاب.
ضحك “حُـذيفة” على حديث أخيه الذي كان قد بدأ يولج تدريجيًا في مراحل المشا’جرة والشـ ـد والجذ’ب ليُربت الآخر بكفه على كتفه قائلًا بنبرةٍ ضاحكة:
_يـاه يا عمي حمدلله على السلامة، أخيرًا وصلتوا للمرحلة دي دا الخنا’ق دا جزء أسا’سي فالعلا’قة أنتوا كان في حاجة غـ ـلط فموضوعكم دا بس الحمد لله أنا أتطـ ـمنت عليكم … أنا بهزر طبعًا ربنا ما يجيب خنا’ق ولا مشا’كل بس تلاقيها كانت مضا’يقة مِنك ولا حاجة فملقتش حاجة تتخا’نق عليها غير دي معلش أستـ ـحملها.
_أنا شكلي أتحسـ ـدت يا “حُـذيفة”.
هكذا جاوبه “يـزيد” مبتسم الوجه ليضحك الآخر مرةٍ أخرىٰ ثم أخذ فنجانه وصحن البسكويت بالشيكولاتة وخرجا إلى غرفة المعيشة يجلسان بجانب بعضمها البعض ليصدح رنين هاتف “يـزيد” عا’ليًا يُعلنه عن أتصالٍ هاتفي مِن “ليل”، جاوبه ثم فتـ ـح مكبـ ـر الصوت قبل أن يتحدث ليأتي قول الآخر معـ ـنفًا إياه قائلًا:
_أنتَ ياض أزاي تز’عل أختي وتتخا’نق معاها وتقوم قا’فل السكة فو’شها لا بقولك إيه مبدئيًا أنتَ غـ ـلطان.
نظر “يـزيد” إلى أخيه الذي كان يستمع إلى ابن عمته بهدوءٍ دون أن يتحدث ليجاوبه “يـزيد” متر’قبًا قوله قائلًا:
_وأنتَ أزاي تسمع مِن طر’ف وتحـ ـكم مِن غير ما تسمع الطر’ف التاني.
جاءه الجواب المتو’قع بدون تردد حينما قال مد’افعًا عن شقيقته:
_عشان أنا أختي مبتغـ ـلطش يا حبيبي.
حينها مَنَّـ ـع “حُـذيفة” أخيه مِن أن يتحدث وقال هو بدلًا عنهُ متو’ليًا الد’فاع عن أخيه:
_وأنا أخويا مبيغـ ـلطش يا حبيبي ولو حد فالموضوع دا غـ ـلطان تبقى أختك اللي نكـ ـدت عليه وعايزة تعمل الشقة أسو’د.
أبتسم “يـزيد” وقد شعر بالرضا حينما رَد أخيه بدلًا عنهُ ليأتي قول “ليل” الذي لَم يعلم شيئًا يُدعى اليأ’س:
_براحتها يا عمي فالنها’ية الشقة شقتها وهي حُـ ـرة فيها إن شاء الله حتى لو ر’مته بره يا سلام هنهزر بقى.
جحـ ـظت عينين “يـزيد” بصد’مةٍ حـ ـقيقية وعدم أستيعا’ب ليمـ ـنعه مجددًا أخيه مِن التحدث وقد أخذ هاتفه وقام بطلب رقم “روزي” وهو يقول متو’عدًا إليهِ:
_هي بقت كدا؟ طب أقسم بالله العلي العظيم يا “ليل” لأعرفك كويس معنى كلامك دا دلوقتي، إن ما وريتك مبقاش “حُـذيفة”.
أنهـ ـى حديثه ووضع الهاتف على أذنه ينتظر تلقي إجابة الطر’ف الآخر ليسمع ابن عمته يقول عبر الهاتف:
_هتعمل إيه يعني يا حيـ ـلتها؟.
_أخر’ص شوية وهتعرف حيـ ـلتها هيعمل فـ ـيك إيه النهاردة.
هكذا جاوبه “حُـذيفة” ثم أستمع إلى إجابة الطر’ف الآخر ليقول هو بنبرةٍ هادئة مُلقيًا تحية السلام عليها:
_السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أزيك يا “روزي” عاملة إيه؟ يارب دايمًا فصحة وعافية … كلنا بخير الحمد لله فضل ونعمة مِن رب العالمين، بقولك إيه يا “روزي” هطلب مِنك خدمة وأما’نة عليكِ حلفتك بالله الذي لا يغفل ولا ينام تعمليها، بما إن الشـ ـملول جوزك بره البيت دلوقتي وهيرجع عايزك تقـ ـفلي الباب مِن جوه ومتدخليهوش خالص الليلة دي، كدا عشان جوزك عايز يتر’بى وعامل فتو’ة على أخويا وقال إيه ميدخلش الشقة والشقة شقة أخته وحوار كدا شكله واخد جر’عة زيا’دة وفايق على أبونا النهاردة.
جاء في هذه اللحظة صوت “ليل” الذي قال بأسلوبه الو’قح يرد عليهِ:
_نعم يا حـ ـيلة أُمّك؟ على أساس إنها هتسمع كلامك بقولك إيه متخلنيش أجي أكسـ ـرك بقى أنتَ وأخوك مرة واحدة.
_ملكش فيه يا حر’يقة وأنا حلفتها بالله خلاص يعني مسمعش صوتك بقى وأكتـ ـم … أنا هر’بي أهلك عشان تعمل نفسك كبير على أخويا فاكره مكسـ ـور الجنا’ح ولا إيه يا’ض؟.
هكذا جاوبه “حُـذيفة” يتو’لى الد’فاع عن أخيه الذي كان يتناول البسكويت ويرتشف القهوة وهو يشعر بالسعادة وهو يرى أخيه يتو’لى الد’فاع عنهُ واقفًا أمام ابن عمته بالمر’صاد، جاء قول “روزي” هذه المرة تقول:
_خلاص يا “ليل” طالما “حُـذيفة” حلفني مقدرش أو’قع حلفانه فبعد إذنك بقى شوفلك مطرح الليلة دي.
جاء في الحال رد “ليل” الذي تو’اقح معها هي الأخرىٰ حينما لَم تروق لهُ إجابتها قائلًا:
_وحيا’ة أمك أنتِ كمان طب لمـ ـي حاجتك بقى وعلى أبوكِ نشوف الكلام دا هناك لمَ تقعدي عنده شهر كدا حلو.
أبتسم “حُـذيفة” وقد جاوبه بنبرةٍ هادئة يسـ ـتفزه بحديثه حينما قال:
_وإيه يعني بيت أبوها هو بيت أبوك هو هو بيت جدك وجدتك يعني هي لو راحت هناك أصلًا هتنساك متحلمش يعني إنك كدا بتند’مها.
_أنتَ تخر’ص خالص يا حر’يقة دا أنا لو شوفتك هساوي بو’ش أهلك الأ’سفلت.
هكذا جاوبه “ليل” متو’عدًا ليضحك “حُـذيفة” في المقابل حينما وصل إلى مبتـ ـغاه ليقول بنبرةٍ ضاحكة وسعيدة:
_شوفت بتضا’يق أزاي؟ ما بالك بقى بالو’اد الغلبا’ن اللي لسه بيدخل دُنيا، ما لا ترضاه لنفسك لا ترضاه لغيرك يا حبيبي، أقفـ ـل بقى عشان صد’عتنا وإحنا لسه بنبدأ القعدة.
أنهـ ـى حديثه ثم أغـ ـلق المكالمة معهُ ثم ودَّع إبنة عمه كذلك لينظر هو إلى أخيه الذي كان يعـ ـبث في هاتفه، ر’مقه قليلًا بهدوءٍ ثم نظر إلى الهاتف ليراه يقرأ رسائلها ولذلك تركه على راحته حتى ينتـ ـهي ويتحدث معهُ هو كما يحلو لهُ.
________________________
<“الخو’ف ليس في أن تفـ ـشل،
الخو’ف في عدم وصولك.”>
ليس الخو’ف يحو’م حول نطا’ق الفشـ ـل قدر ما هو يحو’م حول عدم وصولك لِمَ تسعـ ـىٰ إليهِ، وليس عيـ ـبًا أن تفشـ ـل مرارًا وتكرارًا فإن فشـ ـلت للمرة التسعة وتسعون فتأكد أنكَ ستنجح في المرة المئة فعلى مدار هذه المرات كُنْتَ تتعلم شيئًا جديدًا وتأخذ الإفادة مِن المرحلة السابقة ولذلك حينما تصل لخط النها’ية تشعر أنكَ أصبحت ذو خبـ ـرة ومعرفة وجميع أخطـ ـأك أصبحت صوابًا اليوم، فتمتع بلـ ـذة الوصول يا رفيق فلَن تشعر بمتـ ـعتها إلَّا أن تصل وتُصبح بين يديك..
كان الخو’ف رفيقه منذ وقتٍ والتو’تر جزءًا مِنهُ والرُ’عب كابو’سًا لهُ وحاضرًا في منامه فدومًا كان يراها تذهب بعيـ ـدًا عنهُ وتر’ميه بنظراتٍ معا’تبة وحز’ينة لتأ’خره في القدوم إليها وحينما أتخذ القـ ـرار كان قد فا’ت الأو’ان، اليوم قد قـ ـرر أن يتخذ خطوةٌ جا’دة بعد أن دَّ’لهُ رفيقه على مكانها بعد أن رآها صُدفةٌ تجلس في هذا المكان ليقوم بإخباره في الحال وترك الكرة في ملعبه..
كانت تسير في ممـ ـرٍ طويل يؤدي على النيـ ـل على كلى جانبيه يزينه الزرع الأخـ ـضر والورود البيـ ـضاء الصغيرة، نسمات الهواء البا’ردة كانت تدا’عب رداءها الفضفا’ض الشتوي وقد تو’ردت وجنتيها بالحُـ ـمرة، كانت تقف تشاهد مياه النيـ ـل الزر’قاء مستمتعةً بالأجواء الشتوية ممسكةً بكوبًا حر’اريًا بداخلهِ مشروبها السا’خن المفضّل _شاي بلبن_ وبجانبها عُلبة صغيرة بلاستيكية بداخلها البسكويت المفضّل كذلك لها تتناوله بهدوءٍ وتشاهد المكان مِن حولها..
اللو’ن البُني هو لو’نها المفضّل في كل شيءٍ، كانت ملابسها التي ترتديها باللو’ن البُني فحينما تكون سعيدة ترتديه وتظل مبتسمة وهادئة طوال الوقت وكلما سارت خطوة واحدة تُقدم قطعة حلوى للصغار والكبار، أما عنهُ فقد وقف بالقربِ مِنها ينظر إليها يراها هادئةً كما أعتاد رؤيتها دومًا في الجامعة، أتخذ قـ ـراره وقد بدأ يقترب مِنها بخطى هادئة ومع كل خطوة يخطوها كانت نبـ ـضات قلبه تتعا’لى داخل قفـ ـصه الصد’ري..
كان عاشـ ـقًا في صمتٍ وحاول كثيرًا الابتعا’د عنها حتى لا يسـ ـقط مفتو’نًا بها ولَكِنّ فطـ ـرة الإنسان كانت المُسيطـ ـرة دومًا فكما نقول المُحب يظل مشغو’لًا طوال الوقت بِمَن يُحب وصد’قًا كان طوال الوقت كل يوم يُفكر بها حتى شعر أنه لَن يتحـ ـمّل أكثر مِن ذلك وقد قـ ـرر أن يتخذ أولى خطواته الجا’دة حتى تُصبح في يومٍ مِن الأيام زوجته وكذلك سيكون مفتو’نًا بها دومًا يستطيع فعل أي شيءٍ دون قيو’د أو موا’نع..
وقف بالقربِ مِنها يفصـ ـله عنها خطواتٍ قليلة ليرى معالم وجهها أجمل عن قربٍ فهي في كل الأوقات سا’حرة وكذلك فا’تنة هكذا أخبر نفسه معتر’فًا أن لـ “حواء” سحـ ـرًا خاصًا بها وسلا’حًا قو’يًا تستعين بهِ دون أن تشعر تجذ’ب “آدم” لها بأقل مجهو’دٍ مِنها، أبتلـ ـع غصته بتروٍ وقد أخذ نفـ ـسًا عميـ ـقًا ثم زفره وقال بنبرةٍ هادئة:
_مساء الخير يا آنسة “ترتيل”.
تأ’هبت حو’اسها بالكامل بعد أن نطق أسمها صوتٌ رجو’لي غريبًا على مسامعها لتلتفت بهدوءٍ وتحفـ ـزٍ تنظر لهُ لتراه هو نفسه هذا الشا’ب الذي كان يقوم بمرا’قبتها دومًا في الجامعة، هو نفسه الذي كان كلما نظرت إليهِ يشـ ـيح ببصره بعيـ ـدًا حتى لا تنتبه إليهِ ولَكِنّ كانت تشعر بنظراته في كل مرة وتشعر بدقات قلبها تعـ ـلو في كل مرةٍ يكون بالقربِ مِنها..
أبتـ ـلع هو غصتهِ بتروٍ وقد أخذ نفـ ـسًا عمـ ـيقًا ثم زفـ ـره بهدوءٍ وقال:
_أظن عارفاني، أسمي “عـادل طارق سامح الدمنهوري”، كل اللي جاي طالبُه مِنك رقم والدك بس.
فَهِمَت “ترتيل” ما يُريد ولذلك سرعان ما أخرجت رقم والدها بهدوءٍ وخجـ ـل مِن هاتفها أسفـ ـل نظرات “عـادل” الذي كان ينظر بعيـ ـدًا حتى لا يو’ترها بنظراته وهاتفه بيده منتظرًا أخذ الرقم مِنها، لحظاتٍ قليلة وأملت عليهِ الرقم ليبتسم هو دون أن ينظر لها قائلًا:
_شكرًا يا آنسة “ترتيل”، إن شاء الله يكون خير عمَّ قريب.
هكذا قال وهكذا أنهـ ـى حديثه ليتركها ويذهب بعدها كما عاد أسـ ـفل نظراتها التي كانت تنظر إليهِ وقد شعرت بالخجـ ـل الشـ ـديد وبنبـ ـضات قلبها التي عادت تز’داد مِن جديد دون أن تهـ ـدأ فلا تعلم لِمَ يكون متواجدًا معها في مكانٍ واحدٍ يحد’ث ذلك معها دونًا عن غيره، عادت كما كانت وهي تنظر إلى هاتفها لتقوم بمراسلة صديقتها عبر الإنترنت وعن طريق التطبيق الشهير “واتساب” تقوم بتسجيل مقطـ ـع صوتي تقول فيه:
_”تغريد” ألحـ ـقيني، جه طلب مِني رقم بابا.
هكذا قالت وهكذا أرسلت تنتظر تلقي الرد مِن صديقتها التي أستغـ ـرقت خمس عشرة دقيقة وكانت تُراسلها عن طريق مقطـ ـع صوتي آخر يظهر بهِ صد’متها وسعادتها الطا’غية حينما قالت:
_بتهزري أكيد يا “ترتيل” … لا أنتِ أكيد بتهزري أنا مش قاد’رة أصدق أحكيلي بسر’عة إيه اللي حصـ ـل.
أبتسمت “ترتيل” حينما أستمعت إلى نبرة صوتها السعيدة تلك لتبدأ بتسجيل مقطـ ـع صوتي آخر تُخبرها بهِ عمَّ حد’ث بالتفصـ ـيل تتحدث بحما’سٍ وسعادة كبيـ ـرة لَم تشعر بها مِن قبل وقد كانت صديقتها “تغريد” الطر’ف المستمع والأكثر حما’سًا، وعلى الجهة الأخرىٰ أخذ “عـادل” سيارته وتوَّجه إلى المنزل وهو يضع سماعة الأذن بأذنيه قائلًا بعد أن جاءه جواب الطر’ف الآخر:
_إيه يا “عليوة” أنتَ نايم ولا إيه؟.
جاءه حينها صوت “علي” الناعس حينما قال:
_آه نايم الفجر.
حينها جاء رد “عـادل” حينما قال مبتسم الوجه:
_آه ما أنتَ واخد أجازة حـ ـقك بقى، طب أنا هقولك على حاجة وهسيبك تكمل نوم.
_قول عايز تقول إيه؟.
هكذا سأله “علي” بنبرةٍ ناعسة منتظرًا رد أخيه الذي لَم ينتظر وجاء رده السعيد حينما قال:
_أنا قابلتها وخدت رقم أبوها.
_هي مين دي يا “عـادل”؟.
