روايات

رواية يناديها عائش الفصل الثامن والثمانون 88 بقلم نرمينا راضي

رواية يناديها عائش الفصل الثامن والثمانون 88 بقلم نرمينا راضي

رواية يناديها عائش البارت الثامن والثمانون

رواية يناديها عائش الجزء الثامن والثمانون

يناديها عائش

رواية يناديها عائش الحلقة الثامنة والثمانون

” ‏ولايزال المرءُ جافًّا حتّى يمتلكُ صديقًا واحدًا حقيقيًّا على الأقل لديه القُدرة أن يروِيه.” لقائلها.
~~~~~~~~~
بعد أحداث أمس الحافلة بمشاعر السعادة على الجميع، عدا « رُميساء و زوجها المهووس بها» الذي تركها منذ آخر مرةٍ زارها و بكىٰ بين ذراعيها، و أفصح عن مشاعر الهوس بها الكامنة بداخله، و كيف لرقتها المفرطة التأثير عليه بتلك القوة التي لا يستطيع صدها، و تجعله يستسلم أمامها بعجزٍ؛ لم يعد يتواصل معها باستمرار مثل السابق، بل غلف الجفاء علاقتهما، فكان يتعمد تجاهل اتصالاتها أحيانًا؛ كي لا يضعف أمام حبالها الصوتية الناعمة، و ينساق لها ثانيةً.
لقد تعمد تجاهلها أغلب الأوقات؛ خوفًا عليها منهُ، رغم شوقه و اشتياقه لها الذي وصل لأبعد حدٍ، أما هيَ أحست بالضياع في بُعده عنها، و ظنت أنه لم يعد يرغب بها، فكانت تقضي أغلب الساعات في صمتٍ تام، ليصبح الشرود الذهني شيء يُلازمها في كثير من الأوقات.
انتهت من مذاكرة مادة « الكيمياء العضوية الصيدلية» التي استنزفت معظم طاقتها، ثُم نهضت لتأدية فريضة العصر، و عادت تجلس على فراشها بشرودٍ رافقها منذ غياب حبيبها عنها.
امتدت يدها للهاتف الذي أهداه لها، لتقوم بالاتصال عليه ثانيةً، و كالعادة لا يوجد رد..
بعد دقائق، جاءتها رسالة من تطبيق الواتساب بإسمه يقول فيها « مشغول دلوقت، معلش»
” معلش ! ”
همست بها، وهي تبتسم بسخريةٍ مصحوبة بدموعٍ تجمعت سريعًا، فور قراءتها لرسالته القصيرة، بادلته برسالة كتبت فيها ..
« كل ده عشان قولت نخلي الفرح بعد سنة أولى ؟ بتعاقبني ببُعدك عني يا كريم عشان قولت لك محتاجة أفهمك أكتر ؟ أساسًا بين نص السنة و آخرها كام شهر و بيعدوا بسرعة، أنا حابة فرحنا يبقى في نهاية السنة عشان أكون خلصت امتحانات و تكون نفسيتي تحسنت، و أعرف أستمتع بكل لحظة و أنا بفرش شقتي زي أي عروسة، أنت ليه مش قادر تفهمني ؟»
قرأ رسالتها، و ظل بضعة دقائق يتأملها، ثُم تجاهل الرد عليها، مما أَثَارَ ذلك اسْتِفْزازها، فأرسلت رسالة أخرى تثير بها حاسة التملك عنده
« أنا تعبت من العلاقة دي، أنا محتاجة راجل يفهمني و يقدرني.. يحس بيا و يحترم مشاعري، و أنت مش كده معايا، أنا مبقتش عاوزاك»
كان وقتها متواجد في كوبري القبة بالقاهرة، لحضور اجتماع مهم يخص جهاز المخابرات العامة المصرية مع الرئيس، و عندما قرأ رسالتها الأخيرة؛ أظلمت عيناه بالغيرة العمياء، و اتضحت معالم حُب الاستحواذ على وجهه، فَشَدَّ شفتيه و أطبق عليهما مع شهيقٍ عميقٍ، ثُم حَكَّ جبهته بتعصُبٍ، و مسح على شعره في غضبٍ منها، ليقوم بالاتصال بها أخيرًا، مما تهلل وجهها و تبسمت بخُبثٍ لأول مرة يظهر على ملامحها الرقيقة.. حِيَل النساء تلك، لا يُمكن لرجل النجاة منها.
و قبل أن تنطق، آتاها صوته الحاد و الجاد مع تلك النبرة العاشقة التي اشتاقت لها كثيرًا، فَشَدَّ و شَدَّدَ و تَشَدَّدَ عليها في قوله، فقد أخرجته عن طَوْره، و نجحت بإِثارة غيرته الجنونية عليها، و دَفْعٌته إلى الغَضَب، الذي اتضح جليًا مُجَلْجِلًا في مخارج الأحرف:
” أقسم بالله العظيم يا رُميساء، لو الكلام ده لسانك نطقه تاني، لأخفيكِ في مكان ما حد يعلم بيه غير خالقنا، إحنا و مفيش من الخلق تالتنا ”
تلاشت ابتسامتها سريعًا، و حل محلها الخوف و الرعب منه، و كادت أن تخبره أنها مجرد مزحة سخيفة لا غير، و لكن لشدة حالة الغضب التي فيها الآن؛ أغلق هاتفه مُتوعدًا بداخله بتلقينها درسًا لن تنساه أبدًا.
حاولت الاتصال به ثانيةً، فوجدت الهاتف مغلق، أما هو اتجه لحضور الاجتماع و ذهنه شارد كل الشرود معها.
من شدة خوفها مما سيحل عليها بسبب حماقتها، لم تجد ملجأ تلجأ إليه سوى ” روان ” التي اشتاقت للحديث معها كثيرًا، و بما أنهما لا يدرسان نفس التخصص ولا نفس الجامعة، فقد قلت المقابلات بينهما عن ذي قبل، و أصبح التواصل عن طريق « الواتساب» حتى أن الرسائل قلت أيضًا؛ لانشغالهما بالامتحانات.
أرادت في البداية مغازلتها لتثير حسّ الدعابة عندها، فأرسلت لها رسالة صوتية بصوتها الرقيق..
” عارفك مشغول الأيام دي
ما أنا زيك بس عندي حكايات صعب أخبيها
واكمنك داري بحالي
مذاكرني وعارف مالي مستني عشان أحكيها ”
جاءها اشعار خارجي على شاشة الهاتف من تطبيق الواتس، ففتحت رسالة صديقتها و عندما سمعت صوتها؛ اتسعت ابتسامتها و ردت عليها
” فاضي شوية نشرب قهوة في حتة بعيدة
إعزمني على نكتة جديدة وخلّي حساب الضحك عليا
فاضي شوية ده أنا واحشاني القعدة معاك
وإن ما قدرتش تيجي هناك هستناك المرة الجاية”
ضحكت ” رُميساء ” بخفةٍ، و قامت بالاتصال عليها..
رغم انشغال ” روان ” بمذاكرة مادة
« المهارات الأساسية في التربية الحركية» لكن عندما آتاها اتصال رفيقتها و أختها المقربة؛ أجابت في الحال وهي تقول بلسانٍ سريع ترددت فيه تلك الجملة
« تتطلب مهارات الطفل الحركية والعقلية تنسيق بين دماغ الطفل و… الحقيني يا رُميساء، محشورة في المادة مش عارفة أطلع»
” الحال من بعضه يا أختاه، وحشتيني ”
تنهّدت ” روان ” بتعبٍ ضاحكة:
” والله أنتِ في بالي دايمًا، و بدعي لك في كل صلاة ربنا ينجحك، كبرنا يابت و عجزنا، الكلية ساوت بوشنا الأسفلت ”
” و أنا كمان بدعي لك على طول ربنا ينجحك و يوفقك، ساوت بوشنا بس ؟! حضرتك إحنا لسه في الترم الأول و خسيت خمسة كيلو ! ما بالك لما السنة تخلص إن شاء الله ؟ هكون اختفيت! ”
عدلت ” روان ” من جلستها و مددت قدميها، التي آلمتها من كثرة الثني، فهي لا تستطيع الدراسة إلا وهي جالسة جلسة التربع (التربيعة) و القلم وراء أذنها و الكتاب على فخذها، و كوب الشاي بيدها، كأنها في حربٍ من المادة !
قالت في مداعبة هزلية منها:
” ما أنت هتتزوج يا جميل في نص السنة إن شاء الله، يبقى يذاكر لك بقى ”
ابتسمت ” رُميساء ” في استهزاءٍ قائلة:
” ده لو حصل يعني، لكن بصراحة أنا عاوزه الفرح آخر السنة.. أنا مضغوطة من الكلية يا روان، و المواد تقيلة و صعبة، و كريم مسبب لي قلق أصلًا، و بابا و ماما شايفين إن الأفضل نسرع الزواج، و أنا حاسة إني محتارة و تايهة.. قولي لي اعمل إيه ؟ أنا بجد تعبت ”
تحولت تعابير وجه روان السمراء الجميلة للحُزن، حُزنًا و أسفًا على رُميساء، و قالت بنبرة تحفيزية:
” رورو يا حبيبتي هوني على نفسك و بالله عليكِ مَتفكريش في أي حاجة تضايقك، أنتِ زي البسكوتة و أنا بخاف عليكِ من الحُزن، عشان بيسيب أثره على ملامحك الرقيقة، سيبي كل حاجة تمشي زي ما ربنا كاتبها، المستقبل ده بتاع ربنا، إحنا اللي لنا ندعي يكون كله خير ”
صمتت لثوانِ، ثُم تابعت بنبرة مرحة:
” و بعدين بصراحة بقى، أنا مع رأي أبوكِ و أمك و كيمو كونو بتاعك ده، على الأقل هيبقى في حاجة حلوة تفصل بين الترمين، بدل ما نطلع من ترم نلبس في ترم كده، افصلي بينهم بفرحك عشان شفت فستان تحفة عاوزه اجيبه ”
ضحكت هي و قالت:
” البسيه في كتب كتابك إن شاء الله و فكك مني ”
” ده إحنا جاي لنا أفراح يا بت السنة دي إن شاء الله !.. تنسينا هموم الكلية ”
تساءلت بعدم فهم:
” في حد غيري و غيرك ولا إيه ؟ ”
ردت روان بحماسٍ تحمست له رُميساء:
” بما إنّ إن شاء الله كتب كتابي على سيف الأسبوع الجاي لأن بابا حدد معاه الميعاد، فكده هيبقى إحنا و عيلة الخياط عيلة واحدة، و نورا بنت عم سيف زوجي إن شاء الله حِنتها و فرحها الشهر الجاي و هنحضر الاتنين إن شاء الله، و بعدين فرحك على كيمو كونو في نص السنة بإذن الله، لأني زوجتكم في دماغي خلاص، و بعدين فرح عائشة البنت الحلوة اللي قابلناها مرة دي في أول السنة على المهندس بدر أخو زوجي سيفو المستقبلي إن شاء الله.. هيعملوه في الصيف عشان هيعيدوا ترميم البيت بتاعهم و يظبطوا شقتي أنا و سيفو زوجي المستقبلي إن شاء الله، و بعدين فرحي على سيفو هُس هُس بتاعي إن شاء الله.. آه صحيح، و هاجر أخت سيفو متعرفهاش أنتِ دي.. شبه الأميرة ميريدا، هَتولد في رمضان إن شاء الله و أكيد هيعملوا عقيقة جامدة، ده زوجها وكيل نيابة مشهور، و أنا وقتها هبقى كِنة العيلة و هروح آكل إن شاء الله ”
بينما كانت تلك السمراء تُثَرْثَر بفمها المُثَرْثَر، ظلت “رُميساء” تضحك عليها بشدة، قائلة من بين ضحكاتها الرقيقة:
” وحشني رغيك والله، و أنتِ بقى ما شاء الله جبتي الأخبار دي كلها لوحدك ؟ ”
” يابت عائشة صحبتي و عندي على الفيس، هعرفكم على بعض لما نروح حنة نورا إن شاء الله، هتحبيها أوي والله ”
” طيب أنا هاجي ازاي من غير عزومة ؟! هو حد يعرفني ؟ ”
أنهت ” روان ” كوب الشاي بيدها، لتضعه بجانب الخمس أكواب الفارغون على الصينية مثل
« الصنايعية» و أخذت تتحدث بجدية لا تخلو من ضحك رُميساء عليها:
“يابت أنتِ مخك بقى تخين ليه ؟ ركزي معايا يا ست فراشة أنتِ، حضرة الضابط كيمو كونو بتاعك يبقى صاحب المهندس بدر أخو سيف الكبير، شفت لهم صور مع بعض من أيام الثانوية، معنى كده إنه صديق قديم ليه، و أكيد إن شاء الله هَيجي، و بما إنك مراته.. أكيد هيجيبك معاه”
” أنتِ كمان دخلتِ فتشتي في الأكونتات ؟ ”
ردت روان في براءة شديدة:
” أنا يا بنتي ! لأ طبعًا، هي اللي ظهرت قُدامي فجأة ”
سكتت ” رُميساء ” للحظاتٍ تبتسم فيهم بصمتٍ، أعربت عن سعادتها بسماع صوت روان و ضحكتها التي ما إن سمعها أحد؛ ظنّ أنها « راقصة » كانت تعلم أن ” روان ” ستنجح بإخراجها من حالة الحزن و الخوف التي انتابتها بسبب المهووس بها، لذا لجأت للتفريغ عما بداخلها بالحديث مع صديقتها الأقرب لها و المُقربة لقلبها.
قالت ” رُميساء ” بابتسامة امتنانٍ:
” الحمدلله على وجودك في حياتي يا روان، خرجتيني من حالة الحزن و الخوف اللي كنت فيها ”
ردت الأخرى بحنانٍ:
” ده واجب الأخوات تجاه بعض، رُميساء.. كريم بيحبك و أمك عندها حق لما قالت لك عشان تفهميه لازم تقربي منه أكتر، و ده مش هيحصل غير بالزواج.. صلي استخارة و توكلي على الله ”
” يا روان أنا لما بصلي استخارة بحس إني مرتاحة لتقديم الفرح أكتر من تأجيله، بس في نفس الوقت خايفة ”
” الخوف أكبر عدو للإنسان، خلي الفرح في نص السنة إن شاء الله، و بدل ما كل واحد يعيش في مكان لوحده، هيجمعكم سقف بيت واحد و تبقوا مع بعض على المُرة قبل الحلوة، و حياتك بإذن الله هتبقى معاه حلوة، أنا متفائلة لكِ خير، و شفت لك رؤية كويسة على فكرة ”
تساءلت رُميساء في لهفةٍ:
” ها خير ؟! ”
” شفتك و أنتِ ماسكة في ايده و بفستان الفرح و هو بالبدلة و الجو كان بيشتي بس كريم كان شكله مبسوط أوي، و أنتِ جيتي قولت لي.. أنا خدت الخطوة الصح يا روان ”
تنهّدت بارتياحٍ و أدمعت عيناها، لتتابع روان:
” المطر خير، و ده معناه إن شاء الله إن فرحك في الشتا.. ده تفسيري و ده اللي هيحصل بأمر الله ”
” أنا بس كنت محتاجة إشارة واحد بس، بجد أنا بحبك أوي.. خلاص يبقى الفرح في نص السنة إن شاء الله و ربنا يقدم اللي فيه الخير ”
” بدعيلك والله دايمًا، صحيح يا رُميساء.. أخبار علاقتك مع ربنا إيه ؟ ”
اتسعت ابتسامة رُميساء الفرِحة بصديقتها، التي تغير حالها تمامًا لحال يحبه الله و رسوله، فأجابت:
” الحمدلله، أنا في جهاد دائم مع النفس عشان علاقتي بربنا ما تضعفش ”
” و أنا كمان، ربنا يصلح أحوالنا ”
و هكذا انتهت المكالمة التليفونية بين الصديقتين، بعد أن امتدت لساعة استهلكت من باقة
” رُميساء” و شعرت الأخيرة بالارتياح و التفاؤل، ثُم نهضت لتخبر والديها بقرارها النهائي.
كانتا خير الصحبة الصالحة و الإعانة الدائمة لبعضهما.. يقولون
‏”صديقٌ تذهبُ إليه حاملًا الأَسى
تعودُ مِنهُ وصدرُك واسعَ المَدى “.
وجَّهنا نبينا صلّ الله عليه وسلم إلى منهج الصداقة؛ حيث قال قولًا حازمًا:
(لا تصاحب إلا مؤمنًا، ولا يأكل طعامك إلا تقيٌّ) [رواه الترمذي]
لأن مظهر المؤمن يدل دائمًا على مَخْبَرِهِ، لا يماري، ولا ينافق، ولا يواري، ولا يلقاك بوجه، ويكون وراءك بوجه آخر.
_____________
” سوف ينتهي كل شيء في يوم، فلا تغرك الدنيا و ملذاتها، فاليوم معك و غدًا لا تعلم بأي أرض ستُدفن. ”
~~~~~~~~~~~
توقف ” بدر ” أمام
«كلية الهندسة جامعة المنصورة» بسيارته الجديدة، و التي ابتاعها بثمنٍ كبيرٍ أمس؛ لعدم استطاعته امتلاك سيارة من صُنع يده، إلا بعد اصدار أكثر من نموذجٍ لها.
أحاط بكفه كفيّ ” عائشة ” التي ترتجف بجانبه؛ رهبةً من الامتحان التي ستؤديه بعد قليل، و شدَّ عليهما في حنوٍ، قائلًا بنبرةٍ و ابتسامةٍ حانيةٍ:
” واثق فيكِ إنك قدها إن شاء الله ”
صمت يرفع كفها يُقربهُ لفمه يلثم قُبلة دافئةٍ عليه، و أردف:
” متخافيش، إن شاء الله الامتحان هَيجي من اللي ذاكرته لكِ، بس عاوزك تنسي إنك داخلة امتحان، و تعاملي طبيعي خالص، كأنك في محاضرة مش امتحان، قدامك تلات ساعات خديهم كلهم، و حلي براحتك و بتأني كده، كأنك في عالم لوحدك.. انسي كل اللي حواليكِ و تمهلي في إجابتك، اقري الأسئلة كلها الأول، و اللي تقفي عنده علمي عليه، و بعدين حِلي اللي تعرفيه و اللي يقف قدامك سيبيه للآخر، فكري فيه بهدوء، و لو عندك أكتر من حل و شكه في واحد منهم، اكتبي الاتنين.. بس بعد الحل الأول سيبي سطر و اكتبي حل آخر بين قوسين و اكتبي إجابتك، لو اللجنة سابت ولا يهمك.. أنتِ في عالم لوحدك افصلي عن كل اللي حواليكِ، توكلي على الله و ملكيش دعوة باللي يغش أو يعيط أو أي فعل جنبك، اذكري الله و أنتِ داخلة اللجنة و دعاء سيدنا يونس « لا إله إلاّ أنت سبحانك إني كنت من الظالمين» ردديه لما يتعسر عليكِ سؤال، و قولي الدعاء اللي حفظته لكِ قبل الحل..
« يا ربي لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، اللهم إني توكلت عليك، وسلمت أمري إليك، لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك».
أومأت باسمةً، فتابع وهو يُعدل من خمارها، فمن شدة توترها لم ترتديه جيدًا..
” و لما تحسي بخوف أو توتر، تذكري إن بدر بيحبك و موجود دايمًا عشانك، و إن ده مش امتحان الآخرة، و مش امتحان مهما كانت صعوبته اللي نسمح له يتحكم في مشاعرنا و يزود غريزة الخوف عندنا، في اللحظة اللي هتخافي فيها، فكري في أي حاجة حلوة تضيع خوفك، فكري فيا مثلًا و أنتِ مش هَتخافي أبدًا”
قال آخر جملة يداعبها ضاحكًا، فاتسعت ابتسامتها لتتحول لضحكةٍ خفيفة، ثُم قالت:
” ها ارفع راسك يا هندسة إن شاء الله متقلقش، الله المستعان.. يلا مع السلامة بقى ”
” اليوم لكِ و غدًا لي، عندي امتحان بكرة برضو إن شاء الله ”
” بدر يا حبيبي، أنا الدكاترة بقوا يعرفوني و يحترموني عشان أنا مراتك، لدرجة بسمع اسمك في كل مكان بروحه، بيقولوا عليك نبيه و عبقري و بيحترموك جدًا، و أنا اللي بقالي سنة في الكلية محدش قالي ازيك حتى ! ”
قهقه بضحكته التي تطرب سمعها، و هتف:
” ده عشان بس سني، بيحترموني عشان كان زماني دكتور أو معيد دلوقت، و بعدين أنا مش عاوز حد يقولك ازيك، مش عاوز أصلًا حد ياخد باله منك غيري، لا دكاترة ولا غيره.. ”
” أقولك على حاجة.. الست ملهاش غير بيت زوجها، مش عاوزه أكمل تعليم ”
وضع يده على عجلة القيادة في مزاح منه..
” خلاص يلا نروح ”
تراجعت سريعًا:
” أنا بهزر يا رمضان، ما بتهزرش ! أنا هبقى مهندسة ديكور ولا في مني اتنين، و اجي أشتغل عندك في الشركة ”
” بس شركتنا تخصص سيارات بس ! ”
” هشتغل معاك برضو ”
قالتها، وهي تتأمل نفسها في مرآة السيارة مُتابعة بثقةٍ بعد أن تلاشى التوتر و الخوف عندها:
” عسل يا بت يا شوشو والله، حتى و أنتِ رايحة تجيبي كحك، عسل برضو ”
رد ” بدر” و هو يقلب كفيه على اضطرابات مشاعرها:
” لا حول ولاقوة إلا بالله، مش معنى إن قولت لك اعتبري نفسك مش في امتحان، تقولي كده ! ”
” صحابي وصلوا، يلا أنا رايحة سلام ”
فتحت باب السيارة و قبل أن تترجل منها، التفتت له غامزة:
“ها توحشني يا قرة عيني، ده وقت محن يعني؟”
” أنتِ بتغني و تردي على نفسك ! ”
اقتربت منه تضع قُبلة صغيرة على خده هامسةً:
” استودعتك الله، ادعيلي كتير بالله عليك ”
” دعائي ليكِ شيء مفروغ منه يا عائش، مجبورة يا مُهجة قلبي ”
ترجلت من السيارة أخيرًا تمشي تجاه أصدقائها اللواتي يرتدين ملابس محتشمة مثلها، بينما ظل هو يتابعها بنظراته و لسانه لا ينفك عن الدعاء لها، حتى دخلت الجامعة، و أدار سيارته متجهًا للمقابر.
قصد ” بدر ” زيارة المقابر لتذكيره بالآخرة و أهوالها، فهي للعظة و الاعتبار..
كما في الحديث يقول رسول الله صل الله عليه وسلّم:
«كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإنها تذكركم الآخرة.» رواه أحمد وصححه الأرناؤوط.
بعدما تبدل حالة ” بدر ” المادية، و أصبح من ذوِي الملتي مليونير و تردد اسمه على الألسنة و الأفواه، خاف أن ينجرف في الحياة بملذاتها، فأتخذ القبور مكانًا يذهب إليه ليذكره بأن الدنيا فانية، و أن الآخرة هي خير و أبقى و يجب التجهيز للقائها بالأعمال الصالحة.
وصل للمقابر، و ألقى التحية على أهلها..
كما في الحديث
عن عائشة رَضِيَ اللَّهُ عنها، قالت:
((ألَا أُحَدِّثُكم عنِّي وعن رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم، قلنا: بلى.. قالت: قلْتُ: كيف أقولُ لهم يا رسولَ الله؟ قال: قولي: السَّلامُ على أهلِ الدِّيارِ من المؤمنينَ والمُسْلمينَ، ويَرْحَمُ اللهُ المُستَقدِمينَ مِنَّا والمُستَأخرينَ، وإنَّا إن شاءَ الله بكم لَلاحقونَ )).
الراوي : عائشة أم المؤمنين | المحدث : مسلم | المصدر : صحيح مسلم | الصفحة أو الرقم : 974 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح].
ثُم وقف أمام قبر والده و عمه و أجداده؛ ليدعو لهم..
فرت دمعة منه وهو يحدث نفسه:
” دي آخرتك في الدنيا يا بدر، الموت.. اوعى تغتر بالدنيا أو تغفل عن ذِكر الله و تبعد عن ربنا، اوعى يا بدر، مفيش حاجة ها تنفعك غير عملك الصالح”
صمت قليلًا، ثُم تابع يدعو بكلماتٍ ترددت على ألسنة الأغلبية:
” فانية يا الله فلا تجعل مُرها يُشقيني ولا حلوها يُلهيني.. لا الدُنيا لنا، وما كُنا للدُنيا.. كُلنا لله و إنّا إليه لراجعُون اللهم إنا نسألك حسن الخاتمة اللهم لا تقبضنا من الدنيا إلا وأنت راضٍ عنا .. اللهم حُسن البقاء و حُسن الرحيل و حُسن الأثر يـارب ”
انتهى من زيارته، و قاد سيارته تجاه شركة العبد الضخمة، فاليوم هو يوم الوليمة الفخمة التي أعدها المهندس ” مرتضى ” بواسطة أمهر الطباخين؛ لافتتاح المشروع الجديد بحضور السيد وزير الصناعة، و المستثمرين للمشروع و الوفد الفرنسي، و بعض رجال الأعمال اللذين جاءوا مجاملةً لمُرتضى.
لقد آمن ” بدر ” بأحلامه و أنصت لعقله و لقلبه في تحقيقها مهما بلغت صعوبة الأمر، وضع كل آماله على الله سبحانه و تعالى، و اجتهد و سعى في تحقيق حلمه، ليراه حقيقيًا و اقعيًا أمام عينيه..
جميعًا نمرّ بتجارب فاشلة، و لكن ذلك لا يعني رفع راية العجز و الاستسلام !
الأمل و اليقين بالله، هو الذي يهزم كل الصعاب و المشاق، و بالصبر و المثابرة يتسع لك الآفاق، فلا يوجد سِن محدد للوصول، ها هو ” بدر الشباب” مثال للرجل المثابر الطموح، الذي ورغم مرضه النفسي؛ لكنه نوي بداخله تغيير نفسه و لملمة شتات أموره ليعود أقوى من جديد، و عندما عاد لبدره و ضيّه، حقق ما ظنه الآخرين مستحيلا..
من قال أنك لا تستطيع ؟! بل تستطيع أن تصنع مُستحيلا، و من يقولها لك اصفعه باستطاعتك، و أره من تكون.. لا يوجد ما يسمى مستحيل ما دام هناك رب يقول للشيء كن فيكون.
كُن مثل ذاك الطبيب الذي أجرى عملية جراحية لمعلمه، الذي قال له ذات يوم أنت فاشل.
توجه ” بدر ” للشركة التي أصبح مُديرًا فيها بعد أن كان عامل أو مهندس بسيط، ليستلم منصب
« المدير التنفيذي» و يشارك في افتتاح المشروع الذي نجح أمس؛ بقص الشريطة الحمراء المعتاد عليها في الشركات الكبرى عند افتتاح مشروع لهم جديد، فهو صاحب الفكرة و اليد التي نفذت المجسم بالكامل مع بعض المساعدات من الأيادي الأخريات.
دلف ” بدر ” للشركة بعد أن صف سيارته، و عدَّلَ من جاكيت بذلته الكاجوال ذات اللون الرمادي الداكن، و التي تميزت بالقصات الاستثنائية الجذابة؛ ليتألق بإطلالة تخطف الأنظار، وهو يمشي بخطواتٍ ثابتةٍ واثقةٍ متواضعة، يوزع ابتسامته المهذبة بودٍ و احترامٍ للجميع، ليبادلونه الابتسامة الصادقة، التي أبدت مشاعر الاحترام له، لقد استطاع بحُسن اخلاقه اكتساب محبة الجميع هنا، حتى الذين كانوا حاقدين عليه في البداية، لقربه من المهندس ” مرتضى ” أصبحوا يكنون له الحُب و التقدير، بالأخص العم ” عبده ” ذاك الرجل الذي اعتبر بدر بمثابة ابنًا له.
صافح المهندس ” مرتضى ” و حياهُ، ليقابله الأخير بترحابٍ بالغٍ سعيدٍ به، ثُم صافح البقية و تجمعوا في مكتب مرتضى الكبير و الفخم؛ منتظرين قدوم وزير الصناعة و معاونيه.
سأل أحد المهندسون الجالسون ” بدر ” عن سبب تأخيره كل تلك السنون الماضية، و لِمَ لَمْ يأخذ تلك الخطوة باكرًا..
” بس ليه مخدتش الخطوة دي من زمان ؟ كان زمانك وصلت بدري قبل ناس كتير ”
تبسم له ” بدر ” بثقةٍ و قال:
” مفيش حاجة اسمها لازم أوصل بدري يا باشمهندس، الدنيا مش مقارنة، مفيش مواعيد وصول محددة، و ما فيش حاجة اسمها القطر فاتك !
متكرهش حياتك عشان ملحقتش تركب مع التانيين، مش جايز لو ركبت معاهم ووصلت معاهم؛ توصل لحيطة سد في النهاية و تلاقي الطريق اللي مشيت فيه معاهم طريق مسدود ملهوش مخرج ولا تكملة، غير إنك ترجع من أول المحطة تاني !
ركز في محطتك أنت و استمتع بطريقك مع نفسك، المهم تبقى عارف طريقك آخره فين، مش تقول أنا لازم أوصل وخلاص !
لازم يكون لك هدف أنت مخطط ليه من البداية، لا تستعجل رزقك، في العجلة الندامة و في التأني السلامة.. ”
أومأ المهندس بتفهم، و اتسعت ابتسامة مرتضى على رده المُقنع، و بعد ساعتين وصلهم أنباء قدوم الوزير، فتوجهوا لاستقباله، ثُم أخذ بفحص السيارة و تجريبها، تلك السيارة فريدة الصُنع و التي سيتم تصديرها لعدة دول بدلًا من الاستيراد، لتكون مصر هي الدولة الأولى الرائدة في صناعة تلك السيارة المميزة و الجميلة، و ذلك بفضل عبقرية
” بدر” و شغفه بعلم الميكانيكا..
و الاستعانة بالله هي التي أوصلته لذلك.
مدَّ الوزير يده يصافح ” بدر” بامتنانٍ و فخرٍ تلك المرة، بعد شُعوره الذي دفعه إلى إظهار المَهابة له، و مُعاملته باعتبارٍ، و مُراعاةٍ لاجتهاده و تفوُّقه وجَدارته.
و بما أن الصحافة كانت موجودة لتدوين الحدث و إذاعته صوت و صورة، فقد طلبت إحدى القنوات الشهيرة عمل مقابلة مع بدر و مرتضى في أقرب وقتٍ، و بالطبع وافق الاثنانِ للحديث عن سيارتهما الاستثنائية.
قصَّ ” الوزير” الشريطة الحمراء، ليصفق الجميع و اتجه يقف مع ” بدر و مرتضى ” و البعض؛ لأخذ صور تذكارية لهذا العمل الناجح.
لم تفارق الابتسامة الجميلة شفتيّ” بدر ” كجمال قسمات وجهه الأسمر البشوش، و عينيه البنية التي أعربت عن مدى سعادته، و ظل يردد
” الحمدلله ” ثُم اتجه لغرفة الاجتماعات الكبيرة لاستلام منصبه الجديد.
« احلم معايا ببكرة جي
و لو مجاش احنا نجيبه بنفسنا
نبدأ نحاول في الطريق
كتر الخطاوي تدلنا على حلمنا»
دلف باسم المُحَيَّا بخطواتٍ متزنةٍ، و في مَظْهَرٍ رزينٍ، تصف مدى جدية و عقلانية هذا الرَجُل، الذي من هيئته يظهر عليه الحِلْم والوقار، ليوزع ابتسامته المهذبة عليهم، فهم أكثر من ثلاثون موظف ممن لهم شأنٍ كبيرٍ بالشركة، و منهم مالك الشركة ” المهندس مرتضى ” و الذي جلس أيضًا معهم، ليرَ كيف سيبدأ الرئيس التنفيذي الجديد بشركته الكُبرى في عرض مخططه السنوي.
رغم معرفتهم لاسمه، و لكن أول شيء يفعله أي مدير جديد عند الاجتماع مع موظفي الشركة، هو التعريف بنفسه، لذا وزع ” بدر ” نظرته الثاقبة و الواثقة عليهم، مع الابتسامة الهادئة التي لا تفارق محياه، و قال بنبرةٍ محفوفة بالاعْتِدال والرَّصانة:
” السلام عليكم و رحمة الله و بركاته، أنا المُهندس بدر الخياط، المدير التنفيذي الجديد لشركات العبد ”
***
« مهما نقع نقدر نقوم، نشق نتحدى الغيوم
نلاقي ليلنا ألف يوم.. بس احنا نحلم »
***
بدأ ” بدر ” في عرض مخططه الجديد للشركة تحت نظرات الحماس و التركيز منهم، و الفخر و الاعتزاز من مُرتضى.
__________________
‏” أتَدري كم ذكرتُكَ في دعائي
‏وما بينَ الصلاةِ إلى الصلاةِ؟
‏وفي صُلبِ الحديثِ حديثُ نفسِي
‏وما بينَ الغداةِ إلى الغداةِ ؟ ” لقائلها.
~~~~~~~~~~
انتهى لاعبنا الشهير ” سيف الاسلام ” من اعداد و تصميم تلك المفاجأة الرائعة، التي سَيُفاجئ بها
” روان ” بعد تلك الفترة الزمنية الطويلة التي ابتعدا فيها عن بعضهما.
و ساعده في اعدادها ” قُصي ” الذي ظل يتأفف بين الحين و الآخر وهو يساعد المصممون في نفخ البالونات بغاز الهيليوم، هاتفًا:
” دي آخرتها ! أقعد أنفخ بلالين ؟ ما تروح يا عم تكتب كتابك عليها و خلص الموضوع، لازمتها إيه الأفورة دي ؟! ”
صفعه ” سيف ” على رأسه بخفةٍ، ليقول:
” بكرة لما تحب بجد، ها يبقى نفسك تجيب للي بتحبه نجمة من السما عشان بس تشوف الضحكة على وشه ”
رد في اعتراضٍ و استنكارٍ:
” نجمة من السما ! هي النجوم اتخلقت عشان تجيبوها لبعض ؟ أولًا النجوم ربنا خلقها لانتاج المواد الخام اللي بتخلي الحياة ممكنة، و أهميتها الكبيرة في قدرتها على الإضاءة، مش عشان تجيبوها لبعض ! عيل ملزق صحيح ”
تدخل ” زين ” مازحًا:
” ما تسيبه يفرح يا عم، ولا أنت عشان دارس علم الفلك هتيجي تطلعه علينا ؟ و لا يمكن عشان أنت سنجل بائس ؟! ”
أراد سيف إثارة غيظه، فقال غامزًا:
” طيب أنت تعرف بقى إن النجوم دي بتعبر عن الحُب و المشاعر المرهفة !، و كمان فيه نجوم في السما بتبقى كبيرة شوية عن الباقي، دول بقى بيبقوا اتنين عُشاق حاضنين بعض ”
” أحمس ! ده أحمس و كل العيلة المالكة.. إيه الكلام الفارغ ده ! النجوم الكبيرة دي يا دكتور يا غبي، بتبقى نجمين مزدوجين أو أكتر بيدوروا حولين بعض.. النظام النجمي المزدوج ده هو الأكثر شيوعًا في المجرة.. بطلوا عبط بقى ”
هتف بها ” قُصي ” في تعصب جعل وجنتيه يشوبهما الاحمرار، فبدا وجهه أجمل بمراحل، مما ضحك ” إبراهيم ” و أردف:
” الله الله ! أنت خدت الكلام بجد، و وشك احمر زي البنات لما اتعصبت ! ، بلاش تتعصب تاني بقى يا كوكي ”
رمقه ” قُصي ” في تحذيرٍ، فبلع إبراهيم لسانه و فضل الصمت خوفًا منه، ثُم نظر لهم باستياءٍ قائلًا:
” أنتم ها تعملوا عليا حفلة أنتم التلاتة، عشان ماليش في الهبل ده ؟! ”
غمز له ” سيف ” ثانيةً، وهو يوكزه في صدره بلُطفٍ:
” مسيره يبقى ليك، و ساعتها هاجي اوريك ”
” طب يلا كشكشها متعرضهاش عشان ماليش في النقاش ”
هتف ” زين ” وهو يستعد للمغادرة:
” ها امشي أنا بقى يا رجالة، عشان ورايا شُغل الصُبح ”
رد ” سيف ” وهو يلقي نظرة أخيرة على المكان بابتسامة واسعة:
” تفتكروا ها يعجب روان ؟! ”
أومأ “زين” بجدية:
” ايوه طبعًا، ما شاء الله أفكارك حلوة يا سيف ”
برم ” قُصي ” شفتيه وهو ينظر لهما بفتورٍ مصحوب بقوله:
” و كمان بعد ده كله مش عاوزه يعجبها ؟ يا بني البنات دول هُبل و أي حاجة حلوة بينبسطوا بيها ولو أي كلام ”
استدار له ” إبراهيم ” يقول بنفيٍ لكلامه:
” بس أنا مش معاك في الكلام ده يا قُصي، لأن ده مش هَبل ولا سذاجة منهم، دي طيبة.. هما أقل حاجة بتفرحهم و تراضيهم و أقل حاجة برضوا بتزعلهم، عشان الجنس ده جنس ناعم وحساس و طيب بالفطرة ”
” ايوه أنت بتقول كده عشان بتاع نسوان ”
قالها ” قُصي” بسخريةٍ منه، ليهتف هو ضاحكًا:
” أنت اللي بريء براءة الذئب من دم ابن يعقوب ! ما أنت كمان عرفت بنات بعدد شعر راسك ”
” دي كانت نزوة و طيش مراهقة و راح لحاله، أما دلوقت والله ولا فارقين معايا، لكن أنت ما شاء الله عليك، مكمل و كل يوم تحب واحدة شكل ”
أشار لنفسه في براءةٍ، في حين أن “زين و سيف” ظلا ينظران لهما بضحكٍ، على تعبيرات وجههما:
” الله الله ! شوفوا مين بيتكلم، بتاع كارمن ! ”
دفعه الآخر في صدره بخفةٍ، و صاح:
” أنت عارف كويس العلاقة ما بينا كانت إيه و بسبب إيه، لكن والله عمري ما حبيت، أصلًا مش أي واحدة تيجي تخطف قلب قُصي بالساهل كده، مفيش واحدة خلقها ربنا تستاهل قلبي يدق لها، أنا قلبي اتخلق لي عشان أعيش بيه، مش عشان شغل التلزيق بتاعكم ده، و هدي اللعب شوية يا آراش، و لا نسيت نفسك ! ”
” مين بيتكلم ؟! سي لوسي ! ”
تفوه بها ” إبراهيم ” مما استفز ذلك ” قُصي “، و هَمَّ بضربه، ليتدخل ” سيف ” سريعًا بفض الشجار بينهما، موجهًا سؤاله لهذا الذي كاد أن يفقد أعصابه و يضرب صديقه بالفعل:
” أنتم جايين تتخانقوا في أهم أيام حياتي ! صحيح يا قُصي، هي فين كارمن ! مش كُنت بتقول بتحبها ؟! ”
نظر ” قُصي ” لـ ” إبراهيم ” نظرةٍ ناريةٍ؛ جعلته يتوارى خلف ” زين ” الذي وقف يطالعهم باستفهامٍ، فهو لا يعرف عما يتحدثون..
رد ” قُصي ” بنظرة هروب:
” سافرت، و أصلًا كنت بهزر معاك.. ملقتش غير دي يعني اللي أحبها ؟! ”
رد ” إبراهيم ” في محاولة منه لتصحيح الموقف:
” أنا كنت بهزر مع قُصي، كارمن دي كانت جزء من الخطة اللي…. ! ”
اتجه له ” قُصي ” يكتم فمه سريعًا، قبل أن يفجر كل أسرار الكتيبة، ليقول بإحراجٍ:
” قصده إن أنا لعبي و كنت ناوي اعشمها و اسيبها، بس هي خلعت بدري و سافرت ”
أبعد ” إبراهيم ” يد رفيقه عنه ليقول بابتسامة بلهاء:
” منا كنت هقول كده.. الله الله ! ”
” الله ياخدك لبلدك يا شيخ ”
تمتم بها ” قُصي ” بضيقٍ منه، ثُم ودعهم ” زين ” الذي يعتبر أعقل واحد فيهم، و غادر.. بينما هم قرروا العودة في المواصلات العامة.
اقترح ” سيف ” على الاثنانِ الآخرانِ ترك سيارتهما، و خوض مغامرة في المواصلات مثل عامة الشعب، و وافقا بعد حماس “قُصي” الكبير لتلك المغامرة و كذلك التركي، فالفتيانِ لم يسبق لهما و أن عاشا تلك التجربة من قبل، فهذا “قُصي” دائمًا كان يستعمل سيارة والده أو شقيقه منذ أن تعلم القيادة، و قبلها كان والده يصله بسيارته دائمًا لأيٍ من الأماكن المنشودة، أما التُركي شبيه الأطفال في ملامحهم البريئة رغم حماقته أحيانًا، مثله مِثل صاحب أجمل عيونٍ زرقاء، و أصر عليهما ” سيف ” بعدم استعمال سيارتهما؛ حتى يبتاع لنفسه سيارة غدًا بواسطة المبلغ الذي حاز عليه من إحرازه لأكثر من هدف مع مباريات ” الأهلي “.
أثناء اتجاههم لموقف السيارات، لمح “قُصي” عربة للفول و الطعميه في الشارع، فأراد التجربة؛ لأنه لم يسبق له و أن أكل طعامًا خارج البيت سوى في المطاعم الفخمة و الراقية، و لم يعتاد من الأساس تناول الفول، أما بالنسبة للطعمية أو ما يطلقون عليها «الفلافل» لم يتذوقها في حياته، لحرص والدته الشديد على إطعام صغارها طعام صحي خالٍ من الزيوت، أما ” إبراهيم ” قد أكلها مرارًا في بيت جده المصري، و لم يسبق له أيضًا أكلها من الشارع.
الازدحام على عربة الفول جعل ” قُصي ” يبتسم بسعادة هاتفًا:
” طالما فيه زحمة كده و كله واقف، يبقى أكيد أكله حلو أوي ”
رد ” إبراهيم ” وهو يتابع باستغراب هؤلاء الجمع من الناس الواقفين حول العربة يأكلون بشراهة:
” هما ليه واقفين ؟ مفيش كراسي لنا طيب ؟ ”
” سيف ” في تلك اللحظة مسح دموعه التي تجمعت من كثرة الضحك الشديد عليهما، و قال:
” الناس بتاكل على عربية الفول وهما واقفين، عشان في الشارع و مفيش مكان يتقعد عليه غير الرصيف، بس المتعة كلها في الأكل و أنت واقف على فكرة ”
فتح ” قُصي ” فمه الصغير ولأول مرة يشعر أنه غبي، بينما ” إبراهيم ” صفق بحماسٍ:
” الله الله ! دي هتبقى أحلى تجربة في حياتي عملتها في مصر ”
” بصوا عشان أنتم ملكوش في الكلام ده، فا خليكم واقفين هنا على ما أجيب لنا سندوتشات و اجي ”
قالها ” سيف ” و الضحك لا يفارق وجهه، فهتف “قُصي” مُعترضًا:
” لا، أنا عاوز أقف زيهم.. عاوز أجرب ”
” ما بلاش ”
رد في إصرارٍ:
” لازم أجرب ”
” افتكر إن قولت لك بلاش ”
بعد دقائق، يقف ” قُصي ” بجانبه ” إبراهيم ” على يمينه ” سيف ” و أمامهم أطباق الفول و الفلافل الساخنة، و العيش الأسمر و المُخلَّلات، ليقول ” قُصي ” وهو يتأمل الرجل بجانبه يقوم بعمل لقمة من العيش مثل « أذن القطة» ثُم دسها في الطبق، ليخرج بها مملوءةٍ على فمه..
” مفيش شوكة و سكينة آكل بيهم سندوتشات فول، عشان مش عارف أعمل العيش زي القرطاس كده ؟ ”
تجمعت أنظار الواقفين جميعًا عليه، البعض منهم ظنوا أنه «أجنبي» لملامح وجهه، فمصر يعيش بها معظم الجنسيات، بينما صاحب العربة تأمله للحظاتٍ في تعجبٍ واضحٍ، هاتفًا:
” شوكة و سكينة ! أنت بتاكل بيتزا ! ده فول و طعميه يا باشا، أول مرة تاكلهم ولا إيه ؟! ”
أحس ” قُصي ” بالإحراج من نظراتهم المتعلقة عليه باستغراب، أما ” إبراهيم ” كان يسند “سيف” الذي كاد سيفقد وعيه من كثرة الضحك.
سمع ” قُصي ” همساتهم يقولون فيما بينهم
« شكله ابن أكابر، فرفور»
« باين له مش مصري و دي أول مرة ليه»
« تلاقيه مفكر الطعميه برجر !»
ثارت ثائرته و تحولت ملامحه للغضب، وهو يقوم بعمل لقمته مثل ” أذن القطة” ليجعلهم يكفون عن النظر إليه هكذا، فا سال الفول من الفتحة السفلية للقمة على يده، مما وضعها سريعًا و التفت لابن عمه يستنجد به:
” منديل، عاوز منديل بسرعة”
أثار ذلك المشهد فضول صاحب العربة عن هويته، فتساءل باسمًا بلُطفٍ:
” أنت منين يا حبيبي ؟ ”
صاح قُصي في تعصب:
” مش باين من لهجتي إني مصري يعني ؟! ”
شدَّه ” سيف ” سريعًا قبل أن يحدث تصادم معهم، و رحلوا ثلاثتهم للموقف، و غمغم
” قُصي ” في الطريق باستياءٍ:
” كان نفسي أجرب أعمل قرطاس زي الراجل ”
” و أنا كمان، ده بيعمله حلو أوي ”
قالها ” إبراهيم ” باعجابٍ صريحٍ بالرجل، لِيَرُد عليهما ” سيف ” في نوبة أخرى من الضحك:
” اسمها ودن قطة مش قرطاس، مجربتهاش أنت بقى في الملوخية.. عالم تاني ”
أثناء سيرهم، لمح ” إبراهيم ” مجموعة من الناس يركضون حول سيارة قادمة للموقف، و رجل يضع ابنه من النافذة ليقوم بحجز المقعد، مما صاح
” إبراهيم ” في ذهولٍ:
” الله بيلاني فارسن، صاهتيكـار !! ”
نظرا لما ينظران له، فـَهتف “قُصي” في دهشةٍ مثله:
” سيف سيف.. الراجل خطف الولد الصغير.. شوفته.. رماه من الشباك جوا العربية ! الناس كلها اتلمت على العربية ! تعالوا نشوف الولد حصله إيه.. إحنا لازم ننقذه، أنا قلبي وجعني عليه.. سيف أنت روحت فين ؟! ”
استند ” سيف ” على عمود إنارة، و قد تهالك على نفسه من كثرة الضحك، وهو يهتف باستيعاب:
” فضحتونا، الناس دي بتجري عشان يلحقوا العربية، لأن أحيانًا مش بيبقى فيه عربيات رايحة للبلد بتاعتهم، و الراجل اللي دخل ابنه من الشباك ده، دخله عشان يحجز مكان.. أنا غلطان أصلًا إني قولت لكم نروح مواصلات، توبة تحصل تاني ”
في النهاية استوعب الاثنان الأمر، و اتجهان وراء ” سيف ” للسيارة المُراد ركوبها.
جلسوا الثلاثة في المقعد الثاني للسيارة من نوعية « ميكروباص »، و تجمعت الأنظار ثانيةً على ” قُصي ” و لكن تلك المرة بانبهار، فطريقة تصفيف شعره تشبه « الكوريين» و لا أحد في مصر يفعل مثلهم، أو ربما القليل جدًا و معظمهم من الأطفال، و الكثير أيضًا لديهم عيون ملونة، و لكن عين ” قُصي ” تبارك الله شديدة الجمال و ملامحه أيضًا، و تلك النظرات جعلته في كامل استيائه، مما دعاه ذلك لتغطية شعره بغطاء الهودي خاصته، و لف وجهه ناحية النافذة في تمتمة مبهمة:
” هو أنا كل إما أروح مكان الناس ها تبص لي ؟!
ما البلد مليانة ناس حلوة، اشمعنا أنا ! أوف استغفر الله، حاجة تزهق ”
جمع « الأجرة» من الركاب كان من نصيب
” سيف” و لأنه بارع في ذلك، فلم يعترض..
وقع منه جنيه نقدي، فأعطى لإبراهيم الأجرة، و انحنى يحضر الجنيه، قائلًا له:
” ادي الأجرة اللي قدامك و قوله ده من ورا ”
المقعد الذي أمام ” إبراهيم ” جلست عليه إمرأة و معها طفل، فمد ” إبراهيم ” يده بعفوية يهز المرأة من كتفها، و بحُسن نيةٍ قال:
” لو سمحتِ، ممكن تاخدي من ورا ؟ ”
سمع ” سيف ” ذلك، فاصطنع أنه لا زال يبحث عن الجنيه، رغم أنه وجده.. في حين أن “قُصي”
لم ينتبه للموقف، بينما المرأة التفت له بوجهٍ يملؤه الغضب، و صاحت به:
” أنت ازاي جات لك الجرأة تحط إيدك عليا !
إيه الجيل المهبب ده ؟! ده أنت أهلك معرفوش يربوك.. تربية *..! ”
أوقف السائق السيارة بعد أن عمت بالضجيج، و صاح ” قُصي ” هو الآخر دون أن يفهم الموقف مدافعًا عن إبراهيم، الذي أدمعت عيناه:
” أنتِ اللي غلطانة، أنا صاحبي ما بيغلطش ”
ظهر ” سيف ” أخيرًا يقول بتهدئة للجميع:
” أنا آسف يا طنط والله، آسفين يا جماعة..
دول مش مصريين أصلًا، دول اتنين أجانب جايين سياحة للبلد، و أنا المرشد السياحي بتاعهم.. حتى بصوا وشوشهم، واحد شبه مهند و التاني شبه مراد، عدنان بك يبقى أخوهم الكبير ”
” انزل ياض من العربية أنت وهو، انزلوا ”
صاح بهم السائق، و بالفعل ترجلوا الثلاثة منها بعد أن نجحا في إخراج ” قُصي ” فقد هاج الأخير و امتدت يده لينزع حزامه استعدادًا لمعركة دموية معهم..
قال ” سيف ” وهو يلهث بصعوبة:
“فرهدتني يا أخي حرام عليك.. أقولهم أجنبي و أنت عاوز تخلع لهم الحزام ! أنت ياض أجنبي من السيدة عائشة ! ”
” كنت سيبتني عليهم، والله كنت روقتهم.. و الولية دي بالذات.. أنا محبش حد يهين صحابي، و أنت عارف كويس إن إبراهيم على نياته و أهبل و مكنش يقصد يلمسها.. ”
هدأ قليلًا، ليمسد على شعره الناعم مُتابعًا:
“هو آه بتاع نسوان، بس من بعيد.. ده لو واحدة بصت له؛ وشه بيتحول لكيس صلصة !”
همس ” إبراهيم ” بحزن حقيقي:
” أنا مكنش قصدي حاجة والله، ده أنا كنت عاوز أديها من ورا زي ما سيف قال و مقصدتش ألمس كتفها ”
ربت سيف على كتفه وهو يكتم ضحكة تجمعت في عينيه:
” متزعلش نفسك، دي غلطتي أنا.. يلا بينا نروح.. أنا هطلب أوبر مخصوص يوصلنا للبيت ”
صاح ” إبراهيم ” تلك المرة بتحذير لسيف:
” بس أنا مش هدي حد حاجة من ورا ولا مكلم حد أصلًا، تمام ؟ ”
رمقه سيف بغباء بدا مُضحكًا، و ضحك قُصي بخفة، ليقول سيف:
” ولاه.. أنا عاوزك تسكت خالص، و لما تيجي تتكلم اتكلم أي لغة تانية غير لغتنا.. و أنا هفهمك ما تقلقش ”
.. في النهاية و الحمدلله وصلوا لبيوتهم بسلام.
_______________
مرّ يومًا آخر على تلك الأحداث..
” عائشة ” جاء امتحانها من الأسئلة التي ذاكرها
” بدر ” لها، و ” هاجر ” رغم صعوبة الامتحان استطاعت حله بقدر الامكان، و كذلك ” روان ”
أما ” رُميساء ” لم يكن لديها امتحانات هذا الأسبوع، بينما ” نورا ” ذهبت مع ” أُبَيِّ ” و والدتها و حماتها؛ لاحضار أثاث شقتها، فالوقت يركض سريعًا و لا مجال للانتظار.
اشترى ” سيف ” سيارة رائعة بمساعدة شقيقه الذي يفهم في أنواعها، و ” كريم ” عاد من القاهرة صباح اليوم؛ لحجز زفافه على فراشته في إحدى قاعات الأفراح المقسمة لطابقين و المشهورة في المنصورة الجديدة، و حضور كتب كتاب أخيه.
لقد هاتفه حماهُ، و أخبره بقرار ” رُميساء ” الأخير، مما انتفض قلبه من شدة السعادة، و لكنه كتم ذلك في قلبه؛ ليؤدبها على قولها الأخير له.
أصبح ” رياض” غريبًا بالنسبة لعائلته، فقد قاطعه الجميع، و لم يعد يرغب أحد في الحديث معه.
و تفهم ” منير الأنصاري ” أمر زوج ابنته، و وافق على جعل الزفاف بعد أسبوعين، بعد كتب الكتاب الذي موعده مساء اليوم.
في حين أن ” منة ” أنهت آخر جلسة من جلسات العلاج النفسي، التي اعتادت الذهاب لها سرًا دون معرفة أحد و اطلاعه بالأمر، حتى ” شمس” أقرب شخص لها.. أخفت عنها الأمر.
كان الغرض من ذهابها لطبيب نفسي؛ هو مساعدتها على مواجهة مخاوفها مع العالم من حولها، و نجحت ” شمس ” في إقناعها بارتداء فستان في حفل زفافها بدلًا من البنطال.
_____
اليوم هو آخر يوم لامتحانات “قُصي” في السفارة، بعد عودته من مهمته خارج البلاد و معرفة أن السيدة العجوز التي تم خطفها ضمن الرهائن ” نادية القصّ” هي جدته الحقيقية
” راحيل ” و التي لم تمت في الزلزال كما أخبره والده، أراد التعرف عليها أكثر؛ فهاتف عمه اللواء المعروف ” عزمي ” وهو الابن الأكبر لجدته، و أخبره عن شوقه لرؤية جدته، فـَرحب بالفكرة و أعطاه عنوان الفيلا الفارهة خاصته.
بعد عِلم أفراد عائلة الخياط بأن أسرة ” لين ” زوجة مجاهد لا زالوا على قيد الحياة، تعجبوا كثيرًا و شرح لهم مُجاهد الأمر على طريقته فأخبرهم في كتب كتاب ” أُبَيِّ ” عند مجيء اللواء عزمي و زوجته لحضوره:
” أنا قولت لكم إن عيلة مراتي ماتوا في الزلزال، بس مش كلهم الصراحة، هما ماتوا فعلًا ما عدا حماتي و اللواء عزمي و زوجته و أولاده..
عشان زمان كانوا عندهم عمارة بتاعتهم و عايشين فيها مع بعض، جه الزلزال وقعها، و وقتها الست نادية حماتي كانت برا هي و اللواء عزمي و أسرته بالصدفة، بس أنا قولت إن كلهم راحوا عشان كان فيه مجموعة ارهابيين مستقصدين اللواء و عاوزين يخلصوا عليه هو و عيلته، فاضطريت أخبي موضوع إنهم لسه عايشين ”
و بالطبع صدقه الجميع، حتى “عزمي” نفسه اقتنع بكلامه.
***
وصل ” قُصي ” لفيلا خاله، و استقبله ابن خاله الذي لأول مرة يراه “قُصي”، كان بعمر ” أُبَيِّ ” و يعمل كابتن طائرة..
استقبله بحفاوة و رحب به بشدة و كذلك والدته، و لم يكن ” عزمي ” متواجد معهم بسبب انشغاله بأعماله في الداخلية.
جاءت ” جدته ” تلك المرأة التي تبلغ من العمر ثلاثة و ثمانون سنة، قصيرة القامة تمشي بخطى مهزوزة معتمدة على عصاها المعدنية، إمرأة بشوشة الوجه رغم التجاعيد التي ملأت وجهها..
ارتدت نظارتها الطبية، و ظلت لدقائق تتأمل حفيدها الذي رأته آخر مرة عندما كان بعمر الثانية، أما بعد ذلك ظلت ابنتها ترسل لها صور أحفادها على الهاتف، و عندما كانت محجوزة في الكهف على يد ” الماسونية ” لم تستطِع ملء عينيها الزرقاء بتفحص حفيدها.
رفعت يدها تتحسس وجه ” قُصي ” عن قرب، فابتسم لها بدموعٍ مصحوبة بالحنان..
قالت بنبرة يغمرها الدفء:
” ملامحك ما اتغيرتش، لسه زي ما أنت جميل ”
قبَّل يدها في حنوٍ، و أخذها من يدها يُجلسها قائلًا وهو يعانقها برفقٍ؛ خشيةً على عظامها الضعيفة بفعل الزمن..
” ياريت كُنت عرفت من زمان إنك عايشة ”
مسدت على شعره، و ربتت على ظهره باسمةً:
” كلمة ياريت مش بترجع اللي فات، لكن نقدر نخلي اللي جاي أحلى ”
هتف ابن خاله وهو يصافحه استعدادًا للمغادرة لعمله:
” أشوفك في فرح أُبَيِّ إن شاء الله ”
” إن شاء الله ”
جاءت ابنة خاله ترحب به، فهي إمرأة متزوجة و لديها طفلين..
هتف طفل من الاثنان بعمر السادسة وهو يعبث بشعر قُصي:
” شعرك جميل.. ”
ثُم ركض تجاه والدته و صاح:
” مامي، اعملي لي شعري زيه ”
أومأت والدته ضاحكةً، بينما قال الطفل الآخر و الذي يكبر شقيقه بعامين:
” تيجي تلعب معايا بالقطر بتاعي؟ ”
” مش دلوقت يا عُثمان يا حبيبي، هيبقى يجي مرة تانية إن شاء الله، سيبه دلوقت يقعد مع تيته”
أومأ الطفل في أدبٍ و طاعةٍ، ليأخذ شقيقه و يذهبان لغرفتهما، بينما زوجة ” عزمي ” قالت بحنان:
” قُصي أنت معمول حسابك معانا على الغدا، خمس دقايق و السفرة تكون جاهزة ”
ثُم استدعت الخدم لاعدادها، بينما “قُصي” لم يعترض و ظل يتأمل جدته باشتياقٍ لها، فبادلته النظرات بتفحص دقيق جعل يدها ترتعش، و قبضت على عصاها في خوفٍ اتضح على ملامحها، مما ارتبك قُصي و تساءل:
” مالك يا تيته ؟ حضرتك كويسة ؟! ”
غمغمت الجدة وهي تنظر أمامها بشرودٍ:
” مش ممكن، هيوشوع ! ”
لم يسمعها ” قُصي ” جيدًا و أعاد سؤاله بقلق عليها، فوجدها في أوج شرودها..
نهض يستدعي زوجة خاله..
” طنط، تعالي شوفي تيته مالها ”
جاءت السيدة و استطاعت سماع همهمات حماتها، فأعطت لها كوب من الماء و همست تُهدئها:
” ماما.. ماما فوقي.. اوعي تقولي كده قدامه ”
” شبهه، نفس نظرات الدهاء اللي كانت فيه، نفس الوش البريء اللي بيدارى وراه مكر الديابة، بس.. بس هو أجمل، و جماله نقمة عليه.. نقمة عليه.. نقمة.. ! ”
مسحت لها زوجة ابنها بالماء على وجهها، تحت نظرات الدهشة الشديدة من ” قُصي ” ليتساءل في غرابة:
” هي مالها ؟ بتتكلم عن مين ؟! ”
” لا يا حبيبي، دي نوبة كده بتيجي لها كل فترة.. تأثير الزمن بقى ”
أومأ قُصي في تفهم، و تجمعوا حول مائدة الطعام الذي تنوع بما لذ و طاب..
و بعد الانتهاء و غسل يديه، جاء ليشاهد المنظر الخلاب للحديقة التابعة للفيلا من نافذة البهو الواسع، بينما جدته ظلت تفحص قامته الطويلة و جسده الرياضي، لتهتف بصوتٍ عالٍ وصل له:
” ولا غلطة، بس نقمة.. نقمة عليك ”
قصدت الجدة من كلامها، أن حفيدها أقرب الشبه لخاله اليهودي الذي كان يمتلك دهاء و ذكاء مثله أيضًا، و كان من أجمل شباب جيله عندما كان بعمر ” قُصي ” و بسبب ذكائه و جماله، انحرف عن المسار الصحيح و اتجه لتدمير العالم مُغترًا بنفسه دون شكر أَنُعم الله عليه، فكانت موتته موتة عبرة لمن يعتبر..
خافت الجدة كثيرًا أن يتبع حفيدها نهج خاله، فتابعت بدموعٍ:
” اوعى تستخدم النعم اللي عندك غلط يابني، اوعى تمشي على نهج يهوشوع ”
استطاع فهمها بسهولة عندما سمع ما تُهمهم به، فاستدار لها باسمًا:
” متخافيش، أنا مُسلم مش يهودي ”
” في فرق كبير بين الدين و الديانة يا قُصي،
الديانة متغيرة لكن الدين ثابت، ما عدا رسول الله محمد صل الله عليه وسلم..
اتولدت مسلم بس هل ها تفضل ملتزم بتعاليم الاسلام ؟
يوسف اتولد مسلم و لما كبر اختار بنفسه يبقى يهودي..
عشان كده لازم قبل ما تكون مسلم تبقى ملتزم بالاسلام و بكل ما أُنزل على آخر الأنبياء و خير خلق الله، نبي هذه الأمة الوحيد الذي سيشفع لنا يوم الدين لا نبي اليهود ولا نبي النصارى.. رسول و نبي المسلمين بايده الشفاعة لأمته.. اجتهد عشان تبقى واحد من اللي رسول الله ها يتقبل شفاعته فيك، اجتهد و سيطر على عقلك و جمالك و اوعى يحصل العكس يا قُصي، اوعى.. ها تضيع يابني. ”
اقترب منها ببسمةٍ صغيرة، و جلس بجانبها يطوق كتفيها بحنانٍ، قائلًا:
” أنا عارف أنا بعمل إيه كويس، متخافيش يا تيته، أنا قُصي مش يهوشوع ”
ربتت على يده بخوفٍ عليه و تابعت:
” ربنا أنعم عليك بالجمال الفائق و الذكاء اللي ملوش آخر، و الاتنين دول لو ما تم استخدامهم صح، هتودي نفسك لطريق نهايته دمار..
الفرق اللي بينك و بينه، إن أنت معندكش التكبر و الغرور اللي كانوا ماليين قلبه ”
تنهّد بتفهم، و تساءل:
” تنصحيني بإيه عشان مبقاش زيه ؟ ”
” الصلاة و لكن بخشوع، خلي الصلاة هي أول خطوة في كل خطوة ها تخطيها، عشان لو مبدأتش الأساس صح المبنى مسيره ها يتهدم فوق راسك، و الصلاة هي البداية الصح لكل خطوة، من غيرها ها تضيع.. ”
” بس أنا فعلًا محافظ على الصلاة ”
” بقلبك و عقلك يا قُصي، صلي دايمًا بقلبك و عقلك، عشان لو عقلك حضر و قلبك غاب مش هتبقى صلاة خاشعة، الصلاة بخشوع بتنضف القلب و العقل من عك الدنيا و بلاويها.. أشكر ربنا في كل وقت على نِعَمُه، لأن زي ما رزقك بيها قادر يسلبها منك في لمح البصر، لو انحرفت عجلاتك عن المسار الصحيح ”
أنهت كلامها باحتضانه، فبادلها العناق و أردف:
” حاضر، حاضر يا تيته ”
” حضر لك الخير يا حبيب تيته، بيت في حضني النهاردة ”
ابتسم بخجلٍ وهو ينهض:
” لازم أمشي، بنجهز لفرح أُبَيِّ بقى أنتِ عارفة، و كتب كتاب ” سيف ” ابن عمي بكرة إن شاء الله ”
” وصل سلامي ليهم يا حبيبي، في الفرح هاجي مع خالك إن شاء الله ”
ودعها ” قُصي ” و انطلق بسيارته الجديدة عائدًا للمنزل.
****
في حديقة منزل ” مُجاهد ” جلس ” إبراهيم ” مع ” ملك ” يلعبان لعبة بيت الدُمى.
” ملك ” تلك الفتاة الصغيرة التي لم ترتدي الحجاب بعد؛ لعدم بلوغها مثل بقية أقرانها، فجسدها الأشبه بجسد الأطفال لم يساعدها على النمو الجيد، حتى أن ملامحها لم تسعف على اظهار عمرها الحقيقي.
تهوي بل و تعشق اللعب بالدمى كثيرًا، و تظل طوال الوقت تتحدث معهم، على الرغم من معالجتها من مرض التوحد الذي أصيبت به في الصغر و لازمها لسنوات، لكنها لا زالت تتحدث مع الدمى كأنهم بشر و ليسوا عرائس من القماش !
و في الفترة التي تواجد فيها ” مُجاهد ” بأسرته في ” تركيا ” و تعرف على رجل الأعمال الشهير
” إيمير إبراهيم ” كان إبراهيم الابن الأصغر له يرتاد نفس المدرسة التي بها “قُصي” و تعرفا على بعضهما و أصبحا أعز الأصدقاء، و لأن ” إبراهيم ”
ليس لديه أخوات بنات، فاعتبر ” ملك ” بمثابة أخته، فكان يحضر لها الكثير من الألعاب و العرائس و يشاركها اللعب، فبرغم حماقته أحيانًا، و لكن قلبه لا يخلو من اللين و الرأفة بمن هم أصغر منه سِنًا، حتى ” لين ” اعتبرته مثل ابنها لحنانه البالغ على ” ملك ” و الجميع يكنون له الحُب؛ لما له من فضلٍ كبيرٍ عليهم، لمقدرته في انتشال ابنتهم من مرض التوحد و جعلها تندمج قليلًا مع الآخرين.
رغم جهود الأطباء معها، و لكن ملك كانت تصرخ بشدة إذا اقترب أحد منها أو خرجت في أماكن عامة، و إبراهيم لكثرة لعبه معها؛ فضلته ” ملك” على عائلتها و أحبت تواجده معها، بل في كثيرٍ من الأحيان، كانت تستيقظ منتصف الليل و تبكي معللة حاجتها لإبراهيم.
هتف ” إبراهيم ” وهو يقوم بعمل جدائل بشعرها الذهبي الطويل، فهي الوحيد التي تمتلك شعرًا بلون سبائك الذهب:
” ربانزل، Don’t move until I’m done”
” لا تتحركين حتى أنتهي ”
اعتاد ” إبراهيم ” مناداتها بإسم الشخصية الكرتونية ” ربانزل ” لأن أولًا ” ملك ” هي من أخبرته بذلك لحُبها الشديد لها، و ثانيًا ” إبرهيم ” وجد أن ” ملك ” تشبه ” ربانزل ” في ملامحها.
انتهى من تمشيط شعرها و تجميعه على هيئة جديلة طويلة، فنهضت هي و أخذت تقفز هاتفة:
” It’s raining ! ” إنها تمطر !
و لأن ” إبراهيم ” يفهم ” ملك ” قبل حتى أن تنطق بالكلام، نهض و أمسك يدها و ظلا يقفزان تحت المطر، مما اتسعت ابتسامتها البريئة و صاحت:
” أنا بحب الشتاء أوي يا إبراهيـم ”
” و أنا حبيت الشتاء عشانك، رغم إني مُصاب بالجيوب الأنفية ”
قالها في براءةٍ منه، فهو يحب جعلها سعيدة دائمًا، و توقفت هي عن القفز متسائلة بعدم فهم:
” يعني إيه كيوب أنـ.. أنـ.. أنفية ؟! ”
رد ضاحكًا:
” جيوب أنفية، يعني Sinuses أقصد ”
صمتت تلعب تحت المطر، ثُم عادت له تَشدَّه من يده:
” اركض ورائي، يلا..
“If you catch me, I’ll give you a lot of candy”
“لو أمسكت بي، سأعطيك الكثير من الحلوى”
رد وهو يستعد للعب معها بمرحٍ:
” يلا اجري ”
ركضت و ركض وراءها بتمهل، حتى يعطيها مساحة للعب ولا تخسر بسهولة..
تزامن ذلك المشهد مع وصول ” قُصي ” للمنزل..
صاح على ” إبراهيم ” بغيرة:
” إبــراهـيـــم ”
صوت صياحه وصل لي من هُنا.. !
توقف إبراهيم عن الركض، و نظر له بدهشة يصحبها الاستفهام، و كذلك ملك..
اتجه ناحيته يتساءل بغرابة:
” في إيه ؟ أنت كويس ؟! ”
هتف ” قُصي ” وهو يجذبه من ملابسه بغضب:
” أنا مش قولت لك ابعد عن ملك ؟ مش بتسمع الكلام ليه ؟؟ هي مبقتش صغيرة.. افهم بقى ”
أخفض بصره بخجلٍ، و تركه قُصي ليقول هو:
” أنت عارف إن ملك زي أختي.. و أنا.. ! ”
قاطعه قُصي في حدة و إحتداد:
” زي أختك بس مش أختك، لو لعبت معاها أو لمستها تاني يا إبراهيم، هوديك بلدك متجبس.. أنت فاهم كلامي ولا هتعمل فيها غبي ؟! ”
” أنا والله مفيش في نيتي حاجة وحشة، أنا آسف يا قُصي.. أنا هسافر تركيا النهاردة، سلام ”
قالها وهو يتحاشى إظهار دموعه أمام رفيقه، فَـرد الآخر في ضجرٍ منه:
” أنا بتعامل معاك باللي بشوفه منك، إنما نيتك البيضة دى ارقد عليها لحد ما تفقس ”
وتابع بلا مبالاةٍ:
” في ستين داهية ”
أمسكت ” ملك ” يد ” إبراهيم ” تمنعه من الذهاب، و وقفت أمامه لتوجه أصابع الاتهام لشقيقها:
” No please, don’t let him go..
لا أرجوك، لا تدعه يذهب ”
تابعت باكية:
” أنا بحب إبراهيم، قُصي مش بيفهم ملك هالص، هالص يا قُصي ”
نظر لهما ” قُصي ” بدهشة بالأخص لشقيقته، بينما ” إبراهيم ” فهم ما ترمي إليه، وليس ما فهمه قُصي، فقال موضحًا الأمر قبل أن يغضب أخوها أكثر:
” ملك تقصد إنها بتحب تلعب معايا، مش تقصد اللي في دماغك خالص ”
” ملك، ادخلي جوا ”
قالها قُصي بنبرة عالية متعصبة، فاشتد غضب إبراهيم لأول مرة من صديقه، و هتف عندما وجد ” ملك ” تهرول للداخل باكية:
” أنت بتكلمها كده ليه ؟ بتزعق لها ليه أصلًا ؟ هي عملت إيه غلط ؟! دي عيلة ! الفرق بينا و بينها تسع سنين.. اتعامل معاها كويس ”
وقف قُصي مصدومًا مكانه من صراخ إبراهيم عليه، ليقول ساخرًا:
” والله و طلع لك حس ! ”
و قبل أن تكبر المشكلة بينهما، جاءت والدة قُصي لحل الموضوع، و اعتذر الاثنان من بعضهما.
أما في الداخل، جلس ” مُجاهد ” ينتظر وصول ابنه على أحر من الجمر، و بيده ملف مليء بالأوراق يخص ” قُصي “.
فبعد ذهابه لتأدية الامتحان، صعد والده لغرفته بالسطح و كسر خزنته الشخصية، و التي أحضرها قُصي لإخفاء أسراره فيها، ليجد أوراق و أبحاث تخص مشروع قد يهدد حياة ابنه بالخطر.
أكل الشك قلب الأب الخائف من مستقبل و ذكاء ابنه، فساقته قدماه للتفتيش في أغراضه الشخصية.
ومع وطئت قدم قُصي للصالة، سحبه والده من يده بصرامةٍ، و زج به للغرفة ليُلقي الأوراق في وجهه هاتفًا:
” إيـه ده ! أنا عاوزك تفهمني دلوقت إيه اللي في دماغك بالضبط ؟ أنت ياض ناوي تموتني ؟!
أنت عايز إيــه ؟ عايـز إيـه بالضبط ؟! عايز تندمج مع المجتمع الـ * ده ليـه ؟ بتبقى مبسوط و أنت شايفني مرعوب عليك كده ؟! ده بيفرحك يعني ؟؟ ”
استوعب ” قُصي ” ما فعله والده، فمسح على وجهه كيلا يفقد أعصابه عليه، و قال بهدوءٍ مريب:
” اللي حضرتك عملته أكبر غلط، ملكش الحق تفتش في خزنتي و تدور في حاجتي ”
جلس ” مُجاهد ” ينظر له في صمتٍ مريب هو الآخر، ليقول أخيرًا باستيعابٍ بطيءٍ:
” وكالة ناسا ! ”
أومأ قُصي بتأكيد:
” ايوه يا بابا، وكالة ناسا الفضائية ”
” نفسي تفهم إني بخاف عليك، والله بخاف عليك أكتر من أي حد تاني.. يابني أنا مقدر موهبتك بس لو حد شم خبر بس بالاختراع و الابحاث دي، هياخدوك عندهم و يبقى صك ملكية رسمي، هتبقى عبد عندهم يابني، ولو فكرت تبعد عنهم أو تخلي علمك و اختراعك لبلدك بس.. هيقتلوك ”
قال كلامه و انخرط في البكاء المرير بخوف حقيقي عليه، بينما ” قُصي ” اتجه يجلس بجانب والده بقلبٍ رقّ له، ليقول وهو يُقبّل رأسه:
” بابا أبوس إيدك افهمني.. أنا ربنا ما رزقنيش الذكاء عشان أخفيه جوايا ! يا بابا أنا الاختراع اللي في دماغي لو تم مضبوط، ها ننقذ البشرية و ننقذ طبقة الأوزون من التدمير، كل العالم هيستفاد من الاختراع ده مش أمريكا بس..
أنا عارف أنا بعمل إيه والله، متخافش بالله عليك و سيبني أكمل في الطريق ده ”
فكر والده للحظاتٍ، ثُم هبَّ واقفًا باعتراضٍ شديدٍ يصحبه الهلع عليه:
” لأ.. مستحيل أوافق.. كان العلماء اللي قبلك نجوا منهم.. سميرة موسى أول عالمة مصرية في الفيزياء النووية، و كانت أول واحدة ست تاخد الدكتوراة في الاشعاع الذري، و عشان ما تفيدش بلدها بعلمها، الموساد الإسرائيلي دبر اغتيالها و قتلوها.. المخابرات الإسرائيلية هى اللي قامت باغتيالها عشان بس حاولت تنقل العلم النووى لمصر والعالم العربى، و بعد كده قالوا دي ماتت بأزمة قلبية، و أنت عاوز العالم كله يستفاد من علمك و اختراعك ؟! ”
تنهّد ” قُصي ” بهدوءٍ يحاول اقناع والده بأي طريقة:
” أنا عارف الكلام ده كله، أقول لك حاجة كمان !
دكتور يحي المشد عالم الذرة و الفيزياء النووية، اللي قاد برنامج العراق النووي، واللي كانت أول وأهم إنجازاته هو تسهيل مهمة العراق في الحصول على اليورانيوم المخصب من فرنسا، اغتالوه برضو عشان البلاد العربية ما يوصلهاش العلم ده ”
رمقه والده بنفاذ صبرٍ هاتفًا في حنق:
” ولما أنت متنيل على عينك عارف الكلام ده، عاوز تتهبب و تكمل في الطريق ده ليه ؟؟ ”
” عشان أنا مش سميرة موسى ولا يحي المشد، أنا قُصي.. يعني اللي يجي يتحداني يجيب كفنه معاه، و اللي فاكر نفسه بيلعب معايا، مينساش إن أنا اللي حطيت قوانين اللعبة ”
قالها ببرود و ثقة، جعل والده يدفعه في صدره بغيظ شديد:
” على جثتي لو سيبتك تخطي خطوة واحدة في الاختراع ده، هوقف لك سفرك للوكالة، متنساش إن واصل و أعرف أوقف لك كل حاجة أنت عاوز تعملها، و وزارة البحث العلمي اللي أنت عاوز تروحها دي عشان تعرض أبحاثك، لو رجلك خطت هناك، ها تلاقيني قاعد مستنيك، و يا أنا يا أنت يا ابن الـ*.. إما أشوف كلمة مين اللي هتمشي ”
أنهي صراخه، وهو ينحني يجلب الأوراق المتناثرة ثُم قام بتمزيقها تحت أعين ” قُصي ” التي تتابعه في برودٍ كالثلج تام، و بعد أن انتهى من تقطيعها إربًا، قال:
” وريني بقى هتكمل في اللي أنت فيه ده ازاي؟ ”
أشار ” قُصي ” لرأسه مبتسمًا بمكرٍ و غموضٍ:
” بده.. هكمل بدماغي.. الاختراع هنا، يعني الأبحاث دي أعرف أعمل زيها ألف مرة، و مش ها تعرف تقف في طريقي، لا حضرتك ولا البشرية كلها ”
لم يستطِع ” مُجاهد ” مجاراته في الحديث، و لأنه يدرك جيدًا مدى عناد ابنه، فقرر كسبه لصفه باللين و الهدوء، قائلًا وهو يتقدم نحوه و يحتوي وجهه:
” يابني افهمني، دول شياطين ولاد *، ها يستغلوا الذكاء ده لصالحهم، و أنت ها تخسر حياتك في النهاية.. يا تبقى عبد عندهم يا تخسر نفسك، و أنا عشان عارف إنك شخصية متمردة و مش بتمشي ورا حد، فخايف يجي اليوم اللي تتمرد عليهم و يقتلوك.. أنا هستفاد إيه ؟ قولي هستفاد إيه لما ياخدوا مني روحي ؟! أنا بحبك يابني و خايف عليك والله ”
هدأت عضلات ” قُصي ” التي تضخمت بسبب تشنجه و عصبيته و انفعاله مع والده، حينما تحدث معه “مُجاهد” بهذا اللين و احتوى وجهه المتعصب، فسكت لحظاتٍ يتأمل والده بعجزٍ أمامه..
يعلم كم يحبه و يخاف عليه، و لكنه أيضًا يعشق التحديات و يحب طموحه الذي ليس له آخر ولا حدٍ، يدرك الفتى الغاضب و الخائف على والده في نفس الوقت، أن في كلّ مرة تسقط فيها أقنعة الناس الذين نظنهم سندًا لنا، لا نجد سندًا حقيقًا صادقًا إلّا الأب الحنون، الذي يضحي بحياته ونفسه لأجل الدفاع عن أبنائه في كل وقت؛ لذلك تفنَّن ” قُصي” في إيجاد حلّ لمشكلته، و بذل مجهود عقلي بصورة واعية لحل تلك المعضلة، فاستطاع احتواء الموقف للتقليل من التوتر بقوله:
” خلاص يا بابا.. اللي تشوفه هو الصح ”
رمقه “مُجاهد” بعدم تصديق هاتفًا:
” بجد اقتنعت ولا بتاكل بعقلي حلاوة ! ”
رد قُصي في رأسه
” طبعًا باكل بعقلك حلاوة و بالمكسرات كمان ”
و رد بنبرة مؤكدة عكس ما في رأسه:
” أنا مقهور من جوايا، بس أنت عندي أهم من أي حاجة ”
عانقه ” مُجاهد ” بشدة و بدموع الفرحة وهو يقول:
” ايوه كده.. طمنت قلبي، ربنا يحفظك يابني ”
لكن ” قُصي ” عزم على تنفيذ اختراعه، بعد اكتساب ثقة والده التامة و هدوء الأمور تمامًا.
_____________
مساء الليلة، في فيلا رجل الأعمال ” منير الأنصاري “..
تجمعوا أهل العروسين في الحديقة الواسعة التابعة للفيلا، و التي تم تزيينها بكل رقة، ينتظرون قدوم المأذون، و ” كريم ” يجلس بجانب ” رحيم” يتبادل معه الحديث الجانبي، و بالطبع لم يأتِ ” رياض ” و لكن نساء العائلة قد حضرن، و أولهن ” جيهان ” جدة كريم و رحيم تلك المرأة الطيبة التي عاملت ” رحيم ” مثلما تعامل باقي أحفادها تمامًا، و عمّ السرور قلب
” رحيم ” لتواجده معه في تلك الليلة المهمة، و جلست على شماله والدته تتلو آيات القرآن على وحيدها بهي الطلة و حسن الهيئة.
و في داخل غرفة ” شمس ” الواسعة، تقف أمام المرآة تزين شفتيها بأحمر الشفاه الخفيف، وهي تتمايل بدندنة:
” حبيبي جان واد شياكة و روحه حلوة ما هي مش تناكة
قلي مال له و شافه قال له أنت اللي نفسي أكمل معاه ”
وقفت ” منة ” خلفها تعدل لها فستانها السماوي الرقيق، و الذي وصل لبعد ركبتيها بقليل..
أما تلك القصيرة الحسناء، ارتدت هودي نبيتي اللون و بنطال أسود، مطلقة العنان لشعرها الكاريه، دون تزيينه بشيء أو وضع أي مساحيق، و تركتها ” شمس ” تفعل ما تشاء، لأنها وعدتها بأن ترتدي ما تأمرها به يوم زفافها..
جاء المأذون و تم كتب الكتاب الذي تقدم ميعاده قبل موعد العرس باسبوعين.
لم يحضر كريم ” رُميساء ” معه، لأن معظم المعازيم من الطبقة العارية، أي يلبسون الملابس المكشوفة و يشربون الخمر..
لقد أخبر ” كريم ” فراشته فيما بعد، بأن صديق عمره هو أخيه من والده، حتى تكون على علم بكل صغيرة و كبيرة تخصه رغم أنه لا زال غضبانًا منها.
_____________
_______
” كل إنسان يفرح بعيدين الفطر و الأضحى، ولكن أنا أمتلك عيدًا ثالثًا، وهو عيد لقائي بكِ”
~~~~~~
الموعد الذي تعرفه ” روان” لكتب كتابها على حبيبها، غير الموعد الحقيقي تمامًا، فموعد كتب الكتاب هو اليوم.
تلك كانت خطة من ” سيف ” لمفاجأة سمرائه بالاتفاق مع والدها و عائلة الخياط، و قام
“حافظ” بإخبار أهله بالموعد الحقيقي، و هاتفت “إيناس” زوجته ” رُميساء ” لإخبارها بالخطة.
إذًا الوحيدة التي لا تعرف بأن كتب الكتاب اليوم، هي ” روان ” !
جلست تقرأ وِردها اليومي، و بعدما انتهت توجهت للعب مع ” إبراهيم ” الرضيع الذي أصبح عمره شهر و أسبوعان الآن، ليدخل عليهما والدهما قائلًا بنبرة سارّة، وهو يحمل حافظة فستان على ذراعه:
” روان.. قومي البسي ده بسرعة و ماما إيناس هتيجي تساعدك، عشان خارجين دلوقت ”
تأملت والدها باستغرابٍ، و تساءلت ببراءة:
” هنخرج دلوقت ! في الجو ده ؟! ”
” واحد صاحبي عزيز عليا أوي رجع من العمرة و عازمنا، و أنا عاوزك تبقي أحلى واحدة ”
رمقته بعدم فهمٍ، لتأتي زوجة والدها تأخذ الفستان منه و تفرده أمامها:
” الله ! حلو أوي أوي، ها يبقى تحفة عليكِ يا روان ”
تساءلت في دهشةٍ منهما:
” هو في إيه ؟! ”
ردت إيناس وهي تأخذ إبراهيم منها، و تضعه برفقٍ في فراشه الخشبي الصغير:
” أبوكِ برضو جايب لي فستان جميل، عشان نبقى إحنا الاتنين حلوين، أنتِ عارفة أبوكِ بقى يا روان، بيحب يتباها بينا ”
” يتباها بينا ! إحنا عرايس مولد النبوي ؟ ”
لم يكن هناك متسع من الوقت للنقاش و الجدال، ساعدتها إيناس في ارتداء الفستان الذي أرسله سيف لوالدها في الخفاء، تحت نظرات عدم الاستيعاب منها، و ظلت تغمغم:
” أبيض ! إحنا رايحين نسلم على الناس ولا رايحين فرح ؟! ”
لم ترد إيناس عليها و فضلت الصمت، بينما
” روان” رغم دهشتها، لكنها أعجبت بتصميم الفستان البسيط و الذي لائمها تمامًا، حتى أنها شَكّت في الأمر..
وصل ” حافظ ” بسيارته و معه زوجته و ابنه و
” عروستنا ” للمكان المراد.
بداخل المكان، تواجد أفراد عائلة الخياط جميعهم، و كذلك عائلة حافظ و والدة روان قد حضرت أيضًا، فقد أبلغها طليقها..
المكان أشبه بمساحة خضراء واسعة للمناسبات يطل على البحر، و زينه ” سيف ” ببالونات الهيليوم التي ترتفع للسماء، و النجيلة الخضراء زُينت بالأضواء و الورود الصناعية، و في المنتصف على طاولة كبيرة يجلس المأذون و
” بدر ” و البقية جلسوا على المقاعد المغطاة بالقماش الأبيض المزين بفيونكة حمراء..
و في الواجهة على ذلك المبني خلف المأذون، أدلى العاملون بالحديقة لافتة من القماش مستطيلة كبيرة كُتب عليها بخطٍ عريضٍ يراه أي أحد:
” سيف لما بقى في مقدرته يتزوج.. جالك أنتِ أول واحدة عشان محبش و لا هيحب غيرك ”
و وقف ” سيف ” في المنتصف أمام المدخل ينتظر قدومها، و ” قُصي ” بجانبه يعدل له ربطة عنقه، فقد ارتدى بذلة كاجوال ذات جاكيت بلون الأزرق الفاتح أضافت لمسة من الحيوية و الجرأة زادته وسامةً فوق وسامته..
اتجهت ” رُميساء ” لباب المدخل تستقبل صديقتها، و ” كريم ” خلفها لا يتركها تخطو خطوةً إلا و يتحرك معها كالظل يتبعها أينما سارت.
ترجلت ” روان ” من السيارة لتتفاجئ عيناها بوجود ” رُميساء ” أمامها و خلفها زوجها الحازم.
كادت أن تنطق في تساؤلات كثيرة، فأخرجت رُميساء شريطة ربطتها على عينيها، ضاحكة برّقة:
” ما تنطقيش.. اصبري على رزقك ”
و أخذت بيدها للداخل، لتُقبل “عائشة” ناحيتهما هاتفة و هي تنزع لها الشريطة:
” ترارام ”
اتسعت عين روان فور رؤيتها لهذا الجمع من الناس، التي أخذت للحظات تتعرف عليهم كأنها أول مرة تراهم، ثُم حولت بصرها تجاه هذا الذي ظهر لها من العدم بابتسامته العاشقة المشتاقة لها، فهتفت بدموعٍ تجمعت فورًا و شهقت بدهشة بعدما استوعب أخيرًا:
” سيف ! ”
أدمعت عيناه هو الآخر وهو يغوص بنظراته لوجهها في شوقٍ شديدٍ لها، و تاهت منه الأحرف و تلعثم لسانه فلم يعرف ماذا يقول، وهو يود غمرها بقصائد العشق و الولهِ التي لا تنتهي حروفها من التغزل بسماره، الذي فتنه و ذوب قلبه غرامًا و جنونًا بها أيّما غرام..!
وجد نفسه ينطق أخيرًا و هو ينظر لشفتيها حتى خجل والدها من نظراته و أبعد ابنته عنه:
” العسل النحل نازل نازل على تحت ”
ضحكت رغمًا عنها و هتف حافظ بصدمة:
” جرا لعقلك إيه يا دكتور ؟! ”
” كابتن هُس هُس لو سمحت ”
” يلا على المأذون ”
أخذها والدها من يدها برفقٍ يجلسها بجانبه و يحيط كتفيها بحنانٍ، بينما “سيف” جلس بجانب المأذون و عينيه لا تبتعدان عن وجهها لثانية واحدة، حتى وكزه ” بدر ” هامسًا:
” اهدى شوية، البنت هتخاف منك كده ”
” إحنا كنا صحاب و فاهمين نظرات بعض كويس ”
قالها بنبرة عالية و بعفوية، جعلت المأذون يتأمله في دهشة، فتراجع سريعًا بإحراج:
” التوتر مش مخليني عارف أنا بقول إيه.. ما تزوجنا يلا يا عم الشيخ أبوس إيدك أعمل معروف، نفسي أحضنها وحشتني أوي بنت اللذين”
مالَ حافظ على ابنته متسائلًا:
” ماله عريسك ده ؟! ”
ردت بخجل وهي تضحك بخفة:
” هو ده سيف، متهور و مجنون ”
هدأ الجميع و تحدث المأذون باسمًا:
” قال الله سبحانه:
«وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ» [الروم: 21].
أباحَ الله عز وجل استمتاع كلٍّ من الزوجين بالآخر بما يضمن لهما العفاف و الكفاف، وجعل حقَّ المرأة في ذلك كحقِّ الرجل؛ لأن ما يحتاجهُ الرجلُ من المرأة من علاقته بها، هو عينُ ما تحتاجه المرأةُ من الرجل؛ قال تعالى:
“وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ [البقرة: 228].
ْو مِنَ النِعم الجليلة أَن يُزوجكَ الله بمَن تَرغب وتُحب، فَيتقدم لخِطبتها فلان وفلان فَيمنعها عنهم وَيزوجها لَك، فتكون لكَ وحدَك ..
كما جاء في الحديث الصحيح : أن الله يُعدد نِعمَه علىٰ عبدِهِ يَوم القيامة فَيقُول «ألَم أُزوجك فُلاَنة؟، خطبَها الخُطاب فَمنَعتهم وَزوجتك».
الراوي أبو هريرة | المحدث : شعيب الأرناؤوط | المصدر : تخريج صحيح ابن حبان | الصفحة أو الرقم : 7367 | خلاصة حكم المحدث : صحيح.
تم كتب الكتاب و قال المأذون..
” بارَكَ اللَّهُ لَكَما، وبارَكَ علَيكَما، وجمعَ بَينَكُما في خيرٍ”
ثُم أخذ يدعو لهما و الجميع يردد آمين..
” اللهم اجعل حياتهما ملؤها الحب والسعادة والهناء.. اللهمَّ وفّق بينهما، واجمع بينهما على خيرٍ، اللهمَّ اجعلها قرّة عينٍ لزوجها، واجعله قرّة عينٍ لزوجته، وأسعدهما مع بعضهما، اللهمَّ اجعلها لزوجها كما يحبّ واجعله لزوجته كما تحبّ، و اجعلهما لك كما تحبّ، و ارزقهما الذرية الصالحة، اللهمَّ اجعلهما من أهل بيتٍ صالحين”.
ركض قُصي يتبعه إبراهيم لبدء موجه من الألعاب النارية و المفرقعات، و اقترب ” زين ” من
” شهد” دون انتباه أحد، ليهمس لها من خلفها حتى هي تفاجئت من وجوده بالقرب منها
” عقبالنا ”
تورد وجهها على الفور و راحت تحتمي خلف
” أُبَيِّ ” مثل المرة السابقة.
إلى متى سيظل يسترق النظرات عليها ؟
كلا، لن ينتظر أكثر من ذلك، سيذهب لوالدها و يخبره أنه يريد تقبيل ابنته..( عفوًا) يريد الزواج منها الآن..
تبًا للثانوية و تبًا للامتحانات، و تبًا لأي شيء قد يعيق هذا الحُب.
اتجه يقف أمام مُجاهد ليتعجب الأخير منه، فتساءل:
” خير يا زين ؟ ”
” أنا عاوز اتزوج شهد دلوقت ”
ربت مُجاهد على كتفه بنفاذ صبر:
” اقعد يا حبيبي في جنب ”
في حين أن ” سيف ” اصطحب ” روان ” من يده، و فرّ هاربًا بها من أمامهم..
ركض تجاه سيارته و ركضت معه وهي ترفع فستانها هاتفة بعدم استيعاب:
” رايح فين يا مجنون أنت ؟! ”
فتح لها باب السيارة و ادخلها ثُم التفت لها غامزًا:
” و أخيرًا يا بنت اللذين ! ”
هَمَّ بالاقتراب منها، فابعدته في خجلٍ و تحذيرٍ:
” اعقل يا سيف ”
صاح بفرحة طاغية:
” أنتِ بقيتي مراتي.. إحنا تزوجنا يا روان.. تزوجنا أخيرًا.. بقيتي مراتي يا بت.. ”
ضحكت على جنونه فانطلق بسيارته، لتتساءل هي بدهشة:
” إحنا رايحين فين ؟ ”
” أنتِ مخطوفة يا قُطة ”
و هكذا مرت ليلة أخرى على الجميع بفرحة و سعادة أسعدت قلوبهم و أضاءت البسمة على أفواههم.
__________
توالت الأيام سريعًا، و جاء يوم زفاف
” رحيم و شمس ”
يوم الزفاف هو لحظة سحرية، و تحلم كل عروس بارتداء الفستان المثالي الذي يجعلها تشعر وكأنها أميرة، و تم تصميم فستان ” شمس”
بعناية ودقة فائقة، تصميم رومانسي بياقة Sweetheart التي تبرز جمال منطقة الصدر وتضيف لمسة أنثوية ساحرة.
و وضعت القليل من مساحيق التجميل بواسطة خبيرة التجميل، التي وجدت أن ملامحها رقيقة و لا تحتاج سوى للقليل لبروزها.
بينما ” منة ” وقفت أمام المرآة بوجهٍ كساه حُمرة الخجل من ذلك الفستان الذي ترتديه..
ارتدت قسريًا فستان سهرة أنيق، مصمم خصيصًا ليبرز جمال من يرتديه في المناسبات الخاصة، يمتاز بقماشه اللامع و تصميمه الفريد الذي يعكس فخامة الطلة، مع طبقات مموجة عند منطقة الصدر تضيف لمسة رومانسية وساحرة، كما أن التصميم يشمل شريطة جذابة حول الخصر لتعزيز الطابع الأنثوي، و له حمالات تبرز كتفيها البيضاوان، و كشف الفستان عن منطقة الصدر تحت الرقبة و أعلى فتحة الصدر.
بالإضافة للونه الأحمر الداكن من درجة
” الماروني” الذي ساعد في بروز أنوثتها الكاملة، و الذي تجهله هي.. أن ” قُصي ” من عشاق هذا اللون.
تأملتها ” شمس ” بانبهار هاتفةً:
” أوف يا منة ! إيه ده ! خطيرة ! ”
و قالت فتاة أخرى من العائلة مؤكدة على كلام شمس:
” شمس ذوقها هايل، الفستان برفكت عليكِ.. تحفة بجد ! ”
ابتسمت لهيئتها في المرآة، لأول مرة تُحب نفسها رغم أن الفستان كشف عن معظم مفاتنها الخفية، و لكنها أحبت المظهر الجريء الذي ظهرت فيه، لا تدرِ لِمَ شعرت بذلك، و لكنها أحبت كونها أنثى حقيقية لأول مرة..
اصطحب ” منير ” ابنته في يده ليعطيها لزوجها المنتظر في الخارج..
ما إن رآه و جن جنونه من جمالها الذي آسر قلبه، فاتسعت ابتسامته و تقدم نحوها يضع قُبلة عميقة على جبينها، ثُم أخذها و توجهوا جميعًا للقاعة.
تلك القاعة الفخمة المبهرة التي أبهرت الجميع من شدة أناقتها و تصميمها الدقيق.
حضر ” مُجاهد ” و أسرته و اقنع ” قُصي ” بالمجيء معه معللًا أنه يفتخر بوجود أبناءه الأربعة معه، و لكن الأخير ذهب معه لتغيير مزاجه لا أكثر.
و أيضًا جاء ” زياد ” لحضور زفاف صديق الثانوية، و بارك له ” بدر ” في الهاتف لأنه لا يحضر زفاف من تلك النوعية، و ذهب ” سيف” بعدما نال صفعة جيدة من ” روان ” بسبب ما فعله من تهور، و لكنه أحب الصفعة فظل يختطفها يوميًا لينال كل يومٍ صفعة أقوى من سابقتها..
ذهب مع عمه و أبناء عمه و إبراهيم لحضور زفاف
” رحيم ” و ذهبت ” نورا ” مع أُبَيِّ، فالعروس هي أخت صديقتها الرياضية، أما ” زين ” قد حضر لأن الرجل الذي يعمل معه هو والد العروس، و جاء أيضًا ” مرتضى ” و الكثير من أُناس الطبقة العارية العليا.
و بالطبع ” كريم ” تواجد بجانب أخيه، و لم يحضر ” رُميساء ” كيلا يلوث بصرها النقي بما ستراه.
توزعت الخمور على الطاولات من الأنواع الفاخرة، و طلب ” مُجاهد ” الصودا له و لعائلته و اللذين لا يشربون الخمر كذلك.
جلس ” قُصي ” بجانب إبراهيم يوزع نظراته على النساء العراة هاتفًا:
” إحنا دخلنا النار و لا إيه ؟! دول مفكرين نفسهم في بلاد برا ! كل دي نسوان ملط ؟! ”
قرصه والده من فخذه متمتمًا:
” متقولش الكلام ده لحد يسمعك و يمسك فينا ”
” قُصي.. بص هناك كده ! مش دي الفنانة… ! ”
قالها إبراهيم وهو يدقق النظر بعينيه للفنانة فلانة، فأومأ قُصي ساخرًا:
” ايوه.. هي بفخدتها، قصدي بعينها ”
دلف ” رحيم ” للقاعة و ” شمس ” تتأبط ذراعه على موسيقى أجنبية عالية، و لم تظهر ” منة ” معها، فقد تواجدت في الطابق العلوي للقاعة لتشرف على الرقصات الاستعراضية التي ستقام في الزفاف..
لقد أحضر ” منير ” فرقة استعراضية أجنبية و بعض المطربين المشاهير لإقامة العرس الفخم.
تساءل إبراهيم وهو يبحث بعينيه هنا و هناك:
” هي مش منة تبقى أختها ؟ اومال هي فين ؟ ”
رد قُصي في تساؤل بريء:
” و أنت مالك ؟ بتسأل ليه ؟ ”
” عادي يعني مفيش حاجة ”
بعد رقصة العروس الرومانسية، تقدم أحد المطربين المعروفين ليدلي بأغنيته، مما صاح
” قُصي ” بإسمه و كذلك إبراهيم، ليصيح فيهما
” مُجاهد “..
” اللي ها يتحرك فيكم هاكله طلقة في نافوخه”
لم تمرّ إلا ثوانِ، و كان ” قُصي ” ينزع جاكيت بذلته الأنيقة الذي أصر والده على ارتدائها مثله هو و أُبَيِّ، و أخذ يرقص أمام المطرب و الأخير يبادله الرقص الجنوني مع القفز و التلويح بالجاكيت، و هتف ” قُصي ” يسايره:
” ما بنمشيش جنب الحيط إحنا بنمشي في نص الشارع..
ما بخافش من التخبيط لو في كلاكس أعمل مش سامع ”
في لحظاتٍ، تجمع الشباب حول المطرب و أزرق العينين هذا المشاغب الذي أشعل القاعة برقصه المجنون و الحماسي..
و أكمل ” قُصي ” مرافَقته في الغِناء بصَوْت مُساعِد و مُكمِّل و كذلك البقية..
” العمر واحد الرب واحد في ضهر بعض رجالة..
كلمتنا واحدة سكتنا واحدة ودماغنا يا اسطى شغالة ”
في تلك اللحظة كانت ” منة ” تتابعه من بعيد بابتسامة عاشقة، لتتلاشى ابتسامتها تدريجيًا عندما وجدت فتاة تقترب منه لترقص معه، و لكن ” قُصي ” ابتعد عنها معترضًا:
” أبويا ها يضربني.. ارقصي مع إبراهيم بتاع نسوان بس ملوش في النسوان ”
انتهى المطرب من فقرته، و عاد الشباب للجلوس، فقد جاءت الفقرة التالية وهي لمطرب آخر لم يعجب قُصي؛ لأنه يغني للعشاق.
تأكدت ” منة ” من اتمام كل شيء بنجاح، فتلك الرقصة الاستعراضية، هي أم رقصة لمشاركة العروسين فيها.
فهم ستة راقصون كل اثنين مع بعضهما، إمرأة و رجل.. يتشكلون على هيئة مثلث كبير يقومون برقصتهم المثيرة و هي رقصة التانغو، و في المنتصف يرقص العروسين بحركاتٍ رومانسية.
اصطحب ” إبراهيم ” ” قُصي ” من يده قائلًا له في مرح:
” تعالى نشوف الدور اللي فوق ده فيه إيه ”
انساق قُصي بشغبٍ و شغفٍ وراءه يكتشفان الغامض و المثير..
ترك قُصي رفيقه يفتش بعينيه هنا و هناك، و اتجه لمصدر الصوت الأنثوي الذي يهتف بغضب:
” يعني طول اليوم كويسة و جاية تتعبي دلوقت ! طب هنعمل إيه ؟ لازم مثلث الرقص يكتمل.. دي أهم فقرة عند شمس و مش عاوزه أزعلها ”
ألقت ” منة ” باللوم على إحدى الراقصات فقد شعرت بالاعياء المفاجئ، و اعتذرت عن الاستعراض، ليتدخل واحد منهم باقتراح:
” إيه رأي حضرتك لو تقدمي الرقصة أنتِ ؟ ”
هتفت بنفيٍ شديد:
” أنا ! مستحيل.. مستحيل طبعًا ”
تدرك ” منة ” جيدًا أن رقصة التانغو تلك، حركاتها بعيدة كل البعد عن الحياء، حركات جريئة و فيها تلامس كبير.
بعد شد و جذب وافقت أخيرًا، بشرط أن يضعوا جميعهم أقنعة تشبه النظارات السوداء على العين مفتوحة، مثل قناع ” بات مان ” للعين، حتى لا يتعرف عليها أحد، و أوصت الراقص بألا يتفنن في ملامستها و أن تكون الحركات على الهواء فقط.
وصل الحوار لمسامع ” قُصي ” فابتسم بسخرية على هذا المجتمع المنحط، و سحب نفسه مصطحبًا إبراهيم معه للأسفل، دون أن يرى هيئة
” منة ” الكاملة و فستانها المثير.
عندما دلف للقاعة وقعت عيناه على والده يقف مع ” منير ” بالخارج، فاتجه نحوهما تاركًا إبراهيم مع العائلة، ليصل له جملة قيلت من ” منير ” جعلته يقف مصدومًا مكانه..
” لو تزوج منة، نبقى نسهل له السفر لوكالة ناسا ”
لم يسمع أول الحديث الذي دار بين والده و بين منير، ليقول الأخير قبل مجيء قُصي بعد أن حكى له مجاهد مخاوفه، فهو صديق قديم له منذ أن كانا شابان.
” بلاش تقف قدام طموحات الولد يا مجاهد، سيبه يحقق حلمه طالما نفسه يحققه ”
” أنا خايف عليه يا منير، الواد ما بيحبش حد يمشي كلامه عليه، و دول عاوزين العالم عبد عندهم ”
” الدنيا تطورت يا مجاهد، ادعي له ربنا يحفظه و سيبه يكمل مشواره ”
” أنا كنت عاوز اجوزه و أفرح بيه و بعياله الأول، أنا مش هعيش لهم، و بصراحة أنا شايف منة مناسبة ليه، كانت معاه في الكتيبة و أكيد فاهمين بعض و سنهم قريب من بعض ”
” خلاص نسهل موضوع زواجهم من بعض و منة بت جدعه أنا مربيها، ها تخاف عليه و تحطه في عينيها ”
” ازاي ؟ ”
رد منير بالجملة التي سمعها قُصي:
” لو تزوج منة، نبقى نسهل له السفر لوكالة ناسا”
عاد ” قُصي ” بضع خطواتٍ للوراء، و بداخله يتوعد منير و منة بالانتقام منهما أو الاستفادة منهما، ظنًا أن منير هو من لعب برأس والده ليزوجه من حفيدة المعلم رشدان و شقيقة سلاحف النينجا في نظره، و في النهاية قرر الاستفادة منهما لتحقيق آماله بطريقته الخاصة.
عاد يجلس مكانه بوجهٍ شاردٍ أطفئ التفكير بريقه، و في تلك اللحظة جاءت فقرة تقديم رقصة التانغو، فأخطأت ” منة ” و خرجت أولًا قبل الفرقة تخبر صاحب الدي جي بشيء، و لكنه تعجل و قام بالعرض المتفق عليه، فعندما خرجت تم اطفاء جميع أنوار القاعة، و تصلب شعاع كشاف كبير عليها، مما جعلها ذلك تموت خجلًا من تصلب النظرات عليها، فاحتضن ذراعها الأيمن ذراعها الأيسر، و عضت على شفتيها برهبةٍ شديدة، تلك الحركة التي تفعلها بعفوية كلما تعرضت لموقف محرج..
فتح ” قُصي ” فمه بانبهار و برق وميض عينيه ثانيةً وهو يتفحصها لأول مرة بدهشة، لرؤيتها بذلك الفستان المثير باللون الذي يعمل بجهد على انْخِطاف النَّظَر، أما ” إبراهيم ” هتف بإعجابٍ بها:
” تسونامي !”
و انتبه لنظرات قُصي المعلقة عليها بتيهٍ، و مال عليه هامسًا بدندنةٍ:
” حَبُّهَا تسونامي ضَرْبٌ لِي قَلِّبِي
وَاللَّه تسونامي أَسُتِرَ يا رَبَّيْ ”
أفاق ” قُصي ” من شروده و عاد لوعيه هاتفًا باعتدال مكانه:
” اخرس يالاه، ده كله مكياج، ‏و كما قال الشاعر اللي معرفش اسمه.. و بالمكياج مثل البدر تبدو
فإذا نزعته صارت عم عبدو ”
ضحك من سمعه من عائلته بشدة، و هتفت شهد معترضة:
” بس منة مش حطه غير روج، على فكرة هي حلوة أصلًا ”
” دي مفعوصة ”
قالها ” قُصي ” بسخرية عندما تذكر ما قاله زوج والدتها الغليظ..
تراجعت ” منة ” للوراء و اختفت تمامًا، لتقرر عدم الرقص معهم بعدما عرفها الجميع و تفحصونها بدقة، و لكن ” شمس ” دخلت لها و بكت تتوسلها أن تتم تلك الرقصة، و استسلمت أمام بكاء أختها.
و رغم ذلك قررت ارتداء قناع العين..
بحث ” مجاهد ” بعينيه على ” قُصي ” فلم يجده، بعد دقائق..
تنطفئ الأضواء ثانيةً، و يتقدم الشركاء للرقص..
علت الموسيقى المفعمة بالحياة تصعد وتهبط تدريجيًا، و يبدأوا الشركاء بالرقص، رقص مصحوب بحركات رومانسية متناغة بين كل ثنائي معبرين عن إيقاعها، امتدت يد الشاب طويل القامة لأسفل ظهر ” منة ” يشدها نحوه، فنهرته بغضب:
” قلت من بعيد ”
كان يرتدي قناع مثلها ولم تستطِع على عينيه الجميلة جيدًا، تلك العينان الزرقاوان التي تخفي وراءها الكثير من الأسرار الغامضة.
لم يستمع لها الشريك، و أمسك يدها اليمنى في يده اليسرى، ثُم وضع بجرأة منه ذراعه اليمنى حولها، لتضع هي يدها اليسرى على كتفه الأيمن في الهواء، فدفعها إليه ليجعلها تضعها على كتفه رغمًا عنها، و أثنت ركبتيها في توعد بداخلها له بعد الانتهاء، هذه الرقصة هي الأكثر انحناءً بين جميع الرقصات العاطفية..
بدأت تدخل في مرحلة الاندماج؛ بسبب نعومة الموسيقى الصادرة الخاصة بتلك الرقصة الشيطانية فقط..
ظل يراقصها في براعةٍ منه، كأنه مدرب ماهر لتلك الرقصة عديمة الشرف، و خرج عن المألوف تحت نظرات الدهشة من الشركاء، فرفعها من خصرها يلفها بسهولة، ثُم أنزلها بليونة جسدها الذي ساعده في ثنيه على ركبتيه مُرتكزًا على الركبة الأخرى، و نهض بخفة لتتقدم هي نحوه بمشية القطة وهي لا زالت تضع يدها على كتفه.. توقف الشركاء عن الرقص عندما وجدوا تلك البراعة التي خطفت أنظار الجميع و بدأوا بتصويرهما بهواتفهم، و تركوا لهما منصة الرقص و كذلك تراجع رحيم و شمس يجلسان مكانهما، لتقول الأخيرة بدهشة و اعجاب:
” مين اللي بيرقص مع منة ده !”
رد رحيم في استياء
” تمادى في حركاته على فكرة، ما ينفعش يمسكها كده ! ”
اقترب الشريك الراقص من شريكته ” منة ” يضع يده خلف شعرها القصير، ثُم قام بلف جسدها أمامه، ليبقى هو وراءها ينحني بخفة و يحملها من خصرها ثانية، و لكن تلك المرة يدور بها وهي أمامه في اندماجٍ تامٍ، فقد أكل الشك قلبها بأن هذا الذي يراقصها هو ” قُصي ”
هتف مجاهد بصدمة واضعًا يده على فمه:
” ده قُصي ! يا فضيحتك يا مجاهد.. ياريت بيرقص ده تحرش علني.. ابنك فضحنا يا لين خلاص ”
احمر وجه لين بتوتر و احراج مما يفعله قُصي، و نهض أُبَيِّ يحضر أخاه، فشدَّ والده على يده بنفيٍ:
” اقعد.. لو روحت هيحصل شوشرة و نتفضح أكتر ”
بينما ” إبراهيم ” كان في الطابق الثاني من القاعة يحبس الشريك الأساسي في غرفة يمنعه من النزول و كشف خطة صديقه..
انتهت الرقصة المثيرة، و امتدت يد ” منة ” تزيل القناع عن عينيه اللتان تنظران لها بدقة و تدقيق، ظهرت عينيه الجميلة و انسدل شعره الناعم على جبهته، فرفعته له وهي تهتف بعدم تصديق:
” قُصي ! ”
تقلص وجهه في ضحكة استخفاف، ثُم ابتعد عنها تحت نظرات الدهشة منها و مِن جميع من بالقاعة، ليخرج بخطوات واثقة ثابتة في تباطؤ لا يأبه بنظراتهم له، و أثناء اتجاه للخارج، نزع ربطة عنقه يلقي بها في إهمال، موجهًا نظرة جهنمية غاضبة لوالده، الذي أخذها في صدره فابتلع ريقه بخوف مما سيحل لهم من تحت رأسه، لا سيما و أن المصورون تواجدوا في حفل زفاف رجل الأعمال الكبير، لنقل أحداث الزفاف على مواقع التواصل الاجتماعي، و تلك الرقصة التي حدثت بين
” قُصي و منة ” تم رفعها على المواقع بعنوان
” أجرأ رقصة في حفل زفاف ابنة رجل الأعمال المصري منير الأنصاري “.. !

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية يناديها عائش)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *