روايات

رواية أسد مشكى الفصل السادس والعشرون 26 بقلم رحمة نبيل

رواية أسد مشكى الفصل السادس والعشرون 26 بقلم رحمة نبيل

رواية أسد مشكى البارت السادس والعشرون

رواية أسد مشكى الجزء السادس والعشرون

أسد مشكى
أسد مشكى

رواية أسد مشكى الحلقة السادسة والعشرون

بضربةٍ واحدة
صلوا على النبي.
ــــــــــــــــــ
شعرت توبة بالمكان يدور من حولها حينما فرغ أرسلان من طرح سؤاله عليها ينتظر بكامل الصبر أن تجيبه، أما عنها فلم تكن بالحمق الذي يجعلها تعترف لأرسلان بهوية من ساعدها، لأنه وإن كان أرسلان في هذه الثانية يمقت شخصًا بجنون فهو الشخص الذي تسبب في نكبة شعبه والذي كان وبكامل الأسف والحزن …نزار .
_ لا أعلم، شخص أثرت شفقته ربما .
ارتسمت بسمة جانبية على وجه أرسلان ساخرًا مما سمع :
_ وهل يا ترى لم يُصادف أن أبصرتي وجه صاحب المروءة هذا ؟؟ لا تعلمين من هو وإن كان يمكنه مساعدتي في الوصول لمستنقعهم ؟!
ابتلعت ريقها وهي تود أن تتنفس بعيدًا عن نظرات أرسلان أو حتى تفكر بشكل طبيعي، تريد أخذ أنفاسها وسؤال نزار إن كان يدرك المكان .
لذا نطقت بتردد :
_ لا لم أفعل، لقد …لقد كنت ساقطة في غيبوبة قصيرة حين أخرجني ولم أعي بنفسي سوى على حدود مشكى و….فقط ارجوك دعني افكر في الأمر لربما أصل لـ ..
قاطعها بملامح جامدة ووجه لا يُفسر :
_ لا أعتقد أنني أمتلك صبرًا يكفيني لأنتظارك سمو الأميرة، زوجتي لن تمكث يومًا إضافيًا في قبضتهم .
ختم كلامه يتحرك بقوة من أمامها وبشكل جعلها تنظر لاثره متسعة الأعين مصدومة، ونزار يراقبها من بعيد بترقب وضيق شديد من تصرف أرسلان الخشن معها .
استدارت له توبة تنظر له بطرف عيونها وكأنها تسأله سؤالًا صامتًا عما يريده أرسلان ليكون جوابه هزة رأس صغيرة لم تفهم منها شيئًا، ولم تكد تستفسر حتى اختفى جسد نزار بسرعة من المكان .
بينما هي ابتلعت ريقها تنظر أمامها وهي تفكر في زوجة أرسلان التي تعاني في هذه اللحظة ما عانته هي، تتمنى، فقط تتمنى لو أن هناك من يساعدها هناك كما فعل لها نزار، تتمنى أن يكون لها درع تختبأ خلفه .
ــــــــــــــــــــــــــــ
ودرع سلمى الوحيد كان …نفسها .
كانت مرمية ارضًا بقوة وفوقها أحد الرجال يقيد يديها بقوة دافعًا بوجهها للأرض حتى شعرت ببعض الأغصان الصغيرة تكاد تخترق وجهها، وهي تحاول المقاومة .
بينما صوت الرجل يعلو من خلفها وهو يدفع برأسها أكثر وصوت سبابه لم يتوقف، وقد بدا أنه على وشك تفجير رأسها أسفل ضغطات يده.
وسلمى فقط تحاول تحريك يدها لتمسك شيء تدافع به عن نفسها، لكن لطالما كانت كفة القوة هي الراجحة وليست الشجاعة .
بدأت تتحرك بشكل محموم تحاول الإفلات منه، وهو فقط ابتسم بسخرية يتحرك عنها ببطء كي يوقفها ليعود بها صوب الجحر، وما كاد يقف حتى وجد حفنة من الرمال تسقط على عيونه، فتراجع للخلف صارخًا بوجع، وقبل أن يتحرك أحدهم خطوة واحدة كانت سلمى تحمل أحد الفروع المحطمة أسفل قدمها تضرب ذلك الرجل بعنف شعرت أن ذراعها تحطمت على إثرها .
ومن ثم نظرت صوب الجميع الذين هرولوا لها، لتبدأ بالتراجع للخلف بظهرها، قبل أن تستدير وتهرول بسرعة مرعبة وهي ما تزال تحمل العصا بين كفها، وقد كان وجهها مدمر من الجروح وجسدها ممتلئ بالكدمات، ورغم ذلك لم تتوقف .
كلما شعرت أن قوتها على وشك أن تخونها، تذكرت مظهر النساء والفتيات، فتزيد من سرعتها وهي تتنفس بصوت مرتفع لا تنظر خلفها وهي تدفع الفروع من أمامها وقد بدأت قدمها تصرخ طلبًا للراحة، لكنها ورغم ذلك لم تتوقف لثانية واحدة حتى ظهر جسده أمامها فجأة فتوقفت بسرعة وقد كان العرق قد انتشر على وجهها، تنظر لوجه أصلان الذي ابتسم لها بسمة مخيفة وهو يتقدم منها :
– إلى أين جلالة الملكة ؟؟ لم ننتهي بعد من ضيافتك .
ختم حديثه ينظر خلفها صوب الرجال الذي كانوا قد وصلوا لها، لتبتلع هي ريقها ترى نفسها وقد أُحيطت بها، ترفع العصا تتخذ وضعية الدفاع تنظر لهم بتحذير :
_ صدقوني عاقبة ما تفعلونه لن تكون جيدة، زوجي لن يصمت على كل هذا .
أطلق أصلان ضحكة مرتفعة وهو ينظر لها بخبث :
_ نعم أنتظر منه رده، لكن وقبل أن يفكر في الرد سيجد ضربتي الأولى له .
تراجعت للخلف وهي تبصر اقترابه منها تحذره بعيونها :
_ لا تقترب وإلا لن اتوانى عن تحطيم وجهك .
لكن أصلان لم يهتم بتهديدها والذي كان بالنسبة له بالون منتفخ بالهواء لا تقدر على تنفيذ شيء مما تنطق به مثلها مثل باقي النسا….
وقبل إكمال أفكاره شعر بضربة عنيفة تصيب فكه حتى كادت أسنانه تسقط من وجهه وصوت سلمى يصرخ بنبرة مرتفعة :
– أخبرتك ألا تقترب .
رفع عيونه لها وقد اشتد غضبه بشكل عاصف، حتى شعرت سلمى ولأول مرة برغبة عارمة في البكاء خوفًا، لتنطق دون وعي اسمه وهي تناجيه برعب :
_ أرسلان.
وهو كان قد سمع مناجاتها له فاقترب ببسمته الشيطانية يهمس لها آخر كلمات سمعتها قبل أن يهوى عليها بضربة كادت تحطم رأسها:
_ لا تقلقي ربما لم يقتله السم، لكن ما سأفعله به سيجعله يتمنى لو أنه لم يحيا يومًا بعد تلك الضربة ….
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
_ فاطمة ؟!
تحرك بخطوات مترددة صوب الضوء الخافت الصادر من أحد الجهات، حيث قبور بعض الضحايا في الحوادث الأخيرة، وهي تجلس جوار أحد القبور تضم جسدها لركن الجدار وكأنها تحتمي به من الجميع .
تقدم أكثر منها وقد كانت ضربات قلبه تزداد برعب مما يبصر، يفكر في احتمالية قضاء فاطمة لتلك الساعات الطويلة هنا وحدها بين القبور .
توقف على بعد خطوة واحدة منها ولم يكد يناديها مجددًا حتى سمع صوتها تهمس بنبرة شاردة وهي تحدق في بعض القبور أمامها:
_ إذن متى نعود للمنزل أمي، اشتاق للنوم بين أحضانك في فراشي .
نظر لها المعتصم بعدم فهم، يبصرها تنظر لإحدى الجهات صوب الجدار الذي تستند عليه وهي تناديه بأمي .
تأوه بوجع وهو يتحرك صوبها يهمس بصوت أبى الخروج منه :
_ فاطمة …ما الذي تفعلينه هنا…. أنتِ ….مع من تتحدثين ؟!
فجأة انتفض جسد فاطمة وهي تنظر صوب الجهة التي يقف بها المعتصم، تحدق به ببسمة شاحبة متعبة، لطيفة وهي تشير له :
– انظري أمي هذا المعتصم، أخبرتك عنه سابقًا …
صمتت ثواني وكأنها تستمع لشيء ما ثم أكملت :
– هو لطيف أمي وليس سيئًا، أرجوك أنا أحب رفقته .
تحرك لها المعتصم بتردد وقد شعر بالخوف عليها :
_ فاطمة …عزيزتي مع من تتحدثين الآن ؟!
نظرت له فاطمة بعدم فهم، ثم نظر لوالدتها تشير لها :
_ هذه أمي، ألم تقابلها مسبقًا ؟!
نظر المعتصم حيث تشير وقد شعر أن قلبه توقف وقد علم أن حالة فاطمة بدأت تتدهور أكثر وأكثر.
_ فــ… فاطمة هل …لماذا رحلتي عن القصر ؟؟ لقد بحثت عنكِ بكل مكان .
نظرت له ثواني بحزن ومن ثم نظرت صوب ركن الجدار تقول بصوت متوتر خافت بعض الشيء :
– هذه …هذه أمي يا المعتصم، غضبت حينما رأتني اجلس معك طوال الوقت وقد اهملتها هي وعائلتي، لذا طلبت مني المجئ معها صوب قبر أبي وأخي لزيارتهم، وترفض رحيلي منذ جئت و….
صمتت ثواني ثم رفعت عيونها صوب المعتصم تبتسم من بين دموع هبطت دون إرادتها وكأن عيونها تدرك اللعبة النفسية التي يمارسها العقل عليها :
_ هي …لا أحب أن احزن أمي، لكنني أشعر بالتعب هنا يا المعتصم أخبرها أن تسمح لي بالرحيل للمنزل، لقد شعرت بالبرد في هذا المكان .
والمعتصم فقط ينظر لها دون ردة فعل يراقبها بأعين دامعة وقد شعر بقلبه يتفتت لما يحدث حوله معها، أخذ يراقبها وهي تشير صوب الفراغ جوارها تتحدث عنه وكأنه والدتها، وتصف له معاناتها هنا في اليوم السابق وكل هذه الساعات في هذا المكان وحدها وفي مثل هذه البرودة دون طعام ..
تتحدث وتتحدث وهو فقط يراقبها وقد عجز عن تحريك إصبعًا حتى ليتأكد أنها بخير، عجز عن الإقتراب منها خطوة واحدة يراقبها تتحدث بجدية وبسمة صغيرة وقد أصبحت رؤيته ضبابية وبشدة لكثرة الدموع التي تجمعت داخل عيونه في هذه اللحظة .
بينما فاطمة وحينما انتهت من حديثها تعجبت من صمته لترفع عيونها له وصُدمت حينما أبصرت دموع المعتصم، ترمش بعدم تصديق تهمس بصوت متعجب :
– يا المعتصم ؟؟ هل …هل تبكي ؟؟
بينما المعتصم وبمجرد أن سمع كلمتها حتى انهار ارضًا يدفن وجهه بين يديه وهو يبكي بعجز كبير وقد بدأت شهقاته وصرخاته تعلو وتعلو، خوفه على حالة فاطمة أضحى يأكل جسده بالكامل .
اليوم هربت منه لأجل أوهام في عقلها والله وحده يعلم المرة القادمة ما يمكن أن تفعل .
أما عن فاطمة فحينما أبصرت بكاءه حتى تحركت له ببطء وقلق وهي تربت على كتفه بتردد :
_ يا المعتصم ما بك ؟؟
ختمت جملتها بنبرة توشك على البكاء لأجله، وحينها ازداد بكاء المعتصم والذي شعر أن كل الهموم وخوفه الساعات السابقة يتجمع فوق كاهله في هذه اللحظة، يشعر بقهر يقتله، وآهٍ من قهر الرجال .
ازداد بكاؤه لتميل هي عليه تضمه من كتفه وهي تبكي معه وعليه بصوت خافت تهمس من بين شهقاتها بخوف تربت على ظهره :
– يا المعتصم لا تخيفني عليك أرجوك، هل تتألم ؟!
_ بل أموت فاطمة، أموت كمدًا والله .
ختم كلماته بصعوبة بسبب بكائه لتزداد دموع فاطمة، تضمه لها بقوة وهو يدفن رأسه في صدرها وهي تربت عليه وقد بدا في هذه اللحظة أن المعتصم هو من يواجه وقتًا عصيبًا وهي تواسيه، ودون شعور أخذت تربت على ظهره وكتفه وهي تردد بعض الآيات التي كانت تحفظها وكأنها تحصنه .
والمعتصم من شدة وجعه لم يستطع التوقف عن البكاء مرتعبًا أن يحدث لها شيئًا بسبب سجنها نفسها في ذلك الماضي ..
يخشى أن تصل للحظة لا رجعة لها منها ويخسر هو الشخص الوحيد الذي أحبه في هذه الحياة .
وبعد دقائق طويلة أخيرًا هدأ جسد المعتصم عن الانتفاض، وشعرت بذلك فاطمة التي مالت برأسها صوب رأسه تهمس بصوت منخفض حنون :
– هل أصبحت بخير ؟!
ابتسم المعتصم بسمة صغيرة على لطفها، يرفع كفه يربت على وجنتها بحنان، لكنه صُدم من شدة البرودة المنتشرة في جسدها، لينظر لها بخوف وقد بدأ يتلمس يدها والتي كانت أشبه بقطعة ثلج، وهي تراقب بتعجب .
أما عنه اعتدل بسرعة يجذبها هذه المرة لتكون هي بأحضانه يخفيها حتى ينشر بعض الدفء لها، بينما هي خجلت وبشدة ليست وكأنها كانت بين أحضانه منذ ثواني تنظر صوب والدتها لتجد أن الركن الذي كانت تجلس به منذ ثواني أضحى فارغًا فتعجب تردد :
– أين هي ؟؟
نظر لها المعتصم يردد بصوت خافت :
_ من ؟!
_ أمي، كانت تجلس هناك منذ ثواني واختفت .
نظر لها المعتصم ثواني قبل أن يميل عليها يحملها بين ذراعيه بشكل مفاجئ :
– دعينا نرحل من هنا فاطم .
قاومت فاطمة دون فائدة وهي تحاول أن تهبط عن يديه :
– لا …يا المعتصم لا استطيع، امي أخبرتني أنها لا تحبني أن اتركها، وأنني اهملتها وحيدة وفضلتك عنها .
لكن المعتصم لم يتجادل معها بشيء مدركًا أن عقل زوجته الباطن بدأ يرسم لها قصصًا أكثر من مجرد اوهام، وهذا يرعبه..
– لا يمكنك أخذي بهذا الشكل وترك أمي وحيدة هنا يا المعتصم، ارجوك انزلني، سوف أخبرها أن نعود سويًا صوب منزلنا، انزلني أرجوك…
لكن المعتصم رفض وهي أخذت تنظر لذلك الركن الفارغ ترى والدتها وقد اختفت فجأة تهمس بعدم تصديق :
– أين ذهبت أمي ؟! كانت تجلس هنا منذ ثواني .
نظرت له دون حديث ومن ثم قالت دون شعور وبشرود وكأنها استنتجت فجأة ما يحدث حولها :
_ يبدو أن أمي لا تحب رفقتك يا المعتصم فهي لا تأتيني في وجودك .
نظر لها المعتصم بجمود يدرك ما نطقت به، ليهتف بعدها وهو يخرج من البوابة الحديدية الخاصة بالمقابر وقد خرجت نبرته حادة بعض الشيء، يقرر أن يتعامل بصرامة مع مرضها حتى تعود الملكة لتكمل علاجها وقد ظن أنها كادت تطيب من مرضها وأخيرًا .
_ إذن لن أترككِ لحظة واحدة فاطمة ……
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يمشط جميع المملكة وقد كاد جسده ينهار من الإرهاق خاصة أنه لم يُشفى بعد، ورغم كل نصائح المحيطين به لم يستمع له وهو يدور بحصانه يردد كلما سمع اعتراضًا :
– لن أجلس للراحة سالار وأنا أعلم أن زوجتي بين أيديهم والله وحده يعلم ….
صمت ويبدو أن مجرد تخيل ما يمكن أن يفعلوا بها جعل جنونه يشتد وهو ينظر أمامه بأعين لا تبصر سوى سواد قاتم :
_ هذا لن يصبح مجرد انتقام، هم لا يسهّلون موتهم .
_ أرسلان ارجوك أنت تكاد تنهار ارضًا، عنادك لن ينفعنا إن سقطت مجددًا، هذا لن ينفع زوجتك ولن ينفع أحدهم، رجاءً عدم لقصر سبز ارتح وأنا سأكمل البحث و…
قاطعه أرسلان وهو يمسك اللجام بقوة يراقب الاحراش على مد البصر يبحث عن شيء غريب وقد كان كل ما علمه من توبة أن ذلك الجحر كان مجاور لإحدى غابات سبز الكثيرة وهذا يصعب الأمر، لكنه اقسم حتى لو بحث في سبز بأكملها ركن ركن سيجد زوجته .
_ سالار أرجوك هذه زوجتي، لا تخبرني أن أذهب لارتاح تاركًا امرأتي وشرفي بين أيديهم يعبثون به كما يشاؤون، أي راحة تلك تطالبني بها، لتفنى روحي ويتهالك جسدي حتى أجدها، وحتى ذلك الحين لن أرتاح، والله الذي لا إله إلا هو لن يهنأ لي بال حتى اذيقهم من الجحيم نيرانًا ..
ختم حديثها يتحرك بسرعة بين الغابات، بينما سالار يلحق به وهو يوجه رجاله في المناطق المحيطة ولم يصر عليه لأنه يعلم عناد أرسلان فيما يتعلق باشياء عادية، فما بالكم لو كان ذاك الشيء هو اختطاف زوجته .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
_ لا تعلم ؟؟
_ اقسم أنني لا أفعل أنا لا اعلم الطريق و…ذلك الـ
توقف نزار عن التحدث وهو يجذب خصلاته بغضب شديد يزفر بصوت مرتفع، ثم أكمل وهو ينظر لعيون توبة التي ركضت له بمجرد أن اختفى أرسلان من أمامها، تحركت صوب الدور السفلي تصر عليه أن يخبرها بمكان الجحر .
_ نزار هذا الحقير أنمار اختطف زوجة أرسلان والله وحده يعلم ما يفعله بها، وأنت تعلم أكثر من الجميع ما يمكن أن يمس امرأة بهذا المكان .
صرخ نزار وقد وصل لحافة صبره وقد توترت جميع أعصابه وهو يحاول تذكر الطريق مرتعب أن يمس تلك المرأة ضرر ما:
_ اقسم أنني لا اتذكر جيدًا وقت ذهابي هناك كان في ليلة مظلمة وسرت خلف الوليد وحينما خرجت من هناك معكِ لم انتبه للطريق بل كان السائق خاصة أن جميع غابات سبز متشابهه، وفي المرة الثانية كنت مصابًا لا أشعر بشيء والوليد مختفي منذ الصباح لا اعلم أين و…..
فجأة صمت وهو يتحدث بكلمات غير مفهومة بصوت منخفض جعل توبة تقترب منه أكثر وهي تنطق بعدم فهم :
– ما الذي تقوله ؟؟ لا افهمك .
نظر لها بأعين متسعة يهتف دون وعي وكأنه أدرك في هذه اللحظات شيئًا ما :
_ أشجار السنط…
اقتربت منه توبة أكثر وهي تحاول فهم ما يقصد :
– ماذا ؟؟ ما الذي تحاول قوله نزار أرجوك إن كنت تعلم شيئًا ساعدنا لربما كان هذا جزءًا تمحو به بعضًا من ذنبك في حق أرسلان وشعبه، ارجوك ساعده نزار الرجل يكاد يجن على زوجته .
نظر لها نزار وهو يراقب رعبها الظاهر وخوفها وهي تتحدث عن حالة أرسلان، وقد أثار هذا تساؤلات وضيق عميق في صدره، كبته لحين يأتي وقته يهتف بصوت شارد مفكر :
_ المكان الذي عبرنا به أثناء احضاري لكِ هنا كان ممتلئ بأشجار السنط وعلى حسب علمي فأشجار السنط تنمو في جزء واحد فقط من سبز وهو ….
_ الغابة الجنوبية، يجب أن أخبر ارسلان بهذا .
قاطعته توبة بتلك الكلمات والتي بمجرد أن أدركتها حتى هرولت بسرعة كبيرة من أمام نزار الذي نظر لاثرها بملامح غير مفسرة يراقب هرولتها في المكان وكأنها اكتشفت للتو سر الحياة .
_ أرجوكِ لا تكوني توبة، لا تفعلي ذلك بي، أرجو أن أكون قد أخطأت تفسير نظرتك، أرجو ذلك …..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
خلع قفازات يده وهو يتحرك خارج إحدى غرف المشفى يتحدث مع أحد المساعدين له بجدية :
_ الحمدلله القطع كان بعيدًا عن أوتار يده، فقط واظب على وضع له الاعشاب التي وصفتها لك بشكل دوري وتجنب أن تصل المياه لذلك الجزء المجروح و…
_ زين جيد أنني وجدتك هنا، أرجوك أخبرني طريق سزب أريد الذهاب هناك .
توقف زيان عن التحدث مع مساعده وهو يسمع تلك الجملة التي كانت مليئة بالكثير من الكلمات الغريبة على مسامعه، من هذا زين ومن هذه سزب ؟؟
استدار ببطء صوب خالد والذي كان يرتدي ثوب غريب بالنسبة له قميص باللون الأبيض بأزرار بلاستيكية سوداء مع بنطال به بعض الخدوش والقطع بمنطقة الركبة، يرتدي عليه حذاء رجالي اسود اللون ذو كعب مرتفع بعض الشيء ويضع فوق رأسه قبعة عريضة وعلى ظهره حقيبة كبيرة بعض الشيء والقرد يقبع فوق رأسه وقد ارتدى قبعة مماثلة لقبعة خالد .
وقد كان خالد في الواقع يرتدي تلك الثياب التي كان يرتديها في العادة أثناء رحلاته الاستكشافية في غابات الامازون المخيفة .
أشار زيان صوب المساعد ليتحرك وهو يراقب هيئة خالد:
_ ما هذا ؟؟
تحدث خالد بجدية وهو يشير صوب موزي :
– سوف أذهب مع موزي للبحث بأنفسنا عن سول إذ يبدو أن لا أحد هنا يُعتمد عليه صحيح موزي ؟؟
نزع موزي القبعة التي كانت تعلو رأسه وهو يلقيها ارضًا بضيق، بينما خالد رماه بنظرة غاضبة محذرة :
– هل تعلم المبلغ الذي اتكلفه لاحصل على قبعات مماثلة لي ولك ولسول ؟! قرد أحمق أرتدي قبعتك هيا ولا تفسد رحلة بحثنا عن سول، لا يمكنك السير معي دون القبعة .
أبعد عيونه عن موزي وهو ينظر صوب زيان الذي كان يراقبه وهو يتحدث بلغة لا يفهمها، ومن ثم ردد بلغة عربية ليست صحيحة مائة بالمائة:
_ لا تهتم بموزي فهو يعاني حساسية من الأشياء الثمينة، ذلك الحقير صاحب الذوق القمئ، والآن أخبرني كيف اصل لذلك المكان الذي ذكره صاحب الشعر الأحمر في الاجتماع ؟؟
كان زيان يراقبه يتحدث ويتحدث دون إدراك لما ينطق به، حتى انتهى خالد من حديقه فقال زيان بعدم فهم :
– ما الذي تريده أنت أنا لا افهمك ؟؟
– أين يوجد المكان الذي اختطفوا به أختي ؟!
تشنجت ملامح زيان بسخرية :
_ وهل تظن أنني وإن كنت أعلم أو كان أحدنا يعلم لكانت أختك ما تزال أسيرة ؟؟
_ ماذا تعني صاحب الشعر الأحمر قال إنها في ذلك المكان الذي نسيت اسمه مجددًا .
_ من هذا صاحب الشعر الأحمر أنا لا أفهم ما تريد ولست في مزاج يسمح لي حتى بالتفكير فيما تريد أنت، لذا رجاءً أبحث لك عن غيري لتزعجه .
ولم يكد يتحرك حتى أوقفه خالد الذي أمسك مرفقه يتحدث بجدية :
_ إذن أنت لا تود الحديث عن مكانها ؟!
نظر زيان لمرفقه ومن ثم سمع كلمات خالد والذي كان يبدو كما لو أنه يحقق مع المجرم :
_ هل أنت أحمق ؟؟
رفع خالد حاجبه وهو يهتف بضيق :
– بل أنتم المجانين، ذلك الرجل ذو الشعر الأحمر والآخر البارد ذو الملامح الثلجية وآخرهم ذلك الشاب الذي كان يتحدث بملامح واجمة، والآن لديك دقائق لتنطق بما لديك .
صمت ثم كرر جملته وهو يضغط على كل حرف من كلماته :
_ أين….هي….. أختي ؟؟
بلل زيان شفتيه وهو ينظر في عيونه ثم همس له بعدما اقترب بعض انشات من وجهه :
_ في مكانٍ حيث سأرسلك إن لم تبتعد عن وجهي في هذه اللحظة أنت وهذا القرد .
ختم حديثه يتحرك من أمامه بسرعة مقررًا الذهاب لغرفته حيث ترك زوجته نائمة، وخالد ينظر في أثره وهو يضيق عيونه بتفكير :
– إذن أنت تعرف أين هي .
ولم يكد يلحق به حتى أبصرها تتهادى أمامه بخطوات بطيئة هادئة، وهي تتجاهله بكل بساطة تتحرك من أمامه تحديدًا لتمر صوب غرفة شقيقها فاليوم نعود خروجه من المشفى .
لكن خالد لم يكن ليمرر وجودها هكذا دون أن يلقي بكلمة تكون سببًا في فقدان إحدى عينيه :
_ استغفر الله يا موزي بعض البشر يحسبون أنفسهم محور الكون ويسيرون مرفوعي الرأس وكأن لا مثيل لهم في هذه الحياة، وهم في الحقيقة لا أهمية لهم في هذه الحياة .
لكن ديلارا والتي كانت قد أصبحت مباشرة جواره هتفت دون أن تنظر له حتى وهي تكمل طريقها بكل بساطة صوب غرفة شقيقها :
_ أنصحك بإيجاد مكانٍ آخر تشكو به حالك ومشاكلك مع حياتك لقريبك .
ختمت حديثها تدخل غرفة عثمان تغلق الباب بقوة في وجه خالد الذي نظر صوب الباب ثواني وكأنه ليس موجودًا، أما عنه ظل ينظر للباب طويلًا يحاول إدراك ما حدث منذ ثواني ومن ثم نظر صوب موزي يهتف بعدم إدراك :
– هل قصدتني بكلامها أم أنها كانت تتحدث عنك ؟؟
أخرج موزي بعض الأصوات الحانقة ردًا على تساؤلات خالد والتي لم تكن تعنيه في الحقيقة، لينظر خالد مجددًا صوب باب غرفتها يهتف وهو يضيق عيونه بشر :
_ تلك الساحرة صاحبة الأعين الملونة بالاسود ..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تجلس في تلك الغرفة مرة أخرى بعدما عادت لها خائبة الأمل وقد احبط أصلان فرصة هروبها، ذلك الرجل والذي استهانت به كثيرًا .
كان مرعبًا مخيفًا في الغابة، أغمضت عيونها وهي تتذكر ما حدث معها هناك وقد بدأت عيونها تسقط دموعها بلا توقف .
صفعة وثانية سقطت على وجهها ومن ثم سحبها من خصلاتها وهو يقربها منه ينظر لها باستهانة وجمود :
_ لولا أنني احتاجك فيما اريد تنفيذه لتخلصت منك في الحال، لكنكِ ومع كامل الأسف مهمة لذلك المتغطرس المتجبر أرسلان.
وبمجرد أن ختم كلماته حتى كبت تأوهًا قويًا كاد يفلت من بين شفتيه حين مدت هي قدمها تضرب أسفل معدته بعنف ومن ثم هتفت بصوت حانق غاضب :
_ أمثالك لا ينالون شرف نطق اسم الملك أرسلان، ولولا أن أرسلان يسبب لكم رعبًا كبيرًا ما تكبدتم عناء اختطافي ولواجهتموه في الساحة كما الرجال، لكن أين لحمار بمجابهة أسد ؟!
ختمت حديثها وهي تنظر له بقوة تمارس عليه لعبتها تستفز كل ذرات صبره، لتأتيها النتيجة العكسية في اللحظة نفسها حينما ضرب أصلان رأسها بقوة في إحدى الأشجار خلفها فانطلقت صرختها ترن في المكان وهي تسقط بقوة ارضًا تحاول أن تقاوم الدوار الذي أصابها وقد شعرت بالوجع والضعف يتملكان جسدها وينهشان كل ذرة أمل وقوة كانت تختزنهما داخل صدرها، ورغم ذلك ابت أن تمنحه لذة انتصارًا عليها .
ترفع وجهها الدامي له تهتف من بين الدماء التي بدأت تسيل على وجهها :
_ أرأيت، هذا ما أقصى ما تستطيع فعله، ضرب امرأة، أما الرجال فلا قِبل لك بهم .
وإن كانت تطمح لاستخراج غضب أصلان فقد نجحت كما لو يسبق وفعل غيرها إذ ثار أصلان وهو يصرخ بها بصوت مرتفع ولم يكد يهجم عليها يستخرج منها روحها حتى امسكه بعض الرجال وتحدث أحدهم:
– تمالك نفسك سيدي هي تحاول استفزازك، تمالك نفسك وتذكر ما نريده أرجوك.
نظر لها أصلان بشر وقد استطاعت سلمى أن تشعل به نيران لم تشعلها به الحروب .
ليهتف بغضب جحيمي :
– مثلك مثل زوجك.
ابتسمت له وهي تزيح خصلات شعرها عن وجهها تبحث عن شيء تغطيها به وقد شعرت لاول مرة أنها عارية أمامهم، رغم أنها كانت تسير طوال الوقت بشعرها قبل المجئ:
_ أشكرك على تلك المجاملة اللطيفة، لكنها لن تخفف عما سيفعل بك زوجي .
دفع أصلان الرجل للخلف وهو يميل يمسكها من مرفقها بقوة يرفعها مجبرًا إياها على الوقوف يهمس بالقرب من أذنها بشر :
_ زوجك هذا سأقتله حيًا ومن ثم أخرج روحه بيدي .
نظرت له ثواني قبل أن تهمس له بقوة :
– صدقني لن تكون الأول الذي يحاول، كما لن تكون الأول الذي يفشل .
ومن بعد تلك اللحظة لم تعي سوى بأحدهم يسحبها من بين يديه بعيدًا عن عيونه وهي فقط قاومت تبعد يده عنها بكبرياء تسير معهم وكأنها لم تجر خائبة الأمل مجددًا صوب نفس الغرفة.
وها هي تجلس منذ ذلك الحين تنتظر حكم اصلان عليها .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ااتسعت الأعين بصدمة مما نطق أصلان منذ ثواني وقد بدأ البعض يعتقد أنه جُن، لكن خشوا النطق بما يكنون داخل صدورهم، لكن أصلان لم يكن بالاحمق ليتجاهل كل تلك الأسئلة التي تدور بعقولهم لذا ابتسم يوضح ما نطق به منذ ثواني .
_يبدو أن أنمار استطاع وخلال تلك الفترة زرع فكرة قتال الأيدي داخل عقولكم وغفل عن حرب العقول، حرب استنزاف لطاقة العدو قبل مقابلته داخل ساحة الحرب .
نظر الجميع ثم ابتسم بسمة غامضة مخيفة تخفي خلفها خبثًا ودهاءً يوازي الشيطان بمكره :
_ اختطاف زوجة أرسلان والاحتفاظ بها معنا طوال الوقت لن ينفعنا بشيء بل سيعطلنا ونحن نحرس جلالتها ليل نهار، لكنني انتوي الاستفادة منها حتى آخر لحظة، ولا طريقة افضل مما اخبرتكم بها.
عبر أحدهم عما يدور برأسه من اعتراضات :
– ترجعها له ؟؟ بعد كل ما تكبدناه من خسائر لنختطفها ونعيدها لهنا بعد هروبها تخبرنا أن نعيدها له ؟؟ لماذا اختطفناها من الأساس ؟؟
نظر لهم أصلان نظرات غريبة وهو يمنحهم بسمة أغرب:
_ ما هي نقطة ضعف أرسلان ؟؟
نظر له الجميع دون إجابة ليتطوع هو ويجيب سؤاله بنفسه :
_ كبرياؤه وزوجته، وأنا سأحطم الإثنين بضربة واحدة ……
ــــــــــــــــــــــــــــــ
دخل القصر بعدما اشتد ظلام الليل عليهم وأصبح البحث صعبًاء رغم أن سالار بالكاد أجبره ليعود معهم وقد كان مصرًا على إستكمال البحث وحده .
بمجرد أن دخل الجميع لسبز حتى أبصرتهم توبة من شرفتها لتتحرك بسرعة كبيرة صوب الاسفل لتخبرهم ما وصلت له من نزار .
بينما سالار كان ينظر لأرسلان بحزن يدرك ما يمر به، فهو لا يستطيع حتى تخيل وضع نفسه في محله، لا يتخيل أن يختطف أحدهم زوجته ويعلم أن هذا الأحدهم لن يضيره فعل الاسوء بها .
انتفض جسده لهذا التخيل وهو يقترب من أرسلان يربت على كتفه بينما الأخير يسير جامد الملامح هادئ بشكل مخيف، كان هذا أكثر ما يرعب سالار عليه ومنه، هدوء وصمت أرسلان وعدم ثورانه حتى الآن ليس مبشرًا البتة .
_ أرسلان أنت بخير ؟؟
أجاب أرسلان وهو يتحرك في طريقه صوب الغرفة التي سينعزل بها ليفكر في خطوته القادمة :
_ لستُ ولن أكون حتى اطمئن عليها .
_ دعني اساعدك لتغيير ضمادة جرحك و…
قاطع كلام سالار صوت توبة التي خرجت بسرعة من القصر وهي تهتف باسم أرسلان بلهفة شديد :
– ملك أرسلان، حمدًا لله أنك عدت لهنا، لقد …علمت ..علمت أين يمكن أن يكون الجحر، تذكرت شيئًا يمكنه المساعدة .
واخيرًا أصدر وجه أرسلان ردة فعل عدا الجمود وهو ينتفض ناظرًا لها بكل لهفة وترقب :
– تذكرتي مكان الجحر ؟؟
_ ليس تمامًا، لكنني تذكرت أين يمكن أن يكون .
صمتت ثواني تبتلع ريقها ثم قالت وهي تنظر له من خلف غطاء وجهها تقول بصوت جاد :
_ غابات الجنوب، أعتقد أن الجحر هناك…….
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نظرت أمامها للطعام الذي أخذ هو يرصه لها، ومن ثم جلس أمامها وهو ينظر لها بأعين مراقبة وكأنه لا يصدق أنها تجلس واخيرًا معه .
أما عنها فقد حدثت في الطعام ثواني قبل أن تعود بانظارها له :
_ أنا لست جائعة يا المعتصم .
اغمض المعتصم عيونه بقوة وكأنه لا يصدق أنه يسمعها منها مجددًا يبتلع ريقه، ثم نظر لها مبتسمًا بسمة صغيرة :
_ فاطم عزيزتي كيف لا تكونين ؟؟ أنتِ لم تتناولي طعامك منذ أيام، هيا عزيزتي تناولي الطعام فانتِ تبدين مرهقة وشاحبة و….
نظرت له بعدم فهم وهي تقاطع حديثه :
_ أمي كانت تصنع لي طعامًا يا المعتصم ما الذي تتحدث أنت عنه .
ابتسم لها بسمة مهتزة :
_ حسنًا لا بأس عزيزتي تناولي هذا كوجبة إضافية لأجلي رجاءً ارجوكِ .
كانت فاطمة تبصر حزنه الذي يظهر واضحًا في عيونه، فمدت يدها دون وعي تضعها على وجنته تحركها بحنان :
_ مابك يالمعتصم تبدو حزينًا شاحبًا .
سقطت دمعة من المعتصم وهو يشعر أنه يخسرها، يخسرها وهو يراقبها عاجزًا دون أي شيء يستطيع تقديمه لها، عاجز هو عن مساعدتها، وكيف يفعل إن كان عدوها هو عقلها .
_ بل أموت حزنًا فاطمة .
تألمت فاطمة لأجله وهي تبعد الطعام تتحرك صوب المقعد الخاص به تقف جواره وهي تجذب رأسه لصدرها بحنان تهمس بصوت مخنوق بغصة تدرك سبب حزنه لكنها لا تعلم كيف تساعد بالأمر:
_ هل للأمر علاقة برحيلي مع أمي ؟!
كانت تتحدث وهي تحرك يدها في خصلات شعره دون وعي، ليضم المعتصم خصرها بقوة يدفن به وجهه يهتف باختناق :
_ بل للأمر علاقة بوجعك الذي يقبع داخلك فاطمة.
شعر بيدها التي ابتعدت عنه فجأة وهي تهمس بصوت موجوع :
_ لم يكن بإمكاني تجاهلها يا المعتصم وقد كانت تبكي اهمالي لها، أمي ومنذ زواجي بك وأنا لم ازرها أو …
توقفت عن الحديث حينما ابتعد عنها المعتصم يقاطع حديثها في هذا الأمر وقد وصل لحافة صبره ينهض عن المقعد الخاص به، يمسك وجهها بين يديها وهو يجهل ما عليه فعله :
_ أنتِ لم تهملي والدتك عزيزتي، بل أنتِ أفضل ابنة قد يحظى بها المرء يومًا، كل تلك مجرد أفكار من عقلك فقط، لكنكِ يومًا لم تقصر في حق والدتك .
_ إذن لماذا كانت حزينة حينما زارتني هنا ؟!
عجز عن الرد عليها وقد خاف أن يؤثر رده أيًا كان عليها بالسلب، لذا ابتلع ريقه وهو يهمس لها بحنان :
_ ربما لأننا لم نتعرف جيدًا أنا وهي، ما رأيك إن زارتك مجددًا أن تناديني سريعًا للتعرف عليها، ولا …لا تذهبي معها لأي مكان دون إخباري سوف آتي معك حسنًا .
نظرت له بحب وهو يتحدث بهذا الحنان :
_ تأتي معي لأي مكان ؟!
_ طالما أنتِ به فاطم، أفعل.
نظرت بعيدًا بخجل وهي تتحدث بصوت خافت :
_ أنا آسفة، أدرك أنني اخفتك .
ابتسم بسخرية لاذعة على تعبيرها الفقير الذي لم يصف حتى نصف ما شعر به هو، يتنهد بصوت شبه مرتفع، قبل أن ينظر لها يكبت داخله صرخات وجع ووجع الفراق الذي شعر به في غيابها :
_ أوه لا عليكِ، مر الأمر بسلام على الجميع الحمدلله .
” إلا قلبي ”
كلمة كتبها شفقة عليها أن يثقل عليها بوجعه، فإن كاد هو ينهار من ذلك الوجع الذي داهمه في بعدها، فكيف لمن بمثل هشاشتها أن تحتمل الأمر .
_ حقًا لا بأس فقط كوني جواري أرجوكِ فاطمة .
ويقسم أنه كان يحضر لأيام من اللوم والعتاب والفراق عقابًا لنا على فعلتها، لكن نظرة واحدة من تلك العيون أخبرته كم هو شخص حقير ليفكر في مثل هذا الأمر ويعرض فاطمة الصغيرة لمثل هذا الحزن .
أما عن فاطمة فقد كانت تحدق به بلطف شديد تهمس بكل الحب الذي نمى ومازال ينمو لذلك الرجل :
_ أنت يا المعتصم …رجل صالح ذو مروءة .
اتسعت بسمة المعتصم حتى تحولت لضحكة صغيرة وهو يهز رأسها:
_ أوه نعم هذا اخبرتيني به بالفعل مرات عديدة منذ أبصرتك تطعمين بوبي وصغارها، ألا جديد لديكِ أم بوبي ؟! أي ثناء جديد، أي ألفاظ تحبيبة أكثر من مجرد رجل صالح ذو مروءة، ألا تتطلعين لأن تفسد أخلاقك وتتجاوزين هذه النقطة من الثناء ؟!
اتسعت بسمتها بخجل شديد من كلماته، وقد بدأت دقات قلبها تعلو، تنظر ارضًا ثم تنظر له وهكذا لمدة ثواني، أما عنه فقد كان يراقبها باستمتاع لما تفعل .
يبتسم لها بسمة صغيرة يخفي خلفها قلقه وخوفه من القادم وقد بدا أن عقل فاطمة وذكرياتها أشد شراسة منه، كان يشعر بالرعب من كل ما قد يواجهه معها، لكن فجأة توقفت يده عن التربيت عليها حينما سمع صوتها يهمس بنبرة تكاد تكون مسموعة :
_ أنت حقًا ….لطيف ووسيم يا المعتصم .
رفع المعتصم حاجبه مبتسمًا بسمة واسعة ممازحة :
_ أوه هذه نقلة كبيرة و…
قاطعته تلقي الكلمات في وجهه دون أي مقدمات :
_وأنا … أنا أحبك……..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
_ إلى أين نازين ؟؟
توقفت أقدام نازين والتي كانت على وشك الخروج من المبنى الخاص بالغرف بالكامل هربًا من مواجهة لن تجلب سوى الألم لكليهما .
استدارت ببطء صوب زيان والذي كان يحمل بعض الطعام بين يديه يراقبها بعدم فهم :
_ هل أنتِ ذاهبة لمكانٍ ما ؟!
ابتلعت ريقها وهي تبعد عيونها عنه تحاول الحديث تفطر في حجة تخرج بها له، بينما هو راقبها بعدم فهم وهي تفرك كفيها بتوتر شديد تتهرب من النظر داخل عيونه، ليدرك هو فجأة ما يحدث هنا يقترب منها وقد اشتدت نظرات عيونه :
– نازين ؟؟ هل أنتِ ….هل كنتِ على وشك الهرب ؟!
رفعت عيونها له وقد اشتد الحزن بهما، ليشعر بضربة توجه له في صدره وهو يحمل صينية الطعام بيد وأمسك مرفقها باليد الأخرى، يجذبها صوبه يحدق داخل عيونها بشكل مخيف، ومن ثم جذبها خلفه عائدًا صوب غرفتهما، بينما هي تقاوم باكية :
– لا ارجوك اتركني لأرحل، ارجوك اتركني زيان لا يمكنني العودة، لا يمكنني فعل ذلك ارجوك .
كان يجرها صوب غرفته وجسده ينتفض بغضب من كلماتها، لا يفهم ما تقصد من حديثها ولولا وجودهما داخل الممر في مبنى الغرف لكان انفجر فيها .
واخيرًا وصل بها صوب الغرفة يدخل جاذبًا اياها بقوة يغلق الباب ومن ثم وضع الصينية على أقرب طاولة ينظر لها بشر :
– أعيدي ما قلتي في الخارج !؟ لا يمكنك ماذا ؟؟ تريدين تركي نازين ؟؟ تريدين تركي بعد كل ما حدث ؟!
نزلت دموع نازين تحاول الحديث متجاهلة خوفها من نظراته فما كان لزيان أن يؤذها يومًا :
_ ولأجل ما حدث اريد تركك زيان .
نظر لها بعدم فهم :
– وما الذي حدث ؟؟ ما الذي حدث ليدفعك إلى الهرب مني نازين، الهـــــــرب منــــــــي نازيــــن.
نطق جملته الأخيرة بصراخ وكأنه لا يصدق ما يحدث معه الآن، نازين تحاول تركه، تحاول الهرب منها بعد كل هذه الأيام من الفراق والضنى ؟!
عضت نادين شفتيها تحاول كتم صرختها التي كادت تخرج منها، بينما هو ينظر لها بجنون يحاول التفكير فيما يمكن أن يدفع المرأة التي كانت لا تحتمل بعده عنه لثانية وكانت تقفز له كل ثانية في العمل معللة ذلك بشوقها الكبير له، ما الذي قد يدفعها للفراق ؟!
_ أنتِ … أنتِ لستِ نازين ؟؟
كان ذلك سؤالًا يائسًا حائرًا وقد وجد أن هذا ربما يكون أكثر سبب مقنع لما يحدث أمامه، أما عنها فقد رفعت عيونها له بصدمة كبيرة وهي تحاول التنفس بشكل طبيعي ليكمل هو بنبرة مصدومة أكثر منها :
_ هذا هو …التفسير الوحيد لما …يحدث معكِ، ما كان لنازين خاصتي أن تفعل كل هذا وتعافر للرحيل عني، ما كان لها أن تحارب للهرب مني، من أنتِ وكيف …كيف …كيف بالله عليكِ تشبهينها لهذه الدرجة ؟؟
أخذت هي تهز رأسها بنفي وقد كرهت نظرة الغرابة التي علت عيونه تبكي بصمت وهي تحاول فتح فمها :
_ أنت… أنا لست … أنا هي نازين يا زيان أنا هي زوجتك .
_ إذن لماذا ؟! لماذا تفعلين هذا بنا نازين ؟! لماذا تحاولين تركي بعد كل هذه المعاناة وبعد كل هذه السنين لماذا ؟؟ ما الذي يدفعك لفعل ذلك ؟
_ ببساطة لم اعد أليق بك، ربما أكون زوجتك لكنني لست نفسها نازين التي تعهدها، صدقني لم أعد هي، أنت لا …لا اقبل لك البقاء معي بعد الآن زيان .
شعر زيان بقلبه يهوى ارضًا وقد جعلته تلك الكلمات يرتجف بخوف مما قد يسمع بعد ذلك، ما الذي تقصده ؟! اقترب منها يحاول التحدث وقد عجز عن اخراج كلماته، كان يخاف سؤالها، يخشى سماع إجابتها .
ليس وكأنها أخبرته ضمنيًا بالأمر لكنه لم يدركه في ذلك الوقت بسبب انهياره…
أما عنها فقد أبصرت تردده لتبتسم بسمة صغيرة وهي تهمس بصوت منخفض :
_ (يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم) صدقني أنت لا تود ما عرفة ما يقبع خلف كلماتي، لا تريد معرفة ما تخفي في جعبتي و….
وهو كان فقط صامتًا بشكل مرعب وكأنه يفكر في التحدث، يحاول أن يعلم إن كان عليه سؤالها أم تجاوز الأمر ببساطة و…
فجأة لم يشعر بنفسه إلا وهو يسأل:
_ ما الذي حدث لكِ ؟؟
_ أنت لا تريد هذا صدقني لا تفعل هذا بنفسك .
_ ما الذي حدث لكِ ؟؟
سقطت دموعها تحاول تجنب هذه المواجهة وهي تنفي برأسها متوسلة :
_ لا ارجوك أنا فقط اريد الرحيل دون أن….
توقفت عن الحديث بسبب صرخة زيان التي هزت أرجاء المكان وهو يصيح بجنون لاول مرة تبصره على وجهه :
_ نــــــــــازيــــن مـــــا الــــــذي حــــدث؟!
_ لا أرجوك زيـ ..
_ ما الذي حدث نازين لا تثيري جنوني وتحدثي وإلا….
قاطعته وهي تصرخ بصوت مرتفع وقد بدا أنها جنت فجأة وكأنها حصلت اخيرًا على فرصتها في التعبير عما يدور بخلدها :
_ كنت اعمل راقصة لهم زيان، كنت اسهر ليالٍ اتفنن في عرض جسدي لهم والرقص أمام الجميع فقط كي لا أصل أبعد من ذلك، زوجتك والتي لم يبصر أحدهم طرفها يومًا كانت مر…..
وقبل أن تكمل كلماتها أبصرت شحوب وجه زيان وهو يتراجع بعيدًا عنها بصدمة بينما هي صمتت ولم تعد قادرة على الحديث بكلمة إضافية وقد كاد قلبها يتوقف وهي تخشى أن يرفع عيونه لها في أي لحظة وترى نظرات هربت منها طوال الوقت في أعين غيره فما بالكم برجل مثل لها العالم ؟؟
أما عن زيان شعر وكأن العالم من حوله يدور، وصدى كلماتها يدوي داخل عقله، وعيونه فقط تحركت ببطء صوب جسدها وكأنه يبحث عن آثار النظرات عليها، يبحث عنها بشكل محموم، كان الحديث ورغم إرادته ضربة قوية على رجل مثل أو على أي رجل، رجل لم يكن يقبل أن يلمح أحدهم طرف زوجته، لتأتي هي وتخبره بكل بساطة أنهم رأوا ما هو أبعد من طرفها .
نظر لها ثواني وهي أبعدت عيونها في نفس اللحظة تتحدث بصوت منخفض تحاول أن تبرر له ما فعلت رغم أنها منذ ثواني كانت تود الهرب منه ولن تجد افضل من هكذا فرصة، لكنها لن تقبل البتة أن أكون هذه هي صورتها في أعين الرجل الوحيد الذي تهتم بصورتها لديه :
_ لقد …كان هذا …..أُجبرت على هذا زيان اقسم بالله لم يكن لدي من طريق عدا هذا الطريق، إما هذا أو الـ…
صمتت وهي تتنفس بصوت مرتفع بسبب نظراته التي أخذت تتسع، يحاول أن يتنفس بشكل طبيعي بعد ما سمع منها وقد وصل تحمله لحافته .
_ فقط اصمتي نازين اصمتي رجاءً.
نظرت له باكية تحاول الحديث بأي كلمة وقد انقلبت الأدوار فأصبح هو من يبعد في هذه اللحظة وهي تتوسل القرب :
– فقط صدقني أنا لست …لم أسمح لأحدهم بالأقتراب مني وقد ظننت أنك مت، كنت أبغي انتقامًا و…
صرخ بها وقد جن جنونه :
– من ؟؟ من الذي فعل هذا ؟؟ من نازين اذكري لي اسمًا .
تراجعت نازين للخلف مرتعبة وهي تحاول التنفس بشكل صحيح، أما عنه فقد اندفع لها يهمس بصوت مرعب :
_ هل هو أنمار ؟؟
نظرت له بأعين متسعة ثم ودون إرادة اومأت بنعم وهو ابتسم بسمة مريبة يبتعد عنها ببطء ومن ثم نظر لها نظرة أخيرة غير مفهومة :
_ لن تتحركي خارج هذه الغرفة حتى آمركِ بعكس هذا نازين، هل ما قتل واضح لكِ ؟!
نظرت له برعب وقد كانت تلك المرة الأولى التي يتحدث معها بهذه النبرة، ولم تعي سوى بانتفاضتها بسبب صرخته :
_ مفهوم نازين ؟!
هزت رأسها بنعم مرات عديدة وهي تبتعد عن الباب وقد أبصرت اندفاعه المخيف، بينما هو خرج دون حتى أن ينظر لها نظرة واحدة يتحدث بصوت خافت :
– تناولي طعامكِ ونامي …
ومن بعد هذه الكلمات لم تسمع سوى صوت قرع الباب بعنف مخيف وخروجه كالعاصفة من المكان .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كان يتحرك بحصانه بسرعة مرعبة صوب الغابات الجنوبية وخلفه عدد لا بأس به من جيشه ومعه سالار الذي أبى تركه في هذه المعركة وحده خاصة وهو لم يبرأ بعد من إصابته.
_ أرسلان أرفق بنفسك يا أخي، خفف من حدة ركضك .
نظر له أرسلان ثواني وهو يفكر في شيء وقد بدا شاردًا ثم عبر عما يخشاه :
_ تعتقد أن ضُرًا مسّها ؟؟
نظر له يحاول طمئنته وهو لا يدري ما قد يكون قد حدث لزوجته وهي بين أيدي من لا يتقي الله .
_ نعم لا تقلق لا أظن أنهم قد يلحقوا بها السوء وهم يعلمون هويتها، بالإضافة أن وجودها سالمة معهم يضمن لهم بطاقة رابحة أمامك في الحرب لذا لن يمسوها بضر بإذن الله .
نظر أرسلان أمامه وقد كان الجحيم هو ما يمكن أن تبصره داخل نظراته يهمس بصوت وصل واضحًا لسالار :
_ ادعو ربك أن يكون ما تحدثت به صحيح، وإلا قسمًا بالواحد الأحد سأفني ما تبقى من حياتي في مطاردة كل شرذمة منهم، والله لن اذر منهم فردًا على هذه الأرض حيًا إلا واذقته مني أهوال سيتمنى لو أن أمه ثكلته قبل أن يبصرها مني.
وأرسلان في هذه اللحظة كان مرعبًا وبحق، تحرك بحصانه يحمل شعلة بيت أنامله وهو يدور بعيونه بين الطرقات لا يدرك حتى كيف هو ذلك الجحر الذي تحدثت عن توبة، هل هو كهف مثلًا، أم مستنقع يليق بمثل خنزرتهم، أم ربما يختفون خلف مجموعة من الأشجار، افطار كثيرة كانت تدور داخل عقل أرسلان نتيجتها واحدة، لن يغادر المكان حتى يصل لزوجته …
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تحرك صوب الباب الخاص بغرفتها وهو يتجهز لتنفيذ خطته التي وضعها، رفع يده يشير للحارس أن يفتح لها الغرفة، وبمجرد أن خطى داخلها خطوة واحدة شعر بشيء صلب يسقط أعلى رأسه ولم يكد يستوعب ما حدث حتى باغتته سلمى بالضربة الثانية بكل جنون وهي تركض بسرعة خارج الغرفة تهرول بجنون للمرة الثانية .
بينما أصلان كتم صرخة الألم وهو ينظر لرجاله الذي لحقوا بها وهو يسحبها بصوت مرتفع :
_ تلك الحقيرة لن تستسلم حتى اتخلص منها، اقسم أن موتها سيكون على يدي، هذه الـ .
توقف وهو يضرب الباب بقدمه غاضبًا بجنون مما يحدث، يتنفس بصوت مرتفع وهو يعيد شعره للخلف يحاول التنفس بشكل طبيعي وعيونه تحلق صوب الجهة التي ركضت لها يبتسم بسمة غريبة .
أما عن سلمى والتي اقسمت ألا تستسلم ولو حطموا عظامها وأخرجوا روحها بأيديهم، ستظل تقاوم حتى آخر نفس ولن ترضخ لهم، نظرت خلفها أبصرت حراس كثيرين يلحقون بها لتزيد من ركضها ولم تكد تخرج من تلك الساحة حتى أبصرت الكثير من الرجال يحيطون بها والبعض يقترب منها، فما كان منها إلا أن رفعت يدها بقوة تضرب أحدهم في وجهه لكمة عنيفة وآخر ضربته بقدمها تحاول الخروج من بين براثنهم سالمة، لكن الكثرة لطالما هزمت الشجاعة شر هزيمة، وهذه المعركة بينهما لم تكن استثناءً .
إذ هجم أحدهم عليها يقيدها بقوة وهي تقاوم بكل عنف قبل أن تتلقى من أحدهم لكمة توازي لكمتها قوة، ومن بعدها ارتفعت صرختها حينما امتدت يد الرجل صوب ثوبها يجذب مقدمته يهمس لها بنبرة مختلة :
– يبدو أن العنف والضرب لا يؤتي ثماره معكِ، وأنا أعلم ما قد يكسر النساء أمثالك، بدأت يده تتحرك على جسدها بشكل قذر ولم يكد يتمادى تحت صرخاتها وضرباتها التي كادت تحطم وجه ذلك الذي يقيدها، حتى سمعوا صرخة أصلان:
_ توقف …ما الذي تفعله أنت ؟!
حرك الرجال عيونه صوب أصلان الذي حذرهم الايتان بخطوة إضافية، ثم نظر صوب سلمى يقترب منها يراقبها بسخرية وهو يتأتأ بصوت حانق :
_ أنتِ يا امرأة لن تتوقفي حتى تجبريني على اذيتك، صدقيني أنا أمنع الرجال هنا عنكِ بصعوبة، فلا تدرين أنتِ كم تستويهم النساء الجميلات الوحشيات أمثالك.
نظرت له سلمى ثواني وهو قريب منها وقد انخفض لها يتحدث ببسمة ساخرة، وفجأة تراجع للخلف يسب ويصرخ بصوت مرتفع وهو يضع يده على أنفه التي بدأت الدماء تسيل منها بعدما نطحته سلمى بقوة في رأسه تهمس له بالمثل :
_ ألا خسئت أنت وقومك ومن يتبعك، ما كان لوسخٍ أن يمسني إلا وأنا جثة هامدة .
رفع لها أصلان عيونه وقد شعر بالغضب يشتد داخله، وقد احس للحظة بالعجز عن اخافتها، ضربها وصفعها وهددها وحتى إن أحدهم كاد ينتهكها منذ ثواني وفي النهاية تقف بتجبر أمامه تردد على مسامعه كلمات أرسلان.
أما عن سلمى فقد ابتسمت له بسمة مستفزة وقد وصلت لنهاية اللعبة واستسلمت للأمر الواقع، لن تستطيع النجاة، إذن لتموت بشرف .
فجأة انتفض جسدها على صوت أصلان وهو يشير لرجاله بهدوء :
_ احضروها هيا دعونا ننتهي منها.
ونعم خافت وبشدة في هذه اللحظة، بدأت أطرافها ترتعش برعب، فإن كانت منذ لحظات فقط تستقبل الموت بصدر رحب، فهذا لا ينفي رعبها الذي تخفيه خلف نظراتها المستفزة الباردة .
شعرت بأحد الرجال يسحبها بقوة خلفه حتى كادت تسقط على وجهها بشعر مدمر يخرج أطرافه عن قطعة القماش التي تخفيه به، وثياب ممزقة وهي تحاول أن تبعد يده عنها لكن فشلت في ذلك لتقرر أن تتبعهم بهدوء حتى تحين لحظة ضعف لهم وتشتت تستغلها هي لصالحها .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
_ السلام عليكم .
انتفض جسد توبة بفزع وهي تستدير بسرعة كبيرة صوب ذلك الصوت والذي رغم معرفتها بصاحبه إلا أنها ودون شعور فزعت من وجوده في هذه اللحظة .
رمشت وهي تحاول إدراك سبب وجوده في هذه اللحظة من المساء خارج الغرفة الخاصة به :
– وعليكم السلام سمو الأمير .
ابتسم لها بسمة صغيرة لم تظهر سوى في عيونه التي نظرت خلفها صوب السماء التي كانت مليئة بالنجوم في هذه اللحظة :
_ يبدو أن القمر قرر ترك القيادة بيد النجوم اليوم وترك لهم السماء .
نظرت له بعدم فهم، بينما هو اقترب من الشرفة يهتف بهدوء شديد وشرود :
_ ما كان للنجوم أن تلتمع في وجود القمر، وما كان القمر ليضئ السماء إلا بسبب انعكاس الشمس عليه، هكذا هي الحياة البعض منا نجوم ينتظر فرصته ليلتمع، والبعض قمر يدعي سيطرة وهمية على محيطه، والبعض شمس ينشر ضوءه طوال الوقت .
كان يتحدث وهو ينظر لها بطرف عيونه خاصة في جملته الأخيرة، لتشعر هي بالتعجب أما عنه ابتسم بسمة صغيرة يقول ببساطة :
_ فقط معلومات أردت مراجعتها معكِ .
رفعت حاجبها وهي تعود بانظارها صوب الشرفة تحاول استكشاف الطريق بحثًا عن طرف أرسلان ومن معه، قبل أن تسمع صوته يردد:
_ قلقه عليه ؟؟
نظرت له بعدم فهم :
_ عفوًا ؟؟
_ أرسلان ؟!
اتسعت عيون توبة بشدة وهي تشعر بضربات قلبها يكاد صخبها يخرج له فيدرك ما يدور بخلدها، ورغم أنها لم تكن في هذه اللحظة تحمل لأرسلان سوى بقايا ود، واحترام تام لما يفعله مع الجميع، إلا أنها نظرت له بخجل وقد احمرت وجنتها دون شعور وتوترت بقوة :
_ ما …ما الذي تتحدث عنه أنت ؟! قلقه على من ؟! هل تمزح معي ؟!
رفع حاجبه يتحدث ببسمة جانبية وقد غامت عيونه بنظرات مخيفة :
_ نعم، امزح بالطبع .
رمشت وهي تحاول السيطرة على ضربات قلبها تبتلع ريقها، ثم هزت رأسها بنعم :
_ لا افهم ما تقوله نزار، لكنني لا أحب هذا النوع من المزاح .
_ صدقيني ولا أنا أحب هذا البتة.
تنهد نزار، ومن ثم نظر أمامه صوب السماء، ومن بعدها نظر لها مجددًا وقد شعر أنه لم يعد قادرًا على الصمت أكثر وإلا انفجر :
_ اليوم حينما كنتِ تسألين عن معلومات التي أعلمها عن الجحر كان الأمر لأجله صحيح ؟؟
_ ماذا ؟!
_ أرسلان .
نظرت له مجددًا وقد ازداد غيظها وبشدة، وهو فقط نظر لها بقوة وكأنه يتأكد من مشاعرها اثناء التحدث معه، يود قراءة عيونها حينما تنطق اسمه .
_ ما مشكلتك مع جلالة الملك أرسلان يا نزار ؟؟
ونعم تلك اللمعة التي مرت سريعًا على عيونها زادت جنونه، ولم يدرك أنها نطقت اسمه في الجملة ذاتها معه، وربما كانت تلك اللمعة من نصيبه، لكنها الغيرة والتي لعبت على اوتاره ببراعة .
_ مشكلتي هو اهتمامك بما يخصه توبة ؟!
نظرت له دون إدراك لما يعنيه :
_ عفوًا .
_ عفوًا أنتِ سمو الأميرة، أنا لم أبصر نفس اللهفة والاهتمام تلك بعيونك نحوي إلا حينما كدت أُقتل على يد ذلك العملاق داخل الجحر، هل يجب أن تخرج روحي لابصر اهتمامك توبة ؟!
اتسعت عيون توبة لا تفهم ما مشكلته أو ربما لم يترجم عقلها بعد أن هناك من يهتم لهذه الدرجة بكل شاردة أو واردة تصدر منها .
_ عفوًا ؟!
نفخ نزار بصوت مرتفع وهو يصرخ بصوته كله دون أن يتحكم به :
_ عفوًا عفوًا عفوًا، لا عفو لكِ عندي توبة فيما يخص هذا الأمر، صدقيني أنا لستُ مستعدًا لإخراج الجزء السييء والذي دفنته منذ أشهر طويلة، فلا تجبريني على إخراجه لأجل ما تفعلينه معي .
وهي فقط كانت تشعر بصدمة ولا تستطيع أن ترد عليه بكلمة واحدة أو تفهم حتى ما يريده منها فكانت الإجابة منها دون وعي وكأن لسانها تم برمجته على نفس الكلمة :
_ عفوًا ؟؟
وفجأة تلاشت نظرات الغضب عن عيون نزار وهو يبصر نظراتها المصدومة تلك يبتسم دون وعي، يميل بعض الشيء إليها:
_ ما بكِ وقد ضربتك البلاهة فجأة سمو الأميرة، الآن اكتشفي عفوًا بقاموس اللغة ؟؟
_ نزار ما الذي …
_ نعم هذه كلمات أحب سماعها في الحقيقة .
نظرت له بعدم فهم ليبتسم هو لها :
_ اسمي سمو الأميرة.
وفي ثواني اشتد احمرار وجهها وهي تتراجع بسرعة كبيرة للخلف رغم المسافة الكبيرة التي كانت بينهما بالفعل وهي تنزل الغطاء بسرعة على وجهها وكأنها تحاول اخفاء جرمها عن عيونه .
أما عنه فاستقام يردد بهدوء شديد وهو يضع يديه في جيوب بنطاله :
_ خيرًا فعلتي سمو الأميرة، سيكون هذا أفضل لو سرتي بين طرقات القصر تخفين ملامحك طوال الوقت .
رفعت رأسها له ولم يظهر له تعابيرها التي تخفيها أسفل الغطاء، أما عنه ابتسم يدرك أنها لابد وتنظر له نظرات حادة، ورغم كل ذلك ابتسم :
_ صدقيني أنا أفعل هذا باعتباري المسؤول عن امنك وسلامتك هذه الأيام.
رفعت حاجبها ساخرة من كلماته :
_ حقًا ومن يا ترى نصبك مسؤولًا عليّ سمو الأمير .
أشار نزار لقلبه وهو يهتف بجدية :
_ نفسي، وأنا أثق بآراء نفسي وبشدة وأدرك أنها لطالما كانت تختار الافضل لي وللجميع، وهي من أخبرتني أنك تحتاجين لعناية مني وأنا لا أُكذبها البتة، لذا أنا اعتبرك مسؤولة مني وحتى يعود لنا الملك بارق فيتسلمك مني ليسلمك لي .
كانت تبتسم دون شعور بسبب كلماته وقد خمدت ربها أنها تخفي ملامحها خلف الغطاء، لكن فجأة توقف عقلها ثواني عند كلماته الأخيرة، ما الذي يقصده هذا، فجأة رفعت رأسها بحدة صوبه لتتسع بسمته وقد أدرك أنها وأخيرًا استوعبت ما قال، وقبل أن تستفسر عما يقصد وضع يده صوب صدره وهو يميل ميلة صغيرة مبتسمًا :
_ إذن اسمحي لي بالرحيل سمو الأميرة و….احترسي فستبقى عيوني عليكِ طوال الوقت .
ختم حديثه وهو يرفع لثامه يخفي خلفه وجهه ومازالت بسمته منعكسة في عيونه يشير باصبعيه صوب عيونه وكأنه يخبرها أنه يراقبها، وهي تراقبه بصدمة وبسمة متعجبة لم تظهر له، أما عنه ابتسم يمنحها انحناءة أخرى، ثم استدار ليرحل لكن فجأة توقف وقد تلاشت بسمته مجددًا يستدير لها مرة أخرى.
_ هل ستظلين واقفة بهذا الشكل حتى يعود الملك أرسلان ؟!
لم تفهم حديثه ورغم ذلك هزت كتفها بهدوء تحاول أخباره أنها لا تنتظر أرسلان بقدر ما تنتظر نتيجة ما يحدث :
_ نعم ربما، أريد فقط الاطمئنـ
وقبل إكمال جملتها تحرك عائدًا صوب الشرفة مجددًا يقف بعيدًا عنها وهو يضع يديه خلف ظهره يراقب الفضاء أمامه وكأنه يشاركها الانتظار، وهي فقط تراقبه بعدم فهم .
أما عنه فظل يراقب الطريق وهو يتحدث لها دون النظر لها :
_ انظري أمامك رجاءً .
اتسعت عيونها وهي تبتسم بعدم تصديق :
_ ماذا ؟؟ ماذا ؟؟ هل تمزح معي ؟؟
– لا أفعل سأقف معكِ هنا حتى تعودين لغرفتك وتنتهي هذه الليلة على خير معكِ .
_ أنت حقًا لست مضطرًا لـ
_ بل أنا كذلك، والآن فقط انظري أمامك ودعي هذه الليلة تمر، إما هذا أو تعودي لغرفتك فلن أتركك تقفين هنا تنتظرين بهذه اللهفة و…..لن أتركك تنتظرين وحدك هنا .
توقف في منتصف حديثه حينما شعر أنه سيكشف غيرته وضيقه بكل بساطة لها، بينما هي أبعدت عيونها عنه بصدمة تحاول فهم ما يفعل ذلك الرجل والذي كان يتصرف بغرابة عن المعتاد منه .
_ أنت لست …نزار ما الذي تفعله لا يمكنك الوقوف معي بهذه البساطة كل هذا الوقت، أرجوك عد لغرفتك كي لا …
وقبل إكتمال كلماتها قاطعهم صوت خلفهم يتحدث بجدية :
_ سمو الأميرة هل من خطب معكِ ؟!
توقفت توبة عن الحديث بصدمة وهي تسمع صوتًا حاد بعض الشيء خلفها تستدير ببطء بينما نزار ما يزال يراقب المكان أمامه ببرود وكأنه لاينتوي الاستدارة من الأساس وهي فقط ابتلعت ريقها تواجه نظرات القادم والتي كانت تحدق بظهر نزار بكل تحفز :
_ قائد زبير مساء الخير ……..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لا تشعر بشيء سوى قبضة قوية تسحبها في المكان وهي فقط تنتظر الفرصة لتفلت منها، الرجل يسحبها ويصير معه رجلين آخرين وأمامهم يسير أصلان وهو يحدق بالمكان جيدًا وصوت ضربات قلبها هو كل ما تستطيع سماعه.
أخبرها أنه سيعيدها له، لكن هل تثق بها ؟! والله تثق أن الحمار لن ينطحها في حالة هيجانه ولا تثق أن الخنزير الذي أمامها سيصدق كلمته .
كانت متحفزة وهي تبحث بعيونها عن مخرج تنتظر اللحظة المناسبة لتفتت رؤوس من يمسكون بها، تنتظر اللحظة التي تخف قبضتهم على يدها حتى تنال فرصتها .
بينما أصلان يراقب الطريق ببسمة غريبة وعقل ذلك الرجل كان ينافس الشيطان دهاءً، جاء أصلان بما لم يسبقه أحدهم، فكر في شيء ما كان ليخطر على عقول الآخرين البسيطة .
أصلان والذي كان عقلًا مثقلًا بالخبث والدهاء، رجل عاصر من الحروب الكثير، رجل كان يضع خطط حروب وخطط هجوم وأخرى للدفاع، ما كان يعجز عن وضع مجرد خطة صغيرة ليكسر عدوه خاصة إن كان يدرك نقطة ضعف هذا العدو .
توقف فجأة وهو يحدق بنقطة شبه بعيدة عنهم، ثم رفع يده في الهواء في إشارة منه لرجاله بالتوقف .
نفس اللحظة التي كانت سلمى تتجهز بها لتنال منهم، هي نفسها اللحظة التي تحدث بها أصلان وهو يشير لها :
_ دعوها .
وفجأة وجدت نفسها حرة تقف بينهم، واصلان يستدير لها يمنحها بسمة مريبة يشير صوب الطريق أمامه صوب بقعة منيرة أمامهم:
_ هذا زوجك العزيز هناك، هيا عودي له .
نظرت له بشك وعدم تصديق وقد بدأت كل خلايا عقلها تنتفض متحفزة لما يتحدث ويدها تتحرك تستعد لتحطيم الرؤوس التي تقابلها، بينما أصلان اتسعت بسمته أكثر من نظراتها:
_ ربما أكون سيئًا لكنني لا احنث وعدًا قطعته، أخبرتك سأعيدك لزوجك، وها أنا أفعل؛ لذا تحركي قبل أن أغير رأيي واحتفظ بكِ للأبد، هيا اختاري ..
ترك لها الطريق مفتوح وهي لا تثق بكلمة واحدة نطقها، ربما ينتظر أن تمنحه ظهرها ليصيبها بضربة غادرة، لكن إن كان يريد بها شرًا ما الذي يمنعه من قتلها الآن.
أخذت تتنفس بصوت مرتفع وهي تنظر وهو يراقبها ببسمة :
_ لن أنتظر طويلًا .
وغريزة البقاء داخلها بدأت تعمل وتنتفض بقوة، إذ تحركت بسرعة مخيفة ركضًا للصوب الذي يشير له، لكن بمجرد أن مرت به رفعت يدها تضربه لكمة قوية جعلت تأوهاته تعلو بوجع وصدمة، وقبل استيعابه ما حدث كان هي تهرول بسرعة مخيفة بعيدًا عنه .
ولا تدري عدد المرات التي ركضت بها منذ تم اختطافها، تركض دون توقف وهي تشعر بصوت أنفاسها يعلو ويعلو تبصر أجساد الرجال تبتعد عنها والضوء الذي أشار له أصلان يقترب .
تتنفس بصوت مرتفع وهي تركض بجنون بنفس الهيئة المدمرة التي كانت عليها، ثياب شبه ممزقة، قماشة رثة تكاد لا تخفي نصف خصلات شعرها، جروح وكدمات في جسدها ووجهها، هيئة لو نظرت لها في المرآة ما تعرفت على نفسها .
أخذت تنظر خلفها وهي تبصر اختفاء الأجساد التي كانت تأسرها، أعادت انظارها أمامها تركض وتركض دون أن تفكر حتى في التوقف والتفكير حول المصير الذي تهرول صوبه .
أما عن أصلان فقد كان يراقب ابتعاد جسدها عنه وهو يشير لأحد رجاله بالتقدم منه يشير له بالتأهب، وقد أخذ ذلك الرجل يجهز سهامه وهو ينظر صوب الجهة التي سارت لها سلمى ينتظر فقط إشارة أصلان لتحرير السهم من بين أنامله.
أما عن سلمى أخذت تركض بشكل مرعب ودموعها تهبط دون تحكم بها، ربما كانت فطرتها المرتعبة أو عدم تصديقه بأنها ربما تتحرر .
فجأة وأثناء ركضها أبصرت أجساد كثيرة تلوح لها بالأفق، وكادت تتوقف وتغير طريقها، لولا أن أبصرت من بعيد التماع شعار تدركه جيدًا، شعار تحفظه عن ظهر قلب، لتتوقف أقدامها بصدمة كبيرة وهي تنظر خلفها وكأنها لا تصدق أن ذلك الحقير كان صادقًا، هبطت دموعها وقد ازدادت نبضات قلبها حتى شعرت أنها ستسقط ارضًا في أي لحظة .
ثانية واحدة قبل أن تندفع كالقذيقة، وتزداد هرولتها بشكل جنوني، تراقب نجاتها على بعد خطوات منها، منقذها يقبع على بعد خطوات صغيرة .
ربما كان سرابًا رسمه عقلها لشدة يأسها، لكنه حتى وإن كان سرابًا فيكفيها أن تعانق سرابه، يكفيها أن تأنس بطيفه، فقط، ازدادت دموعها بقوة وهي تزيد من سرعتها أكثر وأكثر دون الاهتمام لا بالجروح التي تصيب قدمها أو بهيئتها حتى، ثواني فقط حتى كانت تصرخ بصوت مرتفع رنّ صداه في المكان بأكمله وكأنها تتوسله في ندائها :
_ أرســــــــــــــــــــــــلان …….
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ربما تعود الأميرة للقصر لكن الوحش ما يزال طليقًا، والأمير ما يزال مشتعلًا .

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية أسد مشكى)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *