روايات

رواية جعفر البلطجي 3 الفصل الثامن والخمسون 58 بقلم بيسو وليد

رواية جعفر البلطجي 3 الفصل الثامن والخمسون 58 بقلم بيسو وليد

رواية جعفر البلطجي 3 البارت الثامن والخمسون

رواية جعفر البلطجي 3 الجزء الثامن والخمسون

رواية جعفر البلطجي 3 الحلقة الثامنة والخمسون

فكم لله من لطفٍ خفيٍّ،
يَدِقّ خَفَاهُ عَنْ فَهْمِ الذَّكِيِّ،
وَكَمْ يُسْرٍ أَتَى مِنْ بَعْدِ عُسْرٍ،
فَفَرَّج كُرْبَةَ القَلْبِ الشَّجِّيِّ،
وكم أمرٍ تساءُ به صباحاً،
وَتَأْتِيْكَ المَسَرَّةُ بالعَشِيِّ.
_مُحمَّد عُمرَان.
________________
ولِنْ سألتُم عن صاحِب الخَطِـ ـيئة لوَجَدتَ الناسُ تركض هر’بًا، فعجبًا أن تسأل عن صاحِب الخَطِـ ـيئة وترى الجميع يخـ ـشى التفوه بحرفٍ، وكأن الجميع قد أر’تكبوا الخَطِـ ـيئة ويخشو’ن أن ينا’لو العقا’ب، مِنهم مَن يعلم صاحِبها ويخـ ـشى الإعتر’اف، وكأنهُ يُخـ ـفي سلا’حه الأبيـ ـض بحو’زته إن إعتر’ف أحدهم يلـ ـقى مصيـ ـره، يعلمون أنَّ الساكت عن الحـ ـق شيطا’نٌ أخر’س، وكانوا جميعهم شيا’طين بكـ ـماء يخشو’ن قول الحـ ـق في زمنٍ أصبح الحـ ـقَ فيه خَطِيـ ـئة..
<“أكبر أخطا’ء المرء في الحياة خَطِـ ـيئتين،
الأولى نفسُه الأما’رة بالسو’ء وثانيها شيطا’نه.”>
في هذه الحياة قا’نونًا تسيرُ بهِ جميع المخلو’قات الحـ ـية..
إن كان لا يوجد قا’نون فسترى الد’مار يحوم المكان، وبالقا’نون تجد أن كُلّ شيءٍ يسير كما عقا’رب الساعة، وفي هذه الحياة دومًا تكون هُناك أخطا’ء يقترفها المرء، وبرغم تلك الخطا’يا كانت أشهرهم خَطِـ ـيئتين، الأولى نفسُه الأما’رة بالسو’ء وثانيها شيطا’نه..
كان “عصفـورة” مذ’هولًا مِمَّ قاله رفيقُه الذي يبدو أنَّ الشَّر’اب قد أتـ ـلف خلا’يا عـ ـقلُه وجعلُه يهـ ـزو بكلماتٍ أشبه بنـ ـصل السـ ـكين الحا’د الموضوع على مُقدِّمة العُـ ـنُق، طَا’لَعَهُ مستنكرًا وقد بدأ يشعُر بالقـ ـلق تجاهه فيبدو أنَّهُ قد فَقَـ ـدَ عقـ ـلُه تمامًا حتى يُفكر في أُخْرى على وَشَك الزواج وبذ’متهِ امرأةٌ أُخْرى، ابْتَلَـ ـعَ غُصَّـ ـتِه بتروٍ وقال بنبرةٍ خا’ئفة:
_بقولك إيه يا “فتـوح” فُو’ق الله لا يسـ ـيئك مِن القر’ف اللي بتشرَبُه دا هتودينا فدا’هية بسببُه.
أجابهُ “فتـوح” بنبرةٍ ثَمِـ ـلَة بعد أن بدأ مفعو’ل المادة المُخد”رة التي كانت بداخل لُفا’فة تَبْـ ـغ غَلْيو’نه:
_دول عيلة شايفة نفسها معرفش على إيه، مرَّة “فتحـي” حاول ياخُد “بيلا” والو’اد دا خَدها مِنُه بعد ما كان خلاص هياخُدها، ودلوقتي لمَ أعوز التانية ييجي ابن عمُّه دا ياخُدها هو إيه فالفرحة مدعية وفالحز’ن منـ ـسية.
نظر لهُ “عصفـورة” نظرةٍ ذات معنى هُنَيْهة ثمّ أبتسم بسمةٌ جانبية سا’خرة حينما رأى رفيقُه بدأ بالثَرْ’ثَرَة بكلماتٍ غير متز’نة، تحدث بنبرةٍ سا’خرة وقال:
_أسمها فالحز’ن مدعية وفالفرح منـ ـسية يا خَر’فان، أدي آ’خرة الز’فت اللي بقيت تطـ ـفحه مِن ساعة ما الكُلّ بدأ ياخُد موقف مِنك، “فتـوح” أنا مِن ساعة ما عرفتك وأنا مشوفتش يوم حلو فحياتي معرفتك كانت سو’دة عليا، وأنا مش عايز أكمل تاني فالمشا’كل دي، بقيت أأ’ذي الناس بسببك وبصراحة قر’فت، مِن النهاردة أنا بره عنها.
قهقه “فتـوح” سا’خرًا على حديث “عصفـورة” الذي نظر لهُ بطر’ف عينه نظرةٍ ذات معنى ولكن في الأخير ماذا سيتو’قع مِنْهُ غير ذلك، أطلـ ـق ز’فيرة قو’ية وقد شَعَر بالضـ ـيق يعود فا’رضًا سيطـ ـرته عليهِ ولذلك انْتَصَـ ـب واقفًا ثمّ هَنْدَم سترته الشتوية وتركه ورحل مَتَمْتِمًا بكلماتٍ غير مفهومة، سار بخطى هادئة في الحارة مبتعدًا عن مر’مى “فتـوح” الذي أكمل في طريقُه المظـ ـلم دون أن يكترث إلى ضـ ـرره في نها’ية المطا’ف..
وَقَفَ “عصفـورة” على جانب الطر’يق وأخرج هاتفه مِن جيب سترته يعـ ـبث بهِ بعد أن قر’ر فِـ ـعل ما عَزِ’مَ على فِعلُه، ثوانٍ معدودة ووضع الهاتف على أُذُنه منتظرًا جواب الطر’ف الآخر الذي لم يَطو’ل كثيرًا وكان يُجيبه، وحينما وصله صوته شَعَر “عصفـورة” بالتو’تر والقلـ ـق قليلًا فيعلم أنَّ القر’ار الذي أتخذه سيلحـ ـق بهِ بالضـ ـرر ولكن هذا لا يَهُـ ـمْ فهذا سيجعلُه يشعُر بالر’احة ويعـ ـيش حياته بشكلٍ أفضل، ابْتَلَـ ـعَ غصته بتروٍ وقال بنبرةٍ هادئة متو’ترة:
_”يـوسف” معايا مش كدا؟.
تعجب “يـوسف” حينما أستمع إلى حديثه ولكنهُ أجابهُ بنبرةٍ هادئة وقال:
_أيوه أنا “يـوسف المُحمَّدي” مين معايا؟.
_أنا “يعقـوب”.
عقد “يـوسف” حاجبيه متعجبًا حينما أستمع إلى الإسم الذي يُلـ ـقى هو مسامعهِ للمرَّةِ الأولى ليجاوبه بنبرةٍ هادئة مستنـ ـكرًا معرفتهِ بالإسم قائلًا:
_آسف بس أنا معرفش حد بالإسم دا.
_بس أنا أعرفك كويس أوي، هبسطهالك أكتر عشان تعرفني … “عصفـورة”.
هكذا جاوبه “عصفـورة” بنبرةٍ هادئة متر’قبًا رَدة فعل الآخر على حديثه، فيما تفاجئ “يـوسف” كثيرًا حينما أستمع إلى حديثه وإسمه الحـ ـقيقي، بالطبع هذه أبسط رَدة فعل تُصدَ’ر مِنْهُ، تحدث “يـوسف” بنبرةٍ با’ردة حينما عَلِمَ بهو’يته وقال:
_متصل بيا عايز مِني إيه؟ وجبت رقمي منين وبُناءًا على إيه كلمتني، أسمع أنا مش عايز أي حاجة مربو’طة بـ “فتـوح” تكون فحياتي أنا بنَّـ ـضف حياتي وبقـ ـطع كُلّ حاجة تر’بُطني بيه فلو هو اللي باعتك روح قوله مش هر’حمُه.
كان يتو’قع صد’ور هذا الفعل مِنْهُ حينما يعلم بهويته فماذا سينتظر غير ذلك، وبرغم كُلّ ذلك تغا’ضى عن أسلوبه وحديثه وقال بنبرةٍ هادئة:
_”يـوسف” أسمعني، أنا عارف تفكيرك هيكون إيه لمَ أكلمك فتوقيت زي دا وعارف إنك مش مد’يني الأما’ن وعارف إني أذ’يتك كتير وحصـ ـلت بينا مشا’كل وخلا’فات كتير ملهاش نها’ية، أنا كان لاز’م أتكلم معاك عشان حاجات كتير أوي أولهم الخلا’فات اللي بينا تتشا’ل وننسى أي حاجة و’حشة تجمعنا، أنا عارف إنك مش فالحارة دلوقتي ولو كُنْت موجود كُنْا أتكلمنا بشكل أفضل مِن كدا عشان تكون قعدة صُـ ـلح بمعنى أصح، في حاجات كتير أوي محتاج أتكلم معاك فيها ويمين بالله ما ناو’ي على غد’ر أو أي حاجة سـ ـلبية أنا نيِّـ ـتي خير ومحتاج بجد أتكلم معاك … رجاءًا متكـ ـسفنيش أنا أول مرَّة أطلب حاجة مِن حد، أول ما ترجع ياريت تديني خبـ ـر والوقت اللي يناسبك أنا موافق عليه، صدقني يا “يـوسف” حابب ابدأ معاك صفحة جديدة، حابب أنضـ ـف، وحابب أرجع لحياتي القديمة تاني، لو هتقد’ر تمـ ـدلي إيدك وتساعدني يبقى كتر ألف خيرك ومش هنسالك الوقفة دي.
تشـ ـتتت أفكار “يـوسف” بعد حديث “عصفـورة” وشَعَر بالتيـ ـهة، فنبرة صوته كانت تستـ ـغيث لعلّ الغوث قريب، تذكّر أنَّهُ كان محلُه في أحد الأيام ولذلك حينما طلب المساعدة وَجَدَ آلاف الأ’يادي تمتد لهُ، واليوم هو في أختبارٍ لرُبما صـ ـعبًا عليهِ، أن يوافق على المساعدة إما أن ير’فض ويُو’لِيه ظهره وكأنه لم يراه، سقـ ـط بصره على والدته التي كانت تجاوره وتستمع إلى حديث “عصفـورة” منذ بداية المكالمة حتى هذه اللحظة..
رآها تُحرِّك رأسها برفقٍ لهُ مبتسمة الوجه تد’فعه على الموافقة على طلبه، وأمامها لا يستـ ـطيع أن ير’فُض لها طلبًا حتى وإن كان صغيرًا ولذلك ابْتَـ ـلَعَ غُصَّـ ـته بتروٍ وقال بنبرةٍ هادئة:
_تمام، موافق أقابلك، بعد بُكرا راجع لمَ أكون موجود هكلمك ونتقابل.
أبتسم “عصفـورة” حينما تلقى الجواب المُراد ولذلك شَكَرُه وأمتَـ ـن لهُ قائلًا:
_كُنْت عارف إنك مش هتكسـ ـفني كعادتك، هستنى مكالمتك، ترجع بالسلامة.
_شكرًا.
هكذا اكتفى “يـوسف” بالرد عليهِ ثمّ أغـ ـلق المكالمة وأطـ ـلق ز’فيرة هادئة ثمّ نظر إلى “شاهـي” التي أبتسمت لهُ بسمةٌ صا’فية وقالت بنبرةٍ هادئة:
_طالما قصدك فخير حتى لو بينكم مصا’نع الحد’اد أو’عى تكـ ـسفُه، مسير الميَّة ترجع لمجا’ريها فالآخر وتتشا’ل الخلا’فات اللي بينكم، أو’عى تدي ضهـ ـرك لحد يا “يـوسف” مهما كان مين هو ومحتاج مساعدتك، متبـ ـخلش عليه وخليك أنتَ الأحسن دايمًا مِن أي حد حتى لو أذ’اك، أنا معرفش إيه اللي بينكم بس واضح إن كان بينكم مشا’كل وخلا’فات كتير ولمَ وافقت تقعد معاه هو أكيد أُحرَ’ج عشان طلعت أنتَ الأحسن مِنُه ولمَ هو و’قع وملقاش حد غيرك أضطـ ـر إنه يلجـ ـألك … أسمعه يا حبيبي جايز المرَّة دي تصيـ ـب وترجعوا صحاب تاني مش هتخـ ـسر حاجة لو سمعته.
أنهـ ـت حديثها مبتسمة الوجه لينظر إليها هُنَيْهة ثمّ استلقى بجوارها ووضع رأسه على فَخْـ ـذيها مغمض العينين، فيما نظرت هي لهُ ثمّ وضعت كفها الدا’فئ على رأسه تمسـ ـح على خصلاته برفقٍ وهي تتأمل معالم وجهه عن قربٍ وبهدوء، فيما ألتزم هو الصمت مستشعـ ـرًا بلـ ـمسة كفها النا’عم على رأسه والتي جعلته يشعُر بالرا’حة والهدوء..
وفي الحارة.
كان “عصفـورة” يلتزم الهدوء بعد أن أنهـ ـى المكالمة مع “يـوسف” مستشـ ـعرًا أنهُ بدأ يخطو خطواته الصحيحة نحو الطريق الصحيح هذه المرَّة دون أن يستمع إلى أحدٍ أو يترُ’ك نَفسُه لغيره يُحركها كيفما يشاء، وضع هاتفه مجددًا في جيب سترته ثمّ سَارَ متجهًا إلى المسجد بعد أن عَزَ’مَ على تصحيح كُلّ شيءٍ وإعادة كُلّ شيءٍ إلى مساره الصحيح..
في هذا التوقيت كان “رمـزي” يقوم بتنـ ـظيف المسجد بعد أن أدى بالمصلين صلاة العشاء موار’بًا باب المسجد حتى ينتهـ ـي، كان يقف أمام حا’مل المصاحف يقوم بتنـ ـظيفه وتعقـ ـيمه كما أعتاد بين الحين والآخر بأند’ماجٍ، في هذه اللحظة وَلَجَ “عصفـورة” بهدوءٍ وهو ينظر إلى الداخل متفحـ ـصًا المكان حتى رأى طـ ـيفُه بالداخل، أغـ ـلق الباب خلفه برفقٍ ثمّ سَارَ بخطى هادئة إلى الداخل..
اقترب مِنْهُ بخطى هادئة حتى وقف خلفه على مسافة وجيزة، أخذ نفـ ـسًا عميـ ـقًا ثمّ زفـ ـره بتروٍ وقال بنبرةٍ هادئة:
_أزيك يا “رمـزي”.
ألتفت “رمـزي” في الحال حينما وصله صوته ليتفاجئ مِن وجوده أمامه لمرَّتهِ الأولى في المسجد، دام الصمت هُنَيْهة المكان ليقـ ـطعه “عصفـورة” الذي قال بنبرةٍ هادئة وهو ينظر لهُ:
_عارف إنك مصد’وم مِن وجودي، تقريبًا مدخلتش هنا مِن بدري وعارف إني مأ’ثر جا’مد أوي ويمكن مليا’ن ذنو’ب لو قعدت عُمري كُلّه بحاول أمـ ـحيها مش هتتـ ـمحي، ممكن أتكلم معاك شوية لو مش هضا’يقك أو أخُد مِن وقتك؟.
كان “رمـزي” متفاجئًا وغيرُ مُصدقٍ ما يسمعه ويراه ولكنهُ تما’لَك نفسُه سريعًا وأعطاه موافقته بهزَّ’ة صغيرة مِن رأسه مُشيرًا إليهِ نحو أحد أركان المسجد وقال بنبرةٍ هادئة:
_أستناني هناك هجيلك دلوقتي.
لَبْـ ـى “عصفـورة” مطلبه دون أن يتحدث ثمّ أتجه نحو الرُ’كن الذي أشار نحوه “رمـزي” وجلس على أر’ضية المسجد بهدوءٍ منتظرًا إياه، فيما تَرَكَ “رمـزي” ما كان يفعلُه واقترب مِنْهُ بخطى هادئة حتى جاوره في جلستهِ بهدوءٍ ثمّ نظر لهُ نظرةٍ هادئة وقال:
_سامعك، قول اللي عايز تقوله.
ابْتَلَـ ـعَ “عصفـورة” غُصَّـ ـته بتروٍ ليدوم الصمت قليلًا فيما بينهما هُنَيْهة ليُقر’ر قطـ ـعه بقوله الهادئ:
_أول حاجة جيتلك عشان ترجعني للطريق الصح تاني، أنا أسمي الحـ ـقيقي “يعقـوب”، “عصفـورة” دا لمَ بدأت أروح لطريق مش طريقي ولا سِـ ـكتي بس الشيطا’ن كان شاطر وقتها وعِرِف يبعـ ـدني عن طريقي الصح، “يعقـوب” كان شا’ب كويس، شخصية صا’لحة وبشو’شة، كان طَمُو’ح، ومُعافـ ـر، مبيحبش يستسـ ـلم، كان محبوب، وطيب، بس لمَ الشيطا’ن دخل وبدأ يغو’يه أستسـ ـلمله ومشي وراه وبقى الشخصية الأسو’أ، حتى حـ ـق ربنا عليا مبعملهوش، أكيد “يـوسف” حكالك الخلا’فات اللي بينا ويُعتبر بينا مصا’نع الحد’اد زي ما بيقولوا، بس أنا بقالي فترة مش كويس وبقيت أقر’ف مِن نَفسي، بشمـ ـئز مِن نَفسي لمَ أقف قدام المرايا وأقارن بين شخصيتي دلوقتي شخصيتي قبل ٦ سنين، أنا عارف إني ماشي فالطريق الغـ ـلط وكُنْت رغم كُلّ دا بكا’بر وأعا’ند، بس دلوقتي مبقتش طا’يق نَفسي وقر’فان، عايز أرجع “يعقـوب”، عايز أكون “يعقـوب” مش “عصفـورة”، عايز أبقى راضى عن نَفسي..
ترقرق الدمع في المُقل وبدأت و’تيرة أنفا’سه تضطـ ـرب بعد أن وصل إلى تلك النقطة ليُكمل حديثه أسـ ـفل نظرات “رمـزي” الذي كان الطر’ف المستمع دومًا للجميع:
_عايز أرجع ومش عارف أرجع، عايز أرجع وفنفس الوقت الشيطا’ن ما’نعني، كُلّ ما أخد الخطوة برجع ١٠ لورا، مبقتش حابب طريق “فتـوح” ولا حابب أكمل معاه، حتى لمَ كُنْت قاعد معاه دلوقتي قر’فت، حسيت بخنـ ـقة، صوت جوايا بيقولي بس دا مش طريقي، دا مش أنا ولا دي شخصيتي، أنتَ أزاي مستحـ ـمل نفسك بالقر’ف دا كُلّه، صوت جوايا بيقولي أرجع “يعقـوب” تاني، وواحد تاني يعا’رض ويقول لا “عصفـورة” أحسن، على الأ’قل رو’ش وبتاع اليومين دول كُلّه بقى كدا دلوقتي الناس بتتغيَّر، بس أنا مش عايز أكمل وأتغيَّر للأسو’أ يا “رمـزي”، عايز أكون “يعقـوب”، و “يعقـوب” عايزني، بس كان العا’ئق بينا “عصفـورة”.
أنهـ ـى حديثه وهو ينظر لهُ والدمع يترقرق في المُقل كالشـ ـريد لا يعلم أين تكمُن وجهته وكيف يسير وماذا عليهِ أن يفعل، يُريد الغوث وها هو أمامه، يستمع إليهِ، ويتركه يبو’ح عن ما يكمُن في جعبته، لعلّه يَمُد لهُ يَد المعو’نة وينتـ ـشله مِن مستـ ـنقع الظلا’م الذي سـ ـقط فيه برضاه، وعن “رمـزي” فقد كان خيرُ مستمعٍ لهُ، فهو هذا الصديق الذي تلـ ـجأ إليه وقت الضـ ـيق، أطـ ـلق ز’فيرة قو’ية ثمّ كَسَـ ـرَ حِدَّ’ة هذا الصمت بقوله الهادئ:
_أولًا أسمك حلو، مينفعش تستبدل إسم زي دا بإسم ملهوش معنى سوى عشان الرو’شنة زي ما ذكرت، حاجة كويسة إنك عايز تفو’ق وترجع لشخصك القديم تاني، تقدر تسمي الفترة دي فترة إنتكا’سة، ومُدتها خلـ ـصت وبدأت تفو’ق تاني وعايز ترجع لشخصيتك القديمة، أرجع، أرجع عشان دي حـ ـقيقتك مش اللي أنتَ عا’يش بيها دلوقتي، الرجوع صعـ ـب مش سهل إلا لو أنتَ اللي مقـ ـرر إنك ترجع ساعتها هتكون العودة سهلة، زيك شبا’ب كتير دلوقتي فنفس المرحلة دي مش لاقيين اللي يو’عيهم، هديك أبسط مثال للتوبة وهعرفك إن ربنا غفو’ر رحيم بيغفر مهما عملت، كان فيه مطرب مِن كام سنة كان لسه و’لد فسـ ـن المر’اهقة دخل مجا’ل الغُنى، غنى مهرجانات وأتعرف بسرعة البر’ق، تفتكر كان عامل أزاي؟
_كان بتاع اليومين دول، صيا’عة ورو’شنة ولبس شبا’بي، حتى طريقة الكلام، بعدها بكام سنة الشا’ب دا فجأة بقى مِن واحد بيغني مهرجانات لشيخ، ر’بى د’قنه وبقى منتظم فصلاته وكُلّ حاجة ممكن تتخيلها، كان شخص و’اقع فمسـ ـتنقع معا’صي لواحد تشوفه تحبُه، وشه بقى بشوش وأتغيَّر ١٨٠ درجة، هنا هو فا’ق فالتوقيت المناسب وبقى الشخص الصح فالتوقيت الصح، باب التوبة مفتو’ح دايمًا وربنا مش هير’دك مكسو’ر الخاطر خالص، محدش معصو’م مِن الخـ ـطأ، كُلّ بني آدم خطـ ـاء، ودلوقتي التوقيت الصح عشان ترجع تاني، “يعقـوب” فاق فالتوقيت الصح، متحر’مهوش وأرجع تاني الشيطا’ن هيكون شاطر وهيحاول يمـ ـنعك ويحليلك الحر’ام عشان تكمل دي مُهـ ـمته، ما هو إبليـ ـس ر’فض يسجـ ـد لسيدنا أدم ومِن اللحظة دي بقى البني آدم عد’و إبليـ ـس وبيحاول يغو’يهم ويمشيهم فالطريق الغـ ـلط، وعشان كدا أو’عى تسمعله وأرجع عشان ربنا قبل نفسك لو عايز ترجع.
أنهـ ـى حديثه مبتسم الوجه وهو ينظر لهُ بعد أن فعل ما كان يجدُ’ر بهِ أن يفعله، هكذا كان دومًا، الغوث للجميع، وحينما رأى ذلك في عينيه لم يبخـ ـل عليه في تقديم يَد المعو’نة لعلّه يكون سببًا في إعادته بالفعل إلى الطريق الصحيح، فيما كان “عصفـورة” شارد الذهن بعد أن أستمع إلى حديثه بالكامل وأعاد التفكير بكُلّ كلمة قالها فحديثه كان صحيحًا مائة بالمائة وهذا ما كان يُريد “يعقـوب” أن يسمعه حتى يكتسب القُدرة والشجاعة في العودة مجددًا بشكلٍ أقو’ى عن زي قبل..
مَدّ “رمـزي” يَدهُ مربتًا على كف الآخر برفقٍ وهو ينظر لهُ بوجهٍ مبتسم ليقول بنبرةٍ هادئة واضعًا إياه أمام الأ’مر الوا’قع:
_”يعقـوب” رجع، رجع مِن اللحظة دي، صدق أو متصدقش بس أنا بقولك اللي شايفُه وحا’سس بيه.
سقـ ـطت عبرات الآخر على صفحة وجهه بعد أن د’اهمته مشاعره وضغـ ـطت على نقطة ضـ ـعفُه، وحينما شَعَر بمدى حما’قته بعد أن خَسِـ ـرَ صديقًا نـ ـقيًا كـ “رمـزي” الذي لم يَرُ’ده مكسو’رًا أو مخذ’ولًا، استلقى على أر’ضية المسجد واضعًا رأسه على قدم هذا الحبيب وبكى ند’مًا على ما أوصل نفسُه إليهِ حتى الآن، لم يتفاجئ “رمـزي” فقد تو’قع مِنْهُ رَدة الفـ ـعل تلك وأكثر كذلك، وضع كفه على رأسه ما’سحًا على خصلا’ته السو’دا’ء الد’اكنة برفقٍ تاركًا إياه يبكي كيفما يشاء..
البُكاء ليس ضا’رًا دومًا، بل هو المسـ ـعف للمرء في بعض الأحيان، فيُمكن أن يُخرج أسو’أ ما بداخل المرء حتى تهـ ـدأ رو’حه ويعود إلى نفسُه التي أفتقـ ـدها مِن قبل، وفي حالة هذا الشا’ب كان ضـ ـروريًا أن يكون البُكاء عاملًا كبيرًا في هذه اللحظة كي يعود أقو’ى مِن قبل، بكى لوقتٍ ليس بقصير حتى غفى، ذهب في ثُباتٍ عمـ ـيق والعبرات تتر’ك إثرها على صفحة وجهه، تركه “رمـزي” غافيًا ثمّ سحـ ـب الغطاء الثقـ ـيل مِن جواره وقام بفـ ـرده ثمّ وضعه على جسـ ـده بالكامل حتى يحمـ ـيه مِن برو’دة الطقس..
استند بظهره ورأسه على العمو’د الرُ’خامي خلفه مغمض العينين والهدوء يحوم المكان والاضاءات الخـ ـفيفة هي التي كانت تُنيـ ـر المسجد، وأخذ يُفكر في أصدقائه وكيف سيقوم بإقنا’عهم بصلا’ح حال هذا الشا’ب وعودته لرُ’شده مجددًا وكيف سيقوم الآخر بإقنا’عهم أنهُ لم يَعُد عد’وهم، وحينما فكر فيها هُنَيْهة وجد أنها لرُبما تكون مُيَّسـ ـرة قليلًا فهو يعلم أصدقائه جيدًا وبرغم هذا كُلّه سيعفون عنهُ وعلى رأسهم “يـوسف” بكُلّ تأكيد.
____________________
<“لطالما كان العـ ـقل الو’اعي طوال حياته،
كان الفتـ ـى الحبيب الذي لم يُخـ ـطئ القلب نحوه.”>
يختلف الفكر بين رَ’جُلٍ وآخر خصيصًا إن كان شرقي..
لطالما كان العـ ـقل الوا’عي طول حياته، يستطيع أن يز’ن الأمور بتعـ ـقلٍ وحِـ ـكمة، يعلم ماذا يجب عليهِ أن يفعل جيدًا وما هي وجها’ته، كان هو الفتـ ـى الحبيب الذي لم يُخـ ـطئ القـ ـلب نحوه حينما قام بإختياره مِن بين الجميع..
وَلَجَ إلى شقته بعد يوم عملٍ شا’ق كالعادة لإنها’ء هذا المشروع الها’م الذي جعل صديقه “مُـنصف” شـ ـريكًا لهُ مؤ’خرًا، اشتـ ـم رائحة الطعام الطيبة تفو’ح مِن المطبخ لترتسم بسمةٌ هادئة على ثَغْره ثمّ قادته قد’ميه إلى الداخل ناظرًا لها يراها تقوم بتحضير وجبة العشاء لهُ بعد أن أخبرها بقدومه منـ ـهكًا، وقف خلفها ثمّ حاوط خصـ ـرها بذراعيه واقترب مِنها يُلثم خَدِّها بقْبّلة حنونة تزامنًا مع قوله الهادئ:
_إيه الروايح الحلوة دي؟ هو “يـوسف” كان بياكُل الأكل الحلو دا كُلّه وأستخسـ ـره فيا لمَ أتقدمتلك قام ر’فضني.
أتسـ ـعت بسمتُها على ثَغْرها حينما استمعت لهُ لتلتفت قليلًا برأ’سها تنظر لهُ بعد أن تذكرت هذا اليوم الذي كلما تذكرته تظل تضحك دون توقف حينما قرر هو في أحد الأيام التقدم لها وكان أخيها هو الطر’ف الو’حيد الذي بإمكانه الموافقة أو الر’فض وقد كانت هذه لحظةٌ عجيبة لا يستطيع أن ينساها حتى هذه اللحظة..
عودة إلى ثلاث سنواتٍ مضوا.
في هذا الوقت كان “يـوسف” في منزله يجلس رِفقة زوجته حتى جاءه إتصالٌ هاتفي مِن “سـراج” الذي أخبره أن ينز’ل في الحال ليتحدث معهُ في أمرٍ ضـ ـروري، وبرغم تعجُب “يـوسف” كان مـ ـلبيًا مطلبهِ ويقف أمامه بعد أن ترك زوجته وذهب لمقابلة صديقه الذي بدأ حديثه حينما قال بنبرةٍ جا’دة:
_بُص بقى يا صاحبي أنا هجيبهالك على بلا’طة ومِن غير لـ ـف ود’وران كتير بصراحة أنا بطلب مِنك “مـها” قولت إيه؟.
كلمتين واخـ ـتتم بهما ما كان يُريد أن يقوله، لم يُنكـ ـر “يـوسف” حينها الأمر فهو كان يعلم أن رفيقُه يُحب شقيقته ولكن حاول إخـ ـفاء هذا عنهُ حتى لا يخسـ ـره في النها’ية فكان فِكرُه يتخذ نطا’قًا آخر حينها، كان سعيدًا لأنهُ سيرى شقيقته عروسٌ ولذلك أبتسم لهُ وقال بنبرةٍ هادئة:
_كُنْت مستني أسمع مِنك الكلمتين دول بس، أنا مش هأ’من على أختي مع أي حد تاني غيرك يا “سـراج” وعارف إنك بتحبها وهي بتحبك ودي حاجة تفرحني.
أبتسم “سـراج” وشَعَر بالرا’حة حينما أستمع إلى حديثه ولذلك تحدث بنبرةٍ هادئة وقال متسائلًا:
_أفهم مِن كدا إنك موافق؟.
حرَّك “يـوسف” رأسه برفقٍ موافقًا على حديثه مبتسمًا لتتهلل اسارير الأخر الذي غمـ ـرتهُ السعادة بشـ ـدة وجعلتهُ أسعد شخصٍ على الأ’رض في هذه اللحظة، ولكن لم يد’وم هذا كثيرًا فحينها تذكّر “يـوسف” شيئًا ها’مًا ولذلك أبدى بر’فضه سريعًا بقوله:
_لا خلاص مش موافق.
ر’ماه “سـراج” نظرةٍ مستنكرة وقد اختـ ـفت بسمتهُ رويدًا رويدًا مِن على شفتيه ليُطَا’لِعَهُ مستنكرًا ثمّ قال:
_نعم؟! يعني إيه مش موافق مش مِن دقيقة كُنْت موافق ومبسوط والدنيا حلوة إيه اللي حصـ ـل؟!.
نظر لهُ “يـوسف” في هذه اللحظة نظرةٍ ذات معنى هُنَيْهة ثمّ قال بنبرةٍ جا’دة:
_افتكرت إن “مـها” أكلها طعمه حلو وأنا مش حابب حد يشاركني فيها فأسف معندناش بنا’ت للجواز بنـ ـتنا با’يرة.
تفاجئ “سـراج” أو أنهُ صُدِ’مَ حينما أستمع إلى حديثه وتوقف عقـ ـلُه عن استيعا’ب شيءٍ آخر بعد حديث رفيقُه ذاك فبالتأكيد هو مخـ ـتل هذا أول ما فكر فيه “سـراج” وهو ينظر إلى رفيقُه الذي أبتسم لهُ ثمّ حينما قرر المغادرة كان كف “سـراج” يقبـ ـض على رسغه ما’نعًا إياه مِن التحرك خطوة واحدة قائلًا:
_خُد يا عمّ أنتَ، أنتَ بتقول إيه أنتَ مجـ ـنون ولا إيه؟ إيه السبب الغريب اللي تر’فض عشانه دا، أنتَ أهبـ ـل؟!.
_يا عمّ بقولك معندناش بنا’ت للجواز يَلا طر’قنا بقى.
هكذا رد عليهِ “يـوسف” بنبرةٍ جا’دة وقبل أن يذهب منـ ـعهُ كف “سـراج” الذي أعاد إمساك رسغه مجددًا تزامنًا مع قوله المتحد’ي:
_وأنا هتجوزها يا “يـوسف” غصـ ـب عنك وهشاركك فكُل حاجة وبعدها يمكن ألغـ ـي وجودك خالص عشان تعرف تتحد’اني بعد كدا وتر’فضني حلو أوي.
هكذا اخـ ـتتم “سـراج” حديثه متحد’يًا رفيقُه الذي كان ينظر لهُ نظرةٍ هادئة ظا’هريًا تعكـ ـس عن ما يحو’م داخلهِ حينما غمـ ـرته السعادة وكاد أن يرقص فرحًا لأجل شقيقته ورفيقُه الذي لم يستسـ ـلم أمامه يومًا.
عودة إلى الحاضر.
ضحكت “مـها” حينما تذكّرت هذا اليوم وقد شاركها “سـراج” بعد أن تذكّر هو كذلك هذا اليوم ليقول بنبرةٍ ضاحكة:
_الو’اد دا كان د’ماغ لوحده أقسم بالله، أعرف الناس بتر’فض عشان أسباب مـ ـقنعة إنما “يـوسف” كان غير العالم كُلّه ر’فض عشان مش حاببني أشاركه فالأكل اللي بتعمليه، مجـ ـنون أقسم بالله.
أجابتهُ “مـها” بنبرةٍ ضاحكة مبتسمة الوجه وقالت:
_أنا ذات نفسي كُنْت متوقعة إنه هيقولك كدا عشان قالهالي مرة قبل كدا، بس متوقعتش إنُه ينفـ ـذ بجد.
أطـ ـلق “سـراج” ز’فيرة قو’ية ثمّ قال بنبرةٍ هادئة مبتسم الوجه:
_هو دا “يـوسف”، لاز’م يجـ ـننا معاه على طول، بقولك إيه أنا جاي جعان أوي قدامك كتير؟.
أنهـ ـى حديثه متسائلًا لتجاوبه هي بنبرةٍ هادئة وهي تقوم بتقلـ ـيب الطعام قائلة:
_لا خلاص أنا خلصت عُقبال ما تروح تغيَّر هدومك وتغسل وشك هكون حطيته عالترابيزة.
استحسن قولها ولذلك تركها وذهب إلى الغرفة حتى يقوم بتبديل ملابسه والاغتسا’ل لتناول الطعام، هُنَيْهة وخرجت إلى غرفة المعيشة وهي تحمـ ـل صحنين لتقترب مِن الطاولة تضعهما عليها ثمّ عادت إلى الداخل لإكمال نقل البقية، فيما خرج “سـراج” مِن المرحاض مجـ ـففًا وجهه بالمنشفة ثمّ تركها على المقعد واقترب مِن طاولة الطعام لتدا’عب رائحة الطعام الشهية أنفه..
جلس على المقعد لتُرافقهُ هي بعد ثوانٍ لتسمعه يقول بنبرةٍ هادئة مبتسم الوجه:
_تصدقي إني مكلتش حاجة مِن ساعة ما خرجت مِن هنا، همو’ت مِن الجوع مِنُه لله المدير دا كان مشروع مهـ ـبب على د’ماغه.
قهقهت “مـها” بخفةٍ ثمّ قالت بنبرةٍ هادئة وهي تُعطيه الملعقة المعد’نية:
_معلش أنا عارفة إن الموضوع صعـ ـب اليومين دول عشان بتشـ ـطبوا الموضوع هانت.
وحينما أنهـ ـت حديثها صدح رنين هاتفها يُعلنها عن أتصالٍ هاتفي مِن أخيها، انْتَـ ـصَبت واقفة وتوجهت إلى الطاولة التي تتوسط غرفة المعيشة تنظر إلى شاشة هاتفها لتجده أخيها، أخذته بهدوءٍ وأجابته بنبرةٍ هادئة مبتسمة الوجه قائلة:
_شكلك جعان، آه “سـراج” لسه راجع مِن بره وحطيت الأكل يا دوبك بنسمي الله تعالى كُل معانا.
أنهـ ـت حديثها مبتسمة الوجه ثمّ عادت تجاور زوجها الذي بدأ في تناول طعامه بعد أن شَعَر أنهُ لن يستطيع الإنتظار، تناولت طعامها وهي تُحادثه بوجهٍ مبتسم هُنَيْهة حتى قطـ ـعهما صوت “سـراج” الذي قال موجهًا حديثه إلى رفيقُه:
_ولا ولا بَطَل رغي كتير واقفـ ـل خلينا نعرف ناكل متصد’عناش !!.
نظرت “مـها” لهُ بوجهٍ مبتسم ثمّ تعا’لت ضحكاتها حينما أستمعت إلى جواب أخيها عليه، نظر لها “سـراج” نظرةٍ ذات معنى بعد أن عَلِمَ أن رفيقُه قد تو’اقح بحديثه بكُلّ تأكيد ليقول متر’قبًا:
_قـ ـل أدبُه صح؟.
أعطته موافقتها على حديثه بهزَّ’ة صغيرة مِن رأسها لتقوم بإبعا’د الهاتف عن أُذُنها وقامت بفتـ ـح مكبر الصوت ليأتي صوت أخيها الذي قال:
_قوليله أتلـ ـم وخليك فحالك واطـ ـفح وأنتَ ساكت أحسنلك بدل ما أطفـ ـحك أنا الأكل.
جاوبه “سـراج” حينما أستمع إلى حديثه قائلًا بنبرةٍ با’ردة:
_يخر’بيت ملا’فظك يالا دا أنتَ د’بش بمعنى الكلمة، وبعدين أنتَ معندكش د’م عشان قالتلك إننا بناكُل خلّي عندك إحسا’س بقى وأقفـ ـل.
_حد اشتـ ـكالك يا’ض أنتَ هي راضية خليك فحالك وملكش دعوة متبقاش حاشـ ـر نفسك بينا.
هكذا جاوبه “يـوسف” وقبل أن يُجيبه “سـراج” قا’طعتهما “مـها” حينما وَجَدَت أتصالٍ مِن شقيقتها قائلة:
_ثواني يا “چـو” هرُد على “عَـليا” وهرجعلك خليك معايا.
أنهـ ـت حديثها وأجابت على شقيقتها بعدما تلقت الموافقة مِنهُ لتُغـ ـلق مكبر الصوت وتُجيبها قائلة بوجهٍ مبتسم:
_أهلًا بالهانم اللي مِن ساعة ما جوزها رجع وهي مطنشانا على الآخر خليكي فكراها بقى.
جاءها جواب شقيقتها التي ردت عليها بوجهٍ مبتسم قائلة:
_لا أنتوا حبايبي مقد’رش أطنشكم طبعًا، وأديني أتصلت أهو أطمن عليكي.
_أنا بخير الحمدلله يا حبيبتي طمنيني عليكي.
جاءها جواب “عَـليا” التي قالت بنبرةٍ هادئة قائلة:
_أنا بخير الحمدلله يا حبيبتي، بصراحة أنا متصلة عشان عندي ليكي خبر حلو.
تر’قبت “مـها” لِمَ هو قادم حينما أستمعت إلى حديث شقيقتها لتقول بنبرةٍ هادئة مبتسمة الوجه:
_خبر إيه اللي حلو؟ استني قبل ما تقولي “يـوسف” معايا عالخط هدخله معانا عشان يسمع هو كمان الخبر الحلو دا.
أنهـ ـت حديثها مبتسمة الوجه ثمّ أبعدت الهاتف عن أُذُنها وقامت بإد’خال أخيها في المكالمة وقامت بفتـ ـح مكبر الصوت ثمّ تركت الهاتف على سطـ ـح الطاولة بجوارها وقالت بنبرةٍ هادئة:
_”يـوسف” بقى معانا أهو سلموا على بعض الأول وقوليلنا الخبر الحلو مع بعض.
أنهـ ـت حديثها لتترك أخويها يطمئنان على بعضهما البعض، نظرت إلى زوجها الذي كان متعجبًا لتجاوبه على سؤاله الصامت قائلة:
_بتقول عندها خبر حلو لينا، معرفش ليه حا’سة بإحسا’س كدا لو طـ ـلع صح هفرحلها أوي.
فَهِمَ هو مقصدها ليجاوبها بنبرةٍ هادئة وهو ينظر لها قائلًا:
_نبيهة.
أبتسمت هي بتكبـ ـرٍ وتعا’لٍ وجاوبته بنبرةٍ متعا’لية وقالت:
_طبعًا هو في حد زيي يعني.
أبتسم هو وقبل أن يجاوبها جاء صوت “عَـليا” التي قالت متسائلة:
_معايا يا “مـها”؟.
_معاكي يا حبيبتي قوليلنا إيه الخبر الحلو اللي مفرحك أوي كدا.
هكذا جاوبتها “مـها” مبتسمة الوجه ثمّ تناولت طعامها لتقول الأخرى بنبرةٍ غمـ ـرتها الفرحة والسعادة:
_أنتوا الاتنين هتكونوا خال وخالة قريب.
نظرت “مـها” إلى “سـراج” الذي أبتسم وقال متسائلًا:
_دا اللي كان فد’ماغك طبعًا مش كدا؟
حرَّكت رأسها برفقٍ تجاوبه بصمتٍ على سؤاله وهي تشعر بالسعادة لأجل شقيقتها التي ستحظى بالسعادة أخيرًا وتنا’لَ مُرادها، تحدثت “مـها” بنبرةٍ سعيدة مبتسمة الوجه قائلة:
_تصدقي كُنْت حا’سة إنك هتقولي كدا، واللهِ كان جو’ايا إحسا’س بيقولي إنك هتقولي حا’مل، بس بغـ ـض النظر عن كُلّ دا أنا مبسوطة عشانك أوي أنا عارفة إنك كُنْتي مستنية اللحظة دي مِن زمان وبصراحة أنتِ تستا’هلي كُلّ خير أنا فرحتلك أوي مُبارك يا حبيبة قلبي إن شاء الله تكمل على خير ونفرح بيه كُلّنا قريب.
أنهـ ـت حديثها مبتسمة الوجه لتتلقى الجواب مِن شقيقتها التي قالت بنبرةٍ سعيدة:
_القلب لمَ يحـ ـس بقى أنا بعد كدا همشي ورا إحسا’سك عشان بيطـ ـلع صح، بصراحة مـ ـخبيش عليكم أنا أول ما عرفت فرحت أوي كُنْت مستنية اللحظة دي مِن بدري أوي وكُنْت كُلّ ما أتعشـ ـم بحد’وثها متحـ ـصلش بس المرَّة دي أنا بصراحة مبسوطة أوي ومش عايزة أعيط تاني عشان عيطت بما فيه الكفاية الصبح.
نظرت “مـها” إلى زوجها مبتسمة الوجه بعد أن تذكّرت اليوم الذي عَلِمَت بهِ بهذا الموضوع كانت سعادتها تُضا’هي سعادتها بأي شيءٍ آخر ولذلك هي تشعُر بها الآن وتعلم هذا الشعور حينما يظلّ المرء يُـ ـلح بالدعاء دومًا بشيءٍ يتمناه القلب وحينما يحدُث تكُن سعادته مختلفة بلا شـ ـك وذات مذاق مختلف، تحدث “سـراج” بنبرةٍ هادئة مبتسم الوجه وقال:
_مُبارك يا “عَـليا” فرحتينا بالخبر الحلو دا أنتِ تستا’هلي كُلّ خير.
جاوبته “عَـليا” بنبرةٍ هادئة مبتسمة الوجه قائلة:
_الله يبارك فيك يا “سـراج” شكرًا بجد أنا حبيت أفرحكم معايا بالخبر الحلو دا وتشاركوني الفرحة دي.
سألها “سـراج” بنبرةٍ هادئة وقال مبتسم الوجه:
_بس قوليلنا أنتِ فالشهر الكام كدا.
_فالتالت.
نظر إلى “مـها” التي قالت بوجهٍ مبتسم:
_سبقاني بشهرين أنا لسه فبداية الأول.
_مش هتفرق شهرين أستنيني أجرّب أنا الأول وبعدين أبقى أقولك بقى إيه اللي بيحصـ ـل.
أجابتها “مـها” مبتسمة الوجه قائلة:
_الجد’عنة كُلّها واللهِ يا “عَـليا” خلاص هعتمدك فكُلّ حاجة بعد كدا.
_خلا كدا متفقين، هجرّب وأقولك متقلـ ـقيش.
جاء سؤال “سـراج” حينما لاحظ اختفـ ـاء صديقه قائلًا:
_هو “يـوسف” راح فين مِن ساعة ما خد الخبرية وملهوش نَفَـ ـس؟.
تذكّرت “مـها” أخيها الذي أختـ ـفى بالفعل لتقول بنبرةٍ هادئة بعد أن نظرت إلى هاتفها:
_بس هو معانا فالمكالمة لحد دلوقتي، “يـوسف” أنتَ معانا؟.
هكذا سألته في نها’ية حديثها ليأتيهم صوته المضطـ ـرب قائلًا:
_معاكم.
_ومالك مُلتزم الصمت كدا ليه شاركنا يا عمّ.
هكذا جاوبه “سـراج” بنبرةٍ هادئة بعد أن عَلِمَ أن صديقه يبكي تأ’ثرًا بهذا الخبر السارّ الذي تلقاه قبل قليل، فيما ابْتَلَـ ـعَ “يـوسف” غُصَّـ ـته بتروٍ وقال بنبرةٍ بها بُحَّةُ البُكاء:
_مفيش أنا أتفاجئت بس لمَ سمعت الخبر دا.
ترقرق الدمع في المُقل حينما استمعت “عَـليا” إلى نبرة صوته لتقول بوجهٍ مبتسم:
_”يـوسف” أنا كدا هرجع أعيط تاني بجد.
أبتسم هو حينما أستمع إلى نبرة صوتها ليجاوبها بنبرةٍ هادئة قائلًا:
_لو كُنْت موجود دلوقتي فالحارة كُنْت جيتلك جري واللهِ، مُبارك يا حبيبة قلبي فرحتلك واللهِ مِن قـ ـلبي.
_كفاية فرحتكم دلوقتي دي عندي بالدُّنيا كُلها واللهِ، ربنا يباركلي فيكم وتعيـ ـشوا وتفرحولي على طول يا حبايبي.
هُنَيْهة وأنتهـ ـت المكالمة بينهم لتترك “مـها” هاتفها مبتسمة الوجه ثمّ نظرت إلى “سـراج” الذي قال بنبرةٍ هادئة بعدما لاحظ عد’م تناولها للطعام:
_كُلي يا “مـها” مبتاكليش ليه يا حبيبتي.
تركت هي طعامها بعدما شَعَرت بالغثيا’ن وقالت بنبرةٍ هادئة:
_مليش نِفس أكُل بصراحة.
تَفَهَّم هو حديثها ولذلك قال بنبرةٍ هادئة:
_طب أعملك حاجة تشربيها على الأقل تهدي شوية؟.
ر’فضت هي حديثه لتشعر بالأمر يز’داد كلما أشـ ـتمت رائحة الطعام ولذلك لم تتحـ ـمل كثيرًا وتركته راكضة إلى المرحاض، نهض هو خلفها ليقترب بخطى هادئة مِن المرحاض ليرى الوضع يسو’ء ولذلك قر’ر غسل يديه وعدم إكماله لتناول الطعام ومرافقتها، هُنَيْهة وخرج برِفقتها مسا’ندًا إياها متجهًا نحو الغرفة ضاممًا إياها إلى أحضانه الد’افئة، أجلسها على الفراش ثمّ ساعدها في الاستلقاء وقام بعدها بوضع الغطاء الثقيـ ـل على جسـ ـدها ثمّ جلس بجوارها ما’سحًا بكفه على رأسها برفقٍ..
هُنَيْهة ورأها تنهض بهدوءٍ ثمّ وَلَجَت إلى د’فئ أحضانه واضعةً رأسها على كتفه، وعنهُ فلم يبخـ ـل عليها وضمها بذراعيه إلى أحضانه ما’سحًا على خصلا’تها بحنوٍ ليشعُر بها تد’فن رأسها بكتفه ليعقـ ـد حاجبيه قائلًا بنبرةٍ هادئة متسائلًا:
_بتعملي إيه يا “مـها”؟.
نظر إليها حينما لم يتلقى الرد ثمّ قام بر’فع كنزته الشتوية يشـ ـتمها ليجد رائحة عطره المفضّل ولذلك عَلِمَ أنها كانت بحاجة لشـ ـم شيءٍ ذو رائحة نفا’ذة ولذلك كان عطره العامل الوحيد في هذه اللحظة، تركها تشـ ـتم رائحة عطره كما تشاء ما’سحًا بكفُه على خصلا’تها برفقٍ دون أن يتحدث.
_____________________
<“وإن مضى العُمرُ كالر’ياح المو’سمية،
فلا تمضي ذكرياتُ الماضي بسهولة.”>
لحظةٌ تظُنها عا’برة، وما هي سوى ذات أ’ثرٍ كبير..
الحياة فرصة، والخيار بيد المرء يجعلها تسير في أتجاهين لا ثالث لهما، فالعُمر رقمٌ يركض سريعًا دون توقف، وعن ذكرياته التي تكون ماضيًا كلما تقدم إلى الأمام فتكون ذات و’صمة صـ ـعب محـ ـوها بسهولة..
فُتِـ ـحَ باب الشقة المغـ ـلقة منذ سنواتٍ للمرَّةِ الأولى بعد سنواتٍ مضت، وَلَجَت “شاهـي” بخطى هادئة إلى الداخل يليها “يـوسف” الذي كان ممسكًا بيَد صغيرته وتليه زوجته التي كانت تحـ ـمل صغيرتها على ذراعها، قامت “شاهـي” بالضـ ـغط على زر المقبـ ـس الكهر’بائي لتجده أنا’ر المكان مِن حولها، نظرت حولها بشو’قٍ وحنين لتجد منزلها الذي تركتهُ منذ سنواتٍ طويلة مُر’تب ونظـ ـيف..
سَارَتْ بخطى هادئة إلى الداخل وهي تنظر حولها بشو’قٍ مبتسمة الوجه وقد عادت ذكريات الماضي تطرق بابها مِن جديد، طا’فَ “يـوسف” بعينيه في أرجاء المنزل الذي يراه لمرَّته الأولى ليشعر بد’فئ المكان مِن حوله وبرا’ئحة طيبة أسكـ ـنت رو’حه، تحدثت “شاهـي” بنبرةٍ هادئة وهي تنظر لأرجاء المنزل قائلة:
_دا كان بيتنا زمان، جابهولي بعد ما “رامـي” ر’فض إني أبـ ـعد عنُه على طول، “عـدنان” كان مبيحبش يزّ’عل “رامـي” فعشان كدا جابلي البيت الحلو دا زي ما أنتَ شايفُه كدا متغيَّرش فيه حاجة كُلّ قشا’ية لسه زي ما هي، لسه ر’يحته فالمكان، كُلّ شـ ـبر فالمكان بيفكرني بيه مفيش حِـ ـتة مكانش ليا معاه فيها ذكريات.
أقتربت مِن غرفة المعيشة التي كانت مازالت كما هي كما تركتها منذ سنواتٍ، طا’فَت بعينيها في المكان بحنينٍ وترقرق الدمع في المُقل وهي تراه حولها، الذكريات التي أتفقا على بنا’ءها ها هي اليوم تعودُ إليها تذكّرها بالحبيب الذي ر’حل بعيدًا، لا’مست أناملها جدار الغرفة تزامنًا مع قولها الهادئ:
_الصالة دي مـ ـليانة زكريات حلوة معاه، كان يخليني أقعد عالكنبة دي وأنا حا’مل فيك ويقولي أنا المفروض كلمتي تتسمع لازم تر’تاحي، كُنْت شـ ـقية أوي وبحب أعا’نده فكُلّ حاجة وأعمل عكـ ـس اللي يقول عليه، وهو عشان بيحبني يقولي براحتك يا “شاهـي” مِن حـ ـقك برضوا تتد’لعي، وهنا كان بيحب يقعد دايمًا قدام التلفزيون كان مِن عشا’ق الكورة يحب يسمع التحليل الفني قبل الماتش وأول ما الماتش يبدأ ينسى كُلّ حاجة حواليه ويفرح لمَ الأهلي يكسب ويكلم كُلّ صحابه يعزمهم ويقعدوا عالسـ ـطح مِن فو’ق ويروح يجيب حلويات ويرجع ويسهروا مع بعض لوش الفجر، ولمَ يخـ ـسر ز’عل الدُّنيا كُلّها بيبقى جوه قـ ـلبه، وبعد الماتش برضوا يسمع التحليل ويتصل بـ “رامـي” ويقعد يقوله شوفت الماتش كان حلو أزاي، مش قولتلك هيكسبوا، و “رامـي” كان بيحبُه أوي يقعد يتكلم معاه فالماتش وإيه اللي حصـ ـل وإيه اللي كان المفروض يعملُه المدرب، “عـدنان” كان مجـ ـنون كورة..
أبتسم “يـوسف” وترقرق الدمع في المُقل وهو يستمع إلى حديث والدته والشـ ـغف يد’فعه للسماع أكثر عن والده الذي لا يتذكر عنهُ شيئًا، ألتفتت لهُ “شاهـي” تنظر لهُ بوجهٍ مبتسم والعبرات تلتمع في المُقل لتُكمل حديثها بنبرةٍ باكية قائلة:
_كان مبسوط أوي لمَ عرف إني حا’مل فو’لد، كان بيتمنى و’لد، كُلّ يوم وهو بيقيم الليل يقعد يدعي ويقول يا رب أنا عايز و’لد، كُلّ يوم بسمعُه بيلـ ـح بيها، لحد ما عرفنا وقتها إنُه و’لد، كان مبسوط أوي وعمال يجر’ي هنا وهنا ويضحك ويعيط، مِن فرحته بقى يقول لأي حد معدي مِن قدامه إن ربنا قِبِل دعواته وأداه الو’لد اللي قعد يدعي بيه ليل ونهار، “عـدنان” كان عفوي أوي، حتى لو قال كلمة تزّ’عل اللي قدامه يعتذ’ر بعدها ويطا’يب بخاطر اللي قدامه، أبوك كان يتحب بسرعة، وأنا حبيته أوي، حبيته لدرجة إن يوم وفا’ته لمَ فو’قت وعرفت إنه ما’ت مكُنْتش زعلا’نة، بالعكـ ـس قولت هو رايح مكان أحلى مِن هنا بكتير وهو طيب ويستا’هل المكان دا، بس بعد ما بدأت أفو’ق شوية شوية اتو’جعت أوي..
سقـ ـطت عبراتها على صفحة وجهها وبدأت تبكي أسـ ـفل نظراته التي كانت تصر’خ أ’لمًا حينما أستمع إلى حديثها عن أبيه، أزا’لت عبراتها عن صفحة وجهها وهي تُكمل حديثها الباكِ قائلة:
_كُنْت بضحك على نفسي ساعتها، أنا ضعـ ـفت مِن غيره، كان السنـ ـد والحيـ ـطة اللي عُمرها ما’لت ولا فكرت تميـ ـل، مو’ته كسـ ـرني أوي على فكرة وعجـ ـزني، إحنا مكُنْاش متفقين على كدا بالعكـ ـس، قولنا هنحـ ـقق أحلامنا هنعمل أُسرة صغيرة ونر’بي ولادنا سوى وهو اللي هيجوزهم وهنشوف أحفادنا مع بعض، بس محصـ ـلش أي حاجة مِن دي، عارفين، مغا’بش لحظة عن بالي، على طول فكراه وعلى طول بشوفه قدامي، كان ومازال أحلى حاجة حـ ـصلت فحياتي، مشوفتش مِنُه غير الحُبّ والحنية والطيبة، مفكرش يقـ ـسى عليا آه ساعات بنشـ ـد قصاد بعض ودا الطبيعي بس كان بييجي بعدها ويهزر معايا وكأن محـ ـصلش حاجة مِن شوية، مش بذ’متك يستا’هل إني مفكرش فغيره بعد مو’ته؟.
أنهـ ـت حديثها وهي تسأله بنبرةٍ باكية وعبراتها تسقـ ـط على صفحة وجهها ليُعطيها جوابه بهزَّ’ة صغيرة مِن رأسه ثمّ أر’تمى داخل أحضانها معانقًا إياها تاركًا عبراته تتسا’قط على صفحة وجهه مشـ ـددًا مِن عناقه لها دون أن يتحدث، فيما حاوطته هي بذراعيها تمـ ـسح بكفها على ظهره بحنوٍ دون أن تتحدث هي الأخرى، هُنَيْهة ولثم رأسها بقْبّلة حنونة وقال بنبرةٍ باكية:
_أنتِ أحسن واجدع وأحن وأطيب سـ ـت شوفتها فحياتي، أنتوا تستا’هلوا بعض فعلًا ويا بخته بيكي عشان كسب واحدة أصـ ـيلة زيك برغم مو’ته عُمرها ما فكرت فرا’جل غيره ولا فكرت فنفسها والحياة اللي كانت مستنياها، أنا محظوظ عشان عندي أُمّ زيك وأب زيُه.
أزا’لت “بيلا” عبراتها عن صفحة وجهها وهي تنظر لهما بوجهٍ مبتسم وعينين باكيتين، هُنَيْهة وأبتعد هو عنها يُز’يل عبراته عن صفحة وجهه لينظر لها بعد أن أز’الت هي الأخرى عبراتها عن صفحة وجهها ليقول بوجهٍ مبتسم وهو ينظر إلى أرجاء المنزل:
_تصدقي البيت طلع حلو، أنا بحب البيوت القديمة دي أوي ومش جايب أي بيت وخلاص طبعًا دي كانت حبيبة القلب برضوا.
أبتسمت هي حينما استمعت إلى حديثه ونظرت إلى أرجاء المنزل قائلة بنبرةٍ هادئة:
_عندك حـ ـق، البيت دا كُلّ حيا’تي حرفيًا.
طا’فَ “يـوسف” بعينيه في المكان ثمّ ترك والدته وزوجته ووَلَجَ إلى الداخل وهو يتفـ ـحص المكان لتجلس “شاهـي” بجوار “بيلا” تاركةً إياه يجول في المنزل كيفما يشاء، نظرت إلى “بيلا” التي ربتت على ذراعها برفقٍ مبتسمة الوجه لتمـ ـنحها كذلك أبتسامة صا’فية ثمّ بدأت تأخذ رأيها في منزلها القديم، فيما كان “يـوسف” يجول في الداخل ليولج إلى إحدى الغرف المغلـ ـقة ينظر بداخلها ليعلم مِن لون جدرانها وأثا’ثها أنها كانت لهُ هو وشقيقته..
سَارَ بخطى هادئة وهو ينظر حوله حيثُ جدرانها الملو’نة وأثا’ثها الذي مازال كما هو، رأى فراشه على اليمـ ـين وعلى اليسا’ر فراش شقيقته فكان يُميزهما الملصقات الكرتونية الموضوعة على جدرانهما، جلس على الفراش خاصتهِ بهدوءٍ وهو ينظر إلى الغرفة مِن حوله حيثُ نافذة الشُرفة ويجاورها مكتب خشـ ـبي صغير ودراجة صغيرة تعود لهُ، وعلى الجهة المقابلة الخزانة الخاصة بهما وبعض الأغراض الأخرى، نظر إلى الكومود الذي كان يفـ ـصل بين الفراشين ليفتـ ـح الدرج الأول بهدوءٍ ليرى العديد مِن الكتب والكراسات التي تحتوي على شخصيات كرتونية مختلفة ليست ملو’نة..
أز’ال الغبا’ر الذي كان يعـ ـلو غلاف الكتاب بكفه ليجده كتاب اللغة العربية الخاص بالروضة، فتـ ـح أولى صفحاته ليجد كلمة مكتوبة بالقلم الر’صاصي بخط طفولي متعر’ج، د’قق النظر إلى الكلمة جيدًا لثوانٍ ثمّ أعتـ ـلت البسمةُ ثَغْره تلقائيًا حينما عَلِمَ أنهُ كان خطه وحينما شرد قليلًا وَجَدَ أن هذا الخط يعود إلى طفلٍ في عُمره الثالث، تفـ ـحص صفحات الكتاب ليجدها فا’رغة تمامًا وهذا ما جعله يتعجب ويُعيد التفكير في الأمر مجددًا بشكلٍ أكثر د’قة..
فهو كان يجهـ ـل القراءة والكتابة حتى بدأ تعلمها في سنٍ متأ’خر ولذلك لرُبما كان والده حينها يُحاول أن يجعله يكتُب أسمه قبل أن يذهب إلى الروضة فالد’ليل المؤكد أن صفحات الكتاب بيـ ـضاء وهذه الحا’دثة سَارَتْ حينما كان في بداية عُمره السادس، عاد ينظر إلى أسمُه الذي خطى بهِ حينها ليبتسم مجددًا، ترك هذه الكتب وقام بفتـ ـح الدرج الثانِ ليجد ألعابه هو وشقيقته سويًا بداخلهِ ولذلك أخرج دُ’ميتين ليرى واحدة للشخصية الكرتونية “سبايدر مان” والأخرى لشخصية كرتونية “باربي”..
شرد قليلًا بهما يُفكر في حياتهما الطفولية التي تد’مرت في ليلةٍ وضـ ـحاها وأصبحا يبيتا في الشو’ارع المظـ ـلمة و’حيدين، ولكن كلما تذكّر الماضي شعر بالأ’لم في قلبه ولذلك لا يُريد أن يتذكّر هذه الليلة السو’دا’ء مجددًا يكفي ما نا’له مِنها حتى هذه اللحظة، أخذهما “يـوسف” معهُ ثمّ انْتَـ ـصَب واقفًا واقترب مِن الخزانة وقام بفـ ـتحها ونظر داخلها ليجد العديد مِن الملابس المنزلية بها سواء كانت لهُ أو لشقيقته، مَدّ يَدهُ اليُـ ـمنى وأمسك بتلك الكنزة الصغيرة الشتوية ذات اللو’ن البُـ ـني المرسوم عليها شخصية كرتونية “توم وجيري” ينظر لها قليلًا..
كانت تعود لهُ كذلك مثل هذه الدُ’مية، نظر بعدها إلى كنزة شقيقته ذات اللو’ن الور’دي ليأخذها كذلك متفحـ ـصًا إياها ليبتسم بسمةٌ هادئة حينما رأى الفر’ق بينهما، وَلَجَت “بيلا” لهُ في هذه اللحظة وهي تنظر إلى أرجاء الغرفة ثمّ أقتربت مِنْهُ لتجاوره وهي تنظر إلى ما يُمسكه بين يديه، نظر هو لها وأبتسم ماددًا يَدَهُ اليُسر’ى إليها قائلًا:
_بُصي يا “بيلا” دول اللي خدتهم مِن ألعابي أنا واختي لمَ كُنْا صغيرين، لو شافتها هتفرح، هترجعها لأيام كانت نفسنا تكمل بس محـ ـصلش نصيب وقتها.
مَدّ يَدَهُ اليُـ ـمنى لها كذلك وقال بنبرةٍ هادئة مبتسم الوجه:
_والسويت شيرت دا بتاعي وأنا صغير بُصي كان حلو أزاي، ودا بتاع “مـها”.
أخذتهما “بيلا” مِنْهُ وهي تتفحـ ـصهما بوجهٍ مبتسم لتقول بعد أن نظرت لهُ:
_حلوين أوي يا “يـوسف”.
نظرت هو إلى الكنزتين بوجهٍ مبتسم هُنَيْهة ثمّ قال بنبرةٍ هادئة:
_قولت أخُد نظرة عالبيت ولقيت حاجتي أنا وأختي وإحنا صغيرين، شوفتي حلوين أزاي رغم إن بقالهم سنين بس لسه زي ما هما.
_شكلك كُنْت وا’د قمور وچينتل.
هكذا جاوبته مبتسمة الوجه بعد أن تفحـ ـصت كنزته الصغيرة ليجاوبها هو ضاحكًا:
_شوفتي مِن صغري مش حاجة جديدة عليكم يعني.
نظرت لهُ مبتسمة الوجه ثمّ جاوبته بنبرةٍ هادئة قائلة:
_طبعًا يا عمّ حد يقدر يقول غير كدا.
نظر لها هُنَيْهة مبتسم الوجه ثمّ اقترب مِنها يُلثم خَدِّها بقْبّلة حنونة قائلًا:
_مبحبش حد قدك واللهِ.
أبتسمت هي لهُ ليقوم هو بعدها بغلـ ـق الخزانة ثمّ خرجا سويًا لتتركه هي وتعود إلى “شـاهي”، فيما وقف هو أمام الغرفة وقد ألتقط صورة لها حتى يُريها إلى شقيقته حينما يعود، نظر بعدها إلى الغرفة الأخرى ليقترب مِنها بخطى هادئة ثمّ قام بفـ ـتحها ونظر داخلها ليجد أنها غرفة والديه ولذلك وَلَجَ وأضاء الضوء ليبتسم حينما رأى الغرفة ر’اقية وهادئة كما تو’قع مِن قبل، أغلـ ـق الباب خلفه ثمّ سَارَ بخطى هادئة وهو ينظر لها، اقترب مِن الخزانة بخطى هادئة حتى وقف أمامها ثمّ قام بفتـ ـحها ليجد بعض الملابس الخاصة بوالده أمامه..
لا يعلم ماذا حد’ث لهُ ولكنهُ شَعَر بالعديد مِن المشاعر المتضا’ربة تُسيطـ ـر عليهِ وكعادتهِ تما’لَك نفسُه ثمّ مَدّ كفه الأيمـ ـن يلتـ ـقط سترة والده السو’د’اء ينظر لها هُنَيْهة متفـ ـحصًا إياها، كانت كنزة بسيطة ولكنها بالنسبةِ إليهِ كُلّ شيءٍ بكُلّ تأكيد، قرّبها مِن أنفه ليشـ ـتم رائحة والده مازالت عا’لقةٌ بها، لا يعلم ماذا حد’ث إليه، شعر بالعديد مِن المشاعر تضـ ـربه، أزدا’دت ضر’بات قلبُه بشكلٍ ملحوظ داخل صد’ره، أخذها واقترب مِن الكومود الذي كان موضوعًا في إحدى أركان الغرفة ليقوم بفـ ـتح الدرج الأول ليرى ورقةٌ بيـ ـضاء ملـ ـيئة بالغبا’ر والأتر’بة نظرًا لِمَ مرّت عليها سنواتٍ عديدة..
دَ’فَعَهُ فضوله لمعرفة ما يكمُن داخل تلك الورقة ولذلك مَدّ كفه الأيـ ـمن يلتـ ـقطها بين أنامله وهو ينظر لها بهدوءٍ ليتوجه بعدها نحو الفراش يجلس أ’علاه وهو يتفحـ ـص تلك الورقة هُنَيْهة ثمّ قام بفـ ـتحها بهدوءٍ ونظر لها ليبدأ بقراءة ما كتبه أبيه في هذه الورقة:
_إلى أبني الحبيب/ يوسف..
إلى أبنتي الحبيبة/ مـها..
إلى أبنتي الحبيبة/ عَـليا..
عارف إني كاتب الو’صية بدري أوي وأنتم لسه صغيرين، بس أنا مش ضا’من حياتي ولا عارف هل النَفَـ ـس دا هيدخل تاني ولا لا، عايزكم تعرفوا إني حبيتكم أوي وعُمري ما فضلت حد عن حد ولا ميزت حد عن حد، كلكم عندي واحد، عايزك يا “يـوسف” لمَ تكبر وتبقى شا’ب كبير ووا’عي تخلّي بالك مِن أخواتك البنا’ت، متخليهمش يغـ ـيبوا عن عـ ـينك لحظة واحدة ويوم ما واحدة منهم تتجوز تكون عارف أنتَ مديها لمين وهل الشخص دا هيكون أ’مين عليها ولا لا، وعايزك تخلّي بالك مِن “شاهـي” كويس دي حِتـ ـة مِن قلبي خلّي بالك، وعايزك لمَ تكبر تعرف إني بحبكم أوي وعايزك تمسـ ـك حاجتي وتكبرها وتطورها واثق فيك وعارف إنك هتكبر أسمي وتكبر أنتَ كمان معاه، أنا حاطط أملي فيك وبالنسبة للو’رث أنا وزعته عليكم أنتم الـ ٣ أنا مبحبش أظـ ـلم حد و “عَـليا” بنتي زيها زيكم، وأنا هفضل مبسوط بيك مهما كُنْت يا حبيبي عشان أنا عارف إنك بطل وقد الدُّنيا كُلّها وعايزك تعرف إنك مسافة ما تكبر وتبقى را’جل وا’عي ونا’ضج هكون أنا مبسوط مِنك وهكون واثق فيك إنك قادر عالدُّنيا وعلى أي حد.
أبوكم الحبيب/ عـدنان المُحمَّدي
أنهـ ـى قراءة الرسالة واتسـ ـعت بسمتهُ على ثَغْره وترقرق الدمع في المُقل، طو’ى الورقة مجددًا ونظر إلى سترة والده التي كانت تمكث بين يديه ليقربها مِن أنفه يشـ ـتم رائحتها ليشعُر بالرا’حة حينما أصبحت تلك السترة الخاصة بأبيه بين يديه فكان يتمنى أن يكون شيئًا مِنْهُ بين يديه، شَعَر بكف دا’فئ يوضع على كتفه لير’فع رأسه ينظر إلى صاحبه ليجدها والدته التي جاورته في جلسته دون أن تتحدث وهي تنظر إلى سترة زوجها بين يدي و’لدها..
وضع هو رأسه على كتفها وأغمض عينيه ضاممًا السترة إلى أحضانه لتحاوطه هي بذراعيها تمسـ ـح على رأسه بحنوٍ، سقـ ـط بصرها على تلك الورقة التي كانت تمكث بين يديه لتسأله عنها قائلة بنبرةٍ هادئة:
_إيه الورقة دي يا “يـوسف”؟.
فَرَ’قَ هو جـ ـفنيه ونظر إلى الورقة هُنَيْهة ثمّ جاوبها بنبرةٍ هادئة وقال:
_رسالة مِن بابا لينا، لقيت ذكرى ليا مِنُه على قد ما هي بتو’جع بس أغلب الكلام اللي فيها هَو’ن عليا كتير.
عقدت هي حاجبيه متعجبة فلا تتذكر أن زوجها قد ترك رسالة مكتوبة إلى أولاده يومًا، ولذلك أخذتها مِنْهُ بهدوءٍ وفتـ ـحتها مجددًا لتبدأ بقراءة ما كتبه “عـدنان” إليهم أسـ ـفل نظرات و’لدها الذي كان ينظر إلى الورقة بهدوءٍ دون أن يتحدث وثمة بسمةٌ هادئة ترتسم على ثَغْره فهذه اللحظة كانت أ’ثمن مِن الذهب بالنسبةِ لهُ، ورقةٌ كانت سببًا في إسعاد هذا الصغير الذي يمكث بداخلهِ ينتظر أن يحظى بشيءٍ ثميـ ـنٍ مِن أبيه الر’احل، وها هو اليوم سيحظى بالكثير والكثير مِن تلك الرحلة التي قر’ر خو’ضها رِفقة والدته..
وحينما أنهـ ـت قرأتها نظرت إلى و’لدها الذي ر’فع رأسه قليلًا ينظر لها مبتسم الوجه ليُلثم خَدِّها بقْبّلة حنونة ثمّ وضع رأسه على كتفها مجددًا وضمها إلى د’فئ أحضانه دون أن يتحدث لتُبادله هي كذلك عناقه بهدوءٍ مبتسمة الوجه وهي تنظر إلى الورقة فلا شـ ـك أنها سعيدةٌ الآن بما قرأته قبل قليل.
_____________________
<“لا بُد أن ترو’ض خيلك إذا تمر’د،
حتى لا يتمر’د إلا على أعد’اءه.”>
كان “رمـزي” واقفًا رِفقة صديقيه و “عصفـورة” بعد أن أخبرهما بما يُريده “عصفـورة” ليتلقى مِنهم نظرات قـ ـلقة غير مطـ ـمئنة وهذا حـ ـقهم فما فعله لم يكُن هـ ـينًا البتة، نظر إليهم “عصفـورة” وقال بنبرةٍ هادئة:
_حـ ـقكم تخو’نوني، وحـ ـقكم تقلـ ـقوا مِني، بس أقسم بالله أنا نيِّـ ـتي سليـ ـمة، أنا أتكلمت مع “رمـزي” وحكيتله كُلّ حاجة، لو مش مصدقيني هاتوا مصحف أحلفلكم عليه دلوقتي إني مبضحكش عليكم، أنا عايز أبعد عن الطريق المقر’ف دا عشان مبقتش متحمـ ـل نفسي وأنا مكمل فيه أكتر مِن كدا، وملقيتش قدامي غيركم تساعدوني أخرُج مِن دايرة الفسا’د دي.
نظر “لؤي” إلى كلًا مِن “مُـنصف” و “حـسن” نظرةٍ ذات معنى ليقول بنبرةٍ هادئة بعد أن عاد ينظر لهُ مجددًا:
_مصدقك، مش محتاج تحلف عالمصحف.
نظروا لهُ جميعًا أولهم “عصفـورة” الذي شَعَر بالسعادة تغمُـ ـر قلبه حينما أستمع إلى حديث “لؤي”، وثانيهم “رمـزي” الذي أبتسم بسمةٌ هادئة فخو’رًا بصديقه الذي لم يخـ ـيب ظنه بهِ، اقترب “عصفـورة” مِنْهُ وعانقه مبتسم الوجه يشكره بحركةٍ عفوية ليبتسم “لؤي” ويضمه مربتًا على ظهره دون أن يتحدث، أبتعد عنهُ وهو ينظر لهُ مبتسمًا ثمّ نظر إلى “حـسن” الذي نظر لهُ هُنَيْهة عا’بس الوجه ثمّ بعد ثوانٍ أبتسم لهُ، أبتسم لهُ “عصفـورة” ثمّ نظر أخيرًا إلى “مُـنصف” الذي كان ثا’بتًا لم يهتـ ـز ولو ثانية ينتظر ردًا مِنْهُ مثلما فعلا هذا الثنائي منذ لحظات..
نظر “رمـزي” إلى صديقه نظرةٍ ذات معنى غير ر’اضٍ عمَّ يفعله، فيما كان “مُـنصف” ير’ميه بنظراتٍ ذات معنى هُنَيْهة ثمّ قال بنبرةٍ جا’دة:
_كلمة السـ ـر إيه يا’ض؟.
نظر لهُ “عصفـورة” نظرةٍ ذات معنى ثمّ نظر إلى “رمـزي” الذي أخبره بها بصوتٍ خافتٍ للغا’ية ليوقفه صوت “مُـنصف” الذي قال بنبرةٍ جا’دة:
_أ’تكتم يا “رمـزي” أحسنلك بدل ما أكـ ـتمك أنا.
نظر لهُ “رمـزي” نظرةٍ ذات معنى وقال بنبرةٍ غير را’ضية:
_معملتش حاجة ولا فتـ ـحت بوقي على فكرة، يا ظا’لم.
أبتسم “عصفـورة” وهو ينظر لهما ثمّ جاوبه بنبرةٍ هادئة وقال:
_مش عارف بصراحة.
حرَّك “مُـنصف” رأسه برفقٍ ثمّ قال بنبرةٍ جا’دة لا تقبل المزاح:
_عد’و صاحبي عد’وي وحبيب صاحبي يبقى حبيبي لا تفكر تيجي عاللي مِني فمرَّة بدل ما ألففك القارة، أمين يا زميل؟.
_أمين يا معلم.
هكذا جاوبه “عصفـورة” ليشعُر “مُـنصف” بالرضا ولذلك أبتسم لهُ وقال بنبرةٍ ليـ ـنة عن سابقتها:
_على الله بسم الله نبدأ مع بعض صفحة جديدة.
أتسـ ـعت البسمةُ على ثَغْر “عصفـورة” الذي نظر إلى “رمـزي” الذي منحه بسمةٌ هادئة وقال:
_بالمناسبة، أسمه “يعقـوب”.
_عا’شت الأسامي يا عمّ، حلو “يعقـوب” يعملك هيـ ـبة وشخصية كدا بدل الإسم الخـ ـلِع اللي كانوا بينادوك بيه.
هكذا جاوبه “مُـنصف” بنبرةٍ هادئة ثمّ غمز بمرحٍ إلى “عصفـورة” الذي أبتسم لهُ، وَلَجَ “سـراج” في هذه اللحظة ليتفاجئ بوجوده بينهم وفي مكانهم السـ ـري !!.

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية جعفر البلطجي 3)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *