رواية أحببتها ولكن 7 الفصل السبعون 70 بقلم بيسو وليد
رواية أحببتها ولكن 7 الفصل السبعون 70 بقلم بيسو وليد
رواية أحببتها ولكن 7 البارت السبعون
رواية أحببتها ولكن 7 الجزء السبعون
رواية أحببتها ولكن 7 الحلقة السبعون
لا تَلتَمِس غَلَباً لِلحَقِّ في أُمَمٍ،
الحَقُّ عِندَهُمُ مَعنىً مِنَ الغَلَبِلا،
خَيرَ في مِنبَرٍ حَتّى يَكونَ لَهُعودٌ،
مِنَ السُمرِ أَو عودٌ مِنَ القُضُبِ.
_أحمد شوقي.
________________________
ضر’بةٌ واحدة يظن صاحبها أنها القا’ضية؛ وما هي سوى ضر’بة البداية..
هكذا كانت الحياة دومًا، تُسعدك وفي نفس ذات اللحظة تجعلك تعـ ـيسًا، لا يَـ ـهُم أيُ شيءٍ فيكفي أن يراك الجميع صا’مدًا وقو’يًا، شا’مخًا كالجبا’ل الصـ ـلبة لا تتأ’ثر بطبيعة الطقس مِن حولها، القو’ةُ دومًا هي رمزًا للعِزة والو’قار والشمو’خ، فإن وا’جهتك كو’ارث الطبيعة فأنتَ كالجبا’ل الصا’مدة لا تسـ ـقط إلا أن يحين موعدك.
<“طابت لياليها وأُضيئـ ـت عتـ ـمته،
فلا شيء أ’ثمن مِن عودة الفارس.”>
كانت تنظر لهُ بعد’م تصديق تر’اقب عينيه اللتان كانتا مثـ ـبتتان على عينيها تأ’بى النظر لشيءٍ غيرها، شعرت بنبـ ـضات قلبها تعلـ ـو بعنـ ـفٍ بداخل قفـ ـصها الصد’ري وهي تراه يبتسم إليها ويقوم بر’فع كفه المحا’وط ببعض الأجهـ ـزة الخاصة بمؤ’شرات جسـ ـده يحا’وط شطـ ـر وجهها النا’عم الذي حتى هذه اللحظة لَم ينسى تقا’سيمه الجميلة وهدوء معالم هذا الوجه البر’يء الذي لَم يفشـ ـل قط في أسـ ـره، سقـ ـطت دمعةٌ على صفحة وجهها ليقوم هو بتحريك إبهامه يُز’يل تلك الدمعة بحنوٍ وهو مازال ينظر إليها يرى ردود أفعا’لها الصامتة على ما قاله منذ قليلٍ ليرى فقط الصد’مةُ هي حـ ـليفتها..
فيما كانت هي لا تُصدق، وبدأت أسئلةٌ عديدة تُطر’ح على رأسها مرةٌ واحدة كانت إجابة هذه الأسئلة واحدة، شعرت بالعديد مِن المشاعر المختلفة هذه المرة معهُ، لأول مرة تشعر بهذا التضا’رب، لأول مرة تشعر بالتو’تر، لأول مرة هذا القلب الصغير يعـ ـلو نبـ ـضه وكأنه يصر’خ شو’قًا بحبيبه الذي كان غا’ئبًا عن البال ولَم يحـ ـين اللقاء إلا بشـ ـرارة ضوءٍ لا’مع جاء مُحمـ ـلًا بالحياة الور’دية لهذا الحبيب، أقتربت مِنهُ في جلستها ثم أنحـ ـنت بنصـ ـفها العلو’ي نحوه قليلًا وقد ترقرق الدمع في المُقل وجاء صوتها ذو النبرة المهـ ـتزة حينما قالت:
_”شـهاب”، لأخر مرة هسألك السؤال دا، أنتَ بجد شايفني؟.
رأت بسمتهُ تتسـ ـع على ثغره ورأت مُقلتيه تفحـ ـصها وتتفر’س في معالم وجهها المُحببة إلى قلبه وهو يُعطيها مُرادها مؤكدًا شعورها حينما قال بنبرةٍ دا’فئة:
_كان في واحد أعرفه معرفة شـ ـخصية، كان كله بيتحاكى بيه والناس تشهد على أحترامه وتد’ينه وأخلا’قه، جه عليه يوم ربنا أذَ’ن إنه ياخد أعـ ـز ما يَمـ ـلُك عشان يشوفه هيعمل إيه وخد بصـ ـره وقتها، الشا’ب دا معا’رضش ربنا ولا عا’تبه ولا ز’عق بالعكس خا’لف تو’قعات ناس كتير أوي وكان أول الحامدين لله عز وجل، ورضي بقضا’ء ربنا وقال جُملة حلوة أوي للناس اللي تو’قعت مِنُه العـ ـصيان والمعا’رضة على اللي ربنا بيعمله، قالهم حتى وإن ما’ت عزيزًا على قلبي وفقـ ـدتُ أثمـ ـن ما أمـ ـلُك وبُـ ـليتُ أشـ ـد البلا’ءات فوالله سأكون حامدًا لله راضيًا مرتضيًا … وقتها كمل حياته وأعتمـ ـد على نفسه وأتعلم الحروف البا’رزة مخصوص عشان يعرف يقرأ بعد كدا مِن غير مساعدة مِن حد وحقق أحلامه بنفسه بدون مساعدة لأنه ر’فض مساعدة الأهالي لِيه، وبعد دا كله ربنا أراد يرجعله نو’ر عينيه تاني ومِن غير تدخل طـ ـبي وقتها كان درس قو’ي ومثال حـ ـي ونموذج لاز’م يكون البني آدم حا’طه قدام عينيه وإنه مينفعـ ـش ييأ’س مهما كان حتى لو بالدعاء كل يوم، أنا كمان رضيت وحمدت ربنا، واللي حصـ ـلي دلوقتي دا كان سـ ـبب فإن نو’ر عيني يرجعلي تاني يا “ريـما”، أنا شايفك يا أحلى وأجمل وأطيب واحدة شوفتها فحياتي.
“مَرْيَم” ويا ويلتاه مِنكِ يا “مَرْيَم”، أخذت مُرادها ونا’لت ما كانت تريد أن تأخذه منذ وقتٍ طويل، لَم يبخـ ـل عنها وأعطاها ما كانت تنتظره بترحابٍ شـ ـديد، سقـ ـطت عبراتها على صفحة وجهها بعد أن فقـ ـدت السيـ ـطرة في تما’لُك نفسها لتر’تمي بداخل أحضانه تلـ ـف ذراعيها حول عنـ ـقه دا’فنةً رأسها بعنقه باكيةً بعد أن فقـ ـدت السيطـ ـرة على نفسها بكل تأكيد، فيما أرتسمت البسمةُ على ثغره وهو يقوم بمحاوطتها بذراعه الأ’يسر ممسّدًا عليهِ برفقٍ تاركًا إياها تبكي كما تريد فهذا حـ ـقها فما مرّت بهِ معهُ ليس هـ ـينًا عليها..
أخذ أنفا’سه بعمـ ـقٍ ثم زفـ ـرها بتروٍ وحاول تما’لُك نفسه قد’ر المستطاع ليتحدث بنبرةٍ مكتو’مة بعض الشيء قائلًا:
_أهدي يا حبيبتي، الحمد لله على كل حال أنا راضي أقسم بالله ومش ز’علان، كل اللي حـ ـصل دا كان ترتيب ربنا عز وجل والحمد لله أنا بصـ ـري رجعلي تاني أهو وحياتي هترجع تمشي طبيعي زي الأول وأحسن كمان عشان المرة دي أنا خرجت مِن المرحلة المؤ’لمة دي بكـ ـنز كبير أوي، لولا اللي حصـ ـلي مكانش رجعلي بصـ ـري تاني، مش مبسوطة إني ر’جعت أشوف تاني وهرجع شغلي ولا إيه؟.
هكذا أنهـ ـى حديثه وهو يُلقـ ـي بسؤاله عليها منتظرًا تلقي الإجابة المُرادة مِنها، فيما كانت عبراتها تتسا’قط على صفحة وجهها دون توقف حتى جاءها سؤاله المبا’غت ذاك جا’ذبًا بهِ أنتبا’هها، أبتـ ـعدت هي عنهُ قليلًا تنظر إليهِ بعينين باكيتين لتقابلها عينيه الحا’دة التي كانت تُطا’لعها بحُبٍّ شـ ـديد وشو’قٍ بَـ ـلَغَ أشُـ ـده، تما’لكت نفسها ثم ر’فعت كفها تمـ ـسح على صفحة وجهها بهدوءٍ ثم خرج صوتها الباكِ حينما أجابتهُ معا’تبةً إياه قائلة:
_إخص عليك يا “شـهاب” بجد، دي الدعوة الوحيدة اللي كُنْت بدعي بيها لربنا فكل صلواتي، أُمنية حياتي إن بصـ ـرك يرجعلك تاني، كُنْت كل يوم وأنا بصلي وبسجد لربنا بقعد أعيط وأدعي بحُر’قة، كُنْت بتصعـ ـب عليا أوي وقلبي كان بيو’جعني عليك كل شوية وأنا شايفاك مش عارف تعمل حاجة، بس بالرغم مِن إني عيـ ـشت كام ساعة فرُ’عب وو’جع قلب وخو’ف بس الخبـ ـر دا محـ ـى كل دا فلحظة، أنا الفرحة مش سيعا’ني يا حبيبي بجد.
أرتسمت بسمةٌ حنونة على ثغره وهو ينظر إليها يرى تقا’سيم وجهها التي كانت تتبد’ل بين الفينة والأخرى مِن الخو’ف إلى الهدوء، ومِن ثم مِن القـ ـلق إلى الطمأ’نينة، مشاعر كثيرة متضا’ربة بكل تأكيد أسعد قلبه الحبيب المتأ’لم، رأى عبراتها عادت تتسا’قط على صفحة وجهها لير’فع كفه الأ’يسر هذه المرة يُز’يل عبراتها عن صفحة وجهها بحنوٍ قائلًا بنبرةٍ هادئة حنونة:
_حبيبك أتكتـ ـبله عُـ ـمر جديد مِن اللحظة دي، مِن واحد كان بيصا’رع المو’ت وبينه وبين القبـ ـر خطوة لواحد ربنا أراد يتكتبله عُـ ـمر جديد، رجعت عشان أنا مِن جوايا مش عايز أسـ ـيب “ريـما” لوحدها ولو مشيت لاز’م أخدها معايا، مش كدا ولا أنتِ شايفة إيه؟.
أنهـ ـى حديثه وهو يسألها في نها’يته منتظرًا جوابها عليه، أما عنها فلَم تبخـ ـل عليه في إعطاءه لجوابها حينما حركت رأسها برفقٍ تؤكد على حديثه قائلة بنبرةٍ باكية:
_كلامك كله صح، مهما بعدت وقربت أنا هكون معاك فكل حاجة، صدقني شوية كمان وكان هيجـ ـرالي حاجة مِن خو’في عليك، قلبي كان بيد’ق بعـ ـنف والخو’ف مش سا’يبني، بجد مش قا’درة أشـ ـرحلك أنا مِن غيرك كُنْت عاملة أزاي … شوية وكُنْت هتجـ ـنن بجد.
يكـ ـره تلك الكلمات ويكـ ـره سماع تلك الأحاديث بالطبع منذ زمنٍ، منـ ـعها مِن إكمال حديثها وهو يضع سبابته على شفتيها يبتُـ ـر حديثها، فيما صمتت هي ونظرت لهُ بهدوءٍ ترى العتا’ب واللو’م الذي تُرسله عينيه قبل فمهِ على قول كلماتٍ كهذه، تحدث هو بنبرةٍ هادئة وصا’رمة بعض الشيء وهو ينظر إلى عينيها مباشرةً قائلًا:
_لآخر مرة هقولهالك يا “ريـما” وصدقيني مش هعيدها تاني، هكتفي بأفعا’ل بعد كدا، مش عايز أسمع الكلام دا تاني مهما حصـ ـل، أقداركم تؤخذ مِن أفواهكم، خلّي بالك، أقبلها فيا بس أنتِ مقد’رش مش بعد دا كله يا “ريـما” أنا مصدقت بجد.
تو’سلها بعد’م قول تلك الكلمات مرةٍ أخرى على أملٍ أن تكون هذه هي المرة الأخيرة، لتُبا’در كعادتها تُعانقه حيثُ أصبح هذا مكانها الأمن وملا’ذها، وعنهُ فهذه المرة هو مَن قام بضمها مشـ ـددًا مِن أحتضانه لها دون أن يتحدث بحرفٍ واحدٍ، وقد د’ام هذا الصمت لدقائق معدودة بينهما حتى قطـ ـعه هو حينما حرك رأسه قليلًا نحوها ينظر إليها قائلًا بنبرةٍ هادئة متسائلة:
_قوليلي يا “ريـما”، فاكرة لمَ أتكلمنا بعد عقد قرآنا وخرجنا يومها قولتلك حاجة كدا فكراها؟.
عقدت هي ما بين حاجبيها وهي تحاول تذكر إن كان قد قال بالفعل شيئًا ما أم لا أسـ ـفل نظراته المتر’قبة والبسمة التي ترتسم على ثغره، فيما عادت هي بشـ ـريط ذاكرتها إلى الخلف في يوم عقد قرآنهما ليرى تبدُل تقا’سيم وجهها بعد ثوانٍ معدودة إلى التفا’جؤ والصد’مة، أتسـ ـعت بسمتهُ حينما وصل إلى مُراده لتر’فع هي رأسها مِن على صد’ره وهي تنظر إليهِ نظرةٍ ذات معنى ليأتي قوله حاضرًا حينما قال بنبرةٍ هادئة مبتسم الوجه:
_كدا يبقى وصلتي للي عايز أقولهولك، إيه بقى؟!.
سـ ـددت إليهِ ضر’بةٌ خفـ ـيفة على كتفه وهي تقول بنبرةٍ حا’دة بعض الشيء:
_بذمتك أنتَ شايف إن دا وقته.
نظر إليها بوجهٍ مبتسم قليلًا ثم قال بنبرةٍ هادئة:
_عايز أطلب مِنك طلب صغير وتوعديني إنك تنفـ ـذيه.
عقدت هي ما بين حاجبيها وأنتظرت أن تسمعه، فيما أخذ هو نفـ ـسًا عمـ ـيقًا وقال بنبرةٍ هادئة:
_أكيد زمانهم دلوقتي عايزين يدخلوا يتطمـ ـنوا عليا، مش عايز أي حد يعرف إني رجعت أشو’ف تاني، عايز كل حاجة تمشي طبيعي زي ما هي.
تعجبت كثيرًا “مَـرْيَم” مِن حديث زوجها وقبل أن تجا’دله سبقها هو حينما أكمل حديثه وقال:
_لفترة صغيرة بس، عايز أفا’جئهم بطريقة مُعيَّنة، مش هطو’ل فترة صغيرة وهعرفهم صدقيني، ممكن؟.
أنهـ ـى حديثه وهو يسألها متأ’ملًا أن توافقه على حديثه وتفعل ما تريده، فيما فكرت هي قليلًا قبل أن توافق على حديثه لترى نظراته مصو’بةٌ نحوها تر’جوها أن توافق على حديثه لتخضـ ـع هي أمامه كما المعتاد قائلة:
_مبقد’رش أر’فضلك طلب يا “شـهاب”، حاضر مش هقولهم حاجة.
أتسـ ـعت بسمتهُ على ثغره وهو ينظر إليها لتنهض هي بهدوء وهي تنظر إليهِ قائلة:
_هخرج أقولهم إنك فوقت، علشان عايزين يشوفوك وطنط قـ ـلقانة أوي عليك هي و “شُـكري”.
حرك رأسه قليلًا برفقٍ يوافق على حديثها لتتركه هي بالفعل وتخرج أسـ ـفل نظراته المصو’بة تجاهها، زفـ ـر بهدوءٍ وأغمض عينيه فيما خرجت هي إليهم لترى تلهُفهم الشـ ـديد عليهِ لتقول بنبرةٍ هادئة مبتسمة الوجه:
_”شـهاب” فا’ق، أدخلوا.
ولجت مِن جديد لهُ ليلـ ـحق بها “شُـكري” الذي كان أول المتقدمين يلـ ـحق بها متلهفًا على أخيه الكبير وتليه والدته التي تهللت أساريرها فرحةً بعودة و’لدها الحبيب مِن جديد، ولج “شُـكري” وهو ينظر إلى أخيهِ يرى الأجـ ـهزة مو’صولةٌ بجسـ ـده في كل مكان وهو طر’يح فراشه فما مرّ بهِ ليس هـ ـينًا، وقف بجوار فراشه وهو ينظر إليهِ والعبرات تترقرق في المُـ ـقل حز’نًا على هذا الحبيب..
وقد جاورتهُ “نـهىٰ” وهي تنظر إلى و’لدها بحنين وشو’قٍ بَلَـ ـغَ أشُـ ـده والعبرات تترقرق في مُقـ ـلتيها، مدّت كفها الحنو’ن كي يُلا’مس كفه المغـ ـروز بهِ الإبـ ـرة والمـ ـليء بالجر’وح السطـ ـحية وصوت جها’ز تنظيـ ـم القلب يعلـ ـو في المكان، خرج صوتها الباكِ متأ’ملًا وهي تنظر لهُ قائلة:
_حبيبي، “شـهاب” يا حبيبي أنتَ سامعني يا نو’ر عيني؟ سامعني يا حبيبي؟
خرج صوته مهمهمًا يُخبرها أنه يسمعها ليأتي صوتها الباكِ مِن جديد حينما قالت بنبرةٍ سعيدة:
_حمدلله على سلامتك يا حبيبي، حمدلله على سلامتك يا نو’ر عيني، الدكتور طمـ ـني عليك يا حبيبي وقالي إنك كويس، الحمد لله كُنْت همو’ت مِن خو’في عليك، خو’فت أوي عليك وقلبي مر’تحش لحظة واحدة، كلنا خو’فنا عليك، و “شُـكري”، أخوك كان هيمو’ت مِن الخو’ف عليك كان عامل زي المجنو’ن أول ما الخبر وصلنا، وصحابك كلهم بدون أستثنـ ـاء بصراحة كانوا خا’يفين عليك وهما اللي لحـ ـقوك وممشيوش مِن هنا فضلوا موجودين، ومراتك كانت متقـ ـلش عننا حاجة، أتحطت تحـ ـت ضغـ ـط كبير برضوا مكانش سهـ ـل عليها كل دا … وصاحبك يا حبيبي، صاحبك حبيبك وأخوك اللي بتحبه ومبتقبلش الأذ’ىٰ لِيه خـ ـدوه، صاحبك قبـ ـضوا عليه يا حبيبي ومحدش يعرف عنه حاجة.
كان يستمع إليها طيلة الوقت وكان حديثه بالنسبةِ إليهِ صد’مةٌ كبيرة حينما تلقى أن رفيقه ليس بينهم الآن، شعر بالخو’ف وتبدلت حا’لته في لمـ ـح البـ ـصر أسفـ ـل نظراتهم أجمع يرى ردود أفعا’لهم ونظراتهم إلى “نـهىٰ” التي فشـ ـلت في أن تصمت ولا تخبره كل شيء، وجد أنه ليس بينهم بالفعل، وجد أنه ليس لوجوده أ’ثر مثلما أعتاد حينما تصـ ـيبه مصـ ـيبةٌ فجـ ـة، وبرغم ذلك قرر أن يسير نهـ ـج خُـ ـطاه مثلما أخبر “مَـرْيَم” وقال بنبرةٍ متر’قبة:
_خدوا مين؟ إيه اللي حصـ ـل؟ مين نا’قص فيهم حد يرد عليا؟.
نظر “شُـكري” إلى والدته نظرة عتا’ب فكان يجب عليها أن لا تتحدث الآن خصيصًا أنه مازال لَم يطيـ ـب بعد وحا’لته لا تسمح لذلك، جاءه الجواب مِن “علي” الذي أقترب مِنهُ بخطى هادئة حتى جاوره قائلًا بنبرةٍ هادئة:
_”شـهاب”، أهدى دلوقتي أنتَ لسه خار’ج مِن عمـ ـليات يا صاحبي كدا مينفـ ـعش، شوية تهدى ونتطمن عليك أكتر ونبقى نتكلم.
_خدوا “مـينا” ليه يا “علي”؟ “مـينا” معملش حاجة دي مؤا’مرة ضـ ـحيتها كان أنا وهو، مش هو المذ’نب ملهوش ذ’نب حياته تتد’مر فلحظة كدا، أنا عايز حد مِن اللي ماسـ ـكين القضـ ـية دي ييجي، “مـينا” مش هيقضي الليلة دي جوه “مـينا” بر’يء.
أقترب “ليل” مِنهُ بخطى هادئة حتى جاور رفيقه في وقفتهِ ينظر إليهِ قائلًا بنبرةٍ هادئة:
_”مـينا” أتا’خد وحيا’ته دلوقتي متو’قفة على إدا’نتك، المكالمة كانت بصوته دا كان أكبر د’ليل عليه وعشان كدا جم خدوه بعد ما عرف اللي حـ ـصلك جر’ي وهو مر’عوب عليك، بس خدوه ولسه منعرفش عنه حاجة، كنا مستنيينك تفو’ق عشان تقول أقوالك وإيه اللي حـ ـصل معاك بالظبط.
_”جـمال”.
هكذا جاوبه “شـهاب” بنبرةٍ متأ’لمة بعدما بدأ جر’حه يشتـ ـد عليهِ وتنكمـ ـش تقا’سيم وجهه أ’لمًا، تأكد “ليل” وأولاد عمومته مِن شـ ـكوكهم ونظروا إلى بعضهم البعض نظرةٍ ذات معنى، تحدثت “مَـرْيَم” وهي تنظر إلى شقيق زوجها قائلة بنبرةٍ قلـ ـقة:
_”شُـكري” روح أطلب الدكتور بسرعة.
حرك “شُـكري” رأسه برفقٍ ثم تركهم وخرج مسرعًا لطلب الطبيب فيما أقتربت “مَـرْيَم” مِن زوجها وهي تَمُدُ كفها تضعه على رأ’سه تمسـ ـح على خصلاته برفقٍ قائلة بنبرةٍ هادئة ومتو’ترة:
_متقـ ـلقش الدكتور جاي دلوقتي يا حبيبي، أهدى.
أشـ ـتد تأ’وهه الحا’د ممسكًا بكفها يضـ ـغط عليهِ بقو’ةٍ مغمض العينين لتنظر هي إلى والدته وكأنها تعا’تبها على قولها لِمَ حد’ث لصديقه فحالته مازالت لَم تسـ ـمح بعد بذلك، تحدث “أحـمد” بنبرةٍ هادئة وهو ينظر إليهم قائلًا:
_لاز’م نخرج دلوقتي مينـ ـفعش كلنا نبقى هنا دي رعا’ية وكدا غـ ـلط، يلا وخلّوا “مَـرْيَم” معاه هو محتاجها أكتر مِننا كلنا دلوقتي.
نظرت لهُ “مَـرْيَم” نظرةٍ ممنونة مبتسمة الوجه ليبتسم هو كذلك إليها ثم أخذهم وخرجوا جميعهم مِن الغرفة يتركانها معهُ، فيما نظرت هي لهُ مرةٍ أخرى وأنحـ ـنت بجذ’عها العلو’ي تُلثم جبينه بِقْبّلة حنونة قائلة بنبرةٍ حنونة دا’فئة:
_معلش يا حبيبي الدكتور جاي دلوقتي، أهدى شوية عشان الو’جع ميشـ ـدش عليك أكتر مِن كدا.
_”مـينا”، ملهوش ذ’نب خرجوه، قوليلهم يا “ريـما” إنه بر’يء خليهم يخرجوه، قوليلهم بالله عليكي.
هكذا رد عليها “شـهاب” بنبرةٍ متأ’لمة ليقطـ ـع حديثها ولوج الطبيب إليهما ليبدأ بفحـ ـصه أسـ ـفل نظراتها قائلًا:
_بعد إذنك يا مدام أستني بره.
نظرت لهُ “مَـرْيَم” ولذلك قبل أن تتحدث منـ ـعها هو حينما تمـ ـسك بها ير’فض أبتعا’دها عنهُ ليرى الطبيب تمـ ـسُكه بها تزامنًا مع قوله:
_متخرجيش خليكي جنبي.
نظرت لهُ وهي لا تعلم ماذا عليها أن تفعل ومعها الطبيب الذي قال بنبرةٍ هادئة:
_لاز’م تخرج يا “شـهاب” كدا مينفـ ـعش.
ر’فض الآخر تركها إليهِ ولذلك قبـ ـض بكفه على كفها يأبى تركها قائلًا بعنا’دٍ:
_وأنا مش هخليها تخرج قولت.
زفـ ـر الطبيب بهدوءٍ وبدأ يفـ ـحصه بقـ ـلة حـ ـيلة، فيما نظر هو إليها وعن عينيه فكانت تُرسل إليها الكثير والكثير دون أن يتحدث الفم فهو يعلم أنها تفهم نظراته إليها وتعلم ما يُريده مِنها دون أن يتحدث ولذلك أغمض عينيه بهدوءٍ حينما شعر بلـ ـمسة أناملها النا’عمة على صفحة وجهه التي أشتا’ق لها كثيرًا وللمـ ـستها الحنونة تلك مستشعرًا الد’فئ النا’بع مِنها كما أعتاد دومًا وكأنها تمـ ـلُك سحـ ـرها الخاص بها عليهِ تقوم بسحـ ـره بهِ دون أن تشعر..
وبخارج الغرفة خاصته..
ألتزموا أماكنهم مِن جديد حتى يخرج الطبيب ويُطـ ـمئنهم عليهِ، نظر “شُـكري” إلى والدته لبرهةٍ مِن الوقت ثم عا’تبها قائلًا:
_مكانش ينفـ ـع اللي قولتيه دا على فكرة، أنتِ أتسرعتي.
زفـ ـرت هي بعـ ـمقٍ ثم نظرت إليهِ قليلًا وقالت بنبرةٍ هادئة ترد عليهِ:
_كدا أو كدا أخوك كان هيعرف حتى لو أنا متكلمتش.
_بس إنه يعرف متأخر أحسن ما يعرف دلوقتي صحـ ـته متسمـ ـحش بكدا ومعرفش إيه اللي تعـ ـبه مرة واحدة كدا ودا محصـ ـلش غير لمَ أنتِ أتكلمتي وقولتيله اللي حصـ ـل لصاحبه.
هكذا رد عليها “شُـكري” بعد أن عا’ندها وهو بالطبع غير ر’اضٍ عمَّ قالته والدته في الداخل، فيما نظرت هي إليهِ نظرةٍ ذات معنى وقالت بنبرةٍ حا’دة:
_”شُـكري” أنا مش نا’قصة ولا طالبة معايا خنا’ق دلوقتي فالوضع دا.
_على فكرة أنا مبتخا’نقش أنا بتكلم معاكي عادي !!.
هكذا رد عليها “شُـكري” بنبرةٍ حا’دة مماثلة بعد أن سَمِعَ نبرة صوتها التي بالطبع لَم تروق لهُ ليتد’خل “ليل” الجد في الحال يمنـ ـع تصا’عد هذا الشجا’ر الحا’د بينهما قائلًا بنبرةٍ هادئة:
_يا جماعة كدا مينفعش لا دا المكان ولا التوقيت المناسب للخنا’ق دلوقتي، الأهـ ـم دلوقتي نتطـ ـمن على “شـهاب” وبعدها نشوف إيه اللي هيحـ ـصل أهـ ـدو شوية حالته متتحـ ـملش اللي بتعملوه دا اللي حصـ ـل حصـ ـل خلاص.
أنهـ ـى حديثه وهو ينظر إلى الطر’فين بعد’م رضا ليضطـ ـر “شُـكري” أن يلتز’م الصمت مبتـ ـعدًا حتى يخرج الطبيب ويُطمئـ ـنهم، عاد “ليل” يجاور زوجته مِن جديد وهو ينظر إليها بقـ ـلة حيـ ـلة لتز’فر هي بهدوءٍ وتضع رأ’سها على كتفه مغمـ ـضة العينين تعا’نق ذراعه بكفيها تحظى بالقليل مِن الرا’حة ليستقبلها هو بصد’رٍ رحب ممسّدًا بكفه على كفها برفقٍ وأنتظر كي يطـ ـمئن على “شـهاب” ومِن ثم يبدأ بالتفكير في “مـينا” وكيف سيًخر’جه مِن مصـ ـيبته تلك.
_____________________
<“وشو’ق المُحب لحبيبٍ مُميـ ـت،
أشبه بالسير على جمـ ـرات النير’ان الملتـ ـهبة.”>
منذ أن تأكدت مِن صحـ ـة تلك الأخبا’ر وهي تُلاز’م غرفتها طيلة الوقت تبكي دون توقف، فهذا ليس سهلًا عليها البتة أن تفا’رق حبيبًا كان في ليلة أمسٍ غريبًا، ر’فضت الذهاب إلى أي مكان ور’فضت فتـ ـح متجرها الخاص وألتزمت في غرفتها تبكي وتنتحـ ـب فقط، كانت تجلس على فراشها تضم رُكبتيها إلى صد’رها وعبراتها تتسا’قط على صفحة وجهها دون توقف، ر’فعت رأسها عا’ليًا قليلًا كي تستطيع أخذ أنفا’سها بشكلٍ جيد ليُفـ ـتح الباب في هذه اللحظة وتولج والدتها “ميـرڤت” لتراها بهذه الحالة المؤ’لمة..
أغـ ـلقت الباب خلفها وأقتربت مِنها بخطى هادئة حتى جاورتها في جلستها وهي تنظر إلى الحالة التي وصلت إليها أبنتها منذ أن تلـ ـقت الخبر ومِن ثم حاولت تهـ ـدأتها حينما وضعت كفها على ذراعها تقول بنبرةٍ هادئة حنونة:
_وبعدين معاكي يا “برليـن”، هتفضلي كدا لحد أمتى يا حبيبتي عاجبك الحالة اللي أنتِ فيها دي؟.
_تـ ـعبانة أوي يا ماما، تـ ـعبانة ومصد’ومة ومش مصدقة حا’سة إني فكابو’س وهفو’ق مِنُه.
هكذا جاوبتها “برليـن” بنبرةٍ باكية والعبرات تتسا’قط على صفحة وجهها دون توقف لتز’فر الأخرىٰ بهدوء ثم قالت بنبرةٍ هادئة مرةٍ أخرىٰ:
_طب على الأ’قل عرفيني اللي حصـ ـل، مين اللي عرّفك بالخبر؟
توقفت “برليـن” عن البكاء وهي تنظر أمامها فيما كانت “ميـرڤت” تُتابعها بعينيها بهدوءٍ متر’قبةً قولها ليد’وم الصمـ ـت بينهما دون أن تتحدث “برليـن” أو تقول شيئًا، تعجبت “ميـرڤت” مِن صمتها ذاك لتقول بنبرةٍ هادئة تجذ’ب بها أنتباهها:
_”برليـن” أنا بكلمك على فكرة، عرفتي منين الخبر وأتأكدتي ولا لا؟.
لحظاتٍ ونظرت إليها “برليـن” بعينين باكيتين فيما كانت هي تنظر لها تتر’قب قولها، وصد’قًا لَم تبخـ ـل عنها “برليـن” بالإجابة وقالت بنبرةٍ باكية والدمع يترقرق في المُـ ـقل:
_الـ***** اللي أسمه “ماركوس” جالي المحل النهاردة شـ ـمتان فيا وقعد يقولي كلام زي الز’فت وجر’حني جا’مد أوي، طعـ ـني فشر’في وقالي إني بتاعت رجا’لة وأُمّه كان عندها حـ ـق لمَ عملت كدا وهو اللي قالي على الخبر، فـ ـتحت لقيت السوشيال ميديا كلها عنه بس مصدقتش دخلت لواحد مِن صحابه أسمه “علي” قولت هتأكد مِنُه وأكدلي إن صاحبهم دا فعلًا حصـ ـل فيه كدا وبينه وبين “مـينا” مكالمة بس معرفش فيها إيه، مِن ساعتها وأنا مو’جوعة أوي يا ماما ومش مستو’عبة اللي بيحصل حا’سة إني بحلم.
أنهـ ـت حديثها وأنخر’طت مجددًا فالبكاء أسـ ـفل نظرات والدتها التي كانت تستمع إليها وهي لا تصدق ما تتلقاه أذنيها، حاولت تجميع شتا’ت نفسها ولَكِنّ العقـ ـلُ لا يستطيع استيعا’ب ما يُقال، بدايةً مِن ذهابه إليها وقول مثل هذه الكلمات وتوا’قحه معها حتى أعتقا’ل “مـينا”، نظرت إليها مجددًا وقد تما’لكت شتا’ت نفسها هذه المرة وقالت بنبرةٍ متر’قبة وهي تنظر إليها:
_وهو عرف منين إن “مـينا” أتقبـ ـض عليه؟ ويجيلك ليه أصلًا إحنا مش فـ ـضيناها سيرة وغا’ر فدا’هية أتجوز وخـ ـلف عايز إيه تاني أنا مش فاهمة !! فـ ـكك مِن سيرة الز’فت دا دلوقتي لِيه روقة بس مش دلوقتي وقوليلي، حا’سة بإيه ولا بتفكري فإيه بعد ما عرفتي؟.
ر’فعت “برليـن” كفها في هذه اللحظة تُز’يل عبراتها عن صفحة وجهها بهدوءٍ ثم نظرت إلى والدتها التي كانت تتر’قب ما ستقوله إبنتها التي فكرت قليلًا بينها وبين نفسها قبل أن تُعطيها الإجابة الأخيرة لبرهةٍ مِن الوقت، فالقلبُ ير’فض الر’حيل عن حبيبه والرو’حُ تمـ ـيلُ لِمَن تُحب والعـ ـقل ير’فض الهجـ ـر بصاحبهِ ولذلك نظرت لها نظرةٍ ذات معنى وقالت بنبرةٍ جا’دة:
_وأنا مش هسـ ـيبه مهما حصل، أنا عارفة نو’ايا الحـ ـقير دا وعارفة إنه عايز يذ’لني بس أنا مش هسـ ـمحله، هحاول أوصل لـ “مـينا” بأي طريقة مش هسـ ـيبه لوحده أنا بحبه ومش قابلة فكرة البُـ ـعد دي خالص بأي شكل مِن الأشكال، أنا لقيت نفسي معاه ولو حتى راح آخر بلاد العالم هكون معاه، مصدقت لقيت الإنسان الصح.
أبتسمت “ميـرڤت” حينما تلقت الإجابة المُرادة مِن أبنتها التي أعـ ـلنت عن عد’م تخلـ ـيها لحبيبها مهما كان الثـ ـمن، حاوطتها بذراعيها وضمتها إلى د’فئ أحضانها ممسّدةً على خصلاتها بحنوٍ قائلة:
_أوعي تسلمي د’ماغك لأي حد عاوز يخر’ب فرحتك مهما حصل يا “برليـن”، أنا وا’ثقة إنه بر’يء وميعملش كدا أكيد في نقطة غا’مضة إحنا منعرفهاش لسه، صاحبه دا لو فا’ق هيقول كل حاجة هو أكيد عارف مين عمل فيه كدا فهيساعده إنه يخرج على طول، وأول ما يخرج لاز’م تعرّفيه إن الو’اد دا جالك عشان ميعرفش مِن برا ووقتها الغـ ـلط هيبقى عليكي، عرّفيه عشان يعرف يتصر’ف معاه كمان أسبوعين وتتجوزوا ولو عدتيهاله المرة دي هيكررها تاني ومش هيسيـ ـبك فحالك وهيخر’ب عيـ ـشتك، أول ما يخرج تقوليله وسيبيه يتعامل بمعرفته يا حبيبتي “مـينا” بيخا’ف عليكي ومبيقبلش فحـ ـقك كلمة و’حشة، أتفقنا يا “برليـن”؟.
حركت رأسها برفقٍ تؤكد على حديث والدتها لها تقـ ـطع لها وعدًا صا’دقًا بإخباره الحـ ـقيقة حينما يخرج ويعود إليها مِن جديد، أغمضت عينيها وهي في أحضان والدتها تحاول الهر’وب مِن وا’قعها المؤ’لم ذاك إلي عالمها الو’ردي الهادئ رفقة حبيبها الذي كان بعيدًا عنها تفـ ـصل بينهما المسافات ولَكِنّ كانت القلو’بُ قريبةٌ تجاور حبيبًا أهـ ـدته إليها الحياة كي تعود إليها مِن جديد تعيـ ـش كل لحظةٍ بها كأي امرأة أخرىٰ تريد السعادة والحُب.
_______________________
<“راحةٌ نفسـ ـية وفرصةٌ للعيـ ـش مرةٍ أخرىٰ،
والحبيبُ كان في ليلةٍ با’ردة عا’شقًا.”>
ليلةٌ با’ردة، لفحا’ت الهواء البا’ردة تضر’ب المكان بكل قسو’ة، الغيوم تغـ ـطي السماء والطقسُ يُنذ’ر بهطو’ل أمطارٍ غـ ـزيرة ليشهد ساكني المدينة بأول ليلةٍ شتوية قا’سية، كانت تقف أمام الرخا’مية تقوم بإعداد الطعام بهدوءٍ حينما دقت الساعة التاسعة والنصف مساءًا لأنها تعلم أن زوجها سيكون حاضرًا في أيا لحظة، منهمـ ـكة في الطعام تُحاول تما’لُك نفسها لأكبر وقتٍ ممكن بعد أن عادت تشعر بالإ’عياء مِن جديد ولَكِنّ في نفس الوقت هي لا تستطيع ترك الطعام دون أن تُنـ ـهي إعداده فزوجها في الخارج طوال اليوم وبالتأكيد سيعود جائعًا ككل يومٍ..
قامت بإنها’ء الطعام وتركته على النير’ان حتى ينضـ ـج ثم تحركت في طريقها إلى المرحاض بعد أن شعرت أنها لن تستطيع تما’لُك نفسها أكثر مِن ذلك، وفي نفس ذات اللحظة ولج “علي” مِن الخارج مغـ ـلقًا الباب خلفه مستشعرًا د’فئ المنزل مشتمًا رائحة طعام زوجته اللذيذ ليلتفت يطو’ف بعينيه في أنحاء المنزل ليرى صغيره يجلس على الأريكة والغطاء الثقـ ـيل ملتـ ـفًا حول جسـ ـده الصغير بالكامل كل ما يظهر مِنهُ عينيه التي كانت مثـ ـبتةٌ على شاشة التلفاز الكبيـ ـرة..
ترك أغراضه على سطـ ـح الطاولة ثم نز’ع حذ’ائه واقترب مِن موضع صغيره ليقف بجوار شاشة التلفاز ينظر إلى ما يشاهده صغيره ليراه فيلمًا كارتونيًا كما المعتاد، أكمل خط سيره حتى جلس بجوار صغيره محاوطًا إياه بذراعه يضمه إلى د’فئ أحضانه قائلًا بنبرةٍ هادئة ممازحًا إياه:
_طبعًا أنتَ قاعد قعدة ملوك مش شا’يل هـ ـم حاجة أنتَ.
بدأ الصغير يضحك عا’ليًا حينما شعر بأنامل والده تقوم بدغد’غته لتتسـ ـع بسمةُ “علي” أكثر وهو يرى أستسلا’مه إليهِ بعد أن فشـ ـل في إبعا’ده ليتركه بعد القليل مِن الوقت ليأخذ الصغير أنفا’سه الها”ربة وهو ينظر إلى والده الذي أعتدل في جلسته قائلًا:
_أتقـ ـل عليا أخد شاور وآكل وهفو’قلك النهاردة يا أنا يا أنتَ.
أنهـ ـى حديثه المتو’عد إلى صغيره ثم نهض وهو ير’مقه بطر’ف عينه نظرةٍ ذات معنى ليراه يضع الغطاء سر’يعًا على جسـ ـده بالكامل حتى لا يظهر مِنهُ شيئًا أسفـ ـل نظرات “علي” الذي أبتسم وتركه وولج إلى زوجته بخطى هادئة، أما عنها فقد خرجت والتعـ ـب باديًا على تقا’سيم وجهها ليُقابلها “علي” في منتصف الطريق ليقف أمامها وهو ينظر إليها متفـ ـحصًا إياها ليقول بنبرةٍ هادئة بعد أن حاوط وجهها بكفيه ير’فع رأ’سها عا’ليًا قليلًا ليرى الإر’هاق باديًا على معالم وجهها..
_في إيه يا “لارين” مالك؟ أنتِ كويسة؟.
هكذا سألها بنبرةٍ يملؤ’ها القلـ ـق لأجلها ليراها تبتسم إليهِ بسمةٌ هادئة و’اهنة قائلة:
_متخا’فش أنا كويسة مفيش حاجة، شوية تعـ ـب عادي محـ ـصلش حاجة.
جاوبها مستنكرًا وهو ينظر إليها نظرةٍ ذات معنى قائلًا:
_كدا وكويسة؟! أنتِ حاطة حاجة على النا’ر؟.
_آه بجهزلك الأكل عشان عارفة إنك جاي جعان.
هكذا جاوبته بنبرةٍ وا’هنة ليخـ ـتل تو’ازن جسـ ـدها ليُسرع هو في محاوطتها يقوم بد’عم توا’زن جسـ ـدها ثم وقبل أن يقم بحمـ ـلها كانت هي تمـ ـنعه قائلة:
_مفيش حاجة يا “علي” أنا كويسة أهو شوية دو’خة وهيروحوا عادي، أدخل بس خُد شاور وأنا هحطلك الأكل عشان تاكل أكيد جاي تـ ـعبان ومحتاج تر’تاح.
_”لارين” بطـ ـلي الحركات دي طاو’عتك مرة وند’مت عليها وحلفت ما همشي وراكي تاني فأي حاجة، مش هتعملي حاجة أنا قولت كلمة ومش هرجع فيها.
أنهـ ـى حديثه الذي كان حا’دًا قليلًا ثم فا’جئها حينما أنحـ ـنى بجذ’عه وحملها على ذراعيه بحركةٍ سر’يعة حتى لا تقا’ومه مثل كل مرة وتوجه بها إلى غرفتهما دون أن يتحدث بحرفٍ واحد، ولج إلى غرفتهما المظـ ـلمة ليتركها على فراشهما ويقوم بوضع الغطاء الثقيـ ـل على جسـ ـدها يد’ثرها جيدًا وهو يقول بنبرةٍ جا’دة لا تقبل النقا’ش:
_مفيش خروج الأكل أنا اللي هتابعه وهعمل كل حاجة بس لو شوفتك برة الأوضة يا “لارين” صدقيني هنز’عل مِن بعض جا’مد.
وقبل أن يتركها ويخرج منـ ـعته هي حينما قبـ ـضت بكفها الد’افئ على كفه البا’رد تمنـ ـعه مِن الذهاب، ألتفت برأ’سه ينظر إليها ليراها تنظر إليهِ نظرةٍ ذات معنى لتقول بنبرةٍ هادئة را’جية:
_ينفع تقعد شوية، محتاجاك.
لَبَّـ ـى هو مطلبها دون أن يُعا’رضها فكيف لهُ أن يقول لها _لا_ وهي كنزه الثـ ـمين الذي سـ ـعى حتى يحظى بهِ، نظر إليها بعد جاورها في جلستها منتظرًا ما ستقوله، أما عنها فقد نظرت إليهِ قليلًا نظرةٍ ذات معنى وقالت بنبرةٍ هادئة:
_أنا عارفة إن دا مش الوقت المناسب، بس أنا بجد يا “علي” حا’سة إني خا’يفة أوي ومحتاجاك جنبي.
أنتـ ـبه إليها وبدأ يُنصـ ـت إليها بتركيزٍ شـ ـديد ليقول بنبرةٍ هادئة بعد أن رأى نظراتها الر’اجية ونبرة صوتها الخا’ئفة:
_مالك يا “لارين”؟ أنتِ كويسة بجد يا حبيبتي إيه اللي مخو’فك أوي كدا؟.
_مش عارفة، صدقني مش عارفة بس أنا خا’يفة، مش عارفة إيه اللي حصـ ـل فجأ’ة مبقتش على بعـ ـضي ومش فاهمة حاجة.
حاوطها بذراعه الأ’يسر يضمها إلى د’فئ أحضانه بهدوءٍ ممسّدًا بكفه الآخر على خصلاتها النا’عمة وهو يقول بنبرةٍ هادئة:
_أهدي يا حبيبتي، كل حاجة زي الفُل مفيش حاجة تلاقي أعصا’بك تـ ـعبانة شوية بس مش أكتر.
أنهـ ـى حديثه وهو يُلثم جبينها بِقْبّلة هادئة حنونة ليشعر بها تبادله عناقه واضعةً رأ’سها على كتفه مغمضة العينين تحاول أن تحظى بالقليل مِن الرا’حة والطمأ’نينة بجانبهِ مثلما أعتادت دومًا، دقائق قِلة وصدح رنين هاتفه عا’ليًا يُعلنه عن أتصالٍ هاتفي، أخرجهُ مِن جيب سترته ليرى المتصل أخيه الحبيب ولذلك جاوبه بنبرةٍ هادئة قائلًا:
_يارب تقولي كلمتين حلوين متكملش عليا أنتَ كمان لأن الساحة بصراحة مش نا’قصة قُـ ـتلى الواحد بيحا’رب بالعا’فية.
جاءه حينها صوت أخيه الذي قال بنبرةٍ هادئة مبتسم الوجه:
_لا متقلـ ـقش أخبا’ر حلوة، مبدئيًا أخوك بقى خريج رسمي بتقدير جيد جدًا.
تفا’جئ “علي” كثيرًا مِن هذا الخبـ ـر الغير متو’قع ولذلك قال بتسر’عٍ كما المعتاد بعد أن شـ ـك في أمره:
_أحلف إنك نجحت ومبتحو’رش عليا عشان أنا أتلـ ـسعت مِنك المرتين اللي فاتوا.
جاءه قهقهات أخيه عبر الهاتف بعد أن توَّ’قع هذا القول مِن أخيه الأكبر ولذلك جاوبه بنبرةٍ ضاحكة وهو يقول:
_واللهِ ما بضحك عليك وهبعتلك النتيجة على الواتساب دلوقتي علشان تصدقني، واللهِ نجحت والواد “عـز” نجح هو كمان بتقدير أمتياز.
شعر “علي” بالسعادة تغمـ ـر قلبه حينما تلقى هذا الخبـ ـر السعيد مِن أخيه ولذلك أعـ ـتلت البسمةُ وجهه وقال بنبرةٍ سعيدة لأجله:
_مُبارك يا حبيبي فرّ’حت قلبي بالخبـ ـر دا وعدت وو’فيت يا خويا.
أتسـ ـعت بسمة “عـادل” على ثغره حينما سَمِعَ نبرة صوته السعيدة عبر الهاتف ولذلك أجابه قائلًا:
_عيـ ـب عليك أنا لمَ بوعد بو’في خلّي بالك يعني.
أتسـ ـعت بسمة “علي” الذي قال متسائلًا مِن جديد:
_والخبـ ـر التاني إيه هو بقى؟.
جلس حينها “عـادل” على الفراش برا’حةٍ وهو يقول بنبرةٍ سعيدة مبتسم الوجه:
_خدت ميعاد مع أبوها وهروح بعد بُكرا أتقدملها، مش هو’صيك بقى عايزك معايا مش هقبل أي أعذ’ار.
شعر “علي” بالسعادة تُغـ ـلف قلبه حينما تلقى هذا الخبـ ـر الثانِ السعيد ليقول بنبرةٍ سعيدة:
_يا حبيبي ربنا يتمملك على خير يارب ويجعلها مِن نصيبك، هكون معاك متقـ ـلقش مش هسـ ـيبك زي ما وعدتك، هدية نجاحك أهي يا عم لمَ تكمل على خير إن شاء الله.
جاءه ضحكات أخيه على حديثه وقد جلس يتحدث معهُ طيلة الوقت دون مـ ـللٍ أو كـ ـلل والأخ الأكبر يتحدث معهُ بإند’ماجٍ شـ ـديد، فيما أستغـ ـلت “لارين” فرصة إند’ماجه مع أخيه ونهضت كي ترى إن نضـ ـج الطعام أم لا أسفـ ـل نظراته التي كانت تتابعها بتر’قبٍ فهو حتى الآن يشعر بعد’م الإطـ ـمئنان فيظهر على معالم وجهها الإر’هاق الشـ ـديد وبرغم ذلك عا’ندت وذهبت لوضع الطعام إليهِ، نهض خلفها بثوانٍ قِلة وذهب إلى المطبخ لمتابعتها كي يتد’خل في الوقت المناسب إن تطلب الأمر مِنهُ ذلك.
________________________
<“تحـ ـقيقات الأحلام الو’ردية مستـ ـحيلة،
وبرغم صعا’ب الحياة كان فارس الحر’ب.”>
كانت أحلامهما ورد’ية يأ’ملان لتحـ ـقيقها برغم صعو’بة الحياة، حر’بٌ فُرِ’ضَت عليهِ بدون سا’بق إنذ’ار ليكون هو الفارس النبيـ ـل والمحا’رب الجـ ـليل والبطل القو’ي الذي برغم صعا’ب الحياة يقف شا’مخًا يُحا’رب في حر’بٍ فُرِ’ضَت عليه بدون سا’بق إنذ’ار ليقف في منتصف الميد’ان مد’افعًا بسلا’حه النبيـ ـل الجميع..
ولجت الجميلة إلى مرسم الحبيب تقف خـ ـلف الباب الموار’ب تختـ ـلس النظر إليهِ، طا’فت بعينيها البُنـ ـية في أنحاء المكان حتى رأته يجلس أمام اللوحة خاصته مند’مجًا بها كما أعتادت أن تراه دومًا، ولجت بخطى هادئة وهي تنظر لهُ مبتسمة الوجه تراه منـ ـصبًا بتركيزه على اللوحة بعد أن عَلِمَ أن نتيجة أختبارات العام الدراسي قد ظهرت أخيرًا ليُسرع هو إلى مرسمه منز’ويًا بنـ ـفسه بعيـ ـدًا عنهم فلَم ينسى كيف كانت بعض الأختبارات الصـ ـعبة التي مرّ بها..
كان مند’مجًا بلوحته حتى شعر بوجودها في المكان بعد أن دا’عبت رائحتها الجميلة أنفه تُعلنه عن قدومها، أنتشـ ـلته مِن بقا’ع تركيزه التا’م حينما وضعت هاتفها أمام وجهه دون أن تتحدث ليعود هو برأ’سه إلى الخلـ ـف كي يستطيع رؤية ما هو معروض بشكلٍ واضح ليرى أنها نتيجة الإختبارات التي كان يؤديها ليأخذ الهاتف مِنها وهو يد’قق النظر إلى ما هو مكتوبٌ أمامه بعد’م أستيعا’ب..
نظرت إليهِ مبتسمة الوجه تتابع نظراته وردود أفعا’له فيما كان هو لا يصدق ما يراه ليقول بكل تلقائية:
_دا بجد أقسم بالله؟.
حركت رأسها برفقٍ وهي تنظر إليهِ بوجهٍ مبتسم لتراه ينظر إليها وهو في صد’مةٍ مِن أمره ليعاود النظر إلى الهاتف وهو يقول بعد’م أستيعا’ب:
_واللهِ العظيم؟! نجحت بجد؟ نجحت يا “روان”، نجحت يا بشـ ـر عملتها ونجحت يا عا’لم !!.
ضحكت هي على ردود أفعا’له وصيا’حه المتكرر بهذه الكلمات بسعادةٍ مفر’طة وهي سعيدةٌ لسعادته تلك، نظر إليها بعينين ملـ ـتمعتين مبتسم الوجه ليقول بنبرةٍ سعيدة بعد أن أقترب مِنها قليلًا ليقف أمامها مباشرةً:
_أنا مبسوط أوي يا “روان” حـ ـقيقي مبسوط أوي ومش مصدق اللي عيني شيفاه بجد، أنا نجحت يعني خلاص شوية وهروح الجيـ ـش وهرجع بعد سنة ونتجوز، أنا حـ ـقيقي مش مصدق نفسي الأيام بتجر’ي بسرعة وبكرا تبقي معايا فبيتي ونـ ـحقق أحلامنا سوى، “روان” أنا بحبك أوي على طول بتيجي وتجيبي معاكي كل الأخبار الحلوة يا و’ش السعد والهنا كله.
ضحكت هي بسعادةٍ كبيـ ـرة وهي تنظر إليهِ والعبرات تلـ ـتمع في المُقل لتقول بنبرةٍ سعيدة لأجله:
_أنا بفرح لمَ أشوفك أشوفك مبسوط زي دلوقتي، سعادتك بتفرحني أوي فو’ق ما تتخيل حـ ـقيقي، أول ما عرفت مقد’رتش أستنى بصراحة وجيبتها على طول وأول ما شوفتها فرحت أوي وقـ ـلبي رقص مِن الفرحة ومقد’رتش أستنى وجيت أفرحك على طول، مبارك يا حبيبي ويارب على طول أشوفك ناجح أنتَ تستا’هل كل خير.
أتسـ ـعت بسمتهُ على ثغره وهو ينظر إليها ويشعر بالعديد مِن المشاعر الجيا’شة هي مَن تقوده في هذه اللحظة، يريد أن يُعانقها ويُخبرها بما هو مخبو’ءٌ بداخلهِ ولَكِنّ ثمة الكثير مازال يمنـ ـعه، نظر إليها مطولًا وقال بنبرةٍ سعيدة:
_الله يبارك فيكي يا حبيبتي، فرحتي هتكمل أكتر لمَ تكوني معايا فالبيت، بيت أحلامنا اللي بنـ ـبنيه مع بعض لحد دلوقتي، أحلى لحظة بالنسبة لي هتكون لمَ أحـ ـقق حلمي وتكوني معايا على طول، جوايا كلام كتير عايز أقولهولك بس مش عارف أخرجه بالطريقة اللي عايزها يخرج بيها بس الأيام بتعدي وبكرا نبقى سوى، قوليلي بقى حابة تكوني معايا فعلًا؟.
نظرت إليهِ وهي لا تصدق أن هذا الحديث يخرج مِنهُ هو، فيما تر’قب هو قولها بفرا’غ الصبر رغم معرفته الجواب ولَكِنّ النفـ ـسُ تمـ ـيلُ أن تستمع إلى الكثير والكثير، أبتسمت هي وقال بنبرةٍ هادئة:
_بقى دا أسمه كلام برضوا يا “يـزيد”، أكيد طبعًا عايزة أكون معاك إحنا بنعا’ني دلوقتي عشان نعيـ ـش سوى مع بعض مرتا’حين بعد كدا، الإجابة معروفة.
أبتسم هو لها ونظر إليها نظرةٍ ذات معنى ولَم يتحدث بل ترك نظراته تقول بكل شيءٍ، فيما ألتزمت هي الصمت إجابة دون أن تقول شيءٍ وقضت بقية الوقت معهُ تشاركه سعادته وفرحته بنجاحه الذي كان ينتظره على أحـ ـر مِن الجـ ـمر حتى نا’له في نها’ية الرحلة على شـ ـط البُحيـ ـرة الجميلة ينو’ل السعادة أخيرًا وستكتمل حينما تكون هي برفقتهِ بكل تأكيد.
______________________
<“قول الحـ ـق فضيلة وواجبٌ على المرءِ،
وفي هذه الحياة كان هو سيد الحـ ـق.”>
في أُمسية هذا اليوم..
كان يجلس نصف جلسة مستندًا بر’أسه على الوسادة الو’ثيرة خلفه مغمض العينين وتجاوره “مَـرْيَم” بعد أن رحلوا جميعهم عدا بعضهم الذين ر’فضوا تركهما، خرجت مِن المرحاض الملا’حق بالغرفة بعد أن أدت وضوءها وقد أقتربت مِن الاريكة تأخذ سجادة الصلاة تضعها على أر’ضية الغرفة لتؤدي فر’يضة العشاء..
فيما كان “شـهاب” ينظر إليها بهدوءٍ يُتابع تحركاتها بعينين ملـ ـتمعتين لتعـ ـلو بسمةٌ هادئة وحنونة على ثغره ليأتي قوله الهادئ:
_ربنا يتقبل إن شاء الله، متنسنيش فدعاكي بقى.
أبتسمت إليهِ بسمةٌ هادئة وأجابته بنبرةٍ هادئة حنونة قائلة:
_عُمـ ـري ما نسيتك لحظة فكل صلاة يا حبيبي، أنتَ عُـ ـمرك ما فا’رقتني لحظة.
أبتسم هو إليها دون أن يتحدث لتبدأ هي في أداء فر’يضتها بخشو’عٍ ولأول مرة هو يراها تؤدي فر’يضتها بعينيه، شرد بها وظل يتابعها طوال الوقت وقلبه ينبـ ـض بعنـ ـفٍ داخل قفـ ـصه الصد’ري يصر’خ حُبًا وشو’قًا لأجل حبيبه، يراها تطيـ ـل السجود في بعض الوقت ليعلم أنها تدعو لهُ بقلبٍ حنو’ن ورو’حٍ صاد’قة نقـ ـية حتى أنتـ ـهت هي ونهضت تطوي السجادة بهدوءٍ تضعها مثلما كانت..
نظرت لهُ نظرةٍ هادئة مبتسمة الوجه ثم أقتربت مِنهُ بخطى هادئة حتى جلست على طر’ف الفراش تنظر إليهِ نظرةٍ هادئة ثم أمسكت بكفه الأ’يمن وبدأت بالتسبيح على عُقـ ـل أنامله لأول مرة لتصـ ـيبه قشـ ـعريرة لذيذة تسر’ي في أنحاء جسـ ـده، ترقرق الدمع في المُقل وهو ينظر إليها متأ’ملًا ومتفر’سًا تقا’سيم وجهها الحنو’ن الهادئ فكانت كما هي منذ أن تركها منذ عامين وحتى عاد إليها مرةٍ أخرى اليوم، جميلة وفا’تنة مثلما أعتاد رؤيتها..
_أنتِ حلوة أوي زي ما كُنْت متعود أشوفك قبل كدا، وبقيتي أحلى وأحلى ولمَ رجعنا وبقينا مع بعض دلوقتي، أعتر’في يا عسولة إنك لمَ بقيتي معايا أحلويتي يعني أنا رجعت وخليت الحلوة حلاوتها تز’يد وتنو’ر، زي ما بيقولوا را’جل بينو’ر السـ ـت، ورا’جل بيطفـ ـيها، والعبد لله كان النوع الأول.
أبتسمت هي ببعض الخجـ ـل ثم ر’فعت بصرها تنظر إليهِ نظرةٍ ذات معنى مُحبة وعا’شقة لبرهةٍ مِن الوقت لتجاوبه بنبرةٍ هادئة تُعطيه الإجابة المُرادة حينما قالت بنبرةٍ هادئة ر’قيقة:
_أيوه كلامك كله صح، أنا فعلًا بحسـ ـني منو’رة وفيا حـ ـياة وطا’قة وأنا معاك، لمَ بعـ ـدنا عن بعض أنا مَكُنْتش أحسن حاجة ومريت بتجربة و’حشة أوي وحـ ـسيت إن حياتي بقت كلها فـ ـراغ، بس مِن ساعة ما رجعنا لبعض وخدنا خطوات جَـ ـد كتير فحياتنا كانت أكبـ ـرهم خطوة الجواز أنا مِن وقتها وأنا حا’سة إني عا’يشة، مش ببا’لغ صدقني بس أنا كُنْت مش عايزة غيرك وكان قلبي موجو’ع أوي، حتى فالبيت لمَ كانوا بيحاولوا معايا كُنْت بر’فض وبقـ ـفل على الموضوع عشان مش عايزة أي واحد تاني غيرك، أنا مش قابلة ومعنديش أستعداد أجرّب التجربة دي تاني، بس أنا ميأ’ستش وفصلت أدعي ربنا كتير أوي، فقيام الليل أسجد وأدعيله وأقعد أعيطله وكان جوايا يقين كبير إن ربنا هيستجيب لدعواتي ربنا كبير ور’حيم بعبا’ده عمره ما جاب حاجة و’حشة لحد مِن عبا’ده، وربنا مخذ’لنيش وأستجاب لدعواتي لِيه كل يوم، الدعاء فعلًا بيغـ ـيَّر الأقد’ار وأدي حياتي اللي أتمنيتها بعيـ ـشها وأنا فأقـ ـصى مراحل سعادتي.
أيُ مرحلة يجب عليهِ أن يصلها بعد مرحلة العشـ ـق، وصل لمرحلة العشـ ـق حتى تخطا’ها وأصبح مهوو’سٌ بها الآن، نا’ل دا’ء الحُب ور’فض أن يأخذ الد’واء فكيف لهُ أن يطيـ ـب مِن دا’ءٍ كان القلبُ يتمناه دومًا، تمنى أن ينا’له د’اء حُبها حتى تمو’ت جميع النسـ ـاء في عينيه وتبقى هي السيدة الوحيدة في ناظريه، أبتسم إليها وطا’لعها بنظرةِ عا’شق وليس مُحبًا، فقد أكتشـ ـف الآن أنه يجب عليه أن يشكر ربه لأعطاءه مثل هذه الزوجة المخلـ ـصة الحنونة التي يتمناها أيُ رَ’جُلٍ، مَدّ كفه الأ’يسر يحاوطها برفقٍ ليقوم بجذ’بها برفقٍ إلى داخل أحضانه يُعانقها بحُبٍ وحنو..
فيما تركته يفعل ما يريد وأستسلـ ـمت لهُ لتولج إلى د’فئ أحضانه التي أد’منتها مؤ’خرًا تضع رأسها على كتفه مبتسمة الوجه تحاوطه برفقٍ بذراعها الأ’يسر تسير بكفها الحنو’ن الد’افئ على شطـ ـر وجهه لتُلا’مس أناملها الر’قيقة لحيته المنمـ ـقة التي كانت تُعطيه وسامته الكاملة، شعر بالر’احة أكثر حينما أصبحت تجاور قلـ ـبه الذي بدأ ينـ ـبض بعـ ـنفٍ حينما أصبحت قريبةٌ مِنهُ ليُلثم هو جبينها بِقْبّلة حنونة دون أن يتحدث فهذه هي لحظاته المفضلة التي يُحب أن يعيـ ـشها برفقتها دومًا..
تذكرت الحا’دث وتذكرت تلك التفا’صيل البشـ ـعة التي عا’شتها وآ’لمتها حينها بشـ ـدة، صر’خاتها تر’ن في أذنيها حتى كادت تصـ ـمها لتغمض عينيها بقو’ةٍ علّها تنسى تلك اللحظات المؤ’لمة ولَكِنّ كان لسطو’ة عـ ـقلها السُلـ ـطة الأكبر عليها، شعرت بكفه يسير برفقٍ على ظهرها يقم بتهـ ـدأتها حينما شعر بإضطـ ـراب أنفا’سها ليقول بنبرةٍ هادئة:
_أهدي يا حبيبتي، الموضوع عدى خلاص وأنا قومت بالسلامة أهو وبقيت جنبك، متخا’فيش.
شـ ـددت مِن ضمتها لهُ وقد د’فنت رأسها بعـ ـنقهِ تحاول الهر’ب مِن تلك اللحظات المؤ’لمة التي تُلا’حقها دومًا منذ أن حدث هذا الحا’دث وحتى هذه اللحظة، مسـ ـح بكفه على كتفها بحنوٍ وتركها قليلًا حتى تهـ ـدأ هي وتنسى الأمر..
في الخارج..
كان “أحـمد” جالسًا على المقعد ويجاوره “ليل” الذي كان يعـ ـبث في هاتفه منتظرًا قدوم “عـزام” الذي تولى هو تلك القضـ ـية والذي بدوره سيستجو’ب صديقه حتى ينا’ل المذ’نب عقا’به مهما كان الأمر، أقترب “حُـذيفة” مِنهما وهو يستغفر ربه سرًا ليقول بنبرةٍ هادئة:
_يعني شـ ـكنا طلع صح بجد، بس أزاي “جـمال” عملها أنا برضوا مش قا’در أوصل للنقـ ـطة دي في حبـ ـل مفقو’د مش قا’در أمسـ ـكه.
ر’فع “ليل” بصره عن شاشة هاتفه ينظر إلى رفيقه مجيبًا إياه قائلًا:
_مفيش حاجة بتصـ ـعب على “جـمال”، دا مش بني آدم دا شيطا’ن ماشي على الأرض وسطنا، النهاردة كان بيحاول يقـ ـتل صاحبنا بكرا الله أعلم هيعمل إيه ومع مين.
تحدث “أحـمد” بنبرةٍ هادئة للغا’ية وهو ينظر في نقـ ـطةٍ فا’رغة أمامه قائلًا:
_لازم يتمـ ـسك ويتعا’قب وياخد اللي في النـ ـصيب، دي جر’يمة قتـ ـل مفيهاش كلام.
نظر لهُ “حُـذيفة” نظرةٍ ذات معنى تحكي الكثير والكثير مِن ما يكمُن بداخلهِ ليزفـ ـر بعمـ ـقٍ قائلًا بنبرةٍ هادئة:
_هيحـ ـصل، هيحـ ـصل شوية كمان بس “عـزام” ييجي ويحـ ـقق معاه ويعرف التفا’صيل مِن “شـهاب” ويحلـ ـها ربنا مِن عنده إن شاء الله.
لحظاتٍ مِن الصمت القائم بينهم ليقطـ ـعه قدوم “عـزام” الذي سار بخطى هادئة مقتربًا مِنهم لينهض “ليل” ومعه “أحـمد” الذي نظر لهُ نظرةٍ ذات معنى ليقف هو أمامهم قائلًا:
_يعني يوم ما نتجمع مع بعض نتجمع فمستشفى عشان خاطر واحد مِننا مغـ ـزوز، عجب يا دنيا واللهِ.
_”عـزام” أنا عايزك تعمل اللي عليك مهما حصـ ـل بجد، “شـهاب” مبقاش مجرد صاحب أو أخ، دا جوز أختي دلوقتي وأختي حـ ـقيقي بتمو’ت فيه بمعنى الكلمة، “شـهاب” كان هيمو’ت النهاردة بجد مش مجرد كلام وخلاص.
هكذا جاوبه “أحـمد” بنبرةٍ جا’دة وهو ينظر إليهِ نظرةٍ ذات معنى ليتفهم الآخر حديثه ويرد عليه بنبرةٍ جا’دة كذلك قائلًا:
_فاهم ووصلي الخبـ ـر السوشيال ميديا مقلو’بة مِن الصبح وموا’رهمش سيرة غير الموضوع دا، حـ ـقه مش هيضـ ـيع وحـ ـق “مـينا” اللي أتاخـ ـد ظُـ ـلم لمجرد إنه كان ضـ ـحية.
زفـ ـر “عـزام” بعمـ ـقٍ ومسـ ـح بكفه على وجهه ثم قال بنبرةٍ هادئة جا’دة:
_تمام، أنا جاي عشان إدا’نة “شـهاب” هتفيد “مـينا” دلوقتي وتخرّ’جه، وعشان نمـ ـسك الحيو’ان دا اللي عمل عمـ ـلته دي وهر’ب زي الـ***** وفاكر إنه مش هيتجا’ب كدا … شوفه يا “أحـمد” عشان أدخله.
تفهم “أحـمد” حديثه ولذلك تركهم وذهب إلى غرفة صديقه ليقف أمام الباب طارقًا إياه برفقٍ قائلًا:
_”شـهاب”، “عـزام” جه وعايز يشوفك.
أما بداخل الغرفة..
كانت “مَـرْيَم” سا’كنة داخل أحضانه شاردة الذهن تنظر في نقـ ـطةٍ فا’رغة وكفه يسير على رأسها برفقٍ دون أن يتحدث وهو يُفكر فيما حدث معهُ وأوصله إلى تلك النقـ ـطة حتى أخرجه طرقات رفيقه على الباب يخبره أن صديقه قد وصل لتوه ويريد مقابلته، ولذلك نظر إلى زوجته التي ر’فعت رأسها عن كتفه تنظر لهُ بهدوءٍ ليقول بنبرةٍ هادئة:
_”عـزام” شكله وصل.
أعتدلت في جلستها تمسـ ـح بكفها على وجهها بهدوءٍ ثم قامت بهند’مة خِمارها ونهضت، فيما حاول هو أن يعتدل ليشعر بأ’لم جسـ ـده عاد ينتشـ ـر مِن جديد لتُسر’ع هي وتقوم بمساعدته لتعدل مِن و’ضعية الوسادة لهُ لتراه يُر’يح جسـ ـده مِن جديد زافـ ـرًا بعـ ـمقٍ قائلًا بنبرةٍ هادئة:
_قوليله يدخل يا “ريـما”.
نظرت إليهِ “مَـرْيَم” نظرةٍ ذات معنى وقالت بنبرةٍ هادئة متسائلة:
_هتقد’ر يا “شـهاب”؟ أنا شايفة إنك تـ ـعبان.
_هقد’ر يا حبيبتي متخا’فيش عليا، قوليله يدخل بس.
وبرغم آلا’مه المنتشـ ـرة بأنحاء جسـ ـده كا’فح كي يُد’ني بإد’انته ويُخرج صديقه المسـ ـكين مِن تلك الور’طة التي سـ ـقط بها دون أن ينـ ـتبه هو لها، تركته هي وذهبت لتقوم بفتـ ـح الباب ترى أخيها أمامها وخلفه أو’لاد عمومتها وصديق زوجها الذي جاء لتوه رفقة الصو’ل، تحدث “أحـمد” بنبرةٍ هادئة وهو ينظر إليها قائلًا:
_”شـهاب” كويس ولا مش هيقد’ر يتكلم دلوقتي؟.
_لا لسه تـ ـعبان بس مُـ ـصِّر يقابله ويحكيله كل حاجة حصـ ـلت.
هكذا ردت عليهِ “مَـرْيَم” بنبرةٍ هادئة وهي تنظر إليهِ ليتفهم هو الأمر ويلتفت ينظر إلى صديقه قائلًا بنبرةٍ هادئة:
_تعالى يا “عـزام” “شـهاب” فا’يق.
تحركت “مَـرْيَم” إلى الداخل تعود إلى زوجها مِن جديد ليولج خـ ـلفها “عـزام” يليه “أحـمد” بصُحبة أو’لاد عمومتهِ، وحينما ولج رآه مستلقيًا على الفراش لا حول بهِ ولا قوة لا يستـ ـطيع الحـ ـراك والأجهـ ـزة الحيو’ية مو’صولةٌ بجسـ ـده كي تنـ ـقل على شاشة الجها’ز مؤ’شرات جسـ ـده الحيو’ية بشكلٍ منتظم، وقف “عـزام” بجوار فراشه ووضع كفه على كتف صديقه قائلًا بنبرةٍ هادئة:
_حمدلله على سلامتك يا صاحبي، قد’ر الله وما شاء فعل عرفت اللي حصـ ـل متأ’خر وأول ما عرفت جيتلك على طول، الدكتور بيقول إنك أتكتبلك عُمـ ـر جديد.
جاوبه “شـهاب” بنبرةٍ هادئة للغا’ية وهو يقول:
_الله يسلمك يا صاحبي، الحمد لله على كل حال مقد’ر ومكتوب.
جلس “عـزام” على المقعد المجاور للفراش وهو ينظر لهُ قائلًا:
_أنا عارف إن دا مش الوقت المناسب للتحـ ـقيق وعارف إنك تـ ـعبان ومش قا’در بس أنتَ أكيد عرفت إن “مـينا” أتسجـ ـن ظُـ ـلم.
جاوبه “شـهاب” بنبرةٍ هادئة بعد أن شعر بكف زوجته يُضع على كتفه تخبره أنها بجواره قائلًا:
_عارف، وعشان كدا أنا أصر’يت إنك تيجي، عشان خدت عهـ ـد على نفسي إن “مـينا” مش هيبات الليلة دي فالحبـ ـس ظُـ ـلم.
أعتدل “عـزام” في جلستهِ وقال بنبرةٍ هادئة وهو ينظر إليهِ بجدية:
_أحكيلي اللي حصـ ـل بالتفصـ ـيل أنا سامعك.
دام الصمت المكان مِن حولهم بعد أن تحدث “عـزام” ينتظر سماع قول صديقه، فيما كان “شـهاب” لا يعلم مِن أين يبدأ وكيف سيقـ ـصُ عليهِ معا’ناته تلك ليشعر بكف زوجته التي كانت تدعمه تنتظر هي أيضًا سماع ما سيُقال ليأخذ هو أنفا’سه بهدوءٍ ويبدأ بقـ ـص كل شيءٍ حد’ث معهُ قائلًا:
_”مـينا” أو بمعنى أصح “جـمال” كلمني يوم الحا’دثة الصبح، قالي إنه عايز يقابلني ويقعد معايا عشان مخنو’ق ومحتاج يفضـ ـفض، أنا وافقت وأتفقنا على المعاد والمكان، وقتها مقد’رتش أقوله لا دا وأنا فاكر إنه هو “مـينا”، نزلت فعلًا بعد ما مراتي حاولت إنها تمنـ ـعني عشان مكانتش متـ ـطمنة لخروجي وكانت خا’يفة عليا وحذ’رتني بس أنا كان لاز’م أنزل لأني متعودتش أر’فض لحد طلب حتى لو كان فيا إيه، نزلت وكُنْت بطـ ـمنها عليا مِن الوقت للتاني ولحد ما وصلت أنا مَكُنْتش أعرف المكان أينعم كان بعـ ـيد شوية بس قولت مش مشـ ـكلة، أول ما نزلت لقيته بيتصل بيا وبيقولي أنا خارجلك بحيث ياخدني وندخل تاني، أول ما قـ ـفلت معاه لقيت صوت تاني خالص بيرد عليا، صوت حا’سس إني سمعته قبل كدا، طلع “جـمال”، قالي إنه عرف يجر’جرني بصوت “مـينا” في أبلكيشن مُعيَّن بيغـ ـيَّر الصوت وبيخليك تتكلم بصوت شخص مُعيَّن فهو أستخدم صوت “مـينا” كو’سيلة عشان يقد’ر يجيبني لحد عنده مِن غير ما أشـ ـك فحاجة..
تفا’جئت “مَـرْيَم” وهي تستمع إلى حديث زوجها لتنظر إلى أخيها الذي كان يجاوره بعد’م أستيعا’ب ليُربت هو على ظهرها برفقٍ يدعمها منتظرًا سماع المزيد، فيما كان الرفيقين يجاوران بعضهما البعض يستمعان إلى حديث صديقهما العزيز ومعهما “شُـكري” الذي قـ ـرر أن لا يترك أخيه مهما كـ ـلفه الأمر يستمع إلى ما يقوله وهو في صد’مةٍ مِن أمره، فيما كان الصو’ل يُد’ون ما يقوله “شـهاب” و “عـزام” ينظر لهُ يستمع إليهِ بإنصا’تٍ شـ ـديد، فيما أكمل “شـهاب” وقال:
_بعدها أكتشـ ـفت إني فصـ ـحرا أصلًا، وهو ورجا’لته أتكا’تروا عليا وأستغـ ـل إني كـ ـفيف مش قا’در أعمل حاجة أو حتى أد’افع عن نفـ ـسي، كان قا’صد يكلمني بصوت “مـينا” وقالي إن صاحبي اللي لحـ ـقني مِنُه المرة اللي فاتت مش هيقد’ر يلحـ ـقني مِنُه دلوقتي، المرة دي كان نا’وي على مو’تي بحـ ـق وحـ ـقيقي، أول ضر’بة كانت بالمطو’ة، أداني ضر’بة جا’مدة فجـ ـنبي الشـ ـمال كانت ضر’بة عنيـ ـفة، كانت كلها غِـ ـل وحـ ـقد، بعدها خرّ’ج المطو’ة وحسـ ـيت إن جسـ ـمي حـ ـقيقي أتشـ ـل مش قا’در أتحرك، بعدها خدت صـ ـعقة مِن جها’ز الصا’عق اللي معاه، كل دا وأنا مش قا’در أقا’وم أو أدا’فع عن نفسي، الد’م كان بينز’ل مِن جـ ـنبي بطريقة غبـ ـية كف إيدي كان غر’قان د’م، والضر’بة القا’ضية بالنسبة لي كانت على راسي، واحد مِن اللي معاه ها’جمني مِن ضهـ ـري وضر’بني على د’ماغي جا’مد بالعـ ـصايا، قالي إنه المرة دي هيمو’تني ومش هيسـ ـيبني غير لمَ يتأكد إني مو’ت بجد مش زي المرة اللي فاتت، و’قعت وأنا خلاص مستـ ـسلم لقد’ري ومستني المو’ت ير’حمني مِن العذ’اب اللي بعيـ ـشه فاللحظة دي، الجبا’ر مر’حمنيش وأداني صـ ـعقة تانية بعدها محـ ـسيتش بنفسي ولا بأي حاجة حواليا، معرفش إيه اللي حـ ـصلي لحد ما فو’قت النهاردة حتى معرفش إيه اللي حـ ـصل بعد كدا، بس هو “جـمال”، هو اللي عمل فيا كدا ولعبها صح وز’ق “مـينا” عشان يد’اري على نفسه … “مـينا” يخرج النهاردة يا “عـزام”، “مـينا” يخرج عشان خاطري، “مـينا” على وش جواز وفرحه كمان أسبوعين لاز’م يخرج والكل يعرف إنه ضـ ـحية أكيد عيلته وخطيبته خا’يفين عليه أوي وحا’لتهم و’حشة، أديني أديتك إدا’نتي دورك تطـ ـلع على المد’يرية دلوقتي وتقدم إدا’نتي ويخرج، و “جـمال” يتمـ ـسك هو واللي معاه ويتحبـ ـس، سامعني يا “عـزام”.
أنهـ ـى حديثه بنبرةٍ مـ ـتعبة وهو يلهـ ـث بعد أن أر’هقه الحديث لتقوم “مَـرْيَم” بالتمسيد على صد’ره برفقٍ وهي تقول بنبرةٍ قلـ ـقة:
_أهدي يا حبيبي وخُد نَفَـ ـسك، كفاية لحد كدا خلاص أر’تاح.
نظر “أحـمد” إلى أولا’د عمومته نظرةٍ مـ ـليئةٍ بالشـ ـر والحـ ـقد بعد أن أستمع إلى الوا’قعة مِن صديقه ثم نظر إلى “عـزام” الذي أعتدل في جلسته وهو يمـ ـسح على لحيته المنـ ـمقة دون أن يتحدث وهو يُفكر في أمر هذا الحـ ـقير وكيف سيقوم بالإمسا’ك بهِ، تحدث “شـهاب” مرةٍ أخرى والعبرات تلـ ـتمع في مُقلتيهِ قائلًا بنبرةٍ مهـ ـزوزة:
_حاجة كمان نسيت أقولها.
نظروا جميعهم إليهِ بتركيزٍ يتر’قبون قوله، فيما أبتـ ـلع هو غصته بتروٍ وقال:
_هو المتسـ ـبب فالحا’دثة الأولى، هو اللي خلاني أبقى كـ ـفيف، هو اللي خسـ ـرني كل حاجة فالأول، بس تعرفوا، ربنا لِيه حكمة فكل دا، ربنا كتبلي عُـ ـمر جديد عشان أعتر’ف عليه ويتحا’كم، بس ليا طلب أتمنى تنفـ ـذوه لو ليا خاطر عندكم وبتعز’وني بحـ ـق وحـ ـقيقي، اللي يلاقيه ميقبـ ـضش عليه، اللي يلاقيه فيكم يتحـ ـفظ عليه فأي مكان بعيـ ـد، أي مخـ ـزن قديم يتر’مي فيه زي الكـ ـلب، ويعرفني إنه أتمـ ـسك، عايز أشـ ـفي غـ ـليلي مِنُه وأبـ ـرد نا’ري قبل ما يتسـ ـلم للعد’الة، بعد إذنكم لو بتحبوني بجد وميهو’نش عليكم الر’مية اللي أنا فيها دي.
أقترب مِنهُ “حُـذيفة” بعد أن تأ’ثر بحديثه بكل تأكيد يقف بجوار فراشه ليَمُدّ كفيه يُز’يل عبرات صديقه مِن على صفحة وجهه بإبهاميه بحنوٍ ليقول بنبرةٍ هادئة يقـ ـطع لهُ وعدًا صا’دقًا:
_وعد عليا قدام ربنا وقدامهم إني لو و’صلتله فيوم مِن الأيام هعمل زي ما طلبت، هر’ميهولك فأي خـ ـرابة تليق بيه وهكلمك حتى لو كانت الساعة ٤ الصبح وهخليك تيجي تشـ ـفي نا’رك بإيدك، أنا حا’سس بيك يا صاحبي وحا’سس بالو’جع والنا’ر اللي جو’اك، بسـ ـببه أنتَ خسـ ـرت أغـ ـلى حاجة عندك وأنا عارف إن دا مش سهل عليك، وعد هنفـ ـذ كلامك دي أقـ ـل حاجة أقدمهالك.
ر’فع “شـهاب” يده اليُسـ ـرى يُمسك بكف صديقه الحبيب وقد قال بنبرةٍ باكية والعبرات تتسا’قط على صفحة وجهه قائلًا:
_عارف يا صاحبي إنك لمَ بتوعد بتو’في.
أبتسم لهُ “حُـذيفة” وقد أنحـ ـنى بنصفه العلو’ي يُلثم جبينه بِقْبّلة هادئة ثم أستقام في وقفتهِ ونظر إلى أولا’د عمومته ليوافقون “حُـذيفة” القول دون ذرة تفكيرٍ يقطـ ـعون على أنفسهـ ـم وعدًا صا’دقًا لهُ، وبعد مرور القليل مِن الوقت رحل “عـزام” بعد أن أطـ ـمئن عليهِ ووعده بأن يُخر’ج “مـينا” الليلة مهما كان الثمـ ـن، نظرت لهُ “مَـرْيَم” والعبرات تتسا’قط على صفحة وجهها لينظر هو إليها لثوانٍ معدودة قبل أن يجذ’بها برفقٍ إلى أحضانه يضمها بحنوٍ لتر’تمي هي داخل أحضانه تُعانقه بقو’ةٍ وعبراتها تتسا’قط على صفحة وجهها بعد أن أستمعت إلى القصة كاملة دون أن تتحدث ولَكِنّ قد كان القلبُ يحتر’ق أ’لمًا على حبيبه بكل تأكيد، فهي تقبل أيُ شيءٍ إلا أن يمـ ـسه أيُ ضـ ـررٍ فهذا حبيبُ القلب وما رواه اليوم آ’لمها بكل تأكيدٍ، فيما هو حاول الهر’ب مِن هذا الوا’قع الأ’ليم إلى أحضانها فيكفيه ما حد’ث ورآه حتى هذا اليوم.
_”في يومٍ مِن الأيام كان كالعصفور الحُـ ـر،
ولَم يعلم أن الر’صاصة التي تلقاها كانت مِن صاحبهِ.”
_________________________________
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية أحببتها ولكن 7)