روايات

رواية سيد القصر الجنوبي الفصل الخامس والعشرون 25 بقلم رحاب ابراهيم حسن

رواية سيد القصر الجنوبي الفصل الخامس والعشرون 25 بقلم رحاب ابراهيم حسن

رواية سيد القصر الجنوبي البارت الخامس والعشرون

رواية سيد القصر الجنوبي الجزء الخامس والعشرون

رواية سيد القصر الجنوبي الحلقة الخامسة والعشرون

استيقظت سمر للمرة الثالثة على صوت أمجد … وعندما فتحت عيناها تثاءبت بكسلًا شديد ، حتى استوعبت أنها غفت مرةً أخرى ، فنظرت بذعر لأمجد لتجده ينظر لها بثباتٍ وقال بهدوء :
_ صباح الخير.
ثم اتسعت ابتسامته لتصبح ضحكة واسعة عندما نظر لها ووجدها تكاد أن تبك من فرط الاحراج … فـ رقت نظرته بعد ذلك لطفا بها وحينها تمتمت سمر بشيء على ما يبدو كان توبيخا لنفسها ثم أشارت له بالحديث قائلة وهي تتظاهر بالجدية:
_ الحمد لله أن مافيش حد دخل ولقاني نايمة.
ابتسم أمجد مرةً أخرى وقال بإعتراف :
_ لأ في حد دخل ..
دهشت سمر وسألته وهي تشعر بالقلق نحو كشف هويتها وحقيقتها أمامه على الأقل بهذه الفترة :
_ مين اللي دخل ؟ وليه سبتوني نايمة ؟!
أجاب أمجد عليها ليطمئنها رغم أرهاقه الشديد والالم الذي بدأ يعود بوحشية لجسده :
_ ممرضة زميتلك .. وأنا اللي منعتها تصحيكي .. شكلك مرهقة وبقالك فترة ما نمتيش ..
لاحظت سمر بوادر التعب على ملامحه ، فأقتربت بقلق وأجابت على رده :
_ فعلًا كان بقالي أيام ما نمتش فيهم دقيقة واحدة .
أطرف أمجد عيناه والتزم الصمت مرغما من شعوره بالألم الشديد الذي اقتحم رأسه وعظامه من جديد .. وعندما لاحظت سمر ذلك ذهبت بعجالة لتعد حقنة طبية وتدس سنها الحاد بمحلول طبي معلق بوريده وذلك تحت إرشادات الطبيب المعالج لحالته .. وبعد ذلك بدأ أمجد يغفو رويدا رويدا حتى بات في سباتٍ عميق … وراقبته عن كثب حتى تأكدت أنه خلد للنوم تمامًا ..
اقتربت منه وجلست على مقعد بقربه، ثم وجدت نفسها تبك على ما آلت اليه الامور .. على نهاية قصتها المأساوية ، ولكن هل من بدايةً جديدة مكتوبةً لهما ؟! … ربما ، من يعرف .. وهذا الأمل تمامًا ما جعلها وسيجعلها تناضل حتى ينهض ويقف على قدميه من جديد .. ولكن المأساة الحقيقة في إصابة ساقيه .. لأن الطبيب طمأنها أن الإصابة ليست بالخطورة التي ينعدم فيها الأمل بالتعافي … المأساة الحقيقية في فقدانه للذاكرة ! .. وهذا الشيء الله وحده من يعلم متى الشفاء منه ..
مسحت عينيها من الدموع ونهضت من مقعدها ثم خرجت من الغرفة لبعض الوقت .. وعندما مرت باحدى زميلاتها الممرضات قالت برجاء :
_ خلي بالك من دكتور أمجد لحد ما أرجع يا منى..
سألتها الممرضة منى بأهتمام :
_ أنتي رايحة فين ؟
ابتلعت سمر ريقها المرير وقالت :
_ هروح شقتنا ، هاخد دش واغير هدومي وأرجع ..
ابتسمت منى لها برقة وقالت :
_ روحي وارتاحيلك شوية ونامي براحتك .. وتعالي في نبطشية بليل .. انا هستأذن من الريسة وهفضل معاه لحد ما ترجعي يا حبيبتي .. أنا عارفة أنك تعبتي اوي الأيام اللي فاتت ومحتاجة ترتاحي وتريحي أعصابك شوية ..
نظرت لها سمر بامتنان ، هي بالفعل تريد الأنفراد بنفسها لبعض الوقت بعد كل ما حدث لها بالأيام الصعبة الفائتة .. شكرتها سمر ثم غادرت المشفى بعد دقائق ..
________________________________
تسللت أشعة شمس الشتاء الخفيفة داخل الغرفة
فـ تململ زايد بفراشه بكسل شديد ، وعندما فتح عينيه لاحظ عدم وجود فرحة بجانبه .. ضيق عينيه بتعجب ، ثم رفع نظر نحو حمام الغرفة ليجده مفتوحا ولا يصدر منه أي صوت !! .. نهض من الفراش ينظر يمينا وشمالًا باحثا عنها وبدأت الهواجس والظنون تقتحم رأسه ..
بينما كانت فرحة مع أحدى الخدم تعد إفطارًا شهيًا بيديها ، وبلمحة لاحظت زايد الذي بدأ أنه أخذ دشا سريعا وشعره ما زال مبتلا بعض الشيء .. فنظر لها بغيظ وقال :
_ قالولي انك هنا .. بتعملي إيه على الصبح كده ؟!
ابتسمت فرحة وقالت وهي تضع آخر اللمسات النهائية للطعام :
_ هفطرك قبل ما نروح لبابا المستشفى ونطمن عليه ، وما تقلقش أنا اخدت رقم ممرضة هناك واتصلت بيها واطمنت عليه على ما نروحله .. لكن انت ما أكلتش من امبارح ولازم تفطر !!
رائحة الطعام كانت لذيذة وشهية فاقترب منها ونظر لأطباق الطعام بأعجاب وقال بمزاح :
_ ريحة الاكل تفتح النفس بصراحة .. مش هنتخانق دلوقتي.
لزت شفتيها بسخرية ثم ضحكت ضحكة خفيفة .. وقالت فرحة للخادمة بلطف :
_ تعالي بقى نرص الأطباق دي على السفرة .
وبعد دقائق كانت فرحة تسحب زايد وتجلسه بأحد المقاعد وهي تقول :
_ دوق بقا الفطار الشعبي اللي بجد .. مش الجبن المريبة اللي بتاكلوها الصبح دي !!
تلذذ زايد بالطعام وبدأ يأكل بنهم .. ثم توقف شاردًا للحظات وغمر الألم عيناه ، فطالعته فرحة بقلق :
_ مالك ؟
خرج من شروده وأجابها وهو يبتلع ما بفمه :
_ افتكرت أكل أمي الله يرحمها .. من زمان ما اكلتش الأكل ده ..
تعاطفت فرحة معه بشدة وربتت على يده برقة قائلة :
_ الله يرحمها.. كمل بقا أكلك قبل ما يبرد ..
وأثناء حديثهما أتت نوران وجلست على أحد مقاعد المائدة وقالت بسخف وأشمئزاز :
_ ايه ده اللي الخدامين محضرينه نفطر بيه !!
وبدأت تنادي على الخدم فردا فردًا بعصبية ، لتتفاجأ بمدبرة المنول العجوز وهي تخبرها بأن فرحة من أعدت تلك الأطباق جميعها .. فنظرت نوران لفرحة بغيظ وقالت :
_ أنا هنا اللي اامر والكل ينفذ .. مش أنتي يا بتاعة أنتي اللي هتيجي تمشينا على مزاجك !! .. أحنا مش ذنبنا أنك كنتي عايشة في حارة ومتعودة على أكلهم ! ..
تجاهلت فرحة كامل حديثها وهي تمضغ الطعامة ببطء مستفز وابتسامة أكثر استفزاز خاصتها بها .. وعندما كاد زايد يرد على زوجة أبيه بغضب قالت فرحة بابتسامة وهي تضع شريحة من الخيار بفمه :
_ كل يا حبيبي .. المهم أنت تاكل وتتغذى ..
ثم وجهت الحديث لنوران مباشرة وقالت باستفزاز :
_ لمؤاخذة يعني يا حماتشي .. الفطار ده حضرتله ليا انا وجوزي وبس .. ما عملتش حسابك الصراحة .. ، أنا ما أجبرتكيش تفطري ، محدش ندهلك أصلًا !.
فهمت نوران أن فرحة وكأنها تطردها من المائدة ، فصاحت بغضب وهي تنهض من مقعدها :
_ أنتي قليلة الأدب والذوق عشان تردي عليا كده .. يا أنا يا أنتي هنا !
وهنا أشار زايد لها وهو يقف أمامها بنظرات عنيفة :
_ لو كررتي اللي قولتيه ده تاني يبقى هي اللي هتقعد .. كرريها وهتشوفي أنا هعمل ايه !.
اقتدح الشر بعينان نوران حتى أتى أبنها الأفعى هيثم وقال بحدة :
_ بتزعق لأمي ليه ؟!
وأخرج زايد غضبه المكبوت منهما وهو يجر هيثم بعيدا عن المائدة ويكيله بعض الضربات المتتالية قائلًا وهو يدفعه بشراسة :
_ اللي هيفكر بس مجرد تفكير أنه يضايقها ولو بإشارة أنتوا عارفين كويس أنا ممكن اعمل فيكوا إيه ..
صرخت نوران وتقمصت دور الضحية وهي تبك وتشهق قائلةً:
_ ممدوح لسه عايش ما ماتش عشان تعمل فينا كده وتبهدلنا ! .. أومال لو جراله حاجة هتعمل فيا أنا وولادي ايه ؟!
قالها زايد صريحة :
_ أدعي أن ابويا يقوم بالسلامة .. عشان لو جراله حاجة مش هرحم حد فيكوا أنتوا الأتنين .. أنا ساكتلكم من زمان بسببه.
نهض هيثم وهو يمسح الدماء من جانب فمه ونظر لزايد بكراهية وقال :
_ هتندم على كل اللي عملته معايا ..
توجه اليه زايد بغضب بينما صرخت نوران بذعر على أبنها ، وندمت فرحة بعض الشيء أنها كانت سببا لذلك الشجار الذي لا داعي له .. وظهر فجأة فادي ووقف حائلا بين زايد وهيثم مترجيا زايد :
_ عشان خاطري يا زايد سيبه .. لو ليا خاطر عندك، ما تنساش انه أخويا ، زي ما أنت كمان أخويا.
توقف زايد وهو ينظر بإشمئزاز لهيثم وقال لفادي :
_ وجودك بينا يا فادي كان معجزني عن ردود فعل كتير عايز أخدها .. بس للصبر حدود ، واللي هيقرب لمراتي ولو بكلمة مش هرحمه .. و ده آخر تحذير قبل ما أوريكم وش هتزعلوا أوي لو ظهر.
جذبت فرحة زايد من معصم يده للخارج قبل أن يتجدد الشجار مرةً أخرى … وعندما خرجا من المكان صاحت نوران بغضب على أبنها فادي وهي تسند هيثم ليقف على قدميه :
_ أنت مش ابني ولا أنا امك .. واحد غيرك كان وقف جنب أخوه كتف بكتف ، مش تقف تترجاه يسيبه !! ..
انفعل فادي وتحدث بعصبية :
_ أقف جنب هيثم في ايه ؟ … في المليون خطة والفخ اللي في دماغه لزايد ؟ .. ولا أساعده وأشجعه أنه يغير أكتر وأكتر منه ؟ .. هيثم أبنك عايش حياته ومعندوش غير حلم واحد وبس .. وهو أنه يدمر زايد .. ما تنسيش أن زايد كمان يبقى أخويا ! ..
هتفت نوران باحتقار :
_ أخوك من الاب وبس ، يعني مش أبني ولا يشرفني أنه يبقى أبني .. ولا أنت عايزه يموتني زي ما موت أمه ! ..
ودهش فادي من ما تفوهت به أمه نوران ، وتجمد عندما وجد زايد قد عاد ودخل من المدخل الرئيسي للفيلا وسمع جملتها الأخيرة ..
وضعت فرحة يدها على فمها بذعر عندما نظرت لزايد ووجدته قد تحجر في مكانه بعينان متسعتان بخطر وعينيه اسودتان كالجمر المتقد .. نظر هيثم بنظرة شماتة له .. بينما رفعت نوران حاجبها بتحد وقح وكررت جملتها بصيغة أخرى:
_ أحمد ربنا أني رضيت أسيب مجرم زيك وسط ولادي .. حتى يوم ما اتجوزت أخترت الأشكال اللي شبهك ..
لم يشعر زايد بنفسه وقد عادت اليه النوبة الهيسترية من الغضب وهو يدفع على الأرض بشراسة كل ما تطاله يده من أثاث ويسقط قطعا مهشمة لفتات .. وشعرت نوران بالذعر منه وأخذت أبنها وهربت لأحدى الغرف … بينما حاول فادي أن يهدأ من روع أخيه زايد الذي يصرخ والدموع تنزف من عينيه كالأعصار ويدفع بالمقاعد والأثاث بعنف…
تجمدت فرحة وتذكرت نصيحة الطبيب الضرورية وهو يكتب لها دواء طبي يتناوله بواسطة حقنة طبية تؤخذ عند تلك النوبة فقط ..
ركضت فرحة لحقيبتها بالغرفة العلوية التي خبأت فيها ذلك الدواء عند ظهور تلك النوبة الخطيرة ، وعبأت الدواء بخبرتها في السرنجة الطبية التي أتت بعدد منها سابقا للأحتياط ..
ثم نزلت سريعا لتجد زايد قد تفاقمت عنده تلك النوبة ويحاول شقيقه فادي بشتى الطرق الامساك به .. فأشارت فرحة لفادي أن يحاول بكل قوته أن يقبض على زايد ويعجزه عن الحركة ولو لدقيقة …
وفعل ذلك فادي بصعوبة شديدة ، حتى ركضت فرحة ودست سن الحقنة بجسد زايد وفرغت محتواها سريعا .. ليتخدر جسد زايد بعد لحظات ويبدو أن مفعول الدواء يتناسب سرعته تلك الحالات الخطرة ..
بدأت عينان زايد الغارقتان بالدموع والعذاب تتيهان وكأنه سيفقد الوعي .. فأجلسه فادي وهو يسأل فرحة بعصبية وخوف :
_ أنتي اديتيله ايه ؟!!
ابتلعت فرحة ريقها بمرارة والدموع تنحدر على خديها وأجابت :
_ ما تخافش .. الحقنة دي هتخليه ينام شوية واعصابه ترتاح لحد ما يصحى فايق .. الدكتور اللي أكد عليا لما تجيله النوبة دي اديهاله فورا وإلا هيبقى في خطر عليه وعلى اللي ممكن يعمله بنفسه او باللي حواليه.
تذكر فادي ذلك الأمر عندما فعل الطبيب نفس الشيء بيوم زفاف زايد عندما أتت له تلك النوبة الشرسة فجأةً وبدون سابق أنذار ..
وقالت فرحة بألم :
_ طلعه معايا يا فادي لأوضته .. مش هنسيبه كده.
ونفذ فادي الأمر وحمل زايد الذي كان ثقيلا بالوزن جدا .. وعندما وضعه على الفراش بغرفته العلوية دثرته فرحة بالغطاء .. ثم أكتسى وجهها بالغضب وقالت لفادي بحدة :
_ خليك هنا جنب زايد على ما ارجع ..
وقصدت أن يظل فادي ولا يسمع ما ستفعله بنوران ..
وذهبت فرحة مباشرة لنوران التي خرجت للحديقة ومعها أبنها هيثم يضحكان على ما حدث .. واسرعت فرحة لهما وأطرقت على الطاولة بغضب لم تشعر به من قبل وصاحت فيهما بمنتهى الكراهية :
_ اللي حصل النهاردة ده أنا مش هعديهولكوا .. ولو كنتوا فاكرين أني هسيبه فده عشم أبليس في الجنة .. لا أنتي يا حرباية ولا أبنك العبيط الحقود ده هيقدروا يبعدوني عنه لحظة واحدة .. وأنا بقا مش هحذركوا ، أنا ما بحذرش حد .. أنا هنفذ اللي في دماغي وبس ..
شهقت نوران وقالت :
_ أنتي بتشتميني وبتقوليلي يا حرباية ؟!
اكدت فرحة :
_ آه ، ولو مش عاجبك هروح أقول لحمايا على اللي حصل النهاردة بالتفصيل .. وهقوله كمان على اللي عمله أبنك يوم فرحي أنا وزايد ، وعلى المشروع اللي كان عاوز يسرقه من زايد ويضيعه عليه ويخسر شركته .. وعلى حاجات كتير أوي عرفاها ومعايا ادلة .. لولا اني مكنتش عايزة اتسبب في مشاكل اكتر من اللي بينكم كان زماني كشفتها من زمان … بس أنتوا تستاهلوا اللي هيحصلكم.
وتركتهما فرحة ينظران لها بشرر وغضب مكبوت ، ونظرت نوران لهيثم أبنها بعصبية وقالت :
_ نصحتك يا غبي مليون مرة ما تستخدمهاش عشان تأذي زايد ، اهي مسكت عليك حاجات تكشفك وهتخلينا تحت رحمتها ! ..
سخر هيثم وقال :
_ تعمل اللي تعمله .. هيكون معاها ايه يعني ؟!
هتفت نوران فيه بغيظ وقالت :
_ مش عايزة اسمع صوتك دلوقتي خالص .. على ما نشوف المصيبة دي كمان ، قال يعني مكنش كفاية علينا اللي اسمه زايد عشان يجيبلنا بلوة زيه تعيشني في بيتي تحت التهديد !!
وكاد هيثم أن يعترض حتى عنفته نوران وقالت :
_ والله لو اتغابيت تاني وعملت حاجة من ورايا لهكون اللي طرداك من هنا بإيديا دول ..
وسكت هيثم مرغما وعيناه مليئة بالحقد والغيظ ..
__________________________________
دخلت سمر شقتها التي أعدت ببعض الأثاث الجديد ونزفت عينيها الدموع مجددًا .. حاولت أن لا تفكر ولا تسأل نفسها ما الحال لو ما كان حدث كل هذا وكان الآن يقضيان أجمل أيام حياتهما .. ؟!
وذهبت مباشرة لغرفة النوم وابعدت فكرها على أي شوارد ذهنية تزيد من عذابها وخوفها من الآت … وتوجهت نحو خزانة الملابس وأخرجت بجامة شتوية مناسبة للطقس الحالي ..
وبعدها توجهت لحمام الغرفة لتأخذ دشا دافئ .. وخرجت بعد دقائق وهي تجفف شعرها ..
وعندما كانت تمشط خصلات شعرها أمام المرآة تساءلت باشتياق والم كيف هو الآن ؟!
حاولت أن تنهي تمشيط شعرها وتخلد للنوم لبعض الوقت .. وسريعا كانت بالفراش مغمضة عينيها تحاول جاهدة أن تغفو .. ولكن أسفا أن الصحوة لم تأت الا الآن .. !
وظلت فرحة هكذا تحاول جاهدة … حتى استطاعت بعد ساعات أن تغفو بتلك الساعة الأخيرة قبل أن تعود للمشفى !!
_________________________________
وبعد مرور ساعات النهار اقتربت الشمس أن تغيب ..
وقفت سيارة أكرم أمام القصر الجنوبي .. وبلحظات قليلة كان خرج من السيارة وفتح الباب الجانبي لمقعد جيهان وأخرجها عنوة وهي تحاول التخلص من قبضته الفولاذية ..
هتفت بتهديد وانفعال :
_ أوعى تفتكر أني مش هحاول أهرب مرة تانية ! .. أنا مش هقعد هنا لحظة واحدة !
لم يعيرها أكرم اهتماما لكل ما قالته وجذبها للداخل بوجهه الجامد الذي لا يفسر سوى انه عزم على الأنتقام !.
وصعد بها للطابق الثاني .. وبلحظات كان فتح باب أحدى الغرف ودفعها على الفراش بكل غضب !!.
وعندما رفعت جيهان وجهها وهي ترتجف اتسعت عيناها بهلع عندما نظرت ورأت الصغيرة أشهاد ممددة بوجه شاحب من المرض وبجانبها صديقتيها الصغيرتان …. انتفضت جيهان من مكانها واقتربت لجبين أشهاد وهي تتحسس عليه بخوف قائلة :
_ حصلها ايه ؟!
وقبل أن ترد عليها الصغيرة وصيفة ، رد عليها أكرم قائلا بعصبية :
_ أشهاد اتعلقت بيكي لدرجة انها فضلت تعيط من ساعة ما هربتي ومرضت من كتر الزعل والحزن .. ذنبها ايه تعملي فيها كده ؟ .. اتصلوا بيا امبارح وقالولي انها بتموت .. وده كان السبب اللي جبتك هنا عشانه بالقوة ..
قبلت جيهان جبين الصغيرة الدافئ وقالت لها بهمس ودموع :
_ أنا أسفة .. أرجوكي ردي عليا .
تمتمت الصغيرة الكفيفة عندما سمعت صوت جيهان وحاولت أن تظهر ابتسامة .. وهمست بصوت ضعيف :
_ ماما جيهان .. أنتي هنا ؟
قبلتها جيهان بدموع مرة أخرى واكدت وهي تربت على رأسها بمحبة صادقة :
_ أيوة يا حبيبتي أنا هنا .. جانبك ومش هسيبك ..
ونظرت لأكرم قائلة وكأنها تتحداه :
_ مش هسيبك غير لما تقومي بالسلامة أن شاء الله … أو الأفضل أخدك معايا المستشفى ..
ضيق أكرم عينيه بشراسة وصاح :
_ بنتي مش هتتنقل من هنا ومش هتروح مع حد ..
تمتمت أشهاد وهي تتتمسك بيد جيهان وتنظر جهتها بضعف :
_ ايوة .. خديني معاكي ..
انتفضت عروق فكيه من الغضب وخرج من الغرفة صافعا الباب خلفه .. فهمس جيهان لأشهاد برقة وحنان :
_ ما تقلقيش يا حبيبتي .. أنا مش هسيبك أبدًا بعد كده .
أطرفت أشهاد بأهداب عينيها وظهرت ابتسامة على وجهها البريء ، فأخذتها جيهان بضمة حنونة شديدة العاطفة وهي تبك بمحبة ، وهنا انتبهت لصوت بكاء الصغيرة رضا .. وعندنا نظرت لها جيهان قالت رضا باعتراف وهي تنظر للأرض :
_ أتا مكنتش برضى أقولك ماما جيهان كتير زيهم عشان ما أتعلقش بيكي وبعدين تمشي .. بس أنا بجد حبيتك اوي يا ماما جيهان ومش عايزاكي تبعدي عننا تاني ..
واجهشت الصغيرة رضا بالبكاء ، حتى أخذتهما جيهان ثلاثتهن بعناق شديد المحبة وقالت بدموع وتأكيد :
_ والله مش هسيبكم تاني .. وده وعد مني.
وبعد مرور بعض الوقت … خرجت جيهان من غرفة الفتيات بعدما تحدثن كثيرا وتركتهن يخلدن للنوم ..
وعندما نزلت الدرج للطابق الأرضي وجدت الباب الرئيسي مغلقا بالأقفال المؤصدة ! .. لمست جيهان الأقفال بدهشة حتى أتاها صوت أكرم وهو يقول :
_ المرادي قفلت كل الأبواب .. مش هتلاقي مخرج تهربي منه ، والولاد ما يعرفوش أنك هنا لسه ..
استدارت جيهان بعصبية وقالت له :
_ اكيد ما بتفكرش تحبسني !! .. والا تبقى مجنون !
اقترب منها اكرم بخطوات بطيئة .. وكانت تهابه وترتعد من نظراته الحادة فكانت تبتعد كلما اقترب … حتى تعثر ظهرها باحدى المزهريات القديمة التي سقطت أرضا وتهشمت … تركت جيهان المزهرية وأشارت له بتهديد وهي بداخلها ينتفض رعبا :
_ أنا بحذرك يا أكرم تقرب أو تفكر أنك ممكن تحبسني هنا .. مجرد ما يكتشفوا غيابي هيكون معروف مين السبب .. وهيعرفوا اني هنا وهيجوا.
والتصق ظهرها بالحائط حتى تجمدت وهي تراه يقترب بنظراته الخطرة نحوها … وقال قنبلته الموقوتة مبتسما بمكر شديد :
_ طب ما يعرفوا .. أنا عايز الكل يعرف أنك هتبقي .. مراتي.
اتسعت عينان جيهان وشهقت من الصدمة !!!.

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية سيد القصر الجنوبي)

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *