روايات

رواية صرخات أنثى الفصل الثامن والسبعون 78 بقلم آية محمد رفعت

رواية صرخات أنثى الفصل الثامن والسبعون 78 بقلم آية محمد رفعت

رواية صرخات أنثى البارت الثامن والسبعون

رواية صرخات أنثى الجزء الثامن والسبعون

صرخات أنثى
صرخات أنثى

رواية صرخات أنثى الحلقة الثامنة والسبعون

الثلاث أيام تمر بثقلهم على قلب الشيخ “مهران” والسيدة “رقية”، كلاهما يخشان من وقت كشف الحقيقة لآيوب، مرت تلك الأيام عليهما بصعوبة، وها هما الآن يجلسان على طاولة طعام الافطار دون أي شهية.
تدفقت دمعات” رقية” على خديها وحررت صوتها الذي بح من فرط البكاء، متسائلة:
_وبعدين يا مهران، هنفضل قاعدين حاطين ايدينا على خدنا كده ونسيبه يأخد ابننا، أنا لا يمكن أقبل بده أبدًا حتى لو اضطريت أروح أقوله الكلمتين دول في وش عديم الضمير ده.
طالعها بنظرة شفقة، يعلم حجم الوجع الساكن داخلها، كيف تحتمله وهو رجل لا يحتمل آلآمه، تحرر عن صمته يخبرها بعقلانية وتمني أن تتفهم حديثه:
_إفهمي يا بنت الناس إحنا عرفنا الحقيقة، ولو سكتنا عليها ربنا سبحانه وتعالى هيغضب علينا يا رقية ، ده اختلاط أنساب يا رقية إنت أد أنك ترتكبي معصية كبيرة زي دي!
تمادت بالبكاء فترك مقعده وجلس جوارها يناديها بأفضل ما أحبت سماعه:
_يا وصية رسول الله والله يحزنني حزنك، ويقتلني بكائك، لو امتلك العبد الفقير إلى الله فرصة ما رغبت أن أفرقك عنه أبدًا.
مالت على كتفه فربت عليها وهو يشد من عزيمتها:
_آيوب عمره ما هيبعد عننا، حتى لو عرف الحقيقة.
ومال برأسه لها يسألها:
_أنتِ تايهة عن تربية ايدك ولا أيه يا حجة رقية؟
أزاحت دموعها عن وجهها، وقالت برجاءٍ وقلق:
_واثقة في ربنا إنه مش هيكسر قلبي يا شيخ!
******
دار خلفه وهو يتابع عمل فريقه في تنسيق الديكورات، فناداه بضجرٍ:
_تسمح يا خواجة.
منحه عُمران نظرة شاملة، ثم عاد يتمعن باللوحة التي يعرضها له أحد عماله، شملها بنظرةٍ متفحصة ثم أشار له بالجانب الخارجي من المحل:
_الفكرة حلوة بس هتحتاجوا تكسروا الباب ده خالص، عايزه كله إزاز ومن النوع اللي كتبتهولك.
وتابع وهو يرفع رماديته للأعلى:
_وعايز باب من الحديد يدعم الازاز.
هز العامل رأسه باحترامٍ:
_تحت أمرك يا بشمهندس، حالًا هنبدأ فيه.
زفر إيثان بغيظٍ، ونكز كتف عُمران بغضب:
_يكسروا أيه ما تفهمني إنت بتعمل أيه هنا، خلاص خلصت جولتك في الجيم نزلتلي هنا؟؟ وبعدين إنت جبت مفتاح البوتيك منين!!!
قال ببرود دون ان يستدير إليه بينما يتابع تفحصه للوحة التي حملت تصميم فريقه لشكله النهائي:
_أخدته من يونس.
واستدار يخبره بعنجهية:
_تسمح ترجع المحل لحد ما نخلص، إنت عاملي إزعاج أنا وفريقي!
احتقنت مُقلتي إيثان، فجذبه إليه وهو يصيح بانفعال:
_بقولك ايه يا خواجه، أنا جبت أخري منك، يا تقولي ناوي على أيه يا تطلع من هنا إنت وفريقك كله.
وزع نظراته الهادئة بينه ويين يده الممدودة على بذلته الزقاء الباهظة بنظرة جعلت إيثان يسحب كفه بارتباكٍ أرضى غرور الطاووس، استدار يسلم اللوحة لاحد الفريق وسار للخارج يعطي آوامره بغرور:
_تعالى ورايا.
حك إيثان لحيته وهو يعتصر أسنانه بغيظٍ منه ومع ذلك لحق به للخارج، حتى وصل لأحدى التريلات المصفوفة على جانبي الحارة، فقال ساخرًا:
_دول العربيتين اللي واقفين هنا من تلات أيام كأن مالهمش صاحب، التالتة مشت بعد ما نزلت الاجهزة بتاعت الجيم، شكلها تعرف طريق الرجوع ودول تاهوا منها.
قالها بسخرية وصوت ضحكاته لم تثير بعُمران مثقال ذرة، بل أشار للسائق الذي يحرص السيارة، فهبط يتجه للباب الخارجي ومن خلفه يتبعه إيثان بفضول لمعرفة ماذا تحوي تلك الشاحنة.
فتح الباب من أمامه وبرز من خلفه صناديق حملت لوجو شركات أزياء عالمية، ومن حولها متعلقات ذهبية تحوي بداخلها أفضل أنواع البذلات والملابس الرجالية، جحظت عين إيثان صدمة، وولج للداخل كالمسحور، وكأنه يفرك مصباحه السحري الآن، فتحققت كافة أمانيه المعلقة.
بقى بالداخل لثلاثون دقيقة يحاول بهم استيعاب ما يراه، ثم خرج يهرول لعمران الذي يطالعه من خلف نظارته السوداء وبذلته الرسمية التي لجئ لها بعد فترة طويلة، هيئته توحي بأنه كان بالعمل للتو، وبالفعل خرج من مقر شركاته هنا بالقاهرة واتجه لحارة الشيخ مهران دوائه ومسكن ازعاج يومه الشاغر، وها هو ينتظر رد فعل إيثان بكل ترقب.
هرول إليه يحتضنه بقوة ألمت جسد عُمران، ومع ذلك استقبله بكل ترحاب، بالرغم من مناوشتاهما المستمرة الا أنه يحمل معزة ومكانة غريبة لهذا الإيثان، ابتعد عنه يطالعه بسعادة وقال:
_بقى التريلة دي فيها كل ده ومركونة هنا من يومها!!
هز رأسه وقال بمشاكسة:
_ولو مسكت لسانك وسبتني مع فريقي ساعتين كمان كانوا هيتعلقوا جوه البوتيك وهتستلمه كامل، بس هنقول أيه في الغبي اللي معطلنا من الصبح جوه!!
وأضاف والاخر يتابعه بصمت:
_عشان كده مرحتش مع يونس وآدهم وهما بيجيبوا آيوب!!
هز رأسه إليه، فلطم جبهته برفقٍ وهو يردد بضيق:
_طول عمري لساني أطول من دراعي بس يقصر النهاردة لاجل عيونك الملونة دي يا خواجة.
حدجه بنظرة ساخرة وقال:
_أتمنى!
ذهبت سكينته المؤقتة فور أن رأى عدد من الشباب يوزعون بطاقة الدعوات لافتتاح الجيم الرياضي، فقال يشكو لعمران:
_العيال دي قليلة الرباية، وزعوا على الناس كلها ومش راضيين يدوني دعوة، هو أنت مقولتلهمش إن الجيم بتاعي ولا أيه؟؟
ازاح نظارته للخلف وصاح ساخرًا:
_انا منبه عليهم إن البطاقات توصل للشباب والرجالة بس!
احتقنت مقلتيه بوميض خطير وصاح باستنكارٍ:
_وأنا أيــــــــه؟!!!
كبت عُمران ضحكاته بصعوبة، وأشار لاحد الشباب ليقترب إليه، التقط منه دعوة وقدمها لايثان قائلًا:
_راجل وسيد الرجالة طول ما أنت بعقلك وراسي كده، هتخف منك هقلب على أمك!
وتابع وهو يمضي خطوتين بعيدًا عنه:
_بكره الافتتاح هستناك الساعة ٧ بليل متتأخرش يا إيثو.
قالها وغادر من أمامه، بينما الاخير يعبث بما بيده وهو يردف بصدمة:
_هو عزمني ليه، أنا صاحب الجيم!!
هرع من خلفه يوقفه صائحًا:
_اسمع يا خواجـــــــــه!
توقف عُمران محله واستدار ملتحفًا برداء ثباته، بينما الاخير يقذف الدعوة تجاه الشاب ويخبره بغيظ:
_اعزم بيه حد من الشباب يابني أنا مش محتاج عزومة ده المكان مكاني!
التقط الشاب الدعوة وما كاد بالابتعاد حتى أوقفه عُمران قائلًا:
_رجعله الدعوة ونبه على الشباب إن الكائن ده ميدخلش الا بيها.
ارتبك الشاب بينهما، وخاصة حينما لمح نظرات هذا الإيثان الذي يود أن يندرج بحرب دموية بينه وبين عُمران، ومع ذلك التقط الدعوة منه بقوةٍ جعلت الشاب يهرول حبًا بالنجاة.
شيعه بنظرةٍ أخيرة، وأشار لسائق الشاحنة الاخرى باتباعه، ومضى بطريقه تاركًا ذاك الحائر من خلفه، يتطلع للبوتيك الخاص به بنظرة شاردة، فاذا بريح طيبة تدغدغ أنفه، جعلته يبتسم وهو يهمس بحب:
_شيخ مهران!
قالها واستدار لذاك الرجل الذي يتعطر بالمسك والريحان، رائحته تطيب منه قبل وصوله، سبحته لا تفارق يده ومئزره البني يرفرف من خلفه فوق جلبابه الأبيض.
قابله بابتسامة بشوشة وقال:
_واقف مش على بعضك ليه؟
أشار بعينيه على البوتيك:
_الخواجة باعت فريق يشطبلي المحل ومش كده بس، التريلا اللي واقفة من كام يوم دي فيها لبس ماركة مقدرش على تمنه.
وأضاف بحيرة نجح باطرائها على تعابيره:
_أنا مش عارف هو بيعمل معايا كده ليه؟ مش معقول بيعملها جمايل يعني، أكيد وراه حاجه انا معرفهاش!
ابتسم الشيخ مهران وقال:
_ولما عملت كده يا يونس كان وراك حاجه؟
عبث بمقلتيه بحيرة، فتابع الشيخ حديثه:
_الخير اللي عملته لو نسيته رب العباد عمره ما بينساه، الخير بيتردالك بالأعظم من عطية العبد يابني، ربنا سبحانه وتعالى قال في كتابه الكريم
بسم الله الرحمن الرحيم
لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا.
صدق الله العظيم.
وأضاف بحكمة منه:
_فعلت الخير ومنتظرتش مقابل، اتخليت عن احلامك ووقفت واقفة راجل جنب صاحبك المسجون، واللي ربنا سبحانه وتعالى أعلم إذا كان حي ولا ميت، أكرمته وربنا أكرمك فسخرلك عُمران سبب، ويمكن ده سبب من أسباب نزوله مصر، والله أعلى وأعلم.
شرد بحديثه المتقن، كان منظمٍ بطريقة لمست قلبه، عاد الشيخ يربت على ظهره بحنان ومن ثم غادر على الفور لجلب الاغراض التي تحتاجها زوجته لتعد وليمة استقبال لابنه آيوب، بينما بقى إيثان يتطلع للفراغ ببسمة صغيرة ويقين تام بحديث الشيخ مهران.
******
ارتشف من كوب قهوته متلذذًا بالسكون الذي يغمر المكان من حوله، بينما يقرأ كتابه المفضل بتمعنٍ، فاذا بطبقٍ يُوضع من أمامه ومن فوق الطاولة تطل شقيقته، ومن جوارها زوجه اخيه التي وضعت كوب من العصير.
راقبهما علي بشكٍ، وتساءل بحيطةٍ:
_في أيه؟!
كانت شمس أول من تحدث:
_عملتلك سلطة زبادي وخيار ومنستش الليمون زي ما بتحبها بالظبط.
أضافت مايا بابتسامة واسعة:
_وأنا عملتلك عصير برتقان فريش ومن غير أي سكر.
منع ظهور ابتسامة على وجهه، ورفع عينيه لمن تقف خلف مقعدهما، متسائلًا بسخرية:
_وإنتِ يا فطيمة جبتيلي أيه؟
رفعت كتفيها ببراءة مصطنعة:
_لا أنا معنديش أي مشاكل مع عُمران، هما كام مشكلة بسيطة كده تبع الشغل ومحلولة يعني، شوف بس شمس ومايا وحاول تساندهم يا علي.
همس بصوتٍ خافت ولكنه كان مسموع للجميع:
_يا عيون علي إنتِ!
وتنحنح وهو يترك الكتاب عن يده، ثم تساءل بخشونة:
_أيه اللي حصل؟
انفجرت شمس بوجهه كالبركان:
_عُمران مصمم خطوات رقصة لفرحي ومصر يخلي آدهم يرقص عليها!!! يعني إنت حليت مشكلة الهدية وفعلًا إدهاله يطلعلي بحكاية الرقصة دي، متخيل يا علي إن آدهم ممكن يرقص!!
_لأ مش متخيلها!
قالها علي بصدمة من حديث شقيقته، فصاحت بحنق:
_شوفت!
هز رأسه بخفةٍ، واتجه بعينيه لزوجة أخيه التي قالت بعصبية بالغة:
_أخوك من وقت ما جينا مصر وهو مختفي يا علي، انا عارفة إنه مشغول بنقل اعماله هنا، وافتتاح المركز اللي إنت اشتريته وسبتهوله يعدل شوية تفاصيل فيه، بس ده مش مبرر يهملني أنا وابنه ولا أيه يا علي؟
_لا مش مبرر طبعًا!
قالها بضيقٍ اجاد صنعه وهو يراقبهما بنظرة حزن مصطنعة، وما ان رفع مُقلتيه إلى زوجته التي تراقب الفتيات بتأثرٍ حتى ابتهجت معالمه وشق الخفق قلبه العاشق، وما أن تلاقت اعينهما حتى اشارت له بحدة على الفتيات، فتنحنح بخشونة لحقت حزمه التام:
_متقلقوش أنا مش هسكت عن لعب العيال ده، وهأخد منه موقف.
طرقت شمس الطاولة بحماسٍ:
_احلى أخ بالدنيا كلها يا علي، بص هو تقريبًا بقى مريض نفسي ومحتاجاك تعالجه.
استدارت لها مايا تهاجمها بعدوانيةٍ:
_مين ده اللي مريض نفسي يا شمس، ما تلمي لسانك شوية ومتنسيش إنك بتتكلمي عن جوزي أبو ابني!!
تساءلت بحدة ساخرة:
_وهو فين جوزك ده يا مايا؟
_موجود ورهن اشارتها يا شمس، أنتِ اللي لازم تخافي وتخافي أوي من اللي هعمله معاكِ انتِ وحضرة الظابط بتاعك ده!
صوته اقتحم مجلسهم، فاذا بشمس تصعد فوق مقعدها وهي تبحث من حولها عنه، ارتعبت مايا هي الاخرى وهي تراقب المكان من حولها، قائلة بصدمة:
_عُمران إنت فين؟!
_في قلبك ومعاكِ مكان ما تكوني يا بيبي!
عادت نظراتها لعلي الذي ابتسم وهو يشير لفاطمة التي تحمل الهاتف وتتطلع لهم بصدمة، فور أن تلاقت مكالمه منه فتحت الهاتف، تحاول سماعه من بين أصوات الشجار العنيف بينهم، حررت السماعة الخارجية عساها تتمكن من سماعه، وكأن عقلها تعطل عن العمل، وتناست تجمع المجلس وادناته إليه.
منحتها شمس نظرة قاتلة، فقدمت لها فاطمة الهاتف وهمست برعب:
_نسيت والله اننا بنتكلم عليه!!!
تحرر صوتها المرتجف بصدمة:
_ومدياني الفون لييييه، اديه لعلي.
أتاها صوت عمران يتواقح:
_وماله يا شمس إديني علي أنا كده كده راجعالك، هتروحي مني فين يعني؟!! ولعلمك لو حضرة الظابط بتاعك مطلعش وهز وسطه قدام الخلق مفيش جواز وإبقي وريني هتمنعيني إزاي عن اللي في دماغي!
قذفت الهاتف لزوجته التي طالعت الهاتف بريبة، ورددت بتلعثم:
_أنا… آآ… معملتش حاجة أنا!
كبت ضحكاته وقال ساخرًا:
_حبيب قلبه كبر وبقى بيشتكي جوزه لاخوه الكبير وشكل كده الموضوع كبر ومحتاج كوبايتين قهوة وقعدة صباحي.
_لااااا لأ، متجيش النهاردة خليك مع اصحابك وعند الشيخ مهران زي ما بترتاح.
_ودي تيجي يا بيبي، حبيب قلبي مشتاقلي وبيشتيكيني مش لازم ألبي النداء ولا أسيبه زعلان، بالله ده كلام؟؟
قذفت مايا الهاتف لعلي الساقط بنوبة من الضحك من مظهر الفتيات من حوله، حتى زوجته اكتسى وجهها الرعب وكأنها ترى زومبي قافذ من أفلام الرعب للتو، التقط الهاتف من مايا وقال يهدئها:
_مش هيعملك حاجة إهدي يا مايا.
رددت بحروف متقطعة بينما تشد الهمة للفرار:
_ابعد أخوك عني يا علي، أنا هلم هدومي وهروح لبابا كام يوم، أصلًا نفسيتي سيئة ومحتاجة راحة.
_أصلًا أممممم!! طيب يا بيبي لو بوابة الكمبوند لمحت طرف فستانك البينك ده هعلقك بيه من الدور التاني وشوفي بقى بنفشك الوجه الاجرامي للبشمهندس عُمران سالم الغرباوي بنفسك، إنتوا عيلة معتش ينفع معاكم التعامل السلمي، بعد كده همشي بالسلاح واللي مش هتعجبني كلامها هفرتك نفوخ أمـ…. ولا بلاش خليني ساكت أحسن!
_بعد كل اللي بتقوله ده وساكت، أمال لو انطلقت هتقول أيه تاني يا وقح يا عديم التريبة، أنا معرفتش أربيك!!! وبعدين من امته بتتكلم بالاسلوب السوقي ده!!
صعق حينما استمع لهذا الصوت الانوثي الرقيق، فردد بدهشةٍ:
_فريدة هانم!!
اتاه صوت علي الضاحك يخبره:
_حسيت إني مبقتش قادر على تربيتك فعملت اضافة لرقم فريدة هانم تربيك بنفسها، وعلى راي المثل الولد لما يثور ويخرج عن الحدود نجبله مامته تعاقله وتعلمه الاصول بقلم دكتور علي الغرباوي.
ردد من بين اصطكاك أسنانه:
_من امته وليك في حركة الصيع دول يا علي؟
_سيبك من علي ورد عليا، إزاي تكلم زوجتك بالطريقة السوقية دي يا محترم!!
اجابها بهدوءٍ ورقي صدم الفتيات:
_مساء الجمال فريدة هانم، أنا قولت إن الصوت الشتوي الرقيق ده ميطلعش إلا من برنسس عيلة الغرباوي.
وأضاف بمكرٍ:
_حاسس أني مفتقد ضمدة حنونة من القمر اللي وحشني ده، ساعتين وهشوفك على تربيزة الغدا princess.
رددت بعدم تصديق:
_إنت بكاش بشكل مش معقول.
قالتها وأغلقت الهاتف على الفور، فتصاعدت ضحكات عمران وقال يعاتبه:
_بقى كده يا علوى بتسلمني تسليم أهالي، وأنا اللي نازل رن عليك واقول بيكنسل ومبيردش ليه، كويس اني لجئت لفاطيما عشان ربنا يكشفلي وشك الحقيقي.
ترك الفتيات يجتمعن حول الطاولة، وغادر سجيبه باستنكار:
_وشي انا الحقيقي!! ولا وشك إنت يا أوقح خلق الله.
تخلى عن مرح الحديث بينهما وقال:
_افتح موبايلك باعتلك موقع ينفع تجيني فيه؟
أجابه بقلقٍ:
_عمران إنت كويس؟؟
التقط نفسًا مسموعًا وقال:
_عمري ما كنت كويس زي النهاردة، بس محتاج لوجودك جنبي، حابب نقضي اليوم مع بعض بعيد عن أي خروجه مع الهوانم اللي عندك، ينفع ولا لا؟
خطف نظرة متفحصة للفتيات واجابه بترحابٍ:
_مسافة الطريق وهكون عندك!
*******
اقتحمت سيارة آدهم حارة الشيخ مهران، وبمقدمتها يجلس آيوب جواره، بينما بالخلف يجلس يونس، توقف قبالة المنزل، فشكره يونس وهبط يجذب حقيبة آيوب الصغيرة من الخلف، بينما تبقى آيوب محله، يطالعه بدهشةٍ تُرجمت بسؤاله المستنكر:
_مالك يا آدهم؟ من أخر مرة شوفتك فيها وآنت مش طبيعي، حاسس إن فيك حاجة!
استدار إليه يقابله ببسمةٍ باهتة وقال:
_هتعرف تداويني يا آيوب؟
زوى حاجبيه باستغراب:
_للدرجادي موجوع؟
أغلق عينيه يجيبه بحزن:
_اللي يفرقلي وجع اللي حواليا، يهمني أكتر من وجعي.
تساءل وهو يعتدل بجلسته إليه متلهفًا:
_طيب اتكلم واحكيلي.
اقتحهما صوت طرقات على زجاج نافذة السيارة، التفت آيوب فوجد إيثان يشير له صارخًا ببهجة:
_بشمهندس آيوب وحضرة الظابط، أتاري الحارة منورة.
فتح آيوب باب السيارة، ووقف قبالته يتطلع له بنزق طال نبرته المتأففة:
_خير يا كابتن؟
طرق على كتفه بغلظته المعتادة:
_كل خير يابن الشيخ مهران، وحشتني وقولت أمسي عليك ولا أنا موحشتكش!
نزع يده عنه وقال بحدةٍ:
_إبعد عني السعادي يا إيثان، أنا راجع واخد دور برد وجسمي همدان.
وقبل أن يشرح له صدق مرضه المفاجئ، انطلق بنوبة من السعال، جعلت آدهم يهبط من السيارة ويتجه إليه يسأله باهتمامٍ:
_مالك يا آيوب؟
منحه ابتسامة صغيرة وقال:
_دور برد بسيط متقلقش
واستطرد وهو يدفعه برفق للبوابة:
_بما انك نزلت فلازم تطلع تتغدى معايا.
اعترض آدهم هاتفًا:
_معلش اعذرني، أنا لازم أروح لشمس، هتعمل بروڤا على الفستان.
هز رأسه بتفهمٍ، وشاكسه:
_ماشي يا عريس، بس لينا حوار مكتملش.
خيم الحزن بعمقٍ داخله، وهمس بقهرٍ:
_هيكتمل في يوم من الايام يا آيوب.
صافح آدهم إيثان، وقدم كفه إلى آيوب؛ ليودعه، فرفض أن يضع يده بيده وعانقه بحبٍ، أرغم آدهم ان يبتسم وسط دوامة همومه، بل شدد من ضمه وهو لا يعلم هل سيكون مكانه المباح أم محظور بعد كشف الحقائق.
******
هبط من الاعلى يتألق بأحد الترنجات الرياضية ذات الماركة المعروفة، يصفف شعره باستخدام الماكينات التي علمه عُمران باستخدامها، تميز بجاذبية جعلته كـ شابًا حديث الزواج.
هبط جمال للأسفل يحمل ابنه الذي استيقظ للتو، طرق الباب ففتحت والدته تحيه ببسمة واسعة وهي تثني عليه:
_اللهم صلي على النبي، أيه الحلاوة والشياكة دي كلها!
انحنى يقبل مقدمة رأسها بحب واحترام:
_ هنروح فين جنبك بس يا ست الكل.
لكزته ضاحكة:
_يوه جتك أيه يا جمال، أنا راحت عليا خلاص يابني.
شملها بنظرة مستنكرة وقال ليرضيها:
_متخافيش من عنيا ياما عمرها ما تحسدك أبدًا.
ازدادت ضحكاتها واستقطبت:
_مش هعرف أغلبك بالكلام يابن آشرقت، والمرادي هسكت عشان قلبي راضي عنك اليومين دول بالذات.
تساءل بعدم فهم لمغزى حديثها:
_واشمعنا اليومين دول بالذات!
غمزت بخبث أضحكه:
_عشان صلحت أمورك مع مراتك وبقالها كام يوم كده بتنزل وشها منور ومبسوطه، كفايا اني محستش بمشاكلكم رغم إن كان في مشاكل بينكم وده يابني الرجولة اللي عشت عمري كله بزرعها فيك.
أردف ببسمةٍ هادئة:
_يعني طلعتي قافشة الليلة من البداية!
تخصرت بيدها وراحت تتغندج:
_ده أنا أفهمها وهي طايرة يالا!
ضحك وشاركته الضحك، حتى توقفت فجأة تخبره:
_بس أنا زعلانه اوي من عُمران، كل يوم يديني مواعيد وميجيش، ده أخر مرة كان مأكدلي إنه هيجي واللي فرحني انك نزلت من السفر فقولت هيتشجع وهيجي!
يشعر بأن عُمران يتهرب من زيارة والدته عمدًا، بداخله شكوك حول تلاشيه مقابلة صبا بعد ما صار بين جميع الاطراف، مهما تسامح الجميع وحاولوا التظاهر بأن كل شيءٍ على ما يرام، لن تكون تلك حقيقة الامر.
أفاق من شروده يزدرد ريقه الجاف بخشونة:
_هيجي ياما هو بيعزك ومش هيقدر يرفضلك طلب، بس هو اليومين دول مشغول عشان بينقل شغلنا هنا بالقاهرة، ده غير إنه بيشرف على قصر الغرباوي عشان يكون جاهز استقبال عيلته.
ربتت على كتفه بحنان وهي تحمل الصغير منه:
_ماشي يا حبيبي، ادخل المطبخ قول لصبا تحضر الغدا بما إنك نزلت، واعملنا كوبايتين شاي بالنعناع وتعالى نقعد بالبرندا عما تجهز الغدا.
أشار بيده على عينيه:
_عنيا يا ست الكل.
وإتجه للمطبخ، يستند على الحائط، يراقب تلك التي تتحرك كشعلة نشاط متحركة، تقلب محتويات الطعام بأكثر من وعاء، حتى انتبهت لوجوده، فنادته باسترابة:
_جمال! واقف كده ليه؟
أجابها ومازالت يديه مربعة أمام صدره:
_محبتش أفصل اهتمامك بتفاصيل وصفاتك السحرية.
أعادت غطاء الوعاء وهي تردد من خلفه ببسمة مشرقة:
_وصفة سحرية مرة واحدة، مش للدرجادي أنا أكلي عادي.
دنى إليها يجيبها:
_مش صحيح يا صبا، أنتِ نفسك هايل في الأكل ما شاء الله.
برقت بعدم تصديق، طوال تلك المدة كان يحسن الاهتمام بها، ولم يترك فرصة الا وعبر بها عن حبه لها، وها هو يمدح ما تصنعه بشكل جعل وجهها يحمر خجلًا لاختبارها تلك الاحاسيس لاول مرة.
انحنى يلتقط ما وضعته بالملعقة قبل أن تتذوقها، وقال بإعجاب:
_أممم… جميل أوي تسلم ايدك.
وتركها تقف محلها ثم التقط البراد يصنع الشاي جوارها، فقالت على استحياء:
_سيبه واطلع وأنا هعمله.
أجابها وهو يجذب أحد فروع النعناع من المزهرية المتطرفة بشرفة المطبخ:
_كملي الغدا وانا هعمله جنبك، متقلقيش أنا بعمل شاي بنعناع عجب وهدوقك حالًا.
اتسعت ابتسامتها وقالت بحب ونظرات اعجاب سكنت حدقتيها:
_وأنا متحمسة أدوق!
*****
_يا يوسف مش معقول كده!! عشان تعمل أومليت تخلي المطبخ بالمنظر ده، وأية كمية الدخان دي كلها فهمني!!!
قالتها ليلى بتعصبٍ، بينما يتابع يوسف عمله في محاولة لتجاهلها، فرددت بغيظٍ:
_بكلمك يا دكتور!!
دفع الملعقة بحوض الأطباق، واستدار ينزع مريول المطبخ بنفور:
_تصدقي أني غلطان، بحاول كل يوم أفتكس بالأكل عشان متحسيش بملل.
صعدت على المقعد الطويل قبالته، تخبره بغضب:
_مهما تعمل أنا حاسة بالملل وبنفور غريب من القعاد هنا، إتحيلت عليك ننزل مصر مع آيوب زي ما كنا مخططين بس إنت اللي رفضت.
مال على الطاولة أمامها يحدثها بجدية:
_ليلى إنتِ مينفعش تسافري ولا تتحركي الفترة دي، إنتِ قايمة من حالة صعبة والى الآن متخطتيش الخطورة بشكل كامل، على الاقل بعد اسبوع أو عشر أيام ووقتها هقرر أنا.
لفت يديها حول رقبته وقالت بدلال:
_طيب ينفع تأخد قرار بسرعة عشان زينب وحشتني أوي.
ضحك يشاكسها باستهزاء:
_زينب بردو اللي وحشتك ولا الفسيخ!
جذبت ثمرة التفاح تلتهمها وهي تجيبه:
_باشا عيب اللي بتقوله ده، طبعًا عايزة أرجع عشان الفسيخ ودي عايزة كلام مثلًا!!!
******
أخفض هاتفه بعدما اتبع الموقع إلى الطريق، دث علي هاتفه بجيب سرواله واستكمل طريقه للداخل، حتى توقف أمام أحد مساجد حارة الشيخ مهران، راقبه علي بدهشة، حتى أنه عاد يتأكد من العنوان وإشارة الطريق.
صعد علي للاعلى وهو يتفحص الوقت بساعته الخاصة، فوجد أن الآذان سيقام بعد ساعة ونصف من الآن، إذًا ماذا يفعل أخاه بالداخل الآن؟؟
ولج علي للداخل، بعدما نزع حذائه وجواربه، فتفاجئ بسجاد المسجد مركون جانبًا بأحد الزوايا، ثم رأى ما جعله يرمش بعدم استيعاب وتصديق لما يراه، الطاووس الوقح المتعالي، يقف أمامه مشمر الساعدين ويثني بنطاله، بينما يقوم بنفسه بتنظيف المسجد وعلى ما يبدو أنه يستعين بالشاحنه المصفوفة بالخارج، وقد تثنى له رؤية السجاد الفخم الذي ابتاعه خصيصًا للمسجد، حتى أدوات النظافة من ماكينات مياه حديثة، وخزانة عتيقة للاحذية، مكتبات مفصلة لارجاء المسجد لوضع المصاحف الشريفة به، عدد من السبح بسيطة التصميم، وفوق كل ذلك عدد من الزهور الطبيعية التي قرر وضعها خارج المسجد على مسافة من الشارع الخارجي.
ابتسم علي بسعادة تنبع عن داخله، وخاصة حينما استدار عُمران يخبره بحثه الفكاهي:
_محبتش حد يشاركني الصواب ده غيرك، لإن محدش أقربلي منك، لولا فرق السن بينا كنت نادتك بأكتر إسم اتحرمت منه طول حياتي، بس لو هبصلها من جميع الجوانب فأنا ربنا بيحبني وعوضني بيك أب وأخ وصديق، وإنت مكنش ليك أب ولا حد أخد مكانته يا علي.
وأضاف بدمعة أبت الهبوط على وجهه:
_ربنا سبحانه وتعالى مخلقناش كلنا زي بعض، من علينا بنعم مختلفة بس بالنهاية كلنا متساويين، ومن النعم اللي من بيها عليك هي الصبر، طول عمرك صبور وراضي، طول عمرك بتدي أكتر ما بتأخد أنا ملقتش حاجة واحدة ايجابية في حياتب أكتر، من علاقتي بيك! وعلى فكرة أنا فخور بيك لإنك البطل الحقيقي في حكايتي يا دكتور علي.
انتقلت الدموع لرمادية علي الساكن محله، فاستطرد عمران ليخفف غمة الاجواء:
_ها يا دكتور هتساعدني؟
نزع عنه جاكيته الاسود، وأشمر عن ساعديه مثلما يفعل عمران، ثم انحنى يحمل المكنسة الكهربائية مشيرًا له بحماسٍ:
_تحب نبدأ منين؟!
*****
بحث عنها كثيرًا ولكنه لم يراها، انتهت رقية من وضع أطباق الطعام على السفرة، وهي تراقب ابنها الذي يبحث عنها بنظرات خبيثة.
وضعت الاكواب جواره وقالت بغمزة ماكرة:
_العصفورة اللي بتدور عليها فوق على السطوح من بدري، واخده على خاطرها منك عشان منعتها تروح مع يونس المطار عشان يستقبلك.
وتابعت وهي تربت على كفه الممدود على الطاولة:
_اطلع رضيها بكلمتين قبل ما الشيخ مهران يرجع.
اتسعت ابتسامته فرحة ومال يقبل يدها ورأسها، ثم هرول للأعلى سريعًا، وأبواق الشوق تسبقه على درج الغرام، صعد حتى وصل لسطح المنزل، فوجدها تجلس ببرج الحمام المشيد، تضع الحجاب باهمال على شعرها الذهبي، وتلقي الطعام بحزن يبدو عليها، دنى منها بغضب متناسيًا شوقه الجارف، جذب الحجاب عن رأسها وقال بحدة أفزعتها:
_مش قولتلك ألف مرة تربطي حجابك ولا إنتِ مبتفهميش عربي!!!!!
……. يتبع………….
#الاقوى_قادم..
#صرخات_أنثى…
#آية_محمد_رفعت..
طبعا بعد ما البوستات نزلت وعرفنا ان خلاص مفيش ختام لصرخات أنثى، هنستكملها لحد ما تخلص لان لسه فيها احداث، وزي ما قولت ان والدي ووالدتي مسافرين باذن الله يوم الجمعه فهقضي معاهم اليومين دول، فمش عارفة هقدر انزل حتى لو فصل صغير يوم الجمعه قبل رمضان ولا لا، بس هحاول ولو مقدرتش عارفة انكم هتعذروني، حبايبنا اللي منتظرين اشباح بتمنى تقدروني وتقدروا اني مش هقدر اكروت عمل اخد مني سنة كاملة كتابة عشان كام فصل، كل حاجه في وقتها حلوة والرواية لسه احداثها طووويلة، فان شاء الله هنستكمل صرخات من ثالث ايام العيد، ومتقلقوش مش هقفلها على حاجه من الاحداث النارية مراعاة لعدم اثارة فضولكم، بتمنى رمضان يكون هدنة لينا جميعًا للطاعات ربنا يرزقني واياكم حسن استقبال الشهر الكريم، ربنا يجعله شهر الغفران والتوبة لنا جميعًا يارب، وكل سنة وحضراتكم بخير وبصحة وسعادة يا ررب، شكرا من قلبي على البوستات الجميلة الداعمة لقرري على الجروب وكم التعليقات اللي جوه قلبي، بشكركم جدا جدااا وعايزة اقولكم عرض رواياتي الورقية ممتد للعيد بالخصومات فالحقوا احجزوا نسخكم على واتساب 01121530961،عشان تعيدوا مع غارثا ومزرعة بني يعقوب والنسخة الجديدة من مافيا الحي الشعبي بعد التعديلات الكاملة عليكم، ومتنسوش اني والله بحبكم في الله ♥
*****________*******

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية صرخات أنثى)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *