روايات

رواية سلانديرا الفصل الخامس والعشرون 25 بقلم اسماعيل موسى

رواية سلانديرا الفصل الخامس والعشرون 25 بقلم اسماعيل موسى

رواية سلانديرا البارت الخامس والعشرون

رواية سلانديرا الجزء الخامس والعشرون

سلانديرا
سلانديرا

رواية سلانديرا الحلقة الخامسة والعشرون

داخل جناح الرياح الشمالية، كانت الجدران تتوهج بضياء أزرق خافت ينبعث من البلورات الجليدية المتناثرة في أرجائه، كأن القصر ينبض بهدوءٍ لا يكسره إلا صوت العواصف البعيدة وهي تصطدم بجدرانه الهائلة.
النوافذ لم تكن مجرد فتحاتٍ تطل على الخارج، بل كانت بواباتٍ إلى السحب المتراكمة فوق الجبال، حيث يمكن رؤية الثلوج تتساقط بلا نهاية على المدى البعيد.
خاطر كان يجلس عند الموقد، ليس لأنه كان يشعر بالبرد، بل لأنه ببساطة لم يعرف الراحة منذ زمنٍ طويل. منذ أن وُلد، كان رجل هروبٍ ومطاردة، لم يعرف يومًا كيف يشعر بالأمان. لكن هنا، داخل قصر الريح، وسط هدوءٍ لم يعتده، وجد نفسه أمام إحساسٍ مختلف… إحساس لم يكن يعرفه جيدًا، لكنه لم يقاومه.
زافيرا كانت تجلس على الأرض، قريبة منه، ظهرها مستند إلى حافة السرير الفاخر، عيناها مثبتتان على الشعلة الزرقاء المتراقصة أمامهما.
بدا أن النار في هذا المكان تحترق بقوانين مختلفة، فهي لم تكن تصدر الدفء الذي اعتاده، بل نوعًا من السكينة الغريبة، كأنها نارٌ وثلجٌ في آنٍ واحد.
نظرت إليه أخيرًا، وكأنها شعرت أنه يفكر بها.
“لماذا تنظر إليّ هكذا؟”
لم يُجِب فورًا، كان يحدّق في وجهها، يدرس ملامحها كما لو أنه يراها للمرة الأولى.
الجروح التي تركتها الحرب عليها كانت لا تزال واضحة، خدشٌ صغيرٌ على وجنتها، أثر ضربةٍ قديمةٍ عند عنقها، لكنه كان يرى أكثر من ذلك، كان يرى المرأة التي تحدّت مملكتها، التي تحدّت قوانين الجان، التى اختارته من بين كل مخلوقات العالم.
“أحاول أن أفهم.”
“تفهم ماذا؟”
“لماذا وافقتى ان تهربى معى
ابتسمت، تلك الابتسامة التي كانت مثل خنجرٍ مغروسٍ في قلبه.
“لأنى أحببتك وسأظل احبك إلى آخر عمرى
كان يعلم أنها صادقة، وهذا ما جعله غير قادرٍ على النظر بعيدًا. لم يعتد أن يراه أحدٌ مثلما تراه
تحرّكت زافيرا، اقتربت منه أكثر، حتى أصبح بإمكانها أن ترى الانعكاس الباهت للنار في عينيه القاتمتين.
مدت يدها ببطء، لمسة بالكاد محسوسة، ومررت أصابعها على الجرح الذي شقّ كتفه أثناء المعركة مع شيفان.
شعر بقشعريرةٍ باردة تسري في جسده، لكنها لم تكن من البرد.
“يؤلِمُك؟” سألت بهمس.
نظر إليها… ولم يقل شيئًا.
لم يكن الألم ما يشعر به الآن.
لكنها كانت تفهمه، كما كانت تفعل دائمًا.
في تلك الليلة، حين كانت العاصفة تزأر خارج القصر، وحين كانت مملكة الجان تنهار خلفهم، وحين لم يعد للعالم كله معنى، جلسا معًا تحت ضوء البلورات الباردة، صامتين… لكن الصمت لم يكن خاليًا.
كان مليئًا بشيءٍ آخر.
شيءٍ كان ينمو بينهما، شيئًا أقوى من الحرب، أقوى من اللعنات، وأقوى من ممالك الجان والبشر مجتمعةً.
الحب.
كان يتضخم كعاصفةٍ أخرى، عاصفة لا تهبّ على مملكة الصقيع… بل على قلبيهما
خارج الشرفه تدلت جنية قزمه ترفرف بجناحيها وهمست اهلا بالحبيبين، أسمى ناهيندا واريد ان اقدم لكم شيء
ثم أخرجت باقة ورد من التوليب بينهما قبل أن تضحك وتختفى بين الضباب
____________
في صباحٍ هادئ داخل قصر الريح، حين كان الثلج يسقط ببطء على أبراج الجليد العالية، دوى صوت البوق في أرجاء المملكة، معلنًا وصول الغرباء.
على أبواب القصر، وقف الوفد القادم من مملكة الجان، يرتجفون رغم عباءاتهم السميكة، ليس فقط بسبب البرد، بل بسبب الضغط الذي فرضه وجودهم في أرضٍ لم تكن ترحب بهم.
في المقدمة، كان يقف قائد الوفد—جانٌ طويل القامة، عيناه بلون الذهب المحترق، ويرتدي درعًا مغطى بنقوشٍ سوداء كرمزٍ لولائه للملك شيفان. اسمه كان “إيلدار”، وكان معروفًا بولائه المطلق لعرش الجان.
حين فُتحت أبواب القصر العملاقة، لم يجدوا أمامهم حشدًا من المستقبلين، لم يكن هناك سوى شيءٍ واحد—صمتٌ جليديّ، وقوةٌ لم تُنطق بعد.
في قاعة العرش، حيث يقرر ملك الصقيع مصير العواصف، وقف إيريديون ينتظر.
“لقد قطعتم طريقًا طويلًا عبر الجليد، يا أبناء الجان.” قالها ملك الصقيع بصوتٍ هادئ، لكنه كان يحمل في طياته جبروت الريح الباردة التي يمكن أن تسحق الجبال إن غضبت.
تقدم إيلدار، وانحنى انحناءة قصيرة، لم تكن خضوعًا بقدر ما كانت اعترافًا بالقوة التي يواجهها، ثم قال بنبرةٍ رسمية:
“جئنا بأمرٍ من ملكنا، الملك شيفان، ملك الجان بلا منازع، وسيّد العرش الأسمى.”
ثم أخرج لفافةً مختومة، ومدها إلى الدارون، الذي أخذها بخبرة رجلٍ يعرف تمامًا ما سيُكتب فيها قبل أن يفتحها.
“ملك الجان يطلب إعلان الولاء.” أكمل إيلدار، صوته لم يكن خاليًا من التحذير. “كما أنه يطالب بإعادة الأميرة زافيرا إلى مملكتها، حيث تنتمي.”
كان الصمت هو الرد الأول.
صمتٌ ثقيل، مثل طبقة الجليد التي تسبق انهيار الجرف الجليدي.
رفع إيريديون عينيه الباردتين، كأنه لم يكن يسمع مجرد كلمات، بل تهديدًا مستترًا.
“إعلان الولاء؟” كرر بصوتٍ بطيء، كما لو أنه يتذوق الكلمات قبل أن يبصقها.
ثم نهض من عرشه.
كل من في القاعة أحسّ بتغيرٍ في الجو، الهواء صار أثقل، البرودة ازدادت حتى بدت الجدران وكأنها تتصدع بصمت.
“هل أتى ملكك ليطلب مني الركوع؟”
لم يكن سؤالًا.
كان اختبارًا.
إيلدار لم يبتلع ريقه، لكنه شعر للمرة الأولى بأن هذا اللقاء لن يكون كما خطط له شيفان.
“ملك الجان لا يطلب الركوع، لكنه يذكّرك بأن الحرب ليست في مصلحة أحد.”
ابتسم إيريديون، لكنها لم تكن ابتسامة دافئة، بل كانت ابتسامة ملكٍ يرى أمامه طفلًا يتحدث عن أشياء لا يفهمها.
“وأنتم، أبناء الجان، متى كانت الحربُ خارج حساباتكم؟”
ألقى الدارون نظرةً سريعة على خاطر، الذي كان يقف عند الجدار، عينيه مظلمتين، صامتًا لكنه ليس غائبًا عن المشهد.
زافيرا كانت خلف العرش، لم تكن خائفة، لكنها كانت تعرف أن هذه اللحظة هي بداية شيءٍ خطير.
إيريديون استدار نحو الوفد، وعيناه تضيئان كالثلج العاكس لنور القمر.
“أما عن طلبك الآخر…” قالها ببطء، ثم استدار نحو زافيرا مباشرةً.
“الأميرة زافيرا ليست أسيرة هنا، ولم تُجبر على البقاء. إذا كانت تريد العودة، فلتقل ذلك بنفسها.”
كل الأنظار تحولت إليها.
كانت هذه لحظة قرارها أمام الجميع.
رفعت زافيرا رأسها، نظرت مباشرةً إلى إيلدار وقالت دون تردد:
“لن أعود.”
كانت الكلمات مثل سهمٍ أصاب قلب الوفد.
إيلدار تراجع خطوةً، كأنه لم يتوقع منها إجابةً واضحةً بهذا الحسم. لكنه استجمع نفسه سريعًا وقال:
“إذن فأنتِ تختارين العيش كخائنة؟”
لكن زافيرا لم تتراجع، بل رفعت ذقنها وقالت:
“أنا لا أختار الخيانة. أنا أختار حريتي.”
هذه المرة، كان الصمت مختلفًا.
إيريديون استدار نحو إيلدار مجددًا، وقبل أن يتكلم، كانت الرياح قد تحركت في القاعة، كأنها تتهيأ للعاصفة القادمة.
“أبلغ ملكك يا إيلدار أن مملكة الصقيع لا تعلن الولاء إلا لمن يثبت قوته.”
ثم اقترب، حتى صار ظلّه يطغى على إيلدار، وصوته صار همسًا باردًا كالصقيع القاتل:
“وأما عن زافيرا… فأخبر ملكك أن يرسل من هو قادرٌ على استعادتها بنفسه، إن كان يظن أنه يستطيع.”
انحنى إيلدار وتراجع بخطوات إلى الخلف مع مرافقيه وهو يهز يديه المكسوه بشعر الماعز
عندما انغلقت البوابه قال مساعد إيلدار فشلت مهمتنا
شيفان لن يتقبل ذلك
همس إيلدار ربما كانت رحلتنا فاشله منذ البدايه لكنها تحمل فى طياتها آمل
قال ايريديون اذا كان يريد زافيرا فليرسل من هو قادر على استعادتها بنفسه، ونحن لدينا من هو قادر على استعادتها
من أرض ايريديون، شيفان سيجد الحل وملك الصقيع لا يمكنه ان يتراجع عن كلامه.

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية سلانديرا)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *