رواية عشق اليونس الفصل الثالث 3 بقلم ولاء علي
رواية عشق اليونس الفصل الثالث 3 بقلم ولاء علي
رواية عشق اليونس البارت الثالث
رواية عشق اليونس الجزء الثالث

رواية عشق اليونس الحلقة الثالثة
فاستيقظت عشق من غفوتها، وهي تنظر حولها بنعاس وعدم فهم، فرمقت ذلك المكان الغريب عليها بتية، ظلت عدة ثواني إلى أن استعادت تركيزها، فنظرت للوقت بهاتفها فشهقت بصدمة، عندما وجدت الوقت قد تأخر كثيرًا، فهل غفت كل ذلك الوقت؟!
فوجدت رسالة من والدتها تخبرها بها، أنها ذهبت مع الجميع لاستقبال جدها وخالها، فتثاوبت ونهضت بتكاسل لتهبط للأسفل، لتغير ملابسها وتؤدي فروضها التي فاتتها، فوضعت نقابها وخرجت من الغرفة وكادت تنزل الدرج، ولكنها استمعت لهمهة مكتومة تأتي من أخرى على االسطح ولكنها بعيدة قليلًا عن الغرفة التي كانت بها، لكبر مساحة السطح، فاقتربت بتوتر وقلق، فكلما تقدمت استمعت لتلك الهمهة بشكل أوضح، فتسارعت أنفاسها برعب عندما استمعت لصوت تبغضه بشدة.
– إيه يا جميل، مالك خايفة مني ليه كدا يا حبي، مش معقولة يعني تخافي من حبيبك، كنتِ مفكرة إنك هتقدري تضحكي عليا، وتخليني أدوب في هواكي، وماشي على خطتك ليا، دا بعدك يا حلوة، أنتِ اللي كنتي ماشية على خطتي، يعني الكلمتين الحلوين اللي كنت بقولهملك دول مش عشان سواد عيونك، دا كله كان مجرد تسلية، بضيع وقتي مع واحدة سهلة زيك، ههههه اللي زيك يا روحي لا يصلح غير للتسلية فقط، ويوم ما نفكر نتجوز، عمرنا ما ندي اسمنا لأمثالك، اختيارنا هيكون لواحدة زي عشق، فاكرة عشق ولا نسيتيها، كفاية كلام بقى وخلينا في الفعل، إلا هكسر به مناخيرك اللي مطلعاها لفوق، ومش عارف على إيه الصراحة! دانتِ عايشة في حارة، بصراحة منى صاحبتك تستاهل الفلوس اللي أخدتها مني، هههه أصل هي اللي سهلتلي الدخول هنا، طبعًا بعد ما قالتلي إنك انهاردة لوحدك في البيت، استني بقى لما أعدل الماسك على وشي، عشان ما يبنش في الكاميرا الحلوة دي، اللي هتسجل لحظاتنا الجميلة سوا، أصلي ناوي أعمل فيلم جنان هشيره علي كل المواقع، ههههه هتكون فضيحة لكِ ولأهلك جنان.
فكانت تلك الفتاة التي أمامه، تحرك نفسها بعصبية، وغضب، وخوف، تحاول تحرير نفسها من تلك الحبال المعقودة علي معصميها وقدماها، تريد إزاحة هذا الاسق عن فمها، لتصرخ بكل قوة لديها؛ ليأتي أحد لينقذها، فمهما كانت تصرفاتها من قبل فمن المستحيل ان تفرط في شرفها وشرف أهلها، فكانت كلمات ذاك الحقير تجلدها بقسوة، الآن فقط وعت على صورته البشعة في عيون الجميع، الآن علمت كيف ينظر لها، فقط فتاة ساقطة، كرهت كل شيء بها، بكت بحرقة، فهي من فعلت بنفسها كل هذا، كيف سلكت تلك الطرق والطباع السيئة!
أما بالخارج، فكانت عشق تقترب بخوف من تلك الغرفة، فهي قد علمت ذلك الصوت البغيض، فلم يكن غير ابن عمه، ذلك الحقير الذي حاول ادناسها قبلًا ها هو يحاول مع بريئة أخري، فنظرت من تلك الفتحة من الباب لترا تلك الضحية الجديدة له، فصدمت عندما رأت أن تلك الفتاة رحاب، تلك الفتاة زميلة لها في الجامعة، على الرغم من أن تلك الفتاة كانت تكبرها سنًا، ولكن بسبب رسوبها المتكرر أصبحت معها في نفس السنة الدراسية،هي وذلك الحقير، فدائمًا كانت تسبب لها تلك الفتاة الكثير من المشاكل، فهي تعلم بكرهها الكبير لها، ولا تعرف سببًا لكل ذلك الكره، ففكرت كيف تنفذ تلك الفتاة، التي لا تعلم ماذا تفعل هنا! وأي عائلة تلك التي يتحدث عنها ذلك الحقير! فأبعدت أي تفكير عن عقلها الآن؛ لكي تنقذ من بالداخل من بين براثن ذلك الشيطان قبل أن يدمرها، الذي لا يفرق بين حلال وحرام، فمهما كانت تلك الفتاة سيئة معها في الماضي، فلن تسمح أن تراها في وضع قاتل هكذا وتتركها بدون فعل شيء لإنقاذها، فهي وحدها تعلم بمرارة ذلك الموقف على النفس، فنظرت حولها لتبحث عن شيئًا يساعدها، فلم تجد غير قطعة صغيرة من الخشب، فحملتها سريعًا ودعت الله أن يلهمها القوة والثبات، لتنجو بنفسها وبمن بالداخل، فذهبت بخطوات مرتعشة، فبالأخير ذلك من بالداخل ترهبه بشدة، وهذا الموقف عاد بذاكرتها بما حاول فعله معها سابقًا، فابتلعت رمقها بصعوبة، وقلب مرتعش من الرعب، وهي تخطو بقدمها بالداخل ببطىء من باب الغرفة الموارب، وأثناء حديثه وانشغاله بالحديث والتباهي مع تلك المتكورة أمامه برعب، رفعت تلك القطعة الخشبية وهبطت بها على رأسه، وللأسف لم تكن بالقوة الكافية التي تجعله يغيب عن الوعي، فلم يصاب غير بجرح ليس بالكبير في رأسه.
أما ذلك الحقير فوضع يده على رأسه، عندما استشعر ضربة ليست بالقوية، ولكنه شعر بالألم وخروج شيءٍ لزج من رأسه، فاستدارا ليرا من فعل ذلك، فتفاجىء بتلك المنتقبة أمامه، فغمغم بذهول برغم الألم الذي يشعر به:
– عشق! أنتِ عشق؟!
فحاولت عشق الصمود وإظهار القوة أمامه، على الرغم من رهبتها وخوفها الشديدان منه، فغمغمت بقوة واهية، وغضب ينبض من كلماتها:
– أيوا عشق يا حقير، أنت إيه ياخي شيطان! مافيش حياء وخوف من ربنا خالص؟! عايز تنهش في عرض غيرك بكل جبروت وشيطانية، إزاي جاتلك الشجاعة تدخل بيوت الناس وتخطط لقذارتك دي! إيه العقل اللي تملكه اللي إداك البجاحة إنك تدخل هنا وتفكر في أفعالك المشينة دي! إزاي أنت منساق وراء نزواتك الشيطانية بكل بساطة كدا! من غير تفكير لحظة واحدة لعقاب ربنا وانتقامه منك على كل الكبائر اللي بتعملها دي! للدرجة دي عقلك مغيب؟! اتقي الله يا بني آدم، إحنا أخرنا حفرة متر في متر، ومش هيفيدنا وقتها غير عملنا الصالح.
فكان ينظر لها بعيون لامعة خبيثة، نظراته توحي كأنه حصل على كنز، فلم يعنيه حديثها بشيء، أو أثر بنفسه الشيطانية للحظة واحدة، فعقله مغيب عن كل كلمة اردفت بها، فغمغم بخبث ومكر وسعادة كبيرة:
– تؤتؤ عيب يا روحي تتكلمي معايا كدا، تعرفي إن انهاردة يوم سعدي، شوفي كنت جاي عشان إيه، وكسبت إيه! شوفتي حظ أحسن من كدا يا روحي! بس ينفع كدا يا شوشو، بقى احنا قالبين المنصورة كلها عليكي وأنتِ هنا؟
فرمقته عشق بكره وغضب:
– طلعة روحك بإذن الله يا حقير، أنت إزاي كدا؟! معدوم الضمير والدين.
– هههه بعشق كلامك يا شوشو، شراستك دي بتخليني أدوب فيكِ أكتر وأكتر، بس تعرفي يا شوشو دا المكان اللي مستحيل أفكر إنك موجودة فيه، بس غريبة يعني! إيه إلا لم الشامي على المغربي؟! هههه بس أقولك الحجات دي كلها مش فارقة عندي، الأهم إنك معايا يا حبيبتي.
– حبتك عقربة يا بعيد، حسبي الله ونعم الوكيل فيك، أسمع أنت هتغور من هنا بالذوق أحسنلك، لأنك متعرفش إلا ممكن يحصل فيك هنا، أنا هنا وسط أهلي، وكمان بمجرد ما أصرخ بس، هتلاقي هنا كل أهل الحارة بيعدموك العافية، فأمشي من غير شوشرة أحسن.
– هههه مش معقول القطة طلع ليها صوت، من إمتى يا شوشو وأنتِ بقيتي جريئة كدا يا روحي! مش معقول مابقتيش خايفة مني كدا، أكرم حبيبك مابقاش يخوفك للدرجة دي؟! لا كدا أزعل قوي يا شوشو، وزعل كروم يخوف.
وعلى حين غفلة أقترب منها، وكبلها بساعديه بكل قوة وغضب وجنون، ودنىء لأذنيها، وسط مقاومتها وعبراتها التي بدأت تغزو وجنتيها رعبًا وتقززًا، من ملامسة ذلك الحقير لها.
– تؤ تؤ اهدي يا عشق، شوفتي بقى إنك بقيتي تحت إيدي من تاني، كل الطرق بتوصلك ليا يا روحي، أخرك مهما هربتي في حضني وبس، ومش هسمح غير بكدا، قلتلك هتجوزك يا عشق برضاكي أو غصب عنك، أنتِ إلا عايزة الطريقة االصعبة، فبكيفك بقى، إلا ما عرفتش أعمله قبل كدا هيتعمل دلوقتي.
فكانت عشق في حالة انهيار وتحاول بكل قوة تمتلكها الإفلات من بين يدي ذلك الحقير، تحاول إخراج صوتها لتصرخ وتستنجد بأحد، حاولت كثيرًا إخراج صوتها، ولكنه لم يسعفها، ظلت تحاول كثيرًا للنجاة بنفسها، ولكن يبدو أن صوتها تكاتف مع ذلك الحقير ضدها، تدعو الله في قلبها أن يحفظها ويسترها، دعت الله أن يأتي من ينقذها، والوحيد الذي آتى في مخيلتها ليحميها يونس، يونس الوحيد من تمنت أن يأتي لها، كانت تناديه من داخل أعماق قلبها وروحها، فأغمضت مقلتيها وعبراتها تتساقط على وجنتيها بقهر، وسط انتفاضة جسدها، ورفضها وتقززها لقرب ذلك المريض لها، تدعو الله أن يقبض روحها قبل أن يدنسها ذلك الحقير.
فنظرا لها أكرم بابتسامة حقيرة وأوقعها أرضًا، وهو يرميها بنظراته الخبيثة، فدنى منها ببطء وخطوات محسوبة.
فشعرت عشق بألم يغزو رأسها؛ بفعل تصادمها في الحائط، فرفعت مقلتاها بثقل بدأ ينتشر برأسها، وتخدر بكامل جسدها، فوجدت ذلك الحقير يقترب منها، ونظراته لها آثارت رعبها وتقززها، فكانت تجاهد لأخر نفس بها، لتحافظ على شرفها.
فغمغم أكرم بخبث:
– تعرفي إني مشتاق أشوف وشك يا قلبي، هههه بس عجبتني حركة التشوه إلا عملتيها دي، خلتني اتصدم وقتها وأنتِ استغليتي دا وهربتي مني، بس دلوقتي مستحيل تفلتي مني يا جميل مهما كنتي عاملة في وشك، ودلوقتي بقي هشيل النقاب دا، إلا حارمني أملي عيوني منك.
أما عن رحاب، فكانت لأول مره تشعر بالخوف والحزن علي شخص ما، وخصوصًا إن كانت عشق، فهي دائمًا كانت تغير منها، وتحقد عليها من حب الجميع لها، وبرغم الآذى الذي ألحقته بها قبلًا،ولكن هي الآن من وقفت في وجه ذلك الندل للدفاع عنها وحمايتها، يا الله كم كانت فتاة حقيرة، شعرت بالإشمئزاز من نفسها وتصرفاتها السيئة قبلًا، كيف وصلت لتلك الدرجة من الدنو؟ فماذا فعلت لها عشق وقتها لتدير لها المكائد؟! صديقتها التي كانت بئر أسرارها، هي من اتفقت مع ذلك الحقير عليها، وتلك الفتاة التي كانت تعُدها عدوة لها، هي من تصدت له للدفاع عنها، اللهم استغفرك وأتوب إليك، اللهم نجنا يا الله من يد ذلك الحقير.
أما عن أكرم، فكان في حالة اللاوعي، كان شيطانه مستحوذ عليه، لا يوجد مكان لديه لضمير أو خوف من الله.
فمد يده ليزيح نقاب عشق عنها، وسط وهن عشق وشعورها بالإغماء، ولكنه قبل أن يلمس عشق ويزيح عنها سترها وجد من يمسك بمعصمه بقوة وغل وتوعد، ويحول بينه وبين الوصول لعشق.
فنظرت عشق بصورة ضبابية، لمن أحال بينها و بين ذلك الحقير بابتسامة واهنة، وراحة غمرت روحها، فأغمضت جفنيها باستسلام وذهبت لعالم آخر.
بعد عدة سويعات، كانت عشق ما زالت مغمي عليها، فكانت متسطحة على تخت خالها، ورأسها ملفوفةً بشاش طبي، ويجلس في الغرفة معها كلًا من: والدتها، الجالسة بجوارها على الفراش مدمعة بخوف وحزن على ما حدث مع وحديتها، فحمدت الله أن يونس استطاع إنقاذها في الوقت المناسب.
وأيضًا تجلس عزة وابنتها رنا، ورحاب الباكية ندمًا على كل شيء، والمتشبثة بأحضان والدتها.
فكان الجميع يجلس بحزن مخيم عليهم، على الرغم من صدمتهم الكبيرة، عندما رأو وجه عشق.
أما عن عشق فكانت في عالمها، تحارب من أجل أن تنجو بنفسها، من بين براثن ذلك الذئب البشري، فهي ما زالت داخل قوقعة ما حدث، فكان جسدها ينتفض بكل قوة، كانت تتشنج وترتعش برعب قاتل.
فلاحظ من يجلسون حولها ما يحدث معها، فقلقوا بشدة عليها، ووقفت رنا سريعًا وهي تغمغم بقلق على ابنة خالتها:
– أنا هروح أنادي لخالو يجي يشوف عشق مالها. فهرولت سريعًا لغرفة الصالون الجالس بها كلًا من: جدها، وأبيها، وعمها، وخالها طارق وصديقه،وأخيها، فأقتحمت رنا الغرفة عليهم، وهي تغمغم سريعًا:
– خالو، تعالى شوف عشق بسرعة.
فوقف الجميع بقلق، وفي مقدمتهم يونس، الذي بادر سريعًا بقلق ورعب على تلك العشق:
– هي فاقت يا رنا؟
– لا يا يونس لسه، بس بتتشنج وبتقول كلام مش مفهوم.
فغمغم طارق بقلق :
-أنا هدخلها.
فكان يونس يرمقه بغيرة وغيظ:
هتدخل تاني ليها، مش كفاية كشفت عليها مرة، وخيط جرحها، ما تنساش أنها منتقبة.
فرمقه طارق ومعه الجميع برفعة حاجب، واستغراب، وغمغم:
وإيه المشكلة يا يونس لما أشوفها؟! أنت ناسي إني خالها ولا أي!
فصمت يونس بضيق واضح، وغضب مشتعل بمقلتاه، فكان يود قتل ذلك الخسيس الذي تعدى على حرمة بيته، ولكنهم أنقذوه من بين براثنه، بعدما اكاله الكثير من اللكمات، فلم يترك جزءًا واحدًا في وجهه، أو جسده بدون أن يجعله يدمى، فكانت ملامح يونس تزداد شراسة واقتضاب.
لفتت انتباه جده له، فشعر بالاستغراب من حفيده المرح، الذي يجد في عيونه نيران مشتعلة، فترك تفكيرة هذا الآن، وغمغم بوقار:
– خدني معاك يا طارق يا بني، عايز أشوف حفيدتي.
وبالفعل ذهبا للداخل، وسط نظرات ناريه وغيره من بطلنا، و أيضًا خوف من رده الفعل على تشوه وجه تلك الراقدة ، كان لا يريد لأحد أن يرميها بنظرة شفقة، أو اشمئزاز.
بالداخل، كان ينظر الجد بملامح منبهرة لتلك المتسطحة أمامه على الفراش، فنظر لهم وهتف بعدم تصديق:
ماشاء الله تبارك الله، دي بجد ولا تهيؤات يا ولاد؟!
عزة بابتسامة لأبيها:
– والله يا بابا برغم الموقف الصعب دا، بس بجد مزبهلة ومش مصدقة المنظر إلا قدامي دا، إلا زي عشق دي أسلم حل لهم النقاب، وأنا أقول ماشلتش النقاب قدامنا ليه، ربنا يحرسها من العين يارب.
نادية:
– تبارك الله، مش مصدقه عيوني والله، ربنا يسترها ويحفظها، زي ما سترت بنتي وحاميتها.
فابتسم الجد وجلس بجوارها على الطرف الآخر من الفراش، بعدما كشف عليها ابنه وطمئنهم، فأنتظرا الجميع أفاقتها على أحر من الجمر.
بعد قليل من الوقت، أفاقت عشق بهلع وخوف، ونظرت حولها بتية وعدم استيعاب، وصدرها يعلو ويهبط بسرعة كبيرة، كأنها خارجة من ماراثون .
فصدم الجميع عندما أطلت تلك الجميلة عليهم بتلك العيون الفاتنة الجذابة، فسبحان من خلقها وصورها.
فأقترب الجد منها قليلًا، وسط نظراتها الزائغة والمشتتة، فوضعت يدها على وجهها، فلم تجد نقابها، فحاولت القيام والإختفاء، عن عيون ذلك الشاب، وذلك الراجل الكبير الجالس بجوارها.
فتمتمت والدتها بحنان وطمئنتها:
– اهدي يا عشق يا حبيبتي، دا جدك رضوان، ودا خالك طارق.
فنظرت عشق لوالدتها، فأومأت لها بتأكد.
فأقترب خالها منها وأحتضنها بحنان، وسط ذعرها لقربه، فهمس بحنان:
– اهدي يا حبيبة خالك، أنتِ خلاص بقيتي في أمان معانا.
فهدأت حركتها وتشنجها، وشعرت بالأمان بأحضان خالها، الذي لأول مرة تراه.
فهتف الجد بضيق مصطنع، وهو يبعد ولده عن حفيدته، ليحتضنها هو:
– أبعد كدا يا واد أنت، خليني أتعرف على حفيدتي القمر دي، وأحضنها براحتي.
– هههههه ماشي يا حاج رضوان حقك بردو.
فاحتواها الجد بأحضانه بحنان، ونظرا لهم، وهو يغمغم بجدية:
– أتفضلوا كلكم اطلعوا برا، وسيبوني مع حفيدتي شوية لوحدينا.
فأوما له الحميع وخرجوا.
في الخارج، كان يدور يونس حول نفسه بغيظ، وقلق على القابعة بالداخل، فجده وخاله لم يخرجا بعد، فوجد يونس الجميع يخرج من الغرفة، ما عدا جده، فلمح جده وهو يحتضن عشق، وهي متشبثة به، فكان وجهها مختفي داخل صدر جده، وجده هو الآخر مطوقًا لها بيديه بكل حب وحنان، فضربت الغيرة قلب يونس بشدة، وسؤال واحد يدور بعقله، لما كل تلك الغيرة الغير طبيعية؟! فهو لم يكن هكذا! ما الشيء الذي قلب كيانه منذ تقابل مع تلك العصفورة المغردة بصوتها العذب؟!
كان يشعر بالتخبط، وعدم الفهم لتلك المشاعر الطارئة عليه، فأفاق من دوامة تفكيره على صوت جرس باب المنزل الرئيسي، فهبط للأسفل بضيق شديد يعتمر صدره.
أما بداخل الغرفة، كان الجد ما زال مطوق حفيدته بداخل أحضانه ويقويها ويساندها، وسط استسلامها لمشاعر الدفء المتدفقة من حديث جدها وأحتضانه لها، كان تشعر بسعادة طاغية لشعورها بحب جدها لها، ودعمه على تخطىء هذه الذكرة السيئة.
وبينما هي تستمع لحديث جدها، تدفقت تلك الذكريات السيئة من قبل، فتساقطت عبراتها قهرًا وحزنًا، فوجدت نفسها تخبر جدها بمحاولة ذلك الأرعن، في التعدي عليها مسبقًا.
فاستمع جدها لحديث حفيدته بحزن على ما لاقته، وغمغم بجدية وتوعد:
– وغلاوة دموعك دي، لأخلي الكلب دا يدفع التمن غالي قوي على وجعه لكِ يا حبيبة جدك، مش عايزك تفكري من دلوقتي في الذكريات دي، أنتِ دلوقتي مع جدك وأهلك.
فنظرا لها وغمغم بغموض، وتفكير في شيء:
– ما تعرفيش يونس عمل في الكلب دا إيه قبل ما نسلمه للشرطة، كان خلاص هيموته في إيده، لولا خالك لحقه.
فوجد ملامحها تتحول للفزع والقلق، واردفت بنبرة متوترة:
-يونس حصله حاجة يا جدو؟ أرجوك طمني عليه، أنا مش عايزة أكون السبب لأذى له.
فقهقه الجد على قلق حفيدته، وتمتم بمشاكسة:
هههههههه اطمني يا قلب جدك، يونس زي الفل، وبعدين ما تاخدنيش في دوكة وقوليلي: إيه الصوت اللي يجنن دا يا قلب جدك، طيب وشك ولبستي نقاب، صوتك بقى نخبيه عن الناس إزاي؟! كدا ما ينفعشي، أنا جد غيور جدًا على حفيدته الصغننة، هلاحق على عرسانك إزاي بالشكل دا!
فنظرت له عشق بسعادة وحب، وارتمت بأحضانه:
– أنا بحبك قوي يا جدو، كان نفسي أشوفك من زمان قوي، كان نفسي أهزر وألعب معاك، كنت بتمني طفولتي تكون جنبك.
فاحتواها الجد بحنان، وتنهد بحزن:
– كله مقدر ومكتوب يا بنتي، أهم حاجة إنك دلوقتي معايا، مش كدا؟
فاومات له بسعادة وحب، شعرت كأن همًا كبيرًا قد أزيل عن عاتقها.
مرا إسبوعًا على وجود عشق وسط عائلتها، تقربت كثيرًا من الجميع، وعادت لها روحها المرحة العفوية معهم، استطاعت بسحرها وخفة ظلها سرقة قلوب الجميع، علاقتها بخالها طارق كانت قوية جدًا، كانوا كالأصدقاء، يخبرها يوميًا بتفاصيل عمله، ويسهرون سويًا يتمازحون، فقد أبدلت روتين حياته الممل.
أصبح المنزل الهادىء، تملئه الضجة والمشاكسة، بسبب تلك العشق الجميلة، كان يونس طوال تلك الفترة بعيدًا عنها، فكان يذهب لعمله وعندما يعود يتناول طعامه وحده في غرفته بالأعلى ثم يذهب للمسجد في أوقات الصلاة.
كان الجميع مستغربًا حالته، فهو متغيرًا ويميل للعزلة تلك الفترة، على عكس طباعه!
أما عشق، فكانت تشعر أن يونس لا يطيق التواجد معها في مكان واحد، فهو دائمًا تراه يتحجج بعمل بأشياء كثيرة لكي لا يجلس معهم، فتوصل عقلها لسبب تصرفاته تلك، اشمئزازه بما حدث معها، واعتقدت أن وجودها معهم سيسئ لسمعتهم، لذلك ابتعدت هي أيضًا، وما أكد لها تلك الفكرة المؤلمة؛ أنها كانت تذهب لشقة خالتها لتجلس مع رنا قليلًا، بطلبٍ من ابنة خالتها، فوجدته كلما علم بتواجدها في شقتهم يذهب سريعًا، فتأكدت أنه ينفر تواجدها معه، فكانت تشعر بحزن كبير بقلبها، لا تعلم لما تأثرت بتصرفاته تلك! كأنه خان عهده معها! غريب ما تشعر به.
أما تصرفات يونس تلك، كانت لأسباب أخرى غير التي تفكر بها تلك العشق، فهو كان يشعر بانجراف غريب لمشاعره تجاهها، غيرة وهوس قد وصل لحد الجنون، كان لا يتحمل رؤية أحد بجوارها يمازحها أو يحتضنها، كان يشعر بالتملك تجاهها، وتلك المشاعر ليست جيدة بالمرة، كان قرب الجميع يغضبه؛ لربما لأنه لا يجوز له نفس ذلك القرب، حاول البعد عنها، وهو أكثر شخص يريد قربها، يريد التمازح معها، يريد الاستماع لاسمه منه، أراد الانتظار قليلًا ليفهم تلك المشاعر، وبعد ذلك سيتقدم لها، ليطوقها بعقد زواج لأخر العمر.
في بداية نهار جديد، مليئًا بالأحداث التي ستغير الكثير.
كانت عشق تقف أمام شقة رحاب يوسف، فطرقت الباب بخفة، ففتح الباب من قبل نادية والدة رحاب، فتمتمت عشق بابتسامة ومرح:
– يا صباح الجمال، على أجمل طنط نوني في الدنيا كلها.
فابتسمت نادية ببشاشة:
– صباح الجمال على عيونك يا شوشو، تعالي يا حبيبتي اتفضلي ادخلي.
– دستور يا أهل البيت، حد من الحريم خالع رأسه.
– هههه لا اطمني يا مجنونة، كويس إنك جيتي دلوقتي يا شوشو، عشان تفطري معايا بدل ما أفطر لوحدي.
– أمال رحاب فين يا طنط؟!
فتنهدت نادية بحزن:
– رحاب من يوم اللي حصل وهي عازلة نفسها، لا بتطلع ولا بتتكلم معانا، أنا خايفة عليها قوي يا بنتي، وكمان الدراسة كمان كم يوم ومش عارفة هتفضل في آخر سنة لامتى! عندها (25 سنة) ولسه طايشة ومهملة، مش عارفة يا بنتي أعمل معاها إيه! كل ما بقرب منها كنت بلاقيها بتبعد وتصدني، وبعد إلا حصل أتجنبت الجميع، قلت مصدومة من إلا حصل، ومحتاجة وقت مع نفسها، بس أنا خايفة تعمل في نفسها حاجة، وحتى علاقتها برنا كانت وحشة دايمًا، وعلطول بتضايق رنا وبتنتقض لبسها، ورنا مش هقدر أقولها تقرب منها؛ لأنها أتأذت نفسيًا كتير من رحاب، أعمل إيه بس؟!
– اطمني يا طنط، رحاب بإذن الله هتكون تمام، أنا هتكلم معاها وبعون الله هخرجها من الاكتئاب اللي معيشة نفسها فيه، جهزي بس الفطار اللي هي بتحبه، واوعدك هتلاقيها علي الفطار معاكِ انهاردة.
– ربنا يفرح قلبك يا بنتي، زي ما فرحتيني دلوقتي، جميلك دا هشيله لكِ لأخر العمر.
-جميل إيه يا طنط! حضرتك مش معتبراني من العيلة ولا إيه!
– ربنا العالم يا بنتي بمحبتك في قلبي قد إيه، ادخليلها يا حبيبتي أوضتها اللي هناك دي، وأنا هجهز الفطار وهستناكم.
فاومات لها عشق بابتسامة، وذهبت لغرفة رحاب وطرقت بابها بخفة، فاستمعت لصوت رحاب الهادي يأذن للطارق بالدلوف.
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية عشق اليونس)