روايات

رواية الماسة المكسورة الفصل الخامس والخمسون 55 بقلم ليلة عادل

رواية الماسة المكسورة الفصل الخامس والخمسون 55 بقلم ليلة عادل

رواية الماسة المكسورة البارت الخامس والخمسون

رواية الماسة المكسورة الجزء الخامس والخمسون

رواية الماسة المكسورة الحلقة الخامسة والخمسون

[بعنوان احتواء ]

دخلت فايزة عليهما الغرفة، ونيران الغضب تخفي ملامح وجهها، بينما توقف سليم وماسة ونظرا إليها باستغراب.

تساءلت فايزة بغضب وهي تنظر إلى سليم: ممكن أفهم إيه اللي جابك هنا؟

سليم ببروده المعتاد تساءل: خير يا فايزة هانم، إيه كل العصبية دي؟

فايزة بحدة: عايزني أعمل إيه لما أعرف إنك سبت المستشفى وجيت هنا!!

سليم، وهو يحكّ خده بتعجب ويمد شفتيه ببرود: أنا برضه مش فاهم إيه المشكلة! وإيه اللي مخليكي عمالة تزعقي كده؟

قلبت فايزة شفتيها بضيق، فقد سئمت من طريقته تلك، ثم قالت وهي تشير بيديها بأمر:
سليم، يلا قدامي على العربية علشان ترجع القصر، ترجع بيتك، مش عايزة مناقشة، وبطل أسلوبك ده لأني مش هاتقبله دلوقتي.

سليم بهدوء ممزوج بالاستغراب: بس أنا في بيتي.

فايزة باعتراض حاد: لا، مش بيتك.

سليم بتأكيد: لا، بيتي.

فايزة بشدة وحسم: لا، مش بيتك، بيتك هو القصر.

سليم بهدوء: فايزة هانم، ممكن أفهم إنتي بتتكلمي معايا بالأسلوب ده على أساس إيه؟ من فضلك، صوتك مايبقاش عالي، عشان أنا مابحبش الصوت العالي، وحضرتك عارفة قد إيه بيزعجني.

فايزة بحدة: اتكلم بأدب معايا يا سليم.

سليم باستفزاز: ما أنا بتكلم بأدب! أنا بطلب منك ماتعليش صوتك، لو سمحت بلاش عصبية، المسألة مش مستاهلة، أنا مش فاهم حضرتك متعصبة ليه كده!!!

(رفع صوته قليلًا مناديًا الخادمة) ماري! ماري!

جاءت إحدى الخادمات مسرعة وقالت بالإنجليزية: أفندم، سليم بيه؟

سليم، وعينه معلقة على فايزة، قال بالإنجليزية: أريد كوبًا من الماء المثلج لفايزة هانم، لكي تهدأ قليلًا.

هزت الخادمة رأسها إيجابًا وتحركت.

فايزة، بهدوء قالت بتوضيح: أنا مش عايزة أشرب، وأنا هادية، بس اتعصبت واتضايقت لما عرفت إنك جيت هنا بعد اللي حصل، إنت مكانك في بيتك وسطنا، وسط عيلتك، ولو كنت زمان بسكت على جنونك وعندك وتمردك، المرة دي لا. استحالة.
أنا معنديش استعداد إني أخسرك.

وجهت عينيها إلى ماسة وأكملت باستهجان:
ولا الهانم أمرت إنكم تيجوا هنا وتبعدك عن عيلتك؟

(بصوت داخلي قالت: ما أنا عارفاها… حية.)

كادت ماسة أن تجيبها، لكن سبقها سليم قائلًا بشدة خفيفة، فهو ما زال متحفظًا لأنها والدته:
كلامك معايا أنا، نظرة عينك دي توجهيها ليا أنا، مالكيش دعوة بمراتي، ولما تيجي تتكلمي معاها، تتكلمي بأسلوب أفضل من كده. هي مش شغالة عندك، ولا غلطت فيكي. مفهوم؟
وبالرغم من إن مش مطلوب مني أبرر أو أوضح أسبابي، بس ها أحط في الاعتبار إنك فايزة هانم، وهاقدر غضبك وهافهمك.. أنا اللي طلبت من ماسة إني آجي هنا، أنا عايز أبعد… عايز أقعد أنا ومراتي لوحدنا.

كادت فايزة أن تجيبه، لكن أوقفها سليم وهو يشير بكفه قائلًا بحدة خفيفة لإسكاتها: من فضلك، احترمي رغبتي وكفاية مناقشة.

أثناء ذلك، جاءت الخادمة بالكوب، وكادت أن تتحدث، لكن أوقفتها ماسة بإشارة من كفها، فخرجت الخادمة بصمت.

بينما اقتربت فايزة وقالت بتأثر، محاولةً التقرب منه والتكفير عن ذنبها تجاهه.
فالندم ما زال يأكل قلبها حتى الآن، فهي خائفة عليه أن يفعل به أشقاؤه شيئًا، لذا تريد أن تجعله أمامها طوال الوقت.

فايزة بحنان، وهي تربت على كتفه: سليم، أنا خايفة عليك… إنت لازم تكون معانا في حالتك دي.

نظر سليم بطرف عينه إلى يدها بتعجب، ثم أجابها مندهشًا من ذلك الحنان الغريب الذي لا يُصدق، بجمود، بقلب لم يتحرك ساكنًا:
مالها حالتي!! أنا كويس، وأرجوكي بلاش تمثيل. أنا من إمتى أصلاً بأهمك؟ من إمتى بتخافي عليا؟ فاتت سنين طويلة أوي يا فايزة هانم على تمثيل دور الأم اللي خايفة على ابنها.

نظرت له فايزة بوجع يفتك فؤادها، بعينين تذرفان بدل الدموع دمًا…قالت بوجع، خنق نبرة صوتها، محاولة إصلاح علاقتها به:
ليه مصر تحاسبني على أيام زمان لحد اللحظة دي؟! أنا عارفة إني كنت أم مهملة، مش معاك إنت بس، لا معاكم كلكم، بس ده لأني اتجوزت صغيرة جدًا. كنت أكبر من ماسة بسنتين، وخلفتكم كلكم ورا بعض بتفكير طايش وساذج مني ومن جدتك، هي كمان كانت السبب. وأنا كنت للأسف بأسمع كلامها. مكنتش قد المسؤولية وقتها. كنت عايزة أسافر وأخرج وأعيش حياتي زي أي بنت في سني. بالتأكيد كان خطأ كبير مني وقتها، لإنكم مش مسؤولين عن قراراتي، لكن لما كبرت…

قاطعها سليم بتأثر ممزوج بضيق، فهو ما زال متجمّدًا كقطعة الثلج، لم يحن قلبه لها للحظة. قال:
فضلتي زي ما إنتِ بالظبط، مش مركزة معانا، ولا حطانا في دائرة اهتمامك، بس زمان وإحنا صغيرين، كان اللي واخدك عننا شغلك والحفلات والسهرات والسفر. وبعد كده، اللي أخذك مننا كان تفكيرك في إدارة مجموعة الراوي، إزاي تساعدي بابا وتكبريها. وبدل ما كانت المجموعة عبارة عن أربع شركات، أصبحوا ثمانِية، ودي أكيد حاجة عظيمة اللي إنتِ عملتيه يتحسبلك. مستحيل أنكر ده يا فايزة هانم، بس المقابل كان إنك خسرتِ مش هقولك أولادك، بس خسرتيني أنا.

فايزة بتأثر ممزوج بندم:
طب يا سليم، أنا كنت أم مش كويسة، قاسية، وفاشلة، ومهملة، وماقدمتلكش حبي واهتمامي، وقصرت في حقك، ماكنتش الأم اللي تستحقك، بس خلاص، انسى علشان نكمل. تعال ننسى كل اللي فات ونبدأ صفحة جديدة، تعال نعالج الماضي.

هز سليم رأسه بجمود بنعم:
إن شاء الله، بس أكيد مش هانعالجه دلوقتي. أنا فعلاً محتاج أكون لوحدي. صدقيني، حتى لو كنتِ ليا أم حنونة، هو ده كان هيبقى اختياري. أنا محتاج أكون لوحدي الفترة دي، عشان محتاج أرجع القصر والمجموعة من غير ده… هز العكاز بيده.

فايزة برجاء:
سليم أرجوك، بلاش عند. إنت حالتك دلوقتي ماينفعش تكون فيها لوحدك. لازم كلنا نبقى جنبك وندعمك.

هز سليم رأسه برفض:
أنا مش محتاج دعمكم…

وجه نظراته إلى ماسة وأمسك يديها وأكمل بحب:
أنا معايا مراتي، عشقي، وهي بالنسبة ليا الدعم الحقيقي. هي أهم من كل حاجة في الدنيا عندي، وطول ما ماسة جنبي، صدقيني أنا هابقى مرتاح ومبسوط، ومش محتاج أي دعم من شخص غيرها. دعمها ليا كفاية، وجودها جنبي بالدنيا كلها. بيكي وبابا وإخواتي وبأي حد ممكن يخطر على بالك.

نظرت له ماسة بسعادة وبعين تترقرق بالدموع مما قاله عنها، فهذا عشق كبير لها. مسحت على يديه بحب.

نظرت فايزة لماسة وسليم بعينيها بضيق، محاولة الحفاظ على ملامحها بثبات. لقد تأكدت الآن أنها خسرت، ولن يذهب معها سليم مهما حاولت.

فايزة بتفهم، وهى تركز النظر داخل عينيه لتعكس قوة شخصيتها:
تمام يا سليم، على راحتك. بس ده لفترة مؤقتة. إنت قولتهالي قبل كده، إنك وارث العند والأنا مني، فصدقني أنا مش هاتنازل إنك ترجع القصر تاني وقريب. أنا هاسيبك على راحتك الفترة دي، الفترة دي وبس، تمام.

ماسة بلطف، محاولة تلطيف الأجواء:
صدقيني يا فايزة هانم، إن شاء الله هانرجع أكيد قريب. سليم عمره ما هيبعد عنكم، هو بس محتاج شوية وقت. هو ما يقدرش يستغنى عنكم، أنتم في الأول وفي الآخر عيلته.

نظرت لها فايزة بصمت، وهي تهز رأسها عدة مرات، قالت:
أنا هامشي وهاأجيلك بإستمرار. خد علاجك بإنتظام، والأهم العلاج الفيزيائي. هاأخبار الرعشة إيه؟

رفع سليم كفه وهو يهتز قليلاً، قال:
لسه شوية بيروح وبيجي.

فايزة:
الدكتور قال هايقل تدريجياً. كلها عشر أيام بالكتير.

سليم: إن شاء الله.

اقتربت منه بحذر، وضعت قبلة دافئة على خده، وهي تضم وجهه بكفيها برفق. نظرت له بعينين مليئتين بالدعم والتشجيع، وقالت بصوت هادئ، ولكن قوي:
إنت قوي يا سليم، وقادر تتغلب على كل حاجة. إنت سليم الراوي فاهم، ابن عزت الراوي وفايزة رستم أغا. مفيش أي حاجة هتقدر تهدك أو توقفك، سامع؟
رفعت حاجبها بتحدٍ كأنها تقرر لحظة مصيرية.

هز سليم رأسه بإيجاب، لكن عينيه أظلمت قليلًا، ثم ابتعدت وقالت بصوت هادئ:
حمد لله على سلامتك، عن إذنكم…
أثناء تحركها، قالت بالفرنسية بحسٍّ من الرقة:
أتمنى لكم ليالي سعيدة.

وتوجهت إلى الخارج، تاركة وراءها هدوءًا ثقيلًا في الغرفة.

نفخ سليم، يشعر بألم شديد في قدمه إثر وقوفه طوال تلك الفترة، لكن كان يصر على أن يتحمل. لأنه، كما نعلم، لا يحب أن يظهر ضعفه أمام أحد سوى أميرة قلبه فقط. جلس بتعب وهو يتحسس قدمه المتورمة قليلاً.

انتبهت ماسة له، قلبها مليء بالقلق، قالت بلهفة:
رجلك وجعتك؟

سليم، وهو يتحسس قدمه بتأمل، حاول أن يبدو هادئًا رغم الألم: شوية.

انحنت ماسة برقة، وكأنها تطمئن روحها، وضعت قبلة حانية على فخذه، وأخذت تمسح عليه بحنان لا حدود له:
سلامتك يا روحي، إن شاء الله هتبقى كويس وترجع أحسن من الأول.

تبسم سليم لها بابتسامة خفيفة، تضيء وجهه على الرغم من التعب: إن شاء الله.

في الخارج،.

وفي لحظة مغادرة فايزة للفيلا، صادف أن قابلت مكي.

توقفت فايزة أمامه بجدية وقالت بصوت ناعم لكنه حازم:
مكي، فتح عينك كويس، أنا عايزة حراسة 24 ساعة، النملة ماتدخلش، فاهم يعني إيه النملة ماتدخلش؟

مكي أومأ برأسه بتطمين قائلاً:
ما تقلقيش يا هانم، إحنا زودنا الحراسة الضعف زي ما حضرتك شايفة حواليكي. والكلاب بتتسيب من الساعة 12 ومتدربة، ماحدش هيقدر يقرب منها إلا إحنا. حتى لو حد حاول ياكلها، مش هيسمحوا لأحد غيرنا. وكمان الكاميرات شغالة تمام والوضع تحت السيطرة.

فايزة ابتسمت بلطف وقالت بصوت مليء بالثقة:
خد بالك من سليم كويس. أنا عارفة إنك بتحبه، وحمايتك ليه مش مجرد شغل، ده نابع من قلبك. لو سمحت خد بالك منه كويس.

مكي، الذي كان يبدو عليه الاهتمام الجاد، أجاب بحسم:
ماتوصنيش على أخويا يا هانم. سليم بالنسبالي أخ مش صاحب عملي.

فايزة نظرت له بحذر وأضافت بلهجة ثابتة:
لو حصل أي حاجة، كلمني على طول، مهما كان التوقيت. وعايزاك دايماً تقولي لي تحركات سليم، فاهم؟

هز مكي رأسه بإيجاب، ثم جاء سائق السيارة لفتح الباب الخلفي لها، وقبل أن تصعد سألته فايزة:
وصلت لحاجة؟

مكي، الذي لم يكن يبدو قد وصل لشيء حاسم بعد، أجاب بحذر:
لسه.

فايزة، معبرة عن أهمية التفاصيل:
أي حاجة ممكن توصلها، حتى لو تفاصيل صغيرة، لازم تبلغني أنا والباشا.

مكي، مبتسمًا قليلًا رغم الجدية:
أمرك يا هانم.

فايزة صعدت إلى السيارة، وأغلقت الباب خلفها، ثم تحركت السيارة بعيدًا، تاركة خلفها أجواءً من الحذر والترقب.

على الاتجاه الآخر

غرفة سليم وماسة

كانت تنظر ماسة إلى سليم وهو يجلس بضيق قليلاً. لم يعجب ماسة ما حدث بينه وبين والدته. جلست بجانبه وأخذت تنظر إليه، يبدو أنها تريد أن تقول شيئًا، تنهدت وعادت بشعرها للخلف.

ماسة بلطف: سليم.

نظر لها سليم بابتسامة جذابة برقي وقال بالتركية: أفندم aşkım.

ماسة بعدم رضا وهي تزم شفتيها بأسف: على فكرة، أسلوبك مع والدتك ما كانش أحسن حاجة!

سليم بجمود ممزوج بضيق: ماسة، ماتفتحيش الموضوع ده!

حاول النهوض، لكن أمسكته من يديه لكي تمنعه من النهوض.

ماسة بحدة واعتراض: لا، هاتكلم معاك، والمرة دي مش هاسكت، ولا هخاف من عصبيتك، ولا أي حاجة هتخليني أسكت!

سليم وهو يعقد حاجبيه باستغراب: يعني إيه مش هاتسكتِ؟ لأ، هاتسكتِ.

ماسة بعند أكبر: قولتلك مش هاسكت، مش هاسكت يا سليم، وهاتتكلم معايا وهاتسمعني، فاهم؟

سليم زفر بضيق وهو يضغط على أسنانه: إنتي اتغيرتي أوي، ما بقتيش بتسمعي الكلام.

ماسة بضيق: أكيد يا سليم، مش هاسمع الكلام في حاجة غلط. إنت كنت بتتكلم مع والدتك بأسلوب جاف وسيء جدًا، ماينفعش تكلم والدتك كده مهما حصل، ومهما عملت معاك. بعدين هي رجعت ندمانة، ادِّها فرصة. سليم، إنت مش عارف فايزة هانم كانت عاملة إزاي علشانك، دي ما سبِّتكش للحظة، كانت بتقعد معاك بالـ 24 ساعة.

قاطعها سليم وقال بلا مبالاة: ما إنتِ كمان كنتِ بتقعدي معايا بالـ 24 ساعة، إيه الجديد! وبعدين إيه يعني اللي عملته؟ مش شايف إنها عملت حاجة كبيرة، أي أم مكانها المفروض تعمل كده وأكثر.

اتسعت عينا ماسة باندهاش: إزاي يا سليم!! إنت قولتلي قبل كده إن والدتك ماكنتش بتهتم بيك بالطريقة دي، يعني إنت مش شايف ولا حاسس إنها اتغيرت!!! يعني فايزة هانم اللي تعرفها قبل الغيبوبة تعمل اللي عملته ده؟! ماتسيبش المستشفى خالص، وتفضل قاعدة جنبك تبكي بالدموع وتقرأ قرآن وتصلي وتدعي إنك ترجعلها بالسلامة، وتبقى متعصبة كده وغضبانة كده لإنك جيت هنا وماتبقاش معاها في القصر، وتبقى مصرة إنها تاخدك معاها علشان بس تبقى تحت عينيها وتقرب منها، غير اعتذارها ليك وإنها تطلب فرصة ودموعها تنزل على خدها قدامي!! كل التغيرات دي إنت مش حاسسها!!!

سليم بعدم اكتراث مد وجهه باستنكار: دي تغيرات مؤقتة، وطبيعية جدًا، نابعة من فطرة الأمومة، شوية وهاترجع تاني فايزة هانم، ماتقلقيش.

ماسة باعتراض عقلاني: لا يا سليم صدقني المرة دي فايزة هانم متغيرة، وبعدين أيًا كان اللي عملته معاك زمان سواء الموقف اللي حكيتهولي، أو أي موقف تاني شبيه ليه، انسَ، لازم تنسى، بلاش تبقى قاسي كده، عمر ما كان قلبك قاسي، أنا ما أعرفش غير سليم الحنين وبس، جبت منين القساوة دي وعلى مامتك؟

هز سليم رأسه بنفي بتأثر، بنبرة مهتزة قال باعتراض: لا، أنا قلبي مش قاسي، بدليل برغم الأخطاء الكتير اللي عملتها، ما زلت بحترمها وبقدرها، بس هي عمرها ما كانت ليا أم عشان أكون لها ابن يا ماسة، الأمومة مش زي ما بتيجي في التلفزيون اللي إنتِ بتاخدي منه كل معلوماتك، وجو المسلسلات. يعني مثلا أمي تبقى بعيدة عني 20 سنة، وبعدين أشوفها صدفة، فاخدها في حضني وأحس قد إيه إنها أمي، وهي كمان تحس بده وأحبها أوي ونتبادل مشاعر الأم وابنها فجأة (ضحك بسخرية) ده عبط، دراما سخيفة عملها ناس سخيفة علشان يقنعوا بيها الناس الطيبة اللي شبهك بالخرافات دي…

(أكمل بعقلانية) الأمومة يا ماسة بالمواقف والتربية، بالتواصل بين الطرفين، والمشاعر المتبادلة، بالحنية والحنان، بالافتقاد، بالدعوة الحلوة، بالحضن الدافئ، والطبطبة والمشاركة، وحاجات كتير. أنا عمري ما حسيت بأي حاجة من دي معاها، من وأنا طفل…

بدأت الدموع تملأ عينيه قال بوجع، خنق صوته:
لما كنت بمرض، كان ببقى نفسي أمي تاخدني في حضنها وتخفف عني آلامي، لما أكسر حاجة مثلاً ولا أغلط! تجري عليا تطمئنني مش تسيبني خايف، تلعب معايا، تغنيلي، تنيمني في حضنها، لما حد من أصحابي ولا إخواتي يزعلني، توقف معايا وتجيب لي حقي، هي عمرها ما عملت كده، حتى في اجتماعات وحفلات المدرسة، كان نفسي تكون معايا، زي كل أصحابي اللي شايف معاهم أمهاتهم بتشجعهم بكلمة، بنظرة، بابتسامة، بس ماكنتش بتيجي ولا مرة… وكل مرة عينيا ماكنتش بتتشال من على الباب، على أمل إنها تيجي، بس كانت دايما مصرة تخذلني. دادا عفت وبابا بس اللي كانوا بيجوا، بابا هو كمان كان مشغول بس كان جنبي دايما وسند ليّا، بياخدني في حضنه لما أغلط، ويقولي ماتخافش عادي، مش مهم تغلط، المهم تتعلم من الخطأ ده.

مسح دموعه اكمل مفسرا:
أصلاً من وأنا عندي 10 سنين سافرت تركيا، عشت مع عائلتها هناك، وبعدين سافرت أمريكا علشان أكمل دراسة، رجعت وأنا عندي 23 سنة. حتى لما كنت بجي خلال الـ13 سنة دول كانت بتكون زيارات سريعة جدًا، مجرد أسابيع أو شهر وبرجع تاني. هي كمان لما كانت بتيجي زيارات سريعة، ماكنتش بتفتقدني، تسأل أنا كويس، تعبان، زعلان، ماكنتش بتقولي غير لازم تذاكر علشان تبقى وريث العرش. صدقيني لو كنت قاسي! فهي السبب، ماعلمتنيش غيرها، مشاعري ليها فطرية، في فرق بين المشاعر الفطرية والمشاعر المكتسبة المبنية عن كل اللي قلته من دقيقة… (واصل متعجبًا) وبعدين هو أنا عملت حاجة؟ هو أنا عمري غلطت فيها، أو عمري رفعت صوتي عليها؟ أنا بتعامل معاها عادي بكل أدب، وبكل احترام، مش مطلوب مني أعمل أي حاجة أكتر من كده. ممكن يكون أسلوبي شوية جاف بس صدقيني ده بيبقى غصب عني، بس علشان خاطرك، هاحاول أعمل كنترول شوية على طريقة كلامي معاها. إنما الحب اللي هي عايزاه مش هاتلاقيه، لإنها أصلاً ما زرعتش فيّا أي حاجة. حتى الفرصة الوحيدة اللي كان ممكن تخليني أقرب منها لحد اللحظة اللي أنا قاعد معاكي فيها دي ما استغلتهاش، بالعكس لسة مصرة على رأيها.

كانت تستمع له ماسة بحزن شديد من أعماق قلبها، فقد وصل لها كم افتقاده لمشاعر الأمومة ولحنانها.

أجابته ماسة بتأثر، بنبرة مبحوحة: تقصد إنها تتقبلني!

هز سليم رأسه بتأكيد وجمود: بالظبط، بالرغم إنها حزينة وندمانة ونفسها ترجع اللي راح زي ما بتقولي، بس هي لسة بتكرهك، لسة مش شايفاكي تستحقي تبقي مراتي، لسة شايفاكي مجرد البنت الخدامة اللي سرقت ابنها، لو فعلاً هي ندمانة ونفسها تصلح العلاقة؟ أول حاجة كان لازم تعملها، مش هاقولك تحبك، لإن الحب ده مش بالإرادة، بس على الأقل تبصلك بنظرة احترام وتقبل، هي ما بتحبش مني وبتكرهها، لإنها عارفة قد إيه هي شخصية طماعة، وانتهازية، ومع ذلك بتتعامل معها بكل أدب وبتنظر لها بنظرة احترام، ده مش علشان إن منى مثلًا حد كويس! أو علشان باباها مشاركنا؟ تؤ، ده بس علشانها بنت عيلة عريقة. هافضل أقولهالك يا ماسة، مقياس الناس عند فايزة هانم وعيلة الراوي بتتقاس، بإنتِ بنت مين؟ ومن عيلة مين؟ ورصيدك في البنك كام؟ مش أكتر. فأتمنى إنك تقفلي بقى على الموضوع ده، لأنه يستحيل يتحقق بالطريقة اللي عايزاها.

ماسة بحب وبراءة: أنا نفسي بس علاقتك بعيلتك تبقى أفضل، بالأخص والدتك، خصوصًا إني شفت بعيني هي كانت عاملة إزاي طول الأربع شهور ونص اللي إنت فيهم بالغيبوبة، هي فعلاً كانت أكثر واحدة فيهم متأثرة جدًا باللي حصلك، وصدقني مش مشاعر إنسانية زي ما إنت شايف، أو حاجة مؤقتة. مش عارفة ليه حاسة إن فايزة هانم اتغيرت أوي بعد الحادثة. سيبك مني، أقصد معاك إنت.

أمسك سليم يدها وقبلها منها وقال بحب يخرج من عينه: إنتي كل عيلتي، إنتي أمي وأختي وأبويا وحبيبتي، إنتى العوض عن حضن العيلة وحنان الأم إللي مفتقده، إنتي كل عيلتي يا ماسة مش بس مراتي، انتي كل حاجة ليا، أنا مش عايز غيرك، أنا مستكفي بيكي يا كل الناس و أغلى الناس عندى.

تبسمت ماسة له بحب كبير وعينين تلمعان بالدموع وقامت بمعانقته بحرارة.

ماسه وهى بين أحضانه: أنا بحبك أوي يا سليم إنت كمان كل حاجة ليا والله العظيم، ربنا يخليك ليا ومايحرمنيش منك أبداً.

سليم وهو يمسح على شعرها: ولا يحرمني منك ياقطه السكر.

وضع قبلة على خدها وضمها بشدة.

بعد قليل ابتعدت ماسة قليلا ودققت النظر بعينيه التي تعشقها قالت برجاء.

ماسة بدلال يليق بها: كراميلتي ممكن تدي فرصة لفايزة هانم، وحياتي فرصة بس، يعني حٓسن بس علاقتك بيها، وحياتي وحياتي عندك يا سليم.

ارتسمت على شفتي سليم ابتسامة جميلة وهو يعيد خصلات شعرها المبعثرة على وجهها خلف أذنها قال: إنتي بتستغلي ضعفي ناحيتك؟

تبسمت ماسة : لازم أستغله وإلا أبقى عبيطة.

تبسم سليم بجاذبية وهو يمسك بكفها بحب قال بموافقة: حاضر هديها فرصة، وها أحاول أبقى لطيف معها.

ماسة: وقولها يا ماما.

سليم: مش بكلمة ماما ياعشقي.

ماسة: ياسيدي حتى لو مجرد كلمة هاتفرح بيها فرحها دي أمك ده ربنا هايحاسبك عليها.

سليم: وهايحاسبها عليا بردو بصي إنتي طلبتي أديها فرصة حاضر، أكتر من كدة صعب، ماتحاوليش تضغطي عليا علشان ماتعصبش تمام.

شعرت ماسة أنها لو ضغطت عليه الآن فـسوف يغضب فستكتفي بهذا القدر مؤقتا قالت بموافقة ممزوجة بعند: ماشي بس مش هايأس، وهفضل وراك لحد ماخليك تقولها أمي كمان.

تبسم سليم بصمت، توقفت وقالت: بص إنت دلوقتي ترتاح علشان ها أروح أحضر لنا العشا لإني جعت تعال أغيرلك هدومك الأول علشان تقعد على راحتك والا تاخد دش الأول.

سليم: خلي الشاور بالليل.

توقف وتعلق على ذراعها وتوجها لغرفة الملابس قال سليم وهو يحرك عينه في الأركان: بس الأوضة حقيقي جميلة ذوقك طول عمره مدهش يا عشقي.

ماسة: ميرسي ياحبيبي.

🌹_____♥️بقلمي ليلة عادل♥️ ______🌹

فيلا عائلة ماسة6م

كانت العائلة مجتمعة في الهول، يحتسون الشاي ويتبادلون الأحاديث.

سعدية: يعني كده مش هنروح نشوفه؟ من ساعة ما فاق ما شفنهوش!

سلوى وهي تحتسي الشاي: ماسة قالت مش دلوقتي، هو مش حابب يشوف حد، حتى راح الفيلا وما راحش على القصر.

مجاهد: المفروض يكون عنده شوية رضا باللي ربنا كتبه.

سعدية بحزن: غصب عنه يا أبو عمار، لسه ٣١ سنة ويحصل له كل ده! صعب عليه، لسه صغير.

مجاهد: ما قلناش حاجة، بس لازم يكون هادي وعاقل. اللي حصل له ده قدر ومكتوب، يقول الحمد لله ويرضى باللي ربنا كتبهوله.

سلوى: هو راضي، بس عقله محتاج يستوعب. لسه فايق من الغيبوبة من كام يوم، وأكيد نومته الطويلة مأثرة عليه، علشان كده عصبي.

عمار بتأكيد: أنا كمان شايف إن ردود أفعال سليم طبيعية جداً، وفعلاً نومته الطويلة دي أثرت على الخلايا العصبية.

مجاهد: ربنا معاه ويقومه منها بالسلامة إن شاء الله.

يوسف: طب أنا، ماسة وحشتني، مش هنشوفها؟

سلوى: هي مش هينفع تسيبه خالص. استنى يومين كده وأكلمها وأسألها لو ينفع حتى نروح نزورها هي.

عمار نظر إلى سلوى وقال بتساؤل: إنتي كده يا سلوى مش هتقدمي على الجامعة ولا هتعملي إيه؟

سلوى: جامعة إيه، ما هي شغالة، وكان المفروض أقدم، بس اللي حصل ده خلانا نضيع السنة دي، مش مشكلة، السنة الجاية أنا وماسة نقدم مع بعض.

سعدية: كويس علشان عمار يبقى معاكم.

سلوى: إنت قررت هتدخل إيه يا عمار؟

عمار: هدخل تجارة علشان أشتغل في شركة السياحة بتاعة ماسة وسليم، وأخد بالي منها. سليم هو اللي اقترح عليا أدخل تجارة، قال لي خليك في التجارة أحسن علشان تباشر أملاك أختك.

مجاهد بشكر: الصراحة راجل ولا كل الرجالة، ما شاء الله عليه، ربنا يبارك له. أهو ده يا سعدية سليم اللي كنتي خايفة يطلق بنتك؟ روحه في بنتك، شايلها من على الأرض شيل، لو طلبت نجمة من السما هيجيبها لها. علم كل ولادك، ومش مخلينا عايزين حاجة، جاب لنا عربيات وشغل عيالك وشغلني، حتى البيت جاب لك اتنين، وجاب لكل واحد من ولادك شقة علشان لما يتجوز، حتى سلوى جابلها شقة وكتبها باسمها. كل ده من نفسه، البنت ما بترضاش تقول له حاجة، بتتكسف، لسه بقى قلقانة من سليم؟

سعدية: والله يا أبو عمار، أنا ما كنتش قلقانة من سليم، من زمان، بس أنا بخاف من الحرباية أمه، خصوصاً بعد ما سليم خلى ماسة تباشر كل أملاكه، حتى في الشركة بتاعتهم. إنت ما شفتش أمه كانت هتعمل في البنت إيه يوم ما راحت الشركة وعرفوا إن البنت هتباشر كل حاجة بنفسها؟ لسه بيكرهوها.

سلوى: خلاص يا ماما، ما تقلقيش، سليم فاق، مش هيسمح لحد يقرب من ماسة.

سعدية: كان نفسي يحبوها بعد ما شافوا منها كل الحلو ده، بس سمهم عميهم عنها، بالرغم إنهم اتأكدوا إننا مش طماعين ولا حاجة، وإن كل ده ابنهم اللي بيعمله من نفسه.

مجاهد: ربنا يكفينا شرهم ويبعدهم عنها.

الجميع: يارب.

♥️______بقلمي_ليلة عادل_______♥️

قصر الراوي7م

السفرة

نشاهد جميع عائلة الراوي يجلسون على طاولة السفرة يتناولون العشاء.

نظر عزت إلى فايزة أثناء تناوله الطعام متسائلًا: يعني إنتِ شايفة إني ما أتكلمش معاه في موضوع رجوعه القصر؟

فايزة وهي تهز رأسها بلا: تؤ، سيبه على راحته، هو مصمم.

رشدي باستياء: مش فاهم، هو هيفضل كده لحد إمتى؟ حتى بعد اللي حصله مش عايز يتعظ ويبطل بقى غرور؟

ياسين بتهكم: إيه الغرور في كده يا رشدي؟ هو عايز يبقى لوحده، محتاج يستوعب كل اللي حصل له، ويعرف إزاي هيتعامل مع اللي جاي. أنا شايف إن ده رد فعل طبيعي.

هبة مؤيدة: مظبوط، خصوصًا إن الفترة اللي فاتت كان متعصب جدًا، أكيد كلكم شفتوا كان عامل إزاي.

فريدة بلطف: إحنا بس كنا محتاجينه يبقى معانا، يستوعب معانا، يخرج من الأزمة اللي هو فيها وهو وسطنا، ما أعتقدش إن ماسة هتقدر لوحدها.

هبة معترضة: لا، أنا آسفة يا فريدة، أنا مش معاكي. أنا واثقة في ماسة، لأنها بنت ذكية وسليم بيحبها. صدقيني، الراجل لما بيحب ست بينفذ لها كل حاجة عايزاها، لأنه بيبقى ضعيف قدامها، وأنا عاشرت ماسة وسليم كويس، سليم بيسمع كلام ماسة في أغلب الأوقات. يعني كفاية إنها الوحيدة اللي قدرت تسيطر عليه وقت غضبه الشديد في المستشفى.

عزت مؤيدًا: فعلًا، هي أكتر حد بيعرف يتعامل مع سليم وقت غضبه. عمومًا، إحنا هنسيبه براحته لفترة مؤقتة زي ما انتي قلتي يا فايزة، وبعد كده أنا اللي هاتعامل مع جنون سليم، لازم حد يوقفه علشان ما يتمداش فيه.

منى بخبث: طب حضرتك سألت مكي إذا كان وصل لحاجة؟

نظرت لها فايزة، فهي تفهمها جيدًا، ثم قالت: لا، ما وصلش للأسف.

عزت: الموضوع ده لوحده هيبقى مشكلة مع سليم لما يعرف إن إحنا دورنا وبرضه ما وصلناش لحاجة ولسه في نفس الخطوة.

منى بخبث: عندك حق يا باشا، الموضوع غريب، كأنهم أشباح خرجوا من تحت الأرض، عملوا عملتهم، واختفوا تاني.

طه وهو ينظر لها بحدة: إن شاء الله، هيلاقي اللي عملوا كده فيه، وياخد حقه وحق بنته ومراته. (مسح فمه بالمنشفة) أنا شبعت، عن إذنكم.

نهض طه وخرج إلى الحديقة، نظر عزت إلى تحركاته وطريقة حديثه الغريبة ثم قال معلقًا: مال طه يا منى؟ مش عاجبني من فترة.

منى: مش عارفة يا باشا.

عزت بقوة: خلصي العشا وشوفي جوزك مالُه، وركزي مع جوزك شوية يا منى، مفهوم؟

منى: أمرك يا باشا.

صافيناز: بابا هو احنا مش هنعمل حفله عشان سليم قام بالسلامه.

فريدة: يستحيل سليم يوافق يحضرها.

صافيناز: خلينا نجرب.

بعد قليل في الحديقة

كان طه يقف أمام حمام السباحة، يحتسي كأسًا من الخمر، ويبدو عليه الضجر. اقتربت منه منى ووقفت بجانبه.

منى باستهجان: مش ناوي تعقل؟ ولا لسه مصر على اللي في دماغك، إنك تروح تحكي لسليم كل حاجة؟ الباشا خد باله، ورشدي بيحذرك.

التفت لها طه متسائلًا بتعجب: شايفك إنتي ورشدي بقيتوا أصحاب أوي؟

منى بقوة: أنا وإخواتك عمرنا ما كنا أصحاب، ولا هنكون أصحاب، هما ما بيحبونيش، وأنا كمان ما بحبهمش، بس دلوقتي المصلحة واحدة. مصلحتنا إننا نتعاون ونعمل أي حاجة علشان نخلي الباشا وسليم ما يوصلوش لأي طرف خيط، حتى لو صغير، ممكن يوصّلهم للي عمل الحادثة، علشان حبل المشنقة ما يتلفش حوالين رقابنا كلنا، وإنت معانا. وأوعى تقول أنا ماكنتش موافق وماكنتش أعرف، صدقني ماحدش فيهم هيتهاون. أوعى تنسى تهديد رشدي! رشدي مختل، ما عندوش قلب، وعنده استعداد يدوس على أي حاجة علشان مصلحته. عامل فيها بيشرب وصايع ولا مبالاة بلا نهاية، بس السم كله هيطلع منه هو،وأنا ماعنديش أي استعداد إن خدش واحد يجي على حد من ولادي. وبعدين، أنا مش فاهمة! إيه الحب اللي ظهر عليك فجأة ده لسليم؟

طه بتعجب: نفسي أفهم، إنتي ليه بتكرهي سليم كده؟ طب رشدي أصلًا بيكره نفسه، وبيكرهنا كلنا. كرهه لسليم زايد بس، علشان سليم بيعرف يوقفه عند حده. رشدي عامل زي الضباع، لما بتتلمّ على فريسة، تفتكر نفسها قوية وإنها ملكة الغابة، لكن لما بيجي الأسد، بتجري وبتترعب، ما تبقاش عارفة هتروح فين. إديني سبب واحد بس يا منى لكرهك لسليم.

منى: أنا هأكره سليم ليه يا طه؟ صدقني، كل ده علشان المصلحة وكرسي العرش.

طه وهو يخرج شفتيه بعدم اقتناع: مش عارف، بدأت أحس إن كرهك لسليم شخصي، مش بس علشان كرسي العرش. عمومًا، كله هيبان. وماتقلقيش، مش هأتكلم، علشان أنا كمان خايف على ولادي. بس مش هاشترك معاكم في أي حاجة ممكن تخفي أي معلومة توصل سليم أو الباشا للي عمل في كده.

نظر لها من أعلى لأسفل بضيق، ثم تركها ورحل.

نظرت منى أمامها بضيق، وهي تجزّ على أسنانها بحقد، وسرح خيالها لماضٍ بعيد.

(فلاش باك من الماضي…)

أمريكا

أحد الملاهي الليلية،1 ص

نشاهد سليم في الثانية والعشرين من عمره، لا يبدو عليه تغير كبير في ملامحه. كان يجلس على أحد البارات ويحتسي كأسًا من الخمر، وبجانبه لورجينا، التي ترتدي فستانًا قصيرًا وتترك شعرها منسدلًا خلف ظهرها. كانت في منتهى الجمال والجاذبية، مع لمسة مكياج بسيطة أبرزت جمال عينيها الزرقاوين بشدة، مما جعلها فاتنة. كانا يتمايلان مع الموسيقى وهما يحتسيان الخمر.

على الجانب الآخر

كانت منى تقف بعيدًا عند إحدى الطاولات، وهي في عمر أصغر، وترتدي فستانًا قصيرًا كب فوق الركبة باللون الأحمر الناري. كانت عيناها مسلطة على سليم، تحدق به بنظرات إعجاب مثيرة. توقفت بجانبها إحدى الفتيات التي لاحظت نظرات منى الشغوفة لسليم، فقالت معلقة:

الفتاة: مش هيبصلك، بعيدًا عن إنكِ أكبر منه، بس هو خلاص بقاله فترة كبيرة معاها، داخلين على سنتين، وعرفت إن العلاقة بينهم وصلت إنهم شبه عايشين مع بعض في شقتها.

نظرت لها منى وقالت بتحدٍ: وحياتك الصيف الجاي هيبقى فرحي على سليم الراوي.

تبسمت الفتاة بتعجب: سليم إيه يا بنتي!! طب قولي أي حد تاني، بعدين أخوه بيموت فيكي.

منى باحتقار: طه مين ده اللي أبصله! ده مابيعرفش يعمل أي حاجة، هو طيب وشكله حلو، بس تحسيه كده عبيط، مالوش في أي حاجة، ولا عنده شخصية. لكن شوفي سليم… سكسي، وعنده شخصية مختلفة وهيبة. شايفة قاعد إزاي؟ نظرة عينه ترعب، صوته لوحده يهوس، كل حاجة فيه تجنن ومثيرة. لكن طه؟! ده حتى ماينفعش أصاحبه، تقولي أتجوزه؟! أنا هاروح أقعد معاه شوية وأطلب منه يرقص معايا.

الفتاة: هيكسفك ويقولك لا.

منى بثقة: تراهني؟

الفتاة بثقة: مابدخلش في رهان خسران.

نظرت لها منى بتحدٍ وتقدمت نحو سليم، توقفت بجانبه.

منى: هاي سليم، إزيك يا جيجي؟

نظر لها سليم بطرف عينه وهز رأسه بإيجاب.

منى: بقولك إيه، ما تيجي ترقص معايا الرقصة دي؟

نظر لها سليم وقال بجمود: تؤ، ما برقصش.

منى: ما أنت كنت لسه بترقص من شوية مع جيجي!

نظرت لها لورجينا بتعجب وقالت: إنتي بتقارني نفسك بيا؟

منى بتعجب: طب هي تفرق عني في إيه بقى؟ ما إحنا كلنا أصحاب.

سليم بتصحيح: بس هي مش صاحبتي، هي حبيبتي، وأنا ما برقصش مع حد غيرها.

توقف سليم وقرب رأسه من أذنها وقال بصوت خافت: منى، فكّي مني، عشان أنا عمري ما هبصلك. وبطلي بقى حركاتك المكشوفة دي، شكلك بقى وحش، أنا مكسوفلك الصراحة، بلاش تقللي من نفسك أكتر من كده.

نظر لها من أعلى لأسفل، ثم مد يده إلى لورجينا وقال: حبيبتي، تسمحيلي بالرقصة دي؟

غمز لها، فهزت لورجينا رأسها وابتسمت قائلة بتأكيد: أكيد يا حبيبي.

توقفا وذهبا إلى المسرح، وبدأا يرقصان معًا بحب. نظرت منى لهما بغيظ وجزّت على أسنانها.

*************************
قصر الراوي – غرفة سليم القديمة

نشاهد سليم في عمر 24 عامًا، يجلس على الأريكة وهو عاري الصدر، وعلى وجهه بعض الخدوش ويربط ذراعيه بشاش. كان يضع على الطاولة الصغيرة شاشًا وقطنًا ومطهرًا. طرق الباب، ودخلت منى وهي في أواخر العشرينات. فنحن نعلم أنها تكبر سليم بسبع أعوام. كانت ترتدي قميص نوم يصف منحنيات جسدها بسخاء، وعليه روب، وتترك شعرها الذهبي منسدلاً خلف ظهرها.

اقتربت منى منه بنعومة وقالت: سليم.

رفع سليم عينيه نحوها متسائلًا بجمود: في حاجة؟

اقتربت أكثر وجلست بجانبه، متسائلة باهتمام: عامل إيه دلوقتي؟

سليم، محاولًا فك رباط الشاش: كويس.

منى بنظرات مثيرة: مش ناوي تاخد بالك من نفسك؟ مش أول مرة يضرب عليك رصاص.

نظر لها دون رد، وأكملت منى، وهي تمرر أصابع يدها على ذراعه بإغواء: خليني أساعدك.

هز سليم رأسه بإيجاب.

أخذت تفك رباط الشاش القديم، وهي تقترب منه بشدة وعينها على عضلاته المفتولة بإعجاب، وبدأت تعتني بجراحه. بينما كان سليم متجمداً وغير منتبه لنظراتها وطريقتها تلك. أثناء ذلك، تحدثت منى قائلة:

منى: مش هاتسافر تاني؟

هز سليم رأسه نافيًا: ما أفتكرش.

منى: هو إنت فعلاً سبت لورجينا؟

هز سليم رأسه بإيجاب: اممم.

منى بأسف خادع: حرام، كانت بتحبك. إنتم فضلتوا 3 سنين سوا.

سليم بجمود: منى، يا تكملّي اللي بتعمليه وإنتِ ساكتة يا تخرجي.

منى ابتسمت بنعومة: طيب، بالراحة عليا. مش لو كنت اتجوزتني أنا أفضل من لورجينا دي اللي في الآخر سبتها. يعني بابي بيشارككم في الشغل التاني اللي حتى لورجينا ما تعرفش عنه حاجة، إنما أنا أعرف. صدقني، أنا وإنت مع بعض هنبقى ملوك العيلة دي.

نظر لها سليم بتعجب وهو يضحك: نتجوز!! إنتِ مجنونة.

انتهت منى مما تقوم به ونظرت له بتعجب: مجنونة ليه؟ هو إحنا مش كنا مع بعض؟

نظر لها سليم بتعجب وهو يضيق عينيه، وقال وهو يستهزئ بكلمة: مع بعض!” (بإستخفاف) ده في الخيال ولا إيه؟ مالك يا منى، متقلة في الشُرب ولا إيه؟ أنا وأنتِ كنا مع بعض إزاي يعني؟

توقف وأمسك التيشرت ليرتديه وقال: يلا روحي أوضتك عشان أنا مش فاضي للعبط ده ولخيالك المجنون.

توقفت وأخذت تلامس بأصابع يدها عضلات كتفه بإغواء، وقالت: إنت عارف إني كنت بحبك قبل ما أتجوز طه.

ألتفت لها ونزع يدها من عليه بقوة، بعين غامت بالسواد محاولًا تمالك غضبه بنبرة رجولية، وقال بشدة: منى، كفاية جنان. إنتِ كذّبتي الكذبة وصدقتيها؟ مفيش حاجة اسمها إحنا من الأساس. إعجابك بيا إنتِ اللي مسؤولة عنه. أنا عمري ما وعدتك بحاجة، ولا كان في بينا حاجة. ومش علشان خرجنا كام مرة سوا يبقى كده أنا مهتم بيكي. إحنا كلنا كنا أصحاب، ما إنتِ خرجتي مع رشدي يبقى كده في بينكم حاجة؟ وبعدين بتفتحي سيرة الكلام ده ليه دلوقتي؟ إنتِ تقريبًا بقالك سنتين متجوزة طه. إيه بقى لازمته العبط ده؟

منى بتبرير: بس إنت عارف إني اتجوزت طه بس علشان المصلحة اللي بين العيلتين، وإني عمري ماحبيته ولا عمره ملا عيني. أنا كنت بحبك إنت، وإنت سكت بالرغم إنك عارف إني بحبك وقت ما أخوك طلب يتجوزني.

تبسم سليم ونظر لها بتعجب متسائلًا: أنا عايز أفهم دلوقتي. إنتِ عايزة إيه؟

اقتربت منى منه أكثر، وضعت يديها على خده، وهي تمرر أصابع يديها على لحيته بنعومة، بنظرات إغراء، وقالت: إننا نبقى مع بعض… أنا هاتطلق من طه ونتجوز…

مررت أصابع يديها على صدره وأكملت: أنا وإنت مع بعض نبقى قوة يتحاكى بيها في كل السلالات القادمة. صدقني، أنا بحبك يا سليم. ماعرفتش أنساك حتى بعد ما اتجوزت طه. أنا حتى بأتخيلك معايا في كل لحظة.

ضحك سليم عليها بأعلى صوت وقال: مش باقولك إنتِ شاربة وعقلك شكله مش واعي، بس أنا حاضر هارجعلك عقلك حالًا..

عبس وجهه، وقلب عينه التي غامت بسواد موحش، وجز على أسنانه. وفجأة صفعها على وجهها بالقلم بقوة حتى أحمر وجهها بشدة. لف شعرها على يده، وقرب وجهه من وجهها بشدة، وقال بنبرة مرعبة ممزوجة بتهديد وهو يخبط على خدها بكفه عدة خبطات، قائلاً بنبرة قاسية:
منى، العبط اللي إنتِ بتقوليه ده أنا هاعتبر نفسي ماسمعتوش، ونظراتك ولمساتك القذرة دي، أنا برده هانساها وأعتبرها ماحصلتش. وسكوتي مش علشانك! علشان أخويا لإنه بيحبك للأسف، ولازم تفهمي حاجة واحدة. أنا عمري ما شفتك غير مجرد زوجة أخ وبس. ولو إنتِ آخر ست في الدنيا دي كلها، أكيد مش هابصلك، علشان إنتِ مرات أخويا. غير إنك أصلاً ما تمليش عيني. أنا مش عارف أصلاً إزاي طه فكر يتجوز واحدة زيك. إنتِ لا شخصية ولا شكل ولا أخلاق ولا أي حاجة خالص، ده غير طبعاً رخصك.
صدقيني المرة الجاية لو فكرتي تعدي بس قصاد أوضتي، أنا مش هقولك هاعمل إيه فيكي! خليها مفاجأة (بتهديد) ولو ماعدلتيش يا منى، حسابك هيبقى عسير، أنا عيني عليكي من اللحظة دي. علشان إنتِ أثبتي إنك ست مش محترمة ورخيصة، اللي تدخل أوضة أخو جوزها بالقميص اللي إنتِ لابسته ده، وتعمل اللي إنتِ عملتيه ده، تبقي ست مش محترمة ورخيصة. اللي تعرض نفسها بالرخص ده على أخو جوزها الصغير، مش بعيد تعرض نفسها على أي واحد تاني.

كادت أن تتحدث، لكن أسكتها بنظرة مرعبة وقال: إنتِ مش هاتنطقي، علشان إنتِ لو نطقتي أنا هادفنك مكانك، وهاتبقي نهايتك إنتِ والعيلة الكريمة. يلا أطلعي برة.

سحبها من شعرها بقوة، فتح الباب ودفعها للخارج حتى ارتمت على الأرض ذليلة، وقام بالبصق عليها وهو ينظر لها باستهجان وأغلق الباب بقوة.

جزت منى على أسنانها بضيق وهي مرمية على الأرض: ماشي يا سليم، أنا هاتوريك الرخيصة هاتعمل إيه؟

(بااااك)

نعود إلى منى التي تقف بحقد أسود ملأ قلبها،
فأخيرا تعرفنا على أسباب كرهها لسليم لهذا الحد

منى بصوت داخلي ممتزج بكراهية وغل: بقى أنا ترفضني وتروح تتجوز الصعلوكة دي؟ بقى ماسة الخدامة الحقيرة دي أحسن مني؟ وكمان تعملها ست عليا، وتقعد تؤمر وتنهي؟ والله ماهايحصل لو على جثتي!
💞__________بقلمي ليلة عادل ⁦。⁠◕⁠‿⁠◕⁠。⁩

فيلا سليم وماسة 9م

المطبخ

نشاهد ماسة تقوم بتحضير العشاء لها ولسليم بطريقة خاصة كما طلب الطبيب. وأثناء ذلك، كانت نظرات الخادمات تتابعها.

ماسة بلطف وتنبيه: خدوا بالكم كويس، سليم بيه ممنوع عليه أنواع أكل كتير لحد مامعدته تبدأ تتعود على الأكل. هاتضربوا الفراخ في الخلاط مع الشوربة والخضار المسلوق، زي كدة. عايزاكم تعملوا زي ماعملت بالضبط.

غرفت ماسة الشوربة في طبق.

كوثر: طب ياماسة هانم، إحنا ممكن نعملك إنتي أكل عادي وسليم بالطريقة إللي الدكتور قال عليها.

أدارت رأسها بابتسامة وهزت رأسها برفض: لا، أنا حابة آكل زي سليم.

وضعت الطبق على الصينية وحملتها وخرجت إلى غرفة النوم في الأسفل.

غرفة سليم وماسة

كان سليم متمدداً على الفراش يشاهد التلفاز لكنه كان شارداً وغير منتبه لها، بعينين اغرورقت بالدموع على الحالة التي وصل لها. توقفت بجانبه ومازال لم يشعر بها حتى الآن. أخذت تنظر له بابتسامة حزينة وهي تمرر عينيها عليه، فهي تشعر بمدى ألمه ووجعه. تشعر بألمه داخل قلبها، لكنها مصممة أن تخرجه من حالته في هذه الفترة بأسرع وقت ممكن. تنهدت ومسحت دموعها، وارتسمت على وجهها ابتسامة جميلة.

اقتربت ماسة بمزاح محبب: إيه يا كراميل، سرحان في إيه؟ بتخوني! أهم حاجة تكون أحلى مني علشان ما ازعلش.

تبسم سليم ونظر لها: أخونك! وتبقى أحلى منك؟ يعني لو أقل جمالاً هاتزعلي، ولو أحلى مش هاتاخدي أكشن.

جلست ماسة أمامه ووضعت الصينية على قدميها بمزاح محبب: أيوة، لازم تكون حلوة، أمال تخوني مع واحدة وحشة! ماينفعش. بعدين مالك مصدوم ليه؟ كل الرجالة خاينين وعينيهم زايغة. عايز تفهمني إنك عمرك ما خنتني، ولا عاكست واحدة، ولا عزمتها على العشا، ولا قعدت تبعت لها رسايل، ولا كلمتها في التليفون، تقول لها: صورتك حلوة، شكلك حلو، كلام من ده؟

تبسّم سليم وأعاد خصلاتها المنسدلة على وجنتيها خلف أذنها، وقال بحب: عارفة يا عشقي، أنا عملت حاجات كتير غلط في حياتي، لدرجة إني قتلت وعملت حاجات حرام غير القتل، بس عمري ما خنتك، ولا عزمت واحدة على عشا، ولا قلت لها إنتي حلوة، ولا اتكلمت مع واحدة في التليفون. صدقيني، طول الـ ٦سنين ونص، مافيش واحدة دخلت حياتي، ولا أثارت إعجابي، ولا حتى لفتت نظري للحظة. ولو فات 100 سنة، مش هايبقى في غير ماسة وبس، لحد آخر العمر، أوعدك بده.

ماسة بدلال: متأكد؟

سليم بتعجب: ماعندِكش ثقة فيَّا ولا إيه؟

ماسة: طبعًا عندي ثقة فيك، أنا بهزر معاك، أنا عارفة إنك عمرك ما خنتني، بس ممكن أسألك سؤال؟ ده لماسة بس، ولا أنت أصلًا مش من طبعك الخيانة؟

سليم: ها أكون صادق معاكي، الفترة اللي كنت مرتبط فيها بلورجينا، عمري ما خنتها. أروى ما كملناش ست شهور، بس كنت بكلم شاهندة وقتها.

ماسة: اممم، يعني إنت راجل وفي بقى بطبعك؟

سليم بعقلانية: مالهاش علاقة بالوفاء، هي ليها علاقة بالمبادئ. أنا دلوقتي على علاقة بواحدة، أبص لغيرها ليه؟ ما هو لو بصيت لغيرها يبقى هي مش مالية عيني، يبقى أكمل ليه؟ ما أسيبها بقى تشوف حياتها مع شخص تاني يملأ عينها، وأنا أبقى مع واحدة تملأ عيني. ليه الخيانة والغدر ووجع القلب؟ اللي ما أقبلوش على نفسي مش ها أقبله عليها، حتى لو نزوة زي ما بيقولوا.

ماسة: بس في رجالة كده، ما فيش ست بتملى عينيهم، بيكونوا فُظاع. عندنا في البلد واحد متجوز على مراته ثلاثة، غير بقى الستات اللي بيمشي معاهم، سمعته بطالة.

سليم: في رجالة كده فعلًا، هي بتختلف من شخص لشخص، مالهاش علاقة بالتربية. بس ما تقلقيش، أنا ملك لماسة وبس. أنا كنت سرحان بأفكر في كل اللي حصل.

ماسة: لا، ما تفكرش بحاجة، يلا بقى عشان ناكل، أنا عملت لك الشوربة بإيدي.

نظر سليم إلى صحن الشوربة، ثم أكملت ماسة قائلة: شوربة فراخ بالمشروم. مش إنت بتحب شوربة المشروم؟ أنا بقى قطعت فراخ وضربتها في الخلاط، هتعجبك أوي، وعصرت لك عليها سكة ليمون.

أمسكت ماسة الملعقة وبدأت في إطعامه، لكن يبدو أن مذاقها لم يعجب سليم كثيرًا. انتبهت ماسة له، فقالت بلطف: هي مش عاجباك؟

سليم بضيق: هي كويسة، بس حاسسها بتاعة مرضى أو أطفال. هو أنا هافضل لحد إمتى كده؟

ماسة باحتواء: مش كتير، يومين كده وبعدين هتبدأ تاكل الفراخ بشكل عادي، بس برضه مسلوقة. كل يومين طريقة طبخ الأكل هتتغير، لحد ما تاكل طبيعي، ما تقلقش، يعني 10 أيام بالكثير وهترجع تاكل كل اللي إنت عايزه. وأول أكلة هعملها لك، يا كراميلتي، بطة متحمرة في السمنة البلدي، مع طبق رز معمر، وطاجن ورق عنب بالكوارع، وحمام محشي، وطاجن لسان عصفور بالخضار باللحمة البتلو… لا بص، هأبهرك!

تبسم سليم وقال بمزاح محبب: أنا مش هلحق انبهر يا ماسة، علشان أنا هأكون بتغسل.

ماسة: إنت جننتني يا سالسولي! لا كده عاجبك ولا كده عاجبك!
أكملت بطريقتها القديمة التي يفضلها:
ـيا ستار عليك، راجل!

سليم بمزاح: إنتي ما عندِكش حل وسط، عنب بالكوارع إيه بس في حالتي دي؟ أنا، يا عشقي، مش عايز ورق عنب بالكوارع، ولا عايز رز معمر، ولا بطة، أنا عايز آكل الأكل الطبيعي وما أحسش إني مريض. حتى إنتي كمان تاكلي براحتك، وما تكونيش مجبورة تاكلي معايا علشان ما تحسسنيش بده.

ماسة باعتراض: على فكرة، إنت مش مريض، بس إنت محتاج معدتك تستعد للأكل. يعني تاكل من هنا، بطنك توجعك! وبعدين، أنا مش متضايقة، أنا مستمتعة جدًا وأنا باكل الأكل ده معاك، مالكش دعوة. اسمع الكلام بقى، بقيت فظيع!

وضع سليم يديه على خدها، وقال بحب: أنا عارف إن أنا بقيت رخم وممل، بس معلش يا عشقي، استحمليني شوية.

ماسة: مش عايزني أزعل؟ خلّص طبقك.

سليم: حاضر، بس ممكن تضحكيلي ضحكة حلوة من عيونك اللي شبه البحر؟ عايز أغرق فيهم شوية.

ابتسمت ابتسامة جميلة تخرج من عينيها، فاقترب منها ووضع قبلة رقيقة على خدها، ثم أخذت ماسة تُطعمه الشوربة. كان سليم مستسلمًا لها بشدة، وهو يُسلط عينيه عليها باتساع بؤبؤها، بعين لا ترمش. انتهت من إطعامه، ثم ساعدته على أخذ حمام دافئ، وبعدها قامت بعمل تمارين العلاج الطبيعي لكفه وقدمه. بعد ذلك، جلسا يشاهدان التلفاز معًا، وكانت ماسة تمازحه وتداعبه لتخفف عنه ما يمر به، حتى ذهبا في سبات عميق.

(اليوم التالي)

نشاهد ماسة في سبات عميق على أحد جانبيها المقابل لسليم، وتضع رأسها على كفه. بعد قليل، بدأ سليم بالتحرك ونام على ظهره، ثم فتح عينيه وبدأ بسحب كفه من أسفل رأسها بهدوء. تحركت ماسة ونامت على جانبها الآخر، بينما كان سليم يُحرك كفه في الهواء، فيبدو أنه يشعر بألم شديد بها اثر نومتها عليه، نفخ عليها كمحاولة منه لتخفيف الألم، ثم أخذ نفسًا عميقًا محاولًا تحمله. نظر إلى ماسة وناداها بصوت منخفض قليلًا.

سليم بنداء ناعم: عشقي… ماسة.

قرب وجهه منها ونظر إليها، فوجدها مستغرقة في نومها، تبدو عليها علامات الإرهاق، فلم يطاوعه قلبه على إيقاظها. ابتسم بحب، ومسح بأطراف أصابعه على خدها، ثم طبع قبلة حانية على جبينها.

نهض وجلس على حافة السرير، ثم وجه نظراته نحو الكومود وأخذ علبة الدواء، مستخرجًا منها حبة مسكن. بحث حوله عن ماء لكنه لم يجد، فوقعت عينه على العكاز، فأمسكه ونهض متجهًا إلى الخارج.

ساد الصمت أرجاء المكان، فالساعة لم تتجاوز السابعة صباحًا. خطا نحو المطبخ بينما كانت كفه ترتعش بشدة. عند وصوله، اقترب من الثلاجة وأخرج زجاجة ماء، لكنها كادت تفلت من يده المرتجفة، فحاول التمسك بها بصعوبة. وضعها على الرخامة، ثم رفع يده ليجلب كوبًا، إلا أن الرعشة منعته، حاول مرة أخرى، لكنه ،وأثناء وضعها على الرخامة وقعت على الأرض حاول أن يلحق بها لكن لم يستطيع، وأثناء رجوعه، اصطدم كوعه بالزجاجة، فهوت هي الأخرى، مُحدثة صوتًا عاليًا في أرجاء المكان.

في الغرفة، كانت ماسة ما زالت غارقة في النوم، لكن الضجيج المرتفع جعلها تستيقظ فزعًة، فنهضت مسرعة وركضت نحوه بلهفة.

في المطبخ.

اقتربت ماسة بفزع ممزوج بنبرة ناعسة وهي تركض نحوه: سليم فيه إيه؟ إيه إللي حصل؟ إنت كويس يا حبيبي؟

وقعت عيناها على الزجاج المكسور على الأرض، واتسعت عيناها، ومدت يديها محاولة سحبه من كتفه وقالت: تعالى كده يا روحي علشان رجليك ما تتأذيش، خد بالك من الإزاز، إيه إللي حصل؟!!

فجأة، قام سليم بفرد ذراعه ودفعها من صدرها بقوة حتى عادت بظهرها للخلف مما أدى إلى خبطها بقوة في الحائط، وقال بغضب وباتساع عينيه: أبعدي عني، أنا كويس، ما فيش حاجة حصلت!

شعرت ماسة بالألم من تلك الخبطة، لكنها لم تعطي رد فعل. حاولت الاقتراب منه مرة أخرى واحتواء غضبه، وهي تشير بيدها: حبيبي أهدى، إيه إللي حصل؟

سليم، وهو يشير بأصابعه لمنعها من الاقتراب، وباتساع بؤبؤ عينيه قال ببحة رجولية وقوة: ماتقربيش، أنا كويس، ما حصلش حاجة، كوباية اتكسرت، إيه المشكلة؟ أكيد اتكسر منك كوبايات كتير، مش هكون أول ولا آخر واحد تكسر منه كوباية.

ماسة، محاولة احتواء الموقف، قالت بمزاح: أيوة كتير أوي، ده مرة وقعت طقم كامل، منصور خصم لي شهرين.

نظرت بعينيها إلى الأرض بالقرب من قدمه، فهي كانت تخشى عليه أن يدوس على الزجاج ويخدش قدمه، وأكملت: إنت بس خد بالك عشان الإزاز، عشان ما تأذيش نفسك.

سليم بضجر: أنا واخد بالي كويس.

توجه إلى الثلاجة، فتحها وأخرج منها زجاجة ماء، ثم توجه إلى رف الكوبايات وأخذ واحدة، كانت يده مرتعشة بشدة.

حاولت ماسة مساعدته، نظر لها بحدة وقال: أنا ما طلبتش منك مساعدة، أنا هاعرف أصب لنفسي، هو أنا صغير ما بعرفش؟

هزت ماسة رأسها بنفي وقالت: لا يا حبيبي، بتعرف تعمل كل حاجة.

رمقها سليم بحدة، ثم قام بصب الماء في الكوب واحتسائه ويده ترتعش. نظر لها مرة أخرى وقال: أنا هاعمل مشروب الليمون بالعسل، أعملك شاي؟

ماسة بحنان: ارتاح إنت يا حبيبي، أنا هاعملك إللي إنت عايزه.

حاولت الاقتراب منه مرة أخرى، فدفعها بشدة قائلاً بانفعال: قولتلك ماتقربيش! أنا هاعرف أعمل كل حاجة لنفسي، ماطلبتش منك تعملي حاجة!

ماسة، وهي تشير بيديها بهدوء: حاضر يا سليم، بس بالراحة، متعصب ليه؟

سليم، بإنكار وانفعال: أنا مش متعصب، ماتعصبنيش بالعافية!

هزت ماسة رأسها بنعم بصمت.

نظر لها لثوانٍ بغضب، ثم أشاح بوجهه عنها وبدأ في تحضير مشروب بيد مرتعشة ومتعبة، فهو كان في حالة من الإنكار والرفض التام لحالته التي جعلته يفقد السيطرة، خاصة بعد سقوط الكوب بسبب عدم قدرته على مسكه.

كانت ماسة تشاهده، واقفة في مكانها بحزن ووجع، لا تعرف ماذا تفعل معه. كانت تتمنى أن يمر من هذه الأزمة والحالة النفسية بسلام في أقرب وقت. فكرت أنه إذا تحدثت معه الآن، فقد تحدث مشكلة كبيرة بينهما، لذا تركته يفعل ما يحلو له الآن تحت عينيها.

بعد أن انتهى، أمسك سليم كوبًا فارغًا بيد مرتعشة وتوجه إلى الثلاجة قائلاً: أنا هاصبلك لبن تشربيه أحسن من الشاي، وماتقوليش أساعدك، أنا اللي هاعملهولك بنفسي، مش عايز مساعدة منك.

هزت ماسة رأسها بالموافقة بصمت، مبتسمة ومحاولة تمالك دموعها. وبالفعل بدأ في صب اللبن في الكوب، لكن بسبب رعشة يده، وقع القليل على الأرض.

نظر لها سليم وقال: على فكرة بتحصل عادي.

هزت ماسة رأسها بنعم وقالت: أيوة عادي والله، بيدلدق مني كتير، تسلم إيدك.

بعد أن انتهى، قدمه لها بيد مرتعشة، فأخذته منها.

ماسة بابتسامة: تسلم إيدك يا حبيبي.

عاد مرة أخرى لأخذ كوب مشروبه الصباحي الخاص به، ثم تحرك، لكنها ظلت متوقفة في مكانها. انتبه لها، فتوقف واستدار بجسده، ونظر لها سائلاً.

سليم: أنتي واقفة كده ليه؟

ماسة: هلم بس الإزاز علشان حرام، بلاش يدخل في رجل حد من الخدم.

سليم: ماشي، هاستناكي في الجنينة.

تحرك وخرج إلى الخارج.

وقفت ماسة تراقب آثاره بحزن، وعينيها تلمعان بالدموع. استندت بكلا كفيها على الرخامة بتعب، ثم همست بيأس:

ماسة بتعب: يا رب قويني، شكلها هاتبقى فترة صعبة أوي…

رفعت ظهرها ببطء وتوقفت باعتدال، وضعت يديها أسفل ظهرها، يبدو أنها لا تزال تشعر بالألم من دفعته القوية.

في الحديقة

كان سليم يجلس على المقعد وسط الطبيعة من حوله، يحتسي كوب العسل بالليمون، بينما يبدو الضجر واضحًا على ملامحه.

بعد قليل، جاءت ماسة بابتسامة جميلة ترتسم على وجنتيها، جلست بجانبه بلطف.

ماسة بابتسامة: حبي…

رفع سليم نظره نحوها، فتابعت ماسة بسرعة: أخليهم يجبولنا الفطار هنا؟

سليم: تمام، بس مش دلوقتي.

في هذه الأثناء، اقترب مكي ومعه عشري.

مكي: صباح الخير.

ماسة وسليم: صباح النور.

سليم: أمال فين إسماعيل؟

مكي: في الطريق.

ماسة، بنبرة حاسمة: أعملوا حسابكم، مافيش كلام غير بعد ما نفطر، وده قرار.

بالفعل، بعد قليل، تناولوا الإفطار بعد أن جاء إسماعيل، ثم انتقل الجميع إلى غرفة مكتب سليم، حتى ماسة جلست معهم.

جلس سليم بجمود وقال بصوت منخفض لكن حاد: يلا، أنا سامعكم…

ثم التفت إلى ماسة ونظر لها نظرة مطولة قبل أن يقول بجدية: عشقي، ممكن تسيبينا لوحدنا؟

نظرت له ماسة بتعجب وضيق، ضيّقت عينيها وقالت بحدة: أستنّاكم بره ليه إن شاء الله؟

سليم، بضيق: اسمعي الكلام بلاش عند.

ماسة، بإصرار: أنا مش بعند، أنا عايزة أفهم، أستنّى بره ليه؟

سليم، ببرود: تفهمي إيه؟ ده ما يخصّكيش.

ماسة، بحدة: لا، يخصّني طبعًا! مش اللي اتقتلت دي تبقى بنتي؟ وأنا اللي اتطعنت في بطني بالسكينة، واللي اتضرب بالرصاص ده يبقى جوزي؟!

نظر لها سليم بجمود، ثم قال: إنتي تقعدي ملكة في قصرك، حقّك هايجي لك لحد عندك.

ماسة، بعيون مشتعلة: أنا ما قولتش إني هنزل معاكم، بس عايزة أفهم هتعملوا إيه! ده حقي!

سليم، وهو يزفر بضيق: ماسة، مش عايز عند من فضلك.

ماسة، بعناد أكبر وهي تنظر للجميع: حقي أقعد ولا لأ؟

سليم، بحسم: ماسة، اسمعي الكلام ويلا.

ماسة، بإصرار وعناد: وأنا بقول لأ! حقي أقعد وأسمع كل حاجة! (نظرت للجميع بتحدٍّ) ما تردّوا! حقي أقعد ولا لأ؟ ولا أنتوا خايفين منه؟!

ثم أضافت بصوت متحدٍّ أكثر: أنا ممكن أطلع وأفضّل واقفة قدام الباب وأسمع كل حاجة، وأمشي وراكم وتتفاجؤوا بيا في قلب الحدث، إيه رأيكم؟ لاا، أنتوا ما تعرفونيش… حقي ولا لأ؟

نظر لها عشري وإسماعيل ومكي، ثم قالوا بصوت واحد: حقّك تقعدي.

التفتت إلى سليم بنظرة نصر، فرآها فابتسم بسخرية وقال: إنتوا خفتوا منها… ماشي، هاسمحلك تقعدي، بس هتقعدي ساكتة، فاهمة؟

ماسة، بعناد أكبر وهي ترفع حاجبها: لأ، هاتكلم براحتي، وهاشارك كمان… يلا، وصلتوا لإيه؟

نظر لها سليم ومسح على وجهه بتعب، ثم مال برأسه قليلًا بالقرب من أذنها وقال: بقيتِ عنيدة بزيادة.

ماسة بعناد: إنت لسه شفت حاجة.

نظر لها سليم بتعجب، فرفعت ماسة أحد حاجبيها له ونظرت داخل عينيه بقوة. تبادلا النظرات للحظات، شعر سليم أنها لن تتراجع عن موقفها، فتنهد بتعب ووجّه نظره لمكي متسائلًا:

سليم: ها يا مكي، عملت إيه؟

مكي: بص، إحنا ما وصلناش لحاجة، بس في نفس الوقت فيه خيط كده أنا حاسس إنه ممكن يوصلنا لحاجة.

سليم، وهو يجزّ على أسنانه ويقبض على كفه محاولًا تمالك غضبه، قال: يعني إيه ما وصلتوش لحاجة؟

إسماعيل: اهدى يا سليم، الموضوع أكبر بكتير من أي حاجة حصلت قبل كده.

سليم بانفعال: يعني إيه؟ جن طلعوا من تحت الأرض، ضربوني بالنار أنا ومراتي، ونزلوا تحت الأرض تاني؟ ولا أنتم ما بقيتوش شايفين شغلكم صح؟

عشري: يا ملك، اهدى وادينا فرصة نشرح لك.

نظر له سليم بغضب وقال: تشرح إيه؟ أربع شهور ونص يا عشري، غير الأيام اللي فضلت فيها في المستشفى، وما وصلتوش لحاجة! واضح إني لازم أعمل كل حاجة بنفسي.

مكي: مافيش حاجة ممكن تعملها إحنا ما عملنهاش، هم فعلًا أشباح.

ماسة: طب إيه هو الخيط اللي إنت وصلت له؟

إسماعيل: مالوش لازمة.

قال سليم بحزم: أنا اللي أحدد، أنا سامعك.

مكي: يوم ما حصلت الحادثة، إحنا قلبنا الدنيا، قعدنا ندور، حاولنا نوصل لأي حاجة، أي تفصيلة صغيرة ممكن توصلنا للي عمل كده. سألنا كل السكان لو كانوا شافوا أي حاجة، بس للأسف ما وصلناش. ولما طلبت مننا نسأل تاني وندور تاني، عرفنا من يومين إن فيه حد من السكان شقته اتحرقت وهو كان فيها.

ماسة: يا ساتر يا رب! ربنا يرحمه.

سليم: كمل.

مكي: أنا ماكنتش عارف باللي حصل، بس لما جه دوري علشان أسأل، قابلت أخوه وقالي إنه مش صاحب البيت، وإن أخوه توفى من يومين في حريقة. وقتها قالي جملة غريبة: “أنا أخويا مات بنفس الطريقة اللي كان هايموت بيها من كم شهر، يوم الحادثة اللي إنتم بتدوروا وراها.

سليم: أنا مش فاهم حاجة.

مكي: يوم الحادثة يا سليم، كان في كشك في نفس الشارع بتاع الحادثة اتحرق.

ماسة: وده علاقته إيه بالحادثة؟

مكي: الكشك ده فيه حد اتصل منه بالإسعاف.

سليم بتعجب: حد اتصل بالإسعاف؟

مكي: اممم، وبالليل الكشك اتحرق.

سليم بدهاء: تقصد إنهم حرقوا الكشك علشان يقتلوا الشخص اللي شاف الحادثة؟ طب ومين هو الشخص ده؟

إسماعيل: للأسف ماوصلناش ليه، اختفى. والمكان اللي كنت فيه مافيهوش كاميرات، المنطقة لسة جديدة ومش معمورة. هم اختاروا يعملوا الكمين في مكان عارفين كويس إن إحنا مش هانعرف نوصل لأي حاجة. هم لعبوها صح ونفذوها صح، كأنهم كانوا مستنينها ومخططين لها من زمان.

سليم متسائلًا: يعني فيه حد شاف الحادثة واتصل بالإسعاف من الكشك ده، والراجل العجوز ده كان موجود وقتها، بس اشمعنا موتوه دلوقتي؟ ليه ماقتلوهوش وقتها؟

ماسة: هو إنتم ليه شايفين إنه اتقتل؟ مايمكن اللي حصل ده حاجة طبيعية، قضاء وقدر.

إسماعيل: هو ده اللي باتكلم فيه، بس مكي مش شايف كده؟

سليم: أنا كمان شايف إنها مش حادثة طبيعية، بس اشمعنا دلوقتي؟ وعرف منين إن إحنا رجعنا ندور؟

عشري: عرف إزاي إن إحنا بندور؟ دي سهلة، هو أكيد لسه بيراقب، بالأخص بعد ما إنت فقت.

سليم بضيق: إحنا كده رجعنا تاني لنفس النقطة اللي وقفنا فيها.

مكي: بس على الأقل عرفنا اللي عمل الحادثة مش شبح، ولحد اللحظة دي بيحاول يلم وراه، وإنه قريب منا مش بعيد.

سليم بذكاء: ممكن كمان يكونوا حاولوا يتخلصوا من صاحب الكشك ده لأنه لو أدانا أوصاف اللي شاف الحادثة ممكن نعرفه.

مكي: احتمال كبير.

إسماعيل: سليم، هو إيه اللي خلاك تغير رأيك وتروح مع ماسة عند الدكتور؟

سليم: عادي، وأنا في العربية، فكرة جت في دماغي، كلمت ياسين وراح الاجتماع بدالي.

إسماعيل: يعني الفكرة جاتلك فجأة؟ ماكنتش محضر لها؟ ماكنتش بتتكلم مع حد فيها؟

سليم: لا، حتى ماسة اتفاجأت.

ماسة: فعلًا.

إسماعيل بتعجب وقام بإشعال سيجارة: غريبة، بس أنا ما اعتقدش إنهم كانوا قاصدين ماسة؟

عشري: ممكن كانوا عايزين ينتقموا من سليم فيها. ولما لقوا سليم معاها في العربية، اتخلصوا منهم الأتنين مع بعض.

إسماعيل: ماعتقدش، لو كانوا عايزين ينتقموا من سليم في ماسة، كانوا موتوا ماسة وسابوا سليم عايش. يا دوب ضربوا رصاصة في رجله وفي كتفه وخلاص، بس هم قاصدينهم هما الأتنين.

عشري: بس ماحدش كان عارف إن الملك غير رأيه وهايروح مع الهانم.

سليم بذكاء: أكيد كانوا عاملين كمينين. الكمين الأولاني في طريقها للدكتور علشان يخلصوا منها، والكمين التاني في طريق الاجتماع. ولما اكتشفوا إني معاها، اتخلصوا منا سوا. هو ده الحل الوحيد. إحنا لازم ندور على اللي شاف الحادثة.

مكي: ممكن يكونوا اتخلصوا منه.

سليم: لا، مش عايز أسمع كلام من النوع ده. خلينا ندور. عارف إنه صعب، لإننا ما عندناش أي معلومة، لكن خلينا ندور. يمكن فيه حد تاني شافه غير الراجل اللي اتقتل ده.

عشري: هما فعلاً ممكن يكونوا عاملين أكتر من كمين.

سليم: وياترى بقى، دورتوا في طريق الاجتماع؟ وراجعتوا الكاميرات من وقت ما خرجت من المجموعة؟ ولما ماسة خرجت من الفيلا؟ أكيد كانوا مراقبينا بالعربيات.

مكي: كاميرات المجموعه وكاميرات الطريق بتاع الدكتور ما فيهوش اي حاجة اصلا المكان ده ما فيهوش كاميرات، لكن موضوع طريق الاجتماع،
ما جاش في دماغ أي حد فينا إنه ممكن يكونوا عاملين كمين تاني.

سليم بحدة: ماتقولش بس قدامي كلمة “ما جاش في دماغك” علشان ما اتعصبش.

عشري: أكيد مسحوا كل حاجة، مش هايستنوا يعني؟

سليم: أنا مش عايز نظرة يأس. هاتدوروا على أي تفصيلة ولو صغيرة ممكن تفرق معانا، زي الجملة مثلًا بتاعت الراجل.

ماسة: هو إنتم ليه ما فكرتوش مين ممكن يكون عمل كده؟ يعني مين ممكن يكون بيكره سليم وبيكرهني؟

سليم: أكيد دي أول حاجة دوروا وراها، بس أنا ماعنديش أعداء، مين ممكن يخليهم يعملوا فيا كده؟ ده اللي متأكد منه. (أكمل وهو يمرر عينه عليهم) المهم، كل اللي هنعمله دلوقتي إننا هانحاول ندور تاني لحد ما نوصل. عشان إحنا لازم نوصل. أنا مش ها أقبل إن اللي عمل فينا كده، يبقى عايش مرتاح ومبسوط وأنا عايش بالمسكنات.

عشري: إنت هاترجع إمتى للمجموعة؟

سليم بقوة: مجرد ما أبطل أمشي بعكاز وإيدي ترجع زي ما كانت وأقدر أمسك مسدس.

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية الماسة المكسورة)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *