روايات

رواية عذرا لقد نفذ رصيدكم الفصل الثاني والأربعون 42 بقلم فاطمة طه سلطان

رواية عذرا لقد نفذ رصيدكم الفصل الثاني والأربعون 42 بقلم فاطمة طه سلطان

رواية عذرا لقد نفذ رصيدكم البارت الثاني والأربعون

رواية عذرا لقد نفذ رصيدكم الجزء الثاني والأربعون

عذرا لقد نفذ رصيدكم
عذرا لقد نفذ رصيدكم

رواية عذرا لقد نفذ رصيدكم الحلقة الثانية والأربعون

“بالمرّة المُقبلة حينَما نلتقي
سأطيل النَّظر فيك
للحَد الذي
يؤجِّل اكتئابي
لعدّة أسَابيع
قادِمَة”
#مقتبسة
‏” أنتِ الفكرة التي لا تتجزأ
لا تندثر
لا تموت
ولا تحلّ محلها فكرة أخرى ”
#مقتبسة
سأكون لك الأمان ،
الذي لن يتخلى عنك يوماً ما
#مقتبسة
__________________
غادر سلامة في الصباح الباكر…
قام نضال بتوصيله هو ووالده إلى المطار فقام بتوديع جهاد في منزل والدتها كونه ليس بالضرورة بأن تأتي معه إلى المطار…
لأن شقة والدتها في طابق مرتفع لذلك لا يرغب بأن تهبط ثم تصعد مرة أخرى بل يتمنى أن تعود إلى المنزل في أقرب وقت لكن إلى الآن….
المهم أنها لا تهبط وتظل في المنزل إلى حين حدوث أي أمر جديد…
تجلس الآن وفاء مع جهاد بعدما رحلت انتصار التى كانت تطمئن على أحوالهما، أما سلمى كانت نائمة في حجرتها…
أردفت وفاء بتوتر حينما لاحظت بأن جهاد شاردة أو تتجنب النظر والحديث معها، لا تدري هل هذا هو الحقيقة أم لأن أمر حمزة انكشف حينما رأت تلك الصورة لذلك تشعر بتلك المشاعر:
-أنا عايزة اشكرك أنك مقولتيش حاجة قدام سلامة عن موضوع الصورة وصدقيني الموضوع مش زي ما أنتِ فاكرة…
تحدثت جهاد بعد تنهيدة متعبة خرجت منها:
-أنا مقولتش قدام سلامة لأني مكنتش مستوعبة اللي شوفته، ومرضتش أعمل مشكلة وأنا لسه مش مجمعة ولا فاهمة حاجة، ولا أنا أصلا في ظروف تسمح ليا إني أفكر في أي حاجة لكن أنا فهمت الحقيقة، حمزة هو خطيبك اللي كنتي بتتكلمي عنه..
هزت وفاء رأسها بارتباك ثم غمغمت تحاول شرح نفسها:
-هو، أنا معرفتش اقول قدام حد أنا كنت غريبة عنكم، غريبة ولسه غريبة يدوبك بأخد عليكم وبتاخدوا عليا، وأنا باخد على حياتي اللى اتقلبت مرة واحدة، أول يوم كنت بحكي ليكي عنه هو اللي شوفته فيه مع سامية أول مرة هنا…
ابتلعت ريقها ثم قالت بانزعاج شديد وهي تتذكر هذا اللقاء:
-مكنتش فاهمة ولا قادرة استوعب أن ده حقيقي، ده شيء مش في أحلامي اصلا أنه يكون اتجوز أصلا وأن ده سبب اختفائه، لا وكمان اتجوز بنت عمي اللي لسه أنا أول مرة اشوفها أصلا..
سألتها جهاد مقررة بأن تشغل حالها قليلا حتى تهرب من الحزن ومن حالتها الكئيبة ولو لمدة دقائق:
-حاول يكلمك بعدها؟؟.
-كلمني وقابلني كمان..
قالت جهاد مستنكرة:
-قابلك كمان؟؟..
ابتلعت وفاء ريقها ثم قالت بسخرية من حالها وهي تتذكر كلماته التي مازالت تتردد في أذنيها:
-قابلني وخلى اخته تكلمني، بيقنعني أنه بيحب سامية وأنه ارتباطه بيا كان غلط وأنها كانت صالونات أما هي الحب اللي في حياته، وأنه كان حاسس دايما إني مش ببادله مشاعر علشان كده عمل كده، طبعا قال كلام كتير زي ده ملهوش لازمة ولا يدخل دماغي بتعريفة يمكن الحاجة الوحيدة اللي قالها صح…
سألتها جهاد باستغراب:
-إيه هي؟..
قالت وفاء بمرارة شديدة وهي تتذكر حالتها وحالة سامية الغارقة دون أن تدري:
-أن محدش هيصدقني وهخلق عداوة من لا شيء وأنا لسه بتعرف عليكم؛ علشان كده قررت مؤقتًا لغايت ما الدنيا تتعدل أسيب الأمور زي ما هي في النهاية سامية مبقتش على البر لا دي مراته أصلا…
تنهدت ثم أسترسلت حديثها:
-وواضح من كلام مامتها وبابا أنها عامية في حبه هي اتورطت؛ كلامي مش هيودي ولا هيجيب حاليا؛ والمياة هتكدب الغطاس في النهاية..
بــداخــل الحـجـرة التي تنام فيها سـلـمـى.
تقلبت في الفراش وهي ترفع يدها إلى الكومود الذي يتواجد بجوار الفراش، صوت الهاتف يعلن عن اتصال، لم يكن صاحب الاتصال شخص غير متوقع، لذلك أجابت عليه بصوتٍ ناعس وبه بقية نوم…
-ألو..
-صح النوم يا سلمى، كل ده نوم دي تالت مرة اتصل وبعتلك كتير اوي مكنتيش بتردي..
تمتمت سلمى بنبرة هادئة وخافتة:
-معلش نايمة ومسمعتش.
جاءها صوته ضاحكًا وهو يحاول رُبما التخفيف عنها:
-اه فين أيام زمان لما كانت سلمى بتنام تسعة بليل وبتصحى تسعة الصبح، وكنت مش بعرف أمشي مع التوقيت بتاعك.
ردت عليه بنبرة لا تدري هل هي ساخرة أم مرحة:
-اهو ملقتش حد عارف يجي ويكون في التوقيت بتاعي قولت أنا اللي اجي ليكم؛ أنتَ فين كده؛ في الشارع ولا إيه؟!..
صوت الضوضاء هو ما جعلها تخمن هذا الشيء لذلك كانت نبرتها مهتمة في نظره..
-اه بخلص كام مشوار كده بعد ما وصلت سلامة المطار، وقولت أحل عن دماغك كام ساعة، بس اعملي حسابك إني هاجي على الغداء واتمنى أكل من إيدك لو مش هيضايقك..
ردت عليه سلمى رد مُبهم:
-أكيد جهاد ووفاء هيعملوا أكل…
-أنا متجوزك أنتِ مش هما، وبعدين نفسي اشوف الأكل الصحي اللي بتقعدي تتكلمي عنه ده، ولا هو كلام ومش هندوق ولا نقيم…
ثم أسترسل حديثه بنبرة لطيفة:
-يلا قومي فوقي كده اشربي حاجة وصلي الضهر علشان العصر قرب يأذن أنا بعمل كام حاجة كده وهكلمك وأنا جاي لو عاوزين حاجة…
مازالت تتذكر ليلة أمس التي احتواها فيها في كل دقيقة أدرك رغبتها في الصمت، حتى رغبتها في الخروج من المنزل رغم إنكارها؛ إدراكه مشاعرها، حتى أنه أعطاها المساحة الكافية للحديث فهي كانت ترغب في أن تتحدث لا أن تسمع حديث الناس ومواساتهم…..
حتى احتضانه لها كان مختلفًا هو يحاول أن يداوي جرح مازال حديثًا جدا جدا ومن الصعب التعامل معه لكنه يحاول…
…بعد مرور عشر دقائق…
كانت وفاء مستمرة في شرح الأسباب التي جعلتها تخفي عن الجميع أمر حمزة…
خرجت وقتها سلمى من الحجرة وهذا ما جعلها تتوقف عن الحديث حينما قالت سلمى لهما وكانت أنظارهما غريبة كأن أمامهما كائن فضائي:
-أنا هدخل أعمل شاي بلبن حد عايز حاجة أعملها ليه معايا؟
_____________
تجلس مع شيرين في الكافتيريا الخاصة بالمستشفى تتناول القهوة معها، هذا هو الوقت الخاص بالراحة لهما ويحل محلهما الفتيات الأخرى بالتبادل بين العاملات يقومن بالتنسيق فيما بينهم…
شعرت شيرين بأنه منذ يومين تقريبًا صديقتها إيناس ليست في حالتها الطبيعية لذلك أصرت عليها أن تخبرها بما حدث لعلها تشعر بالراحة..
ولم تبخل عليها إيناس..
لأنه بالرغم من ثرثرة شيرين بأنها كثيرة الكلام وتفتح العديد من المواضيع في وقتٍ واحد، وتحب دومًا الحديث بدلًا من الصمت إلا أنها تشعر بالراحة حينما تخبرها بما يوجد في خاطرها تحديدًا في الفترة الأخيرة التي أصبحت قريبة جدًا منها بسبب العمل الذي يجعلها تقضي ساعات طويلة فيه معها…
-من يومين تقريبًا وأنا جاية من الشغل لقيت عمرو هنا…
ضيقت شيرين عيناها بشذر وانزعاج واضح، فهي تعلم قصتها مع طليقها جيدًا وتعرف اسمه بالطبع لذلك عقبت بانزعاج:
-وهو جه هنا يهبب إيه ده ولا يعمل إيه؟؟! وعرف مكان شغلك منين؟
ردت عليها إيناس بنبرة صادقة:
-معرفش عرف مكان شغلي منين مقالش، قالي اللي يسأل ميتوهش أما جاي يعمل إيه فهو جاي يقنعني أنه فسخ خطوبته وأنه اتغير وعايزنا نرجع علشان العيال يتربوا وسطينا وفضل يتكلم بطريقة غريبة بيحاول يقنعني بيها أنه واحد تاني.
شعرت شيرين بحيرتها من وسط كلماتها أو أنها قد شعرت بـميل نحوه..
لذلك تحدثت بقوة:
-احنا هنخيب ولا إيه يا إيناس؟؟ هو أنتِ مقتنعة باللي بيعمله ده بعد كل القرف والمشاكل اللي دخلك فيها؟ أوعي تكوني بتفكري ترجعيله بجد..
قالت إيناس برفض قاطع:
-لا طبعًا مش بفكر ارجعله..
هنا ارتاحت وارتخت ملامح شيرين لكنها عادت تنظر بضيق شديد مرة أخرى وهي تسمعها:
-استحالة ارجع أنا وعمرو مبقاش ينفع خلاص ولا عمرها كانت تنفع؛ لكن…
صمتت إيناس وهذا ما جعل شيرين على وشك الصياح وهي تتفوه بنبرة ساخرة:
-اهو لكن دي أنا بكرهها وبتقلقني..
-أنا مش هرجع لعمرو مهما حصل لكن الطبيعي الشخص ساعات كتير بيراجع نفسه وبيراجع حساباته لأني مطلعتش من الموضوع ده لوحدي، أنا معايا عيال، طبيعي دماغي تشتغل؛ زي مثلا لما تحرقي أكلة منك أنتِ عارفة كويس أنها مصيرها الزبالة ملهاش حل وممكن ترميها بس هتقعدي تفكري في كل حاجة عملتيها سواء كان الغلط منك أو الغلط في المكونات ولا البوتجاز..
تمتمت شيرين بسخرية:
-لا الكلام ده ميعجبنيش..هو البوتجاز السبب ياختي..
– كل انسان بيقعد يلوم نفسه رغم أنه عارف أن اللي حصل هو الصح، وأنه مش هينفع بس محدش بيعرف يقفل صفحة من حياته بسهولة مش علشان الشخص اللي كان معاكي لا علشان اللي ما بينكم اللي هو العيال…أنتِ عشان برا الصورة.
قالت شيرين وقد أنفلت لسانها نوعًا ما:
-لا سيبك منه ومن الصورة بكرا تلاقي سيد سيده والأحسن منه.
أردفت إيناس بنبرة هادئة وابتسامة صافية:
-أنا ولا عايزة سيده ولا عايزة سيد سيده؛ أنا عايزة حياة مستقرة ليا أنا وأولادي وأهلي مش عايزة أي حاجة تانية من الدنيا نكون كويسين ومستورين…
تحدثت شيرين بانزعاج جلي وهي تخبرها بما يتواجد في خاطرها قد فقدت قدرتها على الكتمان والصبر، هي ترغب في أن تخبرها بما يتواجد في جوفها وما تحمله بداخلها منذ مدة…
ورُبما هذا هو الأفضل…
يجب أن تعلم بأن هناك رجل بالفعل بهتم بها ويفكر في مساعدتها بطرق كثيرة غير مباشرة لا تظن بأن هذا شيء سيء:
-لا تعوزي الأحسن طبعًا أنتِ لسه صغيرة، ويمكن الأحسن هو اللي يعوزك، بصي بقا ما أنا مش هسكت أكتر من كده؛ أنا والله كتومة وبحفظ السر بس مش قادرة مدام الموضوع وصل لعمرو الـ***..
-تسكتي عن إيه؟؟ هو في إيه يا شيرين ندمتيني إني فكيت معاكي بالكلام شوية……
-اسمعيني بس للآخر من غير نرفزة أنا كان قصدي خير..
__________
جاء زهران وجلس على الأريكة في شقة شقيقه برفقة انتصار وسامية التي طلبت منه الإتيان من الأساس…
جاء زهران من دون أرجيلته على غير العادة هو بالفعل حزين تلك الفترة؛ لذلك لم يعد قادرًا على خلق مزاجه الجيد في كل الأوقات…كما كان يفعل…..
وضعت سامية القهوة على الطاولة التي صنعتها له مما جعل زهران يغمغم بهدوء بينما انتصار كانت تقضي فرضها في الغرفة:
-عاملة إيه يا بت يا سامية، ليكي وحشة والله إيه اللي مخليكي مختفية كده؟!!.
-اهو البيت والشغل مع بعض، ولسه بحاول اتعود..
هز زهران رأسه متفهمًا ثم غمغم بعدما أخذ فنجان القهوة ثم أخذ منه رشفة:
-ربنا يقويكي يا بنتي ويسعدك، أهم حاجة تكوني مبسوطة ومرتاحة.
كانت ترغب في إخباره الأمر الآن لكنها شعرت بالتردد إلى أن قال زهران وهو ينظر على الساعة التي بالكاد تظهر من معصمة من أسفل طرف جلبابه:
-قالولي بقا عايزة إيه علشان عندي ميعاد دلوقتي مع واحد جاي ليا الجزارة.
أردفت سامية محاولة أن تتحلى بالشجاعة:
-كنت محتاجة منك مساعدة كده..
-اتفضلي يا حبيبتي ده أنتِ لو طلبتي عنيا متغلاش عليكي…
قالت سامية بنبرة هادئة؛
-تسلم يا عمو ربنا يخليك ليا، أنا مش هطول عليك بس أنا كنت عايزة مبلغ كده يعني حمزة مزنوق وأنا عايزة أساعده…
لم يغضب زهران…
لم ينفعل كما كانت تظن…
بل سألها ببراءة لا تناسبه تحديدًا في موقف هكذا حتى أنها هي نفسها ظنت بأن زمن المعجزات قد عاد مرة أخرى…
-عايزة كام يا حبيبتي؟؟..
شعرت بالسعادة…
تهللت أساريرها…
أخذت تخبره عن المبلغ الكبير الذي تريده، هو ليس مبلغًا بسيطًا أبدًا..
تمتم زهران بنبرة ساخرة:
-ما اكتب له العمارة باسمه بالمرة، أنتِ اتجننتي ولا إيه يا سامية في يومك ده، وبعدين ازاي هو يطلب منك حاجة زي دي، هو داخل على طمع بقا…
انتفضت سامية من مكانها وبالرغم من القصور والأشياء المفقودة في علاقتها به إلا أنها تحبه حقًا ولا تقبل بأن يتحدث عنه أي شخص بتلك الطريقة…
أردفت سامية بانزعاج جلي:
-أنا حمزة مطلبش حاجة مني ولا يعرف إني أصلا هطلب منكم حاجة بس أنا من واجبي كمراته إني أساعده؛ ليه بقا الغلط فيه؟؟ وبعدين أنا ليا حق في ده كله…
جاءت انتصار من الداخل وهي ترتدي إسدال الصلاة تجهل تمامًا ما يحدث فلم تخبرها ابنتها بأي شيء:
-في إيه يا جماعة..
لم يغضب زهران ولم يكن هذا شيء غير متوقع من سامية كونها تطالب بحقها بطريقة مختلفة:
-عيلة خطاب من زمن الزمن وكل اللي بيطلع بيتقسم بالنص سواء إيجار العماير اللي على أول الشارع أو اللي في الوش، أو الجزارة وغيره أنا بدي لأمك زي ما بأخد أول الشهر مفيش حد بيطلب مبلغ زي اللي بتطلبيه ده مرة واحده، لو بتتكلمي عن الحساب كنت حاسبتك على العربية اللي جبتها من مالي أنا هدية ليكي زي ما جبت لابني……
ابتلع ريقه ثم أسترسل حديثه:
-حتى شقق سلامة ونضال لما اتوضبت، نفس اللي دفعناها فيها قولتلك روحي هاتي اللي أنتِ عايزاه دهب واللي تعوزيه وامشي وأنا هحاسب، وكل ما كنتي تروحي تجيبي حاجة كنت أنا اللي بدفع ثمنها في العادي، أنا مبأكلش حقك يا بنت اخويا ولو مش واثقة فيا كل حاجة على ايد خالك وأمك بتحصل والورق بيوصلها أول الشهر..
تمتمت انتصار باعتذار طفيف:
-ومين قال غير كده يا زهران بس، ممكن تفهموني في إيه؟؟.
رد زهران عليها هو ينهض من مكانه:
-بنتك تبقى تفهمك في إيه، أنا ماشي علشان زي ما قولت عندي ميعاد..
ثم نظر إلى سامية متحدثًا:
-القهوة من ايدك سم يا سامية الله يكون في عون الواد اللي مش بطيقه لو بيحب القهوة، ولو جوزك عايز فلوس يجيبها بطريقته مفيش راجل حُر بيقبل من ست فلوس حتى لو مساعدة، اعقلي كده واركزي وأنا هعتبر نفسي مسمعتش حاجة منك علشان مزعلكيش….
أقترب زهران من الباب فتحه ثم نظر إلى انتصار مغمغمًا:
-الدهب بتاعها ميطلعش من هنا يا انتصار لو طلع الفواتير أغلبها باسمي وساعات كانت باسمك أنتِ لو فكرت تعمل أي حركة هحبسلها جوزها بيه؛ لما نشوف أخرة الجوازة دي إيه…
رحل زهران وهو يغلق الباب خلفه هنا غمغمت انتصار بانزعاج جلي:
-هو أنتِ ازاي تتكلمي مع عمك بالطريقة دي؟ وفلوس إيه اللي أنتِ عايزاها؟؟؟؟
أردفت سامية بنبرة غاضبة ومُنفعلة إلى أقصى حد:
-ده بيهددني قصادك مش شايفة طريقته؟ هو إيه اللي عملته ما طبيعي أعوز فلوس سواء بقا ليا أو لـ حمزة أنا حرة، أنا ليا ورث وحق، وبعدين عايز يفهمني أن المكان اللي نضال فتحه جديد ده كان بفلوس نضال لوحده؟ يا سلام؟ ولا دي فلوس دياب اللي محلتوش حاجة؟؟؟..
صاحت انتصار بعدم تصديق أو حتى قدرة على فعل شيء معها:
-هو أنا المفروض اعمل إيه معاكي علشان تتعدلي؟؟ إيه اللي المفروض اعمله مع شحطة زيك علشان اربيها من أول وجديد؟؟؟ ده أنا لو بكلم حيطة كانت حست وسمعت وفهمت..
-هو أنتِ دايما معاهم؟؟؟؟؟
قالت انتصار مستنكرة:
-أنا مش مع حد، ولا هو الواحد لو قال الصح واللي مش على هواكي ميبقاش معاكي؟ عايزة كل الناس تمشي حسب مزاج جنابك؟؟؟؟ أنا هروح اتصل بخالك يجي أنا مبقتش عارفة أخرتها معاكي إيه ولا قادرة عليكي ياريت ابوكي كان عايش كان عرف يعمل معاكي حاجة، لأني أنا معرفتش اربيكي…
_______________
في المقهى كان يجلس نضال مع دياب قبل أن يصعد إلى منزل السيدة يسرا من أجل تناول الغداء مع بناتها ومع شقيقته….
يتناول نضال قهوته بهدوء تام بينما دياب منشغل بهاتفه، تمتم نضال بنبرة خبيثة:
-الفترة اللي فاتت بقيت تمسك التليفون كتير وطول الوقت اونلاين فيس بوك وفي كل ما افتح حاجة الاقيكي قاعد في إيه يا دياب؟؟ وطول النهار عمال تشير بوستات ده أنا كل ما اعدي في الفيس بوك مش لاقي غيرك…
تمتم دياب بنبرة ساخرة من حاله يبدو أن الجميع يلاحظ هيئة دياب الجديدة على مواقع التواصل الاجتماعي:
-اهو هنعمل إيه بقا مهوا أنا من واحد مكنش لاحق ينام بسبب الشغلنتين اللي بيشتغلهم بقيت راجل مليش مواعيد وبروح واجي براحتي طبيعي يكون عندي وقت فراغ هعمل إيه يعني فيه؟..
تحدث نضال غير مصدقًا:
-ماشي هعمل نفسي مصدق…
غضب دياب أو رُبما يخجل من أن يشعر أحد بما ينتابه ومن غير نصال من الممكن أن يشعر بتغير أحواله:
-المهم أنتَ هتعمل حاجة بليل؟ وبعدين كنت عايزني ليه؟؟؟.
أردف نضال وهو يرد على أسئلته:
-مش عارف هنزل من عند سلمى امته، بس لما انزل لو لسه مش نعسان لاني صاحي من بدري أوي كنت برخص العربية وقبلها وصلت سلامة وكنت بخلص كذا مشوار، لو محستش إني خلاص هسقط وعايز أنام هكلمك ننزل نقعد على القهوة، أما كنت عايزك ليه، كنت عايز اتكلم معاك شوية من ساعة اللي حصل مقعدناش..
غمغم دياب بابتسامة هادئة:
-اتكلم…
ثم تغيرت ملامحه وهو يسترسل حديثه:
-بس ياريت حاجة تانية غير حوار إني أونلاين طول الوقت…
تمتم نضال بنبرة هادئة:
-بما أن والدتك خلصت جلساتها و ان شاء الله قريب المسح الذري يطلع مفيهوش حاجة والأمور اتحسنت بسبب مكانا الجديد فأنا شايف ليك شوية حاجات أنتَ مش شايفها…
أردف دياب وهو يضيق عينه ناظرًا له:
-إيه اللي حضرتك شايفه وأنا مش شايفه، إيه جايبلي عروسة ولا إيه؟؟ مهوا أصل أنتَ شكلك طالع لابوك….
ضحك نضال رغمًا عنه ثم حاول الحديث بجدية وأن يقول ما يريده:
-لا سكة إني أوفق رأسين في الحلال مش سكتي، لو عايز خليك مع ابويا، وبعدين خلص علشان مش عايز اتأخر على سلمى، خلينا ندخل في الموضوع علطول.
تمتم دياب بفضول لن ينكره:
-اتفضل يا عم..
– أول حاجة السنة الجديدة قربت تبدا أنا عايزك تكمل السنتين النحس اللي باقيين في الجامعة دول علشان تخلص نفسك وخلاص الأمور بقت أحسن من الأول….
أردف دياب بجدية وهو يخبره بأن الأمر بالفعل كان يدور برأسه:
-أنا بقالي فترة فعلا كنت بفكر في الموضوع ان شاء الله أروح في أقرب فرصة أشوف الموضوع ده..
هتف نضال وهو يخبره بالنقطة الثانية:
-وعايزك تقدم في أقرب طرح جديد لشقق الإسكان حوش مقدمة حلوة، والاقساط هتكون كويسة تقدر عليها، لازم يكون ليك شقة بدل اللي بعتها….
أشعل دياب سيجارته ثم أخذ يفكر في حديثه مغمغمًا:
-بقيت واخد دور الأم معايا..ناقص تشوفلي جمعية تدخلني فيها.
-أنا دي مش شغلتي بس هشوف حد له في الجمعيات يدخلك مش مشكلة..
فتح دياب هاتفه أثناء حديثهما ثم توجه إلى صفحتها مباشرًا ليجدها قامت بتنزيل صورة منذ دقيقة تقريبًا؛ اعتدل في جلسته مرة واحدة متحفزًا وهو يجدها بين أحضان رجل، رجل لا يتجاوز الأربعين من وجهه نظره، لكنه وسيم جدًا……
قامت بوضع تعليق بسيط فوقها تعبر عن لقائها به بعد اشتياق كبير مع العديد من الرموز التعبيرية….
كان زهران يأتي من خلفه غاضبًا بعد لقائه وحديثه مع سامية التي افقدته أعصابه، جاء من خلف دياب ليجد تلك الصورة واضحة للغاية خصوصًا أن دياب قام بـتكبيرها تحديدًا بعدما ضغط على الحساب التي قامت بالإشارة إليه وكان حسابًا مغلقًا لا تستطيع التعمق فيه….
يشعر بالجنون….
تحدث زهران بنبرة مرتفعة:
-لايقين على بعض ما شاء الله بس شكله كبير عليها..
ثم أسترسل الحديث وهو يسحب مقعد ويجلس فوقه بعدما رأه الصبي وأخبره بأنه سوف يأتي بأرجيلة من أجله…
-منك لله يا فقري ضيعت البت من ايدك، والله لولا أن عيالي متجوزين مكنتش سبتها ولا لو كانت كبيرة شوية كنت لقيت ليها صرفة…
اعتدل نضال هو الأخر على المقعد البلاستيكي، متمتمًا بعدم فهم كونه لم يرى أي شيء:
-في إيه أنتم بتتكلموا عن مين؟؟؟؟..
نهض دياب وأخذ مفاتيحه ثم أردف قبل أن يرحل دون أن يسمع أي رد:
-أنا ماشي يلا سلام؛ اشوفك بليل يا نضال……
تمتم نضال بعدم فهم:
-هو في إيه؟؟.
أردف زهران باستياء:
-البت الحلوة قريبة بهية دي شكلها شافت حالها، بتفهم هتعمل إيه بلوح ثلج…مهوا صاحبك مش هيجيبه من برا…..عيال فقرية كلكم….
_________________
في المساء…
تبكي منذ أن عادت إلى المنزل بعد شجار طويل دام بينها وبين خالها…
لم يحاول أحد أن ينصفها ولم يرى أي شخص منهم بأن معها ولها حق…
الجميع رأها مخطئة لأنها طلبت شيئًا حتى ولو من أجل زوجها ليس عليهم فعل هذا أبدًا…
مرة واحدة ظهر أمامها، ولج من باب الشقة ولم تنتبه كانت مشغولة في أفكارها السوداء…
حاولت مسح دموعها سريعًا لكنها قد تأخرت على أي حال هو رأى كل شيء..
أقترب منها حمزة بلهفة هاتفًا وهو يضع يده على كتفها وهي تجلس على طرف الفراش:
-مالك يا حبيبتي بتعيطي ليه؟ إيه اللي حصل؟؟
قالتها بصوتٍ باكي ومكتوم جدًا بالكاد يكون مسموعًا لأنه يقف أمامها بينهما مسافة قليلة جدًا..
-مفيش حاجة حصلت أنا بس مخنوقة شوية مفيش سبب يعني.
تحدث حمزة غير مصدقًا لما يسمعه:
-لا أنا مش عبيط علشان أصدق أنك ممكن تكوني معيطة بالشكل ده علشان اتخنقتي من غير سبب..
ثم استرسل حديثه بتخمين لا يحتاج إلى ذكاء خارق:
-اتخانقتي مع مامتك تاني…
قالت سامية بنفاذ صبر تلك المرة منفجرة وهي تعود مرة أخرى للبكاء:
-ايوة اتخانقت معاها ومع عمي ومع خالي..
تحدث حمزة بعدم استيعاب لما يحدث:
-هو إيه اللي حصل علشان تتخانقي معاهم كلهم؟ حصل إيه…
تمتمت سامية وهي تشرح له ما حدث من دون أي مراوغة أو كذب:
-طلبت منهم فلوس علشانك وعلشان اساعدك يا حمزة…
اللعنة!!
غضب منها بحق..
افقدته عقله…
صاح حمزة باستنكار شديد:
-أنا كنت بفضفض معاكي وبتكلم وبقولك اللي أنا بفكر فيه واللي هعمله ازاي تروحي أنتِ من نفسك تعرفي أهلك إني محتاج فلوس، إزاي تعملي كده؟؟ أنا طلبت منك حاجة من أساسه…
كان يصيح بجنون حتى أنه دفعها بعدما كانت تقف أمامه، حاولت سامية النهوض وهي تتحدث بنبرة مرتبكة لا تصدق حقًا ما يحدث وانفعاله التي تراه مبالغ فيه:
-أنتَ بتزعق وبتعمل معايا كده ليه؟ هو أنا عملت إيه يعني غير إني عايزة أساعدك واقف جنبك بدل ما تاخد قرض وبفوائد…
-أنتِ مالك من أساسه…
كان يصيح بشكل جنوني شكل أخافها حقًا، تحدثت سامية بنبرة غاضبة:
-هو إيه اللي أنا مالي؟ أنا غلطانة علشان بحاول اقف جنبك يعني؟؟
-لما تفضحيني قدام اهلك اني محتاج منك فلوس وأنا اصلا مطلبتش منك حاجة يبقى غلطانة وستين غلطانة، زمان أهلك بيقولوا إيه عني وهما أصلا مش طايقني من ساعة ما اتجوزنا من أساسه….
كان غاضب بالفعل!!
لم يسعد بطلبها من أهلها شيئًا هكذا…
هو فكر بالاستفادة منها ماديًا لكن وجد أن الفرصة غير مناسبة لأنها لا تملك أي شيء في يدها بشكل فعلي….
ولأنهما في بداية زيجتهما كان عليه أن يصلح علاقته بأهلها أولًا، وثانيًا بألا يأتي الأمر واضحًا إلى تلك الدرجة، هي خربت كل شيء…
تمتمت سامية بتردد:
-معرفش ليه الزعيق والكلام ده كله ومعرفش ليه أنتَ مضايق بالشكل ده بدل ما تشكرني إني بحاول أقف جنبك..
-لا مش هشكرك لما تخلي شكلي قدام الناس إني أنا الراجل اللي يأخذ فلوس من واحدة ست يبقى الموضوع مش محتاج شكر، أنا غاير في داهية اقعدي فيها لوحدك بقا…
رحل من أمامها وهي تسير خلفه تحاول أن توقفه قائلة:
-استنى يا حمزة، استني نتكلم أنتَ فاهم الموضوع غلط، أنا كل قصدي إني أساعدك..
لم يسمع منها شيء بل غادر تاركًا أياها بمفردها لعله ينفرد مع ذاته يفكر، أو
يـسـتـمـتـع بممارسة أحدى هواياته أو بمعنى أدق عاداته……..
____________
تشعر بأنها قد استنفذت في الفترة الأخيرة، إن كان من مشاكلها مع طليقها، أو من الضغوط التي تتواجد في منزلها والتي لم تكن يوميًا ماديًا فقط بل في الفترة الأخيرة الأمر بدأ يتحسن كثيرًا بسبب المكان الذي افتتحه دياب مع أصدقائه؛ وبسبب عملها في الوقت نفسه..
لكن نفسيًا كانت الفترة صعبة…
سوف تخضع والدتها إلى المسح الذري قريبًا من أجل التأكد من فعالية الجلسات التي أخذتها طوال الأشهر الماضية تنتظر خبر يفرح قلبها؛ بخلاف امتحانات حور التي بدأت ويحاول الجميع دعمها نفسيًا هي وصديقتها…
وأخرها حديث شيرين في الصباح حتى يقلب كيانها بالكامل الذي جعلها تجهل طريقة التصرف الصحيحة في موقف هكذا….
انشغلت إلى درجة جعلتها ليست متفرغة تمامًا للدخول إلى مواقع التواصل الاجتماعي ومراقبة الرسائل التي تأتي لها، لم يعد لها وقت بسبب عملها، أطفالها وعائلتها أن تفعل شيئًا، لكنها قررت اليوم أن تراه لعل هناك من أرسل لها شيء وهي لا تدري..
كانت محقة وجدت صديقة لها قد أرسلت لها شيء وهي لم ترى…
لم تكن هذا هو الشيء الغريب الوحيد، بل هو شيء طبيعي هي تتراسل معها كل فترة، ويبدو أنها أرسلت شيء لها وهذا ردها عليه…
لكن نعود مرة أخرى إلى الشيء الغريب..
هو أنها وجدت عدة رسائل من أحلام!!
أقتربت أن تنساها لولا رؤيتها لمعاناة هدير ونفسيتها التس قامت بتدميرها يوميًا، لولا هذا رُبما كانت قد نستها بالفعل!..
بدأ الأمر بالرسالة الأولى..
“ازيك يا إيناس وازي جنى وجواد حبايبي؟؟ كلكم عاملين إيه؟؟ وحشتيني بجد، طمنيني عنكم ويارب تكونوا بخير، أنا عايزة اطمن على هدير كل ما أكلمها من حتة تبلكني”.
بعد تلك الرسالة كان هناك الرسائل أخرى التي مر عليها أيام…
عبارة عن علامات استفهام وتعجب من عدم إجابتها عليها حتى الآن…
إلى أن أرسلت لها الرسالة الأخيرة:
“أنتِ بتتجاهليني يا إيناس ومش عايزة تردي عليا بجد؟ خلاص أنا مبقاش ليا حد كده خالص؟؟ ده أنا كنت فاكرة أنك اكتر حد هيحس بيا وهيفهمني ويسمعني”..
قرأت إيناس الرسائل بغضب لا تصدق وقاحتها!!
هي تحاول أن تجعل الجميع مُلام، وقد قصر الجميع في حقها بينما هي على الأغلب تظن بأنها لم تفعل شيئًا..
أرسلت لها إيناس رسالة أثناء تقلبها في الفراش الذي ينام عليه أطفالها بجوارها، كانت الرسالة بسيطة لكنها صادقة رغم ضيقها الشديد منها:
“مشوفتش الرسائل”.
لاحظت بأن الغطاء ابتعد عن ذراع طفلها فقامت بوضعه جيدًا حتى أنها كادت أن تخرج من المحادثة لتجد رد من أحلام في نفس اللحظة:
“والله؟ بقالي أكتر من أربع أيام ببعتلك كل ده ومشوفتيش؟؟ أنتِ مش عايزة تردي عليا يا إيناس ليه؟ أنا عملت معاكي إيه طيب؟”.
أرسلت رسالة أخرى قبل أن تحصل على ردٍ من أجل الرسالة الأولى :
“اه صحيح أنا بعدت مرة واحدة ومكنتش قايلة ليكي على اللي ناوية أعمله بس ده مش علشان أنا عايزة اخبي عليكي”..
أرسلت لها مقطع صوتي يبدو أنها شعرت بالملل من الكتابة:
“الكل شايفني وحشة لكن أنا حبيت اعمل لنفسي حاجة، وحبيت أخد فرصة، جا فرصة قصادي وحبيت استغلها ليه محدش حب ليا الخير؟ اه طريقتي كانت غلط بس أكيد هصلح الوضع، أنا لوحدي يا إيناس وواقعة في مشكلة كبيرة واحتمال ارجع”
يبدو أنها تحدثها لأنها شعرت بخلل في الحياة الجديدة التي رسمتها لنفسها، ولأنها الشخص الوحيد الذي من الممكن أن يسمعها..ليس من أجلها أبدًا
تنهدت إيناس ثم أخذت تكتب لها رسالة عادية لا تشعر بها بمشاعر حقيقية، رغم الاختلاف الجذري بينهما إلا أنها كانت تعتبرها صديقة لها، لكن الآن ماتت المشاعر التي من الممكن تكون تجاة الصديق:
“أنا مش زعلانة لأني مش اخوكي اللي سرقتيه ولا اختك اللي سبتيها وسافرتي، لذلك أولى توفري كلامك ده ليهم هما يا أحلام أنا مجرد جارة ليكي وفي وقت من الأوقات افتكرت أننا صحاب لكن الحقيقة مكنتش كده، أنا مش زعلانة ويارب أمورك تتحسن ويحصل ليكي الأحسن والأفضل، ولو فعلا عايزة تصلحي اللي عملتيه، ده لو كان ينفع أصلا فأخواتك هما أولى تعملي معاهم كده تصبحي على خير”
قامت بضبط المنبة ثم أغلقت الهاتف ولم تنتظر منها رد يكفي إلى هذا الحد اليوم..
______________
تجلس في غرفتها بعد منتصف الليل الهاتف على أذنيها وهي تسمعه يحكي يومه مرة أخرى بعدما سمعته منه أثناء الغداء لكنه يرويه لها باستفاضة الآن…
يرويه لها بطريقة خاصة؛ هي من تمتلك جانب أخر من نضال قد يخبرها فيه بما لا يخبر فيه الآخرين
هتفت سلمى بنبرة عادية وهي ترتب فراشها وكأنها قد استيقظت للتو لا أنها سوف تخلد إلى النوم:
-ماشي مدام خلاص تعبان ومن الصبح بدري صاحي روح نام ولما تصحى نتكلم…
تحدث نضال بنبرة ناعسة ولكنه يشاغبها:
-أنا من ساعة ما اتصلت بيكي وأنتِ عايزة تقفلي في وشي تقريبًا..
-لا والله أنا بس بقولك تنام علشان أنتَ كان شكلك تعبان لما جيت وكمان روحت على القهوة حتى بعد ما نزلت من هنا، ريح نفسك ونام شوية…
تمتم نضال بصوت ناعس وهو يتثائب:
-ماشي أنتِ هتعملي إيه دلوقتي هتنامي؟؟؟.
ردت عليه سلمى بنبرة عادية:
-هروح اشوف جهاد بتعمل إيه وبعدين هعمل حاجة اشربها وهنام…
جاءها صوته الهادئ:
-ماشي عموما لو معرفتش أنام هبعتلك رسالة لو صاحية ورديتي هتصل بيكي…
-ماشي تصبح على خير نضال..
أخر شيء كان قد قاله قبل أن يغلق الهاتف بعدها يذهب في سبات عميقٍ:
-وأنتِ من أهل يا حبيبتي…..
حبيبته!!
يا له من مصطلح جديد لكنها كانت تشعر به…
تشعر بأنها ليست مجرد كلمة قد تخرج من نضال من دون أن يشعر بها؛ هو رجل لا يخرج منه الحديث سهلًا أبدًا…
هذا يعجبها ويروق لها كونها حينما تحصل منه عن مشاعر تكون صادقة منه مئة بالمئة….
خرجت من الحجرة ثم سارت ببطئ وكأنها في مشهد تصوير بطئ؛ لم تكن المسافة بين الغرفتين كبيرة، مساحة الشقة صغيرة من الأساس ولكن قدمها تحملها بصعوبة وهي تتوجه صوب الغرفة الخاصة بوالدتها التي لم تدخلها منذ أيام، منذ أن تلقت هذا الخبر…..
كانت جهاد هي التي تنام فيها وأحيانًا تشاركها فيها وفاء….
كانت جهاد مستلقية على الفراش وتعطي ظهرها ناحية الباب التي كانت تركته مفتوحًا من الأساس هي ليست مهووسة بغلق الأبواب…وكان هذا خلاف بينها وبين سلمى دومًا…
أقتربت منها سلمى وولجت إلى الفراش لتستدير لها جهاد بخوف حتى أنها عقبت:
-خضتيني يا سلمى، في إيه؟..
ردت عليها سلمى بهدوء:
-مفيش حاجة، جاية اشوفك بتعملي إيه ومدام صاحية نقعد مع بعض شوية..
ثم قالت وهي تمسح دموعها:
-متعيطيش مش عايزاكي تعيطي..
احتضنتها سلمى بقوة، حاولت احتوائها رُبما هي تأخرت، في هذه الفعلة، هتفت جهاد وهي تبكي:
-أنا تعبانة يا سلمى وحاسة إني موجوعة أوي…
ردت عليها سلمى بكلمة هي نفسها لا تصدقها لكنها تتمناها:
-هتعدي، هتعدي متعيطيش علشان نفسيتك يا جهاد علشان أنتِ حامل…
أردفت جهاد بألم حقيقي:
-أنتِ مش معايا، وسلامة مش معايا عارفة أنه غصب عنه بس أنا حاسة إني لوحدي…
-أنا معاكي حقك عليا؛ أنا مش هسيبك زي ما أحنا طول عمرنا مع بعض؛ وزي ما ماما ربتنا وعملت المستحيل علشان نكون كده دلوقتي، هنفضل مع بعض وقلبنا على قلب بعض مفيش حاجة هتفرقنا..
تمتمت جهاد وهي بين أحضانها أشبة بطفلة صغيرة بين أحضان أمها؛ كانت سلمى دومًا هكذا هي الحصن المنيع رغم اختلافهما، إلا أنها كانت تخبرها بأي كارثة حتى لو كانت تضايقها زميلتها في المدرسة كانت تخبرها وتعلم بأن سلمى سوف تأخذ لها حقها….
-بكرا عندي ميعاد عند الدكتورة، ماما اللي كانت بتروح معايا، هي اللي كانت بتروح معايا كل حتة….
كانت جهاد تتحدث متحسرة…
تحدثت سلمى بهدوء وهي تمرر يدها في خصلاتها بحنان:
-أنا هروح معاكي وهعملك كل اللي أنتِ عاوزاه، أنتِ مش لوحدك، مع بعض هنحاول نخليها تعدي..احنا ملناش غير بعض…
قالت جهاد بنبرة ساخرة من حالهما:
-حتى خالو معرفش يجي يكون معانا..
تنهدت سلمى وأخذت نفس طويل وهي تخبرها:
-ظروفه صعبة مراته نايمة على السرير مبتتحركش من شهور ومفيش حد يقعد معاها، وبعدين مجيته مش هتعمل حاجة، ربنا يعينه على اللي هو فيه، وهو بيتصل بينا كل شوية أكيد أقرب فرصة حد من اخواتها يسافرلهم وياخذ التأشيرة هيجي هو..
ترددت جهاد وهي تسألها بنبرة متوترة:
-تفتكري بابا عرف؟؟؟..
-عرف ولا معرفش، متفرقش معانا في حاجة، تحبي نقوم نعمل سندوتشات ونأكل ونشرب حاجة مدام احنا صاحيين كده؟؟.
أردفت جهاد بنبرة ساخرة:
-هنأكل بعد الساعة اتناشر بليل؟ مش ملاحظة أن الدنيا بدأت تبوظ معاكي؟؟؟
-مفيش حاجة بتفضل على حالها قومي يلا…….
______________
في اليوم التالي…
تقف في الاستقبال الخاص بالمستشفى سألت عنه أول شيء حينما أتت أخبروها بأنه في عملية ما، ذهبت لمدة ساعة ثم عادت تسأل عنه أخبروها بأنه لم يخرج بعد….
بعد الظهيرة ذهبت إلى مكتبه مرة أخرى التي أخبروها بأنه حينما ينتهي سيكون فيه..
أخبرتها تلك المرة سكرتيرته أنه أتى منذ دقائق….
سوف تعطيه خبر بأنها ترغب في مقابلته، أخذت اسمها حتى تخبره بهويتها…
ولجت السكرتيرة الخاصة بالمكتب فهو حينما تنتهي عملياته أو كشوفاته يترك الحجرة الخاصة بالكشف في الطابق الخاص بـالعيادات ويكون متواجدًا هنا….
كان جواد يغلق الأزرار الخاصة بأكمام قميصه مغمغمًا:
-في حاجة ولا إيه؟؟؟.
ردت عليه الفتاة بنبرة هادئة:
– إيناس من الرسيبشن دي تالت مرة تيجي تسأل عن حضرتك، وعايزة تقابلك…
هتف جواد وهو يرتدي نظارته الطبية رغم دهشته الكلية عن إتيانها إلى هنا كونه يجهل ما تريده..
-ماشي دقيقتين بالظبط ودخليها…
هزت رأسها موافقة…
ثم غادرت وبالفعل بعد مرور ثلاث دقائق تقريبًا كانت إيناس تدخل إلى المكتب وهي تتذكر كلمات أحلام جيدًا ليلة أمس ورسائلها…
كما تتذكر حديثها عن العودة…
تحدث جواد بترحاب وابتسامة ظهرت تلقائيًا بمجرد رؤيتها:
-أهلا يا مدام إيناس اتفضلي..
في نهاية حديثه أشار ناحية المقعد الفارغ أمام مكتبه فجلست عليه، أسترسل جواد حديثه:
-صحيح قالولي أنك سألتي عليا وأنا في العمليات..
-أنا عايزة اتكلم مع حضرتك لو معندكش مانع…
-اتفضلي، تشربي حاجة؟؟…
قالت إيناس بنبرة جادة:
-لا شكرًا، أنا بس جاية ومش هطول على حضرتك علشان انا سايبة شغلي…
-اتفضلي…
تحدثت إيناس بجدية شديدة واختناق فهي عازمة على التساؤل:
-ممكن افهم حضرتك ليه مصمم تعملي استثناء ومفيش ما بينا أي سابق معرفة يعتبر، أولها الخصم اللي عملته وقولت ليا ده اللي هيمشي على الكل، بعديها القصة الغريبة وتدخلك في موضوع المحامي…
اتسعت عيناه وهنا قالت إيناس:
-شيرين قالت على كل حاجة، ليه مصمم تكون في الصورة..
مازال محافظًا على بسمته وهو يتحدث بهدوء كبير:
-أنا معملتش أي حاجة وحشة أنا بس حبيت أساعد مدام في ايدي اساعد…
-ليه اللفة دي كلها؟؟؟
أردف جواد وهو يبرر لها:
-لو معملتهاش بطريقة مباشرة ده علشان أنتِ بترفضي أي حاجة وبتاخديها بحساسية زيادة عن اللزوم…
-أنا مش محتاجة المساعدة ولا محتاجة الدخول في دائرة زي دي من الحوارات ولا تخلي حد يشارك فيها من فضلك…
هتف جواد بتفهم وهو يخبرها بنبرة صادقة ونية خالصة:
-حاضر اوعدك مش هدخل في أي حاجة تاني، بس في حاجة ينفع أقولها؟؟.
اتسعت عيناها تنتظر منه أن يخبرها بما يريده ولم يطل الأمر بل أخبرها على الفور:
-أنا عايز اتجوزك………..

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية عذرا لقد نفذ رصيدكم)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *