رواية عشق اليونس الفصل السادس 6 بقلم ولاء علي
رواية عشق اليونس الفصل السادس 6 بقلم ولاء علي
رواية عشق اليونس البارت السادس
رواية عشق اليونس الجزء السادس

رواية عشق اليونس الحلقة السادسة
في صباح اليوم التالي.
كانت حرارة عشق انخفضت قليلًا وغفت فهي كانت طوال الليل تتألم من ألم يدها، فخرجوا وتركوها لترتاح وهبطوا للأسفل.
في ذلك الوقت كان يونس عائدًا من بعد صلاة الفجر والشروق، فوجد الجميع يجلس، فألقى السلام، وطلب من رحاب أن ترتدي ثيابها سريعًا ليوصلها في طريقه، انهى حديثه وصعد قبل انتظار ردها.
– يا ترا يونس ماله هو كمان؟!
غمغمت الأم عزة بقلق على ابنها.
فتدخل الجد:
-سيبوه براحته، يونس مش صغير، وأنتِ يا رحاب، ما تعرفيش يونس باللي حصل مع عشق، سيبوه لما يرجع أنا هتكلم معاه.
– حاضر يا جدو، هطلع ألبس قبل ما يتعصب، علي فكرة يا خالتو جميلة، سارة هتيجي معايا تشوف عشق، كانت بتقول هتكلمك.
– أيوا يا حبيبتي، كلمتني إمبارح هي ومامتها.
انتهى يونس من ارتداء ثيابه، وخرج لينتظرهما في الخارج، حزين كلمة بسيطة على ما يشعر به، ظل طوال الليل يفكر، هل ذلك الشاب من كان يريد الزواج بها؟ ولو كان هو كيف سمحت له أن يتحدث معها وهي تحمل اسمه، يشعر بالألم منها وعليها، ما زال يتذكر شهقاتها، محاولتها للحديث معه.
أفق يونس، أي محاولة تلك، فلم تحاول الاتصال بك، أو صعدت لك لتتحدث معك، لو كانت تهتم لأمرك، لم تكن لتتركك كل ذلك الوقت، أه من عشقك عصفورتي، مؤلم وقاسي، كيف عشقتك هكذا؟ كيف اهتم لأمرك، وأمري لا يعنيكي؟! فشعر بثقل يجثو على صدره، فرفع وجهه فرأى رحاب تقترب من السيارة وحدها، ولكن أين عصفورته؟ اغاضبة منه؟
– يونس، واقف ليه! أنا ركبت.
– عشق فين؟!
– عشق مكسلة تروح انهاردة، يله بقى نمشي.
فصعد لسيارته، وقلبه مشغولٍ بعصفورته، فالقلق تسرب لقلبه، حتى مظهر عائلته صباحًا كان مقلق، كيف لم ينتبه؟! فأوصل رحاب للجامعة، وأتصل بجامعته، وأخبرهم بعدم استطاعته الحضور اليوم، وعاد أدراجه سريعًا ليعلم ما بها عصفورته.
في غرفة عشق.
كانت الجميع ينظر لها بقلق، فحالتها تسوء أكثر، وحرارتها ارتفعت مرة أخرى.
– أنا اتصلت على عبد الرحمن، وهو مستنينى في المستشفي، رنا حطلها النقاب عشان أشيلها.
– حاضر يا خالو.
– يا حبيبتي يا بنتي، يا ترا إيه اللي صابك يا حبيبتي!
– أنا الحمد لله يا ماما، بخير قدامك أهو، خالو اللي مصمم اكشف تاني.
هسهست عشق بخفوت، بعدما وضعت لها رنا النقاب.
– فعلًا يا حبيبة خالك، أنتِ كويسة، لدرجة إنك مش قادرة تقفي.
– في إيه؟! مالها عشق؟
هتف يونس بقلق بعدما استمع لحديث خاله، فأقترب يونس من عصفورته:
– مالك يا حبيبتي، طمنيني عليكِ.
كانت تلك المرة الأولى التي يصرح بها لسان يونس بتلك الكلمة، فنظر ليدها:
إيدك فيها إيه؟ ما حد يرد عليا، عشق مالها؟
فأخبروه ما حدث معها، فصدم يونس، هل عشقه كانت تتألم وهو ليس بجوارها، فحملها بدون تضيع للوقت، فشهقت بخفة، وتمسكت تلقائيًا برقبته، فكان ذلك القرب الأول لهما.
فتنفست عشق براحة، واغمضت جفنيها بخمول.
وصل الجميع للمشفى، فوجدوا الطبيب عبد الرحمن، صديقهم في انتظارهم، ليكشف على عشق، ولكن بطلنا الغيور رفض بشدة، وطلب طبيبة تفحص زوجته، فكيف وجه عصفورته يظهر على غريب.
فتفهم عبد الرحمن صديقه، وطلب من طبيبة معهم أن تفحص عشق ذلك اليونس.
كان يونس ينتظر خارج الغرفة بقلق، لحتى تنتهى الطبيبة.
وبعد قليل من الوقت، خرجت الطبيبة، بملامح يكسوها الانبهار، فأقترب طارق وهو يغمغم:
– إيه الأخبار يا دكتورة هدى، عشق كويسة؟
– عشق زي الفل، أنا اللي مش كويسة والله، الحمد لله إن اللي جوا دي منتقبة، أنا…
– في إيه يا دكتورة ما تطمنينى، إيه اللي إنتِ بتقوليه دا!
غمغم يونس بانفعال.
فاستعادت الطبيبة جديتها:
– احمم واضح إن العصفورة اللي جوا دي حساسة جدًا، وفي حاجة مزعلاها وأثرت على نفسيتها، عشان كدا حرارتها بترتفع، والموضوع دا على كلام والدتها معاها من الصغر، وكمان ما أخدتش علاجها كامل، هتفضل معانا طول النهار عشان نطمن عليها.
– شكرًا يا دكتورة هدى، وأرجو إنك متزعليش من يونس في انفعاله، كلنا بس متوترين وقلقانين على عشق.
– لكم حق طبعًا، لو العصفورة دي ما تزعلش عشانها، هينزعل عشان مين، عشاني يعني.
فنظر لها يونس وهي تذهب بغيظ وغضب، وكاد يذهب للداخل ليطمئن عليها، ولكنه وجد خالته تخرج، وتخبرهم بتصميم عشق على الخروج، فهي ترهب المشفيات منذ وفاة أبيها.
فأضطروا للرضوخ للأمر، ولكن يونس رفض خروجها وكاد يدخل ليجبرها على ذلك، ولكنه وجد تلك الطبيبة المختلة تهرول نحوهم.
– أنا عارفة إن دا مش وقت الكلام دا، بس لازم ألحق قبل ما حد يسبقني.
فرمقوها باستغراب وعدم فهم.
– خير يا بنتي، في إيه؟
– خير يا حاج، كل خير والله، كنا عايزين نيجي نزوركم في البيت بإذن الله.
– تشرفونا يا بنتي، بس أنتو مين؟!
– أنا والفاميليا بتاعتي، الحاج والحاجة، وأخويا وأنا.
فرمقوها باستغراب وعدم فهم.
– خير يا دكتورة هدى، ممكن أعرف سبب الزيارة الكريمة؟!
– كل خير يا دكتور طارق، بإذن الله جايين نطلب لأخويا المبجل، إيد الآنسة عشق.
– نعم! تطلبي إيد مين؟! سمعيني تاني كدا! عايزة تطلبي إيد مراتي لأخوكي، أنتو متفقين على جناني، مش كدا!
انهى يونس حديثه بغضب وانفعال، وغيرة تكاد تحرق الأخضر واليابس، وذهب لداخل الغرفة لعصفورته، بملامح مقتضبة، وعيون مخيفة، فنظرت عشق لمن دخل عليها، فارتعبت من نظراته، فكانت واضعة نقابها استعدادًا للرحيل.
فوجدت يونس يقترب منها ويحملها بدون كلمة
أما بالخارج، فاعتذرت الطبيبة على ذلك الموقف، فتقبل الجميع الأمر، فتفاجئوا بخروج يونس وهو يحمل عشق.
فزفر الجميع بضيق من تصرفات يونس، وذهبوا جميعًا إلى المنزل، وذهب معهم الطبيب عبد الرحمن.
وصل يونس للمنزل، فحمل عشق وصعدا بها للأعلى
ووضعها على الفراش، وكاد يرفع عنها نقابها، ولكنها أمسكته بشكل تلقائي، وغمغمت بعدم وعي ورعب، على اعتقاد أن من أمامها هو أكرم:
– أبعد عني، ما تقربليش.
فصدم يونس من نفورها منه، وابتعدا عنها بصدمة، فلقد جرحت كرامته ورجولته، فخرج سريعًا.
أما عشق فأغمضت جفنيها بتعب، وغمغمت بخفوت: يونس، خليك جنبي.
مرا سبعة أيام على ذلك اليوم، تحسنت بهم حالة عشق، أما يونس فكان دائمًا منشغل، أو هكذا يصور للجميع.
لم ينتظر عزيز عشق ترسل له رقم الهاتف أكثر من ذلك، وأتى بزيارة مفاجئة ليخطب رحاب، وسط تفاجئها.
كما أن الطبيب عبد الرحمن تقدم لخطبة رنا، وفي انتظار موافقتها.
أتت سارة رفيقة عشق للاطمئنان عليها، وعندما رأها طارق خال عشق أعجب بها، وعلى وشك التقدم لخطبتها، ليكون التعارف بينهما في إطار شرعي.
في غرفة عشق.
كانت تجلس معها كلًا من: رحاب ورنا، ولكن كلًا منهما في دوامته.
فتنهدت عشق بحزن، عندما تذكرت حديثها الجارح الغير مقصود ليونس، فهي وقتها كانت بحالة من اللاوعي بسبب حرارتها، فوقتها شعرت كأن أكرم هو من أمامها، فتحكمت في دموعها ورمقت من تجلسن معها، ولكن كلًا منهن في أحلامه الوردية، فابتسمت لهم وغمغمت بمشاكسة:
– وصلتوا لحد فين يا عرايس العيلة!
– ها، بتقولي حاجة يا عشق؟!
– لا يا روح عشق، دانا بكح، إيه يا ست رحاب أنتِ ورنا، إيه القلوب اللي في عيونكم دول، خلاص كدا نقول مبروك بقى.
فخجلا من حديث عشق، فانقلبت الجلسة لمرح وثرثرة بينهن، وبالفعل وافق الفتياتين على الارتباط بكلًا من: عزيز وعبد الرحمن.
سعدا الجميع بذلك الخبر، وبارك يونس لشقيقته الغالية، فعبد الرحمن رجلًا بكل ما تعنيه الكلمة، أما عزيز، فعندما رآه يونس صدم! ولكنه تفاجىء بالأخير يقترب منه ويعتذر، فهو لم يعلم أن عشق قد تزوجت، فرمقه يونس بغضب وتحذير، فاعتذر منه عزيز سريعًا، وهو يقسم له إنه يعتبرها شقيقته الصغرى، فأبيها الفقيد كان رجلًا كريمًا، وقف بجانبه وساعده كثيرًا، فهدأ يونس قليلًا، بعدما ألتمس صدق حديثه.
انتهى الحديث على عمل خطبة مع عقد القرآن، والزواج بعد ثلاثة أشهر، بعد نهاية العام.
في نهاية اليوم، كان يونس يجلس بغرفته الخاصة، فوجد من يدق بابه، ففتح الباب فوجد عشقه، كم اشتاق لها، فنظر ليدها وشعور الذنب يقتله، فهو السبب فيما حدث لها.
– ممكن نتكلم مع بعض شوية؟
طلبت عشق بصوتها الرقيق العذب.
فتنهد يونس بضيق، يخفي ورائه اشتياق وعشق يزدادان، برغم كل شيء وجرحها له، ولكنه لم يقدر قلبه على نبذها، فدخلت عشق وأغلق الغرفة، وسط توتر عشق وخجلها من تواجدها معه في مكان مغلق وحدهما.
فرفع يونس حاجبه بغيظ، فكز على نواجزه، وغمغم بتهكم يحرق قلبه:
– تحبي نجيب العيلة كلها تقعد معانا هنا، عشان تقدري تتكلمي براحتك، وكمان أهو يحميكوا مني.
– بس أنا مش محتاجة حد يحميني غيرك بعد ربنا يا يونس.
ماذا قالت؟! فأكملت حديثها بصدق:
– أنا عارفة إنك زعلان مني، ولك الحق في زعلك ده، يوم الجامعة كنت بكلم ماما واتفأجت بدكتور عزيز واقف قدامي بيكلمني و…
فأخبرته ما حدث، وهو ينصت لها بتركيز، وبعدما انهت حديثها، فتسأل بهدوء:
– وأنتِ شايفة حتى لو بيكلمك عشان رحاب، وقفتك معاه عادي؟
فهزت رأسها بالنفي، كالطفل المذنب، فابتسم بحب على أعترافها بخطأها.
– أنتِ متعرفيش حسيت بإيه لما شفتك واقفة معاه؟ شعور صعب على أي راجل عنده نخوة يا عشق، أنتِ جرحتني قوي.
– أنا آسفة يا يونس، بس والله ماكنتش أقصد اتسبب في الوجع دا ليك، وأوعدك مش هتتكرر تاني، بس أنت كمان جرحتني، لما قولت على زواجي منك مهمة وانتهت، وكمان عايز تطلقني.
– وأنتِ مش عايزة كدا؟! كل حاجة بتقول إنك مش عايزاني، من فضلك اسمعيني، أنا بحبك يا عشق، لا أنا بعشقك وبغير عليكي بشكل صعب، فتفتكري بعد جنوني بكل حاجة فيكِ بالشكل دا، وألاقيكي بتقوليلي: أبعد عني ما تقربليش، المفروض إحساسي وقتها هيكون إيه؟!
– أنا والله ما كنتش أقصدك يا يونس، أنا كنت في حالة من اللاوعي، وكل اللي أتخيلته وقتها، إن أكرم راجع يأذيني، فدمعت عيونها واجهشت في البكاء: أنا مستحيل أفكر أقولك كدا، أنا جرحتك بدون قصد مني.
فأقترب يونس منها واحتضنها بحنان، عندما شعر ببكائها:
– ششش خلاص يا عشقي ما تبكيش يا روحي، أنا كمان آسف عشان أتعاملت معاكي بقسوة، فأمسك يدها ولثمها بحنان: آسف يا قلبي، أنا السبب في اللي حصل لإيدك، سامحيني يا عصفورتي.
كانت عشق تشعر بتلك الفراشات تحلق بها لبعيد، كان قلبها ينبض بشدة، فغمغمت بحزن مصطنع ومكر:
-يونس، أنا رفضي الوحيد في إنك تشوف وشي، هو إني ما عجبكش…
– ما تكمليش يا عشق، أنا عشقت الأول روحك مش شكلك، ومهما كانت ملامحك إيه، أنا واثق أنها هتملىء عيوني وقلبي.
– بجد يا يونس؟
– بجد والله يا قلب يونس.
فنظر لها بابتسامة صادقة، وأمسك بطرف نقابها ورفعه بهدوء، وسط دقاتها السريعة، فكان وجه يونس مبتسم بإشراق و متحمس، وبمجرد أن أزال عنها نقابها، أصابته الصاعقة، فأغمض عيونه أكثر من مرة ويفتحها وهو يسم الله، فكانت أمامه فتاة بوجه سبحان من صوره، وابتسامة تملىء ثغرها، لم يجد في جمالها من قبل، وراحة وسكينة تصيب وجدانك من مجرد النظر لوجهها الفاتن.
فخجلت عشق من نظراته، وأخبرته عن سبب ذلك التشوه الذي علم به من قبل.
فاحتضنها بسعادة وحب وحنان، ولكنها وجدته ينفعل، ويسألها كيف تسمح لتلك الطبيبة البلهاء أن ترا وجهها؟ بل كيف سمحت لأبيه وعمه وجده وخاله برؤية وجهها.
فرمقته عشق بحالة من الذهول من منطقه الغريب، ولكن ماذا تفعل؟ فلقد أصيبت بعشق ذلك اليونس الغيور بجنون، فابتسمت بحب له، وتوالت الأيام وسط حنانه، وعشقه، وخفه ظله معها.
فكاد يصيبها بالجنون من رفضه من أن ترفع نقابها أمام أي رجل في العائلة، فيكفيه إنه يتحمل رؤية النساء لوجهها، فكيف لكل تلك الفتنة أن تتأملها العيون ويتمعنوا في ملامحها وجمال عيونها!
وبرغم جنونه المرح في أوقاتًا كثيرة، ولكنها عشقت ذلك اليونس، فأصبح كالنفس لها، فأصبحت عاداتهم اليومية، جلوسهما في غرفته بالأعلى كل ليلة، يشرح لها بعض الأمور في الفقه والسنة النبوية الشريفة، وأيضًا تنصت له وهو يقرأ القرآن الكريم بصوته المميز الجميل، فكانت كل لحظه ويوم يزداد عشقهما لبعضهما، فلقد زرع الله في قلوب بعضهما حب طاهر ونظيف، وأيضًا كل يوم تزاد غيرة وتملك يونس لها، وعلى الرغم من تذمرها في أغلب الأوقات، ولكنها تتقبل وتعشق كل شيءٍ منه.
بعد مرور عدة أشهر.
كانت تخرج عشق من لجنة آخر امتحان لها قبل التخرج، فكان معها كلًا من رحاب وسارة.
– أنا مش مصدقة إني خلاص هنام براحتي، بعد فرهدة الامتحان دي.
سارة بسعادة وراحة:
– ومين سمعك يا رحاب، دانا نفسي في سرير وأنام عليه، ياه أخيرًا هفوق لنفسي شوية، والحمد لله أننا قدرنا نأجل فرحنا لشهرين بعد الامتحانات، طارق اقتنع بالعافية بالموضوع -أجل فلقد تم خطبة سارة بطارق منذ بضعة أشهر، وتم عقد قرانهم قبل بدء الامتحانات- هتخرجي أنتِ ودكتور عزيز، معانا أنا وطارق، علشان نشوف باقي العفش، ونرفهه شوية بعد ضغط الفترة دي.
– أحلى حاجة في موضوع التأجيل دا، إن خطيبك هيدلعك ويفسحك، ويجبلك فاست فود، وشيبسي وآيس كريم وشيكولاته، حاجة أخر روقان.
انهت رحاب حديثها وهي ترمق عشق باستفزاز، فاكملت سارة استفزازًا أيضًا لها:
– أه طبعًا، دي حتى رنا هتقابلنا مع دكتور عبد الرحمن، وبعدين احنا ورانا إيه يا رحاب، لا اتجوزنا وحملنا، وبطننا منفوخة قدامنا واحنا داخلين الامتحانات ومش قادرين نتحرك، وممنوع نخرج بأمر من الدكتورة، ولا جوزنا ماشي بتعليمات الدكتورة بحذافيرها، ورافض حتى يجبلنا لحسة آيس كريم واحدة.
فرمقتهم عشق بغضب طفولي وغيظ، فكل ذلك يفعله يونس معها، أجل فلقد تزوجا، فبعد حديثهما الأخير معًا فاجئها يونس بالتحضير لزفافهما خلال أسبوعًا واحدًا، وما جعل الجميع لا يعترض، أن شقته منذ عقد قرانه عليها، وهو يقوم بتجهيزها وفرشها، فكان يسأل خالته جميلة عن ذوقها، وينفذه بدون علمها،
والآن تحمل في أحشائها قطعة من يونس قلبها، فغمعمت عشق بتذمر وضيق:
– أنتو بتتريقوا عليا يا زفتة منك لها، أنا غلطانة إني واقفة معاكم.
– السلام عليكم، عملتوا إيه يا بنات في الامتحان؟
غمغم طارق بابتسامة وهو يقترب منهم.
فردوا السلام وطمئنوه.
– مالك يا عشق؟ ساكته ليه يا حبيبة خالك؟
– مافيش حاجة يا خالو، أمال يونس فين؟
– بيتكلم في الفون وجاي.
– أنا هخرجله، لأني مش طايفة أشوف ناس مستفزة كدا.
غمغمت حديثها وهي ترمق الفتايتن بغيظ طفولي، فقهقوا عليها بخفوت، وغمغمت سارة وهي تكتم ضحكتها على غضب رفيقتها المشتعل:
– اهدي بس يا شوشو، بقى معقول الشيخ يونس هيسمحلك تمشي الخطوتين دول لوحدك!
– والله يا سارة أنتِ ورحاب رخمين قوي، ومش هكلمك تاني، ومش هخلي البيبي يقولكم يا خالتو. انهت حديثها بطفولة تخطف القلب وذهبت.
– بتزعلوها ليه يا نصايب حياتي؟ أنتو عارفين أنها الفترة دي كل حاجة بتأثر فيها وتزعلها!
– هههه والله يا خالو كنا بنهزر معاها، بس هي حساسة قوي، حتة بسكوته كدا في نفسها.
– صبرني عليكم ربنا، استعدي بقى يا رحاب لعصبية يونس عليكِ، لما يعرف إنك زعلتي عصفورته، يالله ياختي منك ليها، خلينا نمشوا، عزيز جاي علينا أهوه.
فأتى عزيز مبتسم:
-السلام عليكم، وشك يا طارق بيقول إنهم غاظوا عشق وزعلوها.
– هههه إيه دا! هو احنا معروف عننا، إننا أشرار للدرجة دي!
فنظر لها عزيز بابتسامة عاشقة، وغمغم بمشاكسة:
– حاشا لله يا ست البريئة، دانتو عديتو مرحلة الشر دي بمراحل، هههه، بقولك إيه يا طارق، يله بينا نهرب قبل ما يونس يتجنن علينا احنا، بسبب الآنسات دول.
– عندك حق والله، مش أنا خاله، بس بيرعبني، يله بينا يا حبيبتي نهرب.
فقهقه الجميع، وكل عاشق أمسك بيد معشوقته وذهبا.
في الخارج.
كان يونس ينهى المكالمة التي معه وهو مبتسم، فتفاجىء بعصفورته تخرج وحدها، فأقترب منها سريعًا، وهو يغمغم:
– عشق حبيبتي، إيه خرجك لوحدك؟
– وفيها إيه يا يونس، لما أخرج لوحدي؟! هنقص حتة يعني!
فعلم يونس أن خطيبة خاله، وتلك اللعينة رحاب، أزعجوا عصفورته، التي أصبحت متقلبة المزاج، بفضل طفلهما، فهو يعلم كم من الضغط التي تعرضت له في فترة الامتحانات والمذاكرة، بجانب إنهاكها الجسدي بسبب حملها، فتنهد بصبر وابتسم لها بحنان:
– لا يا عصفورتي، ما أقصدش كدا خالص، المهم طمنيني، حليتي كويس في الامتحان.
فاومات له، وهي تشعر بالضيق من ذاتها، لحديثها الفظ مع حبيبها، الذي يتحمل الكثير والكثير من تقلباتها المزاجية، فأمسك يدها برفق، وهو يسير بها لإتجاه سيارته، ويفتح لها الباب ويدخلها الملكة، فدخل جوارها على مقعد السائق.
– يونس!
– نعم يا حبيبتي، محتاجة حاجة يا قلبي؟
-أنا آسفة يا يونس،أنا عارفة إنك مستحملني، دا غير تعب شغلك، ا…
فأمسك يدها ولثمها بحنان وعشق:
-عشقي، إياكي تقولي كدا تاني يا حبيبتي، اللي في بطنك دا ابننا احنا الاتنين، التعب اللي أنا بحس به مايجيش نقطة في تعبك وتحملك يا روح قلبي، وكفاية رغي يا هانم خليني انتبه للطريق.
انهى حديثة بجدية مصطنع.
فابتسمت له عشق بحب، ولكنها غمغمت استغراب، عندما انتبهت للطريق:
– احنا رايحين فين يا يونس؟! دا مش طريق البيت!
– رايحين مشوار مهم يا روحي.
فاستغربت! ولكنها صمتت لتعرف لأين سيذهبا، فلم يمر كثيرًا من الوقت، وأوقف يونس السيارة أمام برج يبدو جديدًا، يطل على شاطىء المعمورة، فلم يعطيها الفرصة للحديث، وساعدها على النزول من السيارة، وذهبا لداخل ذلك البرج، وصعدا للدور(20) من خلال الأسانسير، فوصلا للدور المنشود، ووقفا أمام شقة معينة، وأخرج يونس مفتاحًا من جيبة، ووفتح الباب علي مصرعيه، وحمل عشق على حين غفلة، وسم الله وخطى لداخل الشقة، وأغلق الباب بقدمه، وسط شهقة عشق بتفاجىء.
– في إيه يا يونس! شقة مين دي؟!
فأنزلها بحنان، وأزاح نقابها وكور وجهها بيده، وغمغم بحنان:
– شقتك يا عصفورتي، الشقة دي أنا اشترتها، عشان قريبة من شغلي، وبتطل على البحر، هنقعد فيها، عشان تكوني براحتك، أنتِ عارفة إن جدو صمم إن عزيز بعد جوازه يقعد معانا في البيت، خصوصًا إنه يتيم، فجدو حب نكون عيلته إلا مفتقدها، بس أنتِ ياعشقي، حريتك هتتقيد جدًا، ومش تقدري تقعدي من غير نقابك زي الأول، وخصوصًا في فترة حملك التنفس بيضيق، فهنا هتكون مملكتنا الخاصة، وهنروح كل خميس نبات هناك، دا غير الزيارات طول الأسبوع، واطمني كلهم عارفين وموافقين جدًا.
هأحتضنته عشق وعبراتها تتساقط بسعادة:
– أنا بحبك قوي يا يونس، مش مصدقة إنك فكرت فيا للدرجة دي، كلمة حب والله بسيطة جدًا على اللي جوايا ليك، أنت كنت أب وأخ قبل ما تكون زوج، ربنا عوضني بيك يا أغلى من عمري.
فشدد يونس على أحتضانها بقوة، وسعادة طاغية تلوح على وجهه:
– يسلملي عمرك يا عشقي، يا ضلعي وقلبي، ومصدر سعادتي، وهدية ربنا ليا، بس أنا عايز ألفت نظرك لحاجة، أنا راجل مفلس حاليًا، يعني يا دوب جبت الأساسيات البسيطة جدًا للشقة، وكل شهر بإذن الله هنجيب حاجة من اللي نقصانا.
– مش مهم أي حاجة، أنا لو قاعدة معاك في أوضة خشب، هكون أسعد ست في الدنيا؛ عشان معايا عوض ربنا ليا، يونس حب عمري.
– بعشقك يا عشق اليونس.
تمت بحمد الله.
لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية عشق اليونس)