رواية أحببتها ولكن 7 الفصل السابع والسبعون 77 بقلم بيسو وليد
رواية أحببتها ولكن 7 الفصل السابع والسبعون 77 بقلم بيسو وليد
رواية أحببتها ولكن 7 البارت السابع والسبعون
رواية أحببتها ولكن 7 الجزء السابع والسبعون

رواية أحببتها ولكن 7 الحلقة السابعة والسبعون
لَقَد حَكَمَت بِفُرقَتِنا اللَيالي،
وَلَم يَكُ عَن رِضايَ وَلا رِضاكا،
فَلَيتَكَ لَو بَقيتَ لِضُعفِ حالي،
وَكانَ الناسُ كُلُّهُمُ فِداكا،
يَعِزُّ عَلَيَّ حينَ أُديرُ عَيني،
أُفَتِّشُ في مَكانِكَ لا أَراكا.
_ضَادٌ.
__________________
حُطا’مٌ داخلي ونز’يفٌ لا يأبى التوقف بين جد’ران قلبي..
كمنزلٍ صغير يملؤه الد’فئ وحُبّ العائلة تم قصـ ـفه مِن قِبَل العد’و ليتحو’ل في لمـ ـح البصر إلى حُطا’مٌ ورُ’كام أحلامٍ كانت ور’دية، لا الحبيب يُعيد ما ضا’ع هـ ـبأً ولا الأيام تُنسى ولا العقل يمضي ويتخـ ـطى، هذه فقط كانت مجرد أوها’مٍ نُحاول إقنا’ع أنفُسنا بها حتى نمضي قُدُمًا ونعيـ ـش على أكذ’وبة سو’د’اء لن تحدث، فلا الرو’حُ تُشـ ـفىٰ ولا العقلُ ينسىٰ ولا المرء سوىٰ أن يكون منسيًا..
<“محا’ربة الد’اء دومًا يكون عن طريق الدواء،
وهذه المرة كان المر’يض يُحا’رب الد’اء دون دواء.”>
كان الد’اء ملعو’نًا؛ مثل المر’ض الخـ ـبيث، ينتشـ ـر ويتغـ ـلغل داخل جسـ ـدك وتنتظر أن يكون هُناك دواء حتى يتم محا’ربة الد’اء، وهذه المرة كانت المحا’ربة لد’اءٍ سلا’حها الدواء لم يكُن موجودًا رفقة صاحبهِ، فها هو العد’و ينتظرك كيف ستتغـ ـلب عليهِ بدون سلا’حك السـ ـري..
صف سيارته في مرآب السيارات وأبـ ـطل دورانها لينظر إلى “هنـد” التي نظرت إليهِ كذلك نظرةٍ هادئة دون أن تتحدث، وعنهُ فقط أشا’ح برأسه بعيدًا محاولًا تما’لُك نفسه لأطول وقتٍ مُمكن حتى لا يفقـ ـد صوابه أمام الجميع ويخرُ’ج جـ ـنونه الحـ ـقيقي عليهم أجمع، هُنَيْهة وشعر بكفها النا’عم الدا’فئ يتغـ ـلغل نحو كفه ببطـ ـئٍ لتتشا’بك أناملها مع أنامله تُشـ ـدد مِن ضمة كفها لكفُه تزامنًا مع قولها الهادئ:
_أنا عارفة إن جواك حر’ب دلوقتي بين قلبك وعقلك وعارفة إن اللي هيكسب هو عقلك عشان قلبك مش شا’يل ذكريات حلوة ليهم شو’ق ولهفة، بس فرصة مش هنخسـ ـرها، حاول تسمعلهم يمكن بعد السنين دي كُلها يكونوا حـ ـسوا بغـ ـلطهم وند’موا، مش هتخسـ ـر حاجة يا “سعيـد” ولو معجبكش كلامهم خلاص مش لاز’م تكمل أمشي، بس بلاش تغصـ ـب نفسك على حاجة أنتَ مش عايزها ولا قابل بيها.
هكذا أنهـ ـت حديثها تُحاول أن تُشَـ ـجِعَهُ وتر’فع قليلًا مِن معنوياته حتى يستطيع الوقوف أمامهم فهي تعلم جيدًا أنهُ يُحا’رب نفسه الآن للولوج إلى الداخل ولذلك رأت بأن تُقدم يَد المعو’نةِ لهُ وتظل بجانبهِ، وعنهُ فقد أطـ ـلق ز’فيرة قو’ية يُخر’ج معها جميع مشاعره السـ ـلبية ثمّ نظر إليها نظرةٍ هادئة هُنَيْهة ليشعر بأن الماكثة بجواره هي أُمُّه وليست زوجته فهذه أول مرة تتحدث بها بهذه الطريقة..
لحظات وتحدث بنبرةٍ هادئة بعد أن دام الصمت بينهما بقوله الهادئ:
_تعرفي يا “هنـد”، حا’سس إن أُمّي هي اللي بتتكلم معايا، كانت بتتكلم كدا على طول وبابا كان يتر’يق عليها ويقولها وفري الحِكَم دي لنفسك أحسن، كان بيحب يضا’يقها وأول ما تز’عل وتاخد على خاطرها ويلاقي عيونها بدأو يلمعوا يجر’ي ياخدها فحضنُه ويطبطب عليها ويتأسفلها ويقولها إنه كان بيهزر معاها، لمَ أتكلمتي دلوقتي فكرتيني بيها بس أنا مش هعمل زي بابا، أنا هسمع كلامك عشان هو الصح فعلًا، أنا بجد مش مطمنلهم، مش عارف أديهم الأ’مان بجد.
تفَّهمت مشاعره وتخبـ ـطه البائن على تقاسيم وجهه ونبرة صوته لتقول بنبرةٍ هادئة حنونة:
_أولًا ربنا يرحمهم هما فمكان أحسن مِن هنا بكتير، ثانيًا حـ ـقك متديهمش الأ’مان بس مش هنخسـ ـر حاجة لو قررنا ندي فرصة، جايز يكونوا أتغيروا يا “سعيـد” بجد وند’موا، أنا عارفة إنك أكتر واحد خا’يف مِنها هي ستك وعمّك بس الله أعلم، أنا جنبك متخا’فش.
أنهـ ـت حديثها وأبتسمت لهُ بسمةٌ هادئة حنونة لينظر هو لها هُنَيْهة ثمّ قال بنبرةٍ هادئة مشـ ـددًا مِن قبـ ـضتهِ على كفها:
_أنا خا’يف عليكي مِنهم، لمَ قال تعالى وهاتها معاك خو’فت أوي، وخو’في الأكبر إن جدي ميعرفش إن أنا جاي هنا، جدي لر عرف مش هيسكوت وهيبهـ ـدل الدُّنيا على د/ماغهم واحتمال يقـ ـطع معايا، بس أنا مضطـ ـر معنديش حل تاني أعمله واللهِ … مش عايزك تفا’رقيني لحظة واحدة يا “هنـد” حتى لو طلبوا مِنك تقعدي مع الحر’يم أوعي تتحركي مِن مكاني مهما حصـ ـل، أنا مستحـ ـيل أديهم الأ’مان.
أبتسمت لهُ بسمةٌ هادئة وطمئنته حينما قالت بنبرةٍ هادئة حنونة:
_متخا’فش مش هبـ ـعد عنك لحظة غير لمَ أنتَ اللي تقولي، بس إفر’ض ضايفونا هتعمل إيه؟.
_مستحيـ ـل، لا هناكل ولا هنشرب مِن عندهم مهما حصـ ـل، أنا جاي أعرف هما عايزين إيه وهمشي على طول، أنا جاي وأنا مش طا’يقهم أصلًا بس مغلو’ب على أمري.
هكذا جاوبها مند’فعًا في حديثه معها ثمّ حاول تما’لُك نفسه وأعصا’به ونظر إليها مِن جديد وقال:
_يلا، معندناش حل تاني غير دا.
أنهـ ـى حديثه ثمّ خرج مِن السيارة وأغـ ـلق الباب خلفه وألتفت إلى الجهة الأخرى أسـ ـفل نظراتها التي كانت تُتابعه ليفتـ ـح الباب لها ثمّ ساعدها على الخروج مِن السيارة محاوطًا إياها بذراعه ثمّ أغـ ـلق الباب وضغط على الزر الالكتروني ليصدُر صوت إنذ’ارها ثمّ أمسك بكفها معانقًا إياه بكفه لتحاوط هي ذراعه بذراعها الأ’يمن تضمه لتسير معهُ تجاه المنزل الكبير الخاص بعائلة والده..
كان يتقدم وهو يشعر بخَـ ـفقات قلبه تعلـ ـو داخل صد’ره وخو’فه يزداد وقد عادت ذكريات الماضي تضر’ب رأسه مِن جديد تفر’ض هَيْـ ـمنتها عليهِ، ولكن أبى هو الاستسـ ـلام إليها وعا’ندها وأكمل السير عبر تلك الحديقة الخضـ ـراء التي تُزينها الورود حتى وصلا إلى المنزل ووقفا أمام الباب، تعا’لت خَـ ـفقات قلبه بشكلٍ مر’وع وكأنه يتسـ ـلل لقتـ ـل أحدهم وليس لمقابلتهِ توًا، نظر إلى زوجته التي نظرت لهُ نظرةٍ هادئة وابتسمت لهُ مشـ ـجعةً إياه على الإقدام وإكمال الدربِ حتى النهاية..
طرق على الباب أخيرًا ثمّ ضر’ب الجرس الخاص بهِ وانتظر، ليشعر بها تُشـ ـدد قبـ ـضتها على كفه وعناقها على ذراعه ليسير بإبهامه على ظهر كفها برفقٍ ثمّ رأى الباب يُفـ ـتح مِن قِبَل ر’بة المنزل والتي استقبلتهُ ببسمةٍ بشو’شة وسمحت لهما بالولوج، فيما نظرا هما إلى بعضهما ثمّ تحرك “سعيـد” رفقة “هنـد” إلى الداخل لتُغـ ـلق الأخرى الباب وتلحـ ـق بهما إلى الداخل مشيرةً إليهم للولوج..
فيما كان هو يطو’فُ بعينيه في المكان مِن حوله ولم يشعر بالد’فئ الذي يشعر بهِ في منزل عائلة الدمنهوري، هذا لا يُقارن بذاك مِن منظوره هو، فلم يشعر بالد’فئ ولا بالحُبّ ولا بالأولفة، توقف فجأةً وهو ينظر إلى غرفة المعيشة الكبيرة التي يكسوها أثاثها الذ’هبي والديكورات الفنية ليبتسم بداخلهِ سا’خرًا فلا الهيئة العامة تلك تتما’شى معهم هم بكُل تأكيد..
رأى جدته التي يبغـ ـضها بشـ ـدة ويتمنى مو’تها أمامه في مرحلة الشيخوخة فقد أنحنـ ـى ظهرها ولكن لم ينحـ ـني كبر’ياءها قط، ويجاورها عمُّه الذي جاورها وعمُّه الآخر وعمَّتهُ وأولاد عمومته وكبار العائلة، أرتسم الجمو’د على معالم وجهه وهو ينظر إليهم نظرةٍ جا’فة خا’لية مِن المشاعر والحُبّ، فيما نظروا هم إليهِ نظرةٍ ذات معنى هُنَيْهة ثمّ إلى “هنـد” وبطـ ـنها المنتفـ ـخة لتشعر بالخو’ف مِنهم وتتشـ ـبث أكثر بزوجها فهذا حـ ـقها فجميعهم تظنهم عصا’بة لا يعلم كيف ينتمي هو إليهم بالتأكيد حدث خـ ـطأٌ أو ما شابه..
_خير، مش هتسلم علينا ولا هتفضل واقف عندك كدا؟.
هكذا سأله عمُّه وهو ينظر لهُ نظرةٍ ذات معنى ليجاوبه “سعيـد” بنبرةٍ با’ردة وهو ينظر لهُ نظرةٍ خا’لية مِن المشاعر وقال:
_مبسلمش على أيادي مـ ـليانة د’م أبر’ياء، ولا كُنْت ناو’ي أجي ولا ر’جلي تعتـ ـب عتبة البيت دا بس تمام، مش هخـ ـطيه تاني أصلًا.
_ومين قالك كدا إن شاء الله؟ لا هتخـ ـطيه كتير أوي يا “سعيـد”، عيـ ـب عليك لمَ تبقى را’جل متجوز وقرّبت تكون أب وقاعد فبيت مراتك، و’حشة فحـ ـقك دي.
هكذا جاوبه عمُّه بنبرةٍ با’ردة وهو ينظر إليهٍ قا’صدًا إها’نته أمام زوجته، وعن “سعيـد” فقد طَا’لْعَهُ نظرةٍ هادئة تعكس ما يحو’م بداخلهِ ليجاوبه بنبرةٍ با’ردة كصقـ ـيع الثلج وقال:
_شيء ميخصكش، أنتَ جايبني هنا عشان تقولي الكلمتين دول؟ أنا عمومًا مش قاعد فبيت مراتي، أنا قاعد فبيت عيلتي، الناس دي هي عيلتي وكُل دُّنيتي والناس اللي أتربيت وسطهم وعيشت عُمري كُله معاهم على عكس عيلة أبويا اللي ملهومش ذرة حُبّ جو’ه قلبي حتى لو كان بيني وبين نفسي، أنتم لا تعنوني بشيء الحاجة اللي كانت بيني وبينكم ور’بطاني بيكم راحت خلاص، ولو بتحاول تهـ ـيني قدام مراتي متسـ ـعاش، أنا وهي عيلتنا واحدة عُمري ما شوفت نفسي غريب بينهم ولا عا’لة عليهم، حاول تركز فحياتك أكتر مِن كدا بدل ما تركز فحياة غيرك ورجوع مش راجع ولا عايز أكون بينكم فيوم مِن الأيام.
تقدَّم عمُّه خطواتٌ قليلة حتى وقف في منتصف المنزل بينهم وفي موا’جهة “سعيـد” الذي شـ ـدد مِن قبـ ـضة كفه على كف زوجته التي عادت خطوة إلى الخلف وشـ ـددت مِن قبـ ـضة كفها الأ’يسر على سترة “سعيـد” وهي تنظر إلى تلك الأوجه التي أثا’رت ر’يبتها بلا شـ ـك وجعلت الخو’ف يحتضن قلبها، تبادلا النظرات فيما بينهما هُنَيْهة ثمّ كسـ ـره صوت عمُّه الذي قال بنبرةٍ حا’دة:
_مهما تنكـ ـر وتعا’ند الحاجة الوحيدة اللي بتهر’ب مِنها هتفضل هي الو’اقع بتاعك، هنفضل عيلتك وأنتَ شا’يل أسم أبوك ومعاه أسم عيلته اللي هي إحنا، يعني معروف فالآخر لينا كُلنا إنك ابن للعيلة دي، وبخصوص البيت فكلامنا هو الصح مهما كان اللي أتقالك مِن جدك، الصح إنك تجيب مراتك تقعد فبيتك هنا مش العكس، إعـ ـقل يا “سعيـد” وفو’ق وفُـ ـكك مِن جدك عشان كبـ ـر وخرَّ’ف.
إشتـ ـعلت فتيـ ـلة “سعيـد” حينما استمع إلى تلك الكلمات التي تُنْسَـ ـب إلى جده الحبيب ولذلك إند’فع بدون ذرة تفكير مطـ ـبقًا على أسنانه قائلًا بنبرةٍ حا’دة:
_اللي بتغـ ـلط فيه دا يبقى أبوك وأبوه وأبوه وأبو اللي ما!ت مقتو’ل على إيد أخوك المجر’م، والسبب فالفسا’د دا كُله أُمّك، اللي واقفة دلوقتي ضهرها محـ ـني مستنية قـ ـضاء ربنا عشان تاخد عقا’بها اللي هر’بت مِنُه فالدُّنيا، وبالمناسبة لعلمك يعني جدي با’يعك مِن زمان أوي مِن ساعة ما قتـ ـلتي أبنك بإيدك بمساعدة أبنك الشـ ـمام، وأنا مش مسا’مح حد فيكم كلكم مش مسا’محكم أنتوا د’بحتوني وقتـ ـلتوني معاهم بقلب با’رد، مفيش بينا كلام ومحدش فيكم يتعشـ ـم إني هرجعلكم بعد دا كُله والبيت دا ر’جلي مش هتخـ ـطيه تاني وأنا مش معتبركم أهلي وأتمنى تنسوني زي ما أنا نسيتكم ود’فنتكم، أبعدوا عنّي أحسنلكم بدل ما أفاجئكم بردي عليكم ونز’عل مِن بعض.
حديثه كان سا’مًا، يقتـ ـل في الحال سامعهِ، تمر’د عليهم ولم يعـ ـبأ لأحدٍ مِنهم، هكذا كانت عائلته، وهكذا كان هو، ألقى نظرة أخيرة على هذا الذي يُسمى عمُّه مستحْـ ـقرًا إياه ثمّ تركهم ورحل محاوطًا زوجته بذراعه تاركًا إياهم يُطَالْعونَه بنظرةٍ تحـ ـمل الكثير والكثير لا شـ ـك في ذلك بكُل تأكيد فمازال الشـ ـر حـ ـيًا بداخلهم ماذا ينتظرون مِنهُ غير ذلك؟..
أدار “سعيـد” محرِّك السيارة وغا’در مسرعًا مِن محيط هذا المنزل وكأن ثمة أحدهم يُطا’ردهُ بسَو’طْ حاد يسعى للنَيْلِ مِنهٌ، نظرت لهُ “هنـد” دون أن تتحدث ترى عينيه تصر’خان قهـ ـرًا على ما عاد ينهـ ـش بقلب فتـ ـى مسـ ـكينٍ مثله، تعلم أنَّ الأمر الآن في غا’ية الصعو’بة بالنسبةِ لهُ فما رآه مِنهم يجعله بهذه الحا’لة وتلك المرحلة مِن الكرا’هية التي وصل إليها، لا تعلم ماذا تفعل لأجله فهي كانت تر’فض مجيئهما إلى هُنا لعلمها أنَّ الأمر لن يمر مرور الكرام، قررت أن تلتزم الصمت وتركه الآن حتى يهدأ قليلًا كي تستطيع التحدث معهُ بشكلٍ أكثر هدوءًا ور’احة.
_____________________
<“عادت الرو’حُ تَسْكُنُ ديارها،
وأطمئن الحبيب على حبيبُه.”>
عادت الرو’حُ تَسْكُنُ ديارها مِن بعد التيـ ـهة..
شُرِّ’دَت الرو’حُ وأر’هقتها صعاب الحياة وقسو’ة البشر، رو’حٌ سَعَـ ـت للهر’بِ مِن بقا’ع الماضي الأسو’د حتى تستطيع التقدُّم قُدُمًا نحو الأمام، وأطمئن الحبيب على حبيبُه حينما عاد إلى دياره..
كان يسير في أنحاء غرفة المعيشة الكبيرة منذ باكورة الصباح حا’ملًا صغيرته على ذراعه في محاولةٍ مِنهُ لتهدأتها هُنَيْهة، وفي حينٍ وآخر كانت تصمت تارة، وتئـ ـن تارة، وتبكي تارة، وما عليهِ سوى أن يُحاول معها حتى تهدأ، وفي هذه اللحظة كانت تلتزم الهدوء تنظر حولها بعينيها الكلا’سيكية التي تُشبه عينيهِ، أستمع إلى صوت رنين هاتفه العا’لِ يأتي مِن صالة الر’قص ليتوَّجه نحوها بخطى هادئة حتى ولج واقترب مِن الطاولة ناظرًا إلى شاشته ليرى المتصل زوجته..
أخذه بهدوءٍ ثمّ جاوبها بنبرةٍ هادئة مبتسم الوَجْه قائلًا:
_مرحبًا أيَّتُها الشرقية، كيف حالكِ؟.
جاوبته هي مبتسمة الوَجْه قائلة بنبرةٍ مماثلة:
_أنا بخير أيُّها الإيطالي، أخبرني كيف يسير الحال الآن كُلُ شيءٍ على ما يُرام أليس كذلك؟.
نظر هو في هذه اللحظة إلى الصغيرة التي كانت تضع كفها الصغير على وجهه ليقترب برأسه مِنها يُلثم خَدِّها الصغير قائلًا:
_نعم بخير، مِن الحين للآخر تبكي هُنَيْهة ثمّ تصمت وتبدأ بالأ’نين، ثمّ تهدأ ثمّ تضحك، هكذا هي معي.
أتسـ ـعت بسمتُها على ثَغْرها حينما تلقت الجواب مِن زوجها لتجاوبه وهي تشعر بالرضا قائلة:
_نعم هذا شيءٌ طبيعي، أستمع لي إذا ظلت تبكي دون أن تتوقف قم بإعداد اللبن الدا’فئ لها مثلما أخبرتُكَ وأحر’ص على أن تكون الكمية كما حددتُها إليك “إيثان” لا تزيد أو تُنْقـ ـص شيئًا أتفقنا؟.
_لا تقلـ ـقي “تكوى” مازلتُ أتذكّر كُل شيءٍ مثلما أخبرتيني قبل أن تذهبي، والآن أخبريني كيف الحال هل “رهف” بخير أم مازالت تشعر بالإعيـ ـاء؟.
هكذا رد عليها “إيثان” في بادئ الأمر مطمئنًا إياها ثمّ أنهـ ـى حديثه بسؤاله عن زوجة أخيه التي مر’ضت ليلة أمس بشـ ـدة واليوم هي تجاورها بعد أن ذهب شقيقه إلى العمل الذي كان لا يُمكن تأخيره بأي شكلٍ مِن الأشكال، جاوبته هي بنبرةٍ هادئة تُطمئنهُ على شقيقتها قائلة:
_الحمدلله إنَّها بخير الآن، أنا أُجاورها منذ باكورة الصباح والآن هي في حالٍ أفضل عن ليلة أمس، عندما يعود “إيدن” سأعود أنا كذلك حتى نذهب إلى التسوق مثلما أتفقنا.
شعر بالرضا وبالرا’حة التي غمـ ـرت قلبه حينما عَلِمَ أنَّها أصبحت بخيرٍ ليجاوبها بنبرةٍ هادئة وقال:
_حسنًا حمدًا لله على سلامتها أخبريها أنني كُنْتُ أطمئنُ عليها طيلة الوقت، وحينما تخرجين مِن منزل أخي أخبريني، أو أنتظري هُناك سأأتي أنا لكِ حتى أقوم بزيارتها والاطمئنان عليها ثمّ بعدها نذهب إلى التسوق، أتفقنا؟
_حسنًا هكذا أفضل، سأنتظرك لا تتأخر حبيبي.
هكذا جاوبته بنبرتها الهادئة ليبتسم هو في الحال حينما أستمع إلى نبرة صوتها الهادئة النا’عمة التي يُحب سماعها دومًا ليوافقها ثمّ أنهـ ـى المكالمة معها وقبل أن يتركه رأى أحد العاملين في الشركة يُهاتفه ولذلك وقبل أن يُجيبه نظر إلى صغيرته واستسـ ـمحها بقوله الهادئ:
_أسمعيني جيدًا “روجي” لا تبكين أو تُصدرين أيا أصواتٍ حتى أُنهـ ـي هذه المكالمة الهاتفية الها’مة حبيبتي رجاءًا، أتفقنا؟.
أنهـ ـى حديثه وهو ينظر لها ليراها تنظر لهُ في نفس الوقت هُنَيْهة ثمّ أبتسمت بأتسا’عٍ وضحكت بطفولة ليبتسم هو ثمّ لثم خَدِّها بقْبّلة حنونة وجاوب على المكالمة التي طا’لت لمدة عشر دقائق كاملة يتحدث مع العامل بأمور العمل وكيف سَيسير حتى بدأ أ’نينها في هذه اللحظة، نظر لها وهو يُهدهدها حتى تصمت قليلًا دون فائدة حتى بدأت تقـ ـطع حديثه كلما تحدث مع المتصل ليعتذر مِنهُ “إيثان” حينما بدأت صغيرته تبكي وتئـ ـن قائلًا:
_المعذرة مِنْكَ إنَّها أبنتي.
نظر إلى صغيرته بعدها ثمّ مـ ـسح بكفه على ظهرها برفقٍ وهو يُهدهدها محدثًا إياها بنبرةٍ هادئة لطيفة:
_”روجين” حبيبتي أخبرتُكِ أن لا تبكين أو تُصد’رين صوتًا حتى أُنهـ ـي مكالمتي، ماذا حدث حتى تبكين الآن ألم يكفيكِ أنني أقف منذ باكورة الصباح لأجلك؟.
أبتسم الآخر حينما أستمع إلى حديث رب عمله مع أبنته الصغيرة التي كانت تئـ ـن والعبرات تلتمع في مُقلتيها بعد أن تسا’قطت على صفحة وجهها الصغير ليسمع “إيثان” يُحادثُها مربتًا على ظهرها برفقٍ قائلًا:
_حسنًا أنا أفهم هذا لا تحزني أنا المخـ ـطئ الآن وأعتذرُ لكِ.
_سيدي، لرُبما تُريد أنَّ تنام.
هكذا رد الآخر على “إيثان” الذي أنتبه لوجوده على الخط ولذلك سر’عان ما قال بنبرةٍ متـ ـلهفة:
_أسمعني سأتصل بكَ لاحقًا حتى أُخبرُكَ ماذا سنفعل، سأضـ ـطر إلى أن أُغـ ـلق الآن.
أنهـ ـى حديثه مع الموظف ثمّ أغـ ـلق المكالمة وترك هاتفه وعاد ينظر إلى صغيرته التي كانت ما تزال تبكي ليبدأ هدهدتها مرةٍ أخرى وهو يقول بقـ ـلة حيلة:
_حبيبتي ستجعليني أُهاتف مشفى الأمر’اض العقـ ـلية الآن وأقوم بحجز فراشٍ هُناك، رفقًا بي حبيبتي.
هكذا أنهـ ـى حديثه را’جيًا صغيرته التي لا تتوقف عن البُكاء وهو ينظر لها ليراها تنظر لهُ بعينين باكيتين والعبرات تتسا’قط على صفحة وجهها الصغير وتضم شفتيها الصغيرة، آسره هيـ ـئتها اللطيفةُ تلك ولذلك عانقها ما’سحًا بكفه على رأسها وظهرها بحنوٍ وقال بنبرةٍ متأ’ثرة:
_حسنًا حسنًا لا تنظري لي هكذا حبيبتي أنا أعتذرُ لكِ وبشـ ـدة أفعلي ما تُريدين لن أشـ ـكو بَتاتًا.
أنهـ ـى حديثه وهو يمسـ ـح بكفه على ظهرها بحنوٍ دون أن يتحدث مبتسم الوجه يشعُر لمرتهِ الأولى بالغرابة مِن نفسه، هذه أول مرة يتعامل فيها مع أطفالٍ صغار، لأول مرة تخرج مشاعره تلك دون أيا ترتيباتٍ، ولَكِنّها كانت تُجـ ـبره أن يكون هكذا معها هي، تقوده نحو دربٍ جديد، نظر لها ليراها تضع رأسها على كتفه وهي تنظر أمامها بهدوءٍ ويبدو أنها ستسقـ ـط في بحو’ر أحلامها الور’دية قريبًا، تعا’لت البسمةُ الهادئة على ثَغْره وهو يرى كفها الصغير النا’عم متشبـ ـثًا على سترته الشتوية، اقترب مِن المقعد بخطى هادئة وجلس أعلاه بهدوءٍ مصدرًا صوتًا متأ’لمًا حينما شعر بأ’لم ظهره..
أغـ ـلق “إيثان” جفـ ـنيهِ تزامنًا مع قوله المتأ’لم:
_يا إلهي ظهري يؤ’لمني بشـ ـدة، لقد أ’لمني ظهري بسببك أيَّتُها الشـ ـقية، ولكن أتعلمين؟ لا بأس في ذلك فلتفعلين بي ما شئتي، أنا لا أشعر بالإنز’عاج حتى وإن تطّلب الأمر مِني أن أفد’يكِ برو’حي سأفعل ذلك، لأجلكِ فقط يا فراشتي الصغيرة.
أنهـ ـى حديثه وهو ينظر لها ليراها أبحـ ـرت في بحو’ر أحلامها الور’دية أخيرًا بعد سويعات مِن البُكاء والأ’نين، ر’فع كفه الأ’يمن وأمسك بقبعة سترتها الشتوية الو’ردية الصغيرة ووضعها على رأسها ثمّ فر’ض حما’يته عليها حينما ضمها بكلا ذراعيه وأنتظر لمدة نصف ساعة حتى وَرَدَهُ رسالةٌ مِن زوجته تُخبره أن يتحرك ليُطـ ـلق ز’فيرة قو’ية حينما رأى رسالتها ثمّ نهض يطو’فُ بعينيه بنظرةٍ سريعة على المكان مِن حوله ليرى غطاءها الصغير خاصتها موضوعًا على المقعد ولذلك أتجه نحوه بخطى هادئة جاذبًا إياه ثمّ وضعه على جسـ ـد صغيرته مـ ـحكمًا لْـ ـفُه حول جسـ ـدها الصغير حتى لا تشعر ببر’ودة الطقس في الخارج..
وعنهُ فقد أخذ أغراضه وتحرك خارج المنزل يشعر بقسو’ة بر’ودة الطقس في الخارج ولذلك كان يخشـ ـى كثيرًا على صغيرته، أتجه بخطى هادئة إلى مرآب السيارات ومِن ثمّ نحو سيارته مباشرةً، أدار محرِّك سيارته وتحرك مِن المكان ومازالت صغيرته داخل أحضانه الد’افئة تأبى تركه..
على الجهة الأخرى.
وبعد مرور ساعة تقريبًا..
كانت “تقوى” تنتظر مجيء زوجها وهي تجلس في غرفة المعيشة بعد أن جاء زوج شقيقتها وصعد للاطمئنان عليها بعد أن رحب بها وطلب الإذن لتركها والذهاب إلى زوجته، أطـ ـلقت ز’فيرة هادئة وكـ ـسر حِـ ـدَّة هذا الصمت رنين هاتفها الذي صدح عا’ليًا يُعلنها عن أتصالٍ هاتفي مِن زوجها، جاوبته بنبرةٍ هادئة قائلة:
_هل وصلت أم مازلت لم تتحرك بعد؟.
_أنا في الخارج أفتحي الباب إذا سمحتي أيَّتُها الشرقية.
هكذا جاوبها “إيثان” بنبرةٍ هادئة مستسمحًا إياها بلُطفٍ، فيما أبتسمت هي حينما أستمعت إلى تلك النبرة الحنونة لتجاوبه بنبرةٍ هادئة مبتسمة الوجه قائلة:
_حسنًا أيُّها الإيطالي، ولكن يجب أن تُعطيني وردة چورية حمر’اء أولًا إذا سمحت حتى أسمح لك بالولوج.
_هكذا إذًا، تُريدين أن أشتري وردة چورية حمر’اء حتى أستطيع الدخول لمنزل أخي، يا لكِ مِن خبـ ـيثة “تكوى”.
هكذا جاوبها بنبرةٍ مغتا’ظة ليتلقى قهقهاتها على الطر’ف الآخر حينما أستمعت إلى حديثه لتسمعه يقول بعدها:
_حسنًا “تكوى”، سأسير كما تُريدين أنتِ، لنرى إلى أين ستقودينني هذه المرة أيَّتُها الما’كرة.
أنهـ ـى حديثه وأنهـ ـى المكالمة معها أيضًا، تركت هاتفها على سـ ـطح الطاولة مبتسمة الوجه تنتظر هل سيجلب الوردة حقًا أم أنهُ سيتجا’هل ذلك ويستعين بأخيه هذه المرة، وعنهُ فحينما أنهـ ـى المكالمة معها نظر حوله يبحث عن متجر ورود چورية كي ينال رضا الشرقية هذه المرة، طا’فَ قليلًا بعينيهِ حتى رآه على مسافة وجيزة مِنهُ ولذلك أرتسمت البسمةُ على ثَغْره برضا..
وبعد مرور القليل مِن الوقت.
صدح رنين جرس المنزل عا’ليًا يُعلنها عن وصوله ولذلك سر’عان ما أرتسمت البسمةُ على ثَغْرها ونهضت تسير تجاه الباب وهي تتسأل هل فعلها حقًا أم أنهُ لن يفعلها وسيلـ ـجأ إلى أخيه كما أعتاد، فتـ ـحت الباب لتراه يقف أمامها حا’ملًا صغيرته على ذراعه الأ’يسر وبالآخر مُمسكًا بباقة الورود الچورية الحمر’اء وليست واحدة فقط، تفاجئت “تقوى” كثيرًا وأصا’بها الذهول وهي ترى باقة سو’د’اء اللو’ن أنيقة مُتراصَّة بداخلها الورود الچورية..
_تسعة وتسعون وردة چورية حمر’اء يكتملون العدد رقم المائة حينما يصبحون بين يديكِ أيَّتُها الشرقية.
هكذا قال “إيثان” بنبرةٍ هادئة حنونة مبتسم الوجه وهو ينظر إلى زوجته التي كانت تقف أمامه تنظر لهُ بذهولٍ تام وعد’م استيعا’ب، فبدلًا مِن أن يجلب واحدة، جَلَبَ تسعة وتسعون واحدة يكتملون العدد حينما تأخذهن هي مِنهُ، غمـ ـرتها السعادة في لمـ ـح البصر واتسـ ـعت البسمةُ على ثَغْرها والتمعت عينيها ببريقٍ لامع وهي تنظر لهُ غير مصد’قةٍ ما تراه أمامها، أخذتها مِنهُ وهي تنظر إلى الورود المُتراصَّة بجانب بعضها البعض بشكلٍ أنيقٍ، نظرت بعدها لهُ وقالت بنبرةٍ سعيدة مر’تميةً داخل أحضانه:
_إنها جميلة وبشـ ـدة “إيثان”، ظننتُ أنكَ لن تجلب لي الوردة ولكنك أبطـ ـلت أمالي جميعها وجلبت تسعة وتسعون واحدة.
_حتى أنال الرضا وتُعدين لي الحلوى الشرقية التي أُطالبكِ بها منذ أسبوعٍ.
هكذا جاوبها بنبرةٍ هادئة مبتسم الوجه ليراها تر’فع رأسها تنظر إليهِ تزامنًا مع قولها:
_ولكني أعددتُها ليلة أمس بالفعل، ولكن لم أُحبذ أن أُخبركَ بوجودها لأنها كانت سا’خنة وأنت لن تصمت إلا أن تتذوق مِنها ولذلك أعددتُها بالفعل وأخـ ـفيتُها حتى أُمسية الليلة حتى أُفاجئكَ بها.
نظر إليها نظرةٍ ملـ ـيئة بالاتها’م وكأنها أر’تكبت الجُر’م المشهو’د ليسمعها تُكمل حديثها قائلة بنبرةٍ هادئة مبتسمة الوجه:
_وهذه الورود التي جلبتهن لي الآن هن تحية شُكر وتقديرٍ مِنْكَ على مجهودي الذي بذ’لته لإعدادهم.
_كم أنتِ ما’كرة وخـ ـبيثة أيضًا “تكوى”، لقد خد’عتيني إذًا وجعلتيني أُقدم لكِ باقة الورود تلك لأنكِ أعددتي الحلوى لي؟.
أنهـ ـى حديثه متسائلًا بعد أن أتخذ في بادئهِ الو’عيد ليتلقى الجواب في الحال بهزَّ’ة خـ ـفيفة مِن رأسها لهُ كجوابٌ صا’دقٌ وصر’يح على سؤاله لتسمعه يتو’عد لها بنبرةٍ مغتا’ظة خافتة قائلًا:
_سعيدة أليس كذلك؟ سأُوريكِ أيَّتُها الشرقية الما’كرة.
_حسنًا أنسى الأمر الآن، يمكننا أن نذهب الآن حتى نكتسب القليل مِن الوقت لأن ما سأجلبه ليس هينًا.
هكذا جاوبته بعد أن أبتعدت عنهُ لتتلقى الموافقة مِنهُ في الحال ليقول هو بنبرةٍ هادئة:
_حسنًا خذي “روجين” مِني حتى أذهب إلى أخي كي أطمئن عليهِ وعلى زوجته ثمّ سألحق بكِ أذهبي إلى السيارة إنها مفتو’حة.
تركت باقة الورود ثمّ أخذت صغيرتها مِنْهُ تُحـ ـكم الغطاء عليها ليتركها هو ويصعد إلى الأعلى لرؤية أخيه، أخذت باقة الورود ثمّ خرجت لتشعر ببر’ودة الطقس في الخارج بشكلٍ لا يُحتـ ـمل لتذهب بخطى سر’يعة إلى السيارة حتى وصلت لها، وضعت باقة الورود في الخلف ثمّ استقرت هي بجوار مقعد السائق لتشعر بد’فئ المكان حولها لتعلم أنهُ قام بتشغيل المكيف، هُنَيْهة وجاء هو يجلس بجوارها مرتديًا حز’ام الأ’مان ثمّ أدار محرِّك السيارة وتحرك مِن المكان بهدوءٍ..
_هل رأيتهُ؟.
هكذا سألته وهي تنظر لهُ تنتظر تلقي الجواب الذي لم يبخـ ـل بهِ عليها قائلًا:
_نعم إنهُ بخير ولكنهُ مر’هقًا قليلًا بسبب كثرة الأعمال اليوم، ولكن كُل شيءٍ بخير الآن وزوجته كذلك بخيرٍ وهذا ما كُنْت أُريده.
حركت رأسها برفقٍ ورضا بعد أن أستمعت إلى حديثه ولذلك ألتزمت الصمت حتى وصلا إلى وجهتهما المنشو’دة، هُنَيْهة وكانت تد’فع عربة التسوق وهي تسير في قسم الطعام تنظر حولها تبحث عن مُرادها، فيما كان يسير بخطى هادئة يجاور زوجته وتركيزه بالكامل مع تلك اللطيفة التي كانت تلعب معهُ طيلة الوقت وترتسم ضحكتها الجميلة على ثَغْرها، وينظر لها ضاحكًا وعينيه تلتمعان ببريقٍ لامع، نظر إلى وجهها الصغير وقال بنبرةٍ هادئة مُحِبَّة:
_أنا الآن حظيتُ بما لم أكُن أن أمتلكهُ في أحد الأيام، أنا اليوم معي قطعة مِن الحلوى اللذيذة، حبيبتي وحياتي بكُل ما تحمله الكلمة مِن معنى، تمنيتُ أن تكون حياتي هادئة حتى وجدتُ الهدوء داخل أحضانها هي.
أنهـ ـى حديثه ثمّ اقترب مِنها يُلثم خَدِّها الصغير بقْبّلة حنونة ليرى تجا’وب الصغيرة معهُ ومطالبتها بالمزيد، ضحك هو ثمّ منـ ـحها قْبّلة أخرى حنونة، بدأت “تقوى” بوضع الأغراض التي تحتاجها في العربة وقد أستمر ذلك لبعض الوقت ليأتي قوله حاضرًا:
_هل سنظل ندور هكذا كثيرًا “تقوى”؟ أنا أشعر بالتعـ ـب يا امرأة منذ باكورة الصباح وتلك الصـ ـبية لا تُريدُني أن أجلس بَتاتًا.
قهقهت هي بخـ ـفةٍ ثمّ نظرت لهُ وقالت بنبرةٍ هادئة مبتسمة الوجه:
_تحلىٰ بالصبر يا رَ’جُل، أُريد أن أشتري أغراض “روجين” كذلك.
أطـ ـلق ز’فيرة قو’ية ثمّ نظر بيأ’سٍ إلى “روجين” التي كانت تر’فع رأسها عا’ليًا تنظر إلى الأضواء الذ’هبية حولها التي كانت تلمع تجذ’ب انتباهها وتجعلها تتفاعل معها بحما’سٍ، قهقه هو بخـ ـفةٍ حينما رأى تفاعُلها مع الأضواء التي نظر لها ليرى أضواء ذ’هبية متو’هِّجة ويُرافقها أضواء ملو’نة جذابة، نظر لها مجددًا يرى تفاعُلها الحما’سي معها ليُقرر متابعتها دون أن يقـ ـطع عنها تلك اللحظات التي تحدث دومًا دون سابق إنذ’ار يرى أنهُ يحتضن السعادة بين يديه بعد أن ظن أنها بعـ ـيدةٌ كُل البُعد عنهُ.
____________________
<“لقد حكمت بيننا الليالي جمعًا،
لأجد نفسي المفقو’دة بداخلها هي.”>
في أحد الليالي المظـ ـلمة، كانت بينهن واحدةٌ استثنائية..
واحدة مِن ضمنهن جمعت قـ ـلبين عا’شقين في ليلةٍ وضحاها، قـ ـلبين تعـ ـطشا إلى الحُبّ، حبيبين جمعتهما ليلة استثنائية، وبها وجد هو ليلتها نفسه المفقو’دة بها هي، هي تلك التي رغبها قـ ـلبه..
كان يقف في الشُرفة يعـ ـبث في هاتفه بهدوءٍ حتى تلقى أتصالٍ هاتفي مِن رقمٍ مجهو’ل، ولذلك لم ينتظر وجاوب قائلًا بنبرةٍ هادئة:
_السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أهلًا يا “هاني” عامل إيه، أنا بخير الحمد لله فز’حام مِن النعم، جهزت؟ تمام أنا هاجي أستلمها بُكرا الصُبح، آه الحمدلله ربنا يكتر أفراحنا، ماشي يا حبيبي تسلم، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
أنهـ ـى حديثه وأغـ ـلق المكالمة دون أن يتحدث ثمّ عاد يعبـ ـث في هاتفه قليلًا، هُنَيْهة وقام بنشر منشورًا جديدًا على صفحته كما أعتاد دومًا كُل يومٍ..
_إيه القوة اللي في “لا حول ولا قوة إلا بالله”،
•قلوب مقفولة ضدك: تفتحها،
•مستقبل مضلم: تنوره.
•ضغوطات و الطاقة صفر: قوة عجيبة هتظهر فيك.
•مشكلة و السكك مقفلة: تتفتح سكك فجأة.
“لا حول ولا قوة الا بالله”، أنتَ بتعترف بيها إنك أضعف من إنك تعمل لنفسك حاجة إلا بحول الله و قوته … هيَّ صحيح كنز من كنوز الجنة، بس السر الأعظم إنها كمان من كنوز الدنيا.
“ومَن ذَاق عَـرَف.”
رددها بعد أن قام بنشره ثمّ أغـ ـلق هاتفه ووَلَجَ إلى الداخل مغـ ـلقًا باب الشُرفة خلفه بإحكا’مٍ ثمّ أتجه للداخل ليوقفه صغيره في منتصف الطريق وهو ير’فع رأسه عا’ليًا ينظر لهُ قائلًا بنبرةٍ متر’جية:
_بابا ممكن تيجي تلعب معايا زي ما وعدتني الصبح؟ علشان خاطري يا بابا تعالى ألعب معايا أنا قاعد مستنيك مِن الصبح تيجي وز’هقت بصراحة مصدقت إنك جيت … هتلعب معايا صح؟.
أنهـ ـى “عـدنان”حديثه الرا’جي متسائلًا وهو ينظر إلى “حُـذيفة” الذي أطـ ـلق ز’فيرة قو’ية ونظر إلى زوجته التي كانت تقف في المطبخ ثمّ عاد ينظر لهُ يرى خو’فه الشـ ـديد مِن أن ير’فض هو ولذلك وافق على طلبه وأبتسم لهُ قائلًا:
_هلعب معاك زي ما وعدتك، أنا كُنْت جايلك أصلًا.
تبدلت معالم وجه الصغير خلال ثوانٍ وأرتسمت السعادة والبسمةُ على ثَغْره ليذهب إلى غرفته سريعًا وهو يصيـ ـح بحما’سٍ شـ ـديد فرحةً بتلبية أبيه لمطلبه ووعده الذي قطـ ـعه لهُ في الصباح، فيما لَحِقَ بهِ “حُـذيفة” وولج إلى غرفة صغيره ليراه يقوم بتجهيز كُل شيءٍ بحما’سٍ شـ ـديد، أتسـ ـعت البسمةُ على ثَغْره ثمّ اقترب مِنهُ بخطى هادئة وبدأ بإيصال الأسلا’ك بالمقبـ ـس الكهـ ـربي كي يتم تشغيل الجها’ز أسفـ ـل نظرات الحما’س النابعة مِن عينين صغيره..
_كورة ولا مصا’رعة؟.
هكذا سأله “حُـذيفة” بعد أن جلس بجواره وأمسك بالد’رع الالكتروني ليجاوبه “عـدنان” مبتسم الوجه وقال:
_كورة، ونلعب ضـ ـد بعض إيه رأيك؟.
أنهـ ـى حديثه بعد أن قام بالولوج إلى اللُعبة ونظر إلى أبيه الذي نظر لهُ كذلك وجاوبه قائلًا مبتسم الوجه:
_ماشي يا عم وأنا موافق، هتلعب بمين بقى؟.
أنهـ ـى حديثه متسائلًا يجهـ ـل الفريق الذي سيختاره الصغير الذي جاوبه وهو ينظر إلى الشاشة الكبيرة وقال متسائلًا:
_أنتَ هتلعب بمين؟.
_هختار ريال مدريد طبعًا.
هكذا جاوبه “حُـذيفة” بعد أن أختار فريقه المفضَّل ليجاوبه الصغير وهو يختار الفريق قائلًا:
_وأنا هختار مانشستر ستي طبعًا، “مرموش” و “هالاند” فيه.
_يا سلام طب ما أنا معايا “مبابي” و “لوكا مودريتش”.
هكذا جاوبه “حُـذيفة” ونظر لهُ ليجاوبه “عـدنان” مبتسم الوجه قائلًا:
أيوه عارف إن معاك “مبابي” و “لوكا”، بس هكسبك برضوا.
_آه ما أنا عارف بأما’رة ماتش أول إمبارح لمَ قعدت تضحك وتقول إن مانشستر ستي هيكسب ريال مدريد والشوط كان ٢ – ٠ للستي، الريال عمل إيه بقى؟ نزل الشوط التاني جاب جولين وجول فالشوط الأول، وخلص ٣ – ٢ للريال حتى “مرموش” اللي فرحت بنزوله ملحـ ـقش يعمل حاجة وقولتلي هينزل ينيم فرقة الريال.
_على فكرة الماتش كان هيخلص للستي بس الشوط التاني الريال فاق لنفسه واختلف عن الشوط الأول، وعادي لو الستي خسـ ـر أنا بحبه برضوا.
عا’نده الصغير بعد أن تذكّر هذه المباراة ليبتسم “حُـذيفة” ويعاود النظر إلى الشاشة الكبيرة قائلًا:
_خلاص نشوف الماتش دا مين فينا هيكسب، الريال ولا الستي.
_موافق.
هكذا جاوبه الصغير ثمّ بدأ كلاهما المباراة وكان الحما’س قائمٌ بينهما ورو’ح الفوز حاضرة فلن يستسـ ـلم أحدهما في مثل هذه مباراة بكُل تأكيد، ومع مرور أول خمسُ دقائق صا’ح “عـدنان” معتر’ضًا وهو يقول:
_حرام دي فيها إنذ’ار وبلنتي كمان إيه الظُـ ـلم دا فين الحكم !!.
ولجت “أيسـل” في هذه اللحظة وهي تحـ ـمل صينية معد’نية دائرية الشكل يعـ ـلوها ثلاثة أكواب مِن المشروب السا’خن الذي إنتشـ ـرت رائحته في المكان، وضعتها على سطـ ـح الطاولة ثمّ جلست على المقعد تتابعهما بوجهٍ مبتسم ليصيـ ـح صغيرها مِن جديد قائلًا بنبرةٍ حما’سية:
_أيوه كدا هو دا العد’ل، خدت بلنتي وهجيب أول جول.
هكذا قال الصغير وهو ينظر إلى الشاشة الكبيرة بحما’سٍ ليجاوبه “حُـذيفة” بنبرةٍ هادئة قائلًا:
_هتتصد إن شاء الله متقلقش.
_لا مش هتتصد وهدخلها جول أنا هكسبك النهاردة.
هكذا جاوبه “عـدنان” بنبرةٍ حما’سية منتظرًا صافرة الحكم حتى يُعطيه إشارة باللعب أسـ ـفل نظرات التر’قب مِن “حُـذيفة” الذي تأهبت حو’اسه وهو يسمع صافرة الحكم يُعطي الإشارة باللعب، فيما كان الصغير ينظر إلى الشبكة والحارس مقررًا أيُ إتجاهٍ سيركلها، لحظات وركل الكرة التي ولجت داخل الشباك ليصر’خ الصغير بسعادةٍ كبيرة ونهض مِن مجلسهِ يقفز بفرحةٍ عا’رمة أسفـ ـل نظرات “أيسـل” التي كانت تُتابعه ضاحكة بعد أن رأت نظرات زوجها لهُ..
_قولتلك هتبقى جول مسمعتش كلامي أهي بقت ١ -٠ للستي مِن بلنتي.
حرَّك “حُـذيفة” رأسه برفقٍ وقال بنبرةٍ هادئة متو’عدة:
_ماشي يا عمّ براحتك، مسيرنا نتعادل دلوقتي لسه أول رُبع ساعة فالماتش.
عاود الصغير يلتزم مكانه وأكملا الشوط الأول ما بين الصيحا’ت المتعا’رضة، والمتلـ ـهفة، والحما’سية، قطـ ـعت هي حما’سهما ذاك بقولها الهادئ:
_طب ينفع تسيبوا الماتش دا دلوقتي وتيجوا تشربوا الحمص عشان لو بر’د مش هقوم أسـ ـخَّنُه تاني.
أوقف الصغير اللُعبة فجأةً ونظر إلى أبيه بطر’ف عينه نظرةٍ ما’كرة والذي نظر لهُ كذلك نظرةٍ ذات معنى بطر’ف عينه ليقول:
_أكمنك المُتحـ ـكم بقى وكدا؟ ماشي يا عمّ.
أبتسم الصغير ثمّ نظر إلى والدته التي أعطته الكوب الخاص بهِ ثمّ يليه أبيه الذي قال بنبرةٍ هادئة:
_جه فوقته واللهِ الجَو سـ ـقعة أوي بره.
أخذ هاتفه يعبـ ـث بهِ هُنَيْهة يقرأ رسالة ابن عمته ليقول:
_تعالى نشوف ماتش الليفر عمّك بيقولي ماتش جا’مد.
أقترب الصغير مِنْهُ ليجاوره وهو ينظر إلى هاتف أبيه حيثُ المباراة المذاعة حاليًا لفريقهما الإنجليزي المفضَّل ليبدأ بمشاهدة المباراة، تحدث الصغير وهو يقول بنبرةٍ هادئة متسائلًا:
_هو “صـلاح” بيلعب؟.
_آه أهو، وهو اللي عمل أسيست الجول الأول لـ “لويس دياز”.
هكذا جاوبه “حُـذيفة” بنبرةٍ هادئة ليُكملا مشاهدة المباراة سويًا منتظرين أن يأتي الهدف الثاني لفريقهما المفضَّل، فيما كانت “أيسـل” تتابعهما مبتسمة الوجه طيلة الوقت ترى حما’سهما وتلهفهما لفوز فريقهما بعد أن كانا يتنا’فسان قبل قليل على فوز الفريق المفضَّل لكليهما، هكذا كانا في كرة القدم، وهكذا سيكونان.
____________________
<“وما كان للرا’حةِ سبيلًا سوى عينيها،
وأنا الغر’يقٌ في بحو’ر عينيها السا’حرة.”>
وما كان للر’احةِ سبيلًا سوى عينيها، غريبةٌ..
وها أنا الغَريبُ غر’يقًا في بحو’ر عينيها السا’حرة وما بي أمامها سوى الاستسـ ـلام أمام أموا’جها العا’لية.
كانت تقوم بترتيب شقتها بهدوءٍ كعادتها، وحيدة بعد أن تركها وذهب إلى عمله، خرجت إلى غرفة المعيشة بخطى سر’يعة وبدون أن تنـ ـتبه تعر’كلت قدمها بالسَجَّادة الصوفية لتسقـ ـط أرضًا بقو’ة، تعا’لى صوتها المُتأ’لم تزامنًا مع ولوج “زين” مِن الخارج ليراها بهذه الحا’لة ولذلك أغـ ـلق الباب خلفه سريعًا واقترب مِنها بخطى و’اسعة قائلًا بنبرةٍ متلهـ ـفة:
_إيه اللي و’قعك كدا يا “حنين” مش تخلي بالك يا حبيبتي.
أنهـ ـى حديثه ثمّ انحنـ ـى بجذعه العلـ ـوي يد’عم ثِقَـ ـل جسـ ـدها لتتحا’مل هي عليه ثمّ نهضت متأ’لمة وهي لا تقد’ر الوقوف على قدمها لينظر هو لها ثمّ عاد ينظر إلى زوجته وقال متسائلًا:
_أنتِ و’قعتي عليها؟.
حرَّكت رأسها برفقٍ تؤكد على حديثه دون أن تتحدث وهي تتأ’لم ليقوم هو بلـ ـف ذراعها حول عـ ـنقه ثمّ وضع ذراع خلف ظهرها والأخرى أسفـ ـل رُكبتيها ثمّ حـ ـملها على ذراعيه واقترب مِن الاريكة وضعها عليها ثمّ جلس بجوارها متفحـ ـصًا قدمها وحينما ضـ ـغط على موضع الآ’لم تعا’لى صوتها المتأ’لم قائلة:
_براحة يا “زين” ر’جلي و’جعاني أوي.
تفحـ ـص “زين” قدمها ليراها متو’رمة بعض الشيء، عقد حاجبيه ونظر لها مرةٍ أخرى وقال:
_ر’جلك وا’رمة ليه يا “حنين”؟ أنتِ مش واخدة بالك ولا إيه.
_بقالها فترة على كدا معرفش ليه بصراحة.
هكذا جاوبته بنبرةٍ هادئة جا’هلةً السبب وراء ذلك ليعاود هو متفحـ ـصًا إياها ثمّ نظر بعدها إليها وقال بنبرةٍ هادئة:
_”حنين” مش ر’جلك بس على فكرة، حتى أنتِ، شكلك تـ ـعبان على طول ووشك اصـ ـفر، أنتِ بجد كويسة عشان بدأت أقـ ـلق.
ابتسمت هي لهُ بعد أن رأت الخو’ف يحتضن عـ ـينيه وهو ينظر لها لتحاول طمئنته بقولها الهادئ:
_متخا’فش أوي كدا أنا كويسة وزي الفُل، يمكن إرها’ق بس مش أكتر.
_إرها’ق إيه دا يا “حنين” أنتِ مبتعمليش حاجة تر’هقك بالطريقة دي، بقولك إيه غيَّري هدومك أنا هاخدك للدكتور.
أنهـ ـى حديثه بعد أن قرر اصطحابها إلى الطبيب حتى يطمئن عليها ليرى الاعتر/اض مِنها حينما ر’فضت قائلة:
_بس أنا كويسة مش مستا’هلة أروح للدكتور يا “زين”.
نظر إليها “زين” في هذه اللحظة نظرةٍ ذات معنى ثمّ قال بنبرةٍ جا’دة لا تقبل النقاش:
_وأنا شايف إن الموضوع يستا’هل يا “حنين”، قومي يلا بسرعة عشان هوديكي ومش هتراجع عن قراري مهما حصـ ـل.
أنهـ ـى حديثه ثمّ انْتَـ ـصَب واقفًا وساعدها على السير بعد أن حاوطها بذراعه لتسير هي ر’غمًا عنها طوا’عيةً بعد أن أصد’ر قر’اره الأخير وانتهى الأمر، هُنَيْهة وكانا في السيارة في طريقهما إلى الطبيب، نظرت لهُ “حنين” بعد أن كان تركيزها منـ ـصبًا على هاتفها وقالت بنبرةٍ هادئة:
_”زين” أطلع على الدكتورة اللي “غدير” أختي كانت بتروحلها كدا.
عقد هو حاجبيه وقال متعجبًا ومستنكرًا قولها تمامًا:
_ودي هتروحيلها ليه؟! دي دكتورة نسـ ـا وأنتِ وا’قعة على ر’جلك ووا’رمة هتعملك إيه دي مش فاهم برضوا.
_روحلها بس وهتعرف كُل حاجة.
هكذا جاوبته بنبرةٍ هادئة بعد أن أصرَّ’ت على قولها ليُطـ ـلق هو ز’فيرة قو’ية جا’هلًا ما تريد أن تفعله ولكنهُ قرر أن يُلبي مطلبها حتى يرى إلى أين ستقودهما هي.
___________________
<“ليلةٌ واحدة كانت بألف ليلة وليلة.”>
ليلةٌ واحدة تمـ ـحو ذكريات الليالِ الأخرى..
ليلةٌ واحدة كانت بمثابة ألف ليلة وليلة، ليلةٌ واحدة جعلت الحياة تتخذ مجرى آخر أكثر را’حة وحنوًا..
كانت تطوي ملابسه وتضعها في الخزانة بهدوءٍ وحيدة في الغرفة، وَلَجَ هو لها مغـ ـلقًا الباب خلفه ثمّ بدأ يقترب مِنها بخطى هادئة حتى وقف خلفها وحاوطها بذراعيه يُلثم خَدِّها بقْبّلة حنونة ثمّ قال بنبرةٍ هادئة:
_يا جميل مالك كار’فلي مِن بدري ليه هو أنا عملت حاجة.
_لا يا حبيبي أنتَ ملا’ك مبتعملش حاجة.
هكذا جاوبته “بيسـان” بنبرةٍ هادئة دون أن تنظر لهُ لتسمعه يقول بنبرةٍ هادئة مجددًا:
_طب على فكرة بقى كُنْتي زي القمر النهاردة، دا أنا حتى قولت العروسة المفروض تبقى أنتِ مِن حلاوتك.
ضحكت بخـ ـفةٍ على حديثه لتترك ما تفعله وتلتفت لهُ تنظر إليهِ قائلة بنبرةٍ ضاحكة:
_حساك بتاكُل بعـ ـقلي حلاوة يا “سيـف” معرفش ليه.
_وأنا أقدر برضوا يا حياتي، دا أنتِ كُل حياتي أنا أضحك عالكُل بس مضحكش عليك أنتَ يا جميل.
أنهـ ـى حديثه مبتسمًا وهو ينظر لها نظرةٍ ما’كرة لتضحك هي بخـ ـفةٍ ثمّ نظرت لهُ وقالت بنبرةٍ هادئة مبتسمة الوجه:
_هصدقك المرة دي رغم إنك با’لغت فحتت إن أنا العروسة.
_وليه متبقيش أنتِ العروسة يعني، مش قد المقام ولا إيه؟.
هكذا جاوبها “سيـف” وهو ينظر لها ليراها تضحك مِن جديد وهي لا تُصدق ما تسمعه مِنْهُ، فيما أبتسم هو وقال بنبرةٍ هادئة:
_قوليلي طيب، بقالك يومين محلوة كدا إيه السـ ـر يا ترى.
_عادي، ما أنا طول عُمري حلوة جديدة دي يعني؟.
هكذا سألته وهي تنظر لهُ ليبتسم هو ويُجيبُها قائلًا:
_إيه النر’جسية دي، على فكرة أنا كمان حلو يعني عشان متفتكريش بس إن أنتِ الوحيدة اللي حلوة وكدا.
ضحكت هي مجددًا ثمّ عانقته وهي تحاوط عنـ ـقه بذراعيها قائلة:
_على طول حلو حد يقدر يقول غير كدا يعني.
ابتسم هو وضمها ما’سحًا بكفه على ظهرها برفقٍ ثمّ قال بنبرةٍ هادئة:
_بقولك إيه، أنا عازمك على سمك دلوقتي يلا.
تفاجئت “بيسـان” بلا شـ ـك ولذلك نظرت لهُ بعد أن ابتعدت عنهُ قليلًا لترى عينيه لا تكذُ’ب عليها، أكد عليها قوله بهزَّ’ة صغيرة مِن رأسه لتقول هي بنبرةٍ هادئة متر’قبة:
_بتتكلم بجد؟ مش بتهزر يعني وكدا؟.
_أكيد بتكلم بجد، يلا بس أجهزي بسرعة وهتشوفي بنفسك إذا كُنْت بضحك عليكي ولا لا.
هكذا جاوبها بنبرةٍ جا’دة وهو ينظر لها بعد أن رأى الشـ ـك يحاوط عيـ ـنيها، ر’فع كفه برفقٍ نحوها لتُلا’مس أنامله خصلا’تها البُنـ ـية الفا’تحة يُعيدها إلى الخلف قائلًا:
_يلا صفقة سمك حلوة ميتقالهاش لا دي.
_وهو أنا قولتلك لا؟ هجهز طبعًا وأجي بسرعة، هخليك تعلـ ـن إفلا’سك النهاردة يا “سيـف”.
هكذا جاوبته سريعًا وهي تنظر إليهِ نظرةٍ مليـ ـئةٍ بالمكـ ـر والخـ ـبث ليضحك هو حينما رأى نظراتها نحوه ليقترب مِنها قليلًا يُلثم خَدِّها بقْبّلة هادئة حنونة ثمّ جاوبها بنبرةٍ هادئة وقال:
_يا جميل أنتَ تعمل اللي تحبُّه، موافق أعلن إفلا’سي على ايدك يا حلو، هو حد يطو’ل.
تركته هي وذهبت تأخذ ملابسها وهي تضحك، فيما كان يُتابعها هو بعينيه مبتسم الوجه فهو اليوم يشعر بالرا’حة والسعادة فقد تمت خطبة أبنته الثانية وغدًا ستكون الثالثة، كيف لهُ أن لا يسعد في يومٍ كهذا، أطـ ـلق ز’فيرة قو’ية ثمّ ذهب هو كذلك لتبديل ملابسه والذهاب حتى يحظيا بالقليل مِن الوقت بجوار بعضهما.
_____________________
<“لقد سر’قنا الزمانُ وضا’ع شبابنا،
وظَّل الحُبّ بيننا حـ ـيًا على مر الزمان.”>
نعم لرُبما أصدق مقولة قيلت أن الزمانُ قد سر’قنا وأضا’ع شبابنا..
ولكن ظَّل الحُبّ بيننا حـ ـيًا على مر الزمان، إن ضا’ع العُمر لا يضـ ـيع الحُبّ، وإن شيـ ـبت الرأس لا تشـ ـيب المشاعر، وإن تجـ ـعدت البشرة، لا تتجـ ـعد القلوب وتظل في ريعان شبابها..
كان يقف أمام باب الشرفة ينظر إلى السماء المز’ينة بالنجوم اللامعة والقمر يتوسطها بنو’ره الوها’ج بهدوءٍ، فيما اقتربت هي مِنْهُ بخطى هادئة وهي تحمـ ـل الكُوْز لتجاوره في وقفتهِ تنظر لهُ بهدوءٍ لتقول:
_قهوتك يا “ليل”.
اسْتَفاقَ هو على نبرة صوتها الهادئ لينظر لها يراها تنظر لهُ تنتظر تلقي الجواب، أطـ ـلق ز’فيرة هادئة ثمّ أخذ الكُوْز مِنها شاكرًا إياها ثمّ جاوبها بنبرةٍ هادئة بعد أن عاد ينظر إلى السماء وقال:
_ببُص عالسما، شكلها حلو أوي النهاردة.
نظرت هي تلقائيًا إلى السماء تشاهد جمالها هذه الليلة لتبتسم قائلة بنبرةٍ هادئة:
_عندك حـ ـق، شكلها حلو أوي النهاردة.
نظر لها في هذه اللحظة نظرةٍ ذات معنى ثمّ نظر إلى القمر وأعاد الكرّة مرةٍ أخرى لتنظر هي إليهِ نظرةٍ ذات معنى ثمّ قالت مبتسمة الوجه:
_في إيه؟ مالك بتبُصلي كدا ليه؟.
أبتسم هو واعتدل في وقفتهِ وقال بنبرةٍ هادئة:
_بصراحة … أفتكرت أغنية _نحنا والقمر جيران_ للمطربة “فيروز”، شوفت القمر وشوفتك جَت على بالي، فاكرة الأغنية كانت بتقول إيه؟.
اتسـ ـعت بسمتُها على ثَغْرها وازد’ادت خَـ ـفقات قلبها بشكلٍ مفاجئ حينما داهـ ـمها هو وفاجئها، فيما ابتسم هو وأخذ هاتفه يعبـ ـث بهِ هُنَيْهة ثمّ نظر لها حينما قام بتشغيل الموسيقى يرى تعبيرات وجهها التي تبدلت في لمـ ـح البصر ليفصـ ـل الخطى الفا’صلة بينهما بقرّبه مِنها ليضمها إلى د’فئ أحضانه ناظرًا إلى القمر وهو يدندن معها:
نحن والقمر جيران،
بيته خلف تلالنا،
بيطلع من قبالنا،
يسمع الألحان،
نحنا والقمر جيران،
عارف مواعيدنا،
وتارك بقرميدنا،
أجمل الألوان،
وياما سهرنا معه،
بليل الهنا مع النهدات،
وياما على مطلعه،
شرحنا الهوى غوى حكايات.
نظرت لهُ “روز” مبتسمة الوجه وعينين تترقرق بهما الدمع بعد أن داهـ ـمها وأثنى على جمالها الذي لا يَمِّـ ـلُ مِنْهُ بَتاتًا، فيما كان “ليل” ينظر إلى عينيها الفير’وزية بوجهٍ مبتسم لير’فع كفه الد’افئ نحو شطر وجهها الأ’يسر يحاوطه وهو ينظر لها ليهمس إليها قائلًا بنبرةٍ حنونة:
_أنتِ والقمر مش جيران، أنتم أخوات، ويمكن أنتِ أحلى مِنُه كمان، كُل مدى بتبقي أحلى وأحلى، معلش بس قوليلي السـ ـر عشان تخليني أشوف الجمال دا كُله.
أنهـ ـى حديثه وهو ينظر لها منتظرًا تلقي الجواب مِنها، ليرى بسمتُها تتـ ـسع أكثر على ثَغْرها لتجاوبه بنبرةٍ هادئة وهي تنظر إلى عينيه البُنـ ـية اللامعة قائلة:
_عشان أنتَ عيونك جميلة يا حبيبي، أنا بحبك أوي يا أحلى حاجة حـ ـصلتلي فحياتي.
اقترب مِنها يُلثم جبينها بقْبّلة حنونة ثمّ نظر إلى عينيها وقال:
_مش هتحبيني بمقدار حُبّي ليكي يا “روز”، ومِن جانب آخر أنتِ أحلى حاجة حصـ ـلتلي فحياتي، أنتِ جيتي فتوقيت صـ ـعب عليا قـ ـلبتيلي حياتي كُلها، ومِن ساعتها وأنا بغـ ـرق فحُبّك أكتر وأكتر يا بنـ ـت الدهشان وما لاقي مرسىٰ.
_إحنا الاتنين كُنْا سبب فتغيُـ ـر بعض للأحسن، إحنا كُنْا محتاجين بعض، وبقينا مع بعض فالتوقيت المناسب.
_وهنفضل مع بعض لآخر العُمر يا عُمري كُله.
هكذا جاوبها بنبرةٍ حنونة وهو ينظر لها نظرةٍ ذات معنى ما’كرة، نظرت هي إليهِ لتعلم سـ ـر تلك النظرة جيدًا ولذلك منـ ـحتهُ ابتسامة هادئة جميلة واقتربت مِنهُ تُلثم خَدِّه بقْبّلة حنونة هادئة ثمّ ابتعدت قليلًا عنهُ تنظر لهُ لتراه مازال كما هو نحوها لم يتغيَّر قط، مازال ما’كرًا معها ومازال هذا المُحب العا’شق إلى حبيبُه، بدأ يقترب مِنها بهدوءٍ شـ ـديد ومعهُ لا تعتر’ض على شيءٍ فهذا هو الحبيب، هُنَيْهة واقتـ ـحم الغرفة “مُـعاذ” كما فعل مِن قبل وهو يقول بنبرةٍ مرحة:
_اقفـ ـش حر’امي، قفـ ـشتك يا جدو يا خلبو’ص.
خـ ـبيثٌ وما’كرٌ كعادتهِ يأتي في لحظاتٍ لا تُناسبهُ يُفسـ ـد كُل شيءٍ، وكان هو سيد اللحظات السعيدة التي يستطيع تحويلها إلى لحظاتٍ فا’سدة على عا’شقٍ مثله، إن كان الكبيرُ ما’كرٌ فالصغير سيكون ما’كرًا كذلك، كما قيل مِن قبل، هذا الشبـ ـل مِن ذاك الأسـ ـد.
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية أحببتها ولكن 7)