رواية لا تخافي عزيزتي الفصل الثلاثون 30 بقلم مريم الشهاوي
رواية لا تخافي عزيزتي الفصل الثلاثون 30 بقلم مريم الشهاوي
رواية لا تخافي عزيزتي البارت الثلاثون
رواية لا تخافي عزيزتي الجزء الثلاثون

رواية لا تخافي عزيزتي الحلقة الثلاثون
|30-رفع قناع النقاء|الجزء الاول
صلوا على الحبيب
تحرك عمر إلى منزل يارا، يحمله الترقب المشوب بأشباح الانتظار. ووقف هناك، متسمّرًا بجانب السيارة، كتمثالٍ يحرس بوابة التلاقي. كان قد وعدها بخروجٍ لطالما حلمت به، بعد غيابٍ أضناه وأضناها، غيابٍ ترك فراغًا عميقًا امتزج بمزيج من الشوق واللوعة.
في الداخل، كانت يارا تتهيأ بعناية، تتزين وكأنها تستعد لحفلٍ طال انتظاره. احتضنت الفرحة روحها، وكانت ملامحها تتراقص تحت انعكاس المرآة، كلما فكرت في لقائه. أخيرًا، خرجت من البيت، تنساب خطواتها بهدوء ووجل، حتى أبصرت عمر واقفًا ظهره نحوها، متجذرًا في مكانه، منتظرًا بترقب. لم تستطع مقاومة رغبتها في مفاجأته، فركضت نحوه بخفة وعانقته من الخلف، ضحكت ضحكة ملأها الشوق، وقالت بفرحٍ لا يخلو من حزن:
“وحشتني أوي يا عمر.”
حين شعر بلمسة ذراعيها تحتضنه، تدفق شعور مؤلم كالسهم إلى صدره، طغى عليه وجع عميق لم يستطع الهروب منه. أغلق عينيه بقوة، محاولًا أن يستجمع ما تبقى من صبره، وأن يحبس أنفاسه المتقطعة. أمسك يدها التي كانت على صدره وأبعدها عنه برفق، ثم التفت ببطءٍ كمن يحاول مواجهة حقيقة مرة. عينيه السوداوان كانت تسبح في ظلال حزنٍ قاتم، نظراته تروي حكايات من الوجع لا تجد سبيلاً للنسيان، وكأن كلماتها أشعلت داخله حرائق تأبى أن تخمد.
قالت يارا بحماس، وجهها مشرق بابتسامة تحمل العتاب اللطيف:
“هتوديني فين النهاردة؟ خلي بالك أنا زعلانة منك، عشان بقالك يومين غايب عني. يلا، صالحني.”
ظل عمر يتفحص ملامحها، عينيه تسبح في تفاصيل وجهها، تلتقط كل نظرة وكل ابتسامة. بداخله نزاع مرير، قلبه يرفض بعنف القرار الذي أقرّه عقله. لقد كان قراره أن يجعلها تكرهه، ثم يسافر بعيدًا إلى والده، كي لا يرى أخيه يحتضنها في يومٍ من الأيام،لن يستحمل مشاهدتها مع شخص آخر غيره!
نعم، خطأ أخيه وأمه كان فادحًا، لكنه كان عاجزًا عن تدمير بيتهم بالكامل. من أجل حق يارا فقط؟وهذا الحل مناسب لهم ولها أيضًا..إنها عائلته فكيف يمكن أن يرمي عائلته في الجحيم؟
ركبت معه السيارة، وهي تروي له بحماس تفاصيل الأيام الماضية طوال الطريق، لكن عقله كان في مكان آخر، تائهًا في دوامة أفكاره، لا يستطيع سماعها. كانت الأفكار تتصاعد بداخله، تعلو على أي صوت خارجي، تعزله عن اللحظة.
“عمر… عمرر… انت مش معايا.”
استفاق من شروده، التفت إليها بعينين غارقتين في صراع داخلي، وقال: “معاكِ، معاكِ… بس كنت بفكر في حاجة كده. يلا، وصلنا.”
نظرت يارا من النافذة، وارتسمت على وجهها ملامح الدهشة والسعادة، عندما رأت المراكب والسفن. صرخت بفرح طفولي، هرولت خارج السيارة كأنها طفلة وجدت كنزًا. ركضت نحو المراكب، وعندما التفتت إليه، رأت عمر واقفًا، ذراعيه معقودتان أمام صدره، ينظر إليها بعمق. ركضت نحوه ثم قفزت عليه، فاحتضنها عمر بسرعة، خائفًا أن تقع. احتضنته بشدة، وكأنها تريد أن تذيب كل جراحها في تلك اللحظة.
بعد قليل، ابتعدت قليلاً ونظرت إليه بسعادة خالصة، وقالت: “أنت وديتنا محافظة تانية عشان عارف إني بحب المكان ده؟”
أمال عمر رأسه بإيجاب، نظر إليها بعينيه قائلاً بعشقٍ ممزوج بجروح قلبه: “ولو بتحبي القمر يا يارا، هاخدك بصاروخ ونطلع عليه.”
ضحكت يارا بخفة، وقالت: “بطل فشر بقى… المهم، يلا بينا قبل ما المركب دي تتحرك.”
قال عمر مبتسمًا، رغم الألم الذي كان يخفيه: “لا، لا، أنا مأجرلنا مركب نتغدى عليها ونحضر غروب الشمس.”
“ليه يا عمر؟ بس دا بفلوس كتير و…”
قاطعها عمر، وعينيه تفيض بحب لا يستطيع كبته: “يلا بلاش هبل. فلوس إيه؟ مفيش حاجة تغلى عليكي.”
صعدا إلى المركب، وجلسا بجانب البحر، وظلت يارا تطعم الطيور، وسعادتها تغمر المكان. بدأت المركب بالغوص في وسط البحر، ويارا في قمة الفرح، شعور لم تعشه منذ سنوات. عمر، طوال الجلسة، كان يتأمل ملامحها، يحفر تفاصيل وجهها في ذاكرته، وكأنها آخر مرة سيرى فيها تلك الملامح. لم يستطع مقاومة الرغبة في الاستماع إلى حكاياتها، تمنى لو يسجل صوتها ليحتفظ به في أوقات فراغه. كان يعشق نبرة صوتها، ملامحها أثناء التحدث، ابتسامتها، عينيها. كل تفصيلة بوجهها كانت محفورة في قلبه، ولن تنزاح أبدًا.
بعد أن تناولا الغداء وأخذت الشمس في الانحدار، اقترب المركب من العودة إلى المرسى. جلس عمر في مواجهة يارا، وقلبه يغلي بالألم. قرر أن يفتح الباب على الجراح، ويبوح بما كان يحترق في صدره.
قال ببطء، بصوت متهدج، محاولًا تجميع شتات قوته:
– “انت ليه خبيتي عليا يا يارا؟”
التفتت يارا نحوه بعيون متسائلة، تبحث في ملامحه عن تفسير:
“خبيت عليك إيه؟”
حاول أن يضبط غضبه المصطنع، كأنما يضع قناعًا من الفولاذ يخفي هشاشته الداخلية:
“إنك كنتِ على علاقة بعلي من زمان… يارا، أنا صدقت أنك حامل من شخص متعرفهوش بجد! إزاي لعبتي بدماغي كده ويطلع الطفل ده من علي، وأنتو مرتبطين وخبيتي عليا؟”
وقفت يارا، وكأنما تلقت صفعة غير مرئية، ذهولها يلف المكان، وقالت بصوت مختنق من المفاجأة:
“علي؟ علي مين اللي مرتبطة بيه؟ الطفل ده من علي؟ إيه اللي بتقوله ده يا عمر؟”
نهض عمر وواجهها وحاول أن يضفي على غضبه طابعًا دراميًا، مع أنه كان يتآكل من الداخل:
“أنا مش عايز أخسرك، بس عايز أفهم إزاي هونت عليكِ تبوظيلي دماغي كده؟ كنت هتجوزك، وأخويا أبو الطفل؟ إزاي قبلتي أتجوزك وأنتِ عارفة أن علي هو أبو الطفل؟ إزاي اتصنعتي عليا الحب؟ ليه مقولتليش كل الحقيقة؟ ليه يا يارا؟ ليه؟”
أمسكت يارا بقميصه بشدة، ودموعها تتدفق بحرقة كأنها تنزف من قلبها، صرخت بصوت مبحوح:
“انت عرفت أن أخوك اللي عمل فيا كده وجاي تلومني! بتلومني أنا بدل ما تلومه هو؟ هو ده وعدك ليا؟ انت كده هتاخدلي حقي؟”
أبعد عمر يديها عن قميصه برفق قاسٍ، ونظراته تنظر بعيدًا، هاربًا من مواجهة عينيها الجريحة:
“كان ممكن أساعدك لو فعلاً طلعتي مظلومة، لكن أنتِ وهو كنتوا مرتبطين، واللي حصل ده حصل بإرادتك. أنا كنت غبي لما صدقتك يا يارا… إزاي واحدة متفتكرش مين عمل فيها كده؟”
وبدون سابق إنذار تلقى عمر صفعة قوية من يارا، جعلته يغمض عينيه، ويحاول ابتلاع مرارته، مواصلًا تمثيل دوره:
قالت بمرارة: “أخوك حيوان، وانت حيوان زيه عشان صدقته.”
حاول عمر تمالك أعصابه، كان يحاول أن يحافظ على خيط دقيق من التماسك، وقال بصوت مليء بالتعاطف المكبوت:
“أنتِ لازم تتجوزي علي، وإلا محدش هيصدقك. الطفل باقيله كام شهر وينولد، مفيش حل غير أنك تتجوزي علي وتصلحي غلطتك.”
صرخت يارا بوجع، قلبها يكاد يتمزق من هول الموقف:
“أصلح غلطتي؟ بتقولي غلطتي؟ أنا اللي غلطت! يعني خلاص كده مش هعرف آخد حقي؟ انت كده مسامح نفسك وانت عشمتني أنك مش هتسيب اللي عمل كده فيا. انت راضي عن اللي بتعمله وانت بتداري على غلطة أخوك؟”
حاول عمر أن يتماسك، صوت قلبه يخفق كأنه يدق أجراس الخطر، وقال بهدوء قسري:
“علي قالي أنكوا لما غلطتوا سوا كنتِ ندمانة وخوفتي تقولي لحد أنك غلطتي معاه. وفضلتي مخبية على الكل. صلحي اللي عملتيه يا يارا واتجوزيه. ده حل أفضل ليكِ وللطفل.”
كان الدموع تلمع في عيني يارا، وكأنها ترى شبحًا مكان عمر، همست، وكلماتها تتدفق كموجات ألم:
“وصدقته طبعًا لأنه أخوك… وكدبتني أنا لأني… لأني… لأني إيه؟… أنا ولا حاجة، أنا ولا حاجة في حياتك وده اللي اتأكدت منه دلوقتي… انت كداب ومخادع وكمان خاين… خنت ثقتي فيك… أنا مش هتجوز علي… ولو خيروني بين موتي أو أتجوزه، هختار أموت أحسن… أنا دلوقتي كرهت ابني اللي في بطني من قبل ما أشوفه، لمجرد أن علي أبوه… أنا قرفانة منك أوي يا عمر… انت طلعت جبان… جبان أوي… بكرهك، بكرهكم كلكم… الله لا يسامحكم.”
تركته، متجهة نحو باب الخروج من المركب التي أرست منذ دقائق.
وقبل أن تذهب، خلعت خاتم خطوبتها، ورمته على الأرض. نظر عمر إلى الخاتم، وانحدرت دموعه دون سابق إنذار، تراقبها وهي تبتعد.
قالت يارا بصوت متحشرج، تخفي بكاءها بصعوبة، وهي توليه ظهرها:
“أي حاجة بينا انتهت من اللحظة اللي شكيت فيا وصدقت تأليف أخوك… بتمنى تكون آخر مرة أشوفك فيها وندمانة أني حبيتك. بجد، أنت متستاهلنيش.”
خرجت من المركب، تبكي بحرقة، وعمر ظل في مكانه، يتابعها بعينين مغرورقتين بالدموع. كان قلبه يتمزق، شعر بثقل الدنيا ينزل عليه. سمع رنين هاتفه، أخرجه من جيبه ومسح دموعه بيد مرتعشة. نظر إلى الشاشة، كان علي المتصل. أجاب بصوت مهزوم، مختنق بالبكاء:
“قولتلها… وعرفتها أن الحل هو أنها تتجوزك… موافقتها دي تعود عليها… أنا مش هجبرها عليك.”
أغلق المكالمة، واتصل بشخص آخر، صوته مبحوح:
“أيوة… احجزلي طيارة بكرة… هبعتلك كل الأوراق اللي هتحتاجها. عاوز تذكرة في أقرب وقت.”
ظل بالمركب، يبحر به نحو البحر المفتوح، ينظر إلى السماء وكلمات يارا ترن في أذنيه كصدى الجراح. كان يشعر أن كل شيء انهار، وأنه خسر يارا للأبد، بجرح لا يمكن أن يندمل، ولا قرار يعيده.
____________________
يزن، الذي أصبح بمثابة حارس أمين لأسيل، كان يعتني بكل جوانب حياتها بقلق الأب وحرص الحبيب. اهتمامه بها تجاوز الحد المعقول، كأنه يتعامل مع جوهرة هشة يخشى عليها من أقل نسمة ريح. الليالي كانت تمر طويلة عليه، متقطعة النوم، يقضيها بجانبها، يطعمها بيديه، وأحاسيسه تتوهج حنانًا. كانت رعايته لها في فترة مرضها انعكاسًا واضحًا لعشقه المستتر؛ رقة لم تظهر لأحد سواها.
كانت يديه تمسح جروحها، كأنها تضميد روحها المكسورة أيضًا، محاولًا تعويضها عن قسوة الحياة بنظرته التي تنضح بالتعاطف. كان يشكل ملاذًا دافئًا في عالمها المضطرب. كانت قمر، والدتها، تشعر بالامتنان العميق لقدوم يزن في حياتهم، مثل شعاع أمل ينير أيامهم القاتمة. يزن، صديقها، أصبح ركيزة أساسية في حياة أسيل، ينشر الأمان حولها كعباءة واثقة.
في آخر نهار اليوم، حين كانت أسيل تغط في نوم هادئ بعد يوم شاق، قرر يزن أن يأخذ قمر في جولة قصيرة أسفل المستشفى، محركًا كرسيها، ويتبادلان الحديث في هدوء. كانت السماء زرقاء صافية، والشمس تتسلل بلطف بين الأوراق الخضراء، تملأ المكان بسكينة عابرة.
بينما كان يزن يحرك كرسي قمر، توقف فجأة، ونظر إليها بعينيه المفعمتين بالاهتمام الصادق. قال بصوت منخفض، لكنه يحمل في طياته رجاء حار:
“طنط قمر، أنا عايز أعرف عن ماضي أسيل… مرت بإيه، وإيه اللي وصلها للمرحلة دي؟ وحضرتك ازاي غيبتي كل السنين دي إيه اللي حصلك؟عايز أفهم كل حاجة، كل تفصيلة من الألم اللي عانته هي وإنتِ..وعلاقة طنط رحاب بيكم يخليها تإذيكم بالشكل ده!!”
أخذت قمر نفسًا عميقًا، وكأنها تتأهب للعودة إلى ذكريات مؤلمة، لكنها شعرت برغبة في مشاركة يزن الحقيقة، لأنه الشخص الوحيد الذي أظهر لأسيل الحنان الذي تستحقه. بدأت تتحدث بصوت مختنق من الذكريات التي تغمرها:
” بص يابني الحكاية بدأت من ساعت ما اتعرفت على رحاب… كنت انا ودعاء صحاب جدًا لاننا كنا جيران وانا اتصاحبت على رحاب من الكلية كنا في نفس الكلية فشيء طبيعي اني عرفت رحاب على دعاء وخليتهم صحاب وبقينا احنا التلاتة صحاب جدًا وحرفيًا كنا نايمين واكلين شاربين سوا…. ودعاء ساعتها كانت مخطوبة وفي يوم رحاب عزمتني على خطوبة بنت خالتها فأنا جيت وفرحنا وكنا مبسوطين وكان ساعتها شريف اللي هو ابو اسيل معزوم علخطوبة ولقيت رحاب واخداني على جنب وبتشاورلي عليه وبتقوله انه هو دا الولد اللي حكيتلي عنه وانه من اولاد كبار الشركات وانه هيورث كل حاجة من ابوه بعد ما يموت… انا كنت مستغربة طريقة تفكيرها قولتلها يعني حبيتيه قالتلي حبيته طبعا بقولك هيعيشني في قصر وفيه خدم هيخدموا عليا… فأنا مهتمتش ولكن كنت واخدة بالي انه ملاحظني وعمال يبصلي في الحفلة كتير المهم خلصنا الحفلة وروحنا بيتنا وبعد اسبوع كدا عرفت ان فيه عريس جايلي والمفاجأة انه طلع شريف اللي رحاب بتحبه… انا طبعا رفضت وقتها وقولتلهم…..
العودة الى الماضي:
قالت قمر بصوت مكسور، ينطوي على مزيج من الحزن والاستياء:
“يا أمي، مينفعش أتجوزه دا بالذات… هاتيلي أي واحد تاني وأنا هتجوزه.”
ردت حورية، والدة قمر، بصوت متعب ولكن مصرًا:
“يا بنتي، دا عريس ميتفوتش… دا أبوكي كلم كل معارفه أنك هتتجوزي من شريف، ابن نبيل الجوهري، أكبر صاحب شركات مأولات وماشي يعزم الناس على خطوبتك.”
“يا أمي لا، يا أمي… أنتِ عارفة مين اللي بتحبه… رحاب… وأنا مستحيل أخون صاحبتي، دا هي اللي كلمتني عنه وقالتلي إنها عينها عليه. أقوم أنا خاطفاه منها لا يا ماما، استحالة أوافق.”
حورية نظرت بعيون ممتلئة بالحزن والإحباط لابنتها، ثم أجابت بسخرية وهي تحاول إخفاء قلقها:
“رحاب؟ مين دي اللي تتجوزه؟ وهو هيبص لرحاب على إي دي، لا عيلة ولا جمال ولا أي زفت… انتِ شايفة شريف قمور ازاي هيمشي جمبها، الناس هتتكلم عليها، أما أنتِ لما تمشي جمب شريف هتبقوا لايقين على بعض. بصي انتِ حلوة ازاي أحلي من البت اللي اسمها رحاب، دي ما تبص على قدها.”
ردت قمر بدفاع عن صديقتها: “إي يا ماما، اللي بتقوليه دا، رحاب مش وحشة وتستاهل أحسن من شريف كمان… دي صاحبتي يا أمي، وبقالنا سنين سوا. قولي لبابا إني مش موافقة على العريس ويحصل اللي يحصل.”
سمعها والدها حين دخل من المنزل وفجأة صرخ صرخة هزت أرجاء المنزل قائلاً: “قمر… تعالي هنا.”
ركضت قمر نحوه بخوف، وهي تنظر بالأسفل، قائلة بخوف وحيرة:
“نعم يا بابا.”
قال سعد والد قمر بحزم وغضب لا يخفى على أحد:
“إيه اللي أنا سمعته دا… ها؟”
ركضت حورية نحو قمر، قائلة لسعد قبل أن يهجم عليها بخوف وقلق:
“مقالتش حاجة يخويا… قالت هتتجوزه… صح يا قمر هتتجوزيه صح؟”
نظرت قمر لوالدتها التي عبرت لها بتعابير خوف وحزن ممزوجة بالقلق من ما سيفعله والدها إذا رفضت عريسًا مثل هذا، فنظرت لوالدها بهمس مرتجف:
“بس هو مش ليا يا بابا… رحاب صاحبتي بتحبه وأنا…”
صرخ سعد بصوت جهوري مملوء بالغضب:
“وهو لو عاوز رحاب هيجي يتقدملك انتِ ليه؟… مش المفروض هو يكون عاوزها قبل ما هي تكون عاوزاه… اتفضلي خشي أوضتك ومش هتصاحبي البت دي تاني… احنا خلاص هنعلى ومش هتحتاجي لصحابك دول تاني، وياريت لو تنسيهم.”
ركضت قمر إلى غرفتها بدموع تحتضنها، تتساءل في صمت مؤلم، لماذا تجبر على هذا العريس… إنها لا تهتم بمظهره أو بمنصبه، إنما تهتم بالحب الحقيقي، هي لا تحبه، تريد أن تعيش علاقة حب نقية وصادقة، ولكن لن تعيشها مع هذا الثري، ترى دماغ الأثرياء بالأفلام كم هم سطحيون بالمعاملة ولا يهتمون بأمور الحب هذه.
العودة الى الواقع
اكملت قمر: كلمت دعاء وحكيتلها اللي حصل وهي قالتلي اشوفه واقعد معاه ونتكلم ولو ارتحتله اكمل في الجوازة وانها من حقي انا مش من حق رحاب واني كده مبخونهاش لانها مكنتش على علاقة بيه من اصله… ومعرفتش اتواصل مع رحاب خالص الفترة دي لان بابا كان محرج عليا فالمهم اتخطبنا انا وشريف ومقدرش اقول اني محبتوش لان كانت معاملته لطيفة وكان باين انه بيحبني فغصب عني اتشديتله أنا كمان ولما رحاب عرفت كنت متخيلة تعمل مشكلة معايا ولكن مديتش اي انطباع من اللي كنت مستنياه بالعكس دي جات خطوبتي وكانت فرحانة وبترقص ودا اللي خوفني اكتر عدت الشهور وكان شريف طالب انه يتجوزني بسرعة وفترة الخطوبة متبقاش كبيرة ودعاء صاحبتي اتجوزت وانا كمان اتجوزت شريف وكانت حياتي وردي بمعنى اصح وكان شريف بيعاملني حلو وجات زارتني رحاب في شقتي ومن بعد زيارتها مشوفتش يوم عدل وطريقة شريف باقت معايا وحشة وحياتي اتقلبت رأسًا على عقب حتى أنا مكنتش طايقة شريف وبجد كنت كرهاه اوي في الفترة دي ورحاب مبقتش بتجيلي ولما عرفت اني حامل شريف متبسطش وبقا بينفر مني كتير اوي قولت لماما وكنت حاسة ان فيه حاجة مش طبيعية لان احنا الاتنين مش معقولة بعد الحب دا نبقى مرة واحدة مش طايقين بعض خلفت اسيل وبقيت بعاملها كويس وشريف العكس من ساعت ما اتولدت وهو شريف بيتعامل وحش مع اسيل وعمره ما اخدها في حضنه ولا طبطب عليها حتى انا اللي كنت معوضاها عن غيابه لانه كان بيسافر ويسيبنا بالشهور ولما كانت رحاب بتزورني كنت بفضفض معاها من كتر الضغوط فضفت وحكيتلها كل اللي بيحصلي ولما شافت اسيل اتفاجئت بإنها شبهي جدًا وحسيت لوهلة انها محبتهاش بس محطتش في دماغي ومرت السنين واسيل كبرت وكانت لما تسألني ليه ابوها بيعاملها كده كنت اقولها عشان هو مضغوط في الشغل هو متضايق شوية كنت اجيبلها حلويات وهدايا واقولها بابا اللي جايبهم عشان احببها فيه شوية وعرفت ان رحاب اتجوزت ودعاء قالتلي انها متجوزة زوجة تانية وانها بعد كام شهر خلته يطلق زوجته الأولى انا الصراحة حسيت بقلق من ناحيتها ومن الحركة اللي عملتها ودعاء برضو… فالحقيقة الفترة دي قللت تعامل معاها وبقيت منفردة انا وبنتي ومش بعمل حاجة غير اني بوديها للمدرسة وبقعد اذاكرلها بليل وبننام وهو بيجي من الشغل متأخر ينام ويصحى بدري ينزل شغله وظلت حياتنا باردة لسنين وفي مرة لقيت رقم رحاب بيرن على تلفون شريف هو ساعتها كان في الحمام استغربت اوي وقولت يمكن موبايلي مقفول وهي مش عارفة توصلي مسكت موبايل شريف ورديت عليه وهي اول ما سمعت صوتي قفلت الخط بسرعة كنت مستغربة جدًا لان رقمها انا حافظاه فجبت موبايلي اتأكد تاني وفعلا طلع هو رقم رحاب ولما طلع شريف واجهته قالي انها عايزة تشغل جوزها في شركته وبعديها نسيت الموضوع ومحطيتش في دماغي اي حاجة وحشة .. وفي يوم قالتلي رحاب انها بتدور على شقة وانها هتعزل من المكان اللي هي فيه وعايزاني اساعدها عشان ذوقي حلو وكده وبقينا بنطلع نشوف شقق سوا استغربت انها عايزاها مفروشة وكانت دايمًا تروح المكان الاول وتخليني انا اطلعلها والفترة دي حسيت ان شريف بيراقبني وكنت بشوفه في اي مكان بروحه لدرجة اني ساعات كنت افتح عيني وانا نايمة الاقيه باصصلي وفي يوم نسيت موبايلي مع رحاب وجابتهولي تاني يوم واليوم اللي بعده كان اسود يوم عيشته في حياتي…..
العودة الى الماضي
ركضت قمر نحو اسيل قائلة لها وهي تنهج بعنف: “ايسو حبيبتي… ادخلي اوضتك واقفلي الباب على نفسك.”
قالت اسيل بخوف وهي تسمع صراخ والدها:” ماما هو بابا بيزعق ليه؟ ”
اجابتها قمر بصعوبة ورعشة تحتل جسدها خوفًا: “هو… هو بابا بيلعب معايا وبيهزر دا كله مش حقيقي دي لعبه كده… ها متفتحيش الباب غير اما اقولك ماشي يا روحي يلا روحي اوضتك بسرعة.”
ركضت اسيل بسرعة نحو غرفتها، وأغلقت الباب بشدة خلفها. بمجرد أن أغلقته، سمعت صراخ والدتها يملأ الهواء، مما زاد من خوفها. نظرت من خلال الفجوة التي يمر منها المفتاح وشاهدت ما كان يحدث لوالدتها. كان والدها يصفع والدتها بلا رحمة، وعندما سقطت على الأرض، أمسكها من خصلاتها وبدأ يجرها بقسوة من أمام غرفة اسيل.
شعرت الطفلة أسيل بقلق شديد على والدتها، وابتدأت تبكي بشدة خوفًا على والدتها. فتحت الباب مرة أخرى وركضت نحو الدرج، حيث كانت تشاهد والدها وهو يسحب والدتها من شعرها عبر السلالم، ينزل بها إلى الطابق السفلي بلا رحمة ويقول بصراخ:
“ملكيش مكان في بيتي يا خاينه….. اطلعي برا بيتي ومشوفش وشك هنا تاني… انتِ فاهمة؟
وكانت قمر تبكي وتصرخ من الوجع ولا تقدر على النطق وبمثابة رؤيتها لاسيل واقفة على اول الدرج تسخبئ وراء عمود قصير وهي تنظر لوالدتها بقلق وعلامات الرعب والخوف على وجهها وهي تبكي فقالت قمر بصوت يشوبه الحنان:” البنت… البنت ارجوك مش عايزاها تشوف اللي بتعمله مش عايزاها تشوفني كده. ”
نظر شريف لاسيل بالأعلى وصرخ بها: “ادخلي اوضتك احسن ماجي اكمل عليكِ.”
ركضت أسيل نحو غرفتها بسرعة متناهية، وأغلقت الباب بشدة وحكمته بالمفتاح بينما كانت تنتفض من شدة الرعب الذي اجتاح صدرها مما رأته بوالدتها. جلست على السرير وأخذت تختبئ تحت غطاء السرير، حاولت جاهدة تهدئة نفسها بتلاوة ما حفظت من آيات قرآنية، خائفة من قدوم والدها وجسدها كله يرتعش من شدة الرعب كانت حالتها صعبة كثيرًا لا أقدر على وصفها الأطفال الذين يعيشون أجواء ضر ب أمهاتهم هم من يرون الرعب بأعينهم ذلك أقصى وجع يكمن في ذاكرة الطفل ولا ينساه طيلة حياته.
العودة الى الواقع
بكت قمر وهي تتحدث: “يا روحي طلعت اوضتها بتعيط وقلبي كان معاها كنت متضايقة انها شافت منظر زي دا….”
كان يزن ينصت إليها، وهو يشعر بأن قلبه يعتصر من الحزن والتعاطف. تلك الحكاية كانت ترسم في ذهنه صورة أسيل وهي تتجرع مرارة الحياة، وتتحمل وحشية لم تكن تستحقها.
اكملت قمر بقهر: “رماني في عربية مع سواق وقاله يرجعني بيت اهلي بعد ما رمى عليا يمين الطلاق واني انسى ان عندي بنت من اساسه بقيت بتوسل للسواق انه يرجعني اتطمن على بنتي لكن مكنش بيرد عليا كإنه آله بتمشي على اوامر شريف وبس وساعتها الدنيا كانت بتمطر ووانا في العربية البرق والرعد اشتغلوا بطريقة قوية وكانت عاصفة شديدة من كتر قوتها السواق مكانش عارف يتحكم في العربية لان الرياح كانت قوية اوي وفي لمح البصر اتقلبت العربية بيا وبالسواق.
العودة الي الماضي
اطرق شريف على غرفة اسيل بقوة وهي تنتفض بسريرها من كل طرقة حتى سمعت صراخه
-لو مفتحتيش هكسر الباب…
لم تجيبه اسيل ايضًا لم تتحرك حتى من مكانها ففتح شريف من مفتاح آخر معه لغرفة اسيل ووجدت اسيل غطاء السرير يُرفع من عليها ويظهر الوحش أمامها نعم، هي كانت تراه بهذا الوقت الوحش الذي يبحث عن فريسة ليأكلها وها هو رآها وسيأكلها الآن رجعت للخلف بآخر السرير وهي تبكي بفزع وخوف قائلة:
” لا لا…. بابا متضربنيش…. بابا ارجوك متضربني انا آسفة والله مش هطلع من اوضتي تاني بس متضربنيش. ”
اقترب منها شريف قائلًا بحزم وقسوة:” معادش فيه ماما تاني انتِ فاهمة؟ عايزك تنسي ماما للأبد… مش هتبقى في حياتنا تاني…. انسيها تمامًا ومش عاوز سيرتها تيجي على لسانك و…..
رن هاتفه فجأة، كان الصوت مرتفعًا بما يكفي ليشعر شريف برجفة في أعماق قلبه. فتح المكالمة بينما كان مكبر الصوت عاليًا، جاءه الصوت من مكان حادث السيارة، حيث وُجدت قمر والسائق. بدون تفكير، انطلق شريف مسرعًا إلى الطابق السفلي، تلاحقه أسيل بخطوات مرتعشة، بينما كانت كلمات الرجل في الهاتف ترن في أذنيها كجحيم لا ينتهي، وأحست وكأن قلبها يسقط في هاوية بلا نهاية، قلقًا على والدتها.
“بابا، هي ماما كويسة صح؟ ماما كويسة يا بابا؟ بابا، خودني معاك، ماما كويسة، بابا…”
صرخ شريف في وجهها، وكأن صوته قد أصبح صدىً لجدار بارد: “اقعدي هنا، أنا رايح أشوف حاجة وجاي تاني. يا سعدية، تعالي خديها.”
تعلقت أسيل ببنطاله كمن يغرق ويتشبث بآخر قشة: “لا يا بابا، مش هسيبك. هاجي معاك، عاوزة أطمئن على ماما… أرجوك يا بابا، خودني معاك، أرجوك.”
استسلم شريف تحت وطأة بكائها الذي أصبح كالنزيف، وأخذها معه، لكنه وضعها في مكان بعيد عن الحادث، قبل أن ينزل من السيارة، نظر إليها بحزم وقلق وقال: “خليكي هنا، أنا شوية وجاي… سالم (السائق) خلي بالك منها.”
سألته أسيل بصوت طفولي متهدج: “وماما فين؟”
رد شريف، يحاول أن يبدو مطمئنًا بينما تهتز يداه: “مامتك مش هنا، بس أنا نازل أشوف حاجة وجاي.”
خارج السيارة، كانت العاصفة تصرخ، وكأن الطبيعة تعكس فوضى مشاعر أسيل. دقات قلبها كانت تتسارع بشكل مزعج، وكأنها تدق على أبواب الخوف. نظرت للسائق، وهي تهمس: “هو بابا مجاش ليه؟”
أجابها السائق، يحاول أن يخفي توتره: “شوية وجاي يا حبيبتي…”
بينما كان السائق يتحدث في الهاتف، استجمعت أسيل كل شجاعتها الطفولية، وقررت أن تتبع الطريق الذي سلكه والدها. فتحت باب السيارة ببطء، كي لا تصدر أي صوت، وعندما لمحها السائق في المرآة، استدار بسرعة ليجدها قد انزلقت من السيارة وبدأت تركض، وكأنها تسابق الرياح.
تبعها السائق، ينادي عليها: “يا أسيل، ارجعي!”
لكن أسيل كانت تركض، غير مبالية بصراخه، تبكي، بينما المطر ينسكب عليها كدموع السماء، والرعد يتنازع مع الرياح، كأنهما يتسابقان لمن سيصدر صوتًا أكثر رعبًا.
ركضت حتى وصلت إلى نهاية الممر المظلم، حيث أضواء كثيرة وأصوات شرطة وزحمة الناس. هرولت إلى المكان، لتجد مجموعة من الرجال يحاولون قطع باب السيارة المتهشم بآلة كهربائية.
نظرت أسيل في رعب إلى والدتها الملطخة بالدماء، التي كانت تُسحب ببطء من حطام السيارة، وجسدها مغطى بقطع الزجاج التي تقطع لحمها، ووجهها مشوه بالجروح. كان المشهد أشبه بكابوس، والسماء كانت تعكس حزنها العميق بصوت الرعد وبرق البرق، وكأنها تخاطب صرخاتها.
اندفعت أسيل نحو والدتها، تزيح كل من في طريقها بجسدها الصغير، وجلست على الأرض، تحتضن قمر، تبكي بكاءً مريرًا، وتصرخ: “لا يا ماما، متسيبينيش… متسيبينيش، أرجوكي… ماماااااا…. اصحي… اصحي يا ماما.”
حاول رجال الشرطة إبعادها، ولكنها كانت تعاند وتتمسك بوالدتها بقوة، حتى تلطخت ثيابها ووجهها بالدماء. أمسك شريف بذراع أسيل، صارخًا بحدة: “أنا مش قولت متخرجيش برا العربية!”
نظراته كانت ممتلئة بالغضب والحزن، وقد ألقى نظرة غاضبة نحو السائق، الذي وصل لتوه، وقال بحزم: “خدها علبيت.”
حاول السائق أن يقود أسيل بعيدًا، ولكنها كانت تصرخ، تصارع بكل قواها الصغيرة للبقاء مع والدتها، تصرخ بألم: “سيبوني، أنا عايزة ماما… ماما… ماما، اصحي عشان خاطري، اصحي… يا مامااا!”
بعد أن نفذ صبر السائق، حملها بين ذراعيه، وهي ما زالت تصرخ وتبكي بصوت عالٍ، أثار الشفقة في قلوب كل من شهدوا الحادث.
في ظل هذه الفوضى والصراخ، أصيبت أسيل بنوبة هلع، وفقدت وعيها. وعندما عادوا إلى المنزل، طلبت الخادمة طبيبًا لفحصها. أكد الطبيب أنها تعاني من نوبة هلع حادة نتيجة الصدمة الشديدة التي شهدتها.
بعد بضع ساعات، استيقظت أسيل، وجدت والدها أمامها، يحمل خبرًا ثقيلًا على قلبها الصغير، مزقها إربًا. أخبرها بصوت مختنق أن والدتها قد ماتت، واليوم هو عزاؤها.
امتنعت أسيل عن الطعام، فقدت النطق، وانزوت في غرفتها، حيث بقيت محاطة بصمت قاتل، لا تغادرها ذكريات الحادث الذي غير كل شيء في حياتها.
العودة الى الواقع
قال يزن يدموع زرفت من عينيه: “عشان كدا بتخاف من المطر والرعد واول ما بتسمعهم بتتفزع… عرفت انا ليه يوميها كانت بالحالة دي.”
أكملت قمر، بنبرةٍ ملؤها الألم والحنين: “وطبعًا مش محتاجة أقول إن اللي لفق لي تهمة الخيانة عشان شريف يطلقني كانت رحاب… وأديها اتجوزته زي ما كانت عايزة. واللي عرفته إنها كانت عاملالي أنا وشريف عمل وإنها ليها في السحر والأعمال… أي حاجة مؤذية حصلت لي في حياتي كانت رحاب السبب فيها. كل دا عشان كانت فاكرة إنني أخدت منها شريف اللي كانت عايزة تتجوزه عشان فلوسه بس… أنا أقسم بالله ما عارفة أنا تخطيت كل دا إزاي لوحدي. وأبويا وأمي بعد خبر وفاتي مكملوش سنة وفارقوا الحياة هما كمان، بعد ما شريف فضحني وسط أهلي كلهم وقالهم كلام عني مش صح… ومش عارفة بنتي اتخطت كل دا إزاي لوحدها. لكن ربنا كان رحيم بيا وبيها، رحيم بيا عشان خلاني عايشة وأشوفها تاني، ورحيم بيها عشان عوضها بيك… شكرًا يا يزن إنك في حياة بنتي وحاولت بقدر الإمكان إنك تطلعها من كل الجروح اللي جواها وتحسسها بالأمان لأول مرة من بعدي… أسيل حكيت لي كل اللي عملته عشانها. أنت فعلًا ونعم الرجل… ربنا يبارك فيك يا حبيبي ويرزقك من وسعه، قادر يا كريم، وأشوفك أنت وأسيل أحلى عروسين.”
|30-رفع قناع النقاء| الجزء الثاني
صلوا على الحبيب
دخلت يارا من باب المنزل، جسدها مُنهك، وكأن الحياة تسربت من روحها. خطواتها كانت ثقيلة، صاعدة نحو غرفتها. جلست على سريرها بعيون شاردة، تركت باب غرفتها مفتوحًا، كأنها تتحدى العالم للدخول ورؤية فوضى مشاعرها. عقلها كان يعيد مرارًا وتكرارًا مشهد اللحظات التي مرّت منذ دقائق، تلك الكلمات القاسية التي ألقاها عمر في وجهها، بلا أي ذرة رحمة.
استفاقت يارا من شرودها على وقع طرقاتٍ سريعة على باب غرفتها، دخل مصطفى، وجهه مشرق بالسعادة. اقترب منها بحماسٍ طفولي، جلس بجانبها على السرير وقال بلهفةٍ لا تخطئها عين: “أنا محتاجك معايا النهاردة، عشان هقول لماما إني هتقدم لهدير… هدير طلعت بتحبني برضو يا يارا… أنا بجد فرحان أوي.”
حاولت يارا أن تجاري سعادته، رسمت ابتسامة باهتة على وجهها، ووضعت يدها برفق على خده، قائلة بصوتٍ يخفي حزنها: “وأنا فرحانة لك أوي… ربنا يسعدك كمان وكمان.”
لكن مصطفى لاحظ غياب خاتم خطبتها، عينيه تجمدتا على يدها الخالية. استدار نحوها بوجهٍ متسائل، وقال: “أومال فين خاتم خطوبتك… دا إنتِ بتنامي حاضنه إيدك عشان ميضيعش… ضاع منك؟”
ترددت يارا للحظة، وأخذت نفسًا عميقًا، كأنها تجمع الشجاعة لتلفظ تلك الكلمات التي تخنقها: “لا مضاعش… أنا وعمر فسخنا الخطوبة.”
صُدم مصطفى، لم يتوقع أبدًا هذا الخبر، كان آخر ما يمكن أن يخطر بباله عند رؤية يدها الخالية. الحب الذي جمع عمر ويارا كان جنونيًا، كيف يمكن أن ينفصلا بهذه السهولة؟
نظر إليها بدهشةٍ، وعدم استيعاب: “إيه؟… إزاي؟… ليه؟ هو إيه اللي حصل؟”
لم تستطع يارا إخفاء ما بداخلها، فقد كانت الأوجاع تقتات من روحها، وتمزقها ببطء. كانت بحاجةٍ لأن تبعثر آلامها على من حولها، ربما ليخففوا عنها هذا الحمل الثقيل، ولو قليلًا. بدأت دموعها تزرف بقسوة على خديها، وهنا جاء الانهيار الذي طال انتظاره. قالت بصوتٍ متهدج، متقطع، يحمل ضعفا هائلًا:
“أبو… أبو اللي في بطني يبقى أخو عمر… علي اغت صبني يا مصطفى… وللأسف عمر مش مصدق… علي كدب على عمر وقاله إنه كان على علاقة بيا، وإن دا حصل بإرادتي. بس أنا والله… والله يا مصطفى ما فاكرة حاجة… وأنا وعلي مرتبطناش أصلاً… مصطفى، أنا مغلطتش… عمر مش مصدقني يا مصطفى، وبيقولي إنه كان بإرادتي. ولما حملت وظهرت نتيجة غلطتي اضطررت أخبي على الكل… لكن والله لا… والله لا يا مصطفى، أنا مظلومة… علي كدب عليهم… أنا مغلطتش معاه… هو اللي اغتص بني… محدش هياخد لي حقي منه خلاص…”
تجمعت الدموع في عيون مصطفى، وهو يرى شقيقته في تلك الحالة المزرية. اجتاحته مشاعر غامرة من الحزن والغضب والحنان. أخذها في حضنه، وربت على كتفها برفق، محاولًا تهدئتها: “اهدي يا يارا… عشان الحمل…”
ابتعدت يارا عنه مجددًا، وهي تستمر في البكاء بحرقة. الكلمات كانت تتدفق منها كالسيل الجارف، تحمل في طياتها ألمًا لا يُحتمل: “عارف بيقولي إيه… بيقولي روحي صلحي غلطتك معاه… وإنّي خدعته… وتصنعت الحب عليه… قالي اتجوزيه يا مصطفى… عاوزني اتجوزه… معقول يا مصطفى؟ هتجوز اللي أذاني بالشكل دا ودمرني كده… مصطفى، أنا بقيت خايفة من كل اللي حواليا… أقرب الناس ليا كان عمر وهجرني وصدق أخوه. أنا مابقاش ليا حد يا مصطفى… قلبي واجعني أوي… قلبي واجعني أوي والله… حاسة إني هموت من كتر الوجع اللي جوايا…”
انهمرت ببكاءٍ يوجع القلوب، مشهد يُمزق الروح. كان من الصعب تخيل تلك اللحظات القاسية حتى في أفظع الكوابيس، ما تعرضت له يارا كان قاسيًا بأكثر مما يمكن تحمله.
قال مصطفى، محاولًا أن يغرس في قلبها بذرة من الأمل: “وأنا رحت فين يا يارا… أنا معاكِ وماما معاكِ. هنبلغ الشرطة عليه.”
أجابته بيأسٍ مطبق، وعينيها تغرقان في دموعها: “مفيش أي دليل يثبت… مفيش أي دليل غير إنّي كذابة ودا اللي هيأكدوه… أنا ضعت يا مصطفى، ضعت… يا رب اللي في بطني يموت… أنا بكرهه، بكرهه لحد العمى، مش عايزاه ييجي.”
فزع كلاهما على صوت رحاب التي كانت قد صعدت إلى غرفتها وهي تصرخ باسم يارا. وقفت عند باب الغرفة، وجهها ممتقع بالغضب، وقالت بقسوةٍ وجفاف: “بقولك إيه… أنا مش حمل فضايح… الواد اللي اسمه علي اللي عملتي كده معاه هتتجوزيه… مش شايفة بطنك ابتدت تكبر ازاي…”
صرخت بها يارا، وكأنها تلفظ ما تبقى من قوتها: “والله ما عملت معاه حاجة… دا كذاب.”
نهض مصطفى من مكانه، عيناه تقدحان شررًا: “يا أمي هو اللي اغت صبها… يارا ماعملتش حاجة غلط عشان تتحاسب عليها…”
صرخت بهم رحاب وهي ترفع صوتها فوق أصواتهم: “هتتجوزيه لحد ما تجيبي الزفت دا، وبعديها تطلقي ونرمي الطفل في أي دار أيتام، ونسافر كلنا برة مصر… نبدأ حياتنا من الأول… فاهمين؟”
صرخت يارا هي الأخرى، ووجهها مشوه بالبكاء والألم: “لا يا ماما، مش هعمل اللي بتقوليه دا… أنا مش هتجوزه ولا هرمي ابني في دار أيتام…”
قال مصطفى بنبرة تجمع بين الإحباط والغضب: “وإنتِ إزاي صدقتيه وكذبتي بنتكِ؟”
نظرت رحاب ليارا بقرف، وكأنها تنبذها: “لو ماكذبتش عليا قبل كده وألفت حوار مع عمر، كان ممكن أصدقها. بس أختكِ أصلاً كذابة، فالطبيعي تكدب في دي كمان. مين عالم عملت إيه تاني ومخبيه… هتتجوزيه يا يارا ومفيش نقاش في الموضوع دا.”
صرخ مصطفى بغضب مكتوم، يحاول الحفاظ على صوت العقل وسط فوضى الانفعالات: “أنا مش موافق إن أختي تتجوزه.”
ضحكت رحاب بسخرية، نظرة الاستعلاء تلمع في عينيها: “أهو اللطع دا بقى ليه كلمة هو كمان… اسمعوا، أنا مبقولش كلامي كتير… علي اتكلم معايا وقالي إنه جاهز يجيب المأذون النهاردة ويكتب عليكِ… هو دا اللي عندي.”
خرجت من الغرفة، وهي تهبط السلالم لإدارة مكالماتها بشأن زيجة اليوم المفاجئة، وكأنها لا ترى أو تسمع المعاناة التي خلفتها وراءها.
نظرت يارا إلى مصطفى، وانهارت في بكاءٍ مرير، تستنجد بأخيها: “أنا مش هتجوزه يا مصطفى… اعمل حاجة، أرجوك… مش عاوزة أتجوزه.”
عانقها مصطفى بشدة، يمسح بيده على خصلات شعرها في محاولة لتهدئتها، صوته كان يحمل وعدًا بالانتقام، ويعبر عن عزمه الذي لا يتزعزع: “مش هتتجوزيه… مش هتتجوزيه، أوعدك.”
_________________________
بعد أن انتهت قمر من سرد حكايتها المؤلمة ليزن، صعد الاثنان إلى غرفة أسيل. كانا يعلمان أن المواجهة القادمة ستكون مشحونة بالعواطف. دخلوا ليجدوا أسيل جالسة على كرسي متحرك بجانب نافذة المستشفى، تحتسي عصيرًا، وتحدق في الحديقة بأعين شاردة. بيدها التي ترتعش، كانت ترسم دوائر صغيرة على سطح الكوب. لمحت دخولهم من الباب، فاستدارت إليهم مبتسمة، تلك الابتسامة التي كانت تجاهد لتخفي ألمها.
تفاجأت حين رأت يزن يتقدم نحوها بسرعة، وجثا على ركبتيه أمامها، وعيناه مغرورقتان بالدموع. وضع رأسه على قدميها، وكأنه يريد أن يتشارك مع الأرض حزنها وآلامها. لم يكن بإمكانه أن يتحمل ما سمعه عن ماضيها، قلبه كان يعصف به الألم.
بدأت أسيل تشعر بقلق شديد على يزن، ووضعت يدها على رأسه بحنان، تمسح عليه وكأنها تحاول أن تزيل عنه همومه. نظرت إلى والدتها بتساؤل، وكأنها تطلب تفسيرًا لما يحدث، فقالت قمر بصوتها الهادئ، الذي يحمل مزيجًا من الحزن والتعاطف:
“أنا بس حكيتله عن ماضيكِ، وانتِ صغيرة، وأي اللي حصلك قبل ما أموت.”
بدأت أسيل تمسح على رأس يزن برقة، محاولة أن تطمئنه بأنها بخير، رغم أن عيونها كانت تلمع بدموع لم تذرف بعد. رفعت رأسه من على قدميها بيدها الناعمة، ونظرت في عينيه، محاولة أن ترسم ابتسامة على وجهها، تلك الابتسامة التي كانت تحمل ثقلًا من الآلام والخوف، لكنها كانت تحاول أن تبعث برسالة تطمئنه بأنها بخير.
حاوط يزن وجهها بيديه الدافئتين، وقال بدموعٍ كانت تتلألأ على خديه: “متخافيش من أي حاجة بعد كده… مفيش أي حاجة هتخوفك طول ما أنا موجود… انتِ مبقتيش لوحدك.”
تلك الكلمات لم تكن مجرد وعود، بل كانت بلسمًا لروحها المتعبة. شعرت وكأن قلبها، الذي كان يعصف بالقلق والخوف، بدأ يهدأ ويستكين. نظرت إليه بامتنان، وأدركت أن تلك اللحظة كانت بداية لصفحة جديدة في حياتها.
ثم توجه يزن بنظره نحو قمر، وقال بجديّة تشوبها نبرة صوته القوي: “طنط قمر… ممكن أتجوز أسيل النهاردة؟”
تفاجأت أسيل بنظرة تملأها الحيرة، وكذلك قمر، فلم تتوقع أبدًا أن يصل الأمر إلى هذا الحد بهذه السرعة. أراد يزن أن يوضح موقفه، فقال بحزم: “أنا عايزها في بيتي… عشان أحميها، ومحدش يقربلها، ويكون ليا الحق إنّي أقف قصاد أي حد يفكر يأذيها. أنا عاوز أتجوز أسيل النهاردة يا طنط… ومستعد أجيب المأذون دلوقتي ونكتب الكتاب.”
كانت أسيل لا تزال في حالة من الدهشة، عيناها تتحدث أكثر من الكلمات. كانت تحاول فهم ما يحدث، كيف تحول كل شيء بهذه السرعة؟
قال لها يزن، بلهجة تتخللها نبرة حنان وتأكيد: “دا الشيء الوحيد اللي هيخليني أحفظك جوا عيوني، ومحدش يكلمني… أنا مش هرجعك البيت دا تاني… انتِ هتطلعي من المستشفى على بيتي أنا.”
في تلك اللحظة، فاجأ الاثنان زغرودة تنطلق من قمر، تعبيرًا عن فرحة كبيرة تغمرها. قفز قلبها من السعادة، وكأنها استردت ابنتها من بين مخالب الألم، وأدركت أن حمايتها الآن تقع على عاتق يزن.
حين أخبر يزن عائلته، حاولوا أن يثنوه عن عقد القران في هذا الوقت، مشيرين إلى ضرورة تأجيله حتى تتعافى أسيل تمامًا. لكن يزن كان مصممًا: “أنا لستُ بحاجتها كزوجة الآن، لكن بإسمها في حياتي، أريد أن ألقبها بزوجتي، حتى أقف أمام الجميع وأصرخ على راحتي. أسيل ستكون زوجتي اليوم قبل غد.”
بدأ الجميع بتزيين غرفة المستشفى استعدادًا لعقد القران، كانوا يحاولون خلق أجواء من الفرح وسط هذا المكان البارد. كانت قلوبهم مليئة بالسعادة، حتى وإن كانت الظروف قاسية.
اتصلت قمر بدعاء، التي اعتذرت عن عدم تمكنها من القدوم، فتعذرتها قمر، وفهمت موقفها.
امتلأت المستشفى بالزغاريد والضحكات، وأصبحت غرفة أسيل مسرحًا لاحتفال صغير لكنه مليء بالحب والأمل. كانت أسيل تغمرها فرحة لم تشعر بها منذ زمن، وعيونها تتألق بسعادة. ويزن كان أكثر سعادة منها، شعرت بأن تلك اللحظة تُذيب كل الآلام التي عاشتها. كانوا يتبادلون نظرات تحمل كل معاني الحب والاطمئنان.
لقد تغلغل حب يزن في قلب أسيل، حتى تأكدت أنها تبادله نفس المشاعر. رغم خجلها من الاعتراف بها، إلا أنها كانت تعلم في داخلها أنها تحبه، وستقول له ذلك حين تستعيد صوتها.
_________________________
أمسك عمر بذراعي يارا بقوة، محاولًا إيقاف سيلان دموعها، وجهه مشدود بغضب، وعيناه تقدحان شررًا. قال بلهجة مملوءة باليأس والتوتر:
“افهمي بقا، طاوعيني مرة ومش هتخسري حاجة. بقولك أبو الطفل يبقى أخويا وهو الأولى بيكِ. اتجوزيه بدل ما تتجوزيني عشان تداري على نفسك، اتجوزي أبو الطفل دا وحافظي على سمعة البيبي وعلى سمعتك. متفضحيش نفسك، صلحي اللي حصل ووافقي على الجواز، أرجوووكي.”
كانت يارا لا تزال مغمورة بالدموع، تلتفت إليه بنظرة تتأرجح بين الألم والخوف، قالت بصوت متحشرج، يكاد ينكسر:
“يا عمر، أنا بموت من غيرك. بعد ما شيلتني من النار بتحطني فيها تاني. مش هقدر أعمل كده يا عمر. انت مش حاسس بكرهي ناحية أخوك. انت فاكر اللي عمله دا عادي؟ أنا ليه شايفاك متقبل اللي حصل؟! فين كلامك ليا إنك هتاخدلي حقي؟!”
حاول عمر تبرير موقفه، وهو يعصر كلماته ليجعلها منطقية:
“بس أنا بدور على مصلحتك. معاكي إنها غلطة أخويا، والإنسان بيغلط وهو معترف بغلطه وعاوز يصلحه. حطي نفسك مكاني يا يارا، أنا بنقذك وبنقذه هو. أخويا الصغير وغلط، وانت…”
أبعد نظره عنها، هربًا من مواجهة نظراتها التي كانت تخترقه كالسهم، وأضاف بضعف:
“وانت حبيبتي روحي وكل حاجة، لكن القدر مش رايدنا لبعض. ويمكن لو حاولتي تتقبلي علي، تحبيه هو كمان. صدقيني يا يارا، ما بإيدي. أنا حرفيًا بموت كل دقيقة. الموضوع دا، أخويا ولا انت؟ أخويا ولا انت؟؟؟”
صرخت يارا، متشبثة بما تبقى من قوتها، صوتها يشتعل بالغضب:
“ولا أخوك، ولا أنا. خليك مع الحق، شايف مين يستحق العقاب ومين اللي مظلوم؟! مين هيتجبر على عيشة هو مش عايزها؟!”
رد عمر بصوت مهتز، كأن كل جملة كانت تنهار داخله:
“هو طبعًا، ولكن أنا كنت بقول الكلام دا إني هقف مع الحق وهعمل أي حاجة عشان أخدلك حقك. وما حطيتش في الحسبان إنه يطلع أخويا. يارا، الموضوع صعب أوي عليا.”
ضحكت يارا بوجع، ضحكة تعكس حزنًا عميقًا، وقالت بمرارة:
“فتقوم راميني ليه زي الكلاب تنهش فيا؟ اهو بتربي الطفل مع أبوه، منك لله أنت وهو. أنا كنت ضحية اتنين بني آدم… اتنين شياطين، واحد يغلط والتاني يداري عليه. مش مسمحاك يا عمر، لا أنت ولا أخوك. الله ينولك اللي عملته في قلبي أضعاف الأضعاف… والله لا يسامحك أنت وهو.”
تردد صوت يارا في أذني عمر، كأنه أصداء يطرق بها ضميره، يستيقظ فزعًا في منتصف الليل. قلبه ينبض بسرعة، كأن كل نبضة تذكره بخطأه، حاول ضبط أنفاسه المتسارعة وهو يجلس على سريره في الظلام، يستوعب الكلمات التي اخترقت هدوء الليل. وضع يده على قلبه، يحاول تهدئة الخوف الذي تسلل إلى أعماقه. قرر أن يواجه الأمر، فنهض وتوجه بسرعة إلى غرفة علي، ولكنها كانت فارغة، لم يجد علي بغرفته!!
_______________________
استيقظ علي من نومه، ليجد نفسه مربوطًا بكرسي يجعله عاجزًا عن الحركة في غرفة يغمرها ضوء أحمر قاسٍ، تحيط به أدوات عنف وسكاكين تلمع بوهج غير طبيعي. كانت عيناه تلتفتان في كل اتجاه، يحاول فهم ما يحدث، فيما كان قلبه يدق بسرعة، كأن كل دقة تعلن عن الخطر القريب. بلع ريقه ببطء، متوترًا، ثم سمع خطوات تقترب من خلفه.
صرخ بأعلى صوته، الخوف يخنق حنجرته:
“أنا فين؟”
ظهر مصطفى أمامه، يمسك بسكين حادة، يمررها على شحذتها، يضحك بضحكة شريرة تنذر بشيء رهيب. قال بصوت مملوء بالتهديد:
“جبتك بنفس الطريقة اللي جبت بيها أختي، بس الموضوع هيختلف. انت كنت بتغت صبها، لكن أنا هعذ بك.”
ارتعد علي، وأنفاسه تتسارع، ودقات قلبه تتلاحق، تتصاعد رعبًا مع كل خطوة يقترب بها مصطفى. نظر إلى السك ين بيد مصطفى وقال بصوت يملؤه الرعب:
“مصطفى لا… مصطفى، أنا آسف… ارجوك ما تعمل فيا حاجة. أنا آسف… ارجوك، ابعد السك ينة دي عني. مصطفى، أنا غلطت وهصلح غلطتي. هتجوز أختك وأداري عليها، والطفل هيبقى ابني قدام الناس.”
صرخ مصطفى بغضب، وكأن صراخه يرتد كالصدى في الغرفة المغلقة:
“ليه هو كل واحد يقولي هداري على أختك؟! هداري على أختك! أختي مغلطتش، انتو اللي غلطتوا، وبتقصدوا تداروا على اللي عملتوه.”
تلجلج علي في حديثه، محاولًا إيجاد الكلمات المناسبة للخروج من الموقف:
“أيوة، انت صح، احنا غلطنا. إذا كنت أنا أو عمر، أنا اللي خليت عمر يخبي ويكدب على يارا، وماما ضغطت عليه. بس صدقني… صدقني، أنا بحب يارا وكل اللي عملته كان نابع من حب. أنا بس كنت خايف متبقاش ليا، فعملت دا في وقت غفلة شيطان… كلنا بنغلط يا مصطفى… وربنا بيسامح، انت مش هتسامح؟”
ضحك مصطفى بشكل مقزز، ثم توجه إلى الحائط المليء بالسكاكين، نظر لكل واحدة منهم بعناية:
“دا ولا دا ولا دا… ولا يا علي تحب تمو ت بأنهي سك ينة؟ بص الناعمة دي مش هتوجعك.”
صرخ علي بقوة، صوته متصدع من الرعب، يحاول النجاة:
“لاااا… لا يا مصطفى، ارجوك ما تقت لني… دا انت مبتإذيش نملة… هتق تل؟!”
وقف مصطفى، يضحك بشر مستفز، وقال بصوت جامد:
“يا بني، أنا قا تل تلت مرات قبل كده، فمتقلقش، الموضوع أنا متمكن فيه.”
قال علي بصدمة تملأ صوته:
“تلاتة!!!”
اقترب مصطفى منه قليلاً، وهمس له بسرية كأنما يكشف سرًا مظلمًا:
“بما إنك هتمو ت بعد شوية، فمش هبخل عليك إني أقولك أسراري. أنا قت لت أخويا الصغير بالمخدة وانا عندي 13سنه… آه، أنا كان عندي أخ صغير. لقيت أمي مهتمية بيه، وساعات كتير مش بتسمعني عشانه. دايمًا مهتمية لأمره وبتخاف عليه وبيجيله ألعاب وحاجات كتير. وكنت بشوف حنية ليه أنا عمري ما دوقتها من أمي. وانا طيب… انتو نسيتوني ليه؟ اشمعنى الحنان دا يظهر ليه هو بس؟ كان يا حبيبي سبع شهور، مكملش دقايق تحت المخدة، ولقيتلك نفسه اتقطع. قومت واخده زي الشاطر في شنطة الدرس وأنا نازل، ودفنته عشان برضو إكرام الميت دفنه. مين شافتني حذر فزر ؟ جدتي… تسكت بقا وتقول عيل وغلط؟ لا، خلتني ارتكب جر يمة تانية وأقت لها، عشان كانت هتقول لأمي وتفضحني. قومت مزودلها في حبوب القلب اللي بتاخدها، والست راحت بالسلامة للي خلقها، وملحقتش تقول لأمي حاجة. يلا الله يرحمها، كانت ست طيبة، وكانت بتتعامل معايا كويس، بس لما قلبت عليا كان لازم اتصرف قبل ما تكشفني. فملقتش غير الحل دا. وهي كانت كبيرة في السن يعني خلاص شبعت من الدنيا، وأخويا كان لسه مشافش دنيا، فكنت بصبر نفسي بالكلام دا. وتوبت وقلت مش هق تل حد تاني، وبقيت ماشي جمب الحيط. بس شكلي كده رجعتله تاني.”
نظر إليه بخبث واضح، فردد علي بخوف غير متماسك:
“بس انت قلت اتنين بس… مين التالت؟”
تغيرت ملامح مصطفى للحظة، ضعف عندما تذكر اسمه، كأن ذاك الاسم يحمل معه كل الذكريات المؤلمة. حاول تناسيه حتى أنه يوهم نفسه بأنه مازال على قيد الحياة معه. عيناه تلمعان بالحزن وهو يتذكر:
“التالت يبقى… أعز أصدقائي…”
وفجأة، لمعت في عينيه لمحة من الجنون، وقال باندفاع:
“مو ته… مو ته عشان كان أناني… فكر في نفسه ونساني. كان عايز يتجوز ست مطلقة مع إنها مطلقة ومعاها عيال، وكان عاوز يسافر معاها لبلد تانية لأنه اترقى في شغله. كان عاوز يسافر ويسيبني. قالي هنبقى نتواصل فيديو كول… يعني هو هيكمل حياته وأنا هرجع لوحدي تاني؟ هيسيبني بعد ما عوضني عن كل اللي مشوا… لا، وعلى إيه يفضل عايش أصلا؟ طب ما يمو ت. مهو في كلتا الحالتين ماشي من حياتي، بس الفرق إنه مش هيعيش حياته وينساني. حياته هتقف على ذكراي للأبد… قتلته بإيديا دول، رميته من فوق سطوح بيتهم من الدور العاشر. الكل توقع إنه انت حر لأن أمه مكانتش موافقة على جوازه. وأنا ساعتها عرفت استخبى واجي في العزا وأعيط… بس المرة دي مكنتش بمثل، أنا كنت زعلان فعلاً إنه ما ت بقولك كان اعز اصدقائي.”
هز علي رأسه يمينًا ويسارًا، عيونه تتسع بصدمة وذهول مما سمعه :
“انت مش طبيعي… انت مختل عقليًا… انت أكيد مش إنسان طبيعي زينا… قت لت تلاتة؟! وانت مفهم الكل إنك بتخاف من ظلك!!!”
ابتسم مصطفى بشر كامن، وقال بلهجة هادئة مرعبة:
“واديني هقت ل الرابع… انت كمان هتبقى واحد منهم، ضحية. فاستعد يا بطل، ودا جزاتك. عشان تبقى مبسوط إن مفيش أدلة تثبت كده غير لما أختي تولد وتتفضح، مش دا اللي قولته؟ مش قولت أختي هتعاني وإنك يا تتجوزها يا تتفضح؟ مش مبسوط بنفسك أوي كده؟ كمل فرحتك على خير. يلا، اتمنى أمنية قبل ما أموّ تك.”
كانت عينا علي تبرقان بشدة، لا يصدق ما يحدث حوله. أحقًا تلك هي نهايته؟ هل هو في حلم أم حقيقة؟ صرخ بقوة عندما لامست السك ين خديه، ونزلت بعض الد ماء على سترته.
قال مصطفى بمرح مرعب:
“بشوفها بس حامية ولا لا!”
_________________
في منتصف الليل، وسط الصمت المهيب، كان مصطفى يلهث بقوة، بينما جسد علي المغطى بالتراب يتلاشى تدريجيًا تحت الأرض. وقف مصطفى بجانب الحفرة الغويطة التي حفرها بجانب المنزل المهجور في قلب الغابة. صوت ارتطام التراب بجسد علي كان يختلط بضحكاته التي تعلو بحدة في المكان، تعبيرًا عن انتصاره. كان الحفر عميقًا بما يكفي ليجعل العودة مستحيلة.
بعدما أنهى دفنه، انتقل إلى الداخل، خلع ملابسه الملطخة بالد ماء، دخل الحمام وغسل جسده، مراقبًا المياه التي تتحول إلى لون أحمر قاتم وهي تلتف حوله في دوامة أسفل الدش. استحم جيدًا، كأنما يغسل عن نفسه خطيئة، ثم خرج بملابس مهندمة، وكأن شيئًا لم يحدث.
ركب سيارته القديمة التي كان يحرص على قيادتها في مثل هذه المهمات، قاد مبتعدًا عن المنزل المهجور، المخبأ وسط الأشجار الكثيفة، حيث لا يعرف مكانه الكثيرون، فقد كان قديمًا ومهجورًا، وتكاد الذاكرة الجماعية تتجاوزه.
عندما وصل إلى منزله، كانت يارا تنتظره على الباب، تجسدت على وجهها علامات القلق والخوف مما قد يحدث لمصطفى في هذا الليل الموحش.
قالت بصوت يرتجف قليلاً: “انت كنت فين كل دا يا مصطفى؟ قلقتني عليك.”
اقترب منها مصطفى، ضمها بحنانٍ مفتعل، وصوته يقطر هدوءًا :
“متقلقيش يا حبيبتي، كله هيبقى تمام. عاوزك دايمًا تكوني مبسوطة.”
استغربت يارا من تغير لهجته ومن سلوكه المفاجئ، لكن التعبير الطيب بدا كأنه يلقي بظل مريح على قلبها المثقل بالهموم. بادلته العناق، محاولة أن تطمئن نفسها بأن الأمور قد تكون بخير في النهاية، على الرغم من شعورها الداخلي بأن هناك شيئًا غريبًا.
تركها مصطفى، متوجهًا إلى غرفته، حيث وقف على الشرفة، يحتسي قهوته في انسجام وهدوء أعصاب لم يكن يشعر به من قبل. الهواء البارد في الليل كان يلفح وجهه، لكنه لم يشعر بشيء، فقط شعور غريب بالراحة والسلام الداخلي، كأنما هو الآن في ذروة قوته.
بإحساس قوي من السيطرة على مصيره، تلمع في ذهنه فكرة مشوهة: إذا عرف العالم أنه قا تل، سيعلمون أنه ليس جبانًا، بل شخصًا قويًا حتى درجة العمى. هو يعلم في داخله أن قوته الحقيقية ليست في قت ل الآخرين، ولكن في التحكم بمشاعره والعيش مع الجرا ئم التي ارتكبها، دون أن يُكشف سره.
بينما كان ينظر إلى الأفق، ابتسم ابتسامة باردة، متفكرًا في تلك القوة التي تمنحه السيطرة والراحة في الوقت ذاته. مشهد الليل كان هادئًا، لكنه حمل في طياته صمتًا مريبًا، صمت الليل الذي يخفي أسرارًا لا يمكن لأي ضوء أن يكشفها.
…..
ايه رأيكوا في المفاجأة دي 🙂
توقعتوا مصطفى يبقى كده🫵🏻 لو متوقعتوش فبعد كده ابقوا خدوا بالكوا من الهادي اللي ماشي جنب الحيط لان مبيجيش من وراه خير ابدًا😂😂
البارت القبل الأخير هينزل بكرة وفاضل كده بارتين من الرواية اللي اخدت صحتي وعيني معاها دي انا اعصابي بتتعب معاكم والله زيي زيكم ومشكلة يارا تعبالي اعصابي انا كمان تخيلوا انتو اعصابكوا تعبانة من مشكلتها انا بق مطلوب مني احلها كمان🙂😂
وبعدين حوار مصطفى اللي جيه في الآخر دا بوظلي دماغي وعملت ايرور زيكم بالظبط فأحنا في الهوا سوا يا شباب🤩
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية لا تخافي عزيزتي)