هكذا جاء رد “علي” متسائلًا وجا’هلًا ما يقصده أخيه الذي قال:
_البنـ ـت اللي حكيتلك عنها يا عمي مالك صحـ ـصحلي كدا الموضوع مـ ـهم أوي، ليا واحد صاحبي شافها كذا مرة فمكان مُعيَّـ ـن فقالي عشان عارف اللي فيها فروحت النهاردة لقيتها فخدتها فرصة وخدت رقم أبوها ومشيت على طول.
_ونا’وي تاخد خطوة بجد ولا إيه نظامك؟.
هكذا سأله “علي” منتظرًا تلقي الإجابة التي لَم يبـ ـخل بها أخيه عليهِ وقال بنبرةٍ هادئة:
_آه نا’وي أخد خطوة جـ ـد، أنا قعدت فترة كبيـ ـرة مبنزلتش الكلية عشان خاطر أشتغل ويبقى معايا مبلغ كويس يساعدني فيما بعد لمَ أتقدملها … بُص أنا قعدت مع نفسي وحسبتها الحمد لله معايا مبلغ كويس أوي عشان بصراحة كُنْت نا’وي بيني وبين نفسي لمَ يحصـ ـل نصيب إن شاء الله أجيبلها حاجة كويسة تليـ ـق بيها ولو فضلت فلوس باقية هشيلهم على جنب وهكمل عليهم.
أستحـ ـسن “علي” فـ ـعل أخيه وأسلوب تفكيره ذاك ليبتسم مجيبًا عليهِ بنبرةٍ هادئة قائلًا:
_جدع يا’ض، “طارق” ر’بى را’جل يُعتـ ـمد عليه فعلًا، شوف يابا دُ’نيتك هتمشي أزاي ولمَ يحصـ ـل نصيب فالقعدة التانية إن شاء الله شوف أبوها هيطلب مـ ـهر قد إيه متنساش إن هما اللي هيحد’دوا مهـ ـرها وأنتَ وقتها اللي تشوف دُ’نيتك.
_عندك حـ ـق، أيًا كان أنا مأ’من نفـ ـسي يعني كان معايا مبلغ شايله فالبنك زي ما أنتَ عارف ومن فترة حطيت مبلغ تاني متنساش إني دافع قد كدا فالشقة.
هكذا جاوبه “عـادل” ليتوقف بالسيارة حينما رأى صفًا مِن السيارات والشاحنات تقف خـ ـلف بعضها البعض ليعقد ما بين حاجبيه حينما رأى سيارات شـ ـرطة وتفـ ـتيش ليقول متسائلًا:
_”علي” هو في حاجة النهاردة ولا إيه؟ في كمـ ـين على الطريق.
_مش عارف يا “عـادل” واللهِ، حاجتك سـ ـليمة أهـ ـم حاجة؟.
هكذا رد عليهِ “علي” حينما تذكر أمر بطاقة القيادة التي كانت تحتاج إلى التجد’يد ليأتيه جواب أخيه يُطـ ـمئنهُ أن كل شيءٍ بخير، كان يتحدث مع أخيه طوال هذا الوقت حتى أصبح هو في المقدمة ولذلك قال:
_أستنى يا “علي” خليك معايا.
أنهـ ـى حديثه وقام بالضغـ ـط على الزر الالكتروني الذي فـ ـتح ز’جاج نافذته ليرى الضا’بط يقف وهو ينظر لهُ ليقول:
_البطاقة والرُ’خَص.
أخذهم “عـادل” وأعاطهم إليهِ ليأتي قول الآخر صا’رمًا:
_أفتـ ـح شنطة العربية.
أنهـ ـى حديثه وتوَّجه إلى الخـ ـلف ليتعجب “عـادل” أكثر ويقوم بفتـ ـحها بالفعل ألكترونيًا وهو يسأل أخيهِ قائلًا:
_”علي” الموضوع شكله فيه حاجة، هما بيفتـ ـشوا كدا ليه.
_هو اللي موقفك دا شكله إيه؟.
_هكذا سأله أخيهِ الذي أستفاق منذ برهةٍ ليأتيه قول “عـادل” حاضرًا:
_شكله مش سهـ ـل وشـ ـديد.
بدأ يُخبره كيف يكون هذا الضا’بط الذي أغـ ـلق صند’وق السيارة وعاد إليهِ مِن جديد لينظر إليهِ “عـادل” ليراه يُعطيه بطاقتيه يسمح لهُ بالذهاب ليقوم هو حينها بتلـ ـبية مطلب أخيه ليقوم بفصـ ـل السماعات عن الهاتف ومِن ثم فتـ ـح مكبـ ـر الصوت ليأتي قول “علي” حاضرًا:
_بقى أخويا يتعامل المعاملة دي يا وا’طي؟.
تفا’جئ الطر’ف الآخر ونظر إلى “عـادل” الذي كان ينظر لهُ كذلك دون أن يتحدث مِمَّ جعله يسأله بنبرةٍ صا’رمة حينما قال:
_أنتَ مين وازاي تتكلم معايا بالأسلوب دا؟.
_أخو اللي بيتفـ ـتش يا حيـ ـلة أُمّك، هتعمل نفسك عبـ ـيط ولا إيه؟ شوف بطاقته وهتعرف مين بيكلمك.
هكذا جاءه جواب “علي” لينظر الآخر إلى “عـادل” الذي مَـ ـدّ يده بالبطاقة الشخـ ـصية الخاصة بهِ ليأخذها الآخر ناظرًا بها يقرأ أسمه كاملًا تزامنًا مع قول “علي”:
_ها عرفت أنا مين ولا لسه يا حيـ ـلتها؟.
__________________________
<“بطاقة صفـ ـراء بمثابة الإنذ’ار،
وأخرىٰ حمـ ـراء بمثابة بدء الحر’ب.”>
الحياة كانت هادئة، مستقرة، سعيدة، ور’دية اللو’ن، لوقتٍ ليس بطويلٍ، فقد بدأت البطاقات الصفـ ـراء تُرسل لهُ بشكلٍ متكرر ومباشر كتحذ’يرٍ صر’يحٍ مِنهم، حتى قـ ـرر هو إشها’ر البطاقة الحمـ ـراء مِن خلالها يُعلنهم عن بدء الحر’ب بين كلا الطر’فين فليس هو مَن يتم تهـ ـديديه ويصمت كثيرًا ففي المرة الثالثة با’غتهم جميعًا وأشعـ ـل الميدان وجعله سا’حة حر’ب صر’يحة..
كان يجلس في كافيه هادئ رفقة زوجته وبأحضانه تقبع صغيرته التي كانت تدا’عب لحـ ـيته الخـ ـفيفة المنمـ ـقة بأناملها الصغيرة وهي تنظر إليهِ، نظرت لهُ “ناهد” نظرةٍ ذات معنى وقالت بنبرةٍ متسائلة:
_حصل أمتى الكلام دا وازاي متعرفنيش يا “شـريف”؟.
نظر هو إليها وقد أجابها بنبرةٍ هادئة يرد عليها بقوله:
_هقولك إيه يعني يا “ناهد”؟ هقولك أخوكِ بيهـ ـددني عشان رفـ ـضت التو’كيل يتلـ ـغي مش فاهم، وبعدين أنا مخو’فتش مِنُه قولتله لو را’جل نفـ ـذ تهـ ـديدك قال هخا’ف أنا كدا يعني … لو را’جل ييجي يعمل حاجة وأنا هوريه رَدي عامل أزاي.
_يا “شـريف” أخويا مجنو’ن ومهما كان اللي هـ ـددك بيه هينـ ـفذه أنا عارفاه كويس أعمل اللي عايزُه وخلاص.
هكذا ردت عليهِ “ناهد” بعد أن شعرت بالخو’ف عليهِ مِن جنو’ن أخيها لتراه ينظر لها نظرةٍ ذات معنى قليلًا ثم أبتسم إليها وقال بنبرةٍ هادئة يطـ ـمئنها:
_مش عايزك تخا’في عليا، أنا عارف بعمل إيه كويس ولو عمل إيه مش هناو’له اللي بيسعىٰ عشانه ومش هلغـ ـي التو’كيل ولا هياخد جنيه واحد مِنك عشان ميبقاش را’جل زيه وا’حدة سـ ـت هي اللي بتصر’ف عليه والله أعلم بياخد الفلوس دي بيوديها فين.
نظرت إليهِ “ناهد” نظرةٍ ذات معنى قليلًا لتراه يبتسم لها ثم قام بومض جـ ـفنه الأ’يسر بعبـ ـثٍ لها لتبتسم هي مر’غمةً حينما رأته قد عاد إلى حا’له القديم لتسمعه يقول بنبرةٍ خا’فتة متغزلًا بها بصراحةٍ تا’مة:
_لا بس إيه الحلاوة دي كلها؟ مِن الآخر يعني صا’روخ.
شعرت بالخجـ ـل ونظرت حولها بعد أن قامت بضر’به برفقٍ على ذراعه وهي تهمـ ـس إليهِ قائلة:
_أتلـ ـم يا “شـريف” إحنا فمكان عام.
_خلاص تعالي برايفت محدش هيكون موجود.
هكذا قال بنبرةٍ خـ ـبيثة وهو ينظر لها مبتسم الوجه يقوم بومض جـ ـفنه الأ’يسر مِن جديد بعـ ـبثٍ لتنظر هي بعـ ـيدًا عن مر’ماه وهي تشعر بالخجـ ـل الشـ ـديد، أما عنهُ فقد أبتسم بعد أن رآها تتلا’شىٰ النظر إليهِ لينظر بعدها إلى صغيرته التي كانت نسـ ـخةٌ مُصغرة مِنهُ ليقوم بإمساك كفها الصغير بسبابته وإبهامه يُلثم با’طنهِ بحنوٍ ليراها تبتسم لهُ ثم تقوم بمَـ ـدّ كفها الصغير نحو وجهه ليقوم هو بلثم وجنتها الصغيرة بعدة قْبّل صغيرة متتا’لية لتضحك الصغيرة بصوتٍ طفولي ر’قيق..
نظر إليهما “ناهد” مبتسمة الوجه ترى علا’قة زوجها بأبنتها الصغيرة وكيف تغـ ـيَّر “شـريف” بعد أن جاءت صغيرتهما إلى الأفضل لتبدأ بمتابعتهما بوجهٍ مبتسم ترى تجا’وب الصغيرة مع أبيها الذي كان يقوم بملا’عبتها طوال الوقت دون أن يَمِّـ ـل.
_________________________
<“زيارة غير مسبوقة ولحظةٌ تر’قبية،
وصاحبها كان سيـ ـد المعا’رك.”>
كانت السعادة تتمَّـ ـلك مِنهُ وأصبح في بضع ساعاتٍ كالطفل الصغير الذي تلقى مكافئته على سـ ـعيه فيما كان يريد حتى وصل إليهِ أخيرًا ور’فع را’يته البيـ ـضاء أ’على القـ ـمة ير’فرف في المكان يُعلن عن فوزه بوصوله أخيرًا بعد أن طال الطريق وأشتـ ـدت قسو’ته عليهِ، رحلة صر’اع طويلة بينه وبين المر’ض أنتهـ ـت اليوم بفوزه عليهِ..
كانت “فـيروز” تقف أمامه تقوم بهند’مة ملابسه وهو كما الطفل الصغير لا يقف ثا’بتًا بل يتحرك كل ثانية حتى زفـ ـرت هي وقالت:
_يا “فـادي” أثبـ ـت بقى خليني أخلص.
نظر هو إلى نفسه في المرآة بوجهٍ مبتسم والسعادة تغمـ ـر قلبه لأول مرة بعد وقتٍ طويلٍ عادت البسمة تزور البيت والد’فئ يمـ ـلئ البيت والر’احة تغمـ ـر الرو’حُ، نظر إليها بوجهٍ مبتسم وقال بنبرةٍ ظهر بها سعادته:
_شكلي حلو يا “فـيروز” صح؟ حا’سس إني محلو أوي النهاردة عن كل يوم.
أنهـ ـى حديثه وألتفت برأسه ينظر خـ ـلفه حيثُ المرآة التي أظهرت عكـ ـس صورته لتبتسم هي حينما رأت سعادته هذه وحما’سه لتجاوبه بنبرةٍ هادئة قائلة:
_شكلك حلو في أي وقت يا حبيبي، وبخصوص بقى إنك محلو النهاردة عن كل يوم دي فمعاك حـ ـق فيها، شكلك زي القمر ورو’حك ر’دت فيك تاني ورجعت أحلى بكتير، ربنا كبير.
نظر إليها “فـادي” ليرى عبراتها تلـ ـتمع داخل مُقلتيها وهي تنظر إليهِ، أبتسم لها مِن جديد ور’فع كفيه يز’يل عبراتها عن صفحة وجهها ثم قال بنبرةٍ هادئة:
_وليه الدموع دي دلوقتي يا رو’ح “فـادي” مش قولنا كفاية.
نظرت إليهِ تتأ’مل معالم وجهه لتقول بنبرةٍ باكية:
_مبسوطة أوي ومش مصدقة إنك خلاص خـ ـفيت وبقيت زي الفُل، خلاص كل حاجة خلصت ورجعنا لحياتنا سوىٰ تاني زي ما كُنّا في الأول.
ألتمـ ـعت العبرات في مُقلتيه وأبتسم لها بعدما تأ’ثر وشعر بما تشعر هي بهِ ليضمها إلى د’فئ أحضانه محاوطًا إياها بذراعيه لتبادله عناقه حينما ضمته بكلا ذراعيها تستشعر د’فئ أحضانه والأ’مان الذي كانت تشعر بهِ دومًا بِقربه ليقول بنبرةٍ هادئة وعبراته تتسا’قط على صفحة وجهه:
_خلصت الرحلة خلاص الحمد لله ورجعت تاني، فترة طويلة وصـ ـعبة أنا عارف بس الحمد لله أتجبـ ـر فيها خاطرنا، محتاجين نبُص لقدام شوية بقى يا “فـيروز” ونتخـ ـطى المرحلة دي، عايز أكمل وعايزك معايا زي ما كُنْتي على طول معايا فكل حاجة.
مسّدت على ظهره برفقٍ وأجابته بنبرةٍ هادئة باكية قائلة:
_معاك يا حبيبي على طول، معاك عُمـ ـري ما هسـ ـيبك لحظة واحدة، أنتَ حبيبي يا “فـادي”.
لثم رأسها بِقْبّلة عميقة حنونة ثم أبعدها عنهُ قليلًا ينظر لها ليبتسم مِن جديد لها قائلًا:
_مش هتظبطيلي هدومي بقى ولا إيه يا سـ ـتّي عايز أنزل أفرحهم.
أز’الت عبراتها بكفيها ثم عادت تهند’م لهُ ملابسه مبتسمة الوجه ليظل هو متأملًا إيها بوجهٍ مبتسم وهو يُفكر كيف يقوم بمكافئتها فلقد تحـ ـمَّلت كثيرًا ولَم تتركه و’حده ولذلك أراد مكافئتها وأخذ يُفكر كيف يُكافئها..
وبعد مرور القليل مِن الوقت.
نزل برفقتها وهو مبتسم الوجه يرى الجميع في أنتظاره مثلما طلب مِنهم، أقترب مِنهم بخطى هادئة حتى وقف بالقربِ مِنهم ونظر إليهم مبتسم الوجه تجاوره “فـيروز” التي كانت تبتسم بسمةٌ هادئة تنتظر رؤية ردو’د أفعا’لهم، أخذ هو نفـ ـسًا عمـ ـيقًا ثم زفـ ـره بتروٍ وقال بنبرةٍ هادئة:
_أنا خـ ـفيت الحمد لله، مبقاش عندي لوكـ ـيميا، أنتـ ـهت رحلة الشـ ـفا على خير يا حبايبي.
وفو’ر أن أنهـ ـى قوله كان أول الراكضين إليهِ “عـز” الذي أر’تمى بأحضانهِ يُعانقه بسعادةٍ طا’غية وهو يقول بنبرةٍ عا’لية سعيدة:
_أحلف وقول واللهِ العظيم إنك خـ ـفيت بجد، قول إنك مش بتهزر يا “فـادي”.
أنهـ ـى حديثه وبكى بداخل أحضان أخيهِ حينما تلقى التأكيد مِن أخيهِ الحبيب مشـ ـددًا مِن عناقه لهُ ليضمه “فـادي” والعبرات تلتـ ـمع داخل مُقلتيه بعد أن رأى ردة فعـ ـله حينما عَلِمَ أنه قد تعا’فى مِن ذاك المر’ض، ربت “فـادي” على ظهر أخيهِ بحنوٍ ثم أبتعـ ـد عنهُ وأقترب مِن أبيه ير’تمي بداخل أحضانه مشـ ـددًا مِن عناقه إليهِ ليضمه “مـعاذ” مشـ ـددًا هو أيضًا مِن عناقه لهُ قائلًا بنبرةٍ مكتو’مة:
_حمدلله على سلامتك يا حبيبي، حمدلله على سلامتك يا نو’ر عيني دا أحلى خبر سمعته فرحت قلـ ـبي ور’يَّحت رو’حي مِن الخو’ف اللي كانت عا’يشة فيه.
ربت “فـادي” على ظهر أبيه برفقٍ ومِن ثم أبتعـ ـد عنهُ ينظر لهُ مبتسم الوجه لتسـ ـقط عيناه على والدته كانت تبكي بعد أن أخبرهم بشفا’ءه ليقترب مِنها مبتسم الوجه معانقًا إياها داخل أحضانه تاركًا إياها تبكي كيفما شاءت فهو يعلم أنها تُحبه وقلبها مُعلـ ـقًا بهِ، ضمته وشـ ـددت مِن عناقها لهُ ليُلثم هو رأسها بحنوٍ ممسّدًا على ظهرها برفقٍ قائلًا:
_رجع “فـادي” يا سـ ـت الكل، حبيب عيونك رجع.
_حبيب عيوني وحبيب قلبي وحياتي كلها.
هكذا ردت عليهِ “چـود” بنبرةٍ باكية وهي تشـ ـدد مِن ضمتها إليهِ ليأتي قول “عـز” الذي قـ ـرر التد’خل بقوله:
_وأنا فين إن شاء الله لمَ هو حبيب عيونك وحبيب قلبك وحياتك كلها؟ سيبتيلي إيه أنا بقى؟.
أبتعـ ـد “فـادي” عن والدته وألتفت ينظر إليهِ نظرةٍ ذات معنى ومعهُ والدته ليجاوبه “فـادي” بنبرةٍ هادئة مبتسم الوجه قائلًا:
_لو أنا حياتها فأنتَ رو’حها يا “عـز”.
أبتسم “عـز” وأقترب مِنهُ بخطى هادئة ليقف بجواره وأمام والدته يقول بنبرةٍ هادئة:
_أنتوا بقى دُنيتي كلها، أنا بحبكم أوي ومقد’رش أتخيل حياتي مِن غيركم واللي كان تا’عب قلبي أنتَ يا “فـادي” عشان أنا متعودتش إني أشوفك تـ ـعبان أو فيك حاجة، بس دلوقتي أنا مبسوط أوي وأر’تحت لمَ شوفتك بخير وأبتسامتك على وشك.
أتسـ ـعت بسمة “فـادي” على ثغره ليقوم بمحاوطة أخيه بذراعه الأ’يسر ومعهُ والدته بالذراع الأ’يمن قائلًا:
_أنتوا كل حاجة حلوة فحياتي ومِن غيركم ومِن غير دعمكم ودعواتكم وتعـ ـبكم معايا مكُنْتش وصلت للمرحلة دي بعد ربنا سبحانه وتعالى، أنا بحبكم أوي.
ضم “عـز” والدته بذراعه الأ’يسر بوجهٍ مبتسم وقد قام “مـعاذ” بمعانقة “چـود” كذلك وقد قال هو هذه المرة:
_أنتوا كل حاجة حلوة فحياتي، ووجودكم فحياتي بيفر’ق جا’مد أوي ولمَ “فـادي” تعـ ـب أنا كمان تـ ـعبت معاه عشان مش متعود أشوف حد فيكم تـ ـعبان أو فيه حاجة، بس كل يوم أنا كُنْت بحُط إيدي على قـ ـلبي كل يوم والخو’ف مش سايبني.
أبتسم لهُ “فـادي” وقام بمَّـ ـد كفه ووضعه على مو’ضع قلب “مـعاذ” ليستشعر نبـ ـضه السر’يع بعض الشيء ليبتسم وينظر لهُ قليلًا ثم قال:
_قلبك دلوقتي مبسوط، مش هيزوره الخو’ف تاني على حد فينا إحنا الـ ٣، أتطمـ ـن.
أبتسم “مـعاذ” بتأ’ثرٍ ثم جذ’به إلى د’فئ أحضانه يضمه بحُبٍ كبير دون أن يتحدث ليُبادله “فـادي” عناقه دون أن يتحدث مبتسم الوجه، فيما نظر “عـز” إلى “چـود” وأبتسم ضاممًا إياها إلى د’فئ أحضانه وهو يشعر بالسعادة تغمـ ـر قلبه حينما رأى هذا المشهد الذي أسعد قلبه كثيرًا، ألتفت “فـادي” ينظر إلى زوجته بعد أن رأى سعادة عائلته وأو’لاد عمومته حتى وقف أمامها ينظر إليها نظرةٍ ذات معنى ليراها تبتسم إليهِ دون أن تتحدث ليقوم بضمها بهدوءٍ مستشعرًا الرا’حة لمرته الأولى.
_________________________
<“تأ’هبت الحو’اس وأشتـ ـدت الأعصا’ب،
وبين الطر’فين تم تعمـ ـير السلا’ح وخرجت رصا’صة المو’ت.”>
كان يسير وحيـ ـدًا يُشهر بعـ ـصاته أمامه بعد أن تركته “مَرْيَم” أخيرًا يذهب وحيـ ـدًا بعد أن هاتفه رفيقه يخبره أنه يريد رؤيته والجلوس برفقتهِ لبرهةٍ مِن الوقت ولذلك لَم ينسىٰ وصا’ياها السبع بعد أن حذ’رته مرارًا وتكرارًا إن هاتفته يجيبها في الحال ولذلك قد قطـ ـع لها وعدًا صاد’قًا أن يفـ ـعل ذلك حينما يستمع إلى رنين هاتفه، ظل يسير لبعض الوقت حتى سَمِعَ رنين هاتفه يعلـ ـو بداخل جيب بنطاله ليُخرجه حينما أستمع إلى أسم المتصل ليُجيبها قائلًا:
_نعم يا “ريـما”، لسه يا حبيبتي فاضلي شوية صغيرين أول ما أوصل هكلمك، عيوني حاضر مش ناسي الوصا’يا الـ ٧ واللهِ دا أنا حا’سسني عيل صغير رايح المدرسة، براحتك يا سـ ـت الكل أنتِ تعملي اللي أنتِ عايزاه طبعًا، ماشي يا حبيبتي مع السلامة.
أنهـ ـى حديثه معها ثم أغـ ـلق المكالمة مبتسم الوجه ليصتد’م بشخصٍ ما دون أن يشعر ليُسيـ ـطر سريعًا على توا’زن جسـ ـده قبل أن يسقـ ـط أرضًا ثم قال معتذرًا:
_أنا آسف جدًا.
نظر إليهِ الطر’ف الآخر والذي أبتسم لتوه بتفهمٍ بعدما عَلِمَ أنهُ كـ ـفيفٌ ثم قال بنبرةٍ هادئة معتذرًا هو مِنهُ:
_في الحـ ـقيقة أنا اللي آسف مخدتش بالي وكُنْت هو’قعك حـ ـقك عليا.
_عادي حصل خير مفيش حاجة.
هكذا رد عليهِ “شـهاب” مبتسم الوجه ثم أكمل سيره لبضعة دقائق أخرىٰ حتى وصل إلى وجهتهِ المنشو’دة ليقوم بمهاتفة رفيقه واضعًا الهاتف على أذنه قائلًا:
_إيه يا عم فينك أنا مستنيك بره، تمام أخرج.
أنهـ ـى المكالمة معهُ ثم أغـ ـلق هاتفه ووقف ينتظر خروج رفيقه كي يصطحبه إلى الداخل، دقائق قليلة مرّت ليشعر بأقتراب أحدٍ مِنهُ ولذلك أبتسم بسمةٌ خـ ـفيفة على ثغره وقد مازحهُ بكلماته قائلًا:
_إيه يا عم الشحـ ـططة دي وكان لازمتها إيه أرض الله وا’سعة لازم تجيبني المشوار دا كله يعني؟.
_حـ ـقك عليا يا “شـهاب” ما أنا مكانش ينفع برضوا أخدك مِن مراتك بأسلوب غشـ ـيم كانت ما’تت مِن الخو’ف عليك فقولت وماله لمَ ممكن أخد’عه وأجيبه هنا بصوت “مـينا” عن طريق مُغيـ ـر الأصوات، مفاجأة من العيا’ر التقـ ـيل مش كدا؟.
هكذا رد عليهِ “جـمال” مبتسم الوجه وبنبرةٍ ملـ ـيئةٍ بالخبـ ـثِ والمكـ ـر الشـ ـديد وهو ينظر إلى “شـهاب” الذي أصا’بته صد’مةٌ كبيـ ـرة بعد أن عَلِمَ صاحب هذا الصوت القبيـ ـح الذي أضـ ـحى في ليلةٍ وضحاها عد’وًا لهُ وكابو’سه الأسو’د في هذه الحياة، تسا’رعت نبـ ـضات قلبه عا’ليًا ولذلك فعل أول ما جال في خا’طرهِ … وهو الهر’ب !!.
ولَكِنّ إن سقـ ـط الفأ’ر في مصـ ـيدة الفئر’ان فلا تبكي عليهِ حتى وإن كان عن الطريق الخـ ـطأ فحينما تسقـ ـط الضحـ ـية تنتهـ ـي اللُعبة، حاول “شـهاب” الهر’ب حينما قـ ـرر الركض فلا يَهُـ ـمْ أي شيءٍ بالنسبةِ إليهِ سوىٰ الهر’ب فقط، ولَكِنّ قبل أن يفعل ذلك منـ ـعته أيدي “جـمال” حينما أحكـ ـم قبـ ـضتيه على ذراعيهِ مشـ ـددًا عليها وقد ظهر حـ ـقده وغـ ـله على نبرة صوته وتقا’سيم وجهه حينما قال:
_أستنيت اللحظة دي مِن زمان أوي يا “شـهاب”، أستنيتها وخـ ـططتلها كتير أوي عشان تظبط، متجيش أنتَ بعد دا كله تبو’ظهالي مش هسـ ـمحلك مهما حصل … ومش هيهـ ـدالي بال غير وأنا شايفك سا’يح فد’مك وبتطّـ ـلع فالرو’ح، كفاية عليك لحد كدا بقى أنتَ لازم تمو’ت عشان أنا أرتا’ح وأخلص عشان أنتَ عامل زي الكابو’س بالنسبة لي مش قا’در أخلص مِنُه، بس دلوقتي خلاص كل حاجة فإيدي وأنا اللي هنـ ـهي عليك، مبروك يا “شـهاب”، والبقاء لله مقدمًا، كُنْت طيب أوي متستا’هلش كل دا بس للأسف بقى … دا نصيب الطيبين اللي زيك.
_”لا تأ’من لصديق العشيـ ـرة،
فهو أول اللاد’غين إليكَ.”>
_______________________________
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية أحببتها ولكن 7)