رواية بشرية أسرت قلبي الفصل الحادي والعشرون 21 بقلم آية محمد رفعت
رواية بشرية أسرت قلبي الفصل الحادي والعشرون 21 بقلم آية محمد رفعت
رواية بشرية أسرت قلبي البارت الحادي والعشرون
رواية بشرية أسرت قلبي الجزء الحادي والعشرون

رواية بشرية أسرت قلبي الحلقة الحادية والعشرون
(وخفق القلب!..)
استقر هبوطه على كوكب الأرض، فأبعد يديه عنها ومن ثم وقف يتأمل تأثرها بالمكان باهتمامٍ شديد، اندهشت “ألماندين” حينما وجدت ذاتها بمكانٍ يحيطه البشر من جميع الاتجاهات، فقالت بذهولٍ:
_ماذا يحدث؟ أين أنا؟
طاف من حولها وهو يتأمل ذعرها وتشتتها ببسمةٍ صغيرة، ومن ثم استقرت قدميه من أمامه، ليقول بثباتٍ عجيب:
_هنا، بعالم البشر تحديداً.
ثم قدم يديه لها ليسترسل بنوعٍ من السخريةٍ:
_أردت أن أريكِ بنفسي كم هما أناس خطيرة.
حافظت على ثباتها وهي تجيبه:
_بإمكاني تتبعك.
_أخشى أن أفقدك فحينها لن أتمكن من مساعدتك للعودة.
منحته نظرة نافذة، فلم يكن بيدها أي إختيارات بديلة، أمسكت بيديه فحاوط خصرها ليتخفى بها سريعاً ليظهر مجدداً بمنتصف المدينة، حيث الازدحام يملأ المكان من حوله، راقبت “ألماندين” أوجه المارة باهتمامٍ، فصفنت بما تراه باستغرابٍ، كانت تظن بأنها ستجد ملحمة دامية فيما بينهما؛ ولكن رأتهم محايدون، يخطو كلاً منهما جوار الأخر وهو يبتسم بوش بعضهما البعض، ظلت هكذا لدقائق معدودة يصطحبها “ديكسون” من مكانٍ لأخرى ترى فيه السلام يتفشى فيما بينهما، ومن ثم حملها بين ذراعيه ليخطو مئات المسافات بسرعته الفائقة، ليصعد بها فوق أعلى القمم بُرج خليفة (Burj Khalifa حيث يبلغ ارتفاعه الإجمالي 829.8 مترًا، أعلى بناء شيّده الإنسان وأطول برج في العالم)، حملها حتى وقف على السياج ليجعلها تتأمل المكان من الأعلى، استحوذت الدهشة على تعابيرها، فرددت بتلقائية دون أن تعي حالتها العجيبة:
_مذهل!
ابتسم “ديكسون”، ليردد وعينيه تحيط بها:
_أجل.
انتبهت لذاتها فابتعدت عنه قليلاً، ومازالت تتأمل هذا الجمال الذي يطغى على المباني المشيدة بحرافيةٍ عالية، حتى القمر بدى لها غريب عن لونه المعتاد بعالمها، شق صوته غبار الصمت:
_أراكِ مستمتعة بالبقاء بعالمهم!
انتقلت نظراتها إليه، لتخبره باستغرابٍ:
_بلى، ولكني لا أرى مشاحنات بينهما مثلما أخبرتني أنت.
سحب نظراته من لقاء عينيها الفيروزية ومن ثم تطلع لما يقابله من منظر بديع:
_هنا لا يوجد سوى الحب والتسامح، أتعلمين حينما أرغب بالاسترخاء أتي إلى هنا حتى أشعر بالسلام النفسي وأنا أخطو جوارهما.
وتنهد وهو يقول:
_ كثيراً ما أتمنى العيش كبشري بعيداً عن تلك الصراعات والحروب التي لا تنتهي.
بدت مندهشة مما تستمع إليه، فاسترسل:
_رأيت بعينيكِ كرهاً شديداً تجاه البشر فأتيت بكِ إلى هنا لأريكِ كم هما كائنات مسالمة، ربما تتغير نظرتك تجاهي.
دنت منه ثم ربعت يدها أمام صدرها، قائلة بشراسةٍ:
_لن يغير شيئاً من العداء الذي يجمعني بك.
رفع يديه ليعبث بخصلة من خصلات شعرها الرمادي الطويل بابتسامةٍ أسبلت أغوارها:
_حسناً، فلتخبريني إذاً بما فعلته علني أتمكن من تخفيف وجعك.
بللت شفتيها بلعابها، فتراجعت للخلف بارتباكٍ:
_أريد العودة.
رفع حاجبيه بمكرٍ:
_ليس الآن.. فربما إن أخبرتني بإسمك سأفكر بالأمر.
قبضت على معصمها بعنفٍ، فجلس “ديكسون” على حافة السياج يتأملها ببسمةٍ انتصار، مر الوقت ومازال يتأملها بابتسامةٍ جعلتها تجز على أسنانها بغيظٍ، وخاصة حينما أُجبرت على أن تردد باستسلامٍ:
_”ألماندين”.
اتسعت ابتسامته وهو يردد باعجابٍ:
_بالطبع سيكون اسمك مميز مثلك أنتِ.
أخفت ارتباكها بتمكنٍ:
_هل يمكننا العودة الآن؟
أبعد جسده بعيداً عن السور ومن ثم مد يديه إليها، فقدمتها له على مضضٍ، ارتفع بها ببطءٍ وكأنه لا يريد العودة بها، يود لو ظل يتأملها هكذا حتى أخر عمره، ولكن لكل نقطة بداية نهاية فوصل لنهايته حينما وصل لعالمهما، تركت “ألماندين” يديه ومن ثم نادت بصوتها عالياً:
_”كاديان”.
ظهرت فور سماعها ليتضاعف حجمها أضاعفاً، فأستلقت الأخرى فوق ظهرها، أسرع “ديكسون” خلفها ليردد بملامحٍ واجمة:
_سأراكِ مجدداً؟
رفعت رأسها ورشقته بنظرةٍ نارية:
_حينها ستكون بعداد الموتى.
وغادرت لتتركه مبتسماً بتسليةٍ، فبعدما رأت قوته وما يتمكن من فعله بعينيها مازالت مصرة أن تتحداه مجدداً!
*******
بالرغم من عدم اقتناعها بما تفعله ولكنها أرادت أن تبذل ما بوسعها لاسترجاعه، ليتها تعلم بأنها لم تحصل عليه من البداية حتى تسترجعه الآن، قضيت “إريكا” ليلها بأكمله تتحدث مع “جوردن” الشاب الذي تعرفت عليه بالملهى الليلي، شعرت بالاستياءٍ من تدخله الملحوظ بتفاصيل حياتها؛ ولكنها أرغمت على تنفيذ وصايا صديقة السوء بأن ترسم دور العاشقة الحالمة علها تتمكن من تنفيذ أول مخططاتها.
********
بددت الشمس ظلام الليل لتمنح بأشعتها الدفء والأمان، فاستعدت “روكسانا” للهبوط للأسفل علها تتمكن من رؤية ابنها، انعقد حاجبيها بدهشةٍ حينما استمعت للمشاحنة المتبادلة بين “ضي” و”إيمون” وخاصة حينما صاحت به بانفعالٍ:
_أخبرني ما الذي أصابك؟
مرر يديه على أنفه بعصبيةٍ:
_لا شيء أمي أنا فقط لا أشعر بالجوع!
تركت “ضي” الطعام من يدها:
_منذ الأمس وأنت لم تتناول شيئاً وتخبرني بأنك لست جائعاً!
زفر بغضبٍ:
_هل إرتكبت جريمة لعدم حاجتي للطعام، أرجوكِ أمي كفى لقد سئمت الحديث بذلك.
ثم تركها وكاد بالمغادرةٍ فلحقت به “روكسانا”، استوقفته حينما نادته، فاستدار ليكون مقابلها، لينحني بوقارٍ:
_صباح الخير مولاتي.
رفعت يدها على كتفيه بحنانٍ:
_صباح الخير”إيمون”، كيف حالك؟
قال وهو يجاهد لرسم ابتسامة صغيرة:
_بخير حال.
بعدم إقتناع قالت:
_لا أرى ذلك، أخبرني ما الذي تحاول إخفائه عن”ضي”؟
تطلع لها بحزنٍ شعرت به من لهجة صوته البائسة حينما قال:
_كيف سأقنعها بأن هناك آلآم تسيطر على جسدي بالدرجة التي تمنعني بالشعور بالجوع أو الظمأ؟
واستكمل ببسمةٍ ألم:
_ليتني أتمكن من نسيان كل ما هو مؤلم لقلبي..
ومن ثم أخفض رأسه ليستأذن بالإنصراف، فعادر سريعاً لمملكته خشية من أن يكتشف أحداً ما به، ربما لا يعلم بأن شكوك”روكسانا” تأكدت بتلك الكلمات المختصرة..
******
بمملكة الحوريات.
تمددت “ألماندين” على فراشها الوثير، ثم أخذت تعبث بخصلات شعرها الرمادي بشرودٍ، تأبى ذكريات الليلة الماضية تركها، تعاد من أمامها بأدق تفاصيلها وكأنها تود أن تخلق شيئاً بداخلها، تفتت الأحجار المكورة على هيئة حاجز يصنع لها مكان خاص منعزل عن القصر، وجدت الملكة “رودوليت” أمامها فنهضت عن محلها ثم انحنت للأمام قليلاً لتؤدي تحيتها بوقار، فقالت الأخرى:
_كنتِ برفقته أليس كذلك؟
دقت ذكراه بابها، فتماسكت وهي تجيبها بثباتٍ:
_أحاول التقرب منه حتى تسنح لي الفرصة بقتله.
تأججت حطام الماضي بداخلها ليدفعها بكرهٍ:
_سأقتص منه حتى أخر أنفاسي.
نظرة غامضة طافت بأعين الملكة التي تشاهد برمق عينيها حق شقيقاتها يعود دون أن تتسخ يدها بالدماء، وربما خطوة إضافية لتحقق هدفها الغامض!
********
بالمختبر..
لم تفقد “روكسانا” شغفها الكلي بالوصفات الطبية التي تساعد بها شعب المملكة، فكانت تعاون “ضي” على إبتكار أنظمة أدوية مشابهة لما كانت تصنعها من قبل، فربما جرعات مكثفة تكفي لشفاء شعبها، انتهت من اعداد فصيلة جديدة من هذا النوع الفريد ومن ثم أبعدت الجهاز عنها لتحدث ذاتها بابتسامةٍ واسعة:
_رائع!
_كل شيئاً تعدينه رائعاً.
استدارت تجاه الصوت بسعادةٍ:
_”ديكسون”!
جلس على حافة أحدى الصخور ليحيها برسميةٍ:
_فلتحيا ملكة السراج الفاتنة.
ابتسمت وهي تشير له بمشاكسةٍ:
_أهلاً بك أيها الحاكم العظيم.
قال وأصابعع تعبث بالعشب الأخضر القريب منه:
_هل لي بمعرفة ماذا تفعل أمي؟
أجابته ساخرة:
_كالعادة أستغل غياب “ضي” لصنع دواء جديد.
ابتسم وهو يحذرها بمرحٍ:
_حسناً، هل سيتطلب الأمر الهروب للأرض حتى تنتهي عواقب هذا الاختراع!
خلعت القفازات عن يدها قائلة:
_لا لن يستدعي ذلك.
ثم جففت يدها قائلة:
_ولكن التنقل لعالمي هو الأمر الجيد، لذا كن على استعداد.. غداً ستصطحبني للأرض اشتاقت ل”كيفن” و “لينا”.
عند تذكرهما انقلبت ملامحه بصورةٍ ملحوظة، فاقتربت منه”روكسانا” لتتساءل بخبث:
_أخبرني “ديكسون” ما الذي حدث بينك وبين “إريكا” بالتحديد؟
قال مندفعاً:
_لم يحدث بيننا شيئاً، أخبرتها فقط أنني أراها مثل “إيرلا”.
فهمت مغزى ما يلقيه على مسمعها، فقالت بحزنٍ شديد:
_ليتها تعلم ما الذي تركته خلفها دون أن تتمكن من الشعور به!
**********
أسفل أمواج البحر الهائج غرق “إيمون” بدوامة ينسجها الألم من خيوط العشق الممزق، يتمنى لو كان هو خيارها الأول، يعلم بأنه مختلف عنها بالشكل والجنس لذا من الطبيعي حبها وإختيارها لديكسون كونه يماثل البشر بشكلٍ كبير،تبك الغيوم السوداء ابتلعته لدرجة جعلته معزول عن سماع ما يحدث من حوله، حتى “أركون” تعجب حينما لم يشعر بوصوله لمكانهما السري، جلس جواره ليناديه من جديدٍ:
_”إيمون”!
عاد لواقعه فتساءل بدهشةٍ:
_”أركون” متى أتيت!
أجابه ساخراً:
_كيف ستشعر بقدومي وأنت تائه بعالمك الوردي!
عاد ليمرر حجر الشَادَنج (حجر الدم) على أطراف سيفه الحاد ليضمن تحكمه بمهارات استخدمه، ضيق “أركون” عينيه باستغرابٍ لإستسلامه السريع من الردود، فقال بجديةٍ تامة:
_هل أنت على ما يرام؟
كان يود الحديث عما يضيق بصدره، ود لو طرح ما يحزنه بصدقٍ من دون خوف:
_لست بخير “أركون”، فمن أحببتها بصدقٍ أحبت شخصاً عزيز على قلبي.
واستطرد بغصة مريرة:
_كنت أعلم بأنه لا يحبها وأخشى أن أصارحها بذلك، كنت أعلم بأن الحقيقة ستؤلمها وبأن ذاك اليوم سيأتي بالتأكيد ولكني لم أتمكن من تخفيف آلامها.
بلل “أركون” شفتيه بلعابه وهو يسأله بشكٍ:
_تلك الفتاة هي “إريكا” أليس كذلك!
أومأ برأسه بحزنٍ، فشدد على كتفيه بضغطةٍ قوية وهو يخبره بثقةٍ:
_ربما سماعها لذلك منه يجعلها تعيد حساباتها من جديد.
أجابه بشرودٍ:
_ربما.
********
استيقظت باكراً ثم تسللت للأسفل سريعاً علها تتمكن من رؤياه، فبنهاية الأمر امتلكت شجاعة الاعتراف بالحب الذي تسلل بداخلها تجاهه، سلكت “إيرلا” الطريق المؤدي لجناحه ومن ثم تفحصت المكان جيداً قبل أن تتخفى لتظهر بداخله، بحثت عنه جيداً فوجدت ستار ضخم مرئي بأحدى زوياه، اقتربت بحرصٍ شديد لتتخطاه ومن ثم أصبحت بالداخل، شعر بوجودها فأمر الأوربوروس بالإنصراف سريعاً، فهي سره الخفي التي تساعده على معرفة ما يحدث من حوله، انتابه الفضول لمعرفة هذا الشجاع الذي اقتحم جناحه بتلك الطريقة، فتفاجئ بها تبحث عنه بعينيها المتلهفة لرؤيته، ظهر من أمامها بصورةٍ مفاجئة، فارتدت للخلف قائلة:
_أفزعتني!
رفع حاجبيه بسخطٍ:
_هل كنتِ تتوقعين رؤية أحداً أخر بجناحي!
بدت حمقاء بعض الشيء، فعبث بخصلات شعرها الطويل كمحاولة بائسة من الهروب من حصاره الذي يضعها بخانة محرجة للغاية فأنتقت كلماتها لتخبره بها بتوترٍ :
_كنت أود شكرك على ما فعلته بالأمس.
جذب سيفه المعدني ليضعه بثيابه الملكية ومن ثم دلف لجناحه، فلحقت به لتستمع لكلماته الساخرة:
_كم مرة ستقدمين على شكري “إيرلا”؟
رغم السخرية البادية بحديثه الا أنها ابتسمت بهيام حينما نطق اسمها لأول مرة، فهمست بتلقائيةٍ حالمة:
_ليتك تردد اسمي حتى أمل من سماعه!
استدار تجاهها فور سماعه لكلماتها التي ظنتها غير مسموعه، لعقت شفتيها بخجلٍ فتصنعت انشغالها بتأمل جناحه، جلس” سامول” باسماً على حافة الفراش القاسي ليستكمل إرتداء ملابسه، ثم تساءل بحذرٍ شديد:
_عاقبك “لوكاس” حينما علم بشأن زيارتك لزمرد فماذا لو علم بإقامتك هنا!
ردت عليه بابتسامةٍ ساخرة:
_لن يعنيه الأمر كثيراً..ولي عرش المملكة هو الذي يسترعى انتباهه هو وزوجته الملكة.
كلماتها المختصرة أوحت لسامول بأن هناك ما يعيق العلاقة التي تربطها بأخيها، انتهى من ارتداء القفازات الفضية ومن ثم نهض ليصبح مقابلها، فقال بصلابةٍ:
_ألن يناسبك العرش حتى تختاري الانسحاب!
أجابته بوجعٍ:
_لم تسنح لي فرصة الاختيار “سامول”، كانت من حق أمي، أراها حيلة ذكية منها حتى تبعدني عن العرش.
قال باستغرابٍ:
_وكيف للملك أن يوافقها في مثل هذا الأمر!
_عله يراني لا أستحقه هو الأخر.
قالتلها بقهرٍ يندس بحديثها المرح، فانتبهت اليه عندما دنا ليصبح مقابلها، يطالعها باهتمامٍ شديد، فتحرك فكيه ناطقاً:
_ولعل هذا الأفضل إليك ِ، فأنا أراكِ جميلة ناعمة لا يليق بكِ خوض تلك الحروب السياسية.
وإن كان حديثه غير مستحباً لها، ولكن راق لها تغزله الصريح، فأكتفت برسم بسمة صغيرة على وجهها، ومن ثم أسرعت بالخروج قبل أن تفقد التحكم بمشاعرها الفياضة تجاهه.
********
حملت”روكسانا” الطعام بنفسها لجناح ابنتها، فحركت الباب بصعوبةٍ بالغة، فجسدها البشري هزيل يعجز طاقتها أمام باب هكذا، فمنذ اليوم الذي وّلد به “ديكسون” وهي اعتادت على عودة طاقتها البشرية الضيئلة، فتحته بصعوبةٍ ومن ثم ولجت لتبحث عنها بذعرٍ حينما لم تجدها بالجناح بأكمله، فصرخت بصوتها بأكمله:
_”إيرلا”، ابنتي!
طاف بعقلها عدة أفكار كلاهما أصعب من الأخر، انساب الدمع على عينيها، فلم تجد مفر من اللجوء إليه، لذا رفعت صوتها تستعيده:
_”لوكـاس”
ظهر كيانه أولاً ومن ثم تشكل أمامها، ليسألها بدهشةٍ حينما وجدها تبكي:
_ما الأمر “روكسانا”؟
بصوتٍ شاحب من البكاء قالت:
_” إيرلا” ليست هنا.
قوس جبهته بتعجبٍ:
_ماذا؟
ومن ثم صاع بتابعه بغضبٍ:
_كيف حدث ذلك؟ أخبرني كيف تمكنت من الخروج؟
وضع رأسه أرضاً وهو يردد بخوفٍ شديد:
_رقبت الجناح جيداً مولاي الملك لم يغادر أحداً الجناح!
كاد بأن يمزقه أشلاء، فظهر “ديكسون” من أمامهما ليخبره بثباتٍ:
_سمحت لها بالذهاب أبي.
اتجهت الأعين تجاه الصوت المألوف، فتساءلت “روكسانا” بصدمةٍ:
_”ديكسون”!
حاوطته هالة مخيفة دلالة على غضبه العظيم، فقال بحدةٍ:
_كيف تتجرأ على معارضة قرار اتخذه الملك بذاته؟
وضع عينيه أرضاً بوقارٍ قبل أن ينطق:
_لم أتمكن من رؤيتها بهذا الحال أبي.
صاح بانفعالٍ:
_ أنا من يتخذ القرارات هنا.
ردد على نفس الوَتيرة:
_أنا مستعد لأي عقوبة ستقررها أنت.
جز على أسنانه بغيظٍ من تحديه الصريح إليه، فقال بعنفٍ:
_بالطبع سأقرر عقوبتك بنفسي ولكن ليس قبل أن تعود ابنتي.
وتركه وغادر على الفور، فجلست “روكسانا” على الأريكةٍ تبكي بتأثراً، أسرع إليها “ديكسون” لينحني مقابلها ومن ثم أزاح عنها دمعاتها وهو يردد بحزنٍ:
_لا تبكي أمي، أكره رؤية دموعك.
ثم احتضنها ليبرر لها ما فعله:
_رأيت بأعينها تمرد وكره عظيم، لا أعلم سببه لذا سمحت لها بالذهاب عل الأمور تصبح على ما يرام.
ابتعدت عنه لتتعمق بالتطلع إليه، فضغطت بيدها على يديه المتمسكة بها لتشدد بكلماتها:
_لا تتخلى عنها مهما حدث “ديكسون”.
قبل رأسها هامساً:
_لن يحدث ذلك..
******
وقفت تتطلع لذاتها بالمرآة بنظرة مستريبة، تشعر وكأن من تقف أمامها فتاة أخرى لا تشبهها بأي شيء، مسحت” إريكا” تلك الدمعة الخائنة التي تود إفساد مساحيق التجميل التي تضعها للمرة الأولى ثم جذبت حقيبتها الصغيرة لتغادر سريعاً قبل أن ترأها “لينا” أو أبيها، هبطت لتجد “جوردن” بانتظارها بسيارته الفاخرة، صعدت لجواره فمنحها نظرة شملتها باعجابٍ كبير قبل أن يطلق صفيراً مزعج:
_تبدين رائعة حقاً يا فتاة!
قالت بابتسامةٍ متكلفة:
_شكراً لك.
أشعل مقود السيارة وهو يخبرها بعزمٍ:
_سنذهب لمكانٍ سيعجبك بالتأكيد.
ردت باستسلامٍ يائس:
_مثلما تشاء.
اقترب منها منحياً على كفيها ليقبله برقةٍ:
_ستستمتعين برفقتي كثيراً.
ارتدت للخلف بارتباكٍ ملحوظ:
_لا تفعلها مجدداً “جوردن”.
رغم استيائه من طريقتها التي وجدها مبالغ بها الا أنه قال:
_حسناً، اهدئي.
ومن ثم قاد السيارة ليصطحبها لمكانٍ مقزز، يطوفه النساء العاريات وكأنهن سلع رخيصة للبيع، حتى المقاعد يشملها عشاق تمادى العشق بينهما ليصل لمرحلة لا تشملها الأخلاق بأى معنى، شعرت بالنفور من وجودها بمكانٍ هكذا ولكنها حاولت على مضض تجاهل ما يحدث جوارها، جلست ” إريكا” على أحد مقاعد الطاولة الثنائية فجلس مقابلها، عبثت بطبق الطعام الموضوع من أمامها بشرودٍ، حتى كسر هو الصمت فيما بينهما:
_أخبريني “إريكا” هل أحببتي من قبل؟
تركت السكين من يدها ثم تطلعت له بنظرةٍ بائسة:
_بالطبع أحببت شخص أكثر من روحي.
ثم ابتسمت ساخرة:
_ولكنه لم يراني سوى صديقته البشرية المقربة.
ردد بدهشةٍ:
_ماذا تعني بالبشرية!
تطلعت له مطولاً قبل أن تضيف:
_هو ليس بشري، بل من عالم أخر.
_هل تناولتي مشروباً أثر عليكِ!
أكملت تناول طعامها ببرودٍ:
_دعك من هذا.. فعلى طبيعة الحال لن تصدقني.
انتابه الفضول، فقال بفضولٍ:
_أخبريني وسنرى.
أخبرته “إريكا” عن السر الذي صانه “كيفن” لأكثر من خمسة وعشرون عاماً، أخبرته عن العالم المتخفى خلف الستار العازل على كوكب كيبلر، وعن “لوكاس” وحكمته بإدارة مملكة “السراج الأحمر”، وعن قصة عشقها لديكسون ورفضه لحبها، انتهت من سرد قصتها على مسمعه لتختمها بقولها:
_ولم أرغب بالعودة منذ ذلك الحين.. لذا منحتك الفرصة بالتقرب مني علني أتمكن من نسيانه.
مرر يديه على وجهه كمحاولةٍ لإخفاء ضحكاته، ليشير لها باستهزاءٍ:
_نسيان من؟ أوه” ديكسون” ذاك الذي يتمكن من التنقل بين الكواكب! أمراً عظيم حقاً.
ثم تناول مشروبه بضحكة عالية، لتردد “إريكا” بحدةٍ:
_كفاك سخرية “جوردن” ، لست أمزح.
_لأكن صريح “إريكا” لديكِ متسع هائل من الخيال لماذا لا تكتبين سيناريو فيلم سيحقق نجاحاً باهراً!
أطبقت على شفتيها باسنانها غيظاً، فقالت:
_يوماً ما سأعرفك على “ديكسون” وحينها ستصدق كل ما أخبرك به.
ثم جمعت أشيائها، لتشير له بضيقٍ:
_علي العودة، أراك لاحقاً.
*********
بمملكة “الشارق”
تعرض حرس الحاجز لإصابات بالغة، والجميع بحالةٍ من الذهولٍ، فأسرع أحداهما ليبلغ تابع الملك ليتجه هو الاخر لقاعة “سامول” العظيم، أنحنى باحترامٍ قبل أن يفصح عما أتى مهرولاً إليه:
_مولاي الملك الحارس أبلغني أن هناك شيئاً غير مرئي يهاجمهم، ولم يتمكن أحداً من التعامل معه.
نقل نظراته عنه ليتابع قاعته بنظرةٍ ثابتة، فارتسمت بسمة صغيرة على جانبي شفتيه:
_أهلاً بك “ديكسون”.. أتمنى أن تكون قضيت وقتاً ممتعاً هنا.
تعجب التابع من حديث الملك الموجه لشخصٍ غير موجود، وإزدادت صدمته حينما ظهر” ديكسون” من أمامهم، أشار له “سامول” بالمغادرة ثم نهض عن مقعده ليدنو منه حتى صار قريباً، فتساءل:
_ما سر زيارتك الغريبة لمملكتي؟
سُلطت نظراته الثاقبة عليه وهو يجيبه:
_أين “إيرلا”؟
قطب جابيه مستنكراً سؤاله ومع ذلك أجابه بثباتٍ:
_أليس أنت من سمح لها بمغادرة القصر لرؤية صديقتها الأمر غريب بعض الشيء!
ظل يتأمله بصمتٍ مزقه بكلماته الغامضة:
_لست هنا لأتحدث عما فعلته، إستدعي”إيرلا” في الحال.
ناطحت النظرات بعضها البعض فيما بينهما، فرفع “سامول” صوته:
_”أمادي”.. أحضر “إيرلا”.
إنصاع له على الفور وتخفى ليعود سريعاً بها، حتى” زمرد” لحقت بها بقلقٍ، اندهشت “إيرلا”من وجوده فتساءلت باستغرابٍ:
_ماذا هناك”ديكسون”؟
أمسك بمعصمها برفقٍ:
_لنذهب.
ثم عاد ليقف من أمام”سامول” مجدداً، فقال وعينيه متعلقة بأمادي:
_ليتك تعلم من هو عدوك الحقيقي!
ثم تركهما وتخفى بها سريعاً ليظهر بمملكة “السراج الأحمر” ، أما “زمرد” فرددت بخوفٍ:
_أخشى أن يصيبها بالسوء.
أحاطها “سامول” بين ذراعيه ليمسد على شعرها بحنانٍ:
_لا أعتقد ذلك.
*******
ظهر بها سريعاً بالمملكة، فهرعت إليها “روكسانا” بقلقٍ شديد، تتفحصها بخوفٍ من أن يكون أصابها السوء، ثم عنفتها بعتابٍ:
_عودتي للذهاب هناك مجدداً.. الا تخشي أن يقتلك “سامول” انتقاماً منا!
قالت ببرودٍ:
_إن كان يريد ذلك لفعله منذ البداية، “سامول” ليس بتلك الحقارة ليقتل أحداً مثلما فعلتم أنتم بأبيه.
_”إيريـــلا”
انطلق صوت “لوكاس” الغاضب كالشلال العاصف بعدما نهض عن مقعده ومن ثم اقترب منها وهو يردد بحدةٍ:
_تماديتي كثيراً وبمخالفتك لأمري ستزداد عقوبتك وحينها ستتعلمين كيف تحترمين قراراً إتخذه الملك؟
وقف “ديكسون” أمامها سريعاً، وكأنه يشكل حاجز منيع لحمايتها من غضب الملك :
_ أنا من سمح لها بالمغادرة لذا العقاب سيكون من نصيبي.
قبض على قبضتيه بتمهلٍ حذر ليرد بإصرار أشد عنداً:
_هل تراني ملكاً ظالماً لأحاسب شخصاً على ذنباً ارتكبه شخص أخر!
تصاعد الامور فيما بينهما دفعها للتدخل، فقطعت الحديث فيما بينهما قائلة:
_وهل تراه مخطئاً بالدفاع عن شقيقته “لوكاس”!
وكأن حديثها بذاك الوقت كان كتذكار له بأنها تمقت رؤيته مندفعاً هكذا بالحديث إلى أحداً من أبنائه، فقال قبل أن يتخفى من القاعة:
_الذهاب لمملكة”سامول” هو أمراً إنتحاري لن يقبل به أب لا يتمنى رؤية السوء بابنته.
ثم تخفى من أمامهما، فمررت “روكسانا” يدها على ظهر ابنتها وهي تردد بحنانٍ:
_لا تفعليها مجدداً “إيرلا”.. أتوسل إليكِ.
استجمعت شتات شجاعتها لتقول:
_سأذهب.
ثم تركتهما وعادت لجناحها، فجلست”روكسانا” أرضاً باستسلامٍ، تفرغ ما بداخلها من وجعاً يتمكن منها، جلس “ديكسون” جوارها ليقربها إليه، فاحتضنته لتخرج الكلمات بصعوبةٍ من وسط موجة بكائها:
_ما الذي اقترفته بحقها حتى أنال كل تلك القسوة “ديكسون”!
رغم غضبه الشديد مما فعلته” إيرلا”الا أنه تماسك وهو يجيبها:
_ستعي يوماً ما بخطيئة ما تفعله بحقنا وحق المملكة.
ثم أبعدها عنه حتى يبدد تلك الدمعات الحارقة بعزمٍ:
_لا تفكري بأي شيئاً سييء، إطمئني فأنا هنا.. لجوارك.
أومأت برأسها بثقةٍ، ثم طبعت قبلة صغيرة على جبينه وهي تخبره بابتسامةٍ ثقة:
_أعلم أنك لجواري دائماً.
ثم غادرت القاعة لتلحق بزوجها، تاركة “ديكسون” ينازع تلك الأفكار المميتة التي تهاجمه بشأن تمرد “إيرلا” فبترها تماماً حتى لا تعود لمهاجمته مرة أخرى!
*****__________*****
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية بشرية أسرت قلبي)