رواية بشرية أسرت قلبي الفصل السابع والعشرون 27 بقلم آية محمد رفعت
رواية بشرية أسرت قلبي الفصل السابع والعشرون 27 بقلم آية محمد رفعت
رواية بشرية أسرت قلبي البارت السابع والعشرون
رواية بشرية أسرت قلبي الجزء السابع والعشرون

رواية بشرية أسرت قلبي الحلقة السابعة والعشرون
(ما بين العشق والموت!.)
خرجوا أخيراً من ذاك الكيان المتنقل، فوجد “سامول” كهف ضخم يكسوه اللون البرتقالي المائل للأصفر، تتوهج من حوله هالة مخيفة تشع بلونها الأحمر، ومن حوله يوجد عدد من الأحجار الملونة، تعجب “سامول” وهو يتفحص تلك الأحجار، فسألته “إيرلا”:
_ماذا سنفعل الآن؟
حملت”زمرد” الأحجار الملونة بين يدها،ثم إختارت حجر “الأكوامارين”، ودفعته بمنتصف الفجوة فتفتت الأشعة الحمراء من أمامهما ليصبح جاهزاً لإستقبلهما، ألقى “أركون” نظرة متفحصة بالداخل ثم قال:
_لماذا هذا الحجر بالتحديد.
أعادت خصلات شعرها المتمردة للخلف وهي تجيبه:
_لا أعلم شعرت وكأنه يعطي بصيرة مختلفة، وربما إبتهاج لونه المميز هو من دفعني لإختياره.
ابتسمت “إيرلا” وهي تضيف بمرحٍ:
_أشعر وكأننا سنقضي مغامرة رائعة.
منحها “سامول” نظرة مشككة ثم أشار لهما ساخراً:
_سنرى.
مروا خلف بعضها البعض، فكانت الأرض غير متساوية، يملأها منحيات منعرجة، خشت “زمرد” أن تسقط أرضاً، فاستندت بيدها على جدران الكهف الباردة اندفعت يدها بالداخل، فشعرت وكأنها ضغطت على شيئاً ما ، توقف الجميع محلهم حينما انفتح من أمامهم باب من الثليج بجوار “زمرد” التي تخشبت محلها كالموتى، تحرك “أركون” تجاهها وهو يحثها على المضي قدماً وحينما لم تستجيب له، قال بهدوءٍ حذر:
_أخبريني ما الذي ترينه بالتحديد؟
طالت حالة جمودها لتتنقل حدقيها مع من يخرج من تلك البقعة التي تسببت بفتحها، ليظهر أمامهما«وايتوريكي Waitoreke» بجسده الذي يشبه القضاعة أو القندس أو كائن زعنفي الأقدام، حجمه كان ضخماً فرأسه كانت تلامس سطح الكهف، ثم وقف مقابل “أركون”و”سامول”، فزمجر بصوتٍ كاد أن يصيبهم بالصم، وكأنه حرم من صوته لآلآف من الأعوام، ردد “أركون” بخوفٍ:
_هذا لا ينذر بالخير يا صاح.
حافظ على حدة نظراته تجاه هذا الوحش المخيف يحاول أن يدرس انطباعته، وجده يحرك رأسه يميناً ويساراً بحركاتٍ مندفعة، عينيه بالرغم من أن يملأها الضوء الا أنه بدى ل”سامول” بأنه لا يرى، فحينما تلتقط أذنيه أي صوت ينتفض جسده بتحفزٍ واضح ، التفت “سامول” لأركون ثم همس بهدوءٍ :
_إبعد “زمرد” في الحال.
بحذرٍ شديد جذبها ليخطو بانتباه حتى وصلت للجهة الآخرى مقابل “إيرلا” التي تراقب ما يحدث بصدمةٍ، عاد “أركون” بخطواتٍ حذرة لموضعه فاحتكت قدميه على الجليد الذي انشق من أسفله ليصبح بركة من المياه ابتلعته بجوفها، فور التقاط آذنيه لهذا الصوت، اندفع رزاز قوي من فمه أذاب الجليد أسفل قدمي “سامول” الذي حلق عالياً ليتفاداه ومن ثم اتبع المكان الذي سقط به “أركون”، فحاول جاهداً البحث عن سيفه الذي أسقطه بالمياه، نهش لحم جسده بمخالبه الصغيرة، فتأوه بألمٍ شديد، صرخت”زمرد” فزعاً وهي تراه يهاجم معشوقها، فلم تجد سوى تلك الحيلة ليتركه، ركضت فوق الثليج لتدبدب بأقدماها محدثة ضوضاء، فانتفض جسده الملس ثم أخذ يبحث عن مصدر المصدر، وما أن حدده بنجاحٍ وجد صوت أخر شتت انتباهه، فما كانت سوى “إيرلا” التي تحاول إنقاذ رفيقتها، فما أن هرع إليها صاحت بزمرد وهي تشير تجاه البركة الصغيرة:
_أخرجيه من المياه.
أومأت برأسها ثم ركضت تجاهه، حاولت أن تدفعه خارجها ولكنها لم تستطيع، فتحول جسدها للسيرانة طبيعتها التي تمكنها من التأقلم مع المياه، في ذلك الوقت حاولت “إيرلا” أن تشتته قدر ما استطاعت ولكن بات الأمر في أقصى خطورته حينما كاد بأن يلامس جسدها بأنيابه، تحكمت بقوتها قدر ما استطاعت وهي تراقب”زمرد”التي تحاول إخراج “أركون” فصرخت بها بحدةٍ:
_أسرعي “زمرد”.
نجحت أخيراً بإخراجه بعيداً عن المياه، بينما كانت تواجه” إيرلا” معركة شرسة خشيت أن تستخدم بها طاقتها فينهدم الكهف من فوقهما، ولكن حينما حاصرها لم يكن لديها مهرباً آمن، توهجت لتسلط طاقتها تجاهه، فتراجع للخلف وهو ينوح بصوتٍ مخيف، في ذلك الوقت استطاع”سامول” كسر الحاجز الثلجي الذي فصلهما عنه ليسرع تجاهه، سقط فوق رأسه ومن ثم حرر سيفه الذي التف حول جسده ليفتته لأشلاءٍ مقززة، احتضنها “سامول” وهو يسألها بلهفةٍ:
_هل أصابكِ؟
قالت بمرحٍ:
_خدوش صغيرة لن تؤثر لا تقلق.
قطع حبال الرومانسية المتبادلة بينهما صوت الشرخ القوي الذي تسلل بسقف الكهف الثلجي، أسرع “سامول” ليحمل “أركون” فاقد الوعي ثم دفع شقيقته على استكمال طريقها مردداً بتحذيرٍ:
_علينا الرحيل قبل أن ينهدم.
ركضت كلاً منهن مسافة طويلة، فإنهار الجليد بمدخل الكهف العجيب، قالت “زمرد” بخوفٍ:
_كيف سنخرج من هنا الآن.
ردت عليها “إيرلا” بتخمينٍ:
_من المؤكد بأن هناك مخرج أخر.
وجد “سامول” مكان دافىء فوضع “أركون” به ثم كور يديه ليصنع هالة تحيط بالمكان الذي يخيم به، فتحت “إيرلا” الحقيبة التي سلمتها لهم “راوند” فوجدت بالداخل قطعة من القماش، شكلها غريب ، فما أن أخرجتها من الحقيبةٍ حتى تمددت حجمها لتصبح بحجم الوكر الخاص بهما، حاولت “زمرد” أن تجعله يسترد وعيه، فرددت بخوفٍ اصطحبته دمعة خافتة:
_”أركون”!
فتح عينيه وهو يتفحص صدره المخدوش بوجهاً ممتعض من الألم، فمرر يديه على خديها بابتسامةٍ صغيرة:
_لا تقلقي حبيبتي، أنا بخير.
أسرع إليه “سامول” فجذب من الحقيبة أحدى الفراشات السحرية ومن ثم بتر أجنحتها ليداوي جرحه الغائر، ثم أخبره بودٍ:
_ستكون على ما يرام.
شكره بامتنانٍ كبير، فداثره جيداً بمعطفه الأسود ثم عاد ليجلس بأحد الأركان، فجلست “إيرلا” من جواره ليحاوطها بين ذراعيه، ثم قال بحنانٍ:
_أغلقي عينيكٍ “إيرلا”، لا تقلقي أنا هنا.
منحها الأمان بكلماته الدافئة، فغفلت بين أحضانه متناسية الخطر الذي ينتظرها بالخارج، أما”أركون” فبدأ جرحه يندمل تدريجياً حتى أصبح في حالة جيدة، فاستقام بجلسته وهو يتفحص المكان، رفع حاجبيه بذهولٍ حينما رأها تجلس لجواره وتتأمله بخوفٍ وترقبٍ وما أن أفاق حتى أسرعت إليه لاهثة:
_”أركون”، خشيت أن أفقدك.
ابتسم وهو يجيبها ساخراً:
_خدش بسيط سيفقدني حياتي!
ثم جذبها اليه، لتمدد رأسها على قدميه ليجبرها على الاسترخاء قائلاً بعشقٍ:
_أنا بخير، لا تقلقي.
منحته بسمة صغيرة قبل أن تغفو بإرهاقٍ شديد، فظل هو متيقظاً حينما وجد النوم قد استحوذ على “سامول”، ليراقب المكان جيداً.
*********
انتهى الكيان المتنقل ل”ديكسون” بمكانٍ فارغ، ليس به أي شيئاً قد يستدل بوجود كهف أو أي شيء، فالمكان من حوله يغرقه اللون البني القاتم بشكلٍ مخيف، تساءل “إيمون” بدهشةٍ:
_أين الكهف؟
خمنت “إريكا” قائلة:
_ربما هنا أو هناك دعنا نبحث جيداً.
وتجولت للمكان قليلاً ثم عادت لتقف أمامهما من جديد وهي تردد بمللٍ:
_لا يوجد شيء!
قالت “ألماندين” بثقةٍ:
_يبدو إنه غير مرئي.. علينا إيجاد وسيلة للدخول سريعاً.
اهتدت نظرات “ديكسون” لذلك الطائر الصغير، الذي بمتلك أجنحة ضخمة مقارنة لحجمه الضئيل، هبط من الأعلى ليقف أسفل قدميه، فلمح بمخالبه شيئاً ملفوف جيداً، إنحنى ليجذب ما بقدميه، ثم فتحها ليجد كلمات مدونة بلغةٍ يجهلها، أسرعت إليه “ألماندين” لتتأمل ماذا وجد؟ ثم جذبت الورقة منه لتردد بتعجبٍ:
_لغة الجنيات!
قال “إيمون” بذهولٍ:
_وكيف سنقرأ ما دون بها؟
حاولت “ألماندين” قراءة ما دون بها، فارتبكت بصورةٍ ملحوظة، منحها “ديكسون” نظرة شك، فجذبها بعنفٍ لتقف أمامه:
_ماذا دون بالورقة؟
بتوترٍ اجابت:
_لا شيء.
ثم تركتهما وابتعدت قليلاً لترسم بيدها مدخل مثلث الشكل ثم بدأت بترديد التعوذيدة التي بيدها بقلبٍ يرجف خشية مما عرفته فاحتفظت به لنفسها:
_من وسط الظلام إسطع للنور، أميرة الحوريات “ألماندين” تأمرك بالسماح بالدخول وقد وافقت على ما دون بالميثاق المختوم!
كلماتها المبهمة جعلته يعلم بأن هناك أمراً أخفته عنه “ألماندين”، فدنا ليصبح قريب منها، وكاد بأن يتحدث فقاطعه انشقاق الأرض لتنزلق بهما للأسفل ومن ثم ألقت بهما أمام باب مثلثي الشكل يتعلق به عدد كبير من شتى أنواع الجماجم، ابتلعت”ألماندين” ريقها الجاف بصعوبةٍ وهي ترى أمام أعينها مصير حامل الميثاق ومن عهد بقراءة ما دون به، كادت بأن تضع يدها على الحجر الأسود الموضوع جوار الباب، تميمية للعهد، شكوكه دفعته لأن يفعل ذلك فسابقها “ديكسون” قبل أن تفعلها لينفتح الباب تدريجياً، صعقت “ألماندين” مما فعله فلكمته على صدره وهي تصرخ به بشراسةٍ:
_ماذا فعلت؟
ثم حاولت إغلاق الباب مجدداً وهي تصيح بانفعالٍ:
_لن أحتمل خسارتك.
تساءل “إيمون” بشكِ راوده حينما رأى حالتها واستمع لما تقول:
_ماذا كتب بالورقة “ألماندين”؟
أجلت أحبالها الصوتية المنقطعة وهي تجيبه:
_لا أعلم ما الذي يعنيه بالتحديد، ولكن كتب بأن من سيفتح باب الكهف سيواجه البوناكون (The bonnacon).
سألتها” إريكا”:
_وما هذا الكائن؟
أشارت برأسها بدموعٍ:
_لا أعلم ولكنه خطير ينتزع جمجمة الرأس بمخالبه الحادة حتى يغلق باب الكهف مرة أخرى!
صعق كلاهما أما هي فجلست أرضاً تبكي بحرقةٍ، فانحنى “ديكسون” من أمامها ثم قرب يديه منها، فدفعته بقوةٍ في كل مرة حاول لمسها، حتى حينما أمسك يدها سحبتها وهي تصيح بحدةٍ:
_إبتعد عني.
لم يستسلم من محاولاته لتهدئتها، فلامس بأصابع وجنتها، أبعدته عنها مرة والأخرى بكت وهي تردد بألمٍ شديد:
_ماذا سأفعل إن أصابك مكروه؟
بابتسامة ساحرة جذبها إليه، مردداً بمكرٍ:
_كانت رغبتك أليس كذلك؟
لكمته بعنفٍ فحاوط يدها وهو يحتضنها بتملكٍ، مسد بيديه على خصلات شعرها الرمادي وهو يهمس لها بأنفاسٍ أذابت حصونها:
_لن يحدث شيئاً سنعود سوياً وسنعلن زواجنا ثم ستزف حوريتي الشرسة برائها الملكي وتاج مملكة السراج يلمع فوق خصلات شعرها الحريري، ومن ثم سنخرج بحفل استقبال رائع ويدي تتمسك بيدك لأخر نفس سيحيط بينا.
هدأت تدريجياً بين أحضانه، فعاونها على الوقوف ومن ثم أشار لها بحبٍ وهو يهمس:
_مازلت لجوارك.
صوبت تجاهه نظرة قاتمة فابتسم وهو يشير له بأنه سيتحلى بالصمت، أشار له “إيمون” الذي وقف بصحبة “إريكا” على مسافةٍ قريبة منهما، ليمنحهما بعض الخصوصية، فأتى مسرعاً ليقف خلفه وهو يستعد بأسلحته لما قد يلقاه بالداخل، ولجوا تباعاً للداخل ليجدوا المكان ضيق ومعتم، فتفاجئوا جميعاً بضوءٍ أبيض يتخلل المكان، واستداروا للخلف، فوجدوا “إريكا” تضيء كشاف هاتفها الخلوي وهي تشير لهم بتعجرفٍ:
_أتظنون أن البشر لا يمتلكون صلاحيات التميز بين عصركم الغريب هذا!
ضحكت “ألماندين” على دعابتها، فتلك الفتاة على الرغم من أنها المرة الأولى التي تراها بها الا أنها شعرت بارتياحٍ غريب تجاهها، أشار لها “إيمون” بتتابعه بعنايةٍ فكان يخطو بحرصٍ وتأهب لأي شيئاً قد يحدث، انتهى الممر الرفيع بمكان مستطيل الشكل، يحده أربعة مداخل مختلفة، وقفوا يتطلعون لهما بحيرةٍ، فقالت “إريكا”:
_أي طريقاً سنسلك؟
تخشب جسد ” ألماندين ” وكأن هناك شيئاً لامس جسدها، أسرع إليها “ديكسون” فحال بينه وبينها كياناً غريب لم توضح معالمه جيداً، بل يظهر منه ضوء خافت يشير لوجوده، جحظت عين “ألماندين” بصدمةٍ وهي ترى كيان جدتها يتشكل من أمامها ومن ثم وضعت يدها على رأسها وكأنها تلقنها شيئاً ما، انسدلت دمعاتها في صدمة وهي تستمع لها حتى أنها استطاعت رؤية ملامح وجهها بوضوحٍ.
كاد “ديكسون” باستخدام صولجانه ليكسر هذا الحاجز الذي يفصله عنها،فأوقفه “إيمون”قائلاً:
_ انتظر”ديكسون”.. ذاك الشيء لا يؤذيها!
تأمل بعينيه ما يحدث، فاذا بالكيان يختفي أثره تماماً حتى جسد”ألماندين” استعاد ثباته الفعلي، أمسك بها “ديكسون” وهو يسألها بتلهفٍ:
_ماذا حدث؟
برهبةٍ أجابته:
_أعتقد بأنها جدتي، الملكة “ريلام” .
ارتعبت “إريكا” فتمسكت بثياب “إيمون” وهي تصرخ بفزعٍ:
_لم يكن ينقصنا سوى الأشباح هنا!
قال “إيمون” ساخراً:
_لا يوجد بعالمنا أشباح أو ما يشبه ذلك يا فتاة، اصمدي فمازالت الرحلة الشيقة ببدايتها.
كان يتعمد الاستهزاء منها، فحينما طلب منها البقاء بالمملكة تلبستها روح المحاربة الشجاعة فجأة وها قد تخلت عنها سريعاً، أسند “ديكسون” “ألماندين” ثم عاد ليسألها باندهاشٍ:
_ماذا كان يحدث بينكِ وبينها؟
هزت رأسها بخوفٍ ومازالت لا تستوعب ما رأته:
_لا أعلم “ديكسون”، وضعت يدها على رأسي ثم رددت شيئاً غريب، وأخذت تهمس لي بأشياءٍ لا أتذكرها.
تفهم حالتها، فما حدث لم يكن هيناً، فمرر إبهامه على يدها برفقٍ:
_لا عليكِ، إهدائي فحسب.
أومأت برأسها وهي تقاوم رجفة جسدها القاسية، عاد الكيان ليتشكل من أمامها، فلم يتمكن أحداً من رؤيته سواها، علمت بأنها إشارة تواصل بينها وبين جدتها لترشدها على المكان الصحيح، أشارت بأصبعها على المكان الذي سلكته ثم قالت:
_من ذلك الإتجاه.
تطلع كلاً منهما للأخر بصمتٍ ثم حملوا أسلحتهم ليسلكوا الطريق الذي أشارت عليه”ألماندين”، طريق طويل قضوه مشي دون رؤية ما يجذب الإنتباه أو أي شيئاً يؤكد لهم بأنه بالطريق الصحيح، توقفت” إريكا” عن المشي وهي تقول بتعبٍ:
_أشعر وكأننا ضللنا الطريق!
ثم أشارت على قدميها بوجعٍ:
_ قدمي لم تعد تحملني!
رد عليها “ديكسون” بهدوءٍ:
_لا أعلم ولكن سنرى.
ثم أشار لإيمون:
_إحملها.
منحها نظرة مغتاظة قبل أن يحملها، فلفت ذراعيها حول عنقه وهي تهمس له بصوتٍ منخفض:
_أليس هذا أفضل من أن تمشي بمفردك؟
احتدت نظراته، فابتسمت ساخرةٍ:
_ما بك يا رجل أمازحك فحسب!
ثم أضافت:
_أشعر وكأن تلك الرحلة ستكن سبباً في انفصالنا، أرجوك “إيمون” ابتسم قليلاً!
رسم ابتسامة مصطنعة وهو يجز على أسنانه بغيظٍ من برود أعصابها، توقفوا جميعاً حينما وجدوا من أمامهم حائط أحمر اللون بنهاية الطريق ، هبطت “إريكا” ثم قالت بثقةٍ:
_ألم أخبركما بأنه الطريق الخاطئ.
ثم أشارت ل”إيمون” برقةٍ مضحكة:
_ هيا إحملني لنعد أدراجنا.
انتبهوا جميعاً لديكسون الذي انحنى أرضاً وهو يردد بثباتٍ:
_بل نحن بالإتجاه الصحيح، “إيمون” إقترب.
أسرع “إيمون” إليه ليتطلع لما يلفت انتباهه هكذا، وجد من أمامه فجوة صغيرة تمكنه من رؤية الفراغ من خلف الحائط، فأشار لهما بالتراجع ومن ثم حطم “إيمون” الحائط بسيفه فاندفعت رائحة عفنة جعلت “إريكا” تسعل بقوةٍ، فيبدو أن جسدها الهزيل لا يحتمل بعض التغيرات البسيطة على عكسهما تماماً، جذب “ديكسون” هاتف “إريكا” ليسلطه بالداخل فوجد عدد من العظام يملأ الممر الذي يضيق عما دخل منه، فأشار لهما بيديه:
_توخوا الحذر، لا تلمسوا شيئاً.
أشاروا له بانصياعٍ فمرت “ألماندين” من خلفه ومن ثم تتبعتها “إريكا”، ومر” إيمون”أخراً فكاد بأن يصل إليهما لولا ما جذبه ليثبت جسده أرضاً، استدار بذهولٍ ليجد يد من عظاماً تتمسك بقدميه فأبعدها عنه ثم أسرع ليقف جوار “ديكسون” الذي استبشر بقدوم خطراً وشيك، استدار سريعاً لألماندين يؤمرها:
_اصطحبي “إريكا” لمكان آمن.
أشارت له بتفهمٍ ثم أسرعوا ليبحثوا عن مكانٍ آمن بالداخل، تحركت العظام بقوةٍ، انشقت الأرض من أسفل يد الهيكل ليظهر من أمامهما مخلوق مرعب له رأس أسد وجسم شاة وذنب أفعى، ينبطح رأسه أرضاً وهو يزئر بغضبٍ ليسرع تجاههما، الممر كان ضيق لا يستطيع التعامل معه في مكانٍ هكذا، رفع “ديكسون” صولجانه وهو يحاول أن يفنيه سريعاً؛ فتفاجأ بأنه فقد طاقته المكتسبة، تجردل من كل شيء أصبح عادياً، على عكس “إيمون” و”ألماندين”مازال يتمتع كلاً منهما بمهاراته، لم يكن الوقت مناسباً للتفكير فيما حدث، فاستخدم “ديكسون” الصولجان كعصا غليظة ليهوي بها على رأس المخلوق المندفع، فلم يؤثر به شيئاً، فكاد بخسارة حياته، لولا تدخل “إيمون”الذي انقض عليه ليقيد رقبته وجسده بأكمله فمنح الفرصة لديكسون الذي جذب سيفه الملقي أرضاً ثم استهدف به قلبه ليتوقف عن محاولته المستميتة للتحرر منه.
ألقى به”إيمون” وهو يلهث من فرط ما فعله:
_كان هذا وشيكاً.
أشار له الأخير بموفقة ما يقول، ثم نهض ليتفحص الصولجان مجدداً، ليستدير تجاه “إيمون” ثم قال ساخطاً:
_أيا كان ما سأواجهه بنهاية الأمر فهو ذكي، جردني من قوتي ليتمكن مني مثلما تمكن ممن قبلي.
ظهر الخوف جلياً على وجه “إيمون”، فأكد له بثقةٍ:
_وإن يكن.. ستنتصر بالتأكيد.
ارتسم على ثغره ابتسامة هادئة ليشير له بتتبعه، ليجدوا الفتيات.
*********
بمملكة” السراج الأحمر”
تمم “لوثر” على حراسة القصر بأكمله، ثم بأنحاء المملكة فحرص على توزيع الجنود على مداخلها ومخارجها، وخاصة الأسوار المحيطة بها، أحنى رأسه بوقارٍ وهو يردد:
_فليحيا ملك السراج “لوكاس” العظيم.
قبل “لوكاس” تحيته بابتسامةٍ صغيرة، ثم مشى لجواره وهو يراقب بعينيه انتشار الجنود ليحيطوا بالسور الداخلي كالمدرعات، فقال ونظراته الحزينة تحيط بشعبه:
_”رودوليت” اللعينة تعلم جيداً بأن شعبي نقطة ضعفي لذا ستستهدفهما أولاً.
أومأ “لوثر” برأسه ثم أشار له بإرداة ورغبة بالإنتصار:
_لا تقلق “لوكاس” لن نسمح لها بذلك. سندافع عن الشعب والمملكة بأخر نقطة دماء تسري بعروقنا.
ربت بيديه على كتفه القوي وقال بإطراءٍ يثني عليه:
_أعلم بأنك مقاتل شجاع “لوثر” لا أشك بك ولا بما تستطيع فعله، ولكن ما سنواجهه تلك المرة طاقة شر يصعب التخلص منها.
بتفاؤلٍ قال:
_سيعود “ديكسون” و”سامول” بالرمح وحينها سنتمكن من ذلك.
صمت قليلاً قبل أن يخبره بصرامةٍ وحزم:
_وإلى أن يحدث ذلك سندافع عن المملكة بكل قوتنا، شدد عليهم جيداً فنحن لا نعلم بأي وقتٍ سنتلقى الهجوم.
أخرج سيفه وهو يلوح به لقائد الحرس الملكي ثم أجابه:
_عد إلى القصر وتفحص أموره ولا تقلق بما يحدث عنه.
أشار له بثباتٍ فأنحنى “روجان” حينما دنا منه، فمرر “لوكاس” يديه على جسده بابتسامةٍ حنونة ثم همس له:
_هيا يا بطلي لنعد للقصر.
حلق به سريعاً، فالعلاقة بينهما ناردة، فعلى الرغم من أن الملك “شون” قدم له أكثر من مخلوقات وطائر يمتلكوا من القوة ما يرعب الأبدان الا أنه تمسك به مثلما تمسك “روجان” به، فخدمه مطولاً حتى وإن كان قد تقدم بالعمر؛ ولكنه مازال يسابق سرعة الرياح!
******
بالقصر.
كان يجلس “أدلر” جوار أخيه الملك “شون”، يستمع حديثه المتطرف لطفولة”سامول”، وأبرز له مدى إعجابه بشخصه فكان يهابه الكثير، وعن سماته النبيلة التي يحتفظ بها، انتهى من قص كل ما هو متعلق به فتحرك فك الأخير ناطقاً باستغرابٍ:
_بالرغم مما إرتكبته بحقك وبحق “لوكاس” كنت تراقبه وتعتني به دون أن يشعر بك، لا أدري كيف سأرد لك ما فعلته لأجلي؟
رد عليه “شون” ببسمةٍ تخللت على وجهه المجعد:
_ “سامول” وإن يكن يصغر “لوكاس” كثيراً؛ ولكنه ابني بنهاية الأمر.
ثم مرر يديه على ركبته وهو يشير له بابتسامته المشرقة:
_دعك من هذا فأخيراً وبعد أعواماً اجتمعنا من جديد.
ضحك وهو يؤمى برأسه بهدوءٍ، ثم عاد ليتساءل بدهشةٍ:
_أين “بُوران” لم أراها بالقصر منذ خروجي!
توغل الحزن لمعالمه، فجاهد ليتماسك أمامه وهو يخبره:
_لم نفترق أبداً حتى بعد رحيلها أشعر بها لجواري، رحلت ومازالت خالدة بقلبي!
حزن “أدلر” كثيراً، فقال بضيقٍ لم نبشت به كلماته من ذكريات مؤلمة للأخير:
_أعتذر بشأن ذلك.
امتعضت ملامحه وهو يجيبه:
_لا تعتذر عن شيء “أدلر”، فهناك أموراً يصعب على العقل نسيانها.
ثم استطرد:
_أتعلم لا أصدق بأننا نجلس ونتسامر الحديث سوياً، الزمان عجيب حقاً.
ابتسم ثم احتضنه بحبٍ قد غاب عن قلبه لأعوام وعاد ليشرق قلبه المعتم.
_أرى الشقيقين قد أنعم بهما الحب فتناسوا تلك الحرب الوشيكة!
كلمات مازحهم بها”لوكاس” الذي يقف من خلفهما يراقب بصمتٍ ما يحدث يينهما، أشار له “شون” بحدةٍ مصطنعة:
_ولماذا أنت منزعج مما يحدث هنا أيها الملك، أهناك قوانين تمنع الأخ من الجلوس مع أخيه!
ضحك وهو يدنو ليقترب منه:
_ليس هناك قانون يمنع ملك السراج الأحمر وأخيه من ذلك.
تعالت ضحكاتهم التي حرص “لوكاس” على رسمها على وجوههم، بينما بداخله قلقاً مما هو قادم!
*********
بجناح “راوند”
وجدها تجلس على الفراش والتوتر يستحوذ عليها فجعلها تبدو بعمراً أكبر من عمرها، إقترب “بيرت” منها ثم جلس جوارها ليضع يديه على يدها وهو يسألها باهتمامٍ:
_ما الذي يشغل تفكير ملكة الحوريات؟
تطلعت له بربكةٍ وهي تجاهد باختيار الكلمات التي ستصل له ما الذي تشعر به بالتحديد:
_أخشى أن يصيبها سوء.
سألها بعدم فهم:
_من؟
أوضحت ما تقصده:
_ابنتي..”ألماندين”.
فتح ذراعيه ثم أشار لها بحبٍ:
_إقتربي” راوند”.
زحفت بقدميها حتى أصبحت بأحضانه، فمسد بيديه على خصرها وهو يخبرها بحبورٍ:
_لن يحدث مكروه لها..”ديكسون” جوارها أشعر بالإرتياح حيال ذلك.
تسللت ابتسامة مشاكسة إليها، فقالت:
_أكنت تصدق بأن ابنتنا ستجمعها قصة حب “بديكسون”!
ضحك وهو يهز رأسه نافياً:
_الأمر صادم للجميع، كنت أظن بأنه يحب” إريكا”.
نهضت عن الفراش، ثم جذبت فستانها الأخضر لترتديه وهي تجيبه على تلك النقطة:
_”ديكسون” يحب “إريكا” بالفعل؛ ولكنها بالنسبة إليه مثل “إيرلا”، وحينما ولدت اختار إسماً مشابه لها.
انتبه إليها وهي تضع زينتها بعدما تألقت بهذا الفستان الساحر، فتساءل بدهشةٍ:
_إلى أين؟
أجابته وهي تضع تاجها المهيب على خصلات شعرها:
_علي الذهاب للمملكة ربما أتمكن من معرفة أي شيء يخص الحقيرة “رودوليت”.
نهض ليقترب منها، ثم ألقى تعليماته المعتادة:
_حسناً، ولكن كوني حذرة.
ابتسمت وهي تؤكد له:
_لا تقلق.
*******
اعتاد رؤيتها بكل مكان بالقصر، ولكن منذ الصباح لم تحضنها نظراته التي تترقب رؤياها بتعطشٍ وشوق، صعد لجناحه عله يراها، فوجدها جالسة لجوار الشرفة الذهبية تتطلع بالخارج بشرودٍ جعلها لم تنتبه حتى لوجوده، إقترب ليجلس جوارها على الصخر الرمادي، ثم لف ذراعيه من حولها، فانتبهت لوجوده أخيراً، صمتها حتى بعد أن رأته جعله يشعر بالوحدة برغم وجودها لجواره، فأمسك بمعصمها وهو يسألها بلهفةٍ:
_ما الذي يحزن ملكة قلبي؟
انسدلت أحدى دمعاتها المكبوتة بداخل حدقتيها ثم قالت بصوتٍ شاحب:
_لا أعلم، ولكن هناك شعوراً موحش يهاجم قلبي.
والتفتت تجاه وهي تستطرد بخوفٍ:
_لن يحتمل قلبي خسارتك أو خسارة أحد من أبنائي”لوكاس”.
أزاح دمعاتها بأطراف أصابعه، ليشير لها بذهولٍ:
_وما الذي يدفعك لقول ذلك؟
ثم نهض ليجبرها على النهوض هي الاخرى، ليستكمل حديثه:
_اطردي تلك المخاوف” روكسانا”.. لن يحدث شيئاً مما يراودك.. أعدك بذلك.
ووضع يديه على وجنتها الساخنة ليشير لها بضيقٍ:
_كم مرة بعد يجب أن أخبرك بها أن دموعك تلك تقتلني؟
جففت دمعاتها ثم أشارت له بخوفٍ مصطنع:
_لن أبكي مجدداً.
ثم مازحته إياه:
_أنا قوية للغاية.. أليس كذلك؟
ابتسم لتنبع وسامته التي تزداد رغم كبر سنه، فضمها لصدره وهو يهمس بعشقٍ:
_ملكتي لا أحداً بشجاعتها وجمالها.
أغلقت عينيها على صدره، دقات قلبه النابض تشعرها بأن ما يهاجمها مجرد هلاوس تفتك بها، أزاحت كل ما يشغل تفكيرها عن الغد، وتركته مجهولاً لها.
*********
بمملكة الحوريات..
لم تتمكن أي منهن من الوصول لمكان “روردليت”، فكأن الأرض انشقت وابتلعتها، فجن جنون”راوند” لذلك، ولم تجد خيار أخر سوى العودة للمملكة وترقب ظهورها الذي سيعد أمراً مفجع للجميع!
******__________********
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية بشرية أسرت قلبي)