روايات

رواية أحببتها ولكن 7 الفصل التاسع والستون 69 بقلم بيسو وليد

رواية أحببتها ولكن 7 الفصل التاسع والستون 69 بقلم بيسو وليد

رواية أحببتها ولكن 7 البارت التاسع والستون

رواية أحببتها ولكن 7 الجزء التاسع والستون

رواية أحببتها ولكن 7 الحلقة التاسعة والستون

أَخوكَ الَّذي لا يَنقِضُ الدَهرَ عَهدَهُ،
وَلا عِندَ صَرفِ الدَهرِ يَزوَرُّ جانِبُه،
فَخُذ مِن أَخيكَ العَفوَ وَاِغفِر ذُنوبَهُ،
وَلا تَكُ في كُلِّ الأُمورِ تُجانِبُه.
_بشار بن برد.
_________________________
كل خطوة كُنْتَ تخطوها كانت بمئة خطوة وترقبٍ..
كل خطوة كُنْتَ تخطوها كُنْتَ تخشى أن تكون حُفرة سقوطك في بئر المصائب، كانت جميع خطواتك سليمة وآمنة فيما عدى الخطوة التاسعة والتسعون؛ كانت هذه خطوة سقوطك في حُفرة الكوارث التي تم تخطيطها إليكَ حتى تسقط بدون أن تنهض مِن جديد.
_<“السقوط في بئر المصائب خطيئة،
ودفع الثمن كان عادلًا بالإعدام.”>
الصد’مة كانت حليفة الجميع لا أحد يُصد’ق ما يحد’ث وتتـ ـلقاه آذانهم، نظر “ليل” إلى الضا’بط حينما بدأ العسكر’ي في وضع الأصـ ـفاد الحد’يدية حول معصميه وقال بنبرةٍ حا’دة:
_يعني إيه حـ ـط الكـ ـلبشات فإيده؟ “مـينا” بر’يء معملش حاجة.
نظر لهُ الضا’بط نظرةٍ با’ردة وقال بنبرةٍ حا’دة يرد عليهِ:
_دا رأيك أنتَ، إنما هو حتى اللحظة دي المتهـ ـم الأول والو’حيد، دا شـ ـغلنا ياريت متدخلش.
أشتـ ـعل “ليل” غضـ ـبًا حينما رأى رد الآخر الذي كان يتو’اقح معهُ ليرد عليهِ بنبرةٍ منفـ ـعلة قائلًا:
_هو إيه اللي متدخلش ومش شغلي أنتَ عبيـ ـط ولا إيه أنا ظا’بط زيي زيك واللو’ا اللي بتاخد أ’وامر مِنُه دا يبقى جدي يعني تهـ ـدى وتحتر’م نفسك وأنتَ بتتكلم معايا بدل ما نز’عل مِن بعض وترجع تعيط زي النسو’ان.
حربٌ طا’حنة بين الطر’فين وأشتـ ـعلت في هذه اللحظة ليزد’اد غـ ـضب الآخر الذي صر’خ بهِ بنبرةٍ منفـ ـعلة قائلًا:
_أنتَ عبيـ ـط ولا إيه !! أقسم بالله لتند’م على كلامك دا وهعرفك أنا أبقى مين كويس أوي وهوريك مين اللي هيعيط زي النسو’ان يا ***** يا عد’يم التر’بية !!.
تدخل “علي” في الحال ير’دع حديث ابن عمه الذي كان سيهجـ ـم عليهِ ويُبر’حهُ ضر’بًا ومعهُ منـ ـعه “أحـمد” وهو يُبـ ـعده عن مر’ماه قائلًا بنبرةٍ حا’دة:
_خلاص يا “ليل” أسكت مينفعش الكلام دا يا أخي إيه ر’اعي على الأ’قل صاحبك اللي مر’مي جوه دا منعرفش عنه حاجة بقالنا ساعة ونص، أو را’عي أختي على الأ’قل المشر’حة مش نا’قصة قتـ ـلىٰ.
نظر إليهِ “ليل” ووتيرة أنفا’سه سر’يعة أ’ثر إنفعا’له الشـ ـديد وهو ير’مق الآخر بشـ ـرٍ وهو يتو’عد لهُ بداخله وأضطـ ـر لأن يصمت مرا’عاة لمشاعر “مَرْيَم” وحا’لتها السيـ ـئة ولصديقه الحبيب الذي يصا’رع المو’ت في الداخل؛ فيما ألتفت “حُـذيفة” إلى الضا’بط وهو يقول بنبرةٍ حا’دة:
_مش خلصت شغلك أتفضل يلا مع السلامة.
_أنتَ بتكلمي كدا ليه أنتَ كمان هو أنا لعبة فأ’يديكم !!.
هكذا رد عليهِ الضا’بط بنبرةٍ غا’ضبة بعد رأى أسلوبه الذي لَم يرو’ق لهُ ليز’داد غضـ ـب “ليل” أكثر ومعهُ “حُـذيفة” الذي رد عليهِ بنبرةٍ حا’دة قائلًا:
_هو أنتَ عايز تتخا’نق مع أي واحد فينا وخلاص؟ ما تمشي يا عمّ جيت خدت “مـينا” خلاص مع ألف سلامة متصد’عناش بقى اللي فينا مكفينا، يلا يا عمّ الله يسهلك أمشي.
أقترب “أحـمد” مِن صديقه “مـينا” بخطى هادئة حتى وقف أمامه وقال بنبرةٍ هادئة مربتًا على ذراعه برفقٍ:
_متـ ـقلقش مش هنسيـ ـبك، لسه التحقـ ـيقات شغا’لة وأدعي “شـهاب” يخر’ج مِنها على خير ويفو’ق عشان يقول الحـ ـقيقة، كلنا فضهـ ـرك متخا’فش.
نظر لهُ “مـينا” نظرةٍ هادئة ثم جاوبه بنبرةٍ هادئة قائلًا:
_متخا’فش عليا، المهـ ـم خلوا بالكم مِن بعض.
أبتسم لهُ “أحـمد” ثم عانقه ممسّدًا على ظهره قائلًا:
_أنا وا’ثق إنك مظلـ ـوم وهتخر’ج مِنها على خير، تفا’ئل يا “مـينا” هي دي الدنيا.
حرك “مـينا” رأسه برفقٍ ثم أبتسم لهُ بعد أن أبتـ ـعد “أحـمد” عنهُ لينظر إلى أصدقائه مود’عًا إياهم ثم ر’حل مع هذا الضا’بط وكأنه مجر’مًا قام بإرتكا’ب جُر’مًا فا’حشًا وسيذهب ليتم معا’قبته بما يناسبه، ألتفت “حُـذيفة” إليهم ينظر لهم بهدوءٍ دون أن يتحدث ليُحرك “أحـمد” رأسه برفقٍ وقلـ ـة حيـ ـلة ثم ولج إلى شقيقته مِن جديد والتي قد بدأت تعود إلى و’عيها تدريجيًا ليجاورها هو ناظرًا إلى الطبيب الذي قال:
_متقلـ ـقوش هي زي الفُل مفيهاش حاجة خالص، كل اللي حصـ ـلها إغمـ ـاء بس بسـ ـبب الضغـ ـط اللي أتعر’ضتله بس مش أكتر أهـ ـم حاجة تهتـ ـم بصـ ـحتها سواء أكل أو شرب عشان ميحصـ ـلش إغمـ ـاء تاني.
تفهم “أحـمد” حديث الطبيب ليُحرك رأسه برفقٍ يؤكد على حديثه قائلًا بنبرةٍ هادئة:
_أكيد طبعًا يا دكتور، شكرًا لحضرتك.
_العفو، ألف سلامة عليها.
هكذا رد الطبيب بوجهٍ مبتسم بشو’ش ثم تركهم ور’حل، فيما نظر “أحـمد” إلى شقيقته التي بدأت تستـ ـعيد و’عيها ليأتي قول “شُـكري” الهادئ:
_أنا هروح أجيبلها حاجة تاكلها عشان تفو’ق شوية.
_تسلم يا “شُـكري”.
هكذا رد عليهِ “أحـمد” بنبرةٍ هادئة ليتركهم “شُـكري” بالفعـ ـل ويذهب، نظرت “رنيـم” إلى صديقتها الحبيبة ثم قالت بنبرةٍ هادئة وهي تُمسك بكفها الأ’يمن تمسّد عليهِ برفقٍ:
_أنتِ كويسة يا “مَرْيَم”؟ حا’سة بإيه دلوقتي؟.
جاء رد “مَرْيَم” إليها حينما قالت بنبرةٍ وا’هنة:
_حا’سة إني د’ايخة، مش قا’درة أر’فع را’سي مِن على المخدة حا’سة إني لو ر’فعتها هـ ـقع.
جاء رد “أحـمد” هذه المرة حينما قال بنبرةٍ هادئة حنونة:
_طبيعي يا حبيبتي، أنتِ مكلتيش أي حاجة واللي أتعر’ضتيله مش سهـ ـل عليكِ، طبيعي يا حبيبي “شُـكري” بنفسه راح يجيبلك حاجة تكليها، شوفتي أخو جوزك حنين أوي أزاي؟
هكذا مازحها “أحـمد” بوجهٍ مبتسم ليراها تبتسم بسمةٌ خـ ـفيفة هادئة ليأتي قول “نهىٰ” التي قالت مبتسمة الوجه:
_هو “شُـكري” كدا طول عمره طيب، وبعدين دي مر’اة أخوه يعني فمقام أخته أخوه مش موجود هو يسـ ـد وبعدين “مَرْيَم” مش غريبة دي بنتي اللي مخلـ ـفتهاش.
أبتسم إليها “أحـمد” ومعهُ “مَرْيَم” التي حاولت النهوض ولَكِنّ مِن جديد عاد الدو’ار يقتـ ـحم رأسها لتشعر بأن المكان مِن حولها وكأنه يتسا’قط؛ قام أخيها بمسا’ندتها وقد ضمها إلى د’فئ أحضانه واضعًا رأ’سها على كتفه قائلًا:
_أرتا’حي شوية، كدا غـ ـلط لو مش عشان خاطرنا عشان خاطر “شـهاب” لو كان موجود دلوقتي مكانش قِبِل اللي بتعمليه دا.
_أنا خا’يفة عليه أوي يا “أحـمد”، بجد خا’يفة.
هكذا جاوبته “مَرْيَم” بنبرةٍ خا’ئفة بعدما تذكرت ما حدث وكيف هو الو’ضع بهم الآن لتشعر بهِ يُربت على ظهرها بحنوٍ مطـ ـمئنًا إياها بقوله الهادئ:
_متخا’فيش إن شاء الله الدكتور هيخرج وهيطـ ـمنا عليه وهيبقى زي الفُل، أهـ ـم حاجة تدعيله عشان محتاج دعواتنا أوي دلوقتي.
شعرت “مَرْيَم” بالإر’هاق ولذلك وضعت رأ’سها على كتف أخيها الذي لَم يخذ’لها يومًا مغمضة العينين تحاول أن تحظى بالقليل مِن الرا’حة فما مرّت بهِ ليس سهلًا عليها البتة تدعو إلى الله أن تهـ ـدأ الأوضا’ع قليلًا ويعود إليها حبيبها مِن جديد دون أن يصـ ـيبه مكـ ـروهًا، فيما ز’فر “أحـمد” بعـ ـمقٍ ونظر إلى ابن عمه “علي” الذي كان يقف بالقرب مِنهُ والضـ ـيق ظاهرًا على تقا’سيم وجهه بعد ما حد’ث إلى رفيقه “مـينا” المسـ ـكين والذي كان طُـ ـعمًا بالنسبةِ إليهِ لا أكثر حتى يقوم بإرتكا’ب الجر’يمة وإنسا’بها لغيره وهو يظن هكذا أنه يهرُ’ب مِن فعـ ـلته ولَكِنّ لا يعلم أنه قد قام بحفـ ـر مقبـ ـرتهِ بيده في هذه اللحظة.
_________________________
<“صديقي الذي عا’بني في الأمسُ ضاحكًا،
اليوم أصبح كلانا متشا’بهين والقـ ـصاص حا’كمٌ.”>
كانا يجلسان في ردهة المنزل “حـمزة” يتابع التلفاز ويشاهد مسلسله المفضل وبجواره كان يجلس “مـعاذ” يعبث في هاتفه بإند’ماجٍ يضحك بين الفينة الأخرىٰ ويشارك الآخر برؤية بعض المنشورات المضحكة حتى جاء قول “مـعاذ” المتشـ ـفي الذي لَم يحيـ ـد بصره عن شاشة هاتفه مبتسم الوجه:
_شوف يا “حـمزة” سبحان الله يا أخي ربنا عا’دل ميرضاش بالظـ ـلم، مِن كام سنة قعدت تتر’يق عليا عشان شـ ـيلت المـ ـرارة شوف حالك دلوقتي، دوقت اللي دوقته يا ابن “سـالم” عشان تعرف إنها د’وارة مبتسـ ـيبش.
أبـ ـعد “حـمزة” بصـ ـره مِن على شاشة التلفاز ونظر لهُ نظرةٍ ذات معنى بطر’ف عينه ليراه مبتسم الوجه ليأتي قوله الهادئ:
_أدينا أتعادلنا، خـ ـف بقى عشان مش قا’در أقو’ملك مخصو’ص عشان أعجـ ـنك، ضيـ ـعتلي صحـ ـتي بدري منك لله.
جاءه قهقهات “مـعاذ” الخا’فتة والذي نظر إليهِ بدوره مبتسمًا ليقول:
_مش بقولك أنتَ أتحـ ـسدت، مش “حـمزة” اللي أعرفه مالك يا عم في إيه بقيت هادي مرة واحدة كدا ليه إيه اللي حصـ ـلك؟.
أنهـ ـى حديثه متسائلًا وفي نفس الوقت متعجبًا حينما رأى آخرًا لا يمث لعمه المرح الذي يعلمه عن ظهـ ـر قلبٍ البتة ليراه يز’فر بهدوءٍ ثم عاد ينظر إلى شاشة التلفاز قائلًا بنبرةٍ هادئة:
_مفيش حاجة.
ترك “مـعاذ” هاتفه بجانبه وأعتدل في جلستهِ وهو ينظر إليهِ نظرةٍ ذات معنى قائلًا بإصر’ارٍ:
_لا في حاجة هو أنا مش عارفك يعني؟! مالك واللهِ شكلك متغيَّـ ـر مِن ساعة اللي حصـ ـلك هو أنا معرفكش يعني دا سـ ـرك كله معايا مش هغفـ ـل عليك يعني، قولي بس إيه اللي مز’علك.
يعلم “حـمزة” أنه لَن يستطيع الهر’ب مِنهُ مهما حدث وأنه في النها’ية سيتحدث ويخبره بما يجعله في هذه الحالة الغريبة بالنسبةِ إلى “مـعاذ” والتي أثا’رت ر’يبته كذلك؛ أنتظر سماعه والآخر كان لا يعلم ما الذي مِن المفترض عليهِ أن يقوله الآن، ولَكِنّ في بعض الأحيان لا يحتاج المرء لأن يُرتب الكلمات داخل رأ’سه حتى يقولها فقط كل ما يفعله أن يترك نفسه لمو’جات البحر تُحركه كيفما شاءت وهو يتحرك معها دون أن يوا’جهها، ولذلك وجد نفسه يتحدث دون أن يشعر قائلًا بنبرةٍ هادئة شارد الذهن:
_مش عارف إيه اللي حصـ ـل مرة واحدة غيَّر حالي كدا، أنا ذات نفسي مستغربني أقسم بالله، مبقتش عارف هل دا طبيعي ولا أنا داخل على مرحلة أكتـ ـئاب مش فاهم حاجة ولا لاقي تفسير منـ ـطقي للي أنا فيه دا، ساعات عايز أضحك وأهزر وأقوم أرا’زي فدا وأضا’يق فدا وأعصـ ـب دا، وساعات بحـ ـس إني عايز أبـ ـعد، مش حابب القرب ومش حابب أي و’سيلة مِن وسا’يل السعادة دي، يمكن تفكرني مجنو’ن دلوقتي وكلامي كله عكـ ـس بعض بس دا إحسا’سي أقسم بالله مش أي كلام بقولهولك، فاهم حاجة ولا حا’سس إني مجنو’ن بجد؟.
أبتسم “مـعاذ” إليهِ بسمةٌ هادئة وقد مدّ كفه يُعانق كف “حـمزة” وقال بنبرةٍ هادئة متفـ ـهمة وهو ينظر إليهِ:
_فاهمك وحا’سس بيك وعارف اللغـ ـبطة اللي جواك دي كويس، مش لوحدك بتحـ ـس بكدا بس دا الطبيعي أنتَ إنسان يا “حـمزة” مش بني آدم آلي يتحرك ٢٤ ساعة، أنتَ مش مجنو’ن كله يكون مجنو’ن وأنتَ تبقى العا’قل بتاعهم، أنتَ صاحبي مش بس عمي، صاحبي وبيـ ـر أسراري وحبيبي دا أنا تر’بيتك أفهمك وتفهمني وأقسم بالله كان قلبي وا’جعني عليك أول ما عرفت بإنك فالعمـ ـليات عشان حا’سس بيك وعارف إنك تعبا’ن والحا’لة اللي أنتَ فيها دي صـ ـعبة، بس الحمد لله إنها عدت وأنتَ رجعتلنا وهي لحظة بتيجي على الإنسان بتخليه مش فاهم نفسه دي حاجة طبيعية المهـ ـم إنك تعرف تخرَّ’ج نفسك مِنها على طول.
نظر إليهِ “حـمزة” مطو’لًا دون أن يتحدث ولَكِنّ كانت النظرة تتحدث وتقول كل شيءٍ، حتى أخيه لا يفهمه بقدر ما يفهمه “مـعاذ” فلَم تكُن يومًا علا’قة عم وابن أخ، بل كانت علا’قة صديقين مقربين برغم فارق السن بينهما ولَكِنّ كان دومًا العُمر مجرد رقم لا معنى لهُ كل ما كان يَهُـ ـم هو التجا’نس والتفاهم بين الطر’فين، هذه المرة كانت مختلفة عن المرات السابقة فقد قام “مـعاذ” بمعانقة “حـمزة” هذه المرة مربتًا على ظهره برفقٍ بوجهٍ مبتسم..
شعر “حـمزة” في هذه اللحظة بالر’احة في أحضان هذا الحنون فبقدر ما هو مخـ ـتل ولَكِنّ تظل هُناكَ طبا’عٌ أخرىٰ تستحو’ذ عليهِ إن أمكن الأمر، وضع رأسه على كتفه وترك نفسه هذه المرة علّ الأمر ينتـ ـهي ويهـ ـدأ قليلًا، لحظات مرّت مِن تلك الدقائق الهادئة قطـ ـعها “مـعاذ” حينما أجاب على و’لده الصغير يُخبره بقدومه حينما قام بمناداته ليبتعـ ـد عنهُ “حـمزة” بهدوءٍ ناظرًا لهُ ليراه يبتسم قائلًا بنبرةٍ هادئة:
_هروح أشوفه عايز إيه وأرجعلك تاني تكون فـ ـكيت شوية.
حرك “حـمزة” رأسه برفقٍ مبتسمًا أبتسامةٌ هادئة لينهض “مـعاذ” ذاهبًا إلى و’لده الما’كث في غرفتهِ بخطى هادئة أسـ ـفل نظرات الآخر لهُ والذي تابعه بكل هدوءٍ حتى أخـ ـتفى أ’ثره تمامًا مِن أمامه؛ كان “عـز” جالسًا على فراشه بسعادةٍ طا’غية والدمع يترقرق في المُقل ناظرًا إلى شاشة هاتفه ليولج في هذه اللحظة “مـعاذ” ينظر لهُ، ر’فع “عـز” بصره تجاه أبيه وأشار إليهِ بالأقترب وهو ينهض ليترك الآخر الباب مفتو’حًا مقتربًا مِنهُ بخطى هادئة حتى وقف بجواره ونظر إليهِ قائلًا بنبرةٍ متسائلة:
_مالك في إيه؟ أنتَ بتعيط؟.
نظر لهُ “عـز” مطو’لًا ثم أر’تمى في أحضانه يُعانقه بسعادةٍ كبيرة قائلًا بنبرةٍ مفـ ـعمة بالسعادة والرا’حة:
_تمت على خير يا وش السعد، أمتياز مع مرتبة الشـ ـرف.
تفا’جئ “مـعاذ” كثيرًا والذي في حركةٍ تلقائية مِنهُ أبعده عنهُ ينظر لهُ بعينين مجحـ ـظتين قليلًا لا يُصدق ما سَمِعَهُ منذ ثوانٍ ليقول بنبرةٍ هادئة للغا’ية يُحاول أستيعا’ب الأمر:
_لا أستنى واحدة واحدة عليا كدا، هو إيه اللي أمتياز؟.
_نجحت بأمتياز، التقدير العام أمتياز، أبنك بقى خريج يا عمّي !!.
هكذا جاوبه “عـز” بنبرةٍ عا’لية سعيدة ووجهٍ ضاحك ليرى صد’مة والده هي العامل المسيطـ ـر في هذه اللحظة بكل تأكيد، دقائق قِـ ـلة فيها أستو’عب الآخر ما قاله و’لده ليجذ’به إلى عناقه بحركةٍ خا’طفة وهو يقول بنبرةٍ سعيدة ضاحكًا:
_مش قولتلك هتعملها، أنا قولتلك هتجيبها عشان بعد كدا تسمع كلامي لمَ أقولك إني وا’ثق فيك، مبارك يا حبيب قلبي فر’حت قلبي بالخبـ ـر الحلو دا أقسم بالله، الحمد لله ربنا وفقك وتعـ ـبك مضـ ـعش هد’ر، كبرت يا “عـز” خلاص وبقيت را’جل يُعتمـ ـد عليه.
بادله في هذه اللحظة “عـز” عناقه وهو يشعر بالسعادة والفخـ ـر حينما رأى سعادة أبيه المفر’طة تلك بهِ ليقول بنبرةٍ متحـ ـشرجة بعد أن ألتـ ـمعت العبرات في المُقل:
_كله بفضل ربنا وأنتَ يا بابا، أنتَ تـ ـعبت جا’مد أوي معايا أنا عارف دا كويس، كان لازم أفرحك بأي طريقة أنتَ مأ’ثرتش معايا وياما هَوِ’نت عليا وطمـ ـنتني، دي أ’قل حاجة أقدمهالك بجد.
ربت “مـعاذ” على ظهره برفقٍ شـ ـديد مبتسم الوجه والعبرات تلتـ ـمع في مُقلتيه ليجاوبه بنبرةٍ هادئة قائلًا:
_مُبارك يا حبيبي، أنا مبسوط أوي بيك.
لحظات وأبتعـ ـد عنهُ “عـز” مبتسم الوجه ليرى والدته تولج بخطى وا’سعة وهي تقول بنبرةٍ يظهر عليها القلـ ـق بعدما أستد’عاها “عـز” سريعًا:
_في إيه حصـ ـل إيه ومالك بتعيط ليه؟.
أقترب مِنها “عـز” بخطى هادئة أسفـ ـل أنظارها المتر’قبة يرى الخو’ف مرتسمًا على تقا’سيم وجهها ليقف أمامها بوجهٍ مبتسم ليقول بنبرةٍ سعيدة:
_زغرطي يا سـ ـت الكل، أبنك خريج رسـ ـمي بأمتياز.
تلقت الصد’مة مثلما حدث مع “مـعاذ” الذي نظر إليها مبتسم الوجه يرى ردود أفعا’لها على حديث و’لدها؛ وصد’قًا لَم تتأ’خر عليهِ لتُلبي مـ ـطلبه وتعلـ ـو زغرودتها ترن في أنحاء الغرفة وخارجها ثم قالت بنبرةٍ سعيدة وهي تحمد ربها والعبرات تلـ ـتمع في مُقلتيها:
_الحمد لله يارب، الحمد لله ربنا رضاني وطمـ ـن قلبي، مُبارك يا نو’ر عيني، مُبارك يا حبيب قلبي فرَّحت قلبي بيك.
ولج “فـادي” في هذه اللحظة برفقة “فـيروز” ليرى والدته تبكي والعبرات تتسا’قط على صفحة وجه أخيه ولذلك قال متر’قبًا بعد أن ساور القـ ـلق قلبه:
_في إيه بتعيطوا كدا ليه؟ إيه اللي حصـ ـل حد يفهمني.
أقترب “عـز” مِن أخيه الحبيب يقف أمامه مباشرةً را’فعًا كفه بالهاتف خاصته دون أن يتحدث متر’قبًا ردة فعله المنتظرة، فيما نظر “فـادي” إلى شاشة هاتف أخيه للحظاتٍ لتجحـ ـظ عينيه بعد’م أستيعا’ب ثم نظر إلى أخيه قائلًا بنبرةٍ غـ ـلبتها السعادة المفر’طة جا’ذبًا إياه إلى أحضانه:
_عملتها يا “عـز” !! عملتها الحمد لله يا حبيبي طمـ ـنت قلبي عليك وبرَّ’دت نا’ري، مُبارك يا حبيبي، مُبارك يا وش السعد، خلاص خلصت خلاص وشوية وهلاقيك بتتجوز، تستا’هل كل خير يا خويا واللهِ.
عانق “عـز” أخيه بسعادةٍ كبيـ ـرة ووجهٍ مبتسم قائلًا بنبرةٍ مهـ ـزوزة:
_أقسم بالله فرحتكم عندي دي بالدنيا وما فيها، أنا مفيش حاجة مفرحاني أكتر مِن فرحتكم بيا.
ربت “فـادي” على ظهر أخيه بحنوٍ ثم أبتـ ـعد عنهُ وهو ينظر إليهِ مبتسم الوجه ليقول:
_وإحنا فرحانين عشانك يا خويا واللهِ، مُبارك يا حبيبي.
جاء صوت “فـيروز” في هذه اللحظة وهي تقوم بمباركته بوجهٍ مبتسم ونبرةٍ هادئة:
_مُبارك يا “عـز”، يارب على طول فنجاح ومِن مرتبة لمرتبة أ’على أنتَ شخص طمو’ح وتستا’هل كل خير حـ ـقيقي.
أبتسم إليها “عـز” وقال بنبرةٍ هادئة يرد عليها:
_الله يبارك فيكِ يا غا’لية تسلمولي بجد وأهـ ـم حاجة عندي إني شوفتكم مبسوطين دي عندي بالدنيا واللهِ.
ربت “فـادي” على ظهره برفقٍ ثم جذ’به برفقٍ إلى أحضانه محاوطًا عنـ ـقه بذراعه بوجهٍ مبتسم ليُبادله هذا العناق أخيه الحبيب الذي أسعد قلبه كثيرًا بهذا الخبـ ـر السار الذي كان ينتظره على أحـ ـر مِن الجمـ ـر حتى أطمـ ـئن القلب عليهِ وهـ ـدأت رو’حه، فيما ضم “مـعاذ” زوجته “جـود” إلى أحضانه مبتسم الوجه بعد أن زارت السعادة هذه العائلة الصغيرة تُنيـ ـر بيتهم بعد ليالٍ مظـ ـلمة.
_________________________
<“تم أصطـ ـياد العصفور المسـ ـكين تجبـ ـرًا،
وبرغم صيا’حه للخروج كان شيئًا مستـ ـحيلًا.”>
برغم أنهُ بر’يءٌ تم الإمسا’ك بهِ وكأنه مجر’مًا..
شعر وكأنه أر’تكب جر’يمةٌ شنعا’ء دون أن ينـ ـتبه ولذلك قد تم إمسا’كه لإسقا’ط أشـ ـد العقو’بات عليهِ؛ كان كما الطيـ ـر الحُـ ـر دومًا، ومع أول رصا’صة طا’ئشة كان هو أول الجر’حى..
فُتِحَ الباب الحد’يدي ليتم الز’ج بهِ إلى الداخل كالمجر’م؛ ليس وكأنه ضا’بط شـ ـرطة سـ ـعىٰ لنشـ ـر العد’الة وتحـ ـقيق الاستقرار والحُر’ية، كل ما كان يؤ’لمه في هذه اللحظة برغم تبرء’هِ مِن تلك الجر’يمة أنه قد تم معاملته كالمجر’م الذي تم الإمسا’ك بهِ بالجر’مِ المشهو’د، وقف مكانه بعقلٍ شارد لا يستطيع أستيعا’ب ما يحد’ث حوله لير’تعد جسـ ـده بخـ ـفةٍ أثر إغلا’ق الباب خـ ـلفه بقو’ة، واقفٌ مكانه ينظر حوله بعينين زا’ئغتين لا يستطيع العقل إد’راك الأمر حتى هذه اللحظة..
جميع المسا’جين كانوا ينظرون إليهِ ويتها’مسون مع بعضهم البعض فكان هذا شيئًا غير وا’قعيٍ لهم أن يروا ضا’بط شـ ـرطة مثله يتم الز’ج بهِ إلى داخل الز’نزانة بتلك الطريقة المُهـ ـينة، لَم يهتم لأحدٍ وسار بخطى هادئة متجهًا إلى إحدى أركان الز’نزانة منز’ويًا بنفسه وعقـ ـله لا يتوقف عن التفكير في هذه اللحظة، كل ما كان يشغـ ـل حَيـ ـز تفكيره هو صديقه الحبيب الذي لا يعلم عنهُ شيئًا حتى هذه اللحظة فلا يُصدق أن حياته أصبحت متو’قفة على عودته والإد’انة بأقو’اله كي يخر’ج مِن هُنا، وقد كانت هذه هي لحظات الشيطا’ن المفضلة..
بدأ يُفكر وإن أصا’به شيئًا ولَم ينهض مرةٍ أخرىٰ ما الذي سيحدث معهُ وكيف سيواجه مـ ـصيره الأبدي؟ أصبح العقـ ـل يُفكر في العديد والعديد مِن هذه الأشياء دون توقف، ر’فع كفه يُلا’مس كتفه حيثُ موضع رُ’تبته التي تم سحـ ـبها وإيقا’فه عن العمل ففي منظورهم هو الآن مـ ـتهمٌ، أغمض عينيه بقو’ةٍ وأخـ ـفض رأسه إلى الأسـ ـفل بعد أن تذكر حبيبته “برلين” وكيف سيكون ردها حينما يصلها الخبـ ـر وكذلك المثل مع عائلته التي هو مسؤ’ولٌ عنهم أيضًا..
كل ما يستطيع فعله الآن أن يدعو لرفيقه بالشفاء العا’جل حتى يطـ ـمئن عليهِ أولًا وحتى يعتر’ف على المجر’م الحـ ـقيقي ويتم تبرء’ته مِن هذا الجُر’م المشهو’د فإن عَلِمَ مَن فعلها وقام بإنسا’بها إليهِ فبالتأكيد سيقـ ـتله في الحال دون أن يمنح نفسه فرصة للتفكير، أنعز’ل عن الجميع وأنزو’ى بمفردهِ يُفكر؛ والقلب مر’تعدًا يخـ ـشىٰ المعا’قبة على شيءٍ لَم يكتر’فهُ هو.
_________________________
<“وفي وَسَط الجميع كانت كالطفلة،
تبحث عن حبيبِ كان رفيقًا في الأمس.”>
منذ عامين مضوا وأنتهـ ـوا وأصبحوا ماضي أسو’د..
كانت هُناكَ فتا’ةٌ مسـ ـكينة تُعا’ني وتُها’ن كما الخا’دما’ت في قصور المماليك الأشـ ـرار؛ تتلـ ـقى الإها’نة بصمتٍ وهي لا حول بها ولا قوة، وكان هو سيد المكان وحا’كمهِ إن قام أحدهم بمعا’رضتهِ، يلـ ـقى مـ ـصيره فورًا دون أن يُحادثه أحدهم..
وهكذا عادت هذه الذكريات السو’دا’ء وبقو’ة تضر’ب بعالمها الو’ردي الحالي عر’ض الحائط تُخبرها وتُذكرها بو’اقعها المؤ’لم المر’ير وكيف كانت في الأمس وكيف أصبحت الآن، كانت تجلس في متجرها تعبث في هاتفها بمـ ـللٍ بعد أن فشـ ـلت في التواصل مع “مـينا” للمرة السابعة لتشعر بأن ثمة شيئًا غير عاديٍ يحدث تجهـ ـله هي، فيما ولج شخصٌ ما إلى متجرها بعد أن كان يمرؤ مِن أمامه ولمحها بداخلهِ كما كان يراها دومًا..
وقف أمامها مباشرةً ينظر إليها لتر’فع هي رأسها تنظر إلى الوافد لترى آخر مَن توقعت أن تراه أمامها، هذا الحـ ـقير عد’يم المر’وءة عاد إليها بعد أنتـ ـهى كل شيءٍ بينهما دون أسبا’بٍ واضحة، أنتفـ ـضت في جلستها و’هبت واقفة تنظر لهُ بصد’مةٍ حـ ـقيقية مجحـ ـظة العينين وقد بدأ جسـ ـدها ير’تعش بدون إرا’دة مِنها وعادت الذكريات السو’د’اء تها’جم عقلها دون أيا إنذ’ارات، فيما كان هو يقف أمامها مبتسم الوجه سعيدًا برؤيتها بهذه الحا’لة التي لطالما أسعدت نفسه المر’يضة..
وبكل تلقائية عادت خطوتين إلى الخلف منكـ ـمشةٌ بنفسها تحاول جاهـ ـدةً لتجـ ـنب النظر إليهِ، بدأت نبـ ـضات قلبها تعـ ـلو داخل قفـ ـصها الصد’ري بر’عبٍ وعاد الخو’ف يُجاورها كما أعتادت في الماضي حينما كان يولج إلى الغرفة فجأ’ةً وعلى حين غـ ـرة، لحظةٌ تمنت أن تكون كابو’سًا أسو’د وستستفيق مِنهُ، لحظةٌ لَم تكُن في الحُسبان قط، جاء صوته الذي لطالما كر’هت نبرته وأشمئـ ـزت مِنها يكسـ ـر حِـ ـدة هذا الصمت قائلًا بنبرةٍ متـ ـشفية:
_لسه زي ما أنتِ متغيرتيش يا “برلين”، لسه جبا’نة زي ما أنتِ وبتخا’في مِن أقل حاجة، بس أحلويتي أوي وبقيتي صا’روخ.
أنهـ ـى حديثه الو’قح وهو ير’ميها بنظراتٍ و’قحة كنو’اياه القذ’رة لتشعر هي بالأشـ ـمئزاز في هذه اللحظة وتمنت أن يكون “مـينا” برفقتها الآن حتى يُلـ ـقن هذا الحقـ ـير المتو’اقح در’سًا قا’سيًا، فيما أكمل هو حديثه قائلًا دون أن تنفـ ـك عنهُ نظراته لها:
_سمعت إنك لقيتي واحد تاني ولبستوا دبل كمان، بس مش أي واحد، ظا’بط وتقـ ـيل وعيـ ـشته مرتاحة أوي كمان، عشان تصدقي كلمتي لمَ قولت عليكِ إنك **** وبتـ ـلفي وتدوري على حـ ـل شعرك تدوري على وا’حد تقـ ـيل ومعاه شيء وشويات، كان عندي حـ ـق لمَ ر’ميتك بره فالشارع اللي أنتِ جيتي مِنُه وأنا عملتك بـ ـني آدمة، بس الغد’ر دايمًا طبع فالبني آدمين وبعد دا كله طلعتي معيو’بة على رأي أُمّي، مغـ ـلطتش فعلًا، دا أخرك وهو هتلاقيه *** زيك أنتوا الاتنين لايقين على بعض أوي … وعشان أثـ ـبتلك إنك مبيتعـ ـشلكيش رجا’لة الفيس مِن الصبح مقلو’ب على حبيب قلبك، الظا’بط، مش أسمه “مـينا ملاك جرجس” تقريبًا؟.
حديثه كان قا’سٍ، لا تتحمله أ’نثى قط، حتى هي لا تعلم كيف تحملت هذه الكلمات القا’سية والمؤ’لمة، فقد طعـ ـن في حياتها مِن جديد وفي شـ ـرفها حتى كان يفعل ذلك حينما كانت زوجته، اليوم تأكدت مئة بالمئة بأنهُ شخصٌ مر’يضٌ بالحـ ـق هذا مِن سابع المستحـ ـيلات أن يكون شخصًا عاديًا هكذا مثل بقية البشر، ولَكِنّ كل ما أستطاعت فعله البصـ ـق في وجهه بإشـ ـمئزازٍ وهي تنظر لهُ بنـ ـقمٍ، قررت أن تترك الأمر لـ “مـينا” فمنذ زمنٍ وهو يُريد أن يُلقنهُ در’سًا قا’سيًا ولذلك ها هي الفرصة قد جاءت إليهِ على طبقٍ مِن ذهب..
أبتسم هو لها بسمةٌ با’ردة وطا’لعها بنظراته الو’قحة لتقوم بإلقا’ء القما’مة عليهِ وهي تصر’خ بهِ بغـ ـضبٍ شـ ـديد قائلًا:
_غو’ر فد’اهية، ربنا يا’خدك وير’يحني مِنك ومِن قر’فك، عيلة **** كلكم !!.
خرج هو مِن المتجر ورحل بعد أن فعل ما يُرضيه بوجهٍ مبتسم لتنظر هي إلى أثره وصد’رها يعلـ ـو ويهبـ ـط بعنـ ـفٍ لتنفـ ـك عضـ ـلات جسـ ـدها التي تأ’هبت فور حضوره خشـ ـيةً، جلست على المقعد مِن جديد وهي تز’فر بعمـ ـقٍ تمسـ ـح بكفها على خصلاتها إلى الخلف ليدوم الصمت في المكان قليلًا قبل أن تسـ ـقط عينيها على هاتفها مرةٍ أخرىٰ لتأخذه بهدوءٍ تولج على التطبيق الشهير _فيسبوك_ لا تعـ ـبء لشيءٍ لترى بعد لحظاتٍ منشورٌ جعل الد’ماء تتجـ ـمد في عرو’قها حينما رأته منتـ ـشرًا على جميع الصفحات والجميع يتحدث عن “مـينا”..
جحـ ـظت عينيها بعد’م أستيعا’ب وحاولت تجميع ثبا’تها الذي تبعـ ـثر في لمح البصـ ـر حينما رأت أن الأمر صحيحٌ مئة بالمئة لتبدأ تُعيد تذكر حديث هذا الحـ ـقير منذ قليلٍ والآن هي فهمت إيلاما كان ير’مي، وضعت يدها على موضع قـ ـلبها وهي تقرأ الخبـ ـر بعقـ ـلٍ شارد لا يستطيع استيعا’ب الأمر..
_عا’جل..
تم القبـ ـض على الضا’بط “مـينا ملاك جرجس كيرلس” بعد أن كُشِفَت تلك المكالمة الغا’مضة بينه وبين الضا’بط “شـهاب زكري العطار” والتي أنتهـ ـت بهِ غر’يقًا في د’ماءه في الصحـ ـراء وحالته الآن حر’جة للغا’ية بعد أن تم تعذ’يبه قبل محاولة قـ ـتله مِن قِبَل الضا’بط “مـينا ملاك” … تابعونا.
كان الخبـ ـر بالنسبةِ إليها كالصا’عقة لا تصدق حـ ـقيقة هذا الخبـ ـر كيف؟ كيف يفعلها “مـينا” مستـ ـحيل !! هي تعلمه عن ظهـ ـر قلب وتعلم أنه لا يقـ ـتل مهما كلفه الأمر فهذه في النها’ية جر’يمة قتـ ـل حتى الثغر’ات لا تعلمها كان كل شيءٍ عن هذا الخبـ ـر سـ ـطحي ولذلك لَم تشعر بنفسها وهي تولج إلى صفحته تبحث عن أصدقائه في العمل لترى “علي” أول مَن قابلها ولذلك هي لَم تتردد وولجت تراسله علّه يُجيبها الآن أو في أي لحظة يُنفي هذه الأخبا’ر الكا’ذبة تُفكر فيما رأته وسَمِعَته
______________________
<“دقات القلب في لحظة تأهب،
مثل دقات عقارب الساعة المنتظمة.”>
الساعة تدق طوال الوقت بأنتظام وكانت دقات القلـ ـب ترافقها..
طوال الوقت القلوبُ مر’تعدة والتر’قب حاضرًا والنفـ ـس تتأ’هب لتلقي أيا أخبا’رٍ جديدة مهما كانت؛ منذ قرابة الثلاث ساعات ولا جديد يُذكر ولا قديم يُعاد فالنفـ ـسُ مُعذ’بةٌ الآن والعقـ ـل يُصور أبشـ ـع السيناريوهات لنها’ية تلك الحا’دثة المؤ’لمة..
كانت “مَرْيَم” تجلس على المقعد تجاورها والدتها التي حينما تلقت الخبـ ـر جاءت هي وزوجها وو’لدها الصغير فورًا لمساندتها وطمئـ ـنتها، كانت تتد’رع إلى ربها سـ ـرًا بعد أن أنز’وت في مصلى النسا’ء بعـ ـيدًا عن أعين الجميع تبكي وتشـ ـكو إلى ربها بضعـ ـفٍ وقـ ـلة حيـ ـلة، كانت ترافقها صديقتها المقربة “رنيم” تحاول طـ ـمئنتها طوال الوقت وكذلك كان لأخيها الكبير دو’رًا فهو لَم يتركها لحظة واحدة دون أن يطـ ـمئن عليها، نظر “شُـكري” إلى “نهىٰ” التي تحدثت بنبرةٍ و’اهنة باكية تجذ’ب أنتبا’ه الجميع وهي تنظر في نقطةٍ فا’رغة قائلة:
_مِن سنتين قبل ما تحصـ ـل الحا’دثة دي وقبل ما يخر’ج مِن البيت كُنْت أقوله خلّي بالك يا “شـهاب” مِن نفسك، متعرفش يا حبيبي إيه اللي ممكن يحصـ ـل وأنتَ مش واخد بالك، يرد ويقولي وهو بيضحك متخا’فيش يا أُمّي أنا مبقتش عيـ ـل صغير عشان تخا’في عليا أنا كبيـ ـر أهو يعني المفروض تطـ ـمني، وأنا أستغرب مِن رده وأقوله يا حبيبي الحو’ادث متعرفش كبير وصغير، والمو’ت ميعرفش كبير وصغير ر’يَّحني، يضحك تاني ويقولي متخا’فيش عشان خاطرك هاخد با’لي مِن نفسي، وكان كل ما يخر’ج أبقى أنا قعدة حا’طة إيدي على قـ ـلبي والمكالمة اللي ميردش عليا فيها أتر’عب وأبقى عاملة زي المجـ ـنونة..
منذ أن بدأت حديثها و “شُـكري” يعلم أن الماضي قد عاد يستحو’ذ على تفكيرها ويُعـ ـيد بذاكرتها إلى الخلف قبل أن تحدث تلك الحا’دثة المؤ’لمة لهُ ويخسـ ـر فيها نو’ر عينيه وحياته معها، نظر إلى “مَرْيَم” ليراها تنظر إليها بعينين باكيتين وتستمع إليها بجو’ارحها، فيما أكملت هي حديثها وقالت:
_بعدها تليفونه أتقفـ ـل خالص لمدة ٤ ساعات ولحد ما وصل البيت، بعدين أول ما وصل أنا معرفش أزاي كُنْت كدا أول مرة فحياتي أز’عق فيه وأ’علي صوتي وأقعد بالأيام مكلمهوش، كُنْت أوڤر شوية فخو’في عليه بس مقد’رتش أسيـ ـطر غصـ ـب عنّي، وهو وقتها و’جعني أوي لمَ مردش عليا، خد اللي فيه النـ ـصيب وسكت مشتكا’ش ودخل على أوضته وقفـ ـل على نفسه لحد تاني يوم حتى الأكل مرداش ياكل، خلّيت أخوه يحاول معاه لأنه بيحب “شُـكري” أوي ومبيقد’رش يقوله لا على حاجة، بعدها روحت صا’لحته ونزلت مخصوص عشان أجيبله موز عشان عارفة إنه بيحبه عصير باللبن وعملتهوله وكان “شُـكري” وقتها جايب كوكيز بالشيكولاتة مِن مكان مشهور متعود وهو راجع مِن الشغل لاز’م يجيب مِنُه ليهم هما الاتنين، أنا دخلت أصا’لحه بكوباية الموز باللبن وهو بالكوكيز، وهو عشان قـ ـلبه طيب أتصا’لح على طول ومِن ساعتها بياخد با’له مِن نفسه كويس عشان ميز’علنيش بس اللي حصـ ـل دلوقتي لسه مسـ ـببلي صد’مة نفسـ ـية مش قا’درة أستو’عبها.
أنهـ ـت حديثها وسقـ ـطت عبراتها على صفحة وجهها بعد أن دا’همتها الذكريات ليضمها “شُـكري” إلى د’فئ أحضانه بعد أ’لمته تلك الذكريات ممسّدًا على ظهرها بحنوٍ داعيًا المولى عز وجل أن يعود أخيه إليهم سـ ـليمًا معا’فًا، فيما كانت “مَرْيَم” تستمع لها وقلـ ـبها يؤ’لمها على حبيبها وعبراتها تتسا’قط على صفحة وجهها لتشعر بكف شقيقها الأكبر يُعانق كفها مشـ ـددًا مِن قـ ـبضته عليها قليلًا يد’عمها ويُطمـ ـئنها؛ ظل الوقت يَمُر بهم حتى إنطـ ـفئ المصباح الأحمـ ـر المُعـ ـلَّق فو’ق باب الغرفة لتنهض “مَرْيَم” مقتربةً مِن أخيها تجاوره في وقفته وهي تنظر إلى الداخل بقلبٍ ينتفـ ـض خو’فًا مِمَّ هو قادمٌ..
تر’قبوا جميعهم خروج الطبيب بقلـ ـقٍ واضحٍ على تقا’سيم أوجههم حتى خرج بالفـ ـعل الطبيب مِن الداخل ويبدو عليهِ الأر’هاق الشـ ـديد، نظر إليهم بعد أن نز’ع الماسك الطـ ـبي ليقول بنبرةٍ هادئة مـ ـتعبة:
_أطمـ ـنوا كلكم الحمد لله عدى مِنها على خير، ربنا كتبله عُمر جديد، بس أستأذنكم على جنب عشان هنخر’جه دلوقتي على العنا’ية على طول.
أنهـ ـى حديثه وأبتـ ـعد عن الباب ليُلبو’ن هم مطلبه ويقفون بعيـ ـدًا ليُفتـ ـح الباب وتتر’قب أعينهم لرؤيته، د’فعا الممر’ضين فراشه المعد’ني المدو’لب إلى الخارج لتنظر لهُ “مَرْيَم” وهي تضع يدها على مو’ضع قلـ ـبها وعبراتها تتسا’قط على صفحة وجهها بعدما رأت حا’له هذا، رأسه مضـ ـمدة بشا’ش أبيـ ـض كثـ ـيف ومو’ضع جر’حه في جا’نبه كذلك وعنهُ، فكان مُغـ ـيبًا تمامًا عن الو’اقع، ألمتـ ـهم قلوبهم جميعًا برؤيتهِ في هذه الحا’لة بلا شـ ـك..
_هو إيه اللي حصـ ـله يا دكتور؟.
هكذا سألته “مَرْيَم” بنبرةٍ هادئة للغا’ية وهي تنظر لهُ بخو’فٍ شـ ـديد تتر’قب قوله، أما عنهم فعادوا ينظرون إليهِ بعد أن أختفى الآخر عن أعينهم ليبدأ هو في شـ ـرح حا’لته إليهم قائلًا:
_بصراحة هو كان جاي شبه خـ ـلصان، كان معاه جوه كذا دكتور مِن كذا تخـ ـصص مخـ ـتلف زي المـ ـخ والأعصا’ب والبا’طنة، “شـهاب” نز’ف كتير أوي وللأسف سيو’لة الد’م اللي عنده مسا’عدتناش وصـ ـعبت الو’ضع علينا إحنا تقريبًا قعدنا ساعة إلا رُبع بنحاول نوقف النز’يف، دا غير النز’يف الد’اخلي اللي حصـ ـله فالأول كان باين إيه اللي أتعر’ضله بس بعدين أكتـ ـشفنا حاجة تانية … الأستاذ “شـهاب” أتعـ ـرض لعـ ـملية طعـ ـن مباشرة ومقصو’دة الضر’بة كانت قو’ية وفيها عنـ ـف بس الأضـ ـرار بسيطة الحمد لله مفيش أي عـ ـضو دا’خلي أتأ’ذى ودي معجـ ـزة مِن عند ربنا، أتعاملنا مع الجر’ح بعناية شـ ـديدة وبعدين بصينا على الرا’س لقيناه واخد ضر’بة قو’ية أوي فمكان حسا’س جدًا، المكان دا مسؤ’ول عن شـ ـبكية العيـ ـن يعني يا تسـ ـبب عمـ ـى يا إما يرجعله على حسب الحا’لة هيبا’ن أول ما يفو’ق، حاجة تالتة بقى، واخد صعـ ـقتين ورا بعض، الأولى أقوى مِن التانية، بصراحة الو’ضع كان صعـ ـب أوي وكُنا خا’يفين القلـ ـب يقف تاني لأنه وقف مدة كبيـ ـرة فالأول بس الحمد لله ربنا كان رحيم بيه … إحنا نقلـ ـناله د’م عشان خسـ ـر كمية كبيـ ـرة جدًا هيتحـ ـط دلوقتي في العنا’ية لمدة ٢٤ ساعة وهنستنى حالته تستـ ـقر ونطـ ـمن عليهِ ويفو’ق ونشوف.
نظروا جميعهم إلى بعضهم البعض بتـ ـرقبٍ ليأتي قول “شُـكري” هذه المرة حينما قال بنبرةٍ متر’قبة:
_حضرتك تقصد إيه بالظبط؟.
_يعني هنشوف ضر’بة الر’اس دي أ’ثرت على حاجة سواء الذا’كرة أو عـ ـينه.
هكذا رد عليه الطبيب ليأتي قول “مَرْيَم” التي قالت بنبرةٍ يملؤ’ها القلـ ـق:
_هو كـ ـفيف، كانت حا’دثة برضوا هل في أمل عيـ ـنيه ترجع تاني؟.
أبتسم الطبيب وأجابها بنبرةٍ هادئة حينما قال:
_أكيد طبعًا مفيش حاجة بعيـ ـدة على ربنا وارد الضر’بة دي تكون عملت إنعكا’س ليه لا.
نظرت “مَرْيَم” إلى أخيها “أحـمد” الذي حاوطها بذراعه يضمها إلى أحضانه ممسّدًا على ذراعها بحنوٍ دون أن يتحدث، فيما تركهم الطبيب ور’حل بعد أن أخبرهم بما حدث مع هذا المسـ ـكين، نظر “ليل” إلى ابن عمه “علي” نظرةٍ ذات معنى والذي بادله كذلك نظراته دون أن يتحدث فبالتأكيد هذا الحديث سوف يساعدهم كثيرًا في التحـ ـقيقات التي تُجرى الآن، تحدث “أحـمد” بنبرةٍ هادئة وهو ينظر إلى شقيقته قائلًا:
_مش هنرو’ح بقى ولا إيه يا “مَرْيَم” لازم ترتا’حي يا حبيبتي وتغيَّري هدومك دي.
حركت رأسها برفقٍ تنفـ ـي قوله قائلة بنبرةٍ باكية مبحو’حة:
_مش هروح فحتة يا “أحـمد”، مش هخرج مِن هنا غير وهو معايا، مش هقد’ر أسيبه لوحده مهما حصـ ـل.
جاء رد “عـمر” هذه المرة حينما أقترب مِنها قائلًا بنبرةٍ هادئة:
_أخوكي بيتكلم صح يا “مَرْيَم” لازم ترتا’حي شوية يا حبيبتي وتغيَّري هدومك، الدكتور قال هيفضل فالعنا’ية ٢٤ ساعة يعني ملهاش لاز’مة إنك تقعدي ولو مقلـ ـقة أنا هفضل هنا وهبا’ت معاه الليلة دي وأي جديد يحصـ ـل هكلمك تيجي تشوفيه، بس فعلًا قعدتك دلوقتي ملهاش لاز’مة روحي يا حبيبتي وأخوكي هيبا’ت معاكي النهاردة عشان ميسـ ـبكيش لوحدك، أسمعي الكلام يا حبيبتي.
نظرت إليهِ “مَرْيَم” بهدوءٍ دون أن تتحدث ليُربت على ذراعها برفقٍ مبتسم الوجه لينظر بعدها إلى و’لده الكبيـ ـر ليقوم بتوجيه الحديث إليهِ قائلًا:
_خُد أختك يا “أحـمد” ومتسيبهاش لوحدها وأي جديد هكلمك.
حرك “أحـمد” رأسه برفقٍ يوافق على حديث والده ثم نظر إلى شقيقته التي سارت بخطى هادئة أسـ ـفل أنظارهم دون أن تتحدث فقد شعرت أنها أصبحت غير قا’درة على التحدث فقد أُر’هِقَت رو’حها اليوم وبشـ ـدة؛ فاليوم كانت مُهـ ـددة بفقـ ـدان زوجها الحبيب، ودعهم “أحـمد” ثم لَحِـ ـقَ بشقيقته يقم بمساندتها ومواساتها بكل حنانٍ وحُب ليأتي قوله الهادئ متسائلًا حينما نظر إليها:
_أكيد جعانة دلوقتي، نطلب أكل مِن بره ولا عاملة أكل فالبيت؟.
جاوبته بنبرةٍ هادئة بعد أن نظرت إليهِ قائلة:
_أطلب أكل مش قا’درة أعمل حاجة حا’سة إن مبقاش فيا نَفَـ ـس أعمل أي حاجة.
_ما أنا أكيد مش هخليكِ تو’قفي تعملي حاجة يعني، بس مش مشـ ـكلة نطلب أكل وإحنا مروحين ألحـ ـق أد’لعك شوية قبل ما الو’اد دا يفو’ق ويرجع ياخدك مِني تاني.
مازحها بحديثه في النها’ية بوجهٍ مبتسم ليرى بسمتها الخـ ـفيفة ترتسم على ثغرها دون أن تتحدث ليتوجها سويًا إلى السيارة ليقوم هو بفتـ ـح الباب لها لتجلس هي على المقعد المجاور لمقعد السائق ليُغـ ـلق الباب خـ ـلفها ثم أستدار إلى الجهة الأخرىٰ وجلس بجوارها واضعًا حزا’م الأ’مان مديرًا سيارته مسميًا بالله قبل أن يتحرك مِن مو’قعهم، تحدث “أحـمد” بنبرةٍ هادئة وهو ينظر إلى الطريق أمامه قائلًا:
_حُطي الحزا’م يا “مَرْيَم”.
قامت بالفـ ـعل بتلـ ـبية مطلبه ووضعت حزا’م الأ’مان ثم وضعت رأ’سها على ز’جاج السيارة بجوارها تستند عليهِ دون أن تتحدث تحاول أن تحظى بالقـ ـليل مِن الرا’حة التي أفتـ ـقدها اليوم تمامًا في غيا’به، فيما كان هو يلتزم الصمت طوال الوقت وبصره يسـ ـقط عليها بين الفينة والأخرىٰ ليراها قد غَفَـ ـتْ مكانها دون أن تشعر بنفسها ليبتسم هو إليها ويقوم بصف سيارته على جانب الطريق ليستدير قليلًا بجسـ ـده يلتقـ ـط الغطاء الثقيـ ـل الذي يُلا’زم سيارته طوال فصل الشتاء يستعين بهِ في سفرياته الكثر يضعه عليها بإحكا’مٍ بعد أن رأى رُ’جفة جسـ ـدها الخـ ـفيفة؛ تحرك مِن جديد بهدوءٍ وعقله يُفكر في حا’دث صديقه وما الذي حدث كذلك مع “مـينا” الذي لا يعلم عنهُ شيئًا حتى هذه اللحظة.
_________________________
<“ظـ ـل ر’جُلٍ أم ظـ ـل جا’نٍ،
وما خـ ـفى كان أعـ ـظم.”>
حـ ـل الليل وساد الظلا’م المكان لتبدأ أولى ساعاتهم..
كانت “روزي” نائمة في غرفتها تجاورها صغيرتها “رودينا” التي كانت تسـ ـبح في بحو’ر نومها على فراشها الصغير؛ وو’لدها الصغير في غرفتهِ نائمًا والهدوء يسو’د المكان لوقتٍ ليس بكثير، نهض الصغير بخو’فٍ شـ ـديد بعد أن را’ودهُ كابو’سٌ بشـ ـع جعله ينهض فز’عًا منكمـ ـشًا على نفسه بر’عبٍ، نظر حوله بعينين يملؤ’هما الر’عب ود’قات قلبه الصغير كانت عا’لية داخل قفـ ـصه الصد’ري؛ لحظاتٌ يعيـ ـشها لمرته الأولى في حياته ولصغر سنه وعد’م إد’راكه لِمَ يحدث كان يبدأ في البكاء بخو’فٍ..
طفلٌ صغير كُتِبَ عليهِ أن يعـ ـيش هذه اللحظات حتى وإن كان بالإجبا’ر فبمثل هذه اللحظات لا يُفر’قون بين طفلٍ صغير مثله يرى تلك الأشياء وبين هذا الكبيـ ـر الذي يُدرك كل شيءٍ حوله؛ عالمٍ قا’سٍ ملـ ـيءٌ ببشرٍ عد’يمي الر’حمة والمشاعر كل ما يسعو’ن إليهِ هو الإنتقا’م وإيذ’اء البشر مِن حولهم مهما كلفهم الأمر..
سقـ ـطت عينيه على ظـ ـلٍ لشخصٍ ما يقف في إحدى الأركان وكأنه ينظر إليهِ ليز’داد بكاء الصغير الذي أخـ ـفى نفسه بالفراش الثقـ ـيل وبدأ يُنادي والدته بنبرةٍ عا’لية وباكية بعد أن أصا’به الخو’ف في أن ينهض ويركض فعـ ـقله الصغير قد صور لهُ ذلك إن ركض سيركض هذا الشيء خـ ـلفه ويُمسـ ـك بهِ كما هو مكتوبٌ في قصص الر’عب، ولأن نومها خـ ـفيفٌ أنتشـ ـلها صوته الباكِ البعيـ ـد مِن بحو’ر نومها ليبدأ عقـ ـلها في إنذ’ارها بأن شيئًا ما قد حد’ث لصغيرها..
نهضت هي مِن قيلولتها مبعـ ـدةً الغطاء الثقـ ـيل مِن على جسـ ـدها لترتدي الجورب الشتوي وتتوجه إليهِ بخطى وا’سعة وقلبها ينبـ ـض بعـ ـنفٍ خو’فًا أن يكون قد أصا’به مكـ ـروهٌ، ولجت إلى غرفته لتراه يضع الغطاء على جسـ ـده الصغير ويبكي؛ أقتربت مِنهُ وهي تجـ ـهل ما حـ ـل بهِ لتقول متسائلة:
_مالك يا “رائد” في إيه يا حبيبي بتعيط ليه؟.
وحينما أستمع الصغير إلى صوت والدته أبعـ ـد الغطاء عن جسـ ـده الصغير ونظر إليها بوجهٍ باكِ لينهض في الحال مر’تميًا داخل أحضانها متشـ ـبثًا بقو’ة في ثيابها الشتو’ية يأ’بى تركها، فيما تعجبت هي مِن أفعا’له تلك ولَكِنّها حاوطته بذراعيها وضمته إلى أحضانها قائلة بنبرةٍ هادئة ممسّدةً بكفها على ظهره وخصلاته:
_مالك يا حبيبي إيه اللي حصـ ـل بتعيط كدا ليه أهدى مفيش حاجة يا حبيبي متخا’فش.
حمـ ـلته على ذراعيها وجلست على طر’ف الفراش وضمته إلى د’فئ أحضانها تسير بكفها الدا’فئ الحنون على رأ’سه وجسـ ـده تحاول تهـ ـدأته وهي تجهـ ـل ما حـ ـل بهِ، لثمت رأسه بِقْبّلة حنونة ثم قالت بنبرةٍ هادئة متسائلة:
_مالك يا حبيبي إيه اللي حصـ ـل أحكيلي؟.
دقائق قِلـ ـة مِن البكاء مِن طر’ف صغيرها الذي كان لا يريد تركها لتسمعه يقول بنبرته الطفولية الباكية المتقـ ـطعة:
_حلم و’حش أوي يا ماما، كان يخو’ف، ولمَ صحيت لقيت حاجة و’حشة لو’نها أسو’د واقفة بتبُصلي.
_حاجة إيه يا حبيبي وواقفة فين؟.
هكذا سألته “روزي” وهي تعقد ما بين حاجبيها بعد أن بدأ الشـ ـك يراودها لتراه يُشير إلى إحدى أركان الغرفة قائلًا:
_هناك أهو، واقف بيبُصلي وشكله و’حش أوي.
نظرت “روزي” إلى حيثُ أشار صغيرها لترى بالفعل شيئًا طو’يلًا أسو’د اللو’ن يقف، عادت تنظر إلى الصغير بعدما أنتـ ـفض قـ ـلبها بداخل قفـ ـصها الصدري لتقول بنبرةٍ هادئة حنونة:
_متخا’فش يا حبيبي مفيش حاجة، مش أنتَ حافظ قرآن وشاطر أقرأ قرآن ومتخا’فش طالما أنتَ قريب مِن ربنا يبقى متخا’فش مِن أي حاجة.
شعرت بالحـ ـيرة فماذا ستقول إليهِ وكيف ستشر’ح لهُ الأمر فهو مازال صغيرًا للغا’ية على أن يفهم مثل هذه الأشياء، سَمِعَت صوت باب المنزل يُغـ ـلق في الخارج لتعلم أن زوجها قد عاد لتوه مِن الخارج، ز’فرت بعـ ـمقٍ ومسـ ـحت بكفها على رأسه وهي تُلثم جبينه الصغير قائلة:
_مش أنا جنبك؟ يبقى متخا’فش مِن حاجة.
ولج في هذه اللحظة “ليل” ليقف على أعتا’ب غرفة الصغير عاقدًا ما بين حاجبيه ليشعر أن ثمة شيئًا ما يحدث هو لا يعلمه وظن في بادئ الأمر أن ولده مر’يضًا ولذلك أقترب مِنها بخطى هادئة وهو يسألها بقلـ ـقٍ على صغيره قائلًا:
_في إيه؟ ماله “رائد”؟.
أنهـ ـى حديثه وهو يتفحص صغيره ليرى أ’ثار العبرات على صفحة وجهه الصغير ليندهش مِمَّ يراه ويقول:
_مالك يا حبيبي مين ز’علك إيه الدموع دي كلها.
نظر إلى زوجته التي كانت تنظر إليهِ نظرةٍ ذات معنى ثم أشارت بعينيها تجاه إحدى أركان الغرفة لينظر هو تلقائيًا إلى ما تُشير إليهِ ليرى ما رآه صغيره ولذلك تفهم ما حد’ث ليعاود النظر إليها مِن جديد لينظر بعدها إلى صغيره ليقول بنبرةٍ هادئة:
_”رائد” يا حبيبي بُصلي يا بابا.
ر’فع الصغير عينيه ينظر إلى والده الذي حضر لتوه بعينين باكيتين ليقول بنبرةٍ هادئة وهو يمسـ ـح بإبها’ميه على صفحة وجهه الصغير قائلًا:
_متخا’فش يا حبيبي مفيش حاجة، حلم و’حش وراه لحاله خلاص أنساه مفيش حاجة وأنا وماما جنبك أهو مش بتصحى كل يوم الصبح تلاقينا؟ يبقى أي حاجة تانية تشوفها و’حشة وأنتَ نايم أول ما تصحى إنساها، أتفقنا يا حبيبي؟.
حرك الصغير رأسه برفقٍ يوافق على حديث والده ولَكِنّ قال بنبرةٍ باكية والدمع يترقرق في المُقل مشيرًا تجاه موضع هذا الظـ ـل:
_بس أنا خا’يف مِن دا، هيمو’تني صح؟.
طفلٌ صغيرٌ فِكرُه محد’ود يُصو’ر لهُ أشياءًا كهذه وهذا طبيعيًا فهم في النها’ية أطفال صغار وهذا ما سيظنونه بكل تأكيد؛ أبتسم لهُ “ليل” بسمةٌ هادئة وقال:
_ولا هيقدر ييجي جنبك حتى أو يئذ’يك، متخا’فش.
أنهـ ـى حديثه ودعاه لمعانقته فلَم يبخـ ـل عنهُ الصغير في أن يجعله يحظى بعناقٍ حنونٍ كهذا وقام بمعانقته يحـ ـتمي بهِ مِن مخا’وفهِ ليطبـ ـق هو بذراعيه على و’لده يضمه إلى د’فئ أحضانه ممسّدًا على ظهره برفقٍ دون أن يتحدث وهو ينظر إلى “روزي” التي كانت تلتزم الصمت وهي لا تعلم ماذا مِن المفترض أن يحدث الآن، نهض “ليل” مستقيمًا في وقفتهِ حا’ملًا صغيره على ذراعيه ثم أخذه وخرج إلى غرفة المعيشة تاركًا “روزي” التي قد قامت بتشغيل القرآن الكريم عن طريق الراديو الصغير في الغرفة لتتطو’ف في عينيها للمرة الأخير في أنحاء الغرفة قبل أن تخرج إليهما وهي تُفكر في هذا الأمر الذي لَن ينتـ ـهي في وجهة نظرها.
_”أز’داد الأمر سو’ءًا وكان الفـ ـتى،
كما الغر’يق في قا’ع البحـ ـر.”
__________________________
<“كان في الأمس فتـ ـى ضا’ئع وشـ ـريدًا،
واليوم وَجَدَ ضا’لته الضا’ئعة في نفسه.”>
المرء يُمكن أن يكون تا’ئهًا لسنواتٍ وسنوات حتى يجد نفسه في قطعةٌ صغيرة مِنهُ كان يتطلب الأمر فقط لصلا’حه مجيئها، منذ أن جاءت وهو تبدل حاله في الفو’ر مِن الأسو’أ إلى الأفضل، تحوَّ’ل تحو’ل جذ’ري ملحوظ لاحظه جميع مَن حوله؛ وكانت هذه فقط نقطة تحو’ل كبيـ ـرة لربما تُصـ ـلح ولربما تُفسـ ـد كذلك..
كان يجلس في ردهة المنزل أمام شاشة التلفاز الكبيـ ـرة وهو يحمـ ـل صغيرته بين ذراعيه يتأملها بوجهٍ مبتسم ممسّدًا بكفه على رأسها بحنوٍ ليقوم بعدها يُلثم جبينها الصغيرة برفقٍ، أقتربت مِنهُ “تقوى” بخطى هادئة لتقول بنبرةٍ هادئة مبتسمة الوجه:
_يا إلهي أنظروا مَن يضحك الآن وأصبح في ليلةٍ وضحاها حنونًا، لا أُصدق ما تراه عيناي حقًا.
ر’فع بصره وهو ينظر لها مبتسم الوجه ليجاوبها بنبرةٍ هادئة قائلًا:
_حقًا؟ أهذا ما ترينه بالفعل “تكوى” ألم أقم بتد’ليلكِ طوال التسعة أشهر يا امرأة أم أنكِ أصبحتِ نا’كرةٌ للجميل، أهذا تفكيرك تجاهي؟.
جلست بجواره ثم وضعت رأسها على كتفه مبتسمة الوجه ثم لفـ ـت ذراعيها حول ذراعه تعانقه بهدوءٍ قائلة:
_بالطبع لا يا ر’جُل أنا فقط أمزح معكَ فحسب، لَم أرى في حنانك يا ر’جُل أنا أُحبك.
أبتسم “إيثان” بسمةٌ هادئة ثم لثم جبينها قْبّلة حنونة ونظر إلى صغيرته برفقة زوجته التي قالت:
_أنظر، لقد أستيقظت الآن مِن غفو’تها، صباح الخير أيتها الجميلة كيف كانت غفو’تكِ؟.
أبتسم “إيثان” وهو ينظر إليها ليُد’قق النظر في عينيها قليلًا يشعر بمشاعر عديدة وكثيرة جميعها متضا’ربة ولَكِنّها جميلة ولطيفة، تحدث وهو ينظر إلى عينين صغيرته قائلًا بوجهٍ مبتسم ونبرةٍ سعيدة:
_أنظري “تكوى” إلى عينيها الجميلتين، عينيها زيتونية.
أعتدلت “تقوى” في جلستها وهي تنظر إلى عينين صغيرتها بوجهٍ مبتسم لتقول:
_نعم أنت محـ ـق، عينيها رائعة للغا’ية.
دا’عب بإبهامه بشرة وجهها النا’عم بحنوٍ ليرى مدى تأ’ثرها بها لتتسـ ـع بسمتهُ قائلًا:
_إنها تُحب لمـ ـسة يدي على وجهها، كم هي لطـ ـيفة حقًا.
أنهـ ـى حديثه ثم لثم جبينها مِن جديد بحنوٍ وقال:
_كم أنتِ جميلة يا “روجـين”، فليُبارككِ الرب يا حبيبتي.
_وماذا عنّي يا ر’جُل؟ أحقًا نسيتني في لحظاتٍ قِلـ ـة هكذا؟.
هكذا ردت عليهِ بضـ ـيقٍ زا’ئف وهي تنظر إليهِ بعد أن أبتعـ ـدت عنهُ لتراه يبتسم لها ويقوم بلثم وجنتها بِقْبّلة شغو’فة ثم جاوبها بنبرةٍ هادئة قائلًا:
_أنتِ حبيبة قلبي ور’وحي يا امرأة ماذا حد’ث تعلمين مقدار حُبي لكِ.
نظرت لهُ بطر’ف عينها نظرةٍ ذات معنى قليلًا ثم قالت مد’عيةً التفكير:
_حسنًا دعني أُفكر قليلًا بشأن هذا الأمر.
ر’ماها نظرةٍ ذات معنى مستـ ـنكرة قولها؛ فيما ظلت هي لبرهةٍ مِن الوقت تدعي التفكير أسـ ـفل نظراته المسـ ـتنكرة قولها وفعـ ـلها، نظرت إليهِ بطر’ف عينها مبتسمة الوجه لتقول ضاحكة:
_حسنًا حسنًا لا تنظر لي هكذا يا ر’جُل، أخبرني الآن ماذا كُنْت تريد أن تتناول؟.
زفـ ـر بعمـ ـقٍ وأخذ ينظر إليها قليلًا ثم جاوبها قائلًا:
_ورق العنب المحشي.
_وقد فعلته بالفعل.
هكذا جاوبته مبتسمة الوجه وبنبرةٍ حما’سية لترى التفا’جؤ باديًا على تقا’سيم وجهه ثم ضحك ضحكاتٍ خـ ـفيفة وقال بقـ ـلة حيـ ـلة:
_لا تقوليها يا امرأة، “تكوى” حقًا أنا أُحبكِ وبشـ ـدة.
لثمت هي وجنته هذه المرة وقالت بنبرةٍ هادئة:
_وأنا كذلك يا حبيبي.
أنهـ ـت حديثها ثم عادت تضع رأ’سها على كتفه مبتسمة الوجه وهي تراه قد بدأ يُلا’عب صغيرته بحنوٍ وبوجهٍ مبتسم طوال الوقت أسـ ـفل نظراتها التي كانت تتابعه بين الفينة والأخرىٰ وكذلك على صغيرتها التي كانت تبتسم لهُ ببراءةٍ وتتجاوب معهُ وهذا ما أسعد قلـ ـبه وبشـ ـدة وجعله كما الطفل الصغير الذي قد حظى بالحلوىٰ كمكافئةٍ لهُ على حُسن سلو’كه، هكذا كان وهكذا سيكون.
_____________________
<“عادت الحياة تبتهج بالألو’ان في عينيها،
فقد عاد حبيب قلبها إليها مِن جديد.”>
في صبيحة يومٍ جديد ومشر’ق..
كانت قد وصلت إلى المشفى ورافقت والدها الذي طمـ ـئنها بوجهٍ مبتسم على زوجها الحبيب الذي تحسنت حا’لته الصحية كثيرًا عن ليلة أمس وها هي تنتظر خروج الطبيب مِن غرفته كي يُطـ ـمئنها، كانوا جميعهم متواجدين ينتظرون مثلها تلقي الأخبا’ر الجديدة وهي تقف بين الجميع بقـ ـلبٍ ينبـ ـض بالحما’س؛ تستمع إلى د’قاته المتعا’لية في أذنيها، أنتا’بتها حالة فوضا’وية ستهـ ـدأ حينما تتلقى خبـ ـره الأخير حينما يُخبرها الطبيب أنه أصبح بخيرٍ..
دقائق قِلـ ـة وخرج إليهم الطبيب بعد أن فحـ ـصه وأطـ ـمئن عليهِ ليراهم في الخارج ينتظرون أن يُطـ ـمئنهم عليهِ، أبتسم الطبيب ونظر إلى “مَرْيَم” قائلًا بنبرةٍ هادئة:
_مدام “مَرْيَم” تقدري تدخليله، بدأ يفوق مِن البينـ ـج وبينادي عليكِ.
تهـ ـللت أساريرها بسعادةٍ طا’غية وشـ ـقت الإبتسامة ثغرها أسفـ ـل نظراتهم المبتسمة التي كانت تتابعها لتتركهم سريعًا وتولج لهُ؛ أغـ ـلقت الباب خلفها بهدوءٍ ثم ولجت بخطى هادئة إلى الغرفة لتراه مستلقيًا على فراشه، وقفت بجوار فراشه تنظر لهُ بعينين باكيتين وهي تنظر لهُ مبتسمة الوجه لتَمُدّ كفها الد’افئ الحنون بهدوءٍ نحوه تحاوط شطـ ـر وجهه، ترقرق الدمع في المُقل وهي تطا’لعه لتراه بدأ يستـ ـفيق مِن غفو’ته الطويلة وهو يهمهـ ـم بأسمها..
أتسـ ـعت بسمتها على ثغرها وهي تنحـ ـني بنصفها العلو’ي نحوه تمسـ ـح بكفها على خصلاته بحنوٍ وهي تقول بنبرةٍ باكية حنونة:
_جنبك يا حبيب عيوني، جنبك يا رو’حي أهو.
_”ريـما”.
هكذا همـ ـس بنبرةٍ خا’فتة للغاية بأسمها لتبتسم هي لهُ لتُلثم وجنته بِقْبّلة حنونة هامسةً لهُ:
_عيو’ن “ريـما”، أنتَ كويس يا رو’حي؟.
بدأ يستفـ ـيق هو رويدًا رويدًا مِن غفو’ته ليُفر’ق بين جـ ـفنيه ليرى شعا’ع نو’ر قد بدأ يشـ ـق الظلا’م وينتشـ ـله مِن بقا’عه السو’دا’ء، كانت الرؤية في بادئ الأمر مشو’شة حتى بدأت تتضـ ـح رويدًا رويدًا لتكون أول مَن و’قعت عيناه عليها هي حبيبة فؤ’اده، زوجته وحبيبة الرو’ح، يراها أمامه وهو لا يُصدق أنه بالفعـ ـل يراها؛ فيما كانت هي تنظر لهُ وهي تمسـ ـح بكفها على خصلاته النا’عمة مبتسمة الوجه قائلة:
_وحشتني يا رو’حي، وحشتني أوي، أنا كُنْت همو’ت مِن خو’في عليك الحمد لله إنك رجعتلي تاني يا نو’ر عيني.
طا’لت النظرات بينهما، هو يراها بعينيه؛ وهي تظنه يرى ببصيـ ـرته كما اعتادت، لا تعلم أن بصره قد عاد لهُ مِن جديد، لثمت وجنته بحنوٍ لتعاود النظر إليهِ بوجهٍ مبتسم، فيما هو أطال النظر بها؛ مثلما رسمها في مخـ ـيلته بالفـ ـعل، فا’تنة وجميلة، رقيقة وجذ’ابة، عاد يرى حبيبته “ريـما” مِن جديد ببصره وليس ببصير’ته، ر’فع كفه نحوها يحاوط شطر وجهها كل ذلك وهي لا تعلم أنه يراها، أنتا’بها شعو’رٌ غريب حينما رأت عيناه مصو’بةٌ نحوها بهذه الطريقة..
برغم أنها كانت مصو’بةٌ كثيرًا عليها ولَكِنّ هذه المرة كانت مختلفة، سار بكفه على تقا’سيم وجهها المحبب إلى قـ ـلبه أسفـ ـل نظراتها التي عادت تأ’ثره مِن جديد ليبتسم بسمةٌ خـ ـفيفة وا’هنة لها وقد قال بنبرةٍ هادئة وا’هنة مُحبة:
_”ريـما” عايز أقولك على حاجة، اللو’ن الز’يتي حلو أوي عليكِ.
صد’مها بكل تأكيد بكلماته البسيطة تلك، أهتـ ـز قلبها وبشـ ـدة حينما أستمعت إلى حديثه ورأت بصره مصو’بًا نحوها يُطالعها بنظرةٍ عا’شقة؛ نظرةٍ مُحبة مازالت محفوظة لها هي خصيصًا لا غيرها، رأى صد’متها واضحةٌ على تقا’سيم وجهها، رآها تُطـ ـيل النظر لهُ والعبرات بدأت تتسا’قط على صفحة وجهها ليشعر بكفها يحاوط شطـ ـر وجهه تزامنًا مع قولها المهتـ ـز المتر’قب:
_”شـهاب” أنتَ … أنتَ … أنتَ بجد شايفني.
رأته يبتسم إليها ليحتضن كفها ذاك بكفه يقوم بتقريبه مِن فَمِهِ يُلثمه بحنوٍ مجيبًا إياها وهو ينظر في عينيها مباشرةً قائلًا:
_شايفك، شايفك ببصـ ـري وبصيرتي يا حبيبة قلبي، شايفك يا “ريـما”.
_”لربما طال الغيا’ب وطال صاحبه العا’شق،
طالت الغُربة وجمعتنا الطُرُقات بالحبيب.”
______________________________

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية أحببتها ولكن 7)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *