روايات

رواية يناديها عائش الفصل السابع والتسعون 97 بقلم نرمينا راضي

رواية يناديها عائش الفصل السابع والتسعون 97 بقلم نرمينا راضي

رواية يناديها عائش البارت السابع والتسعون

رواية يناديها عائش الجزء السابع والتسعون

يناديها عائش

رواية يناديها عائش الحلقة السابعة والتسعون

اللهم يا ربنا ثَبِّت قلوب المَقَادِسَة أمام العدوان الإسرائيلي بالليل والنهار، اللهم احمي الأقصى يا أرحم الراحمين، اللهم مكِّنَّا في الأرض كما مَكَّنْت الذين من قبلنا.
اللهم احفظ جنودنا البواسل من أي شرٍّ يطرأ عليهم، أو يقع لهم، وبارك اللهمَّ تولهم في أولادهم وذريّتهم، فهم خيرُ أُمَناء على الوطن الغالي، وتلك أعظم أمانة.
_____________________.
‏”الله وحده يعلم أنك تجابه جيوش الأيام
وأنت فرد.”
~~~~~~~~~~~~.
كلمة مُثقلة على قلبه، ثقيلة على لسانه حين نطق بها، لم يود قولها من الأساس، لقد خرجت من مسارٍ خاطئٍ من شدة انفعاله و غيظه من اتخاذها خطوة كهذه دون مشاركته.
فكرة أن هناك بويضة أُذن لها بالتخصيب و التلقيح لتُصبح جنينًا ثُم طفلًا قطعة منهما، تحمله هي برحِمها؛ يجعل الأمر في غاية الصعوبة عليه و في نفس الوقت يرفرف قلبه من السعادة بداخله، و لكن لاستطاعته كبح مشاعره الحقيقية و مقدرته الهائلة على اظهار الزيف و التصنع في تعابير وجهه؛ يجعل ردة فعله و كأنها نابعة من أعماقه حقيقية واقعية لا مفر منها.
الآن يشعر و كأن بركانًا على وشك الانفجار بداخله، حزنٌ داهم طيَّات فؤاده و قلقٍ حاصر زواياه، فهذا الحَمل بالنسبةً له قد جاء في وقتٍ عسيرٍ تمامًا، ليس معنى ذلك أنه بالفعل يريد التخلي عنه !، و لكن وجوده في ذلك الوقت، يجعل الأمر أشبه بسجنٍ قضبانه من فولاذٍ يُصعب الفرار منه بأي حِيَّلٍ كانت.
تنهّد بصعوبةٍ و كبح بقية مشاعره الحقيقية بداخله، ثُم أخذ يتناول و يكمل طعامه بهدوءٍ عكس الجمر المشتعل بثنايا قلبه، بينما هي ظلت تتأمله بِحُزنٍ و ارتباكٍ لردة فعله التي توقعتها هي، ففي الحقيقة كانت تعلم بل و تتيقن بردة الفعل تلك، و وجدتها طبيعية للغاية في أمرٍ عصيبٍ صعبٍ كهذا، لقد اتفقا و أخذا قرارهما مُسبقًا بعدم الانجاب؛ إلا عندما يكونان في وضعٍ خالٍ من المخاطر يُسمح لهما بتربية الطفل تربية آمنة، و لكن من ناحيةٍ أخرى، طغت عليها غريزة الأمومة و سيطر قلبها الحنون على قرارها التي اتخذته بكامل رضاها مع زوجها قبل السفر لأمريكا، فأصبح الوضع ما عليه الآن.. أصبحت حامل في بيئةٍ غير آمنةٍ مليئةٍ و محفوفةٍ بالمخاطر و التهديدات.
مدَّت يدها باستعطافٍ تضعها على يده التي تمسك بالشوكة و يغرسها في الأكل بغيظٍ واضح، و قالت بنبرة يشوبها الاعتذار:
” أنا عارفة إن أنا مكنش ينفع أخد الخطوة دي من غير ما أرجع لك؛ لأننا اتكلمنا في الموضوع ده قبل كده و يُعتبر منهي و القرار خدناه برضانا، بس أنا نفسي أسمع كلمة ماما، نفسي في بيبي منك يا قُصي.. أنت مش نفسك برضو في كده ؟”
في تلك اللحظة و بينما هي تحاول كسب عطفه برِقِّتها المصطنعة؛ نطقت الساعة التي صنعها و ابتكرها هو بنفسه، و تُحب هي ارتدائها طوال الوقت.. نطقت بكلمة ” بحبك ” مسجلة بصوته هو، تنطق بها الساعة لا إراديًا عندما تشعر ” منة” بالتوتر و الخوف، فتعمل تلك الكلمة عمل الطمأنينة و الدفء في قلبها.
فور أن نطقت الساعة، رفع عينيه يبادلها النظرات بحُبٍ واضحٍ من خلف نظارته، فانتهزت الفرصة و تابعت وهي تدلك يده بأناملها تمنحه الشعور باللين:
” هتتنازل عن حتة مننا ؟ ”
تنفس الصعداء بعمقٍ، و أخرج زفيرًا ثقيلًا مُحمَّل بالخوف من المجهول، ثُم سحب منديلًا من جانبه و مسح فمه برفقٍ، ليترك الطعام هامسًا وهو يخرج للشُرفة:
” شبعت الحمدلله ”
صمته المريب هذا يقلقها أكثر، نهضت خلفه و ظلت واقفة بمحاذاته تنظر له بطرف عينيها تحاول معرفة فيما يفكر، أما هو ظل رافعًا بصره للسماء يراقب السُحب الممتلئة بالمياه و تسير ببطء.
بدأت السُحب تتكاثف و صارت عاصفة هوجاء تبعتها هطول المطر الغزير، و كأن العاصفة تعلن عن نذير شؤمٍ قادم له، و تعبر بهيجانها عن الأرق الذي يؤرق صدره.. بدأ لمعان البرق يأخذ حيزٍ واسعٍ في السماء و كأنه يفرض سيطرته عليها، ثُم تعالى صفير الريح يتسلل في أذنيّ كلاهما، و العاصفة ما انفكت تدور حول سور البيت مولولة ناقمة زائرة كالأسوُد، فاقشعر بدن ” منة ” و أحاطت ذراعيها بيديها، بينما هو شعر بالصقيع يطارد ملامحه، فبدأت تختلط بالحمرة و بدا أنفه يشع احمرار، فأغلق سحاب معطفه و أدخل يديه في جيوبه، ليقول لها دون أن يرتد طرفه عن السماء:
” ادخلي جوا، الجو صعب الليلة ”
” هيكون أصعب من الكلمة اللي قولتها ؟! ”
قالتها بنبرة بدت ساخرة و لكنها حزينة، فلم يعقب بحرفٍ و ظل السكوت هو سيد الموقف، حتى خرجت عن طوعها و هتفت في عصبية:
” قُصي متفضلش ساكت كده.. اتكلم ”
” أنا ساكت عشان لو اتكلمت، ها تزعلي.. أحيانًا يُفضل السكوت في المواقف اللي زي دي ”
كظمت غيظها مِنهُ بداخلها، و فضلت محاورته بأسلوب اللين، فوقفت أمامه و أخرجت يده من جيبه، ثُم وضعتها أسفل بطنها و نظرت له بدموعٍ تتوسله بقولها:
” في هنا حتة منك جوايا هتبدأ تتكون إن شاء الله و يجي يملى علينا حياتنا.. عايزني أنزله ؟! ”
بدأ يرقُّ لها، فأخذ بعفويةٍ نابعةٍ من قلبه يداعب بلُطفٍ بطنها، ثُم أغمض عينيه و تنهّد بثقلٍ، ليسحب يده و يضعها في جيب معطفه ثانية ببرودٍ قاتل، و لكنه مصطنع بمهارة:
” أيوه ها ينزل ”
ثُم لزم الصمت مرة أخرى تحت نظرات الغضب و الغيظ منها له، فهتفت بعصبيةٍ بعد انفعالٍ:
” ليــه الجحود ده ! ليــه ! هو اللي في بطني ده مش منك ! ولا من الشارع ! عاوزنا نتنازل ليه بسهولة كده ؟! ليــه ؟! ”
تبخَّرت منه زمام الأمور و فشل في التحكم في أعصابه أكثر، فصاح بانفعالٍ هو الآخر:
” عشـان غبيــة.. خدتِ قرار زي ده لوحدك و من ورايا، رغم إننا متفقين نأجل الموضوع ده لحد ما نشوف الليلة ها ترسى بينا على إيه، و ده كان برضاكِ.. أنا مجبرتكيش على حاجة، لكن تيجي توقفي أم الحبوب من ورايا و تسيبي نفسك تحملي في ظروف زي دي.. تبقي غبية و مبتفهميش كمان.. خلتيني أندم إن وثقت فيكِ، كنت فاهم إنك أقوى من كده.. عاوزة تبقي أم، أنا معنديش مانع، بس مش في وقت زي ده يا غبية”
صمت يزفر بضيقٍ و يمسح على شعره من أسفل لأعلى ثُم العكس في حركة منزعجة يحاول تهدئة نفسه، و عاود عتابها على فعلتها، و بينما هو يتحدث تارةً بعصبية و تارة يتحكم في أعصابه، فَيَلين في الكلام واضعًا في عين الاعتبار أنه أيضًا يريد ذلك الطفل، و لكنه خائف بل مرتعب و كله قلق.. ظلت هي تعيد كلمة ” غبية” في رأسها مرارًا، رغم أنها تغيرت تمامًا لأجله و أصبحت أنثى في صفاتها و ملابسها و أسلوبها، و تجاهد أن تصبح أم صالحة، لكن لا زال جزء من صفات
« ذكر البط» بداخلها و لا يظهر إلا عندما يغضبها أحد، و لكن ليس أي شخص هذا الذي يدَّعي بأنها غبية !، هو زوجها بل و حبيب قلبها.. أقرب شخص إليها.. ماذا تفعل حياله ؟!
لا يجوز حتى أن ترفع صوتها عليه، و لا هو يحق له الصراخ عليها.. علاقة الزواج أسمى من ذلك.
إذًا ماذا تفعل و هي معتادة على تشويه أي شخص يسبب لها إهانة ؟!
قريبها ” آسر” منذ أربع سنوات عندما فكر بالتلاعب معها و خداعها بشأن معرفته لمكان والدها، و اكتشفت هي كذبته؛ قامت بضربه حتى كسرت أنفه !
هل تقوم بتشويه وجه زوجها الآن ؟!
هل تأتِ بالمطواة الخاصة بها و تقوم بغزِّه ؟!
لا بالطبع، لن تفعل ذلك.. هي تحبه و تعشقه، و لكن ليس معنى أنها تحبه أن تتركه يُسبب لها إهانة و يؤلمها بكلماته ؟!
لاحظ شرودها و قبل أن يتساءل هو بكلمة، قالت و عينيها ترمقه بوعيد:
” أنت بتقول لمين يا غبية ! ”
” بقولك أنتِ، هو في حد غيرك هنا ؟! ”
” و لما أَغُزَّك دلوقت ”
” تُغُزِّيني ! ”
هتف بها بدهشة، فتابعت و عينيها تتوعد له:
” و لما أَشَوِّه وشك الأمور ده، ها ترتاح ؟! ”
ضرب بيده على سور الشُرفة، و أردف بغيظٍ منها:
” هو ده كل اللي همك ! إني قولت لك يا غبية !
ما أنتِ فعلًا غبية إنك اتصرفتِ بالشكل ده من ورايا.. إيه اللي خلاكِ تاخدي الخطوة دي من غير ما تعرفيني ؟! أعمل إيه أنا دلوقتي ؟! ”
بدأت تشعر بالبرد الشديد، فهتفت بنفاذ صبرٍ منه:
” أعمل اللي تعمله، لكن أنسى أنزله عشان لو نطقت بالكلمة دي تاني، هنزل بمطوتي على وشك ”
ثُم تركته و دلفت للداخل متجهة لغرفتهما، و قبل أن تطأ قدميها عتبة الباب، أوقفها مُمسكًا بذراعها يجذبها بغيظٍ له، فارتطمت بصدره.. كاد أن يستكمل موجة انفعاله عليها، و لكن تلك الدموع التي تكأكأت بعينيها؛ منعته من نُطق حرفٍ واحد.. دفعته في صدره هاتفة:
” ابعد عني ”
رد بانفعالٍ مماثل:
” هو أنتِ كمان زعلانة ؟! يعني تعملي العملة و تتقمصي ! و أطلع أنا اللي كُخه ! اقعدي إما نتكلم ”
” مش هتكلم معاك طول ما أنت بتعلي صوتك عليا و تكلمني بالطريقة دي ”
قالتها بغضبٍ منه، و ابتعدت عنه أخيرًا لتدخل للغرفة، و قبل اغلاق بابها في وجهه.. قالت:
” و أنت بتتعامل معايا حُط دايمًا في اعتبارك، إن طريقتك في الكلام معايا أهم من الكلام اللي هتقوله ”
هتف بتزامن مع اغلاقها للباب:
” آسف ”
ظل لثوانٍ ينظر للباب الذي أُغلق للتو في وجهه بدهشة و حيرة في نفس الوقت، لا يدرِ كيف يخرج من المأزق الذي وضعته هي فيه.
لم يتخيل قط أن تضعف أمام غريزة الأمومة الفطرية فيها، و لكنه أيضًا لا يستطيع لومها..
كم يتمنى أن ينجب منها مجموعة أطفال و ليس طفلًا واحد، أراد فقط تخطي تلك العقبة، ثُم سيطلب منها هو ايقاف تلك الأدوية التي تمنع الحمل، فتعجلت هي الأمر و حملت في أوقاتٍ غير مُسالمة بالمرة.
« ماذا يفعل الآن ؟ ”
سؤال تغلغل في عقله فشعر بصداعٍ يحوم حول رأسه، وهو يجلس على الأريكة قبالة باب الغرفة ينظر له بشرودٍ في ذلك الأمر، ثُم وضع وجهه بين كفيه و احنى رأسه يقول بألمٍ و أمارات الحيرة تسكن بكل إنشٍ في وجهه:
” إيه اللي بيحصل ده بس.. استغفر الله يارب.. استغفر الله العظيم و أتوب إليه، يارب احفظها.. احفظها هي و اللي في بطنها، و ارشدني للصواب”
أما هي جلست بالداخل تبكي في صمتٍ و تلوم ذاتها أيضًا على عدم السيطرة و كبح مشاعر الأمومة بداخلها لحين الانتهاء من تطبيق اختراعه، تود أن تحظى بنعمة الأمومة و في ذات الوقت تخاف من اكتشاف حقيقة اختراع “قُصي” فيوضعهما ذلك موضع اللقمة السائغة بين فكيّ امريكا و صغارها المدللين من اليهود.
تعلم أنه يجلس بالخارج الآن، في شتاتٍ كبيرٍ لم يَمُرَّ به من قبل بسببها، تعلم بل و تتأكد حدَّ اليقين؛ أنه يُحبُّها حُبًّا جَمًّا، و لن يقوم بالتضيحة بتلك البذرة الصغيرة التي تنتظر ريَّ عشقهما لتنمو و تترعرع، هو فقط أُصيب بالصدمة فكانت ردة فعله قاسية.
الآن بات على عاتقه مسؤولياتٍ أكبر و تكبر عن ذي قبلٍ، لم يعد قُصي الطائش المتهور، عليه الآن التصرف بحكمة و عقلانية و نُضجٍ بشأنهما و بشأن هذا الحمل الدخيل، و يتصدى لكل العراقيل و الصعوبات التي ستتأهب كجيش العدو لمعرقلة حياتهما، فليضع الانفعال و التعصب على جانب و يتصرف كزوجٍ واعي و كأبٍ مُستقبليّ.
نهض ليطرق على الباب بخفةٍ هاتفًا:
” رحمة حبيبتي أنا آسف، افتحي و خلينا نتكلم سوا و نشوف حل للموضوع ده ”
تنهّدت هي باستسلامٍ، و مسحت دموعها ثُم نهضت لتفتح له، و بعدما فتحت و دلف يتأملها لأول مرة بمشاعر مختلفة بعد معرفته بالحمل.. قال وهو يضمها له و يُمسِّد على شعرها بحنّوٍ:
” أنا آسف إني اتكلمت بأسلوب مش كويس، و آسف على ردة فعلي، بس أنتِ حطيتيني في خانة اليك يا رحمة.. أنا اللي مكنش حد يعرف يلوي دراعي، دلوقتي و غصب عني حاسس إني محصور في زاوية و مش عارف أخرج منها ”
ابتعدت لتجلس على طرف الفراش، و مسحت دمعة هربت منها ثُم همست بندمٍ:
” لما وقفت الحبوب من وراك، وقتها مكنتش بفكر غير في إني أبقى أم، بس دلوقت لما قعدت مع نفسي حسيت إني غلطانة و مكنش ينفع أخد القرار ده دلوقتي خالص.. بدل ما كنا خايفين على نفسنا، دلوقت الخوف بقى مضاعف.. أنا حاسة بيك و عارفة قد إيه أنت تايه و مش عارف إيه الخطوة اللي تاخدها، بس بالله عليك لو أنا أغلى حاجة في حياتك فعلًا زي ما بتقول؛ شوف أي حل تاني غير إني أنزله.. قُصي أنا حاسة بشعور حلو أوي عمري ما حسيته لما عرفت إني حامل.. أنا هبقى أم إن شاء الله.. أنت متخيل !
منة البنت التعيسة ربنا كرمها و تزوجت اللي بتحبه و حامل في بيبي منه، و عايزني أنزله !
لأ يا قُصي، فكر في أي حل تاني غير الحل ده بالله عليك ”
أسند ظهره على الباب خلفه بعد سماعه لمكنون قلبها، و رفع رأسه ينظر للسقف بضياعٍ لأول مرة ينتاب فؤاده، يريد من صميم قلبه منحها الشعور بالأمان و الطمأنينة التي من المفترض أن تَحسَّ بهما معه، يتمنى لو يرجع به الزمن لما استمع لها و سافرا لبث اختراعه، و لكنها ليست الملامة وحدها.. هو أيضًا تمنى تطبيق ذلك الاختراع.
نزع نظارته و وضعها على الكومود بجانبه، ثُم مسح وجهه بكلتا يديه بتعبٍ بدأ و بدا يتضح عليه، ليجلس بجانبها و يطوق كتفيها بحنانٍ يضمها لصدره، و لثم قُبلةً على شعرها قاصدًا بها ذيع الطمأنينة بسائر جسدها، و ظل على وضعيته تلك بعد قُبلة شعرها يُسند ذقنه برِقَّةٍ عليه، و يبدأ عقله الداهية يعمل من جديد لوضع خطة تكون الملاذ لهما من براثن بلده الأم.
مالت برأسها على صدره حتى بدأت تتنفس بارتياحٍ، و تنهدت بهدوءٍ تتساءل:
” هتعمل إيه ؟ ”
« هتعمل إيه ؟!» هذا السؤال الذي خرج منها، لم يخرج من ” منة” القوية التي لا تهاب شيئًا، بل خرج من إمرأة تشعر بالضعف بين ذراعيّ زوجها، تشعر بحاجتها لملاذٍ آمنٍ تحتمي به.. هكذا هي المرأة، تريد بفطرتها التي فطرها الله عليها أن تشعر بأنها في كنف رجل قادر على حمايتها تحت أي ظرفٍ كان، حتى ولو كانت تمتلك مخزون هائل من الجاه و السُلطة، و لكن أمام الرجل الذي تُحبه تريد و أن تشعر بأنه سيد قلبها بحنانه و أمانه الذي يزرعهما فيها، و أنه مسؤول عنها و قادر على حمايتها.
تبسم ساخرًا رغمًا عنه لهذا السؤال، فهي ترمي بالكرة في ملعبه الآن بعدما كانت شريكة في تلك المباراة، أصبح هو المتحكم الرسمي بها.
شدَّدَ من احتوائه و ضمه لها، ثُم أردف:
” أكيد فيه حل، يقيني بالله يقيني إن مفيش أي مكروه ها يصيبك لا أنتِ و لا اللي في بطنك بإذن الله.. ”
رمقته بخوفٍ و تساءلت:
” ليه قولت أنا و البيبي و مجبتش سيرتك معانا ؟! ”
تأملها للحظاتٍ قبل أن يُصرَّح:
” عشان هسفرك على مصر إن شاء الله.. هناك هتكوني في أمان مع أهلي، إنما هنا أنا مش هقدر أحميكِ؛ لأني متراقب، و حتى مش عارف لسه هسفرك ازاي من غير ما يعرفوا، لو عرفوا إني عاوز أرجعك مصر هيفهموا إني ورا اللي حصل في تفكيك عناصر الاختراع، و هيعرفوا إني بهربك عشان خايف عليكِ منهم.. لو أنا ذكي و بقتل بدم بارد، فالناس دي مش أغبية ولو عاوزين يقتلوني دلوقت هيعملوها.. هما بس مستنيين مصلحتهم معايا تخلص و ساعتها هيطيروني لو مبقتش تحت طوعهم، و أنا مبقاش ينفع أعاند و أتمرد زي الأول؛ لأن بقى فيه اتنين مسؤولين مني دلوقت.. أنتِ و اللي لسه بيتكون جواكِ، كل حركة لازم أحسبها صح كويس أوي، مينفعش أتهور زي زمان.. أنا دراعي اتلوى بيكِ يا رحمة، بس الدراع التاني يقدر يكسر اللي يمس شعره منك.. متخافيش، ليها حل إن شاء الله ”
لم تستطِع منع نفسها من البكاء حينما ذكر لها أنها ستسافر وحدها، فقالت تترجاه وهي تعتدل في جلستها لتكون قبالته:
” لأ يا قُصي.. مش هروح مكان أنت مش معايا فيه، مش هرجع مصر و اسيبك هنا.. مستحيل اسيبك.. أنت اللي جيت داويت جروحي بعد زمن، عايزني أتخلى عنك بسهولة كده !
أنا عارفة إن البيبي بقى عائق قدامنا، بس مش لدرجة نبعد عن بعض ! إحنا قبل ما نسافر اتفقنا نكون مع بعض على المُرة قبل الحلوة، عاوز تسفرني لوحدي ليه ؟! ”
صمت للحظات يتأملها بحزنٍ، ليقول:
” رغم إنك أخدتِ قرار الحمل من ورايا و نقضتِ الاتفاق؛ بس أنا عاوز الطفل ده زيك بالضبط و عاوز الحمل يكمل، لكن خايف.. مرعوب مقدرش أحافظ عليه ولا عليكِ، عشان كده أول حاجة قولتها لك نزليه.. ولو كُنتِ وافقتِ أنا كنت هرجع في كلامي، قلبي مكنش هيطاوعني.. كلمة اتقالت وقت عصبية سامحيني عليها، بس أنا بجد لتاني مرة أحس بخوف العالم كله جوايا.. أول مرة لما كتبتِ لي ورقة الاعترافات و قررتِ تبعدي، ساعتها كنت حاسس و كأن روحي بتنسحب مني، و تاني مرة هي اللحظة اللي إحنا فيها دي يا رحمة.. مبسوط إنك حامل و في نفس الوقت شايف إن لا الوقت ولا المكان مناسبين للموضوع ده، لكن قدر الله و ما شاء فعل.. الحمدلله، ربك هيعدلها بإذن الله، أنا عندي حُسن ظن بالله ”
اشتد بكائها وهي تتجاهل كلامه و تلح عليه:
” مش عاوزة أسافر لوحدي.. عشان خاطري، عشان خاطري خليني معاك.. ”
” أنا كده هبقى ندل و بضحي بيكِ، أنتِ هتبقي في أمان وسط أهلي، هيقدروا يحافظوا عليكِ، أنا هنا مش هقدر ”
قال كلماته، و نهض مبتعدًا عنها قبل أن يبادلها البكاء على حظهما، فتشعر بضعفه و يشتد خوفها أكثر، وهو لا يريد سوى بث الأمان لديها الآن.
أعطاها ظهره ليخرج من الغرفة، و قبل أن يصبح خارجها، أسرعت باحتضانه من الخلف و همست بنبرة مرتعبة مرتعشة:
” أنت عندي أهم من البيبي، أيوه عايزاه بس أنا و اللي جوايا من غيرك ولا حاجة، شاركنا الرحلة و متبعدناش عنك ”
بادلها الهمس الخائف:
” لحد دلوقتي سفرك هو الحل ”
” لحد دلوقتي و من بعد دلوقتي أنا مش عاوزة غيرك.. ”
قالتها، و أدارته ليصبح في مُقابلها و يتجلى ضعفه أمامها، هذا الضعف الذي شهدته منذ أربع سنوات في اليوم الذي قررت فيه الابتعاد عنه، تراه ثانيةً في عينيه التي تحوي القوة و الثبات في آنٍ واحد، ضعفٌ أمام لمساتها و همساتها يجبره على التراجع عن قراره، و قوة قوية في عينيّ البحر الصافي خاصته، و لكنه بحرٌ مليء بالأسرار الغامضة و المحيِّرة.. فضَّلت البقاء معه بين ذراعيه و مصارعة ظلمة و وحشة الأيام، على النجاة بنفسها و نُطفتها لبر الأمان بدونه.
العشق وحده هو المتحكم في هذا الموقف، يفضلا الموت في ترابط معًا على أن ينجو واحد منهما.
همس يترجاها و عينيه تتأرجح على حواس وجهها:
” رحمة لو سمحتِ، لو سمحتِ.. متخلنيش أضعف قدامك، أنا هكلم خالو و كريم و أخلي المخابرات المصرية بنفسها تتكفل برجوعك سليمة مصر بإذن الله.. الأمر منهي و مفيش جدال فيه. ”
حاول الخروج، فأعاقت طريقه بوقوفها أمام الباب، ثُم أغلقته و استندت عليه واضعة يديها خلف ظهرها، لتبدأ في استعطافه بطريقة أخرى لطالما نجحت في الاستحواذ عليه؛ ألا وهي التغني و التغنج و الغناء بما يحب سماعه بصوتها، صوتها وهي تغني له بات إدمانًا بالنسبةً له، و لا يقدر على رفض طلبٍ لها حينما تُغني أمامه، بل و يعلن خضوعه و استسلامه الكامل لها بمحض إرادته.
” خليني جنبك خليني في حضن قلبك خليني
وسيبني احلم سيبني وسيبني احلم سيبني ”
تغنَّت بها في موقفٍ لا يُسمح فيه بالغناء أو أي شيء آخر غير الاستعداد و التأهب للقادم، أما هو بدأ يلين أمامها وهي تتقدم بخطواتٍ واثقةٍ في مُيُوعَةٍ و رخاوةٍ جعلته يود الفرار من أمامها؛ لئلا يسقط قراره و يضطر لبقائها معه في أرضٍ يملؤها القلق و المخاطر.
تابعت وهي تعيق كل محاولاته للخروج:
” و سيبني أحلم سيبني.. سيبني أحلم سيبني ”
” جاية تحلمي و إحنا في الظروف دي يا رحمة ! ”
قالها وهو يفتح الباب، فوضعت يدها على المقبض سريعًا، و اختطفت المفتاح بغتةً ثُم ألقت به فوق خزانة الملابس، و استرسلت تغنُّجها:
” يا حبيب امبارح وحبيب دلوقتي
يا حبيبي لبكرة و لآخر وقتي
احكي لي قول لي
إيه من الأماني ناقصني تاني وأنا بين ايديك ”
قاطع صوتها الرنَّان، وهو يجذبها له بنبرة تهديد مملوءة بالدعابة:
” ناقصك ترجعي مصر و تتلمي، صدقيني مش هرجع في كلامي ”
” طب و كده ! ”
هتفت بها، و هي تقف على أطراف أصابعها لتستطيع إحاطة رقبته، ثم تعالت بصوتها و غنائها، بينما هو بدأ برفع الراية البيضاء أمامها:
” عمري ما دُقت حنان في حياتي زي حنانك
ولا حبيت يا حبيبي حياتي إلا عشانك
وقابلت امالي وقابلت الدنيا وقابلت الحُب
أول ما قابلتك و اديتك قلبي يا حياة القلب ”
تمتم بقلة حيلة وهو يبتسم بِتَهكُّمٍ من نفسه:
” مجرمة ”
” و بعلن سطو مسلح عليك لو بعدتني عنك ”
همست بها بثقة عمياء تنبع من عينيها لعينيه، فقال بصدقٍ:
” بس أنا ببعدك عشان خايف عليكِ، و أنتِ لازم تستوعبِ كده.. رغم إنه غصب عني والله و عُمري ما كُنت أفكر تبعدي عني أصلًا، بس الظروف أقوى مننا ”
” بس مش أقوى من عشقنا يا قُصي، أنت نسيت إحنا مين ولا إيه ! نسيت مهمة جبل الموت ؟!
قُصي.. إحنا أقوى منهم و نقدر عليهم والله، مش أنت اللي تجيب ورا و تستسلم.. أنت باختراعك ده خليت أمريكا و إسرائيل زي البلياردو قدامك، مش بعد ما حطيت رجلك على أول الطريق، تكش و تخاف ! ”
قالت كلامها، ثُم حررت يديها من حول رقبته لتحتوي وجهه قائلة بتشجيعٍ و دعمٍ له:
” أنت قُصي، أذكى من أمريكا نفسها.. زي ما اخترعت الاختراع العبقري ده، تقدر تلاقي حل لنا و تلاعبهم على الشناكل كمان، فوق لنفسك و أعرف قيمتك كويس، مش كل اللي لبس نضارة طبية و بالطو طبي يبقى ملوش في الشمال !
أنت بتعرف امتى تبقى شمال زيهم و بتعرف امتى تبقى كويس، و المعاملة بالمثل.. وريهم أنت مين.. ما عاش ولا كان اللي يهددك و يخليك خايف، و إذا كان عليا.. انسى موضوع إني حامل خالص و تعالى نوري شوية الحثالة دول إحنا مين، تعالى نجدد مهمة جبل الموت و نحط لهم خطة تلففهم حوالين نفسهم.. قولت إيه ؟ ”
تنهّد بضيقٍ و رفضٍ قبع في عينيه، رغم إدراكه لقوتها إذا وُضعت في مهمةٍ صعبة، و لكن الآن الأمر مختلف.. هي زوجته و تحمل نطفة منه، لا يمكنه إشراكها في أمرٍ كهذا، يُحال عليه موافقته على ما تقوله.. قال وهو ينزل يديها من على وجهه برفقٍ:
” انسي اللي في دماغك ده نهائي.. أنتِ مبقتيش زي الأول، أنتِ حامل يا رحمة.. اللي في بطنك ده مسؤول مننا، مينفعش أدخلك في مواضيع زي دي، مبقاش ينفع تدخلي عمليات خطرة زي جبل الموت خلاص.. إنما لو عليا.. أنتِ عندك حق فعلًا، مش أنا اللي أخاف من دول، أنا هقف لهم بالمرصاد و أوريهم مين هو قُصي الخياط ”
ابتسمت بانتصارٍ و أعادت إحاطة رقبته:
” يعني ها تخليني جنبك ؟ ”
رد مُصطنعًا الضعف أمامها:
” أنا اللي مكنش يقدر عليا واحد بس من خلق الله، تيجي أنتِ يا مفعوصة يا شبر و نص و تجيبيني على ملا وشي ! ”
اتسعت ابتسامتها المنتصرة قائلة:
” قدرك و نصيبك بقى.. إذا كان عاجبك ”
” عاجبني و نص و نصين كمان، يا سلام ! هو أنا كنت أطول ! أحلى قدر و نصيب في الدنيا ”
رد بها وهو يأخذها ليجلسا على الفراش، ثُم أردف بعدما تأملها لثوانٍ بتفكير:
” ركزي معايا بقى عشان نلعبها صح ”
_________________.
“سينسيك العوض ما مررت به من يأس وحزن.”
~~~~~~~~~~.
تعتبر النوبة من أجمل المقاصد السياحية في مصر خاصةً في فصل الشتاء، فتمتد النوبة على طول نهر النيل، بين الحدود المصرية والسودانية بشكلٍ ساحر يُذهب عقلك في عالمٍ رائع يبهر حواسك بالأخص عينيك الجميلة، مثلما أبهرت عينيّ
” نورا ” الاستثنائية و المميزة، فقد اصطحبها زوجها ” أُبَيِّ” في رحلة للنوبة لقضاء أسبوع ممتع بها؛ لكي ينسيها مرارة الألم كلما قامت بفحص اختبار الحمل كل شهر و تجد النتيجة سلبية.. طبيعي أن تشعر بالحزن الشديد عندما تجلس وسط فتيات العائلة و تجد نفسها بدون أطفال بينهن، و لكن ليس معنى ذلك أنها تجزع من قدرها !، لا.. هي راضية كل الرضا فكل ما يأتِ من عند الله؛ هو خير.
طوال تلك السنوات الماضية لم يكف ” أُبَيِّ ” عن تدليلها بمختلف الطرق، هو أكثر شخص داعم لها و يغنيها بكلامه الدافئ عن كل ما حولها.
كانا يتجولان في قرية الفيلة الجميلة، و هما في تشابك لكفيهما و قلبيهما، ينظر لها بابتسامة حنونة بين الحين و الآخر و يقول:
” نفسك في إيه تاني يا نورا ؟ ”
التفتت له لتقول هاتفة بلهفة:
” بما إننا في الشتا، فأنا نفسي أوي آكل أيس كريم تحت المطر، عارفة إنها حاجة مجنونة شوية، بس بصراحة نفسي أجربها أوي ”
اتسعت ابتسامته و أومأ بطاعة يسبقها الحُب لها:
” ده أنا عنيا ليكِ يا نورا، يا أجمل عيون شافتها عنيا، أتمني و أنا أحقق بعون الله ”
أعادت التأمل بإعجابٍ كبير للتصاميم الرائعة و المناظر الجذابة بالمنازل التقليدية في القرية، ثُم وقفت لتلتقط بعض الصور للبيوت الجميلة، فجاء من خلفها و أخذ الهاتف بلُطفٍ منه قائلًا:
” عشان جمالها يظهر في الصورة، لازم أنتِ تكوني فيها.. ”
قالت ضاحكة بسعادة:
” ها تصورني معاها ! ”
” أنا عارف إنك مبتحبيش تتصوري، بس الصورة مش هيبقى لها معنى و أنتِ مش فيها ”
” بجد يا أُبَيِّ ! ”
برغم أنه أعاد لها ثقتها بنفسها منذ أن خطبها و ازدادت أكثر مع الزواج، وهو أيضًا عادت له ثقته بنفسه بسبب حُبها الحقيقي له، لكنها مثل الأطفال تمامًا عندما يطرب أذنيها بكلامه المعسول الذي يتضح عشقه لها فيه، تصبح كما طائر النورس يحلق بأريحية في الأفق دون عائق يعيق حريته، و كل النساء أطفال مع أزواجهن، و العكس صحيح.
رد مؤكدًا على قوله:
” بجد يا نور حياة أُبَيِّ ”
اتجهت بالقرب من البيت تقف مبتسمة ليلتقط لها عدة صور أجمل من بعضهم، و مع كل صورة يلتقطها لها يهتف بصدقٍ:
” أنتِ ازاي جميلة بالشكل ده ! ”
” عيونك الحلوين يا بيبو ”
هتفت بها وهي تجلس بجانب إحدى الأشجار في وضعية أخرى ليلتقط لها الصورة مُردفًا:
” إيه الجمال ده بس ! ما شاء الله، ده أنا عنيا مشافتش جمال في حياتي قبل وجودك فيها، لما جيتي أنتِ؛ عرفت يعني إيه الحياة تكون حلوة ”
عقب قوله بالاتجاه نحوها ليضمها إليه و يلتقط صورة بعدسة الكاميرا الأمامية، ثُم همس لها مُداعبًا:
” اضحكي عشان ضحكتك بتهوِّن عليا الحياة ”
بعد لحظات، بدأت السماء الملبدة بالغيوم بإخلاء سبيل المطر، فهطل خفيفًا يداعب خديها ثُم خديِّه عندما ابتعد عن الشجرة، ففردت ذراعيها و رفعت وجهها تاركة وجنتيها للمطر يداعبهما أكثر، بينما هو ظل يتابعها بسعادةٍ مماثلة لسعادتها، و تحركت شفتيه يدعو في همسٍ بدعاء يدعو به في كل وقت وليس في الشتاء فقط:
” ربِّ لا تذرني فردًا و أنت خير الوارثين، يارب قُرَّ أعيننا بطفلٍ سليم معافي و حمل سليم معافي لزوجتي و أبدل حزنها سعادةً و ألمها فرحةً، يارب احفظ عائلتي و أخوتي، يارب احفظ قُصي أخويا و زوجته و ابعد عنهم كل سوء، يارب من أراد بهم كيدًا رد كيده في نحره ”
بدأ المطر يتكاثف، فتحرك نحوها و جذبها برفقٍ ليضع معطفه عليها بحنانٍ وهو يقول:
” بعد كده لو خففتِ لبسك هزعلك، أنتِ طول الشتا عندك برد يا حبيبتي، لازم نهتم بصحتنا شوية و ناخد بالنا من نفسنا، عشان إما ربنا يكرمك و تحملي؛ متتعبيش و تقدري تتحملي وجع الحمل ”
تلاشت ابتسامتها و تساءلت:
” بس إحنا كملنا أربع سنين و مفيش حمل و الدكاترة قالوا إننا كويسين، ليه الحمل تأخر بقى ؟ تفتكر أنا هحمل و أبقى أم ؟! ”
سؤالها هذا لا يدل على جهلها، هو يعلم أنها فقط تريد التعبير عن حزنها و تريد سماع الحديث الذي يُذهب القلق عنها، و هو الوحيد الذي يريح قلبها بتفهمه لها، و حديثه السلس اللين الخالٍ من النصح و المليء بالعناق في الأحرف المداعبة لقلبها، هي لا تريد النصح.. تريد الفضفضة و تجد من ينصت لها باهتمامٍ فقط، وهو دائمًا ينجح في ذلك.. أغلق لها سحاب المعطف، ثُم أخذها من يدها برفقٍ تجاه سيارته، و أردف:
” ها تحملي إن شاء الله و تبقي أحسن أم يا نورا، و مش معنى يا روحي إننا تأخرنا في الخلفة يبقى ربنا مش ها يرزقنا ! لا يا حبيبة قلبي.. ربك اسمه الرازق اللي بيعوض بعد صبر بعوض ينسيكِ أي حُزن عشتيه.. ربنا رحيم و جميل أوي يا نورا و عوض الله يستحق الانتظار.. عوض الله جميل يا نورا، و الله بكل جميل كفيل.. هو سبحانه أعلم بالخير و الأحسن لينا يا حبيبتي، تفائلي خير يا عيون أُبَيِّ و اضحكي قولتلك عشان برتاح لما بشوف ضحكتك.. يلا وريني ضحكتك الجميلة ”
قال جملته الأخيرة وهو يضغط على ذقنها برِقَّةٍ جعلتها تبتسم بحُبٍ له، ثُم فتح لها باب السيارة لتركب قائلة:
” أنت كُنت عوضي الأول من ربنا يا أُبَيِّ، الحمدلله عليك يا حبيبي ”
تبسم لها وهو يتجه ليجلس بمقعد القيادة، ثُم أخذ يدها ليطبع قُبلة حنونة عليه تبعها بقوله:
” عايز أقولك حاجة بس اوعديني متزعليش ”
أومأت باستفسار:
” اوعدك.. في إيه ؟! ”
قال وهو يأخذ يدها التي قبَّلها و يضعها على قلبه:
” لو ربنا ما رزقناش بالخلفة، فأنا مش هزعل؛ لأني رزقي الحلو كله خدته يوم ما تزوجتك، أنتِ كل حاجة حلوة بالنسبة لي يا نورا، كل حاجة حلوة في حياتي تلخصت في جمال عيونك، عيونك اللي سحرتني و خطفت قلبي، قلبي اللي ملوش سيرة غيرك أنتِ، أنتِ النعمة اللي بدعي ربنا تفضل دايمة، دايمة لآخر نفس فيا ”
أدمعت عيناها بسعادة لشدة حُبه لها، فتابع وهو يضغط بيدها على قلبه بلينٍ:
” طول ما القلب ده شغال، هيفضل يجدد عشقه ليكِ، أقسم برب العزة إنك عندي أهم من الخلفة و من أي حاجة في الدنيا، و مع ذلك بدعي ربنا دايمًا يرزقني منك بحتة عيل ياخد لون عيونك المميزين، عشان وقتها هعلن رسمي إني اكتر شخص محظوظ في العالم ”
لم تستطع منع نفسها من البكاء، فبكت في صمتٍ بكاءٍ سعيدٍ بكلماته التي تنجح كل مرة في طمأنة قلبها المسكين، فاقتربت منه و عانقته هامسةً:
” و أنت كمان والله أجمل رزق في حياتي ”
ربَّت على ظهرها بحنوٍ وهي بين ذراعيه، حتى هدأ بكائها و قال:
” بلاش عياط بقى، عيونك خُلقت للتأمل فيها و ذِكر سبحان الله فيما أبدع كل ثانية، مش عاوز أشوف دموع في عيونك.. ماشي ؟ ”
أومأت باسمةٍ و قبل أن تمسح دموعها، مسحها هو لها مردفًا:
” الشتا بدأ يخف، يلا نلحق نجيب أيس كريم و ننزل ناكله و إحنا بنتمشى جنب النيل ”
هتفت بتوسل أضحكه:
” بس أهم حاجة يكون بالقرفة، لو ملقتش هات بالكراميل، بس يارب تلاقي بالقرفة يارب.. أنا بحبه أوي ”
” و أنا بحبك أوي ”
قالها و قاد سيارته باحثًا عن متجر لبيع المثلجات، و عندما وجده، أسرع بشراءها قبل انتهاء المطر، و وجد النوع المفضل لديها، فهبطت هي من السيارة و أخذت العلبة خاصتها شاكرة إياه، ثُم توجها بجانب النيل يأكلان المثلجات في جوٍ من المزاح المحفوف بالحُب بينهما، حتى شعرت بألمٍ أسفل بطنها؛ فظنت أن ذلك الألم عائد لفترة الحيض.. جلست بتعب مفاجئ اتضح عليها وهي تضع يدها على بطنها قائلة:
” أُبَيِّ يلا نروح ”
ظن أن الألم عائد لوعكة صحية، فهي دائمًا مطاردة من قبل نزلات البرد في الشتاء، فتساءل بقلقٍ وهو يتفحصها بعينيه:
” ممكن عشان الجو برد و كلتي أيس كريم و أنتِ أصلًا مكلتيش طول اليوم كويس؟! ”
هزت رأسها بنفيٍ و نهضت عائدة للسيارة:
” لأ، بس الوجع ده بقاله أسبوع يروح و يجي.. محتاجة أدخل التواليت.. بس ممكن نعدي على صيدلية الأول ؟ ”
أومأ بتفهم و سبقها يفتح لها باب السيارة، ثُم انطلق يبحث عن صيدلية قريبة منهما، فهذا هو اليوم الثاني لهما في النوبة و لم يستكشفا القرية جيدًا.. وجد صيدلية على مقربة منه، فتساءل:
” عاوزة مُسكن مع الحاجة ؟ ”
هزت رأسها بنفيٍ، فترجل هو من السيارة و أخذت هي تحسب لأمرٍ ما في رأسها، و بعد دقائق اتسعت عيناها هاتفة لنفسها:
” عدا أسبوعين و تلات أيام ! أيوه المفروض كده يكون عدا سبعة عشر يوم عليها ! ازاي مجتش !

أخرجت هاتفها تحادث والدتها، و في نصف المكالمة هتفت بدهشة غير مستوعبه:
” بجد ممكن أطلع حامل ! طيب طيب اقفلي يا ماما، هقوله يجيب اختبار حمل بالمرة.. ادعي لي تصيب المرة دي بالله عليكِ يا ماما ”
” بدعيلك والله يا بنتي في كل سجدة ”
أنهت المكالمة معها وهي تُقبِّل الهاتف بتفاؤل اتضح في نبرات صوتها:
” أحلى ماما في الدنيا، يلا مع السلامة يا حبيبتي ”
جاء أُبَيِّ بالأغراض و قبل أن ينطق بكلمة، هتفت هي:
” أُبَيِّ روح هات اختبار حمل ”
توقف يتأملها للحظات، فهي كل مرة تجعله يحضر لها الاختبار على أمل أن تكون النتيجة إيجابية، و لكن تلك المرة الأمر مختلف، لقد مر أسبوعين على فترة الحيض خاصتها ولم تأتِ !
انصاع لها باسمًا دون مللٍ منها حتى لو كانت النتيجة سلبية ككل مرة، و اتجه يبتاع اختبار للحمل، ثم عاد و أعطاه لها قائلًا:
” اتفضلي يا حبيبتي، إن شاء الله النتيجة إيجابية المرة دي ”
أخذته منه وهي تتنهد بتوتر مردفة:
” يارب يا أُبَيِّ يارب ”
اتجه بالسيارة نحو السكن الذي قام باستئجاره لتمضية وقتهما، و عندما دلفت للداخل.. بدلت ملابسها ثُم اتجهت للحمَّام لتقوم بإجراء الفحص، أما هو ظل ينتظرها بالخارج في قلقٍ حاول إخفائه؛ لئلا يصيبها بزيادةٍ في التوتر هما في غنى عنه.. فتحت الباب ببطء لتخرج وهي تقبض على الاختبار بقوة في يدها و جسدها يهتز بفعل الصدمة و البكاء الشديد، عندما رآها تبكي هكذا؛ ظن أن النتيجة سلبية، فضمها لصدره و أخذ يُقبِّل جبينها هامسًا:
” ولا يهمك ولا تزعلي نفسك، والله العظيم ربنا بيختار لينا الأحسن دايمًا، الحمدلله ياحبيبتي.. خيرها في غيرها والله، متزعليش نفسك، ربنا ها يرزقنا في الوقت المناسب إن شاء الله، يا حبيبة قلبي كفاية عياط ”
رفعت وجهها و تأملته لثوانٍ بسعادة طاغية بدأت ترتسم على مُحياها، ثُم أظهرت الاختبار أمام عينيه هامسة:
” بس أنا حامل.. أنا حامل يا أُبَيِّ، الشرطتين ظهروا، الاختبار إيجابي.. أنا حامل ”
توقف به الزمن للحظات يستوعب ببطء ما هتفت به، فأخذ منها الاختبار و ظل يتفحصه بدموعٍ تجلت كغمامة تخفي زُرقة عينيه، برغم أنه كان الداعم الرئيسي لها و يملي عليها دائمًا أنه لا يريد شيء من الدنيا غيرها، و لكن شعوره وهو يعلم أن زوجته حامل و ستنجب له بأمر الله طفلًا و يصبح أب؛ هو أجمل شعور داهم قلبه.
” حامل ! ”
هتف بها بابتسامة واسعة، ثُم جذبها ليدخلها بين ذراعيه يضمها له بكل حنانٍ و رفقٍ، وهو يردد:
” الحمدلله الحمدلله الحمدلله، ربنا جميل أوي يا نورا ”
ابتعدت بعد دقائق ثمينة عزيزة على قلبها، و أردفت بقلقٍ داهمها ثانيةً:
” بس أنا عاوزة أتأكد اكتر، تعالى نشوف أي معمل تحاليل هنا أعمل اختبار الدم، اختبار الدم بيدي نتيجة أكيدة ”
تنهّد بتفهم و ارتياح لها، و أعاد احتوائها بين ذراعيه يقول:
” و اختبار الدم برضو ها يؤكد النتيجة إن شاء الله، خلاص بقى بلاش توتر وخوف وقلق على الفاضي، أنتِ حامل يا روحي و بإذن الله الحمل يتم على خير و تجيبي لنا نونو زي القمر شبهك ”
ردت باصرارٍ:
” بس برضو لازم أعمل اختبار الدم ”
رضخ بارادته لطلبها، لقد أراد بث الطمأنينة بها بكل الوسائل، فأخذها لخارج القرية لأقرب معمل تحاليل استغرق منهما مدة للوصول إليه، و عند أخذ عينة الدم من نورا عن طريق أحدث الأجهزة في عام « 2029»، قام الطبيب بوضع العينة في جهاز أخرج له النتيجة في غضون ثلاث دقائق، لتظهر النتيجة إيجابية أمامهم.
عادت تبكي ثانيةً أمام الطبيب و زوجها قائلة:
” أنا حامل بجد ! الحمدلله يارب الحمدلله ”
ابتسم الطبيب يبارك لهما، بينما أُبَيِّ همس لها وهو يمسح دموعها أمام الطبيب و المساعدة خاصته، لا يخجل من اظهار حُبه و مشاعره أمام أحد:
” مُبارك علينا يا نور عيني.. جالك كلامي، ربنا ما بيسيبش قلب حزين إلا و عوضه خير و جبر بخاطره ”
_______________.
يُحاوطني الأمان
‏و الاطمئنان
‏حينمّا نصبح معًا
‏وهذا أثمن ما حصلت عليه إلى الآن. لقائلها.
~~~~~~~~~~.
تجلس ” شهد” في مكتبها بشقتها الذي خصصه لها زوجها ” زين ” لمتابعة دراستها و مذاكرتها في بيئة هادئة بعيدًا عما يصنعه ابنهما ” عُبيدة ” صاحب العامين و النصف، فهذا الطفل كمعظم الأطفال يجد متعة رهيبة في اللعب التخيلي و الحديث مع ألعابه خاصةً لعبة سوبر مان التي يأخذها و يضعها بين فكيِّه الصغيران و يظل يهتف:
” أوبيدة سسه مان، سسه مان لأ ”
يقصد هذا المشاكس الجميل، أنه سوبر مان الأصلي، و سوبر مان لا وجود له بجانبه، و يشجعه والده ” زين ” على ذلك، فعندما أوحى
” عبيدة ” بأنه يريد الطيران مثل سوبر مان، أحضر له والده ملابس سوبر مان و ألبسها له، ثُم أخذه هو بتقليد ابنه في حركاته، فيتخيل عبيدة أنه ينقذ الناس كما أخبره والده أن سوبر مان ينقذ الناس، فيبدأ بانقاذ بقية ألعابه و والده يساعده في ذلك و يثني عليه بين الحين و الآخر:
” عبيدة البطل، عبيدة شجاع و بيساعد الناس، شطور يا بودي، عبيدة سوبر مان ”
فضَّل والديه تجنب ابنهما لمشاهدة التلفاز في هذا السن، أو إعطائه الهاتف للهو به.. التلفاز و الهاتف من أشد المخاطر على الأطفال في أعوامهم الأولى، قام زين بتبديله بقراءة القصص المصورة المفيدة لابنه، خاصةً قصص الأنبياء و الصالحين، و تقوم والدته شهد عندما تتفرغ من دراستها، بمشاركته اللعب بالمكعبات و البازل، و الصلصال الذي ينمي و يقوي أصابع اليد عند الأطفال.
استكمل والده مشاركته لعبه التخيلي، فنهض عبيدة يطير مثل طائرته هاتفًا لوالده:
” ييا بابا، اتب ويايا الطيايه ”
عذرًا لتشويه اللغة، سامحك الله عبيدة !.
أخذ زين يتصنع التحليق خلفه، وهو يضحك و يصدر أصواتًا تشبه صوت الطائرة مثل ابنه.
يعتقد علماء النفس المختصين أن «اللعب التخيُلي» هو عنصر أساسي ومهم في تطور نمو الأطفال، كما يؤكدون من ناحية ثانية أنه من خلال اللعب التخيُلي يتمكن الأطفال من ممارسة وتعزيز مهاراتهم في التواصل الاجتماعي وتحسين تفاعلهم مع الآخرين، و يؤكد ما جاء في كتاب جونسو كوبا على ذلك من خلال دراسة مستفيضة بهذا الموضوع تمكن الباحثون من استنتاج أن اللعب التخيُلي قادر على التنبؤ بمهارات الأطفال على استيعاب وحل المشاكل ومقدار العاطفة لديهم، إضافة على ذلك ومن خلال دراسة أخرى قائمة على الملاحظة تم التوصل إلى أن مشاركة الأطفال في اللعب التخيُلي مع الأطفال الأكبر منهم سنًا و الآباء يقودهم إلى مستوى أعلى من القدرات الإدراكية و الأجتماعية واللغوية، الأمر الذي سينعكس إيجابيًا على تطورهم، ومن خلال دراسة تجريبية، توصل الباحثون إلى أن اللعب التخيُلي يعزز القدرة على السرد القصصي و ترابطه مع الإبداع بمختلف الاشكال، لذلك توصي الأبحاث البالغين بتشجيع الأطفال على معرفة اللعب التخيُلي والمشاركة في نشاطاته بسبب ارتباطه بالمهارات القيمة.
أنهت شهد مذاكرتها و خرجت تشاركهما اللعب، فتبسم لها زين و اقترب منها باشتياقٍ يقول:
” مذاكرة الكلية حرمتني منك اكتر من الثانوية العامة.. ”
تبسمت بتعب بدا عليها وهي تدلك جبينها قائلة:
” عيني بدأت توجعني من كتر المذاكرة بجد، و بقيت بصدع كتير.. شكلي هلبس نضاره زي قُصي قريب ولا إيه ”
أجلسها برفقٍ و قال:
” طيب ارتاحي بقى و هعملك كوباية ينسون تنسيكِ اللي ذاكرتيه و تريح أعصابك ”
” تنسيني اللي ذاكرته ! حرام عليك، باقي على الامتحان كام يوم و رابعة طب ساوت بوشي الاسفلت ”
قالتها بوهنٍ، فضحك مردفًا:
” بهزر معاكِ يا دكتورة، ما أنتِ بترتبي على الدفعة بقالك تلات سنين، عاوزة إيه تاني ”
هبَّت واقفة تهتف بدهشة:
” زين ! قول ما شاء الله ”
عاد يقترب منها وهو يردف غامزًا:
” هو أنا هحسد برضو القطة الشيرازي بتاعتي !، بس أنا بني آدم والله، و الطب ده جاب أجلي قبلك ”
عقدت ذراعيها على صدرها ترمقه بشكٍ:
” يعني إيه ؟! ”
” يعني عاوزين نخاوي الواد الغلبان ده بقى، بدل ما هو طول النهار يلعب سسه مان لوحده، و أنا من كتر ما بلعب معاه، حاسس إن لو حد كلمني في الشغل هقوله سسه مان ! ”
قالها وهو يحيط خصرها النحيف من كثرة الدراسة، بينما هي تركت له نفسها و أخذت تضحك على قوله، فتابع هو:
” قولتي إيه ؟ نخاويه ! ”
” إيه نخاويه دي ! نجيب له بسم الله عفريت يعني ! وبعدين شوفت مرات كريم حصل معاها إيه، خلفت التلات عيال ورا بعض و تعبت، و إحنا ابننا لسه صغير، محتاج رعاية و تربية لحد إما يصلب طوله كده و أنا أكون تخرجت إن شاء الله، و نبقى نخاويه زي ما بتقول ”
قالتها وهي تداعب لحيته تارة و شعره الكثيف تارة، ثم تابعت ضاحكة:
” لسه شايفة صورة بالصدفة للمثل إياه على الفيس لما كبر، حسيته أخوك الكبير، بغض النظر عن أنك أحلى منه أصلًا و أجمل راجل في عيني، بس بجد حتى وهو كبير و بعد ما شكله اتغير، لسه حساه كأنه من بقية عيلتك ”
تلاشت ابتسامته و ظهرت الغيرة عليه وهو يترك خصرها قائلًا:
” تاني يا شهد ! مش قولت لك الموضوع ده بيضايقني ! ”
بعد زواجهما بشهر، ذكرت له شهد هذا الأمر بعفوية لم تقصدها، فظل غاضبًا منها طوال اليوم و يتجنب الحديث معها لذكرها بأنه يشبه ذاك الممثل، لقد ظن أنها قبلت بالزواج منه لأنه يشبهه فقط !، و لكن مع مرور الأيام تأكد من حقيقة مشاعرها و أنها تحبه حقًا، فلم تعد هي تذكر ذلك الأمر أمامه عندما علمت بغيرته الشديدة من أمرٍ تافه كهذا في نظرها، و بين الحين و الآخر تقع بلسانها بتلقائية أمامه و تخبره بأن ذاك الممثل لو وقف بجانبه، لن تستطيع التفرقة بينهما، وهذا ما يؤلم قلبه حقًا.
اعتذرت سريعًا وهي تستعطفه بعينيها الزرقاء الجميلة و التي ورثها عنها عبيدة:
” نسيت والله أنا آسفة، خلاص يا زنزون حقك عليا، أنا آسفة ”
رمقها بغيظٍ ثم أدار وجهه، يبدو أنها مصرة على استفزازه اليوم، فتدليلها له بـ « زنزون» لا يعجبه أيضًا.
اقتربت منه و لفَّت وجهه لها ثم أخذت بمداعبة لحيته هامسة:
” طب يا زيني.. أنا آسفة ”
تنهّد باسمًا و تناسى غضبه منها قائلًا وهو يعيد إحاطة خصرها:
” لأ طالما فيها زيني فأنا اللي آسف ”
تدخل الصغير عبيدة وهو يتسلل بينهما ليعيق تلك المساحة التي محاها والده بالاقتراب من أمه، ثُم هتف بمرحٍ:
” بابا آفس، بابا سسه مان ”
تعالت ضحكة شهد وهي تنحني وتحمل صغيرها تُقبِّله مرارًا:
” اللغة تبكي في الزاوية، أطفال بقى ما إحنا كنا أطفال ”
أخذ زين ابنه منها و بدأ يرفعه للأعلى و يلتقطه في يده، و الصغير تتعالى ضحكاته بمرح، بينما زين يهتف ضاحكًا:
” بابا سسه مان و تات مان و برطمان ”
تساءلت شهد باستغراب ضاحكة عليهما:
” إيه برطمان ده !”
” ابنك و أنتِ في الجامعة روحت اخده من عند جده، لقيته ماسك سبايدر مان و يقولي بيطمان، فمبقاش اسمه سبايدر مان، بقى برطمان ”
قالها وهو يضم ابنه له بحنانٍ و يلثم القبلات الدافئة على خده وشعره و جبهته، ثم يقوم بدغدغته بلُطفٍ من قدميه الصغيرتين، و عبيدة يرسل الضحكات السكرية ضحكة تليها الأخرى، و تركه في النهاية يعود لألعابه، و جلس هو بجانب شهد يحاول الاقتراب منها، فقطع عبيدة المسافة ثانيةً هاتفًا:
” بابا بيطمان ”
تمتم زين يكتم ضحكته بنفاذ صبر:
” أنت عندك حق فعلًا يابني، بابا برطمان و برطمان مخلل من الكبير كمان، ربنا يهديك و تنام بدري عشان أقعد اذاكر لأمك ”
و التفت لشهد ليجدها تغلق جفونها بتعب و بنعاس اتضح على عينيها، فهمس زين بحسرة لنفسه:
” جات الحزينة تفرح ملقتلهاش مطرح ”
.. أما في منزل والد شهد ” مجاهد”، تجلس أختها الصغيرة ” ملك ” في غرفتها تتأمل صورة إبراهيم بدموعٍ لم تجف إلا قليلا منذ عودته لتركيا..
” ملك ” في التاسعة عشر من عمرها، لكن العمر ليس مقياس لشفاء العلل، و في الحقيقة التوحُّد ليس مرضًا، فعند تشخيص الطفل بالتوحد فهذا يعني أن عقله يعمل بطريقة مختلفة عن الآخرين بحيث يؤثر على كيفية التفاعل مع الآخرين والتواصل الاجتماعي والسلوك، كما أن يكون له نقاط قوة وصعوبات مختلفة، وغالبًا لا يوجد في المظهر ما يميزهم عن الآخرين.
و لنتعرف على شخصية « ملك الجميلة» أكثر، فعلينا معرفة ما هو التوحد ؟
التوحد، ويسمى أيضًا اضطراب طيف التوحد (ASD)، وهو اضطراب عصبي نمطي شائع (نفس الفئة المصابة باضطراب فرط الحركة كالمصاب به الصغير « كِنان»، ونقص الانتباه، وصعوبات التعلم، وغير ذلك من الاضطرابات التطورية). ويعني مصطلح «اضطراب النمو العصبي» أن هذه الحالة الشاذة تخلق مشكلة رئيسية في الدماغ النامي، وتتسبب في تأخير أو تحريف أنماط مهارات الطفل النمائية، على سبيل المثال المهارات الحركية أو اللغوية أو مهارات التعلم أو المهارات الاجتماعية، و ربانزل خاصتنا تجد صعوبة كما قلنا سابقًا في التواصل مع أقرانها، رغم أنها تبلي بلاءً حسنًا في الدراسة، و لكنها أيضًا تحتاج لمن يقف بجانبها خطوة بخطوة، فوالدها لا يتركها تذهب للجامعة وحدها، رغم أن أشقائها تعلموا في جامعات خاصة، و لكنهم كانوا يستطيعون الاعتماد على أنفسهم، أما فتاتنا ملك تعليمها في جامعة عادية اختارها والدها لتكون قريبة منهم، و ملك لا تُحب أو لا تستطيع التفاعل مع زملائها، فمن خوف والديها عليها؛ يقوم مجاهد بتوصيلها للجامعة و أحيانًا حضور المحاضرات معها، الواسطة القوية التي يمتلكها تجعله يفعل أشياء كثيرة، منها حضور الامتحانات مع ابنته، حتى امتحاناتها لا تتم في غرفة منعزلة عن بقية الطلاب، فقد قرر والديها خوض الامتحانات و كل ما يخص الدراسة مع أقرانها حتى تندمج معهم، و هذا الأمر لم ينجح كثيرًا معها؛ لأن العقل ما زال منشغلًا مع « إبراهيم».
ملك ” رغم أنها لا زالت طفلة في صفاتها، لكنها أيضًا تتعامل بنضج في أمور أخرى، و أحيانًا تظل على طفولتها التي لم تتركها حتى بعد البلوغ.. مصابو التوحد يتمتعون بنقاءٍ و صفاءٍ كبير في قلوبهم، لا يعرفون الكذب أو الغش و الخداع، فمن معاملتي معهم أثناء دراسة التخاطب، كانوا متعبين في تعليهم و هذا أمر طبيعي لأنهم أحيانًا عند الغضب يؤذون أنفسهم أو غيرهم بدون إرادتهم، لكنهم لطفاء رحماء للغاية، من معاملتك معهم يجعلونك تتمنى لو أن الجميع أنقياء مثلهم.
و من الجدير بالذكر أن مصابو التوحد لا يحبون احتجازهم أو احتضانهم، ثم قد ينظرون بعيدًا عندما تريد إجراء اتصال بالعين، قد يستلقون بمفردهم في هدوءٍ لساعات ولا يسعون للفت الانتباه، و هذا ما يحدث مع ملك.. تحب أن تبقى بمفردها طوال الوقت ولا تستجيب إلا لمن يستطيع احتلال قلبها بجدارة، مثل إبراهيم و منة مؤخرًا، و رغم أنها تحب عائلتها بالأمر الفطري، لكن عند احتضان والدتها لها تقوم هي بالابتعاد عنها.. شيء خارج إرادتها، حتى إبراهيم عندما كان يلعب معها وهي صغيرة، كان يحاول عدم لمسها أثناء اللعب لفترة طويلة حتى لا تبكي و تتضايق منه.
و ملك الآن في المستوى الثاني من التوحد ففيه يواجه مصاب التوحد المتوسط صعوبة أكبر في التواصل فيقتصر حديثه على عبارات بسيطة، كما ينخرط في سلوكيات متكررة، ويحتاج إلى رعاية ودعم كبير، فبعد ابتعاد شخصها المفضل عنها؛ أصبحت تمتنع عن أكل الطعام لفترات، و تظل تحدثه من خلال النظر لصوره معظم الوقت، حتى أنها بعد رحيله تفضل الحديث بلغته الأم التركية، كنوع من أنواع الشعور بأنه ما زال معها ولم يتركها، و هي الآن تمكث في غرفتها و تحتضن دميتها المفضلة التي أحضرها هو لها قبل رحيله، و اليد الأخرى تمسك الهاتف المفتوح على صورته و تقول بدموع تهبط بدون إرادتها:
” اشتقت لك يوجين ”
لطالما تخيلت نفسها ربانزل وهو يوجين، و معظم الوقت تناديه باسم الشخصية الكرتونية التي تفضلها منذ الصغر.
دخلت عليها ” لين ” تقول بنبرة حزينة على حالتها:
” لوكا حبيبة ماما، ممكن أتكلم معاكِ ؟ ”
نظرت لها ملك نظرة سريعة و أعادت النظر لصورة إبراهيم قائلة:
” احضري لي إبراهيم أولًا ”
تنهّدت والدتها بثقلٍ، و اتجهت تجلس بجانبها تحاول احتضانها لمنحها الشعور بالحُب، فتركتها ملك تحتضنها لثوانٍ، ثم ابتعدت سريعًا في تساؤل بريء مثلها:
” هل يوجين تزوج ؟ ”
تدرك والدتها أن حالة ابنتها أصبحت سيئة منذ خطبة إبراهيم و اعلان زواجه من قريبته، الأمر الذي سبب معاناة نفسية كبيرة لملك، و أصبحت تدخل في حالات اغماء كثيرة بسبب ضعف جسدها و سوء تغذيتها و بكائها المستمر، لا تدرك معنى الزواج بمعناه المجمل الحرفي، كل ما تعرفه أن الزواج يعني مشاركة اثنان الحياة مع بعضهما للأبد، حتى ما تعلمته في المدرسة حول التكاثر كانت تحفظه فقط و بصعوبة لاجل الامتحان و ليس لأجل التعلم منه في الحياة، و في الحقيقة ارتدت الحجاب لأن إبراهيم أخبرها أن ذلك سيجعلها قريبة من الله و ستدخل الجنة، و ارتدته خصيصًا لفضولها لاكتشاف الجنة بعد الموت و ليس للحرام أو الحلال، حتى أنها في بعض الأحيان لا تدرك معنى الحلال و الحرام بمعناه الحرفي، و لكنها تحاول فعل ما تخبره بها والدتها أو إبراهيم.
ردت لين وهي تمسد على شعرها الذهبي الطويل:
” حبيبتي خلاص إبراهيم كبر و لازم يتجوز و يخلف زي اخواتك، لأنه أخوكِ، و أنتِ إن شاء الله لما تكبري ربنا يرزقك بزوج جميل شبهك و يبقى عندك بيبي زي شهد أختك ”
أبعدت يد والدتها عن شعرها و قالت بتفكير وهي تعبث في شعر دميتها:
” إبراهيم لي أنا.. يوجين تزوج ربانزل و إبراهيم سيتزوج ملك ”
تجاهلت والدتها كلامها فهي لا تريد أن تعلقها بأملٍ كاذب، لتقول بحنان:
” ربانزل لو عاوزة تحقق أحلامها لازم تاكل عشان تبقى قوية، عملت لك البانيه اللي بتحبيه.. يلا ناكل ؟ ”
ردت في براءة تتساءل:
” إذا أكلت هل سيأتي إبراهيم ؟ ”
انزلق لسان والدتها بقلة حيلة لتومئ برأسها:
” أيوه إن شاء الله ”
كذبت الأم و لم تدرِ بأن كذبتها ستتحول لحقيقة !
….
في المسجد المجاور لمنازل عائلات الخياط، يجلس ” بدر” لاعطاء الدرس للصبية القدامى و الجدد، القدامى أصبحوا في المرحلة الاعدادية الآن، و من بين الحضور بعض الفتية في المراحل الثانوية أيضًا يحبون الاستماع للدروس التي يلقيها ” بدر ” عليهم.
منذ بدء ” سليمان ” مرحلة المشي و والده يحضره معه للمسجد دائمًا و خاصة عند القاء الدروس، لينمي عنده كل شيء عن الاسلام أهم حُب لغة القرآن اللغة العربية، لقد حفظ صغيرنا سليمان سورة الاخلاص و سورة الفاتحة بفضل والديه، رغم أنه لا يستطيع الصلاة وهذا أمر طبيعي للغاية بالنسبة لعمره، لكنه يقلد والده في حركات الصلاة و عند قول التحيات يرفع اصبعه الصغير ثم ينظر لوالده يجده يحرك شفتيه فيقوم هو بالفعل مثله بأي كلام يخطر على باله.
في يومٍ ما استيقظ بدر كعادته قبل الفجر بساعة لصلاة قيام الليل، و استيقظ سليمان صدفةً معه، و عندما رأى والده يصلي.. اتخذ مكانه بجانبه و لحقه عند التحيات، فعجز عن قول أي حرف في التحيات، فرفع اصبعه و ظل يهتف بصوت عالٍ جعل بدر يبتسم في الصلاة رغم عنه:
” يارب عمو سيف جيب لسليمان فريوزه العب معاها ”
و ها هو الآن يجلس بالقرب من والده يستمع لما يلقيه على الصبية، و بجانبه أبناء عمته التوأم
« كنان و كيان» عادةً ما يأخذ بدر ابناء أخته لتعليمهم أمور الدين، أجلس بدر ” كيان ” على حجره و ترك الصغيرين كنان و سليمان بجانبه، فكانت كيان هي البنت الوحيدة وسط الذكور.
و بطبعها الهادئ أخذت تقاوم النوم لدقائق و خجلت من اخبار خالها بأنها تريد الذهاب لأمها لتنام، فنامت على فخذيه، مما عدَّل بدر من وضعيتها على حِجره و ضمها إليه و بدأ يشرح لهم درس اليوم.. قبل أن يبدأ، نهض كنان المصاب بفرط الحركة هاتفًا:
” خالو.. تيته سارة بتخبز قرص هروح اجيب قرصة و اجي ”
” لما نخلص يا كنان، اقعد يا حبيبي ”
خاف بدر عليه من السماح له بالخروج وحده، فيذهب لمكان آخر غير البيت، فهو يدرك بأن ابن اخته لا يطيق الجلوس في مكان أكثر من خمس دقائق، و يظل يلعب و يقفز كالقرد من هنا و هناك دون تعب أو ملل، و ربما لو تركه يخرج، لا يذهب للبيت و يتيه في أحد الشوارع، و سبب إحضاره معه للاستماع للدروس؛ أن يغرس و ينمي في نفسه التربية السليمة و النشأة الدينية القويمة الصحيحة.
لا يمكن الجزم بأنه مصاب بالفعل باضطراب فرط الحركة؛ لأنه في سن يسمح فيه باللعب بكثرة، و لكن في الآونة الأخيرة ازداد الاضطراب لدى كنان، و ارتبط بالسلوك العدواني و كثرة تشتيت انتباهه أثناء تلقيه الدروس في الروضة أو عندما تذاكر له والدته، لذلك نصح صديق والده بأن يعرضه على أخصائي لتشخيص حالته، و اتضح بالفعل أنه لديه ميول قوية للإصابة بفرط الحركة و السلوك العدواني، و هذا ما جعل والده يقدم له في رياضة الكونغ فو.
حيث يؤثر اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه في قدرة الدماغ على تنظيم الأفكار والتحكم في الكلمات و الأفعال والعواطف، ولا يعد مرضًا عقليًا أو إعاقة، لكنه ينجم عن خلل في مناطق الدماغ المتحكمة في التنظيم والقدرة على التركيز.
من الطبيعي أن يواجه الأطفال صعوبة في التركيز وفرط النشاط من وقتٍ لآخر، ومع ذلك فإن الأطفال المصابين باضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه، لا يتخلصون من هذه السلوكيات وتستمر الأعراض لديهم وقد تزداد شدتها.
عادةً ما يعاني الطفل المصاب بالاعراض التالية:
أحلام اليقظة، النسيان المتكرر، صعوبة الاستماع للآخرين في صمت، فرط النشاط، فيميل الطفل للركض والقفز والحركة المستمرة، صعوبة التركيز، التصرف باندفاع دون تفكير، التململ في أثناء الجلوس (عدم القدرة على الجلوس والبقاء في مقعده لفترة طويلة).
صعوبة انتظار الطفل لدوره، على سبيل المثال قد لا يتمكن الطفل المصاب بفرط النشاط من الوقوف في طابور أو انتظار دوره في لعبة جماعية.
صعوبة اللعب في هدوء، التشتت بأقل المؤثرات.
قد تختلف الأعراض من طفل لآخر، وليس بالضرورة أن يعاني الطفل من كل الأعراض السابقة ولكن تختلف وفقًا لنوع الاضطراب لديه، كذلك قد يكون نشطًا ولا يعاني من اضطراب فرط الحركة.
و جد المختصين أن أفضل علاج لهم هو، ممارسة الرياضات التي تحتاج حركة مستمرة، مثل: كرة القدم أو السلة أو تعلم الفنون القتالية كالكاراتيه و الكونغ فو، إذ يساعد النشاط البدني على تفريغ طاقة الطفل، كما تعلمه كيفية التواصل مع الآخرين وتعلم بعض المهارات الاجتماعية.
الحصول على قسطٍ كافٍ من النوم، و الحد من استخدام الأجهزة الإلكترونية كالهاتف المحمول أو ألعاب الكمبيوتر خاصةً قبل النوم.
بدأ بدر بشرح الدرس، و ظل كنان يجذب ابن خاله سليمان من ملابسه للخروج للعب، فوضع سليمان اصبعه ببراءة على فمه الصغير هامسًا له:
” إحنا في الدامع يا تِنان.. اِستُت ”
رد كنان بهمسٍ مماثل:
” عندي كرة كبيرة أكبر من كرة خالو سيف، يلا نلعب بيها و هلعبك معايا ”
نظر سليمان لوالده بخوف و أعاد النظر لكنان وهو يهز رأسه بنفي:
” أبتاه يزعل من سليمان ”
” خالو طيب مش بيضرب حد، متخافش ”
رمقه بدر باسمًا بخفة ثم قال بعد أن قطع الدرس:
” بعد ما أخلص الدرس يا كنان هسألك في اللي قولته، ولو جاوبت صح هجيب لك حاجة حلوة و تبقى اشطر منهم كلهم.. اتفقنا يا حبيب خالو ؟ ”
رد كنان بحماسٍ وهو يستند بمرفقه الصغير على فخذ خاله يحاول إيقاظ شقيقته دون أن ينتبه له بدر:
” عاوز ألعب مع خالو سيف في التليفزيون ”
ضحك بعض الصبية و اتسعت ابتسامة بدر وهو يربت على شعره الأحمر الجميل قائلًا:
” أنت بطل كونغ فو، لما تكبر إن شاء الله، ها نتفرج عليك زي عمو سيف في التليفزيون كده ”
سكت الصغير قليلا و هتف بدون تفكير:
” خلي كيان تصحى بقى ”
انتبه بدر ليده الصغيرة التى تقرص أخته في الخفاء، فأخذها و قبَّلها بلُطفٍ ليقول:
” الايد الجميلة دي مش بنؤذي بيها حد، أنت مينفعش تزعل غيرك منك عشان أنت ولد شطور و الولاد الشاطرين مش بيزعلوا حد منهم، صح يا حبيب خالو ؟ ”
أومأ بعدم اقتناع وهو يتجه لسليمان ليعبث في شعره الطويل:
” صح ”
عاد بدر لاستكمال الدرس، فأردف:
” طيب يا حبايبي، حد يفكرني كده وقفنا فين؟ ”
رفع صبي يده يقول بأدبٍ:
” إن مينفعش نعمل عمل خيري و نستنى مدح من الناس، عشان ده بيدخلنا في طريق الرياء ”
أثنى بدر عليه باسمًا:
” أحسنت، بارك الله فيك و فيكم جميعًا ”
ثم تابع بنبرة ينتبه لها الجميع:
” القرآن الكريم ذكر لنا قصة سيدنا موسى بعد ما عِمل عَمل خيري و تولى إلى الظل..
« ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ»
نرى الكثير ممن يقومون بعمل انساني أو عمل اجتماعي يكون المدح والثناء لهم من الناس غاية محبوبةً، وفي أحسن الأحوال إن لم يكن همهم الثناء فهو محبّذ لهم و يطرب مسامعهم، ينقل لنا القرآن الكريم قصة نبي الله موسى عندما ورد ماء مدين ووجد القوم يسقون أغنامهم و كُلًا منهمك في عمله، لاحظ عن قرب امرأتين لا تختلطان بالناس فسألهما: ما شأنكما ؟ فقالتا: لا نسقي حتى ينتهي الرعاة من سقي اغنامهم، لأننا لا نختلط بالرجال الأجانب، و اخبراه ان أباهما شيخًا كبير فهما تتوليان سقي الغنم و رعايتها نيابة عنه، فقام نبي الله موسى بالسقي لهما كما يقول القرآن «فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ »
فقد ركن بعد السقي مباشرة الى الظل ربما ظل الشجرة ليستريح من عناء السفر، وربما كان ظلًا آخر فهو عندما سقى لم يتكلم للناس ويعلن أنه قام بعمل انساني راقي هذا بالإضافة إلى أنه لم يأخذ منهما أتعابه أو مكافئته على عمله، إنما تولى إلى الظل و يكفي أن الله يرى.
البعض من أبناء المجتمع الطيب عندما يقوم بأعمال خيرية لو يستطيع أن يكتب العمل الذي قام به في صفحات الجرائد والمجلات وحتى القنوات الفضائية لفعل، فهو يريد أن يعلم كل الناس أنه قام بعمل جيد سواءً مساعدة إنسان أو المشاركة في مشروع اجتماعي او أي شىء آخر، مع إن الذي يقوم بعملً صالح ويتولى إلى الظل؛ ثوابه و درجته عند الله أكبر، شأنها شأن صدقة السر التي تطفئ غضب الرب.
ومن القصص الطريفة كان رجلًا في أيام البهلول بني مسجدًا على نفقته و عندما أوشك على الانتهاء منه قال له البهلول: لماذا بنيت هذا المسجد ؟ فقال الرجل بنيته لله ! فقال البهلول إذًا اكتب على باب المسجد «مسجد البهلول» فقال الرجل بغضب ويحك انا ابني المسجد واضع اسمك عليه ؟!، فقال البهلول لو كان بناءك لله فما يهم اسم من يكون عليه لأن الله يعلم أنك أنت من بنيته وليس أنا !
الخلاصة يا حبايبي، قوموا بعمل طيب وتولى إلى الظل وسيكون ثمرته يانعة زكية وستكون درجتك اكبر و ثوابك عند الله أعظم وأعظم ”
أنهى بدر الدرس و التفت لكنان الذي حاول بشتى الطرق إيقاظ أخته، و سأله:
” قولي بقى يا راجل يا جدع أنت، مين هو موسى عليه السلام ؟ ”
هتف سليمان مقاطعًا:
” نبي الله اللي راح لفنعون ”
ربت بدر على ظهره و أثنى عليه:
” أحسنت يا حبيب أبوك سيدنا موسى عليه السلام هو اللى ربنا أمره يدعو فرعون للتوحيد ”
ثم قال باسمًا له بلطف:
” بس مينفعش نقاطع حد وهو بيتكلم، المسلم المؤدب بيستنى دوره و يتكلم فيه، و أنت مؤدب و مش هتعمل كده تاني، صح يا حبيبي ؟ ”
أومأ سليمان بابتسامة جميلة:
” مش هعمل كده تاني خالص خالص يا أبتاه ”
ثم التفت لكنان وداعب وجنتيه البيضاء المليئة بالنمش الصغير الرقيق و تساءل:
” حبيبي خالو.. قولي بقى مين هو سيدنا موسى عليه السلام ؟ ”
كرر بدر السؤال عليه؛ لأن كنان يشتت انتباه و ينسى بسرعة، فأراد خاله اختباره قاصدًا من ذلك جعله يشعر بأنه مرغوب فيه مثل البقية، و يمدحه أمامهم فهذا يشعر المصابون بفرط الحركة و العدوانية بالثقة بالنفس و الراحة، و لكن مع الحذر في التفريط في المدح.
رد كنان وهو ينظر لسليمان كأنه يستمد منه الشجاعة:
” نبي الله اللي راح لفرعون ”
اتسعت ابتسامة بدر و أشار للصبية بعينيه بأن يثنوا عليه، فأخذوا يقولون له بدعمٍ:
” أحسنت يا كنان.. شطور يا كنان.. كنان أشطر واحد ”
التفتت كنان لخاله و قال بسعادة اتضحت عليه:
” خالو هتجيب لي حاجة حلوة ؟ ”
رد بدر بتأكيد له وهو يضمه لمحاذاته:
” هجيب لك إن شاء الله قصة كبيرة مصورة عن أصحاب الكهف، و خلي ماما تحكيها لك و أنا هسألك فيها، لو جاوبت صح هاجي أنا و سليمان نتفرج عليك و أنت بتلعب كونغ فو و نشجعك زي خالو سيف، إيه رأيك بقى يا حبيب خالو ؟! ”
أومأ الصغير بحماسٍ كبير:
” و شجعني بصوت كبير زي بابا ما بيشجع خالو سيف ”
” حاضر يا حبيب خالو ”
” غادر الصبية، و عند مغادرة بدر و الصغار، تساءل سليمان وهو يتشبث في ثيابه:
” أبتاه هو الله أحسن من ربنا ؟! ”
ابتسم بدر لسؤاله العفوي و ظل يتحدث مع الصغيرين بينما يحمل كيان النائمة على ذراعه متجه بهم لمنزل عمه مصطفى:
” الله هو ربنا.. ربنا سبحانه و تعالى ليه أسماء كتير يا حبيبي، يعني تقدر تقول على ربنا إنه الرحمن الرحيم المنان.. ربنا ليه تسعة و تسعون اسم، اسمهم أسماء الله الحسنى، اللي أنا بحفظها لك يا ليمو.. افتكرت ؟ ”
هتف سليمان باندماج مع والده:
” الهواب الفتاح ”
ضحك والده بخفة وهو يردد وراءه:
” الوهاب الفتاح العليم.. ”
تساءل كنان في براءةٍ بتلقائية:
” خالو هو ربنا عنده كام سنة ؟ ”
رد بدر بهدوء و بتفهم لكل أسئلتهم الطفولية البريئة:
” سمع لي كده سورة الاخلاص يا كنان ”
” الاخلاص اللي هي قل هو الله أحد ؟ ”
” ايوه يا حبيبي ”
قالها كنان صحيحة، فقد نجحت هاجر في تعليمه بعض السور، فأردف خاله:
” لم يلد ولم يولد يعني ربنا ملوش عمر يا كنان،
الله تعالى ليس له عمر مثل الإنسان لأن الله سبحانه تعالى هو الخالق و الخالق لا يموت ”
أعطى بدر ابنة أخته لوالدها، ثم اصطحب ابنه و عاد لمنزله.
أما في فيلا ” رياض والد كريم “، قد عادت رُميساء بعدما شفيت قليلا، فمنذ عامين تحايل رياض على ابنه للمكوث معهم في الفيلا الشاسعة و كذلك فعل مع رحيم، و لكن الأخير رفض لأنه بالفعل يسكن في فيلا تابعة لحماه، أما كريم لم يرضَ بأن يسبب حزن لوالده، فتوجه للعيش معهم في الفيلا، حيث لا يوجد غيره وجدته ووالدته، و نادرًا ما تتواجدا الاختين الاثنتين بالأبناء.
تجلس في الغرفة ترضع ابنها المعتصم، و روان على طرف الفراش تتحدث معها.
فقد اشتاقت الفتاتان لبعضهما كثيرًا منذ أن تزوجت كل واحدة منهما و أصبحا لهما حياتهما الخاصة، فبعد عدة أشهر من زواج روان، احترف سيف في الخارج ولم يعد لمصر منذ ذلك الحين، إلا مرة واحدة، و تلك الفيلا قد ابتاعها ليسكن فيها بعد زواجه بشهرين، و لم يسكن بها كثيرًا، إلا في أول الزواج عندما كان يلعب مع الأهلي.
و في زيارة قصيرة منذ أسبوعين، عاد سيف و روان لأرض الوطن لقضاء اجازة استغلها سيف من خلال وقف الدوري الاسباني، التقى خلالها الأحباب و الأصدقاء و الأقارب، كما زار النادي الأهلي للمرة الأولى منذ احترافه بالدوري الاسباني، و أشاد بانجازات النادي الأهلي خلال فترة احترافه في أسبانيا، و سوف يعود سيف إلى الدوري الاسباني بعد ثلاث أسابيع مدة التوقف لحين عودة الدوري في جولاته الأولى.
كان يجلس بالخارج يتحدث مع كريم ووالده، تاركًا فيروزه ابنته تلعب مع مراد و إياد، هذا الأخير الذي اظهر براعة في المشاكسة و خفة الظل عن أخيه الذي لا يحب اللعب و يفضل الجلوس بين والده وجده للاستماع لحديثهما عندما يتحدثان عن أمور الدولة، رغم أنه لا يفهم شيء مما يدور في الحديث، و لكنه يحب جدًا أن يحمل مسدس والده الخالٍ من الذخيرة و يظل يتخيل أنه يطارد اللصوص باللعب التخيلي مع شقيقه.. مراد كل من يراه من عائلة رياض يقول أنه كريم وهو صغير تمامًا في كل شيء.
أخذ إياد يحاول بناء أي شكل بالمكعبات و فيروزه تساعده في ذلك قائلة برقة البسكويت:
” أنا حط مُتَّعب ده هنا ”
رد إياد الذي يتقارب عمره مع فيروزه:
” لأ دي وحسه، أتي دي.. دي حِوه ”
تدخل مراد الذي ظل يراقبهما في صمتٍ وهو يقوم بفك لعبة السيارة خاصته ليعرف كيف تم صنعها، فهذا الطفل فضولي للغاية:
” أنتم بتلعبوا غلط ”
مراد يكبر سليمان بحوالي الشهرين، و لكنه تحدث بسرعة عنه ولا يتعثر كثيرًا في الكلام إلا في أحرف بسيطة..
اقترب من شقيقه و فيروزه و أخذ يضع المكعبات على بعضها مما كون شكل كوبري، فانتبه له والده و تمتم لسيف ضاحكًا:
” مراد ابني كل يوم بيبهرني عن اللي قبله ”
أومأ سيف باسمًا الذي اعجب كثيرًا بشكل الكوبري المنسق:
” ما شاء الله باين إنه هيطلع ذكي ”
حينما جاءت سيرة الذكاء، قال كريم بصدق:
” قُصي وحشني أوي ”
” والله و وحشني أنا كمان، خلاص بقى شوية كمان و هيبقى البروفيسور قصي الخياط ”
ضحك كريم يؤكد على كلامه:
” يستاهلها، و ساعتها هيكلمنا بواسطة ”
أما في الداخل، شبع معتصم من الرضاعة، فوضعته أمه بجانبها، ثم التفتت لروان تكمل حديثها:
” كريم هيفضل طفلي الأول.. مكنتش اتخيل إن علاقتنا تبقى جميلة بالشكل ده، كنت بترعب منه الأول، دلوقت مبقاش يرتاح غير في حضني، كريم بطبيعته بيكتم جواه و مش بسهولة يعبر عن مشاعره غير بالعصبية، بس معايا قدرت أخليه زي البيبي قصادي، و الطفل اكتر حد بيحتاج له وهو صغير أمه.. و كريم زوجي بقيت أنا بالنسبة له أمه وهو طفلي، بقى بيحكي لي كل حاجة.. يجي يحط راسه على رجلي و يبدأ يفضي كل اللي جواه من حكاوي، بيقولي إن أنا مصدر راحته الوحيد، بقى بيدلل عليا كتير.. ”
صمتت تضحك برقة، و تابعت تحت أعين روان التي تنصت لها بحنان:
” معرفتش معنى جملة ما الطفل الا رجل كبير في حضن زوجته غير إما تزوجت.. لما بقعد احكي عن علاقتنا قدام اخواتي بيقعدوا يضحكوا، مش مستوعبين إن كريم اللي كانوا بيقولوا عليه ڤامبير ماشي على الأرض بقى طفل بالنسبة لي، بفهمه من قبل ما يتكلم و بحس بكل اللي يحس بيه، الوحيد اللي بتستوعب كلامي هي سلسبيل أختي عشان متزوجة، بتقول إنها كمان جوزها بيدلل عليها كتير زي ابنها و بيحبها تداديه و تعامله بحنية زي البيبي.. بصراحة أنا بحب علاقتي بكريم أوي و مبسوطة إنه طفل معايا بغض النظر عن قوته مع الناس كلها ”
أومأت روان بتفهم و بنبرة مداعبة قالت:
” مش ها يفهم علاقات المتزوجين غير المتزوجين اللي زيهم، أما اللي مدخلوش عش الزوجية أو عقلهم لسه على قدهم هيفهموا منين ! لازم يجربوا دلعهم على بعض عشان يفهموا يعني إيه ما الرجل إلا طفل كبير و اللي يقولك علاقتكم ملزقة، قوليله ماما حلوة ”
ضحكت رُميساء تضربها على فخذها برقة:
” يابت أنا بكبر دماغي، محدش بيقولي كده غير اخواتي البنات بس هما لسه صغيرين ماما بتفرش لهم مشمع عشان كده عذراهم، أما ماما اما بحكي لها بتقعد تقولي إن دي أنضف علاقة بين الست و زوجها و اللي يقولك غير كده ادعيله بالشفا ”
” ربنا يبعد عنكم العين و يحفظكم من كل شر يا ريري، يلا بقى هاتي بوسة عشان أروح.. فيروزه ميعاد نومها جه، و أنا بحب اضبط لها مواعيد النوم عشان تتعود، مش عاوزة اعودها على السهر.. السهر مؤذي للجسم و الدماغ بالأخص ”
قالتها روان وهي تحتضنها و تُقبِّلها و رُميساء تبادلها العناق، ثم استأذنت من أهل المنزل و اصطحبها زوجها عائدين لشقتهم في منزل العائلة.
في السيارة التفت سيف لروان يقول باقتراح:
” إيه رأيك يا رواني نعمل وليمة للعيلة كلها في الفيلا عندنا قبل ما نسافر ؟ ”
أومأت بموافقة:
” ياريت هيبقى يوم حلو أوي إن شاء الله، و نعزم رميساء و كريم و أخوه و الدكتورة شمس ”
” أكيد هنعزمهم مهما من العيلة، و مش هنسى عصام و مراته برضو إن شاء الله، بس اليوم ده هيبقى ناقص من غير قُصي ”
وصلا المنزل، و لاحظ سيف نشاط ابنته و عدم حاجتها للنوم، فاختطفها لشقة أخوه تحت صياح روان بأن يعطيها ابنتها لعلمها ما يدور في رأس زوجها عديم الحياء.
و فتحت عائشة الباب بالصدفة، فألقى سيف بابنته بين ذراعيها مما دهشت عائشة هاتفة:
” إيه ده في إيه ! أنت مين ! ”
رد مسرعًا و تهلل وجهه عندما صاح سليمان بمرح لرؤيته ابنة عمه:
” كويس سليمان صاحي.. العب معاها بقى يا ليمو ”
جاء بدر يقول باستغراب:
” تعالى يا سيف ادخل”
رد سيف وهو يغلق الباب و يستعد لاختطاف روان أيضًا ولكن لشقتهما:
” بالله عليكم تخلوا فيروزه عندكم النهاردة، من ساعة ما تعبت مرات كريم و أنا مش عارف استفرد بمراتي”
تلون وجه عائشة من الخجل، و دلفت للداخل بينما والدتهما مفيدة هتفت بمرح:
” اللي خلف مماتش، أبوك لو كان عايش كان اداك عشرة من عشرة و نجمة يا ولاه ”
أما بدر وكز شقيقه في كتفه بغيظ قائلًا:
” انتقي ألفاظك يا أخي، أنت بقيت أب ايه اللي بتقوله ده قدام العيال ”
لوح بيده وهو يغلق الباب:
” ياعم هما فاهمين حاجة، خلي العيال تتعلم بدل ما تطلع نايتي”
ثم اغلق الباب تحت نظرات عدم الاستيعاب من بدر، و قبل أن تنطق روان التي جاءت تتوعده هي الأخرى، استدار لها و جذبها من يدها هامسًا:
” بس أنتِ مالك محلويه النهاردة ليه ! الكوتشي اللي لابساه هياكل منك حتة ”
” هات لي بنتي يا سيف ”
دفع بها لشقتهما وهو يصفق بيديه و يتراقص بحاجبيه في حركة وقحة:
” أنا شوفت أنا شوفت.. أنا شوفت يا ناس غزيه و عينيها جات في عينيا، قمت مسكت المايك و عملت شعري سبايك ”
تنهّدت روان بقلة حيلة وهي تجلس خلفها:
” ناقص تدخل عليا بشوبين بيرة و تقولي تشيس ”

أما الذي حدث بعد ثلاث أيام من تلك الأحداث، أن إبراهيم رتب أموره للسفر لمصر مع والده و طلب يد ملك للزواج.
نعم، المصاب باضطراب التوحد لديه القدرة على الزواج وبناء حياة زوجية مستقرة، إذ يختلف كل فرد في طيف التوحد عن الآخر في قدراته وطرق تواصله، مما يعني أن تجربة الزواج يمكن أن تختلف من شخص لآخر، كما يمكن للدعم المناسب والتفاهم بين الشريكين أن يساهم في بناء علاقة زوجية قوية.
قبل استقلال إبراهيم للطائرة الخاصة لديهم، وصلت له رسالة على هاتفه الشخصي و بعد قراءته خفقت دقات قلبه و تلون وجهه بالغضب، ثم قال لوالده:
” لن أستطيع السفر لمصر الآن أبي.. لدي مهمة ضرورية.. مهمة حياة أو موت ”
على الناحية الأخرى في فيلا كريم، كان يجلس مع زوجته يداعب طفلهما الرضيع، و إذ بنفس الرسالة تصل له و بعد قراءتها خفقت دقات قلبه و تلون وجهه بالغضب، ثم قال لرُميساء:
” لازم امشي دلوقت.. عندي مهمة ضرورية، حياة أو موت ”
و في مكتب اللواء عزمي تصل له رسالة تجعله ينتفض من القلق مكانه، فهتف للواء الذي كان يجلس معه:
” عن إذنك لازم أمشي دلوقت.. عندي مهمة ضرورية، حياة أو موت “

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية يناديها عائش)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *