رواية بحر ثائر الفصل السابع والعشرون 27 بقلم آية العربي
رواية بحر ثائر الفصل السابع والعشرون 27 بقلم آية العربي
رواية بحر ثائر البارت السابع والعشرون
رواية بحر ثائر الجزء السابع والعشرون

رواية بحر ثائر الحلقة السابعة والعشرون
عيناك ِ
النظر إلى عينيك
مشكلة كبيرة
وعدم النظر مشكلة أكبر…
إن نظرت
غرقت حبا
وإن لم أنظر
مت شوقا
في كلا الحالين
أنا فيكِ غارق
أنا لنبضكِ سارق
أنا لكِ عاشق
أحببت فيك شيئا دعاني إليك
كلماتك وبعدها عينيكِ…
وعندما لبيتُ الدعوة…
وقعت في حب كل الأشياء
التي ماقالتها كلماتك
لكن باحت بها سرا نظراتك…
(بقلم فيروزة )
❈-❈-❈
استقل سيارته وقاد بانزعاج وحزنٍ سافر وتجاوره بملامح متجهمة حيث لم تحصل على مبتغاها في رؤية ثائر جيدًا لذا بصقت أحرفها بلا مبالاة لحالته :
– على فكرة بقى غلط جدًا إنك تمشي ، كدة هو هيفكر انك اتأثرت لما شوفته ، كان الصح إنك تتجاهله تمامًا وندخل نقعد .
لم ترِحه كلماتها بل نثرت ملحًا على جراحٍ لم تلتئم بعد لذا نطق محذرًا :
– سها اسكتي دلوقتي ، ماتتكلميش عن الموضوع ده بالذات .
لم تطعه بل توغلها شعورًا بالغضب من رؤية ثائر بعد كل تلك السنوات يجاور امرأة مصرية ويباغتها بعداءٍ لذا نطقت تخرج القليل مما في جبعتها :
– لا مش هسكت ، المفروض ده هيفضل عامل حاجز بيني وبينك ، إنت لسة بتحن له مش كدة ؟ لو كان جه وسلم عليك كنت هتجري عليه وتنسى كل حاجة .
توقف بشكلٍ مفاجئ فصرخت وكادت أن تصطدم بالتابلوه لتجده يلتفت لها بمقلتين قاتمتين ونبرة مبطنة بالوعيد حذرها :
– قلتلك ماتتكلميش في الموضوع ده بالذات علشان وقتها هتطلعي منه خسرانة ، فاهمة ؟
قطبت جبينها حينما فطنت لتهديده لذا تساءلت بخوفٍ نهش جدران حقدها :
– يعني إيه ؟ إنت بتهددني يا أحمد ؟ كل ده علشان شوفناه صدفة ؟
حدق بها بنظرة مشككة حينما هبت على عقله عواصف خبثها ليتساءل :
– إنتِ كنتِ عارفة إن ثائر هنا ؟
توترت نظرتها لذا عادت تنظر أمامها وتكتفت تجيب بتملق :
– وأنا هعرف منين ؟
مد يده يقبض على ذراعها بقسوة ويصيح بتكرار :
– كنتِ عــــــــــارفة ؟
نزعت يدها من قبضته تصيح بنبرة هائجة :
– قلتلك لاء ، وروحني حالًا لإن تصرفاتك مبقتش طبيعية .
عيناه تباغتها بشكٍ لذا عادت تنظر أمامها وتتنفس بغيظ وحقدٍ غمراها منه ومن ثائر ومن تلك التي كانت تجاوره والتي رأتها معه من قبل .
تنفس بعمق وقرر التحرك قبل أن يحدث مالا يحمد عقباه أما عقله فانشغل يفكر في شقيقه ، نظرته له ، ملامحه التي عُرفت بالوسامة والتي ازدادت هيبة ووقارًا نسبةً لبعض الخصلات البيضاء التي توغلت خصلاته البنية سواءً كان في رأسه أو لحيته ليعترف في قرارة نفسه أنه اشتاق له كثيرًا .
❈-❈-❈
بعد وقتٍ وبعدما تناولا وجبتهما سويًا
جلست مع شقيقها في غرفتها ترحب به بحبورٍ واشتياق ، إلى الآن لا تصدق أنها تراه .
تأملت ملامحه والابتسامة تنبلج من شفتيها وتساءلت بعتاب :
– احكيلي بقى كل حاجة ، جيت إزاي ؟ وبعدين ما أنا مكلماك امبارح ماقولتش خالص ، بقى كدة تتفق معاه عليا ؟
تأملها أيضًا ثم تنفس بعمق وأجابها :
– مهو بعد كلامه ده كان لازم أجي وأشوفك واتكلم معاكي ، احكيلي إنتِ بقى وهاتي كل اللي عندك .
توترت نظرتها وتساءلت بتعجب وهي تفرك كفيها :
– كلام إيه اللي قاله ؟
أجابها وهو يستند بكفيه على الفراش ويتحدث بأريحية :
– قال عنك كل خير ، وعلى فكرة إحنا بقالنا فترة بنتواصل وكل كلامه عنك إنتِ ، يالا احكيلي بقى .
طالعته تراوغ قائلة بوجنتين متوردتين كالعذراء :
– احكي إيه بس ، أنا أصلًا كنت نازلة مصر بعد كام يوم .
هز رأسه يتساءل بعيون ثاقبة :
– سيبك من نزول مصر دلوقتي وقوليلي ، هو طلب إيدك للجواز ، إنتِ موافقة ؟
كان ينتظر أن يرى منها نظرة تأكد حدسه ورآها لذا زفر بارتياح وتركها تجيبه :
– بص يا داغر هو فتح معايا الموضوع ده فعلًا وحكالي على كل حاجة وسبب بعده عن مصر وكل اللي حصل معاه بس المشكلة عندي أنا .
أمعنت النظر فيه تسترسل مخاوفها أمامه بوضوح :
– هتجوز تاني إزاي ؟ ولادي هواجههم إزاي وأنا داخلة عليهم براجل غريب عنهم ؟ حياتي هتمشي إزاي بعد كدة ؟ أنت أكتر واحد عارف أنا مريت بإيه .
سألها مباشرةً حينما لمح الخوف في عينيها ، خوفًا من الابتعاد :
– بتحبيه ؟
فاجأها سؤاله لذا حدقت به ببؤبؤين متسعين فتمعن بها بشكٍ لتتوتر وتزدرد ريقها تجيبه بتلعثم وعينيها تحيدان عنه وقد شردت تبوح بمكنونها :
– مممش مسألة حب بس هو مختلف ، معندوش بقى كل الأمور اللي واجهتها مع التاني ده لااااا خالص ، عنده نضج وبيفكر بطريقة أكبر من كدة ، عنده حلول لأي مشكلة ، إنسان عقلاني ومتزن وتحس إنه قادر يحتوي أي موقف ، وغير كل ده أنا كنت مطمنة لإنه كان جنبي ، حاسة إن فيه حد حواليا وده شعور مش عارفة إزاي حسيته بس ده اللي حصل فعلًا ، وآخر حاجة كنت اتوقعها إنه متابع ولادي ومأمنهم ، قبل كدة كُتبه احتلت أفكاري وألهمتني كتير جدًا وسهلت عليا طريقي في الكتابة ودلوقتي شخصيته هي كمان احتلت أفكاري ، قليل الكلام بس لما بيتكلم لازم تركز مع كل حرف بيقوله ، ملامحه ثابتة بس لو ركزت في عيونه هتكشف كل مشاعره ، حضوره قوي مع إنه قليل .
كانت تشرح مندمجة وقد تناست عيون شقيقها الذي يسمعها ليتأكد أنها أحبته ، وقعت شقيقته في الحب لأول مرة ، إنها تشرح وعينيها تضيئان بوميض الحب وهو أدرى الناس بها ، لقد أتى ليشهد على سعادة تستحق أن تعيشها ، إنها تستحق الأفضل دومًا وربما ذلك الثائر هو الأفضل خاصة بعد حديثه المطول معه منذ عدة أيام ، لقد أخبره كل شيء ، لم يخفِ عنه شيئًا حتى أنه أرسله إلى والده وجلس داغر مع أمجد لأكثر من ساعة يتحدثان سويًا حتى اطمأن قلبه لذا زفر بقوة ونطق :
– طيب هو طالب إيدك مني وأنا موافق .
نظرت له باندهاش فلم تتوقع أن يقبل شقيقها بزواج ثانٍ لها لذا أومأ يؤكد وتابع باهتمام :
– وامك موافقة وعيالك موافقين وهو كلمهم والدنيا كلها تمام .
قطبت جبينها تنطق باستنكار ودهشة :
– كلمهم ؟ كلمهم امتى ؟
ابتسم بخفة يجيبها :
– دانتِ نايمة في العسل يا ديما ، كلنا كلمناه وماما اتعرفت عليه وحبته كمان ، وولادك كان ناقص يقولوله يا بابا من كلامنا عنه أنا وامك اللي حبته جدًا ، كدة مافيش غيرك توافقي ويالا علشان أكتب كتابك وارجع مصر علشان ماينفعش أسيبهم لوحدهم كتير .
كتب كتاب ؟ هل ما سمعته صحيح ؟ كتب كتاب ؟
نظرت له ببلاهة فتابع وهو ينهض :
– بصي يا ديما اللي بيحصل لحياتك ده كله من وقت ما انفصلتي من الزفت التاني ده لازم نقف عنده ونركز في الأحداث دي ونعرف ربنا مدبرها إزاي وحكمته إيه ، بالنسبالي هكون مطمن عليكي أكتر وانتِ على ذمته ، لعلمك أنا قرأت كتابين ليه ويمكن اللي مكتوب جوة الكتب طمني أكتر ، إنسان زي ده محتاج اختي في حياته وأنا عارف كويس اختي على إيه وهتعمل علشانه إيه وهو كمان عارف ده كويس جدًا علشان كدة عنده استعداد يقدم أي حاجة علشان تبقي في حياته .
لمح الحيرة تكسو عينيها فابتسم وتنفس بعمق يسترسل بتروٍ :
– اللي لازم تعمليه دلوقتي إنك تتكلمي معاه ، وبعدين إنتوا الاتنين تكلموا الولاد ده لو وافقتي على الجواز ، ولو مش موافقة هو قالي إنك هترجعي مصر معايا ، علشان كدة فكري كويس وانتِ عارفة إني معاكي في أي قرار .
ربت على كتفها ثم تحرك بعدها نحو الحمام وتركها تسأل نفسها سؤالا واضحًا ، هل ستكون بخير إن ابتعدت عنه ؟
❈-❈-❈
في مقهى راقي على طرف الحارة
جلست بسمة ويقابلها ماجد الذي أصر على رؤيتها كثيرًا لذا لم تجد بدًا من الفرار منه .
تتنفس بضيق وتنتظر حديثه حيث جلس لا يعلم من أين يبدأ ولكنه ارتدى قناع الطيبة وتحدث بنبرة هادئة تحمل من الحزن ما يؤهله لنيْل أهدافه :
– أنا عارف أنك زعلانة مني علشان موضوع الارتباط وإني خبيت عليكي إن بابا وماما يعرفوا ، أنا فعلًا خبيت علشان كنت اتمنى تقبلي لإني بحبك يا بسمة ، مع الوقت اتأكدت إن مشاعري ناحيتك هي حب حقيقي مش أخوي زي ما كنت مفكر .
شعرت بالنفور من حديثه الذي لم تصدقه على الإطلاق لذا نطقت بملامح منزعجة :
– ماجد لو سمحت إنت طلبت تشوفني علشان تقولي حاجة مهمة بلاش ندخل في حوارات ملهاش لازمة ، إيه المهم اللي عندك .
أدرك أن طريقه وعِر لذا زفر بقوة واستبدل قناع النصح يردف :
– إنتِ لازم ترجعي الفيلا يا بسمة ، صدقيني ده أحسن للكل .
لم ترِحها نبرته ولكنها تساءلت بشكٍ حينما فطنت لتهديده المبطن :
– يعني إيه أحسن للكل ؟ هو عمي باعتك تكمل كلامه ولا إيه يا ماجد ؟ وبعدين ليه أرجع بما إن الشغل ماشي كويس وأنا متابعة كل حاجة من مكاني ؟
ادعى التفكير لبرهة من الزمن ثم عاد يطالعها ويسترسل بنبرة مبهمة :
– بسمة هو أنا ينفع أتكلم معاكي بصراحة ؟ أنا مش هقدر أخبي عنك .
مالت بوجهها تحثه على الحديث ليتابع بتمعن :
– بابا ناوي يضغط عليكي علشان ترجعي ، ماعرفش هو بيفكر في إيه بالضبط بس كان لازم أنبهك ، أنا طبعًا مضايق جدًا من وجودك هنا وفي بيت غريب ومع راجل غريب بس ده مايمنعش إني لازم أحذرك .
استنكرت ما يقوله وأرادت أن تصحح كلماته ولكنها أدركت أن لا أحدًا من عائلتها يستحق عناء التوضيح لذا تساءلت :
– تحذرني من إيه يا ماجد ؟ خليك دوغري لو سمحت ، بما إنك جيت تتكلم معايا يبقى أكيد عندك علم بالتفاصيل ، قول علطول .
صمت لهنيهة ثم أردف بتردد ظاهري :
– الموضوع ممكن يمس داغر ، بابا شايف إن داغر عايز يستحوذ عليكي بأي شكل ، لازم تفهمي إنه مش هيسمح بده وممكن يتصرف بطريقة مندفعة ، لازم تاخدي بالك كويس ، وبجد ياريت ترجعي في أقرب وقت .
ابتسمت بتهكم وتكتفت تجيبه :
– وطبعًا أونكل بعتك تبلغني الرسالة دي ، مش كدة ؟
شعر بالضيق ولكنه أظهر حزنًا بالغًا ونهض من مقعده يستطرد بنظرات معاتبة :
– تفتكري بابا هيبعتني أعترف عليه ؟ عامةً أنا كنت أتمنى إن يبقى فيه بينا على الأقل ود وثقة بس يظهر إنك فعلًا اتغيرتي جدًا يا بسمة ، أوعدك بعد كدة مش هزعجك تاني .
ترك الحساب وغادر بعدها وتركها تجلس تطالع أثره وتفكر في كلماته التي شتتتها ، هل هو ماكر يتلوى كالثعبان أم أنه أتى ليحذرها بالفعل ؟
ولكن عليها أن تضع تحذيره في الحسبان مهما كانت نواياه
❈-❈-❈
مساءً قررت التحدث معه ربما هذا الحوار سيساعدها في اتخاذ قرارها ، جلست في المطعم الخاص بالفندق وجلس أمامها ينتظر حديثها معه ، يتأملها بعيون لم يعد يخفي عشقه بهما كالسابق بل أنه بات متلبسًا بالعشق أمام الجميع .
توترت من نظراته وتحديقه بها لذا أرادت أن تشغله بالأسئلة فسألته سؤالًا تمت الإجابة عنه :
– قولي الحقيقة ، إنت عايز تتجوزني ليه ؟
يدرك أن سؤالها هذا نسبة لتوترها لذا ابتسم بخفة وتنفس بعمق يجيب باستفاضة وحب :
– بصي يا ديما ، خليني أجاوبك على كل أسئلتك من غير ما تسألي ، قلتهالك قبل كدة وهقولها تاني ، أنا بعدت عن بلدي 13 سنة اتجوزت وخلفت ودخلت عالم الملاكمة ده غير الكتابة والشهرة وكل الحاجات اللي ممكن الإنسان يعملها علشان يشغل وقته عملتها بس الحقيقة أنا ماكنتش بشغل وقتي أنا كنت بشغل عقلي عن الهدف الحقيقي اللي عايزه من الدنيا كلها ، وباختصار شديد جدًا الهدف ده هو إنتِ .
انقشعت سحابة توترها تطالعه بعمق ليسترسل بعمقٍ أقوى ضاعطًا على أحرفه :
– أنا محتاجك جدًا ، دي أصعب فترة بمر بيها في حياتي وماتسألنيش ليه بس اللي أقدر أقولهولك إني بعرف أحافظ على الحاجات اللي بمتلكها لإنها بتيجي بعد صبر وعذاب فبكون عارف قيمتها كويس ، يمكن تسميه تملك أو أنانية بس أنا مستحيل هتخلى عنك سواء وافقتي تتجوزيني أو لاء ، إنتِ لسة لحد دلوقتي ماتعرفيش ثائر ذو الفقار كويس بس علشان ماتخافيش مني أنا أكتر إنسان ممكن يطمنك وأبعد شخص ممكن تخافي منه إلا في حالة واحدة بس .
صمتها وتركيزها معه جعلاه يتنفس ويتابع دون الإفصاح عن هوية الشيء الوحيد الذي سيخيفها منه :
– لو عايزة تنزلي مصر وتشوفي الأولاد ماعنديش أي مشكلة بس أتمنى يبقى بعد جوازنا ، على الأقل أحس إن روحي رجعالي تاني ، ومش هقولك أولادك هما أولادي وابني هو ابنك بس هوعدك لو قضيّتي اتحلت ونزلت مصر وقتها همحي من ذاكرتهم إن كان ليهم أب تاني ولو مانزلتش يبقى هنعيش كلنا في فرنسا ، بس وانتِ مراتي .
تخشى من أشياءٍ كثيرة ، طليقها ؟ آراءها ؟ جمهورها ؟ والمناظرات .
تنفست بعمق تتساءل بترقب :
– طيب والمناظرات اللي بينا ؟ والناس اللي مقتنعة إنك بتهاجم المرأة العربية والحجاب والأفكار اللي أنا بطرحها ؟ كل ده هتتعامل معاه إزاي ؟
أجابها بثبات وثقة :
– ماعنديش مشكلة أبدًا أطلع أقول إني كنت غلط في وجهة نظري وأنك اثبتيلي ده ، الاعتراف بالحق فضيلة .
هزت رأسها تخشى من انهيار اسمه لذا أجابته :
– لاء ، ماينفعش تعمل كدة فجأة ، لازم تمهد ده لجمهورك ، يعني ممكن مانعلنش جوازنا للناس إلا لما تبدأ تتراجع واحدة واحدة عن أفكارك .
– أفهم من كدة إنك موافقة ؟
حاصرها بسؤاله لتدرك أنها أخبرته بالموافقة في خضم حديثها لتخفي وجهها بين كفيها بتلقائية جعلته يبتسم ويتنفس براحة لا مثيل لها ثم أجابها بثبات :
– تمام يبقى نعلن جوازنا بعد المناظرة اللي هتكون بيني وبينك في فيينا بعد شهر من دلوقتي .
أبعدت يدها عن وجهها تطالعه بخجلٍ ممزوجٍ بعشقٍ بدأ يزين ملامحها لتسأله بتوتر :
– طيب هنعمل إيه دلوقتي ؟
نظر في ساعة يديه وتحدث برتابة :
– هتطلعي دلوقتي أوضتك تتكلمي مع منال هانم والأولاد وتشرحيلهم كل حاجة وبكرة هنكلمهم سوا وبعدين هنروح نعمل إجراءات كتب الكتاب ونرجع وبس كدة .
بسطها كثيرًا بشكلٍ متعمد يخفي بين طياته الكثير ولكنه رجل الأفعال لا الأقوال لذا نهض يحدق بها ويستطرد بحب :
– أحلام سعيدة يا ديما .
❈-❈-❈
يتمددان على فراشهما وكالعادة يحتوي وحدتها وتحتوي همومه .
تخبره عما تشعر به ، تستطيع التنفس بارتياح الآن وهذا ما وضحته في حديثها :
– أنا مرتاحة أوي يا أمجد ، حاسة إن ثائر هيرجع لي قريب ، مبسوطة إنه أخيرًا لقى الإنسانة اللي تشبهه ، هي شبه يا أمجد ، كلام والدتها عنها وكتابها اللي قرأته أكدولي إنها شبهه .
ملس على ظهرها بحنو وأومأ يؤكد بشرود :
– بالضبط يا علياء ، أنا كمان حسيتها شبهه ، ثائر كان محتاج واحدة زيها في حياته ، هو يستاهل إنه يرتاح بعد السنين دي كلها .
تمسكت بكفه واسترسلت بفرحة تغمر قلبها :
– عارف أكتر حاجة مريحاني إيه ؟ إن معاذ عارفها وبيحبها ورحب بالفكرة ، أنا كنت خايفة يرفض ، بس ثائر عمل الصح وعرف يقربهم من بعض قبل ما يبعته .
نظر لها بفخرٍ ارتسم في عينيه واستطرد متباهيًا :
– ابننا ذكي وعارف ومحدد خطواته كويس ، ماتقلقيش عليه .
هزت رأسها تردف بترقب :
– بردو مش هرتاح غير لما يكون في حضني ، يرجع هو بس ويسكن جنبي ويبقى علطول قدام عيني هو ومراته وابنه وساعتها هرتاح وقلبي هيهدى .
ابتسم أمجد وأردف بتروٍ ومرح :
– قولي يارب ، وبعدين لسة ديما ماوفقتش يعني ماتستعجليش وتقولي مراته .
نظرت له باستنكار وتابعت بقناعة مبهمة :
– هتوافق ، أنا عارفة ابني كويس .
❈-❈-❈
على الطرف الآخر كانت تتحدث مع والدتها ، أرادت أن تشاركها مشاعرها لذا أردفت منال عبر الهاتف :
– مش إنتِ مرتاحاله يا ديما ؟ قلبك مطمن من ناحيته ؟
نعم هي كذلك ، تشعر أنها امرأة حديدية وما هو إلا مغناطيسًا يجذبها إليه طواعية ، قلبها بات يشبه حديقة مزهرة بالورد والعطر وهو البستاني الذي زرع كل هذه البراعم .
تنهيدة معبأة بالأمل خرجت منها ثم أردفت بهدوء :
– أيوة يا ماما ، فيه قبول وراحة مش هقدر أتخطاهم ، معرفش كل ده حصل امتى وازاي مع إني كنت قافلة السكة دي تمامًا بس هو مختلف ، مافيش حاجة كنت قلقانة من ناحيتها إلا ولقيته بيطمني حتى على ولادي .
أومأت منال وأردفت بنبرة سعيدة لأجل ابنتها التي تشعر بسعادتها :
– ربنا دلك على الإنسان اللي شبهك يا ديما ، أنا لما حكيت مع والدته عرفت إنه شبهك ، الست ياعيني قلبها مفطور عليه ونفسها تشوفه ، حكيتلي عنه وعن حياته وعن بره بيها ، ده غير إني ارتحت له أصلًا لما كلمته .
قطبت جبينها وتساءلت بتعجب :
– هو انتِ كلمتي مامت ثائر ؟
ابتسمت منال وعبثت بفروة الصغيرة النائمة وأجابت بهدوء :
– أيوا كلمتها ، وأبوه كلم داغر ، الراجل شاريكي يا ديما وبيحاول يطمنك ويطمنا ، صلي استخارة يا حبيبتي وتوكلي على الله ، ربنا يقدملك كل الخير اللي تتمنيه وربنا يجعله الزوج السند والحبيب اللي يعوضك عن كل أذى شوفتيه .
استكان قلبها ونظرت لوالدتها عبر الشاشة تبتسم وتتنفس بارتياح مجيبة :
– اللهم آمين يارب يا ماما .
❈-❈-❈
بعد يومين
تم تجهيز إجراءات كتب الكتاب واليوم موعده
جلست في غرفتها ترتدي فستانًا هادئًا كريمي اللون وحجابًا بنفس اللون يخفي خصلاتها وملامح وجهٍ جميلة يعلوها التوتر .
تنتظر شقيقها الذي ذهب ووعدها أن يعود سريعًا وبالفعل عاد يحمل بين يديه باقة زهور فريدة ورائعة ثم تقدم منها يناولها إياها قائلًا بابتسامة غمرت ملامحه السعيدة :
– اتفضلي ، دي من ثائر .
تناولتها منه تستنشقها وتتنفس بقوة ثم طالعته وتساءلت بانكماش يلازم معدتها :
– هو برا ؟
ابتسم داغر على توترها وأجابها وهو يرنو منها ويلتقط معصمها متأبطًا إياها بحب وحنان :
– لا هو مستنينا تحت في القاعة اللي هنكتب فيها الكتاب ، هو كان عايز يطلع ياخدك بنفسه بس انا قولتله لازم أقوم بدوري كأخ ، ولا إيه ؟
أومأت له بتتابع وابتسمت وبدأ قلبها يقرع طبول التوتر وهي تتحرك معه نحو الخارج لينزلا إلى القاعة .
❈-❈-❈
كان يرتدي حلته السوداء وينتظرها ، ظاهريًا يمتاز بالثبات والهيبة وداخليًا يتلهف لرؤيتها .
دلفت من باب القاعة بصحبة داغر فلمحته يقف عند المأذون وقد صوب مقلتيه عليها يتأملها كما لو كانت نجمة براقة ، تضخم صدره أعرب عن نفسٍ قوي اتخذه عند حضورها وسألها بنظراته هل أحببتيني ؟ فأجابته بنظراتها معك أتعلم معنى الحب .
وصلت إليه فأعطاها له داغر وأردف بابتسامة ودية :
– أنا عارف إنك بتحبها بس هي محتاجة اللي يحترمها ويفهمها قبل أي شيء .
ابتسم بخفة ثم لف وجهه ينظر إلى وجه ديما المتورد وأردف مؤكدًا بصدق وبعيون عاشقة :
– أنا بحترمك جدًا ، أنا فاهمك جدًا ، أنا بحبك جدًا .
تهاوى قلبها من فرط مشاعره الكاسحة وشعرت أن ساقيها كالهلام ولأنه يفهمها تحرك بها نحو الطاولة يجلسها عليها واتجه يجلس مكانه وداغر يجاوره والمأذون وشاهدان وبدأ كتبت الكتاب .
❈-❈-❈
بعد محاولات مع والدتها نجحت في إقناعها بالذهاب إلى الشركة وساعدتها في ذلك بسمة خاصةً بعدما أكدت لها أنها ستنهي العقد معهم .
دلفت مكتبه بعدما سمح لها ، لأول مرة تشعر معه بالرهبة ، لم يتزحزح من مقعده كما كان يفعل في السابق بل نظر إليها بتجهم وسألها :
– لما لم تذهبي إلى مكتبك دينا ؟
شعرت بالتوتر يغتالها لذا زفرت لتهدئ من روعها وحاولت أن توضح له سبب مجيئها لذا أردفت :
– أستاذ لوتشو أنا جيت علشان أعرفك إن فعلًا مش هقدر أكمل شغل هنا ، أنا حاولت بس مش نافع ، معلش ياريت تقبل استقالتي المرة دي .
قالتها وهي تمد يدها له بالورقة التي جهزتها فلم يستلمها منها لذا زفرت وتركتها على المكتب ووقفت تطالع ملامحه التي تدل على غضبٍ مستتر لذا جاهدت لتتحلى بالثبات أمامه وانتظرت حديثه الذي طال لمدة حاول فيها تلجيم غضبه لذا نهض وتحرك نحوها فازداد توترها وخوفها منه وهذا ما استنتجه لذا ابتسم وتوقف أمامها يحدق في ملامحها بتفرس ليقول بعدها بهدوء مُربك :
– حتى لو قبلت استقالتكِ دينا لن أقبل أن تبتعدي عني ، أنا أحبك ، وأنا أخذت جوابي منك في البداية لذا لن أبتعد .
رفعت أنظارها تطالعه بتعجب وتساؤلات ليسترسل :
– حسنًا ربما رفضك وابتعادك نتج من حديث والدتي معكِ لذا سأترك لكِ فرصة التفكير بشكلٍ جيد ولكن دعينا نبدأ من جديد ، نتقرب من بعضنا أكثر ، نتحدث أكثر ، وأنا على يقين أنكِ خلال فترة قصيرة ستتراجعين عن أفكارك تمامًا ، أنا أعلم أنكِ تحبيني ولكن الخوف يمنعك من قولها .
أرادت أن تنفي هذا الإدعاء ولكنه أخافها وشعرت أن أنفاسها مقيدة حيث أنه كان يحوم حولها يسحب الهواء لذا تابع مبتسمًا كأنه يتغذى على حالتها :
– هذا هو السكوت الذي يسمونه علامة الرضا ، أليس كذلك .
شعرت أنها بحاجة لداغر في هذه اللحظة ، أخطأت حينما لم تثق في كلامه ونصائحه ، هذا الرجل لا يشبهها قط ، إنه يتحول لشخصٍ آخر لم يكن ظاهرًا لها من قبل لذا حاولت أن تتحلى بالجرأة ونطقت بجسارة امتصتها من شخصيتها التي تحاول التظاهر بها :
– لاء ، أنا مش عارفة أقولك إيه بس مش إنت نفس الشخص اللي كنت معجبة به وبطريقة تفكيره ، أنا حاسة إنك اتبدلت .
ابتسم على كلامتها لتتحول ملامحه للوداعة التي تظاهر بها مسبقًا وأردف :
– هل تقصدين أنني لدي وجهان ؟ لا دينا أنتِ مخطئة ، ولكن مجيء والدتي جعلني أفكر جيدًا ، كما جعلكِ تتراجعين عن قراركِ ، ولكن صدقيني كلانا سيعود كما كان قبل مجيء السيدة ميتاي ، أنا سأعود لوتشو الوديع وأنتِ ستعودين دينا التي قبلت عرضي .
كان يتحدث بثقة جعلتها ودت لو تسأله عن العواقب إن لم تفعل ولكنه استرسل وهو يعود لمكتبه ويجلس عليه بهيمنة :
– الوقت تأخر وأنا أعاملك بتميز وهذا لن يروق لكثير من الموظفين ولكنني سأتفهم حالتكِ لذا عودي إلى المنزل الليلة وفكري جيدًا وغذًا أراكِ على رأس عملك في التاسعة صباحًا ، لسنا في علاقة رسمية بعد لتستغلي نفوذك .
قالها وابتسم لذا زفرت بقوة وأرادت أن تغادر الآن وتبحث عن حلٍ فيما بعد لذا التفت تغادر مسرعة وتعود لمنزلها وما بعد ذلك سيكون عن طريق داغر فهي لن تحتمل الصمود أمام تسلط هذا اللوتشو .
❈-❈-❈
انتهى المأذون وأعلنهما زوجًا وزوجة ونهض ثائر يوقفها ويطبع قبلة راقية على جبينها ثم ابتعد يتأملها وابتسم وتنفس حتى شعر أنه سحب الهواء من المكان كله ، لقد أصبحت ملكه .
بارك لهما داغر وعانق شقيقته ووقف يطالعها بسعادة ومن أعماقه يتمنى لها الراحة ولا شيئًا سواها لذا أردف بنبرة مستكينة هادئة :
– لو احتجتيني في أي وقت هتلاقيني قدامك مهما كان مكانك هجيلك بس صدقيني أنا مطمن عليكي مع ثائر .
مشاعرها الآن لا مترجم لها ولكنها تسعى للتعامل مع من حولها لذا ابتسمت كردٍ على كلماته فتابع :
– أنا طيارتي كمان ساعتين ، لازم أرجع مصر .
تحدثت بلهفة وحنين يلازمها نحوه :
– هترجع دلوقتي ؟
أومأ له مضطرًا ليجيبها ثائر بتروٍ :
– لازم يرجع يا ديما علشان الأولاد ومامتك واختك ، وزي ما قولتلك كمان شهر أو شهرين هتنزليلهم مصر بنفسك .
أومأت بتفهم وودعت شقيقها بدموع لم تسعَ لها وغادر داغر عائدًا لوطنه بعدما اهتدى ثائر إلى وطنه هو أيضًا .
تحرك معها نحو الأعلى حيث الجناح المخصص لهما والذي حجزه لهذه الليلة الفريدة من نوعها .
دلفا الجناح سويًا يتمسك بكفها الذي وصلت برودته إليه ليدرك أنها شاحبة من شدة توترها مما يحدث لذا ما إن أغلق الباب حتى لفها نحوه وعانقها .
استدعى حقوقه المسلوبة لسنواتٍ واتخذ من عناقها دفئًا أذاب الجليد وأصهر الفؤاد .
وجدت نفسها مكبلة بضلوعه فمرت سحابة ذهول على عقلها قبل أن يجتاحها سطوًا مسلحًا من المشاعر وانتقل انصهار فؤاده إلى جسدها البارد فتنعمت بالدفء وسكنت خمائل قلبه واستكانت بين ذراعيه .
عناقًا كان بمثابة رواية لم تخطها بقلمها لكن نسجها قلبها فأحبت جميع أركانها ، لم تخطئ حينما اتخذته بطلًا ورجلًا اقتحم غربتها واغتال وحدتها باحتوائه .
ربما مر دقيقة أو ساعة أو يومًا أو سنة لا يعلمان فالوقت هنا لم يتم حسابه لذا بعدما طال الصمت قال بنبرة تشتهيها ومشاعر صادقة وهو يقبض عليها :
– دي أول حاجة كنت عايز أعملها أول ما شوفتك في المطار ، وأول ما اعترفتلك بحبي ، وأول ما فوزت في الملاكمة ، وأول ما جيتي وقفتي قدام بيتي ، وأول ما دخلت بيتك وشوفتك خايفة ، وأول ما أخويا شافني ومشي ، وأول ما المأذون قال بارك الله لكما .
كلماته نثرت بذور السعادة في تربتها الرطبة لذا لم تجد بدًا إلا أن تبادله فرفعت ذراعيها تضعهما على قلبه وتربت عليه بصمتٍ فعاد يسحب أكبر قدر من الأوكسجين الملغم بالحب إلى رئتيه فهو يشتاق إلى حبها كاشتياقه لوطنه .
قرر أن يبتعد عنها قليلًا وتأملها ولم يحل وثاق ذراعيه بعد ليجدها تهرب بعينيها مما تعيشه فهمس :
– خلي عيونك في عيوني يا ديما .
أطاعته ترفع نظراتها نحوه فابتسم واسترسل يحيطها بسطوته :
– اعترفي حالًا ، قوليها يالا .
همست بنعومة ووجنتين متوردتين بقوة ومشاعر تركض داخلها بلا هوادة :
– أقول إيه ؟
تعلم جيدًا ما يسعى لسماعه لذا ما إن ضيق عينيه يدرك مراوغتها حتى ابتسمت وأسبلت جفنيها ثم تنفست بعمق ورفعت نظراتها إليه تُمعن النظر فيه وقررت مصارحته بكلمة :
– بحبك .
نعم يعلم ، يعلم أنها تحبه ولكن نطقها أرضاه للدرجة التي تقبل فيها كل مظلمة وغربة ووحدة عاشها ، ابتلع لعابه يتفرسها بعينيه ثم تمالك نفسه وابتعد ينظر حوله قليلًا وعاد إليها يردف :
– خلينا نتعشى الأول وبعدين نبدل هدومنا ونصلي .
هدوء غريب سكن فؤادها ، كانت تنوي إخباره بركعتي السنة ولكنه فاجأها برغبته في ذلك لذا ابتسمت وأومأت وبالفعل اتجها سويًا نحو طاولة الطعام ليتناولا وجبة العشاء .
❈-❈-❈
كان يباشر عمل الورشة بجدٍ ويفكر في حياته القادمة ، حينما يعود داغر سيبدآن بالبحث عن قطعة أرضٍ مناسبة ليبنيا عليها المصنع الصغير .
اتخذ قرارًا بأن يشاركه داغر في هذا العمل ، يعلم أنه سيواجه رفضًا من طرفه ولكنه سيقنعه .
يجب أن يبدآ في أسرع وقت كي يحقق داغر أمنيته ويستطيع طلب الزواج من بسمة بأريحية .
ودعه الصبية وغادروا وبدأ يجمع المعدات ليغلق الورشة ويعود لوالده وعمه الذي لم يرحل بعد .
كانت في هذه الأثناء تترجل من سيارة الأجرة وتخطو باتجاه الشارع المؤدي للمنزل ، بملامح حزينة وأنفاسٍ مختنقة لا تعلم ماذا تفعل مع ذلك المتسلط الذي أظهر وجهًا آخر لم تكن تتوقعه .
يفترض أن يعود داغر فجرًا ولكنها تخشى عليه من مواجهته ، فهل تخبره بما يحدث معها أم لا ؟
أغلق صالح الورشة ونوى التحرك فرآها تأتي من بعيد ، مشاعره سبقت حركته فتوقف يتأملها لثانية قبل أن يرن هاتفه معربًا عن اتصال من عمه .
وخزة استهدفت قلبه لذا أجاب يتساءل بترقب :
– أيوا يا عمي ؟!
أجابه العم محمود وهو يبكي ويجاور شقيقه الذي فارق الحياة :
– تعال يا صالح ، تعال يا عمي أبوك اتوفى .
انهالت عليه الذكريات فجأة وتكونت الغيوم في مقلتيه أمامها حتى لاحظته فأسرعت تقف أمامه وتسأله بقلقٍ حينما لاحظت حالته :
– مالك يا صالح فيه إيه ؟
صوت عمه عبر الهاتف وصوتها وأصوات الانفجارات التي طرأت على عقله وموت عائلته وحبها الذي توغل إليه فأعانه على الحياة .
نطق بوهن وحزنٍ شديد ونبرة متحشرجة :
– أبوي اتوفى .
شهقت وسقطت دموعها وتلقائيًا رفعت يدها تربت على كتفه ولكنه انتفض يبتعد عنها ويغادر بل يركض ليودع والده ووقفت تطالع أثره بحزنٍ وتمنت لو أن داغر هنا يجاوره ويآزره ولكنها ستصعد وتخبر والدتها ، يجب أن تسانداه إلى أن يعود داغر .
❈-❈-❈
التفاهم لا يعرف لهما سبيل ولكنه لأول مرة قرر أن يتحدث إليها ، لا تروق له هذه الحياة التي يعيشها ، لا تناسبه وأصبح يرضخ لأوامرها بشكلٍ مخزي لا يتقبله لذا عليه أن يتحدث معها ويصلا إلى نقطة تفاهم .
دلف منزله فوجدها تُرضع الصغير فألقى السلام وجلس أمامها لتتأفأف بضيق وتردف :
– قاعد طول النهار مزاجك رايق ومافيش حاجة وراك وسايبني هنا طالع عيني مع ابنك ، أنا زهقت يا كمال .
زفر بضيق فها هي تبدأ قبل أن ينوي التحدث لذا أسرع يردف :
– هو مش دي الأصول بردو يا زينة ولا الدنيا اتقلب موازنها ؟ مش إنتِ أمه ومسؤولة عن رعايته وأنا مسؤول عن مصاريفكم ؟ ولا إنتِ عايزاني اقعد أراعيه وأشوف مصالح البيت وتنزلي إنتِ المعرض تشتغلي .
راقت لها فكرته لذا أطلقت ضحكة رنانة ونطقت متخلية عن ضجرها اللحظي :
– تصدق فكرة حلوة يا كمولة ، ماتيجي نجرب ؟
اتسعت مقلتاه باستنكار ولوح بيده يستطرد :
– نجرب إيه ؟ اعقلي كدة يا زينة وبلاش جنان ، أنا أصلًا راجع وناوي نتكلم مع بعض شوية لإن الأوضاع دي مش عجباني .
قلبت عيناها ونفخت أوداجها ثم نظرت لصغيرها الذي نام فأبعدته عن صدرها ونهضت تتجه لغرفتها لتضعه على الفراش وتدثره بالغطاء .
عادت بعدها تجلس أمام زوجها الذي يتابع حركاتها بترقب ثم نظرت له نظرة ثاقبة وربتت على ساقه بكفها تردف بهدوء يخفي تسلط وتمكن لن يتزحزحا :
– بص يا كمولة يا حبيبي ، الأوضاع اللي مش عجباك دي هي اللي لازم تحصل ، عارف ليه ؟ لإن لو أنا اتهاونت معاك لحظة هلاقيك داخل عليا بالتالتة هنا وساعتها هيبقى عليا وعلى أعدائي ، مهو أنا مش ديما يا حبيبي ومش أنا اللي تاخدني لحم وترميني عظم ، إنت يا كمال ماينفعش معاك واحدة تقولك سمعًا وطاعة لإنك اتربيت على إن الست هي اللي تعمل كل حاجة ، ومن وجهة نظري كل حاجة دي يبقى أنت ترتاح وتقعد في البيت وأنا اللي انزل الشغل ، يا إما بقى يبقى الوضع على ما هو عليه ومتتبترش ع النعمة اللي إنت فيها لتزول منك ، ماشي يا كمولة !
باغتها بنظرة يسكن الندم خلف أسوارها ، لا يستطيع تحريره ولكن لسان حاله يردد بأن النعمة زالت بالفعل وانتهى الأمر ، زالت النعمة والآن يجني العقاب .
حياته باتت لا شغف فيها ، هل يثور ؟ هل يهدم كل شيء ويبحث عن زواج جديد ؟ وهل ستسمح له بفعل ما يفكر فيه ؟ لقد تمكنت منه ومن حياته ومن منزله
و تتوجت بإنجابها طفلًا صغيرًا .
زفر بقوة وأومأ لها لذا ابتسمت وملست على ساقه تردف بدلال بعدما حصلت على طاعته :
– يالا بقى أطلب لنا ديلفري علشان ماعرفتش أعمل أكل ، وأنا هقوم أغير العباية ورجعالك .
نهضت وتركته يجلس يتطلع على كل شيء من حوله والأهم يتطلع على خيبته الكبرى ويتساءل في داخله ، هل أنا كمال الوراق نفسه ؟
❈-❈-❈
كل الطرق تؤدي إلى ديما، وسبيلها الوحيد هو قلبي
كل المشاعر في حضرتها حاضرة ، ومشاعرها ملكًا لي وحدي
كل الغيوم تتبدد بطلتها ، وشمسها تشرق فقط على أرضي
كل النساء تجمعت فيها ، وفي عينيها لا يوجد رجلًا غيري .
ختما صلاتهما ونهض يلتفت لها ومد يده يطلبها فناولته يدها ونهضت تقابله وتنظر في عينيه حيث تحوم داخلهما رغبةً واضحةً لذا حادت نظراتها المتوترة عنه فردها إليه يردف بتحذير مفعم بالمشاعر :
– ماتبعديش عيونك عني يا ديما .
تنفست بقوة تجيبه بتوتر وتلعثم من فرط خجلها وسرعة نبضاتها :
– ث ثائر ، أناااا .
رفع سبابته يوقف شفتيها عن الحديث ففعلت فتولى عنها أمرها وحل وثاق حجابها المتصل ثم رفع ثوبها ينزعه بتمهل شديد فتركته يفعل والتزمت الصمت الصاخب بالارتعاش .
نجح في تجريدها منه لتقف قبالته بقميصٍ كريمي طويل اختارته عن عمد حتى لا تخجل ولكنها كانت مخطئة فنظراته نحوها جعلتها تود لو تنشق الأرض وتبتلعها ، لم تتذكر قط أنها قد سبق لها الزواج ، تقف أمامه عذراء جديدة على كل أفعاله وغريبة في بحر مشاعره .
امتدت يده يحل وثاق رباط شعرها فانسدل على كتفيها بسحرٍ أسره وتذكر شيئًا لذا ابتعد قليلًا يتجه نحو حقيبته وفتحها يستل منها الطوق الخاص بها ثم عاد لها يضعه على رأسها ويتأملها قائلًا بهمس مثير :
– أخدت عهد أرجعهولك وانتِ ملكي .
ابتسمت وأرادت أن تخبره أن يتوقف ، كل ما يفعله لم تستطع مواكبته ، كل ما يفعله كانت تقرأ عنه في الأساطير ولم تكن تصدق أنها تعيشه ، ليته يرحم حالتها وينهي عذاب صدمتها فيما عاشته من قبل .
ولكنه تابع ، تابع باشتياق يتملكه لعيش تجربته معها ، متلهفًا لها ولافتراسها كما لم يتلهف من قبل لذا .
تعمق فيها فوجدها تصارع الخجل في سباقٍ حاد فقرر أن يحسم المباراة وينصرها عليه وانحنى يحملها بين ذراعيه فجأة فشهقت وتعلقت به تتوسله :
– ثائر نزلني لو سمحت .
تحرك بها نحو فراشهما وأنزلها بهدوءٍ شديد وجلس جوارها يحدق بها مجددًا كأنه لا يصدق أنها أمامه لذا نطق غزلًا بالفرنسية يتلائم مع ليلتهما ويديه تلامس وجنتيها وملامحها بنعومة :
– هيا يا امرأة السلام أخبريني كيف تتنعمين بدفء وطنٍ لستُ فيه ؟
وتريدنني ألا أغار ؟ أن أنفى بعيدًا عن عينيكِ ولا أثور ؟
قولي يا امرأة الحروف كيف تسردين آلامكِ وآمالك ؟
وكيف أقرأها ولا أبدد الظروف ؟
أدخلي إلى وطنكِ وأفشي فيه السلام ، أسكني في قلبي واتركي على عاتقي تحقيق أحلامكِ .
انقطع الكلام وانقطع الصمت أيضًا حينما أنحنى يقبلها ويخبر شفتيها كم هو مشتاق ، يسرد لهما قصة عشقٍ ممتعة ويعاملهما بعدلٍ فلا يفضل واحدةً على الأخرى ، يغمرهما بشفتيه غمرةً أسعدتهما فطالبا بعدها بالمزيد .
ليوزع بعد ذلك مهمامه على مساعديه فعملت يداه على إزالة العوائق حتى نجح في الوصول إلى مبتغاه فبات في حضرة المشاعر التي حلم بها منذ صباه .
استولى على عرش قلبها ومفاتيح أفكارها واحتل جسدها احتلالًا شرعيًا بتصريحٍ من همهماتها ليكن المحتل هنا أسيرًا للفريسة .
بات عقله لا يستطيع ترجمة مشاعره ولكنه يتلذذ بكل ما ينهله منها .
كانت تعلم أن المشاعر لها بريقا أشد سطوعًا من بريق الرغبة ولكنها لم تكن ترى هذا السطوع والآن فقط تلألأ بريقها فوصل عنان سماءها ينفجر واحدًا تلو الآخر فيضيء ظلمتها
أعطاها قوة مشاعره وقوة حبه وقوة اشتياقه ، أعطاها وحدته وغربته في باقة همسات ولمسات لم تعشها ولن تعيشها سوى معه ، هذا الثائر الذي أثار داخلها مشاعر قوية لم تثُر من قبل فودت لو لم يبتعد عنها أبدًا وهنا فقد عقلها صوابه وتأملت سؤالًا لحظيًا هجم عليها صدفة ، هل أنا ديما نفسها ؟
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية بحر ثائر)