روايات

رواية أحببتها ولكن 7 الفصل الثامن والستون 68 بقلم بيسو وليد

رواية أحببتها ولكن 7 الفصل الثامن والستون 68 بقلم بيسو وليد

رواية أحببتها ولكن 7 البارت الثامن والستون

رواية أحببتها ولكن 7 الجزء الثامن والستون

رواية أحببتها ولكن 7 الحلقة الثامنة والستون

اِقبَل مَعاذيرَ مَن يَأتيكَ مُعتَذِراً،
إِن بَرَّ عِندَكَ فيما قالَ أَو فَجَرا،
فَقَد أَطاعَكَ مَن أَرضاكَ ظاهِرُهُ،
وَقَد أَضَلَّكَ مَن يَعصيكَ مُستَتِرا،
خَيرُ الخَليلَينِ مَن أَغضى لِصاحِبِهِ،
وَلَو أَرادَ اِنتِصاراً مِنهُ لَاِنتَصَرا.
_البحتري.
_________________________
الغد’ر ثمة البشـ ـر وطبعٌ في العر’قِ لا يتغيَّـ ـر مهما حد’ث حتى وإن سـ ـقط النيز’ك على الأرض، الهبَ ـة في أن يهـ ـبك الله عز وجل في شيءٍ محـ ـدد بهِ تُساعد بهِ غيرك وتُقدم بهِ كذلك يـ ـد العون والمعونة، ولَكِنّ في هذه الحياة كل دا’بة تسير في الأرض بدا’خلها الغد’ر يسير في أور’دتها كالد’ماء فمهما حد’ث لَن يتغيَّـ ـر المرء مهما كـ ـلفه الأمر، منذ قديم الأ’زل كان هُناك مثلًا شعـ ـبيًا ير’ن في كل مكان كما رنات الأجراس المتعا’لية وقد كان صحيحًا مئة بالمئة حيثُ تحد’ث عن الغد’ر مِن أقرب الأقربين إليكَ، وقد كان هذا المثل صحيحًا مئة بالمئة واليوم هو يُطَبـ ـق على هذا الثنائي اللذان كانا في يومٍ مِن الأيام صديقين مقربين وبشـ ـدة..
<“أتـ ـقِ شـ ـر مَن أحسنت إليهِ ولا تتعلـ ـق،
فلا تدري أيٌ مِنهم سيمنحك طـ ـعنة الغد’ر.”>
كان الخو’ف يحتضن قلـ ـبه وعجـ ـزه مُسيـ ـطرًا عليهِ والأ’لم ينتشـ ـر في ذراعيه بسـ ـبب قو’ة قبـ ـضة الآخر على ذراعيه وكأنه يشـ ـفي غـ ـليله مِنهُ قد’ر ما أستطا’ع، أغمض “شـهاب” عينيه منكـ ـمش الوجه بسـ ـبب الأ’لم الذي سا’ر في ذراعيه، أما عن “جـمال” الذي كان يتابعه بنفـ ـسٍ راضية يراه يتأ’لم وهو غيرُ قا’درٍ على إبعا’ده، شـ ـدد أكثر على قبـ ـضتيه ليتأ’وه “شـهاب” أ’لمًا وهو يستمع إلى صوت الآخر الذي كان ينظر إليهِ بتشـ ـفي وهو يطبـ ـق على أسنا’نه قائلًا بحـ ـقدٍ د’فينٍ:
_حا’سس بالعجـ ـز صح؟ لا’زم تحـ ـس إنك عاجـ ـز مش قا’در عليا، وأنا شايف عجـ ـزك قدامي حا’سس إن الفرحة مش سيعا’ني، كـ ـفيف يا حر’ام مش عارف يتصر’ف فموقف با’يخ زي اللي هو فيه دلوقتي دا، بس أنا فرحان أوي عشان اللحظة دي رجعت تاني والمرة دي محدش يعرف حاجة كله هيكون فاكر إنك مع “مـينا”، ميعرفوش إنك أتخد’عت ودلوقتي صبا’عك تحت در’سي يا “شـهاب” … جَت اللحظة اللي نفسي فيها على طبق مِن دهب فلاز’م أستغـ ـلها أحسن أستغـ ـلال.
حاول “شـهاب” إبعا’ده عنهُ ليشعر بالآخر يقبـ ـض بعـ ـنفٍ أكبـ ـر على ذراعيه فقد كان يضغـ ـط على إحدى أو’تا’ر يده اليُمـ ـنى وهذا ما كان يجعل الأ’لم لا يُحـ ـتمل، تعا’لت تأ’وهاته أسفـ ـل عينين “جـمال” الذي كان ينظر إليهِ مبتسم الوجه ليقول بنبرته المستـ ـفزة:
_إيه يا “شـهاب” بتتو’جع مش كدا؟ معلش أصل و’جع دلوقتي مش هييجي حاجة جنب و’جع كمان شوية، أصل أنا بصراحة كدا نا’وي قبل ما أقـ ـتلك أعذ’بك شوية … المرة اللي فا’تت صاحبك وحبيبك “مـينا” أنقـ ـذك بس النهاردة هو مش موجود، هيكون موجود فالسجـ ـن إن شاء الله كمان كام ساعة أصل أنا مكلمك بصو’ته وكله عارف إنك معاه دلوقتي، حلوة الخـ ـطة دي مش كدا برضوا؟.
حاول “شـهاب” تجا’هل هذا الأ’لم الملـ ـعون الذي جعله يشعر وكأن ذراعه قد تو’قف كـ ـليًا عن الحر’كة وقال بنبرةٍ متأ’لمة:
_أنتَ واحد مر’يض، اللي أنتَ فيه دلوقتي دا يا “جـمال” أسمه مر’ض، ولا’زم تبقى عارف إن ربنا موجود ولو عد’الته أتحـ ـققت أنتَ وأمثا’لك مش هيكون ليهم وجو’د فالحياة دي عشان لمَ تروحله هتروح تتحاسـ ـب على جر’ايمك دي كلها آه أنتَ خـ ـدت مِني نو’ر عيـ ـني بس مش هتقد’ر تاخد مِني رو’حي مهما خـ ـططت وفكرت وسـ ـعيت، مش هسـ ـمحلك يا “جـمال” مهما حصـ ـل ومش عشان أنتَ أستـ ـغليت ضُعـ ـفي إنك كدا بتحـ ـقق مُرادك لا بالعكـ ـس أنتَ فاهم غـ ـلط، نها’ية اللي زيك معروفة مش محتاجة إني أوضحها.
كان “جـمال” يستمع إليهِ طيلة الوقت والغـ ـل باديًا على تقا’سيم وجهه فكلما ظن أنهُ قد ربح المعر’كة وأصبح هو الفائز يجد ما يُعر’كل لهُ الوصول إلى تلك اللحظة وأن لا مُنتـ ـصر سوىٰ الخير، رأى “شـهاب” يبتسم إليهِ بسمةٌ كانت في منظوره مستفـ ـزة وبشـ ـدة ثم بعدها جاء صوته الأكثر أستفـ ـزازًا حينما قال مبتسم الوجه:
_صـ ـعبان عليا أوي يا “جـمال” عارف ليه؟ عشان جـ ـرجرتني لحد هنا ومعرفتش تعمل حا’جة جوه بيتي ودا إن د’ل فيدُ’ل على ضُـ ـعفك وجُـ ـبنك، يا فاشـ ـل.
قبـ ـض “جـمال” بقبـ ـضتيه على ثياب “شـهاب” وهو يصر’خ بهِ بغضـ ـبٍ شـ ـديدٍ حينما قال:
_أنتَ قد الكلام دا يا “شـهاب” !!.
_قده بأربع أضعـ ـاف يا “جـمال”، اللي عندك أعمـ ـله أنا مبخا’فش غير مِن اللي خلـ ـقني غير كدا الباقي عندي ولا حاجة معنديش اللي أبكي عليه، كان غيرك أشطر زمان فالتخـ ـطيط والتنفيـ ـذ يا حيـ ـلتها.
هكذا رد عليهِ “شـهاب” بنبرةٍ با’ردة ومستـ ـفزة نعم لا يراه ولَكِنّ يَمـ ـلُك حـ ـيَّلًا أخرىٰ لأستـ ـفزازه وإثا’رة غـ ـضبه، وحقًا قد أستطاع إغضـ ـاب “جـمال” الذي قام بإلغا’ء كل ما خـ ـطط إليهِ وسر’يعًا كان مُخر’جًا مِد’يتهِ طا’عنًا إياه بها في جا’نبهِ الأ’يسر بكل عـ ـنفٍ وغـ ـلٍ، تعا’لى تأ’وه “شـهاب” حينما أختر’قت المد’ية جسـ ـده بكل عـ ـنفٍ ليشعر أن جسـ ـده بالكامل قد شُـ ـل عن الحركة بعد أن تلقى هذه الضر’بة القو’ية والعنـ ـيفة والمبا’غتة..
ساد الصمت المكان فجأ’ةً و “جـمال” يُشاهد “شـهاب” بوجهٍ مبتسم وهو يراه لا يقد’ر على فعـ ـل شيءٍ سوىٰ الإستـ ـسلام إلى مـ ـصيره المحتو’م والذي كان _المو’ت_ أغمض “شـهاب” عينيهِ بأ’لمٍ شـ ـديدٍ وهو يُمسك بضـ ـعفٍ كف “جـمال” القا’بض على المد’ية التي كانت قد أختر’قت جسـ ـده فجأ’ةً وبدون سا’بق إنذ’ار، جاء صوت “جـمال” الحقو’دي حينما قال متشـ ـفيًا:
_عا’جز للمرة التانية يا “شـهاب” ومش قا’در يا حرا’م تد’افع عن نفسك حتى عشان أنتَ واحد أعمـ ـى، لتاني مرة أحـ ـط عليك وأنتَ برضوا تكون عا’جز يا حرا’م، بس في فر’ق كبـ ـير أوي بين أول مرة ودلوقتي … المرة اللي فاتت جه اللي أنقـ ـذك ووقتها كل اللي خسـ ـرته عـ ـينيك، دلوقتي أنتَ بتخـ ـسر حياتك مع عـ ـينيك تخيَّـ ـل؟.
لا يقد’ر على الحركة أو قول شيءٍ، فالمد’ية جعلت مِنهُ شخصٍ عا’جزٍ تمامًا، نظر “جـمال” إلى المد’ية وإلى قميصه الأبيـ ـض الذي لطـ ـخته د’ماءه ليعقد ما بين حاجبيه متأ’ثرًا وهو يُصد’ر بعض الأصوات الحز’ينة قائلًا:
_يا حر’ام، د’مك بيتصـ ـفى بسرعة يا “شـهاب”، د’مك بيخر’ج بسرعة ودا حاجة كويسة عشان حتى لو حد لحـ ـقك مش هيلحـ ـق ينقـ ـذك، يا حر’ام مسـ ـكين أوي.
أنهـ ـى حديثه وأخرج المد’ية بعـ ـنفٍ مِن جسـ ـده ليتأ’وه “شـهاب” بأ’لمٍ وهو يضع كفه على موضع جر’حه الغا’ئر والذي كان ينزُ’ف بشـ ـدة كالشلا’لات يُحاول إيقاف الد’ماء في محاولةٍ فا’شلة مِنهُ، أبتـ ـعد “جـمال” عنهُ وهو ينظر إليهِ مُنتصـ ـرًا يرى حا’لة الضـ ـعف التي أستو’لت عليهِ، أقترب مِنهُ بعد أن ألقـ ـى المد’ية أرضًا مِن جديد وبيده جها’ز صا’عق كهر’بائي ينظر إليهِ مبتسم الوجه ليقوم بصـ ـعقه بهِ الصا’عقة الأولى بدون ر’حمة أو حتى شـ ـفقة..
أنتفـ ـض جسـ ـد هذا المسـ ـكين بعنـ ـفٍ حينما أستقبل جسـ ـده تلك الصـ ـعقة القو’ية التي جعلته يصر’خ عا’ليًا، أقترب مِنهُ أحد رجا’له يقوم بإسقا’ط العـ ـصا الخـ ـشبية مِن خـ ـلفه على رأسه كانت هي الضر’بة القا’ضية بالنسبةِ إلى “شـهاب” الذي أستـ ـكان جسـ ـده فجأ’ةً لثوانٍ معدودة أسفـ ـل أنظارهم فيها رأى شـ ـريط حياته يَمُر سر’يعًا أمام عينيه مرورًا بذكرياته مع حبيبته “مَرْيَم” التي كانت مكافئةٌ لهُ مِن رب العالمين..
رأى ضحكاتها وبسماتها الحنونة قبل أن يتركها أول مرة وقبل أن يحد’ث هذا الحا’دث الذي جعله يخـ ـسر نو’ر عـ ـينيه ليسـ ـقط على ر’كبتيه بأستـ ـسلامٍ والد’ماء تتد’فق بغـ ـزارةٍ مِن رأسه تسـ ـيل بسرعةٍ فا’ئقة تُغـ ـطي معالم وجهه، كالحما’مة التي كانت تحمـ ـلق في السماء بحُـ ـرية وحياة حتى أصا’بتها رصا’صة الصيا’د جعلتها تهو’ىٰ أر’ضًا مفا’رقةً الحياة، مرّ شـ ـريط ذكرياته منذ الطفولة وحتى هذه اللحظة بسرعةٍ فا’ئقة ومع نها’يته كان جسـ ـده يُلـ ـقى أرضًا مسـ ـتسلمًا تمامًا للمو’ت..
القليل مِن الوقت فيه تمت الجر’يمة وتم قـ ـتل رو’حٍ بر’يئةٍ بدون و’جه حـ ـق، نظر إليهِ “جـمال” مبتسم الوجه وهو يشعر بالرضا ليرى الد’ماء تسـ ـيل بسرعةٍ فا’ئقة مِن أسـ ـفله ليعقد ذراعيه أمام صد’ره وهو ير’مقه بنظراته المبتسمة لبرهةٍ مِن الوقت قبل أن يقول بنبرةٍ هادئة وبا’ردة:
_مع السلامة يا “شـهاب”، مفيش حاجة قد’رت تمـ ـنعني مِن إني أقـ ـتلك بد’م با’رد وأخـ ـلص مِنك، فالجنة ونعيمها إن شاء الله.
أنهـ ـى حديثه وهو يبتسم بنـ ـصرٍ كانت قد تحوَّ’لت إلى ضحكاتٍ متتا’لية سعيدة ومتشـ ـفية، ومعهُ تعا’لت أصوات الضحكات مِن رجا’له الذي قد أتـ ـمموا المهـ ـمة بكل سلا’سة ويُسر بدون أن توا’جههم أيا عوا’ئق قد تُعر’كل خـ ـط سيرهم في تنفـ ـيذها، أما عن هذا المسـ ـكين قـ ـليل الحيـ ـلة الذي تلقى الغد’ر على أيدي البشـ ـر عد’يمي الإنسا’نية والمشاعر، جاء رنين صوتها يصدح كالأنغام في أذ’نيه وهي تقوم بمناداته مِن بعيـ ـد ثم سا’رعت في الاقتراب مِنهُ بخطى وا’سعة أشبه بالركض مر’تميةً بأحضانه وهي تبكي بخو’فٍ تتشـ ـبث بثيابه تقبـ ـض عليها بقبـ ـضتيها وهي تقول باكية:
_متروحش فحتة يا “شـهاب”، قـ ـلبي وا’جعني ومش مطـ ـمنة عشان خاطري متروحش فحتة خليه هو يجيلك هنا، متخر’جش عشان خاطري أنا خا’يفة أوي مِن مرواحك جوا’يا حاجة بتقولي أمـ ـنعيه، لو بتحبني متروحش.
حينها أبتسم هو بسمةٌ هادئة حنونة ثم قام بمحاوطتها يطـ ـبق عليها بذراعيهِ ممسّدًا على ظهرها برفقٍ يُحاول تهـ ـدأتها قائلًا:
_أهدي يا “ريـما” محصـ ـلش حاجة يا حبيبتي خا’يفة ليه بس، أهدي هروح أقابل “مـينا” طلب يقعد معايا لأن بقالنا فترة متكلمناش وعايز يتكلم معايا فموضوع مهـ ـم، مش هتأ’خر عليكِ ساعتين وهرجع ولو خا’يفة أوي هتصل بيكِ كل شوية أطمـ ـنك عليا لحد ما أوصل لحد باب البيت تمام كدا؟.
حركت رأسها برفقٍ تنفـ ـي حديثه والعبرات السا’خنة تتسا’قط على صفحة وجهها بغـ ـزارةٍ وهي تقول:
_لا لو عايز تخر’ج يبقى ر’جلي على ر’جلك، مش هسـ ـيبك تروح لوحدك مهما حصـ ـل، أنا خا’يفة عليك يا “شـهاب” عشان خاطري أسمع الكلام وخليني أجي معاك.
_مش هينفع يا حبيبتي واللهِ.
هكذا رد عليها بنبرةٍ هادئة حتى يُحاول إرد’اعها عن قـ ـراراها ذاك ولَكِنّ رأى العنا’د قائمًا كما توَّ’قع ولذلك حاول مرةٍ أخرىٰ معها بأسلوبٍ أكثر هدوءًا وحنان قائلًا:
_خلاص هتـ ـفق معاكِ على أتفا’ق حلو، هتصل بيكِ كل شوية أطـ ـمنك عليا، بس مينفعش أكلمه وأقوله لا، زي ما أتفقنا يا حبيبتي ماشي؟.
ر’فعت رأ’سها عا’ليًا بهدوءٍ تنظر إلى معالم وجهه عن قربٍ والعبرات ملـ ـتمعةٌ داخل حد’قتيها لتراه ير’فع كفه الأيـ ـمن بهدوءٍ نحو وجهها لتُلا’مس أناملهُ بشرة وجهها النا’عم ليقوم بإ’زالة عبراتها عن صفحة وجهها بحنوٍ ور’فقٍ شـ ـديد لتُغمض هي عينيها تستشعر تلك اللمـ ـسة بقلبـ ـها قبل عـ ـقلها وكأنها اللمـ ـسة الأخـ ـيرة، كأنها اللحظة الأخـ ـيرة بينهما، كأنه الو’داع الأخـ ـير، كأنه العناق الأخـ ـير وبعدها تفتر’ق الأرو’احُ عن بعضها البعض كما السـ ـكين التي تفـ ـصل أر’بطة الحـ ـبل المتـ ـين عن بعضها البعض..
أزا’ل عباراتها بإبها’ميهِ عن صفحة وجهها بحنوٍ ثم لثم جبينها بِقْبّلة حنونة تليها قوله الهادئ:
_أنا خارج وأنا عارف إني فرعاية الله وحفظه، خارج وعارف إني هرجع أو لا دا قـ ـضاء ربنا وسواء خرجت أو فضلت هنا اللي مكتوبلي هيحـ ـصل يا “ريـما” وأنتِ عارفه الكلام دا كويس، متخا’فيش عليا ولو ربنا أراد إنه يسـ ـترد أما’نته مش هوصيكِ بالدعاء وزيارتك متتقـ ـطعش عنّي، هكون مبسوط والملا’يكة بيقولولي جايلك زيارة مِن فلان، وهفرح أكتر لمَ تكوني أنتِ الزائر.
_يا “شـهاب” عشان خاطري بلاش الكلام دا أنتَ بتخو’فني أكتر مش بطـ ـمني، عشان خاطري يا “شـهاب” أنا قلبي وا’جعني متو’جعهوش أكتر بكلامك دا، لو بتحبني يا “شـهاب” عشان خاطري.
هكذا ردت عليهِ “مَرْيَم” بنبرةٍ باكية وهي تعاود معانقته مِن جديد تأ’بى تركه يرحل بعـ ـيدًا عنها ولَكِنّ على أيا حال ففي النها’ية هو سيرحل شاءت أم أبت، وقد كان الأمر كله قد أنتهـ ـى برحيله بعد أن قام بتوديعها تاركًا قـ ـلبها ينتـ ـفض خو’فًا عليهِ وقبل هذا الرحيل كان كفه يتمركز على موضع قلبها الذي أستشعر نبـ ـضه العنـ ـيف بدا’خل قفـ ـصها الصد’ري وقد جاء قوله الهادئ المبتسم:
_لو أنا بعـ ـدت عنك فيوم مِن الأيام وأفتر’قنا فخليكِ عارفة إني هفضل هنا، جو’ه قلبك … ونفس الكلام ينطبـ ـق عليا، أنتِ على طول فقـ ـلبي يا وصية رسول الله.
هكذا أنهـ ـى حديثه وهو يضع كفها على مو’ضع قـ ـلبه الذي كان ينـ ـبض بهدوءٍ على طبيعته ليس مر’تعدًا، ولا قلـ ـقًا، ولا خا’ئفًا، وكأن قد سـ ـكنته الرا’حة وطمأ’نينة رب العالمين، ر’فع كفها ذاك يُلثمه بحنوٍ ثم رحل تاركًا إياها مكانها تتطّـ ـلع إلى أثره بعينين مغرو’رقتين بالعبرات الكثـ ـيفة التي بدأت تسقـ ـط كالشلا’لات المنهـ ـمرة على صفحة وجهها، تنظر في أ’ثره بشـ ـرودٍ وقد جاء قولها الهادئ للغا’ية:
_فرعاية الله وحفظه يا حبيبي، ربنا ير’دك ليا بالسلامة ويكـ ـفيك شـ ـر الطريق وفو’اجع الأقدار، سلَّمتك لرب العالمين الذي لا يغفل ولا ينام.
هذا ما تذكره قبل أن يتغـ ـيَّب عقله ورو’حه عن الوا’قع، هذا ما رآه في شـ ـريط حياته قبل أن تنغـ ـلق الجفو’ن المكتـ ـسية بالد’ماء ويخر’ج آ’خر نفـ ـسٍ مِنهُ دون أن يد’خل مجددًا، آ’خر ما رآه حبيبة فؤ’اده والر’وح التي عانقتهُ ود’اوته مِن جر’وح الماضي، شعر بالصا’عقة الثانية تضر’ب جسـ ـده مِن هذا الحـ ـقير الذي لَم ير’أف بحا’له وكأن الر’حمة قد أنتز’عت مِن قـ ـلبه، أنتفـ ـض جسـ ـده بعـ ـنفٍ بعد أن تلقى الضر’بة الثانية وبعدها أستكان جسـ ـده تمامًا وتر’اخى على الأر’ض الر’ملية يُعلنهم عن مفا’رقة الر’وح جسـ ـده..
أبتسم “جـمال” بعد أن رآه قد فا’رق الحياة وتم التأكيد على ذلك حينما قام أحد رجا’له بفحـ ـص نبـ ـض عنـ ـقه ومعـ ـصمه ليرى النبـ ـض متو’قفًا تمامًا يؤ’كد لهُ حد’وث الأمر، أبتسم “جـمال” بأتسا’عٍ وقد زفـ ـر بعمـ ـقٍ ورا’حة حينما حـ ـقق مُراده لينظر إلى رجا’له قائلًا:
_يلا نتحرك بسرعة قبل ما حد يحـ ـس بينا، ولو حد شافه وراح المستشفى مش هيفـ ـيد بحاجة هو في الحا’لتين مـ ـيت.
ألقـ ـى نظرة أخـ ـيرة عليهِ بوجهٍ مبتسم قبل أن يتركه ويرحل رفقة رجا’له كما الذ’بيحة المفا’رقة للحياة، ساروا بخطى وا’سعة يتجهون إلى السيارة التي كانت مصفو’فة على جانب الطر’يق السر’يع فقد فـ ـعل جر’يمته تلك في الصحـ ـراء الوا’سعة حتى لا يراه أحد ولا ينتـ ـبه أحدهم إلى هذا المسـ ـكين..
على الجهة الأخرىٰ بالقرب مِن المكان.
كان “أحـمد” يقود سيارته يسير على نطا’ق السير المحـ ـدد في الخريطة الموجودة على هاتف شقيقته التي كانت تجاوره والخو’ف يأ’كل قـ ـلبها بدون ر’حمة عليهِ، عينيها تز’رف العبرات وفمها لا يكفُ عن الدعاءِ لهُ، صدح رنين هاتف يعلنه عن أتصالٍ هاتفي مِن “مـينا” ولذلك أجابه قائلًا:
_أيوه يا “مـينا”، مش عارف حاجة عنه لسه بتصل بيه مبيردش عليا جرّبنا فو’ق الـ ٧ مرات بقالنا ساعة مفيش رد مِنُه، أزاي بس يا “مـينا” ما قايل لمراته إنه خارج يقابلك ما أنتَ كلمته … لا حول ولا قوة إلا بالله يعني هو بيخر’ف يعني؟ طيب يا “مـينا” أول ما أوصله هكلمك، لا لحسن الحظ المو’قع بتاع التليفون شغال وماشيين عليه، جايب صحـ ـرا معرفش إيه اللي وداه هناك أنا مش فاهم حاجة خالص، طيب هشوف الدنيا فيها إيه وهكلمك تاني.
أنهـ ـى حديثه معه وأغـ ـلق المكالمة وترك هاتفه أمامه ثم نظر إلى شقيقته بطر’ف عينه يراها تبكِ بصمتٍ تا’م وفَمِها لا يكفُ عن الدعاء لهُ والخو’ف مرتسمًا على تقا’سيم وجهها تخشـ ـىٰ أن يكون قد أصا’به مكـ ـروهٌ، كان “ليل” يجلس في الخـ ـلف ومعهُ هاتفه وجها’ز ألكتروني آخر يُسمى في اللغة الدا’رجة _أيباد_ يُحاول التوصل إلى أي شيءٍ فقد أ’ثا’ر الأمر ر’يبته بشدة بعد أن جاء إنكا’ر “مـينا” في تواصله مع “شـهاب” ويجاوره “علي” الذي كان يُفكر في الأمر وبجانبهِ “حُـذيفة” الذي كان ممسكًا بالمصحف الشريف يتلو ما تيَّسر مِن آيات الذكر الحكيم..
_بسر’عة شوية يا “أحـمد” عشان خاطري قلـ ـبي هيـ ـقف مِن الخو’ف عليه.
هكذا قالت “مَرْيَم” بنبرةٍ باكية خا’ئفة وهي تنظر إلى الطر’يق أمامها، نظر إليها بطر’ف عينه ثم نظر إلى الطر’يق أمامه وقال بنبرةٍ هادئة يحاول تهـ ـدأتها وطمـ ـئنة قلبها:
_متخا’فيش يا حبيبتي قربنا خلاص، هانت يا حبيبتي.
وبعد قيادة دامت النصف ساعة وصلوا إلى المكان المنشو’د، صف “أحـمد” السيارة على جانب الطر’يق لتترجل هي مِنها دون أن تنتظر بعد أن نز’عت حز’ام الأما’ن تنظر حولها ومعها ترجل أخيها وأو’لاد عمومتها وهم ينظرون حولهم يبحثون عنهُ، لَم تنتظر وأنطـ ـلقت تبحث عنهُ وحدها علّها تراه وقلبها بدأ ينـ ـبض بعـ ـنفٍ، وضعت يدها على مو’ضع قـ ـلبها وبدأت تسير كما الطفلة الصغيرة التا’ئهة التي تبحث عن أبيها الذي أفتقـ ـدتهُ في ز’حام السوق، أشتـ ـدت الر’ياح في المكان فكانت ملابسها الفضفا’ضة الوا’سعة تتطا’ير بفـ ـعل نسمات الهو’اء القو’ية..
تبحث وتبحث في الصحـ ـراء ويدها موضوعة على مو’ضع قلـ ـبها والعبرات ملتـ ـمعة في حد’قتيها تتدرع بداخلها سـ ـرًا إلى رب العالمين بأن يكون بخيرٍ وأن تكون هذه في النها’ية هي مزحة سخـ ـيفة فحسب فلَن تتحـ ـمل رؤيته مصا’بًا أو بهِ خد’شٌ صغير، فهذا حبيب القلب والر’وح لَن تستطيع التـ ـخلي عنهُ مهما حد’ث، وفي الجهة الأخرىٰ كان “أحـمد” يبحث عنهُ رفقة أو’لاد عمومته في جهة أخرىٰ ينظر إلى هاتفه ليراه ير’صد إليهِ تواجده في هذا المكان ولَكِنّ المكان الد’قيق غير معلو’مٍ لهم ولذلك يجب عليهم أن يبحثوا بأنفسهم حتى يجدوه..
_إيه اللي هيجيبه هنا بس مش فاهم؟.
هكذا سأل “علي” بقـ ـلة حـ ـيلة وهو لا يعلم لِمَ قد جاء صديقه إلى هذا المكان وحـ ـده والأد’هىٰ مَن قام بتوصيله هُنا؟ أسئلةٌ عديدة تُطرح على عقو’لهم والإجابة مجهو’لة حتى هذه اللحظة، على الجهة الأخرىٰ كانت “مَرْيَم” تسير في الصحـ ـراء الوا’سعة بقـ ـلبٍ مفتو’ر والخو’ف يحتضنه وهي حتى هذه اللحظة لا ترى لهُ أ’ثرًا لتقول بنبرةٍ مر’تعبة وهي تبحث بعينيها حولها:
_روحت فين يا “شـهاب”؟ روحت فين يا حبيبي وو’جعت قلبي عليك؟ يارب، يارب د’لني على مكانه يارب.
ظلت تسير في أتجاهٍ مُعيَّن بعد أن شعرت بصوتٍ ما بداخلها يُخبرها أن تسير في هذا الإتجاه، كانت تسير بخطى وا’سعة وهي تدعو المولى عز وجل بداخلها أن تجده ويطمـ ـئن قـ ـلبها عليهِ، دقائق معدودة أستغر’قتها في الوصول إلى النقـ ـطة المنشو’دة، النقـ ـطة التي تفـ ـصل بينها وبينه سنتيمتراتٍ فقط، توقفت فجأ’ةً مكانها بجسـ ـدٍ متصـ ـلبٍ وهي تراه مِن بعيـ ـد مُلقـ ـى على أر’ضية الصحـ ـراء الر’ملية المكتـ ـسية أسـ ـفله ببحـ ـيرة مِن الد’ماء..
ما كانت تخـ ـشاه قد حد’ث بالفعـ ـل، ما كان يجعل قـ ـلبها طول الوقت مر’تعدًا قد حد’ث بالفـ ـعل، ولَكِنّ كان ما حد’ث أسو’أ بكثيرٍ مِن تخيـ ـلاتها المحدودة، رأته غـ ـريقًا في د’ماءه بدون حرا’ك وكأنه قد فا’رق الحياة ور’حل بدون أن يُخبرها برحيله، جحـ ـظت عينيها على وسـ ـعهما وفـ ـرغ فاهها بصد’مةٍ شـ ـديدة وسـ ـقطت العبرات المتكا’ثرة على صفحة وجهها وشُـ ـل جسـ ـدها عن الحركة ومعهُ شُـ ـل عقـ ـلها عن التفكير في ما ستفعله بعد أن رأته أمامها..
وسر’يعًا عادت ذاكرتها إلى لحظة رحيله وهو يقوم بتوديعها وإخباره إليها أنه سيلـ ـقى مـ ـصيره سواءًا كان قد ذهب أو ظل مكانه معها كما طلبت، تذكرت كلماته ولمـ ـساته وتوديعاته، تذكرت وعده إليها بالعودة مِن جديد إليها وعد’م تركها وحدها مهما حد’ث فقد كان يوم المُنىٰ حينما تم زواجهما وأصبح يجاورها كيف لهُ أن يتركها الآن بهذه السهولة ويرحل؟
شـ ـريط الذكريات يَمُر أمام عينيها سر’يعًا وهي برفقتهِ، تتذكر لحظاتهما الرومانسية والسعيدة، تتذكر حنانه وحُبه وطيبة قلـ ـبه ووعوده وخـ ـططهم المستقبلية، كل هذا قد ذهب هـ ـبأً كالر’ياح الشـ ـديدة التي تقـ ـتلع كل ما يقابلها، أحلامهما كانت كحبات الر’مل التي تد’هس بقد’ميها عليها تتطا’ير مع الهواء هـ ـبأً، وكأن العـ ـقل في هذه اللحظات كان يُبر’مج نفسه لإعطاء الحل الأمثل في مثل هذه المواقف، خرجت مِنها صر’خة عا’لية بشـ ـدة تُخر’ج بها نفسها مِن الصد’مة ورداتها تر’ن في الصـ ـحراء الوا’سعة..
صر’خت مِن جديد تستـ ـنجد بأخيها بنبرةٍ باكية مقهو’رة وهي تقول:
_ألحـ ـقوني !! ساعدوني “شـهاب” سا’يح فد’مه !!.
صر’خت بكلماتها تلك ومِن ثم ركضت نحوه بخطى متعثـ ـرة بسـ ـبب كثرة الر’مال الموجودة على الأرض وهي تصر’خ بهِ باكيةً حتى وصلت إليهِ ومِن ثم جلست على ر’كبتيها بجواره تتفـ ـحصه بذ’عرٍ وهي ترى الد’ماء تُغـ ـطي رأسه بالكامل، قبـ ـضت بيديها على ثيابه تجذ’به إلى أحضانها تجعله يستلقي على ظهره لتُصـ ـيبها الضر’بة الثانية ببراعة ود’قة حينما رأت الد’ماء تُلـ ـطخ قميصه الأبيـ ـض بشكلٍ مر’عبٍ جعلها لا تقد’ر على أستيعا’ب أي شيءٍ..
الد’ماء تُغـ ـطيه والر’مال أسفـ ـله تشبـ ـعت بد’ماءه وجسـ ـده بين يديها متر’اخٍ كمَن فا’رقته الرو’ح وأصبح يتحرك بسلا’سةٍ ويُسر كيفما تشاء، ثوانٍ مرّت فيها أستو’عبت ما تراه لتُحرك رأسها تر’فض تقبُل ما تراه لتبدأ في البكاء وهي تنظر إليهِ ترى الد’ماء تكتـ ـسي وجهه بالكامل لتحاوط شطـ ـر وجهه بكفها تز’يل عنهُ الد’ماء حتى يتـ ـبيَّن إليها معالم وجهه بشكلٍ أوضح وهي تقول بنبرةٍ باكية مهـ ـزوزة أسفـ ـل تأ’ثير صد’متها:
_أفتـ ـح عيونك يا “شـهاب”، أفتـ ـح عيونك يا حبيبي وقوم يلا أنا موجودة أهو، أنا جيتلك يا نو’ر عيني قلبي حـ ـس بيك وجالك أهو، قوم يا “شـهاب” !! قوم متسبـ ـنيش لوحدي وتمشي أنا لسه مشبعـ ـتش مِنك، قوم يا حبيب عيوني عشان خاطر “ريـما” يلا أنا جيت أهو قوم !!.
بدأت تصر’خ بهِ وهي تبكي وتطالبه بالنهوض وتقوم بهـ ـز جسـ ـده بقو’ةٍ علّه يشعر بها بالفعل وينهض ولَكِنّ كان كل ذلك بدون أيا فائدة، أقتربوا مِنها أو’لاد عمومتها وكان أولهم أخيها الذي رأى هذا المشهد الصاد’م والذي أطا’ح بهِ بعيـ ـدًا ومعهُ أو’لاد عمومته الذين كانوا في صد’مةٍ مِن أمرهم وهم يرونه غر’يقًا في د’ماءه بكل ما تحمـ ـله الكلمة مِن معنى، كان أول المتحركين “أحـمد” الذي أقترب مِنها بخطى وا’سعة أشبه بالركض يجلس على ر’كبتيه مِن الجهة المقابلة وهو كل ما يفعله النظر إليهِ بعينين مجحـ ـظتين..
نظرت إليهِ “مَرْيَم” بوجهٍ باكِ والعبرات تغر’ق صفحة وجهها وهي تتشـ ـبث في “شـهاب” تضمه إلى أحضانها تر’فض تركه لتقول بنبرةٍ باكية مقهو’رة:
_ما’ت يا “أحـمد”، سابني وراح مِن غير ما يقولي، حبيبي راح آه !!.
بدأ “أحـمد” يتفحـ ـصه وهو ير’فض تقبُل هذا الحديث فلَن يتركهم هكذا ويذهب بدون أي شيءٍ هكذا، شعر بنبـ ـض “شـهاب” شبه متو’قف، هو’ىٰ قلبه أر’ضًا حينما تأكد مِن حديث “مَرْيَم” التي كانت تبكي وهي تضمه إلى أحضانها حتى أن ملابسها تلـ ـطخت بالد’ماء خاصته، جاء “علي” في هذه اللحظة وهو يقول بنبرةٍ هادئة متو’ترة خو’فًا على صديقه الحبيب:
_الإسعاف قريبة أوي مِن هنا يعني ٥ دقايق ويكونوا هنا أنا وصفتلهم المكان.
أقترب “حُـذيفة” مِنهم بخطى هادئة وهو ينظر إلى المِد’ية المُـ ـلقاه على الأرض والملـ ـطخة بد’ماء صديقه ليقوم بإخر’اج محر’مة مِن جيب سترته ممسكًا بها وهو يتفحصها أسفـ ـل نظراتهم جميعًا ليأتي قول “ليل” المتر’قب وهو ينظر إلى ابن خاله نظرةٍ ذات معنى:
_أنتوا متأ’كدين إن فعـ ـلًا “مـينا” كلمه، أصل لو هو كلمه بجد مستـ ـحيل مليون فالمية يجيبه هنا، أنا شا’كك إن في حد تاني كان متر’بصله وخد’عه أصل “شـهاب” مش عيـ ـل صغير عشان يتضحك عليه … اللي لعبها لعبها صح.
نظرت “مَرْيَم” إلى “شـهاب” الماكث بأحضانها وهي تبكي وتمسـ ـح بكفها على وجهه ليأتي قول “أحـمد” القـ ـلق حينما رأى غـ ـزارة د’ماء صديقه:
_هو كمية الد’م دي طبيعي أنا خا’يف ليكون في حاجة، أستعجـ ـلهم يا “علي” بالله عليك.
جاءه جواب “مَرْيَم” الباكِ وهي تنظر إليهِ قائلة بنبرةٍ مقهو’رة:
_”شـهاب” عنده سيو’لة فالد’م … لو أتعو’ر تعو’يرة صغيرة بينز’ل د’م كتير، أستعـ ـجلهم يا “علي” بالله عليك مفيش نبـ ـض أنا همو’ت مِن الخو’ف عليه.
وقبل أن يُهاتفهم “علي” سَمِعَ إنذ’ارات سيارة الإسعاف يعـ ـلو بالقربِ مِنهم ليرى أثنين مِن المسـ ـعفين يحـ ـملان الفراش المعد’ني ويقتربان مِن موقعهم، نظر “أحـمد” إلى شقيقته التي كانت تبكي وهي تضمه إلى أحضانها تر’فض تركه ليقول بنبرةٍ هادئة بعد أن نهض وأقترب مِنها يقف بجوارها:
_”مَرْيَم” سـ ـيبيه يا حبيبتي، خلّي المسـ ـعفين يشوفوا شغلهم جايز يلحـ ـقوه، يلا يا حبيبتي سيـ ـبيه هيكون كويس صدقيني.
ر’فعت “مَرْيَم” رأسها برفقٍ وهي تنظر إليهِ بعينين مغرو’رقتين بالعبرات التي كانت تتسا’قط على صفحة وجهها وكانت وتيـ ـرة أنفا’سها متسا’رعة تنظر في عينيه تبحث فيهما عن الصد’ق لتراه يبتسم إليها أبتسامة خـ ـفيفة للغاية يطـ ـمئنها مِن خلالها أن كل شيءٍ سيُصبح بخيرٍ، عادت هي تنظر إلى حبيبها الذي كان جسـ ـدًا بلى رو’ح وعاد أ’لم قلبها يؤ’لمها مِن جديد، تركته حتى يبدأ المسـ ـعفين بحـ ـمله ووضعه على الفراش فيما نهضت هي بمساعدة أخيها لها الذي قام بمسا’ندتها..
لَم تنتظر ولَحِـ ـقَت بالمسـ ـعفين بخطى وا’سعة وقلبها ينـ ـبض بعنـ ـفٍ تُمسك بكفه الملـ ـيء بالد’ماء وعينيها مثبـ ـتتين عليهِ، نقلوه على الفراش الآخر المُلا’حِق بسيارة الإسعاف لتنظر هي إلى أحد المسـ ـعفين لتقول بنبرةٍ باكية:
_لو سمحت خلّيني معاه أنا مش عايزة أسيـ ـبه لوحده.
تفهم المسعف حا’لتها ومشاعرها تجاهه ولذلك حرك رأسه برفقٍ لها دون أن يتحدث ثم صعد إلى سيارة الإسعاف، ألتفتت “مَرْيَم” إلى أخيها الذي تفهم نظرتها ولذلك حرك رأسه برفقٍ وقال بنبرةٍ هادئة:
_روحي معاه متسبيهوش لوحده وأنا هلحـ ـقك بالعربية.
حركت رأسها برفقٍ ثم تركته وذهبت بخطى سر’يعة إلى سيارة الإسعاف التي تحركت فو’ر أن جاورت “شـهاب” في السيارة، أستلق “أحـمد” سيارته رفقة أولاد عمومته ومِن ثم تحرك سر’يعًا خلف سيارة الإسعاف، صدح رنين هاتفه عا’ليًا يُعلنه عن أتصالٍ هاتفي مِن “مـينا” ولذلك جاوبه بنبرةٍ هادئة قائلًا:
_أيوه يا “مـينا”، لقيناه الحمد لله، لا بالعكـ ـس شكله متصـ ـفي، خدته عربية الإسعاف ومتحر’كين أهو على المستشفى بتاعت شغلنا، آه لقيناها قريبة مِننا كانت واقفة قُرب كمـ ـين على الطر’يق الصحر’اوي، أستنانا هناك وهتلاقي “شُـكري” ووالدته موجودين هناك أنا كلمتهم وعرّفتهم، تمام مع السلامة.
أنهـ ـى مكالمته معهُ ثم نظر إلى الطريق أمامه بتركيزٍ شـ ـديد وهو يدعو إلى رفيقه الحبيب، وفي الخلف كان “حُـذيفة” يجلس وهو يقرأ في مصحفه الشريف متمنيًا السلامة والشفاء إلى هذا الحبيب الذي كان بالنسبةِ إليهِ بمثابة الأخ الحنون والصديق الطيب الو’في الذي كان خير رفيقٍ بالنسبةِ لهُ وفي نفس الوقت عقـ ـله مشغو’لٌ بما رآه منذ قليل فما رآه كان صعـ ـبًا وبشـ ـدة على المرءِ أن يتحمـ ـله لا يعلم كيف تحـ ـمله ولَكِنّ عَلِمَ أن هذه الطا’قة التي جعلته في هذه اللحظة كالجبـ ـل كانت مِن رب العالمين..
في سيارة الإسعاف.
كانت “مَرْيَم” تجلس وهي تشاهد المسـ ـعف يقوم بإصعا’قه بجها’ز الصد’ما’ت الكهر’بائية وبصـ ـرها يجول بينه وبين الشاشة التي حتى هذه اللحظة لَم تُبدي أي إشارة على أستجابة القـ ـلب لجهاز الصد’ما’ت، ترى جسـ ـده يعـ ـلو وينـ ـتفض بدون أيا نتائج إيجا’بية، عادت العبرات تتسا’قط على صفحة وجهها وهي ترى عد’م الأستجا’بة مِنهُ، وضعت كفها على مو’ضع قلبها وهي تنظر إليهِ بو’هنٍ وتركت قـ ـلبها يُحاول الأتصال مع قلـ ـبه كما أعتادت، حاول قلـ ـبها إحيـ ـاء قـ ـلبه بمطالبتهِ إياه العودة مِن جديد ومرافقتهُ..
_مرحبًا يا عزيزي..
أعلم أنكَ تعلمني عن ظهـ ـر قلبٍ، فأنا هذا الحبيب المُميَّز الذي رافقكَ منذ زمنٍ، جئت لي قلـ ـبًا و’حيدًا يسـ ـعىٰ لإيجاد شبيهه، يسـ ـعىٰ لإيجاد مَن يستأ’نسُ بهِ، وكُنْتُ أنا هذا الرفيق الذي ظللت تبحث عنه حتى وجدته، تعهـ ـد كلانا على مرافقة بعضنا البعض وكُنْتُ قد أُفيـ ـتُ بوعدي لكَ أيُّها الحبيب، ولَكِنّ ما لي أراك تريد تركي اليوم وترحل كما الغريب في أر’ضٍ يعلمها صاحبها ويُكا’بر بإنكا’ره لمعرفتها؟ أيُّها الحبيب، هُناكَ نصـ ـفًا لا يُريد الرحيل، هُناكَ نصـ ـفًا يخـ ـشىٰ الفُر’اق، هُناكَ نصـ ـفًا لا يريد لنصـ ـفه الآخر أن يمو’ت، لأجل هذا الحبيب عُد مِن جديد فقد فا’ق الشو’ق بي ولا أستطيع أن أُكمل الطريق الذي كان مِن المفترض أن يُكمله ثنائي حبيب بشخصٍ فردي نصـ ـفه مـ ـيتًا والنصـ ـف الآخر يسـ ـعىٰ للعيـ ـش والبقا’ء حتى يلقاك، عُد يا حبيب العـ ـين فلا العـ ـين تتوقف عن زر’ف العبرات، ولا العـ ـقل يصمت عن التفكير، ولا الرو’حُ تجد را’حتها، أيُّها الحبيب أنت هو الد’واء لهذا الد’اء فلا تبخـ ـل عليَّ أيضًا بهِ، سأنتظر عودتك عمَّ قريبٍ.
وبعد ما يُقارب الرُبع ساعة مِن عمل الصد’ما’ت الكهر’بائية بدون يأ’سٍ وبعد الكثير مِن الوقت أستجاب القلـ ـب لفعل الصد’ما’ت الكهر’بائية لتتـ ـهلل أساريرها بسعادةٍ طا’غية وهي ترى خـ ـط سير النـ ـبض عاد يعـ ـلو ويهـ ـبط، تواصل المسـ ـعف مع سائق السيارة سريعًا وهو يقول:
_المر’يض نبـ ـضه رجع، بلـ ـغوهم يجهزوا أوضة العمـ ـليات بسرعة الحالة حر’جة.
نظرت “مَرْيَم” إلى “شـهاب” بعينين باكيتين وقد عادت تُكمل سيل دعواتها لهُ حتى وصلوا إلى المشفى وأخذوه إلى الداخل وهي معهُ كفها لا يُفا’رق كفه طوال الوقت، تسير مع الممر’ضين حتى غرفة العمـ ـليات تأ’بى تركه و’حيدًا، ولَكِنّ حينما وصلوا إلى غرفة العمـ ـليات نظر الطبيب إليها يوقفها بقوله:
_بعد إذنك يا مدام خليكِ هنا.
_عشان خاطري ألحـ ـقوه، سا’يح فد’مه يجي أكتر مِن ساعة عقبال ما جبناه وجينا، بالله عليك طـ ـمني عليه ربنا يباركلك.
هكذا تو’سلته “مَرْيَم” بنبرةٍ باكية متأ’لمة لأجل زوجها ليُحرك الطبيب رأسه برفقٍ وهو ينظر إليها قائلًا:
_متقلـ ـقيش يا مدام ووعد هطـ ـمن حضرتك أول بأول بس لازم أدخله دلوقتي عشان كل دقيقة بتعدي بتكون خطـ ـر على حياته.
تركها وولج إلى داخل غرفة العمليات لتبقى هي أمام باب الغرفة تنظر إلى أ’ثره بشرودٍ مستنـ ـدةً عليهِ بضـ ـعفٍ شـ ـديد فجزءٌ مِن قـ ـلبها بين الحـ ـياة والمو’ت الآن، نظرت إلى ملابسها التي لطـ ـختها د’ماءه ويديها التي تحمـ ـل د’ماءه بشرودٍ لتسـ ـقط عبراتها على صفحة وجهها وبدون أن تشعر بنفسها بدأت تبكي بضـ ـعفٍ وقـ ـلة حـ ـيلة، وصل أخيها برفقة أو’لاد عمومته ومعهم والدة “شـهاب” و “شُـكري” الذي كان في صد’مةٍ مِن أمـ ـره بعد أن وصله الخبـ ـر عن طريق “أحـمد” مؤ’خرًا..
أقترب “أحـمد” مِنها بخطى وا’سعة حتى وقف أمامها مباشرةً وهو ينظر إليها بتر’قبٍ ليقول متسائلًا بخو’فٍ على رفيقه:
_إيه اللي حصـ ـل؟ وفين “شـهاب”؟.
نظرت إليهِ هي بقهـ ـرٍ ثم أر’تمت داخل أحضانه تبكي أكـ ـثر، فيما ضمها هو إلى د’فئ أحضانه يربت على ظهرها بحنوٍ محاولًا تهـ ـدأتها بشتىٰ الطر’ق فيكفي ما رأته هذا اليوم ومرّت بهِ يعلم أنها تحـ ـمّلت فوق قد’رة تحـ ـملها في الطبيعة، تحدثت هي مِن بين بكاءها بصوتٍ مختـ ـنق أسـ ـفل نظرات الجميع المتر’قبة وأكثرهم “شُـكري” الذي أر’تعد بشـ ـدة على أخيه حينما عَلِمَ بحـ ـقيقة الأمر قائلة:
_المسـ ـعف فضل طول الطريق يعمله فصد’ما’ت كهر’بائية، رُبع ساعة كاملة قـ ـلبه مش راضي يسـ ـتجيب يا “أحـمد” كأنه أستسـ ـلم خلاص ومبقاش عايز يفضل معايا، كُنْت مرعو’بة أوي وخا’يفة مش قا’درة أصدق لحد دلوقتي اللي شوفته ولا قا’درة أصدق إن دا “شـهاب” جوزي وحبيبي، بعد رُبع ساعة قلبه أستجا’ب للصد’ما’ت بس المسـ ـعف قال إن حالته حر’جة، خا’يفة أوي عليه يا “أحـمد” أنا مش مصد’قة حا’سة إن هيجـ ـرالي حاجة.
شـ ـدد “أحـمد” مِن عناقه إليها ممسّدًا على ظهرها بحنوٍ وقد تحدث بنبرةٍ متحشـ ـرجة بعدما فقـ ـد السيطـ ـرة على التحـ ـكم في نفسه قائلًا:
_عارف يا حبيبتي عارف وحا’سس بيكِ، هو هيبقى كويس إن شاء الله وهيرجع، هيرجع عشانك، عشان هو بيحبك وميقد’رش يبـ ـعد عنك هو كان على طول بيقولي كدا كل ما يشوفني، تعرفي قالي مرة إنه بيحبك أوي حتى بعد ما بعد’توا عن بعض مقد’رش ينساكِ وقلـ ـبه فضل متعـ ـلق بيكِ، وقالي أول ما جاتلي الفرصة إني أقرّ’ب مِنها تاني أستغـ ـلتها، دا باعتلي على الواتساب صورة الفرح اللي أتصورتوها سوىٰ، الصورة السيلفي الحلوة دي غا’ظني بيها أول ما خـ ـدك مِني وروحتي معاه بيتك، قالي خـ ـدتها خلاص وبقت بتاعتي مِن النهاردة دورك خـ ـلص لحد هنا، هو مستـ ـفز آه بس يتحـ ـط على الجر’ح يطـ ـيب وأنتِ واللهِ محظوظة عشان هو جوزك دا أنا حتى مسلـ ـمك لِيه وأنا مطـ ـمن ومش خا’يف عايزة إيه بعد كدا … هيقوم بالسلامة إن شاء الله وهيكون زي الفُل مفيهـ ـوش حاجة متخا’فيش أدعيله أهـ ـم حاجة ووعد حـ ـقه هيرجع، يفو’ق بس بالسلامة ويقول مين اللي عمـ ـل فيه كدا ووعد عليا لأرجعله حـ ـقه مهما كان التمـ ـن، ثقـ ـي فربنا ثم فيا وربنا كبيـ ـر قا’در على كل شيء.
لثم رأسها بِقْبّلة حنونة ممسّدًا على ظهرها برفقٍ دون أن يتحدث بكلمة أخرىٰ، شـ ـددت هي مِن عناقها إليهِ وتركت عبراتها تسـ ـقط على صفحة وجهها وبدون أن تشعر بنفسها فقد فا’ض بها كل شيء، أما عن “شُـكري” فقد كان يجلس بعـ ـيدًا وهو شارد الذهن العبرات متجـ ـمعة في حد’قتيه تأ’بى السقو’ط، اليوم هو مُهـ ـدد بفقـ ـدان أخيه الأكبر وأبيه الحبيب ورفيقه العزيز وو’لده الذي أعـ ـتنى بهِ على مدار هذا العام وكأنه و’لده الصغير وليس أخيه الكبير فقد تحمّـ ـل المسؤو’لية كاملة في لمـ ـح البصـ ـر ووَجَبَ عليهِ أن يرعاه ويهتـ ـم بهِ، كان يُلبـ ـي لهُ جميع طلباته بقلـ ـبٍ مُحب وصد’رٍ رحب لَم يشـ ـكو لهُ يومًا..
اليوم هو مُهـ ـددٌ برحيله، لأول مرة يشعر بالضـ ـعف وينتفـ ـض قلبه بعـ ـنفٍ خشـ ـيةً مِن فقـ ـدانه فعند هذه النقـ ـطة د’ق قلبه بعنـ ـفٍ كالطبو’ل، جلس بجواره “حُـذيفة” يضع كفه على ر’كبته يدعمه في هذه المعـ ـضلة الصـ ـعبة التي يمرون بها، نظر إليهِ “شُـكري” بعينين مغرو’رقتين بالعبرات ليرى الأبتسامة الهادئة تعـ ـلو ثغره ولا يعلم لِمَ شعر بالطمأ’نينة حينما رآها وكأنه غوثٌ أُرسِلَ إليهم للتربيت على هذا القلـ ـب المر’تعد ينثـ ـر سحـ ـره عليهم حتى يهـ ـدأ زُ’عر’هم قليلًا..
تحدث “حُـذيفة” بنبرةٍ هادئة وهو ينظر إليهِ قائلًا:
_متخا’فش ربك كبيـ ـر وأحن عليه مِن أي حد، الدموع دي مش هيستفيد مِنها بحاجة دلوقتي أنتَ المفروض تدعيله عشان هو مستني دعوة مِنك، دعوة واحدة بس تقـ ـلب كل حاجة فثانية، أدعي ومش هقولك متعيطش عشان كدا هبقى واحد مبيفـ ـهمش مش عيـ ـب إنك تعيط عيط وخرّ’ج كل الطا’قة السلـ ـبية اللي جوا’ك عشان تعرف تقف على ر’جليك تسا’ند والدتك وتسـ ـند نفسك وتدعم كل اللي حواليك وتطـ ـمن مراة أخوك وأختك، أنا عارف إنك بتحب “شـهاب” ورو’حك فيه بس الوقت دا وقت دعاء مش وقت عياط … أدعيله يا “شُـكري” زي ما “مَرْيَم” بتعمل دي أحسن حاجة تقدمهاله دلوقتي.
سقـ ـطت عبرات “شُـكري” على صفحة وجهه وقد ر’فع كفه ليُز’يلها وجد كف “حُـذيفة” يمنـ ـعه مِن فعـ ـل ذلك، نظر إليهِ متعجبًا ليراه يبتسم لهُ قائلًا بنبرةٍ هادئة:
_سيبها متمسـ ـحهاش، الدموع مش عيـ ـبة ولا حر’ام واللي يقولك غير كدا يبقى مبيفـ ـهمش وعايز يروح يتعا’لج، سيب دموعك وعـ ـيط قد ما تقد’ر ولمَ تحـ ـس إنك بقيت كويس أمسـ ـحها وقوم وا’سي والدتك.
نظر إليهِ “شُـكري” قليلًا وهو حقًا يراه غوثًا للجميع ففي أكثر لحظاتهم ضُـ ـعفًا وحز’نًا كان هو يسير بينهم يربت على قلو’بهم ويوا’سيهم في هذه المحـ ـنة رغم أن الماكث في الدا’خل كذلك هو رفيقه ولَكِنّ كما قال … هذه القو’ة في مثل هذه المواقف لا أحد يمـ ـلُكها، أر’تمى “شُـكري” داخل أحضانه معانقًا إياه دون أن يتحدث فلا شيء كي يقوله إليهِ في مثل هذه المواقف سوىٰ عبارات الشكر والتقدير، فيما أبتسم “حُـذيفة” كذلك وربت على ظهره برفقٍ دون أن يتحدث داعيًا إلى رفيقه بالشفاء..
الوقت كان يَمُر عليهم وكان كل شيءٍ كما هو لا شيء يتغيَّـ ـر منذ ما يقارب الساعة والنصف، كان “أحـمد” واقفًا بعد أن غا’ب عنهم قليلًا وعاد وعلى الجهة المقابلة لهُ كانت “مَرْيَم” تقف مستندةً بجسـ ـدها ورأسها على الجد’ار خـ ـلفها شاردة الذهن، صدح رنين هاتف “ليل” يُعلنه عن أتصالٍ هاتفي مِن رفيقه “عـزام” ليبتعـ ـد عنهم عدة خطواتٍ مجيبًا عليهِ قائلًا:
_إيه الجديد وصلتوا لحاجة؟.
_لسه يا “ليل” مفيش جديد إحنا فمسرح الجر’يمة والتحـ ـقيقات شغالة ومفيش أي أد’لة لحد دلوقتي غير إن الجا’ني الو’حيد هو “مـينا”.
هكذا رد “عـزام” عليهِ بنبرةٍ جا’دة ليأتي الرد حاضرًا مِن “ليل” الذي قال بنبرةٍ حا’دة:
_يعني إيه الجا’ني “مـينا”؟ “مـينا” نفسه ميعرفش حاجة ولسه مجاش وبعدين هيعمل كدا ليه أصلًا؟.
جاءه الرد حاضرًا مِن “عـزام” الذي قال بنبرةٍ هادئة مستنكرة:
_معرفش أنا بقولك اللي بيحصـ ـل هنا، المطـ ـوة راحت مصلـ ـحة الجـ ـنايات عشان يشوفوا البـ ـصمات دي تخـ ـص مين وموبايل “شـهاب” آخر مكالمة كانت مِن رقم غريب كلمه مِنُه “مـينا” ودا كان آخر كلام بينهم المكالمة متسجلة وبرضوا أتعر’ضت على ناس متخـ ـصصة عشان يشوفوا المكالمة دي الطر’ف التاني دا هو فعـ ـلًا ولا فيـ ـك، بس للأسف “مـينا” هيتجا’ب لحين أن تُثبـ ـت الأد’لة.
زفـ ـر “ليل” بعـ ـمقٍ ومسح بكفه على صفحة وجهه بعد أن رأى أن الأمر منتـ ـهيًا لا محال فهو يعلم تمام العلم أن صديقه بر’يئًا ولا يفعـ ـلها ويثـ ـق أن ثمة طر’فًا آخر هو مَن قام بفعـ ـل ذلك وجعل “مـينا” مصد’رًا للشـ ـك، كان طُعـ ـمًا سهلًا بلى شـ ـك، أنهـ ـى حديثه معه وأغـ ـلق المكالمة وعاد إليهم مرةٍ أخرىٰ ينظر إليهم بهدوءٍ دون أن يتحدث..
كانت “مَرْيَم” تقف شاردة الذهن حتى بدأت تشعر بد’وارٍ قو’ي بعض الشيء يقتـ ـحم رأسها، حاولت تجا’هله قد’ر المستطا’ع منتظرةً أي شيءٍ يُطمـ ـئن قلبها على زوجها وقد كانت رفيقتها المقربة “رنيم” تجاورها منذ أن جاءها الخبـ ـر عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي حينما نشرت على حا’لة خاصة بها علي التطبيق الشهير _واتساب_ تطلب مِن الجميع أن يدعو إلى زوجها الذي كان ما بين الحيـ ـاة والمو’ت، دا’همها الد’وار مرةٍ أخرىٰ حتى أن تو’ازن جسـ ـدها قد أختـ ـل ليلـ ـحقها أخيها سريعًا وهو يقوم بمسا’ندتها يد’عم ثقـ ـل جسـ ـدها قائلًا بنبرةٍ يظهر بها قلـ ـقه:
_”مَرْيَم” إيه اللي حصـ ـل أنتِ كويسة يا حبيبتي؟ مالك يا حبيبتي؟.
وضعت رأسها على صد’ره وهي لا تقد’ر على الصمو’د لينظر “ليل” إلى “علي” قائلًا بنبرةٍ متـ ـلهفة:
_”علي” روح هاتلها عصير بسر’عة.
لبى “علي” مطلبه وذهب مسر’عًا لينهض “شُـكري” مقتربًا مِنهم حتى يطمـ ـئن على زوجة أخيه وبرفقتهِ والدته التي قامت بفحـ ـصها قائلة:
_لاز’م ترتا’ح “مَرْيَم” تـ ـعبانة أوي.
ترا’خى جسـ ـدها بين ذراعيه لينظر إليها يراها قد فقـ ـدت و’عيها بين أحضانه لينظر هو سر’يعًا إلى ابن عمه قائلًا:
_أطلب دكتور بسرعة يا “ليل”.
حرك “ليل” رأسه برفقٍ ثم تركهم وذهب بخطى سر’يعة حتى يطلب الطبيب لفـ ـحص إبنة عمه ومعرفة ما حد’ث إليها، فيما نهض “أحـمد” وحـ َملها بين ذراعيهِ وتوجه بها إلى إحدى الغرف القريبة مِنهم ليولج إلى واحدةٍ منهن واضعًا إياها على الفراش والخو’ف يأ’كل قلبه عليها، صدح رنين هاتفه عا’ليًا يعلنه عن أتصالٍ هاتفي ليتجا’هله هو محاولًا إفا’قة شقيقته الصغيرة بشتىٰ الطر’ق..
دقائق معدودة وولج الطبيب رفقة “ليل” إلى الغرفة ليقترب مِنها بخطى هادئة مرتديًا سماعته الطبية وهو يطـ ـمئنهم أنها ستكون بخيرٍ ثم شـ ـرع في فحـ ـصها أسفـ ـل نظراتهم، في هذه اللحظة وصل “مـينا” إليهم ليقف على أعتا’ب الغرفة دون أن يتحدث يرى الطبيب يفـ ـحص زوجة رفيقه، لمحه “حُـذيفة” لينسـ ـحب مِن بينهم مقتربًا مِنهُ بخطى هادئة ليأخذه ويبتعـ ـد عنهم قليلًا قائلًا:
_أتأ’خرت ليه وكُنْت فين كل دا؟.
نظر إليهِ “مـينا” وأجابه بنبرةٍ هادئة وقال:
_الطريق واقـ ـف وعقبال ما أتحركت مِن عندي خدت وقت، المهـ ـم فـ ـكك مِن كل دا وطـ ـمني على “شـهاب” إيه اللي حصـ ـل أنا مش فاهم حاجة.
زفـ ـر “حُـذيفة” بعمـ ـقٍ وبدأ يُجيبه ويُخبره على ما حد’ث بنبرةٍ هادئة يقـ ـص عليه ما حد’ث ورآه أسـ ـفل نظرات “مـينا” الصا’دمة فقد كان عقـ ـله لا يُسـ ـعفه لأستقبال كل هذا الحديث الصاد’م ليأتي قوله حاضرًا يُدا’فع عن نفسه ويُبـ ـعد تلك التهـ ـمة مِن على عا’تقيهِ قائلًا بصد’قٍ تا’م:
_محصـ ـلش، أقسم بالله ما حصـ ـل أنا مكلمتهوش أصلًا ولا قابلته أنا بقالي يومين مسحو’ل فالشقة ومش فاضي والفترة دي أنا مبكلمهوش أصلًا وهو عارف كدا كويس.
جاء رد “حُـذيفة” حاضرًا حينما قال بنبرةٍ هادئة:
_مِن غير قَسَمْ أنا مصد’قك وعارف كل الكلام دا، أنا اللي هيجـ ـنني أزاي دا حصـ ـل وأزاي كلمه كان صوتك يا “مـينا”، “شـهاب” مش عبيـ ـط برضوا وبيقد’ر يميز الأصوات.
_أنا مصد’وم بجد مش قا’در أصد’ق اللي بسمعه دا أكيد كابو’س، محصـ ـلش لا لا دي مؤا’مرة كبيـ ـرة أوي علينا يا “حُـذيفة”.
هكذا جاء رد “مـينا” المصد’وم الذي كان لا يصدق ما يسمعه ليزفـ ـر الآخر بعـ ـمقٍ وهو لا يعلم ماذا عليهِ أن يفعل ومَن الجا’ني الحـ ـقيقي فهو يثـ ـق في رفيقه ثقـ ـة عـ ـمياء، دقائق معدودة وجاء ضا’بط شـ ـرطة ومعه عسـ ـكري يقترب مِنهما بخطى هادئة أسـ ـفل نظراتهما المتعجبة، ظن “حُـذيفة” في بادئ الأمر أنهم عَلِموا الجا’ني الحـ ـقيقي ولذلك جاءا لإخبارهم بما حد’ث..
وقف الضا’بط ويجاوره العسـ ـكري أمامهما ليعقد “حُـذيفة” ما بين حاجبيه قائلًا بنبرةٍ متسائلة:
_خير إن شاء الله؟ وصلتوا لحاجة؟.
_أيوه وصلنا، عرفنا الجا’ني الحـ ـقيقي خلاص وبقى تحـ ـت إيـ ـدينا.
هكذا جاوبه الضا’بط بنبرةٍ جا’دة وهو ينظر إلى “مـينا” الذي عَلِمَ أنه يقصده بكلماته ولَكِنّ تمنىٰ إنكا’ر ذلك، نظر الضا’بط إلى “مـينا” نظرةٍ جا’مدة وقال:
_الظا’بط “مـينا جرجس كيرلس”، معانا أمـ ـر مِن النيا’بة بالقـ ـبض عليه.
جحـ ـظت عينين “حُـذيفة” بصد’مةٍ حـ ـقيقية ومعهُ “مـينا” الذي شـ ـحب وجهها وهو’ىٰ قلبه أرضًا، تحدث “حُـذيفة” مستنكرًا وقال:
_نعم؟! أزاي لا مستحـ ـيل أكيد في حاجة غـ ـلط.
_هو الجا’ني الوحيد لحد ما نتأ’كد مِن الأد’لة المتقدمة إذا كان هو فعـ ـلًا ولا لا، دي قضـ ـية شـ ـروع فقتـ ـل يعني مفيهاش كلام.
نظر “مـينا” إلى صديقه الذي كان في صد’مةٍ مِن أمره لا يصد’ق ما يسمعه بالتأكيد هذه مزحة سخـ ـيفة مِنهم، خر’ج “ليل” في نفس ذات اللحظة التي أقترب فيها “علي” متعجبًا ليقف بالقربِ مِنهم قائلًا بنبرةٍ متسائلة:
_في إيه؟ إيه اللي حصـ ـل؟ وجيت أمتى يا “مـينا” أنا مشوفتكش؟.
_حط الكـ ـلبشات فإيـ ـديه يا ابني.
هكذا قال الضا’بط بنبرةٍ صا’رمة يأ’مر العسـ ـكري بتنفيـ ـذ ما قاله إليهِ ليُـ ـلبي الآخر مطـ ـلب الضا’بط ويقوم بوضع الأصفا’د الحد’يدية حول معـ ـصمي “مـينا” المصد’وم ومعهُ صد’مة كلًا مِن “ليل” و “علي و “أحـمد” الذي كان يخـ ـشىٰ هذه اللحظة، لقد أشتعـ ـلت الأمور الآن وساروا في أتجاهٍ قد جُـ ـبِروا أن يسـ ـلكوه حتى نها’يته فأصبح مـ ـصير “مـينا” مُعـ ـلقًا على أقا’ويل “شـهاب” الذي كان يصا’رع المو’ت في الداخل وأصبح الحـ ـبل ملـ ـتفًا حول عـ ـنقه حتى تُثـ ـبت بر’اءته.
_<“السقو’ط في بئـ ـر المصا’ئب خـ ـطيئة،
ود’فع الثمن كان عا’دلًا بالإعد’ام.”>
_______________________________

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية أحببتها ولكن 7)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *