رواية جعفر البلطجي 3 الفصل الرابع والستون 64 بقلم بيسو وليد
رواية جعفر البلطجي 3 الفصل الرابع والستون 64 بقلم بيسو وليد
رواية جعفر البلطجي 3 البارت الرابع والستون
رواية جعفر البلطجي 3 الجزء الرابع والستون
رواية جعفر البلطجي 3 الحلقة الرابعة والستون
والله ما طلعت شمسٌ ولا غربت،
إلا وحبك مقرون بأنفاسي،
ولا جلست إلى قوم أحدثهم،
إلا وكنت حديثي بين جلاسي.
_ياسين التُهامي.
___________________________
حين يُغيب الإنسان عقله،
يُصبح أ’سيرًا لنفسُه الأما’رة بالسو’ء، فتُزَيَن لهُ المعا’صي، وتُبَرَر لهُ الخطا’يا، حتى يرى البا’طل حقًا والحق با’طلًا، ويظن أن ما يشتهيه هو الصواب ولو كان في حقيقته هلا’كًا، فالعقل هو السراج الذي يُنير درب الإنسان، فإذا أنطفأ، ضل في ظلما’ت الهوى والشهو’ات، يتخبـ.ـط بين قراراته، ويتبع نزو’اته دون إدراك إلى أين يقوده الطريق، وما أكثر من أضا’عوا أنفسهُم حين أسلموا زمام أمرهم إلى أهوائهم، فسـ.ـقطوا في غياهب الند’م بعدما فات الأوان..
<“لا يسعى سوى في طرقات الخير كفاعله.”>
الوقت يَمُر ومع كُلّ دقيقة تمضي تكون الخطـ.ـر نفسُه،
وصلوا إلى محافظة المنيا وبالتحديد أمام منزل عائلة “آل وهدان”، ترجل “رمـزي” مِن السيارة ومعهُ رفيقاه وهو ينظر إلى واجهة المنزل نظرةٍ هادئة، تقدَّم بخطى هادئة نحو المنزل وهو يُردد بنبرةٍ هادئة:
_يا الله، أنت الحكم العدل، لا ترضى بالظلم، فانصر مَن لا ناصر له، وأرِنا عجائب قدرتك في رد الحق إلى أهله.
فتح الباب الحديدي المُطل على الواجهة الخارجية للشارع وسار في الممر المؤدي إلى باب المنزل الذي كان مفتوحًا، عقد حاجبيه وهو ينظر إلى الباب ليشعُر بالقلـ.ـق بدأ يتسـ.ـلل إلى قلبه ولذلك شـ.ـد خطوته نحوه وهو يقول بنبرةٍ تملؤها القلـ.ـق:
_يا خفي الألطاف، يا خفي الألطاف.
ولج إلى الداخل بخطى حذ’رة وهو يختلس النظر حوله بقوله:
_يا أهل الدار، يا ناس يا اللِ هنا، سلام عليكم.
لم يتلقى الرد وكل ما كان مسيطـ.ـرًا هو الصمت، كان متعجبًا مِمَّ يحدث حوله فقد كان يظن أنَّهُ سيجد أحدًا مِنهما ولكن كان المنزل فارغًا، أكمل سيره بخطى هادئة حذ’رة وهو ينظر حوله بترقبٍ شـ.ـديد فكان قلبه هو القائد في هذه اللحظة وهو مَن يُحركه، أتجه إلى المطبخ وهو ينظر حوله مترقبًا حتى رأى “سميـر” طر’يحًا فوق الأرضية فا’قد الوعي، أقترب مِنْهُ “رمـزي” فورًا وجسى بجواره وهو يتفحصه ويُحاول إفاقته قائلًا:
_”سميـر”، “سميـر” فوق إيه اللِ جرالك، يا ابني أنتَ.
أمسك برسغه وهو يتفحص نبـ.ـضه في نفس اللحظة التي ولجا فيها رفيقيه ينظران لهُ بترقبِ شـ.ـديد، حاول مجددًا إفاقته حينما شَعَر بنبـ.ـضه المنتظم قائلًا:
_”سميـر”، قوم أنتَ زي الفُل ومفكش حاجة، قوم يا “سميـر”، لا حول ولا قوة إلا بالله.
_هو ماله مش عايز يفوق ليه.؟
سأله “يوسـف” جا’هلًا ما حدث ينتظر الرد مِن رفيقه، سؤالٌ عجـ.ـزوا عن جوابه، جاءت الرؤية حاضرة لهُ، رأى هجو’م “فتـوح” على “سميـر” ومشا’داتهما سويًا، وهر’وب “نورهان” مِن الباب الخلفي لغرفتها خو’فًا، ورأى سقو’ط “سميـر” فجأةً دون أن يفعل لهُ “فتـوح” شيئًا، نظر مجددًا إلى “سميـر” بعدما عَلِمَ ما حدث ليقول بنبرةٍ هادئة:
_لا إله إلا الله، حسبي الله ونعم الوكيل.
نظر لهُ “يعقـوب” مترقبًا ثمّ قال بنبرةٍ هادئة:
_في إيه، هو ما’ت.؟
رفع “رمـزي” رأسه ينظر لهما، ثمّ جاوبهما بقوله الهادئ:
_الموضوع طلع كبير، البيت دا في حاجة.
عقد “يوسـف” حاجبيه متعجبًا ثمّ قال بنبرةٍ هادئة:
_حاجة إيه، أنا مش فاهم أي حاجة.
أخرج “رمـزي” زفيرة هادئة تعكس عجـ.ـزه بوصف ما حوله ثمّ أمسك بطرف وشاحه ووضع يَده على رأس “سميـر” وبدأ يقرأ عليه:
_بسم الله أرقيك، مِن كُلّ عينٍ نظرت إليك، ومِن كُلّ نفسٍ لم تذكُر الله فحسدتك، ومِن كُلّ روحٍ خبيثةٍ اقتربت منك..
بدأ يتلو آيات التحصين بصوتٍ هادئ وعيناه تُتابعان “سميـر” الذي كان ساكنًا لا يتحرك، نظر “يعقـوب” إلى “يوسـف” وقال بنبرةٍ خافتة:
_”فتـوح” شكل بلا’ويه كتير أوي.
بادله “يوسـف” نظرته بأخرى هادئة ثمّ سأله قائلًا:
_هو “فتـوح” لِيه فالسحـ.ـر كمان.؟
جاوبه “يعقـوب” ينكر معرفته بهذا الفعل قائلًا:
_مش عارف بصراحة أنا آه أعرف عنُه حاجات كتير أوي، بس إنُه لِيه فالسحـ.ـر لا، معرفش.
صمت “يوسـف” يُفكر مع نفسُه قليلًا في هذا الأمر بشكلٍ أكثر تعمقًا فحالة “سميـر” تلك غريبة وليست مُبشرة بالنسبةِ لهُ، عقله صوّر لهُ العديد مِن الأشياء المُر’يبة التي لا تخطـ.ـر على عقل بشريٍ مثله ولذلك غر’ق هو في بحو’ر أفكاره، بينما أنهى “رمـزي” تلاوته بقوله الهادئ:
_بسم الله أرقيك يا “سميـر”، مِن كُلّ عينٍ نظرت إليك ومِن كُلّ نفسٍ لم تذكر الله فحسدتك، ومِن كُلّ رو’حٍ خـ.ـبيثةٍ اقتربت منك، بسم الله أرقيك، مِن سحـ.ـر سا’حر، ومِن كيد حا’قد، ومِن همس شيطا’نٍ مارق، الله أكبر عليه، الله أكبر عليه، الله أكبر عليه..
_وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا.
رآه يعود إلى و’عيه مِن جديد ليبدأ بحمدالله وشُكره مربتًا فوق كتف “سميـر” قائلًا بنبرةٍ هادئة:
_قوم يا “سميـر”، قوم ربنا يحفظك مِن شرو’ر الأنفُس وشيا’طينها، حسبي الله ونعم الوكيل.
رفع “سميـر” نصفه العلوي وهو يشعُر بد’وار خفيف يقتحـ.ـم رأسه ليسمع “رمـزي” الذي سأله قائلًا بنبرةٍ هادئة:
_أنتَ كويس يا “سميـر”، حاسس بأي تعـ.ـب.؟
نفى “سميـر” قوله بهزّة صغيرة مِن رأسه ليشكُر الآخر ربه ثمّ سأله قائلًا:
_أنتَ إيه اللِ حصلك، فاكر أي حاجة.؟
_”نورهان”، هيقتـ.ـل أختي.
نطق بها “سميـر” وهو ينظر حوله بتيهةٍ ليأتي سؤال “رمـزي” الذي قال بنبرةٍ هادئة يسأله بعدما جذ’به قوله:
_إيه اللِ حصل، هو “فتـوح” وصلكم.؟
_وصل، وصل وأتهجـ.ـم عليا وأنا وقفت قدامه وأتحد’يته إنُه مش هيقدر يلـ.ـمسها، أنا قولتلها لو سمعتي صوته أهر’بي على طول، أكيد هر’بت.
هكذا جاوبه “سميـر” بنبرةٍ تا’ئهة وهو ينظر لهُ، بينما شَعَر “رمـزي” بالأمر يزداد تعقيـ.ـدًا عليه فالآن يجب أن يبحث عنها ويجدها قبل وصول الآخر لها فبالتأكيد سوف يقتُـ.ـلها، رفع رأسه ينظر إلى “يعقـوب” فجأةً نظرةٍ ذات معنى ثمّ قال:
_”يعقـوب” هسألك سؤال بس مش عايزك تفهمني غـ.ـلط.
عقد “يعقـوب” حاجبيه ولكنهُ وافق بقوله:
_أسأل هفهمك غـ.ـلط ليه يعني، أنتَ أخويا.
دام الصمت بينهم هُنَيهة كان “رمـزي” يُحاول إنتقاء الكلمات المناسبة لخلق هذا السؤال الذي سيُسبب الخجـ.ـل لهُ قبل أن يكون للآخر الذي بدأ يشعُر بالقلـ.ـق مِن صمته المُريب هذا، نظر لهُ “رمـزي” وقال بنبرةٍ هادئة:
_هو أنتَ ليه مخلفتش لحد دلوقتي.؟
كان السؤال مفاجئًا بشدة لكليهما، فحتى “يوسـف” لم يتوقع هذا السؤال مِن رفيقه الذي أنتظر تلقي الجواب مترقبًا، أختلس “يوسـف” النظر إلى “يعقـوب” الذي كان مازال مذهولًا ثمّ أعاد النظر إلى “رمـزي” وسأله هو هذه المرة بقوله:
_وأشمعنى بتسأله السؤال دا، السؤال مفاجئ ومُحرج يا “رمـزي” مينفعش تسأله.؟
جاوبه “رمـزي” بعد أن نظر لهُ نظرةٍ ذات معنى قائلًا:
_مقصدش حاجة، مجرد سؤال عابر لو مش حابب يجاوب أنا مش هغصب عليه.
جاوبه “يعقـوب” حينما قرر إجابته بنبرةٍ هادئة تُخفي خلفها بُركانًا على وَشَك الانفجار:
_مش عارف، يمكن ربنا مش رايدلنا دلوقتي، ويمكن يكون عندي مشـ.ـكلة، أو عندها … مش عارف.
سأله “رمـزي” بنبرةٍ هادئة بأهتمامٍ ظهر على محياه حينما دقق النظر إليه:
_محاولتش تطمن على نفسك أو عليها.؟
صمت “يعقـوب” للحظة قبل أن يجاوبه يُفكر في الأمر بشكلٍ أكثر جدية ثمّ قال بنبرةٍ هادئة:
_هي نفسها تخلف، والموضوع مأثر على نفسيتها عشان أختها على طول بتعايرها وبتبعد ولادها عنها، كلمتني من يومين فالموضوع وطلبت مني إنها تكشف عشان تطمن إنها كويسة وأنا معارضتش بس لسه مودتهاش.
تَفَهَّم “رمـزي” حديثه ولذلك حرّك رأسه برفقٍ دون أن يتحدث لبضع دقائق كانت كالجحيـ.ـم على “يعقـوب” الذي حتى تلك اللحظة لا يعلم ما هو السبب الرئيسي الذي جعل صديقه يسأله هذا السؤال تحديدًا، لحظات ونظر “رمـزي” لهُ ثمّ قال بنبرةٍ هادئة:
_متوديهاش للدكتورة يا “يعقـوب”، مراتك زي الفُل مفهاش حاجة.
عقد “يعقـوب” حاجبيه متعجبًا ثمّ سأله قائلًا:
_وأنتَ عرفت منين.؟
أخذ “رمـزي” نفسًا عميقًا ثمّ جاوبه بنبرةٍ أكثر هدوءًا عن سابقتها:
_هقولك على حاجة بس مش عايز أي رد متهو’ر منك مهما حصل.
بدأ القلـ.ـق يد’ب في قلب “يعقـوب” الذي أنذ’ره عقله بالخطـ.ـر مِمَّ هو قادم، ولذلك نظر إليه نظرةٍ ذات معنى ثمّ قال مترقبًا:
_في إيه يا “رمـزي” قلقـ.ـتني، لمَ هي كويسة وزي الفُل أومال إيه اللِ ما’نعها تحمل لحد دلوقتي.؟
استقام “رمـزي” في وقفته ووقف أمامه مباشرةً ينظر إلى وجهه الذي كان يحمل تعبيرات متنا’قضة، كان خوفه هو الشعور البارز والمسيطـ.ـر عليه أمام رفيقه الذي قال:
_أنتَ مأ’ذي، ومراتك مأ’ذية.
استنكر “يعقـوب” قوله ولذلك عقد حاجبيه وظهر التخبـ.ـط على تعبيرات وجهه تزامنًا مع قوله جا’هلًا:
_مأ’ذيين أزاي يعني، مش فاهم وضح أكتر.
ابْتَلَـ.ـعَ “رمـزي” غُصَّته بتروٍ ثمّ صارحه بالحقيقة حينما قال:
_في حد أَ’ذيكم أنتوا الاتنين، هي معمولها سحـ.ـر عشان متخلفش واللِ عاملُه أختها دي، وأنتَ معمولك، واللِ عاملُه “فتـوح” اللِ كان قريب مِنك ومعاك ٢٤ ساعة وسِرُه فعبك، تخيَّل يا “يعقـوب” لمَ تبقى مأمن لواحد عامل قدامك الصاحب الجدع اللِ معاك فكُلّ مشا’كلك وهو أول واحد غد’ر بيك، شعورك إيه يا “يعقـوب”.؟
ظهرت الصدمة على محياه حينما تلقى هذا القول ووقف مكانه لا يتحدث، كان ينظر لهُ مجحظ العينين لا يُصدق ما يسمعه ويقوله صديقه الذي كان يُتابعه ملتزمًا الصمت، بينما كان “يوسـف” مذهولًا وقد ظنّ أنَّ رفيقه يمزح ولذلك قال بنبرةٍ برغم أن طابع الصدمة يحومها ولكن كانت ممزوجة بالصدمة:
_أنتَ إيه اللِ بتقوله دا يا “رمـزي”، أكيد أنتَ بتهزر و “فتـوح” معملش كدا، مستحيل بجد أنا مش قادر أصدق.
نظر لهُ “رمـزي” نظرةٍ ذات معنى بطرف عينه ثمّ لاحت بسمةٌ هادئة على ثَغْره وقال بنبرةٍ هادئة:
_لا صدق، فالزمن اللِ إحنا فيه دا لازم تصدق، محدش بيحب الخير لحد أنتَ أبسط مثال عندك أخت مراته، أخوات ومبتتمنلهاش الخير وفوق كُلّ دا عملت سحـ.ـر لأختها عشان متخلفش وهو صاحبه اللِ معاه مِن سنين غد’ر بيه وأذ’اه وكمل معاه عادي، عايز إيه بعد كدا يا “يوسـف”.
أخرج “يوسـف” زفيرة عميقة ثمّ نظر إلى “يعقـوب” الذي كان شارد الذهن بعدما أستمع إلى قول رفيقه وعقله لا يتوقف عن التفكير ولا يعلم كيف يأخذ خطواته وكيف سيُخبر زوجته بحقيقة شقيقتها، شَعَر وكأن العالم أتحد ضـ.ـده في لحظة وأصبح لا يعلم مَن الصديق مِن العد’و ومَن الحبيب مِن الغريب، ثقـ.ـلت أنفاسه وتا’ه عقله عن الجميع..
جاءت رؤية أخرى إلى “رمـزي” الذي غفل هُنَيهة عنهم يرى “نورهان” تركض بخطى مثـ.ـقلة والإرها’ق باديًا فوق صفحة وجهها ويلحق بها “فتـوح” الذي كان بحو’زته سلا’حه الأبيض منتويًا على الشـ.ـر، كانت تركض في الأزقة وكلما حاول الإمساك بها فـ.ـلتت هي ها’ربةً مِنْهُ، استفاق فجأةً وألتفت ينظر إلى “سميـر” وقد سأله قائلًا:
_بقولك إيه يا “سميـر”، أنتَ تعرف حواري صغيرة وشوارع جانبية فالقرية هنا بتودي على بحـ.ـر فنزلته سلالم.؟
عقد “سميـر” حاجبيه متعجبًا وقد أجابه بقوله الهادئ:
_آه فيه فعلًا حواري وشوارع جانبية بتطُل عالبحـ.ـر، بس المكان دا يعني الرجل فيه كتير ومليان ناس، المكان دا تقريبًا أهل القرية فيه.
تعجب “رمـزي” الذي سأله قائلًا بترقبٍ:
_أشمعنى، في إيه المكان دا عشان تكون الرجل فيه كتير.؟
جاوبه “سميـر” وهو ينظر لهُ قائلًا بنبرةٍ هادئة:
_مفيش، بيقولوا فيه بركة معرفش أزاي، مِن ٥ سنين فيه شيخ كان مبروك ما’ت غر’قان فالبحـ.ـر دا ومحدش عرف يطلّع جـ.ـثته ومِن ساعتها الناس اللِ إيمانها ضـ.ـعيف بيروحوا مخصوص ياخدوا بركته، مع إن الرا’جل قال قبل كدا البركة بتاعت ربنا بس هما تقريبًا عقلهم مُـ.ـغيَّب.
أخرج “رمـزي” زفيرة عميقة وهو يتمتم بقلة حيلة:
_لا حول ولا قوة إلا بالله، لله الأمر مِن قبل ومِن بعد، طب أنا محتاج أروح المكان دا، عشان نلحـ.ـق “نورهان” أولًا، وعشان نشوف الحوار دا، مينفعش الموضوع دا يتسكت عليه الناس دي لازم تفوق مِن الغـ.ـفلة اللِ هما فيها دي بأي طريقة.
وافقه “سميـر” القول ثمّ أضاف على حديثه وهو يُدقق النظر إليه قائلًا:
_بس تصدق يا شيخ “رمـزي”، أنتَ فيك شبه مِنُه أوي، كأنك توأمه.
نظر لهُ “رمـزي” نظرةٍ ذات معنى هُنَيهة ثمّ أبتسم بسمةٌ ساخرة وقال:
_يبقى ضمنت عدم خروجي مِن هناك، المهم دلوقتي نتحرك ونشوف بعدها حوار الشيخ دا.
_آه طبعًا، يلا يا شيخ أنا عارف الطريق.
رد عليه “سميـر” متلهفًا يوافقه القول ثمّ تحرّك إلى الخارج ولكن أوقفه صوت “رمـزي” الذي قال:
_عايز أخرج مِن باب أوضتها اللِ بيطلّع على الجنينة اللِ ورا، عايزين نمشي زي ما هي مشيت بالظبط.
تَفَهَّم “سميـر” قوله ولذلك غيّر مسار سيره وأتجه إلى غرفة شقيقته بعدما دعاهما، دَعَمَ “يوسـف” رفيقه الذي كان هادئًا بطريقة مُر’يبة أثا’رت حفيظته، بينما تابعهم “رمـزي” بنظراته الحزينة لأجل رفيقه، رفع رأسه قليلًا ينظر إلى سقف المكان وقال:
_مدد يا الله، مدد يا الله.
لَحِقَ بهم بخطى هادئة مستعينًا بالله لبدء هذه الرحلة الشا’قة مِن منظوره والتي ستتطلب مِنْهُ بذ’ل أقصى مجهو’د حتى يُحقق ما جاء لهُ وإلحاق الضـ.ـرر قبل حدوثه، كان يسير طيلة الوقت مِن الطرق التي سارت هي بها وهو ينظر حوله يبحث عنها بعيناه علَّهُ يراها أو يلمح طيفها، يسير بأروقة القرية يخرج مِن واحدة ويولج لأخرى حتى وصل إلى المكان المُراد، _البحـ.ـر المبارك_ مثلما يُسمونه أهل القرية..
بينما هي كانت تركض بخطى مثـ.ـقلة ويدها أسفل بطـ.ـنها المنتـ.ـفخة وخصلاتها مبعثـ.ـرة وتلهث بتعـ.ـبٍ ظاهرٍ على صفحة وجهها، كانت لا تعبأ لنظرات مَن حولها، كُلّ ما تسعى لهُ الآن الفر’ار مِن هذا المختـ.ـل الذي يركض خلفها بلا توقف، وقفت تستند على جدار المنزل وهي تلهث بأ’لمٍ بعدما شَعَرت بأ’لمٍ حا’د يسكُن أسفل بطـ.ـنها المنتـ.ـفخة..
_يا ربّ، يا ربّ أنا تـ.ـعبت ومبقتش قا’درة أتحمل، نجيني مِنُه يا ربّ.
ناجت وتدرعت إلى ربها وهي ترفع رأسها إلى السماء تنظر لها بعينين باكيتان وصوتٍ مُر’هق، ورغمًا عنها بكت وهي تُخفض رأسها إلى الأسفل وتقبـ.ـض على فستانها بقو’ة بعد أن أشتـ.ـد الأ’لم عليها، وبرغم ذلك تحا’ملت على نفسها وسارت بخطى مثقـ.ـلة تحت نظرات الجميع الذين كانوا يُشاهدون بصمتٍ تام، ولكن جاءها صوته الحا’قد يضر’بها غد’رًا حينما صر’خ مِن خلفها بقوله:
_فاكرة نفسك هتهر’بي مِني كتير يا “نورهان”، وعهد الله ما هسيبك وهوريكِ هعمل فيكِ إيه ..!!
تيبـ.ـستها الصدمة وشُـ.ـلَّت أطرافها حينما وصلها صوته الذي أصبح كابو’سًا أسو’د لها، اضطـ.ـربت نبـ. ـضات قلبها وفر’ض الخو’ف سَطـ.ـوته عليها مِن جديد، لم تلتفت، ولم تنتظر وركضت دون تفكير ها’ربة، لم تنتظر، لم تتها’ون وقررت أن تنجـ.ـو بحياتها وحياة صغيرها، وعنهُ فلم يعلم للاستسلا’م غاية وركض خلفها متو’عدًا إليها بشـ.ـدة، وصلت إلى البحـ.ـر وبدأت تغو’ص بين الناس حتى يصعُـ.ـب عليه الإمساك بها وهي تلتفت حولها بخو’فٍ شـ.ـديد خشيةً مِن أن يقوم بالامساك بها..
بينما وقف هو في الخارج ينظر حوله وهو يبحث عنها ومعالم وجهه لا توحي إلا بالشـ.ـر، صدره يعلو ويهبط بعـ.ـنفٍ وقبـ.ـضته أشـ.ـتدت على سلا’حه الأبيض، بينما وقفت هي بينهم تُحاول أخذ أنفاسها الها’ربة والإر’هاق قد تمـ.ـلّك مِنها تمامًا وأصبحت لا تقدر على الهر’ب أكثر مِن ذلك، كانت عيناها تجول في المكان حتى لمحت طيف “يوسـف” ومعهُ أخيها الذي كان ينظر حوله ويبحث عنها، وفي هذه اللحظة، كانت وكأن الشمس أشرقت لها بنورها الذهبِ بعد دوام عتـ.ـمة الليل طويلًا..
_”يوسـف” !! “سميـر” أنا هنا ..!!
صر’خت ورفعت يَدها عاليًا تُلوحها في الهواء حتى يرونها أو حتى يسمعون صوتها المستغيث بهم، رأت ألتفات “يوسـف” نحوها لتتسـ.ـع بسمتُها ويترقرق الدمع في المُقل حينما شَعَرت أنها ستكون في أ’مانٍ مع أخيها ولكن تبددت أحلامها وتلاشت بسمتُها سريعًا حينما رأت “فتـوح” أمامها يحجُب الرؤية عن “يوسـف” الذي طافَ بعيناه يبحث عنها، جحظت عينيها بهلـ.ـعٍ حينما رأته أمامها وبيَده سلا’حه الأبيض..
أنزلت يَدها ببطءٍ وابْتَلَـ.ـعَت غُصَّتها التي كانت عا’لقةً بحـ.ـلقها، بدأت تعود بخطواتها إلى الخلف ونظراتها عا’لقةٌ بهِ تراه بدأ يقترب مِنها وهو يرفع يَدهُ بسلا’حه لها وكأنهُ يُخبرها أن نها’يتها قد أقتربت ولم يَعُد هُناك طريقًا للنجا’ةِ مِنْهُ، لم تنتظر وألتفتت تركض هر’بًا مِنْهُ ليسبقها هو فورًا محاولًا الإمساك بها..
المسافة تقترب، والنها’ية أقتربت مِن نقش آخر سطورها، ونفوسٌ تملّـ.ـكت مِنها الشيا’طين واستطاعت السيطـ.ـرة عليها، خرجت مِن تلك الدائرة السو’د’اء التي كانت تخـ.ـتنقها رويدًا رويدًا إلى الحُـ.ـرية، ولكن لم تستطع أن تنولها وتسعد بلذتها حتى طالتها دائرة الحصا’ر مجددًا حينما شَعَرت بقبـ.ـضته الفو’لاذية على خصلاتها الحريرية الطويلة، خرجت مِنها صر’خات عا’لية هستيرية وهي تُحاول إبعاده عنها والفر’ار مِنْهُ وطلب المساعدة مِن مَن حولها:
_ساعدوني، ساعدوني هيقتـ.ـلني، إبعد عنّي يا مختـ.ـل أنتَ ..!!
شـ.ـدد مِن قبـ.ـضته بعنـ.ـفٍ أكبر على خصلاتها جعلت صر’خاتها تعلو أكثر تزامنًا مع صر’اخه الحا’قد بها:
_فاكرة نفسك هتفـ.ـلتِ مِني يا روح أمّك، هر’وبك مِني دا عامل زي عشم إبلـ.ـيس فالجنة، مش هناولك اللِ بتحلمي بيه يا “نورهان” مهما حصل، بُعدك عنّي هيبقى بمو’تك ..!!
اجتمعوا جميعهم يشاهدون ما يحدث دون أن يجرؤ أحدهم ويتدخل لإنقا’ذ هذه المسكينة، وبينهم تسـ.ـللوا هم بخطى واسعة وهم يُبعدونهم عن طريقهم حتى أصبحوا في المقدمة يرونها سـ.ـقطت في حـ.ـفرته أخيرًا بعد صر’اعٍ طالَ أمده، نظرت هي إليهم ورأت أخيها أمامها ولذلك أستغاثت بهِ قائلة بنبرةٍ أصا’بتها الهلـ.ـع:
_”سميـر”، إلحقني مِنُه يا “سميـر” أبوس إيدك ..!!
نظر إليهم “فتـوح” في هذه اللحظة بنظرةٍ لا توحي لهم بالخير ولذلك أستعان بخطته البديلة، وبلحظة كان يُكـ.ـبلها بذراع، والآخر رفعه بسلا’حه الذي وضعه على نحـ.ـرها مهد’دًا إياهم بقوله الحا’د:
_اللِ هيقربلها، يمين بالله لأصـ.ـفيها وقتي وما هسمي على حد.
_سيب أختي يا “فتـوح” أحسنلك، يمين بالله ما هتفكيني فيك رو’حك لو أختي جرالها حاجة ..!!
هكذا رد عليه “سميـر” بنبرةٍ حا’دة وهو ينظر لهُ نظرةٍ غاضبة لا تُنذ’ر بالخير، ولكن ردع فعله “رمـزي” الذي أشار لهُ بيَده ثمّ نظر إلى “فتـوح” نظرةٍ ذات معنى ثمّ قال بنبرةٍ حا’دة:
_أسمعني يا “فتـوح” بقى كويس أوي عشان اللِ هقوله دا مش هعيده تاني، لو أنتَ مبتخا’فش على أهل بيتك فأنا بخا’ف على النساء بشكل عمومي سواء كانوا مِن محا’رمي أو لا، أفتكر حتى أي حاجة حلوة بينكم، أفتكر إن الست دي أستحملتك كتير وأستحملت قر’فك وبلاو’يك السو’دة وبرغم كُلّ دا متخلـ.ـتش عنك، الرسول ﷺ قالك رفقًا بالقوارير، لمَ تبهـ.ـدلها، وتجر’يها فالشارع بسبب خو’فها مِنك، وتجيبها مِن شعـ.ـرها قدام الناس وهي سـ.ـت حامل مستـ.ـحملة فوق طا’قتها، طب يا أخي خلّي عندك د’م شوية، خلّي عندك إنسا’نية ور’حمة، في حديث للرسول ﷺ أعتقد إنك متعرفهوش، قال النبي ﷺ:
“لا تكرهوا إماء الله فإنهن عوان عندكم، أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله.”
_خلّي بالك يا “فتـوح” دي مش رجو’لة مِنك خالص، ولا أسلوب ولا طريقة تعامُل مع مراتك، استوصوا بالنساء خيرًا، وأنتَ معملتش كدا خالص، أنتَ ما شاء الله عليك فالح تستعرض عضلا’تك على واحدة ضـ.ـعيفة، سيبها يا “فتـوح”، سيبها الله يهديك وأخزي الشيطا’ن ووحد الله، اللِ بتعملُه دا أكبر غـ.ـلط ممكن تعملُه، سيبها عشان خاطر العيل اللِ فبـ.ـطنها دا ملهوش أي ذ’نب فاللِ بيحصل، ولا ذ’نبها إنها خدت واحد مر’يض نفسي زيك.
أنهى حديثه وهو ينظر لهُ نظرةٍ ذات معنى مبتسم الوجه، يعلم أن حديثه سوف يُجني بثماره، فهو يعلم كيف يستغـ.ـل ثغرات مَن يمكث أمامه جيدًا، رأى ترا’خي يَده عنها ولذلك أتسعت بسمتهُ وألتفت ينظر إلى “سميـر” الذي تَفَهَّم نظرته واقترب مِنْهُ يأخذ شقيقته مِنْهُ ضاممًا إياها إلى د’فء أحضانه بعدما تركها “فتـوح” الذي كان ينظر إلى “رمـزي” نظرةٍ ذات معنى..
نظر “سميـر” إلى شقيقته متفحصًا إياها بتلهُفٍ وهو يقول بنبرةٍ غمرتها الخو’ف والقـ.ـلق الشـ.ـديد:
_”نورهان” أنتِ كويسة يا حبيبتي، حاسة بو’جع أو أي حاجة يا نور عيني.؟
حرّكت رأسها تنفي قوله وهي تنظر لهُ بعيناها الباكية ووجهها المُر’هق الذي كان يكسوه الأ’لم، أطمئن هو عليها ولذلك ضمها مجددًا إلى أحضانه بحنوٍ ماسحًا بكفه على ظهرها، أطمئن “يوسـف” عليها ولذلك نظر إلى “فتـوح” نظرةٍ متو’عدة لا توحي بالخير ليسمع صديقه الذي قال بنبرةٍ جادة:
_أقترب يوم الحساب يا “فتـوح”، مستنيك فالحارة يا ابن الجزا’ر عشان محتاجك فموضوع مهم أوي، مش هعرف أحلُّه مع حد غيرك.
حديثه كان لُغزًا بالنسبةِ إلى “فتـوح” الذي نظر لهُ متعجبًا لا يفهم كلمة مِمَّ قالها “رمـزي” الذي تحوّلت نظرته لهُ في هذه الساعة إلى أخرى متو’عدة لا تُنذ’ر بالخير البتة، ألتفت متحركًا مِن المكان وهو يوجّه حديثه إليهم قائلًا:
_يلا عشان نمشي، كلامنا فالحارة مش هنا.
وبالفعل تحركوا خلفه تاركين “فتـوح” غا’رقًا في بحو’ر الجهـ.ـل تا’ئهًا بعدما أصا’ب قول “رمـزي” قلبه بالخو’ف واثا’ر حفيظته، تلك المرة كان هو مَن يتحكم في زمام تلك اللُعبة، وهو القائد الذي يوجّه ضر’باته وتعليماته، وصدقًا، قد أقسم “رمـزي” على الشـ.ـر معهُ فلن يتوانا في حقه بعدما عَلِمَ كو’ارثه السو’دا’ء ومخططا’ته الشيطا’نية التي كانت ستز’ج رفيقه إلى السجـ.ـن وتُنهـ.ـي حياة البعض، قرر القائد، وحُسِمَ الأمر.
________________________
<“قصة جديدة تُكتب لنا، وحياة أخرى تنتظرنا.”>
ليس مِن الضروري أن تنجح محاولتنا الأولى،
الأهم مِن ذلك هل هي الأصلح لنا أم أننا لا نرى سوى مميزاتها التي تكون دومًا خاد’عة لمَن أمامها، وكانت أولى محاولاتها ما’كرة، وجاءت الثانية أصدق وأنقـ.ـى..
كانت تجلس برفقتهِ في غرفة المعيشة تحت أعين والدتها التي كانت تجلس بالقربِ مِنهما تتابعهما بوجهٍ مبتسم ترى إندماجهما معًا وتخطيطهما لحياتهما القادمة بشغفٍ غير عادي، وبنفس الوقت كان يطرأ على رأسها بين الفينة والأخرى يُذكّرها بأمرٍ كانت تُحاول الهر’ب مِنْهُ دومًا وتخشى خو’ضه أو إخبار أولادها بهِ حتى لا تُصبح في صورةٍ ليست لها ولا هي تُناسبها..
بينما كان “جـاد” يجاور “كايلا” وهو ينظر إلى شاشة حاسوبه يتنقل بين الصور المعروضة أمامه والتي تحتوي على العديد مِن ألوان الحوائط وديكوراتها المختلفة يأخذ رأيها بهم جميعًا:
_إيه رأيك، في حاجة عجبتك مِنهم ولا أنتِ راسمة شكل تاني.؟
أخذت هي نفسًا عميقًا ثمّ زفرته بهدوءٍ شـ.ـديد وقالت بنبرةٍ هادئة:
_بصراحة هما كُلّهم حلوين، وأنا أحترت بينهم وكُلّ ما أستقر على لون مُعيَّن أرجع فكلامي لمَ ألاقي الأحلى مِنُه، مبقتش عارفة أعمل إيه بجد يا “جـاد”.
أبتسم هو حينما تَفَهَّم ما تشعُر بهِ ولذلك جاوبها بنبرةٍ هادئة وهو ينظر لها قائلًا:
_طب أنا عجبني واحد أوي ومفيش حاجة عجبتني غيرُه هتوافقِ عليه ولا نعمل إيه.؟
نظرت لهُ نظرةٍ هادئة وجاوبته قائلة متسائلة:
_إيه اللِ عجبك.؟
نظر إلى شاشة حاسوبه مجددًا للحظات وهو يجول بين الصور حتى توقف عند الصورة المرادة وقال مبتسم الوجه:
_اللون دا، الفانيلا لاتيه شايفُه تُحفة وهيمشي مع لون السيراميك والديكور اللِ رسمناه، إيه رأيك أنا عن نفسي اللون دا عاجبني مع ديكور البيت ومفيش حاجة هتليق غيرُه.
نظرت إلى شاشة الحاسوب هُنَيهة وهي تُفكر بينها وبين نفسها في حديثه في الآن في حيرةٍ مِن أمرها بعد أن نالَ إعجابها لونين كادا يُصيبا’نها بالجنو’ن، نظرت إليه مرَّةٍ أخرى بعد أن قررت اللون قائلة:
_أنا أخترت يا “جـاد” خلاص، هختار اللون اللِ قولت عليه لقيته أحلى وأشيك.
أبتسم بسمةٌ واسعة وهو ينظر لها ثمّ قال بنبرةٍ هادئة:
_كدا تمت، السيراميك خلاص وأدينا حددنا لون الشقة فاضل العفش وكُلّه يكون تمام ويا سـ.ـتِ لمَ نيجي نجيب الأجهزة الكهر’بائية هتكوني معايا عشان اللِ يعجبك هيكون عندك، أنا مستعد أعمل أي حاجة عشان خاطر تكوني معايا، أنا ملقيتش نفسي غير فيكِ والدُنيا ملهاش طعم مِن غيرك، مِن ساعة ما دخلتي حياتي بجد وحاجات كتير أوي فيا أتغيّرت.
ومضت عيناها ببريقٍ لامع بعد أن أستمعت إلى حديثه الذي لم يفعل شيئًا سوى أنَّهُ أسعد قلبها وجعل حُبها يَكبُر بداخلها لهُ، فهي لأول مرَّة تشعُر بمثل تلك المشاعر نحوه برغم أن لها تجربةٌ سابقة لم تنجح ولم تُنصف هي بها وكُلّ ما تلقتهُ مِنها هو العذ’اب، ولكن هذه المرة شَعَرت بأنها مُرغبةٌ وبشـ.ـدة، تشعُر لأول مرَّة وترى أن هذا الر’جُل يسعى جاهـ.ـدًا حتى ينا’لها..
تلك المرة كانت ذات لَّذة ومذاق خاص وفريد مِن نوعه، كانت تُتابعه طيلة الوقت وتنظر إلى عيناه التي كانت تنطـ.ـق بالشغف والسعادة، ترى حُبّه وحما’سُه حينما يتحدث عن منزلهما الذي يبذ’ل لأجل إنهاءه مجهو’دًا كبيرًا فإن أستطاع أن يأخذها الآن فلن يتردد وسيأخذها ويهرُ’ب فورًا، شَعَر بنظرتها التي طالت هذه المرة عن المرات السابقة لينظر لها وتصطدم الأعين في هذه اللحظة، لحظة رأى كلاهما حُبّهما لبعضهما، حُبًّا صادقًا لا يعرف الخـ.ـبث أو المكـ.ـر، حُبًّا نقـ.ـيًا تمنتهُ وها هي تنا’له، كانت نظرته حنونة ود’افئة، وكأنها تقـ.ـطع عهدًا لها ببقاءها مدى الحياة، نظرة كانت مليئة بالعواطف والحُبّ، فقد خضـ.ـع القلب أمام هذه الفتنة التي كانت أولى أسباب سقو’طه أمامها..
_عارف أنتِ بتفكري فإيه، وعارف إنك مستنية إجابة متخـ.ـيبش ظنك زي ما حصل قبل كدا، بس أنا مبعتمدش الكلام، الفعل أحلى بكتير قريت صُدفة إن الأعين نواطق واستغربت ساعتها وقولت أزاي، أزاي عيني هتقدر تقول اللِ جوايا، لحد ما شوفتك دلوقتي وشوفت نظرتك ليا، قالت كُلّ اللِ مقد’رتيش تقوليه، وأنا حُبّي ليكِ هيبان فأفعالي، ونظراتي ليكِ، ومش هز’علك هبقى أقولك كلمتين حلوين عشان أنا عارف إن النفس بتهف عليها ساعات تسمع كلام حلو والعبد لله خبرة.
ضحكت حينما مازحها بكلماته الأخيرة وتابعها مبتسم الوجه يرى ما لم تراه عينُه مِن قبل، فكان يرى أن جمالها هذا مميزًا عن غيرها، بها شيءٌ يجذ’به نحوها هو مازال لا يعلم ماذا يكون، بها ما لم يراه في أ’نثى مِن قبل وكأنها تتمتع بجمالها الخاص بعيدًا عن أعين الجميع، نظرت لهُ مبتسمة الوجه ترى نظرته لها والتي كانت تُخبرها بمدى حُبّه لها كما أخبرها قبل قليل، نظر إلى الجهة الأخرى حينما رأى نظرتها لهُ ليقول بمرحٍ:
_مينفعش أكلم “أكرم” ونقدم الفرح ونخلّيه الشهر الجاي، مش هقدر أكمل الـ ٤ شهور بالمنظر دا أنا كدا هتجـ.ـنن رسمي بسببك.
تعجبت هي مِن قوله ولذلك نظرت إليهِ نظرةٍ ذات معنى وقالت بنبرةٍ متسائلة:
_ليه بس كدا هو أنا عملتلك حاجة، أنا ببُصلك عادي متكلمتش، ولا تكونش بتتحجج بقى عشان تقوم تمشي.؟
نظر لها حينما سَمِعَ كلماتها الأخيرة تلك ولذلك استنكر قولها بقوله:
_أنا بتحجج عشان أمشي؟! دا أنا لو طولت ألفك فعلبة هدايا واخدك معايا هعملها دا أنا مستني حماتي تيجي تطر’دني هي بنفسها وتقولي كفاية عليك لحد كدا عايزين نرتاح شوية.
قهقهت بخفةٍ هذه المرة وجاوبته بوجهٍ مبتسم وهي تنظر لهُ قائلة:
_لا ماما طيبة مش هتقد’ر تعملها بلاش تظـ.ـلمها … تسمحلي أقولك على حاجة.
_قولي على طول متستأذنيش مِني عشان تقولي يا “كايلا” عادي.
هكذا جاوبها وهو يستنكر قولها فحتى الآن هو يشعُر أنها مازالت لم تعتاد عليه أو أنها مازالت تا’ئهة وتحتاج إلى القليل مِن الوقت كي تعتاد على الأمر بشكلٍ أفضل، بينما نظرت هي لهُ نظرةٍ ذات معنى ثمّ قالت بوجهٍ مبتسم:
_الطقم دا حلو أوي وعجبني، ستايلك فاللبس بصفة عامة عاجبني بصراحة، نفس ستايل “يوسـف” واخواتي أنا بحب اللبس دا أوي.
نظر إلى ثيابه التي كانت عُبارةً عن بنطال قماشي أسو’د ويعلوه سترة بيضا’ء وكنزة جلـ.ـدية سو’د’اء، نظر لها مجددًا وقال:
_دا يُعتبر جزء مجزأ مِن حياتي الطقم دا، في واحد تاني بقى بحبه أوي برضوا هبقى أجي بيه مرَّة وأوريهولك.
صدح رنين هاتفه الذي كان يعلو سطح الطاولة بمكالمة هاتفية مِن “سـراج”، تعجب حينما رآه يُهاتفه لمرته الأولى تقريبًا ولذلك استأذن مِنها وجاوبه بنبرةٍ هادئة:
_مسا مسا على الناس اللِ مز’علاني ومش كويسة.
أتاه صوت “سـراج” الذي قال بنبرةٍ ساخرة:
_يا بجا’حتك لمَ تبقى بجـ.ـح وز’علان كمان، أنتَ معندكش د’م يالا.
تفاجئ “جـاد” الذي رفع حاجبيه قليلًا وجاوبه بنبرةٍ مستنكرة:
_أنا اللِ طلعت بجـ.ـح بعد دا كُلّه يا “سـراج”، وليه إن شاء الله شـ.ـتمتك بأبوك ولا أكونش شتـ.ـمتك بأبوك.
جاوبه “سـراج” الذي قال بنبرةٍ حا’دة يُعـ.ـنفه:
_أنتَ يالا مفيش مرَّة تفتكرنا وتيجي زي ما بتيجي لـ “يـوسف” مخصوص ولا تكونش “مـها” مش قد المقام مش بنـ.ـت عمك دي برضوا.
صمت “جـاد” قليلًا بعد أن شَعَر أنَّهُ قد حُصِّـ.ـر ولذلك قال محاولًا الفر’ار مِن هذا المأ’زق الذي أسـ.ـقطه بهِ هذا الما’كر:
_أنتَ بتعجـ.ـزني يعني عشان معرفش أرد عليك، وعلى فكرة بقى أنا كُنت ناوي أعدي عليها قبل ما أمشي بس أنتَ سبقتني وظلـ.ـمتني.
سَخِرَ مِنْهُ “سـراج” الذي قال متهكمًا:
_يا بريء يا حنين يا ابو كف رقيق وصغير، تصدق ياض صعبت عليا وأنا ظلـ.ـمتك فعلًا، إخص عليا.
أكمل “جـاد” تمثيله لدور الضحـ.ـية المظلو’مة بقوله:
_شوفت يا خويا بقى، إنما الأعمال بالنيَّات واللهِ وأنا نيِّتي كانت خير واللهِ بس هنقول إيه بقى، دايمًا مظا’ليم.
_حوّر كمان حوّر، دا أنا هنفـ.ـخ أهلك بس لمَ تجيلي يا منفو’خ.
توّ’عد لهُ بعد أن أستفـ.ـزه “جـاد” الذي ضحك أخيرًا حينما أستمع إلى نبرة صوته، جاء قول “سـراج” مجددًا حينما توّ’عد لهُ بقوله:
_أسمع ياض عشان مش بعيد كلامي مرتين، في حضور في مرواح، مفيش حضور مفيش مرواح وعربيتك هكلـ.ـبشها ووريني هتروّح أزاي يا ابن “راضـي” أمين.؟
ضحك “جـاد” مجددًا حينما أنهى الآخر قوله منتظرًا تلقي الجواب المُراد مِنْهُ، أتاه الجواب المُراد مِنْهُ حينما رأى أن لا مفـ.ـر مِن الأمر قائلًا:
_حاضر يا “سـراج” مش هكسفك، ٥ كدا وهجيلك.
_أما نشوف، أنا قاعدلك على باب عُمارة حماتك.
ضحك “جـاد” مجددًا ولذلك أضطـ.ـر أن يوافق على حديثه وأنهى المكالمة، نظر إلى “كايلا” وأبتسم لها قائلًا:
_شكلِ بايت فالحارة هنا، “سـراج” مستحلفلي لو مروحتش زورتهم وشوية و “يوسـف” هيعرف بوجودي ولو مروحتلهوش هيقلب عليا وأنا مش قد قلباته.
ترك هاتفه كما كان وعاد ينظر إلى شاشة الحاسوب معها يعرض عليها العديد مِن الأشكال والألوان لأثاث المنزل، يتناقش معها ويأخذ برأيها بين الفينة والأخرى ويسمع أقتراحاتها ووجهات نظرها، فهي مَن ستكون سيدة هذا المنزل والأحقية في أختيار أثاثها يعود لها، وهو أمامها لا يستطيع أن يرفض لها مطلبًا.
___________________________
<“وبين صرا’ع القلب والعقل، ضيا’ع وقر’ار.”>
وما بين صرا’ع القلب والعقل،
تتأرجح الأحلام على حا’فة الواقع، قد ينتصـ.ـر المنطق، لكن العاطفة لا تستسلـ.ـم بسهولة، وفي كُلّ مرَّة، يكون الثمن رو’حًا مُمز’قة بين الاثنين..
كان في حيرةٍ مِن أمره منذ باكورة الصباح، يجوب في الغرفة جيئة وذهابًا، عقلُه لا يتوقف عن التفكير وقلبه ينبـ.ـض بتسارعٍ طيلة الوقت خو’فًا مِن أن لا تنجح “شاهـي” في الأمر، أخرج زفيرة عميقة وهو يشعُر أنَّهُ سوف يجـ.ـن جنو’نه إن لم يتحدث، ولذلك قرر الذهاب إلى ولديه للجلوس معهما ومحاولة إلهاء نفسُه معهما حتى يتوقف قليلًا عن التفكير بها..
خرج مِن غرفته وأتجه إلى غرفة ولديه بخطى هادئة وعقله مازال مُسيطـ.ـرًا عليه يأبى تركه مهما كلَّفهُ الأمر، طرق فوق الباب بهدوءٍ ليأتي صوت ولده “محمـود” يسمح لهُ بالولوج، وَلَجَ “عمـاد” بالفعل ليراهما يجاوران بعضهما على الفراش كُلّ واحدٍ مِنهما منشغلًا في هاتفه، أغلق الباب خلفه بهدوءٍ ثمّ أقترب مِنهما وجلس أعلى الفراش أمامهما قائلًا بنبرةٍ هادئة بعد أن نظر لهما:
_لقيت نفسي زهقان ود’ماغي مش سيباني تفكير مِن الصبح قولت أجي أقعد معاكم شوية.
نظرا لهُ سويًا نظرةٍ ذات معنى ليترك “محمـود” هاتفه ويعتدل في جلسته قائلًا:
_شكلك يا “عُمـدة” مش مر’يحني وحاسس إن فيك حاجة.
أبتسم “عمـاد” بسمةٌ هادئة تعكس الصر’اع النا’شب بداخلهِ ثمّ جاوبه بنبرةٍ هادئة وقال:
_أنا مش مر’تاح مِن الصبح ود’ماغي مبطلتش تفكير، قولت أجيلكم يمكن تدوني حل فاصل وتريحوني مِن العذ’اب اللِ أنا فيه دا.
أنتبه لهُ “عامـر” الذي جذ’به حديث والده أكثر مِمَّ جعله يترك هاتفه ويعتدل بجلسته قائلًا بنبرةٍ هادئة وهو ينظر إلى أبيه نظرةٍ ذات معنى:
_مالك يا بابا، شكلك مش عاجبني وتا’يه بقالك فترة، قولت فالأول يمكن بسبب الشغل والضغو’ط، بس أنا شايف إن في حاجة تانية شاغلة تفكيرك زيادة عن اللزوم، أحكي إحنا سامعينك ولو هنقد’ر نساعد فأكيد مش هنتأخر.
وافقه “محمـود” قوله وأكمل قائلًا:
_”عامـر” بيتكلم صح، مالك يا بابا إيه اللِ شاغل تفكيرك وملـ.ـغبطك أوي كدا.
أعتدل “عمـاد” في جلسته ونظر لهما نظرةٍ هادئة للحظة، فهو يعلم أن ولديه سيتفهمان الأمر بشكلٍ جيد ولن ير’فضا أن يحظى بسعادته التي أفتقـ.ـدها، أخرج زفيرة هادئة حتى يهدأ قليلًا ثمّ قال وهو ينظر لهما متسائلًا:
_محتاج أخُد رأيكم فحاجة تخصني، هو أنا لو جه عليا يوم مِن الأيام وقررت أتجوز، هتما’نعوا.؟
أ’لقى بسؤاله ونظر لهما مترقبًا ينتظر ردهما، يخشى تلقي ردًا هو لا يتمناه فهذه المرة تحديدًا هو يُريد أخذ تلك الخطوة وبشـ.ـدة فهو يرى سعادته معها ويرى بها ما أفتقـ.ـره مع غيرها سيكون الأمر كنصـ.ـل السـ.ـكين على النحـ.ـر إن ر’فضا هذا الأمر بكُلّ تأكيد، بينما كانا الشقيقين ينظران لهُ ونظرتهما لهُ تحمل الكثير والكثير، التساؤل، التعجب، الحيرة، ابْتَلَـ.ـعَ “عامـر” غُصَّته وسأله قائلًا:
_هو حضرتك ناوي تتجوز يعني، في واحدة مُعيَّنة ولا دا مجرد سؤال.؟
أخرج “عمـاد” زفيرة عميقة وجاوبه بنبرةٍ هادئة:
_آه، بس محتاج رأيكم عشان يهمني أكتر مِن رأيي، رأيكم إيه.
نظر “عامـر” إلى أخيه الذي نظر لهُ كذلك دون أن يتحدث، نظرا لهُ وجاء رد “محمـود” هذه المرة حينما قال بنبرةٍ هادئة:
_بابا دي حياتك وأنتَ حُر فيها، مِن حقك تقرر إذا كُنت محتاج تتجوز تاني أو لا، أنا عارف إن اللِ شوفته مكانش قليل عليك وعارف إننا واحد عشان دوقنا مع بعض نفس الإحساس، وعشان كدا أنا مش معا’رض خالص، حابب تتجوز أتجوز يا بابا دي حاجة تفرحني عشان هتفرحك أكيد مقد’رش أر’فض وأحر’مك مِن حاجة عمال تدوّر عليها ومش لاقيها، أتجوز أنا معنديش مشـ.ـكلة بالعكس هكون مبسوطلك على فكرة، أتجوز طالما هتلاقي سعادتك.
أنهى حديثه وهو ينظر لهُ مبتسم الوجه بعد أن وافق على قرار أبيه بالزواج مرَّةٍ ثانية، فهو أكثرهم معرفةً بمشاعر أبيه الآن ويعلم أنَّهُ لم يكُن هينًا عليه ما رآه مع والدته ولذلك منحه هو هذه الفرصة بترحابٍ بموافقته، أبتسم “عمـاد” وشَعَر بالقليل مِن الراحة حينما وافق ولده الصغير، ولكن يبقى البكري الذي نظر لهُ منتظرًا الرد الحاسـ.ـم مِنْهُ داعيًا المولى بداخله أن ينصفه ويُعطيه موافقته على هذا القرار المصيري بالنسبةِ لهُ..
أخرج “عامـر” زفيرة قوية بعد أن عَلِمَ أن الدور عليه ويجب أن يُبدي برأيه في هذه اللحظة ويعلم أن أبيه ينتظر الرد الحاسم مِنْهُ الذي إما أن ينصفه، أو يضر’به في مقتـ.ـلٍ، ابْتَلَـ.ـعَ “عامـر” غُصَّته وقال بنبرةٍ هادئة بعد أن قرر كسـ.ـر حِدَّ’ة هذا الصمت:
_طبعًا أنتَ متوقع مِني أنِ أر’فض صح؟ بس أنا مش هعمل كدا ولا هفكر أعملها مجرد تفكير، لو السـ.ـت دي كويسة وأنتَ مرتاحلها يا بابا وعايزها خلاص ليه لا، أنا مش هكـ.ـرهلك الخير بالعكس، أتجوزها يا “عُمـدة” وأتطمن، إحنا مش هنقف قدام سعادتك ولا هنحر’مك مِن حاجة غيرها حر’متك مِنها، يمكن تكون هي عوضك بجد وسعادتك تكون معاها، دا حقك.
بكلماته الصادقة، انتشـ.ـل والده مِن دوا’مة الحيرة، ومنحه الطمأنينة التي كان يبحث عنها، فكان التوتر الزائد هو الذي مَزّ’قهُ إر’بًا وجعله في حيرةٍ مِن أمره، فهذه هي الإجابة التي كان ينتظرها مِنهما وهما لم يبخلا’ن بها عليه، أتسعت الابتسامة على ثَغْره والتمعت عيناه ببريقٍ نطـ.ـق بالحياة والأمل مِن جديد، بَسَطَ ذراعيه على اتساعهما، متلهفًا لعناق يحتضنه مِنهما، وصدقًا لم ينتظرا كثيرًا واقتربا مِنْهُ يُعانقانه معًا، كان عناقًا حنونًا ود’افئًا يُشعره بمدى قربهما مِنْهُ وسعادتهما لأجله وسعيهما لأجل راحته..
_أنا مبقاش ليا غيركم.
عبارة صادقة خرجت مِن قلبٍ صادق لم يعلم الخدا’ع يومًا أو الكذ’ب، حينما رأى أنهما مَن سيُكملان معهُ دربه، لم يُخـ.ـطئ القلب يومًا، ولم يخذُ’له يومًا، جاء الجواب مِن “عامـر” الذي أبتسم وقال بنبرةٍ حنونة:
_إحنا كمان ملناش غيرك، أنتَ دُنيتنا كُلّها يا حبيبِ، زي ما بتسعى عشان راحتِ أنا كمان هسعى عشان خاطر راحتك لأن راحتك وفرحتك يهموني.
ترقرق الدمع في المُقل بعد أن وضعت الكلمات وصمتها على قلبه، فقد تأ’ثر كثيرًا بكلماته وعَلِمَ أنَّ ربه قد رزقه بهما عوضًا عن مَن غد’رت ور’حلت، جاء السؤال مِن “محمـود” الذي قال بنبرةٍ هادئة:
_مقولتليش يا حج، مين اللِ قدرت تجيبك كدا على طول، دا أنتَ حتى لسه معملتش موڤ أون لحقت.؟
أبتسم “عمـاد” وأبتعدا عنهُ ينظران إليه منتظران معرفة هوية تلك السيدة التي جعلت أبيه يسـ.ـقط في شبا’كها بأقل مجهو’دٍ مِنها، رآنه يبتسم وهو ينظر لهما تزامنًا مع قوله الهادئ:
_خمنوا مين.
سأله “محمـود” هذه المرة حينما قال بنبرةٍ هادئة:
_مين، حد نعرفه يعني.؟
_آه.
تعجبا ونظرا إلى بعضهما وهما يُفكران في هوية تلك السيدة التي جعلت أبيهم هكذا ليُنكرا معرفتهما حينما قال “محمـود” جا’هلًا:
_لا مش عارفين بصراحة، مين اللِ جابتك الأ’رض يا “عُمـدة” قول بسرعة.؟
أنهى حديثه بنبرةٍ خـ.ـبيثة بعد أن أغلق عيناه قليلًا وأرتسمت البسمةُ الهادئة على شفتيه، ضحك “عمـاد” حينما رأى ولده عاد يُمازحه ليجاوبه بنبرةٍ ضاحكة:
_هقولك يا لئيـ.ـم مين، “هنـاء”، أمّ “بيلا”.
أصا’بتهما الصدمة هذه المرة بحقٍ حينما تلقيا معًا الجواب الذي جعل الذهول هو عنوانهما، كانت مفاجأة ليست في الحُسبان وكانت الضر’بة قا’تلة لهما، فقد ظنّا في بادئ الأمر أنها مِن عائلتهم، ولكن كان لأبيهم رأيًا آخر في ذلك، تحدث “عمـاد” مترقبًا بعد أن رأى ردة فعلهما بعدها بقوله الهادئ:
_مالكم في إيه، مش مبسوطين ولا إيه.؟
_لا طبعًا، إحنا أتفاجئنا بس مش أكتر، كانت بعيدة خالص إحنا فكرناها مِن عيلتنا.
جاوبه “محمـود” ينفي قوله ثمّ شرح لهُ الأمر مِن منظورهما حتى تتضح الأمور ويتـ.ـملك اليأ’س مِن أبيه الذي يبدو أنَّهُ بدأ يعود إلى حياته الطبيعية مجددًا، سأله “عامـر” هذه المرة حينما قال بنبرةٍ هادئة:
_طب هي رأيها إيه، يعني صارحتها ولا لسه مخدتش القرار.؟
تذكّر “عمـاد” كيف كان مظهرها حينما صارحها بمشاعره نحوها، أبتسم بسمةٌ واسعة ثمّ تحوّلت إلى ضحكة خفيفة تزامنًا مع قوله:
_صارحتها، مقدرتش بصراحة أستنى كتير، بس هي أتفاجئت، أو أتصدمت لدرجة إنها سابتني وجريت عالأوضة.
مازحه هذه المرة “محمـود” الذي غمز بعينُه اليُسرى بعبثٍ وهو يقول:
_أيوه يا عمّ داخلها حا’مي أنتَ، طبيعي تسيبك وتجري براحة عليها يا حج شوية بلاش تديها الضر’بة جامدة كدا على طول، واحدة واحدة عليها السـ.ـت برضوا هتلاقيها متـ.ـلغبطة دلوقتي كانت عايشة لوحدها مع ولادها وقفلت على نفسها لمَ تلاقي ر’اجل جاي بيخبط على باب شقتها ضيف ويقعد ويصارح بمشاعره ليها لا صـ.ـعبة حبتين برضوا هما مش زينا، خُدها واحدة واحدة هتيجي معاك إنما لو أستمريت كدا مش هتعرف تمشي.
جاء الرد مِن أخيه “عامـر” الذي نظر لهُ بطرف عينه وقال بنبرةٍ ما’كرة:
_يا حبيبِ، خُدوا الحكمة مِن أفواه الحكماء يا حج الو’اد دا عنده خبرة فالستا’ت ما شاء الله كان معاشر ستهم.
_يا دي السيرة المنـ.ـيلة دي يا عمّ الله يرضى عنك متفكرنيش أنا بحاول أنسى بالله عليك.
هكذا جاوبه “محمـود” بنبرةٍ تملؤها الضـ.ـيق بعد أن تذكّر تلك الأيام العـ.ـصيبة التي مرّ بها معها، تحدث “عمـاد” هذه المرة حينما قال بنبرةٍ هادئة:
_اللِ فات خلاص ماضي وراح، عايزين نشوف الحاضر ونخطط للمستقبل، أنتَ هتخطب بعد بُكرة وكُلّها كام شهر وتتجوز وهو ربنا هيعوضه ببـ.ـنت الحلا’ل اللِ تقدره بجد وتشيله جوّه عنيها، الحياة مبتوقفش عند حد، المهم إنك تدي نفسك الفرصة ومتحر’مش نفسك مِن إنك تعيش، متقفلش على نفسك يا “محمـود” نصيحة مِن أبوك.
أخرج “محمـود” زفيرة عميقة ومسح بكفه فوق صفحة وجهه دون أن يتحدث وكأن الحديث أصبح عـ.ـبئًا مثقـ.ـلًا على صدره، بينما وافقه ولده البكري القول بقوله:
_أبوك بيتكلم صح، متقفلش على نفسك يا “محمـود” أنتَ لسه صغير وعوضك هييجي يعني هييجي أول ما ربك يريد.
كان جواب “محمـود” على حديثهما هو إماءة صغيرة مِن رأسه دون أن يتحدث وهو يتلاشى النظر إليهما، بينما نظر “عامـر” إلى والده الذي أشار إليه بتركه دون أن يتحدث بحرفٍ آخر وهو ينظر إلى ولده الصغير الذي كان وكأنه بدأ يُفكر في الأمر بشكلٍ أكثر جدية.
_________________________
<“عمَّ قريب سوف تُفقده صو’ابه، وأخرى ستقتـ.ـله حزنًا عليها.”>
قُبَيل المغرب،
كانت “فاطمة” تجلس أمام شاشة التلفاز تُتابع مسلسلها التُركي المفضل وعَبراتها تسـ.ـقط على صفحة وجهها وتُمسك بيَدها الملعقة وتتناول الطعام، تركتها ومدّت يَدها تسحب المحرمة مِن على سطح الطاولة تمسح عَبراتها ثمّ عادت تتناول الطعام..
وَلَجَ “لؤي” إلى الشقة مغلقًا الباب خلفه مُلقيًا عليها السلام لتجاوبه هي بنبرةٍ باكية دون أن تحيد بصرها عن شاشة التلفاز، بينما نز’ع هو حذائه وولج إلى المرحاض يغسل يَديه ووجهه، لحظات وخرج مقتربًا مِنها بخطى هادئة ليجاورها متأ’وهًا بعد أن جلس بشكلٍ أكثر أر’يحية ثمّ نظر لها بطرف عينه ورفع حاجبه عا’ليًا تزامنًا مع قوله:
_واللهِ، إيه العياط والشحتفة دي كُلّها.؟
سـ.ـقطت عَبراتها مجددًا وهي تجاوبه بنبرةٍ باكية قائلة:
_”فاطمة” مش عارفة تاخد حـ.ـقها لحد دلوقتي، صعبا’نة عليا أوي كانوا المجرمين المفروض يتحا’كموا بس متحا’كموش وخرجوا مِنها.
أنهت حديثها وأزداد بُكاءها بعد أن سـ.ـقطت عيناها على شاشة التلفاز مِن جديد، بينما أخرج “لؤي” زفيرة قوية وهو يتمتم بقلة حيلة:
_وعهد الله أنا متجوز مجنو’نة بنـ.ـت مجا’نين.
نظر لها مجددًا هُنَيهة ثمّ قال بنبرةٍ هادئة بعد أن قرر كسـ.ـر وصلة بُكاءها ذاك:
_أهو أنا كُنت عامل حسابِ إنِ هرجع عالمنظر دا، فاكرة المرة اللِ فاتت لمَ دخلت لقيتك مفحو’تة عياط، و’قعتِ قلبِ ساعتها وأفتكرت حد مِن العيال جراله حاجة وطلعتِ بتسمعي نفس المسلسل، هو المسلسل دا مفيهوش حاجة تفرّح.؟
أنهى حديثه متسائلًا وهو ينظر لها بعد أن تذكّر كيف مضت المرة الماضية كاد حينها يفقـ.ـد عقله حينما رآها تبكِ، بينما جاوبته هي بنبرةٍ باكية قائلة:
_”فاطمة” أتظـ.ـلمت أوي وحياتها أتد’مرت يا “لؤي”، قـ.ـطعت قلبِ عليها بجد مِنهم لله، تصدق، دا حتى مرات أخوها حر’باية وقو’ية ربنا ياخدها العقر’بة دي.
وضع كفيه على وجهه وهو يقول بقلة حيلة:
_يا ربّ صبرني على بنـ.ـت المجنو’نة دي، هييجي عليا فيوم وأتهوّ’ر وأر’مي عليكِ يمين الطلا’ق يا “فاطمة” بسبب اللِ بتعمليه فيا دا يا شيخة حرام عليكِ.
أخرج زفيرة قوية ثمّ أبعد كفيه ونظر لها وإلى الصحن الذي كان يمكث بيَدها، أعتدل في جلسته ومدّ يَدهُ يأخذه جهاز التحكم ليُغيِّر القناة بأخرى خاصة بالرياضة حيثُ فريقه المفضل يلعب، مدّ يَدهُ مجددًا نحوها يأخذ الصحن مِنها والملعقة ليبدأ بتناول الطعام بدلًا عنها وهو يُشاهد المباراة، صدح رنين هاتفه يُعلنه عن أتصالٍ هاتفي مِن صديقه لذلك أخذه مجيبًا إياه قائلًا:
_أيوه يا حبيبي، لسه طالع حالًا أهو، بدأ آه أهو، لا تشكيلة الأهلي عسل إلحق أنتَ بس أطلع عشان تلحقه هو لسه يا دوبك بادئ، ماشي يا حبيبي.
أنهى حديثه معهُ وأغلق المكالمة وترك هاتفه بجواره وعاد ينظر إلى شاشة التلفاز وهو يتناول الطعام دون أن يُعيرها أيا أهمية، بينما كانت هي تجلس بجواره تنظر لهُ بصمتٍ تام دون أن تتحدث وكأن عقلها مازال لم يستوعب حتى هذه اللحظة ما فعله، عادت تبكِ مجددًا ليترك هو الملعقة في الصحن ويَمُدّ يَدهُ نحوها يجذ’بها مِن ذراعها نحوه يحاوطها بذراعه مربتًا فوق ذراعها وهو يتمتم بقلة حيلة:
_يا ربّ صبرني عالمجنو’نة دي، أنا مش حِمل جنا’ن عايز أكمل بعـ.ـقلي.
في منزل “يعقـوب”،
كانت “زُبيدة” تجلس في غرفة المعيشة تقوم بطوي ملابس “يعقـوب” والهدوء كان هو المسيطـ.ـر على المكان، برغم أنها كانت تشعُر بالمـ.ـلل لبقاءها سويعات طويلة وحدها، أنهت طويهم لتسمع صوت المفتاح داخل مز’لاج الباب ولذلك نظرت نحوه تلقائيًا لتراه عاد والإر’هاق باديًا على تعبيرات وجهه، نهضت واقفة وهي تنظر لهُ لتكسـ.ـر حِدَّ’ة هذا الصمت بقولها الهادئ:
_حمدلله على سلامتك يا حبيبِ، أخيرًا دا أنا همو’ت مِن الملل مِن الصبح لوحدي.
ترك أغراضه على سطح الطاولة واقترب مِنها بخطى مثقـ.ـلة تحت نظراتها التي كانت تُتابعه، كانت متعجبة مِن صمته وحالته التي أصا’بت ر’يبتها بلا شـ.ـك، أر’تمى في أحضانها واضعًا رأسه فوق كتفها دون أن يتحدث مِمَّ جعل القلـ.ـق يد’ب في قلبها، حاوطته بذراعيها مربتًا على ظهره برفقٍ قائلة بنبرةٍ غمرتها القلـ.ـق:
_في إيه يا “يعقـوب” مالك، راجع قالب وشك كدا ليه هو أنتم أتخا’نقتوا مع بعض ولا إيه.؟
حاوطها بذراعيه مشد’دًا مِن ضمته لها دون أن يتحدث وكأنه يواسيها خفيةً، يُداو’ي رو’حٍ لا تعلم أنها ستنزُ’ف بعد لحظات، عناقه فعل ما لم يستطع فمه البوح بهِ، وكعادتها أحتو’ته تمسح فوق ظهره بحنوٍ دون أن تتحدث بعد أن قررت تركه حتى يهدأ ويُخبرها هو بما يشعُر بهِ..
وبعد مرور القليل مِن الوقت،
كان الخو’ف هو المسيطـ.ـر الو’حيد عليها حتى هذه اللحظة فهو لا يتحدث مطلقًا وهذا ما جعلها تقلـ.ـق بشدة، نظرت لهُ بعد أن أبتعد عنها لتسأله بنبرةٍ هادئة قائلة:
_مالك يا حبيبِ فيك إيه، جاي ساكت ليه يا حبيبِ أتكلم، أنا بدأت أخا’ف عليك أوي.
نظر لها في هذه اللحظة دون أن يتحدث والحز’ن واضحًا على تعبيرات وجهه ونظرته لها مِمَّ جعل القـ.ـلق يزداد أكثر بداخلها، ابْتَلَـ.ـعَت غُصَّتها بتروٍ وقالت:
_طب أنتَ تـ.ـعبان، أتكلم يا “يعقـوب” متو’جعش قلبِ عليك.
وبعد صمتٍ دام لعشرون دقيقة جاوبها بنبرةٍ هادئة وهو ينظر لها بعينين تلمعان قائلًا:
_أنا مش هوديكِ للدكتورة يا “زُبيدة”.
عقدت هي حاجبيها متعجبةً وبدأ القـ.ـلق يساور قلبها لتجاوبه بنبرةٍ متوترة قائلة:
_ليه يا “يعقـوب”، رجعت فكلامك ليه أنتَ قولتلِ إنك هتوديني.
_عشان أنتِ كويسة وزي الفُل يا “زُبيدة”، مش محتاجة للدكتورة.
هكذا جاوبها بنبرةٍ هادئة مر’هقة محاولًا تما’لُك نفسُه أمامها، بينما أزداد قلـ.ـقها هي وسألته بنبرةٍ هادئة بعد أن تسارعت نبـ.ـضات قلبها:
_ليه، وعرفت منين إنِ كويسة، أتكلم يا “يعقـوب” متخو’فنيش.
أخذ هو نفسًا عميقًا ثمّ زفره بهدوءٍ، نظر لها وقال بنبرةٍ جا’مدة مُلـ.ـقيًا بكلماته على مسامعها لتُصيـ.ـب رو’حها النقيـ.ـة تقـ.ـتلها:
_أنا وأنتِ كويسين مفيناش أي حاجة، بس في اللِ مش عايزنا نخلف يا “زُبيدة”، أختك عملتلك سحـ.ـر عشان متخلفيش يا “زُبيدة”، وأنا “فتـوح” عاملِ نفس السحـ.ـر عشان ميشوفنيش مبسوط ولا أنول ضُـ.ـفر العيل اللِ كُنت بتمناه كُلّ لمَ أقعد معاه وأحكيله عليه، شوفتِ بقى الو’جع اللِ بجد صعـ.ـب أزاي ..!!
أنهى وهو ينظر لها محاولًا السيطـ.ـرة على نفسُه بعد أن خا’نته عَبراته وسقـ.ـطت على صفحة وجهه، فقد كان يحبس هذا الأ’لم بداخله طيلة الوقت حتى يقف أمامها ويواجهها بحقيقة الأمر، تثا’قلت أنفاسه وكأن الهواء أصبح عبـ.ـئًا على صدره، بينما كانت هي تنظر لهُ مجحظة العينين لا تُصدق ما سمعته منذ لحظات فيبدو وكأنه كابو’س أسو’د وستستيقظ مِنْهُ في أيا لحظة.
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية جعفر البلطجي 3)