رواية العذراء والصعيدي الفصل الثالث عشر 13 بقلم نور الشامي
رواية العذراء والصعيدي الفصل الثالث عشر 13 بقلم نور الشامي
رواية العذراء والصعيدي البارت الثالث عشر
رواية العذراء والصعيدي الجزء الثالث عشر

رواية العذراء والصعيدي الحلقة الثالثة عشر
كان الليل خانقا والمكان حولهما موحش كأنما نزعت منه الحياة ووقف جارح وسط الأرض المهجورة يحفر بصمت والغيم تكاثف فوقه يحجب القمر وينذر بالمطر… لكن جارح لم يلتفت للسماء، عيناه كانتا مسمّرتين على الأرض وعصام يقف بجواره متوتر الخطوات ينظر إلى الحفرة بعينين متسعتين وصوت مخنوق خرج منه أخيرا:
أنا… أنا مكنتش متخيل إنك ممكن تعملها اكده بجد.. تجتلها بجد… أنت بتحبها يا جارح
توقف جارح عن الحفر بيده وقبض على الفأس كأنه يوشك على تكسيره ثم رفع نظره لعصام وصوته خرج باردا كالسم:
مفيش حاجة اسمها حب… اسم العيلة أهم من اي حاجه
سادت لحظة صمت مرعبة حتى الريح بدت وكأنها تجمدت، تستمع لما قيل ثم انحنى جارح داخل الحفرة ومد ذراعيه ليرفع الجسد بين يديه وحملها بهدوء كأنها ما زالت تنام فنظر إلى وجهها لثواني نظرة غامضة لا تحمل حزنا ولا حنينا… فقط برود قاسٍ لا يليق إلا بمن اعتاد الوداع وبلا كلمة وبنظرة أخيرة رماها في الحفرة تبع صوت ارتطام الجسد بالأرض لحظة صمت ثم بدأ جارح في إلقاء التراب فوقها حفنة تلو الأخرى وكل ذرة تراب كانت تحمل حكما لا رجعة فيه وحين انتهى سوى الأرض بقدميه ونظر إلى عصام ثم اردف بصوت ثابت:
يلا نمشي… خلصنا اكده كفايه
انهي جارح كلماته والقي الفاس وذهب وفي صباحٍ جديد، كان عصام يقف في فناء البيت يهلل بصوت مرتفع وابتسامة عريضة تعلو وجهه كأنه نجا من كارثة مرددا:
جارح جتـلها… والله جتـلها! غيم ماتت… أنا مش مصدج اخيرا.. خلصنا منها
كانت لؤلؤ تمر من خلفه، فتوقفت فجأة حين سمعت كلماته واتسعت عيناها من الصدمة وهتفت:
“إي؟ بتجول إي؟!
ردد عصام وهو يضحك دون أن يلحظ ما في وجهها من تغير مردفا:
غيم خلصت خلاص جارح قتلها… أنا مبسوط جوي. مش مصدج نفسي وانه جتلها بجد
نظرت لؤلؤ إليه نظرة طويلة ثم اردفت بصوت منخفض حادّ:
جتلها… وانت مبسوط جوي اكده ليه.. الاصحيح هو انتنت عاجز؟”
تجمد عصام مكانه وتغيرت ملامحه وهو يتمتم بتوتر :
انا…لع طبعا انتي بتجولي اي عاد.. انا عاجز ازاي يعني
صرخت لؤلؤ فجأة مردده :
أيوه عاجز! وأنا عرفت كل حاجة انتضحكت عليا.. كنت بتمثل الحب والرجوله وكل ده كدب.. انت كل حاجه جولتها وعملتها كدب وجاي دلوجتي مبسوط ان جارح جتل غيم.. مستحيل يجتلها.. انا متاكده انه مستحيل يجتلها اكيد دي خطه منك علشان تخليه يعمل فيها اكده
نظر عصام اليها بتوتر وحاول أن يقترب منها ويرفع يده ليهديها لكنها كانت أسرع ورفعت كفها وصفعته بقوة على وجهه مردده:
كداب و خسيس وخاين وزباله.. انت كداب يا عصام
تجمهر أهل البيت بعدما سمعوا الصراخ وتقدّمت العمه رجاء أولا، واردفت باستغراب:
في إي يا لؤلؤ؟ صوتك عالي اكده ليه عاد مش كفايه ال حوصل وال احنا فينا
نظرت لؤلؤ اليها بغضب ثم دخلت الجدة تتكئ على عصاها بتعب شويد واردفن بقلق:
اي ال بيوحصل اهنيه.. انتوا عايزين تعملوا فيا اي اكتر من اكده… عايزين تموتوني
استدارت لؤلؤ نحو الجدة وعيناها تلمعان بالغضب والدموع واردفت:
ضحك عليا يا حجه… كان بيكذب عليا طول الوجت.. دا خابن وكداب انا الغلطانه انا الغلطانه اني صدجت واحد زيك
تقدم مسعود بخطوات هادئة.. كمن يحاول احتواء العاصفة واردف:
استني يا لؤلؤ.. ممكن تهدي وتحكيلي يمكن نجدر نفهم و
لم ينهي مسعود كلماته حتي صرخت فيه وهي تشير إليه بأصبعها:
“اسكت! إنت آخر واحد يتكلم… فاكر إني معرفش؟! عارف كل حاجة يا مسعود! إنت ال بعت شفيق يجتل عصام.. وإنت ال بتحاول تجوز بنتك سماح لجارح علشان تستولي على فلوسه.. انت السبب في كل المصايب ال بتوحصل دي
ساد الصمت لوهلة وانصدم الجميع منكلمات لؤلؤ قبل أن تتدخل الجدة بحزم:
كفايه… كفايه بجا حرام عليكم.. انتي اي ال بتجوليه علي جوز بنتي دا… مسعود طول عمىه بيحبنا
ضحكت لؤلؤ بأستهزاء وهي تردد:
بجد والله.. جوز بنتك الحقير ال معندوش اصل.. جوز بنتك الواطي.. وحفيدك. جارح جتل غيم
نظر الجميع بصدمه وشهقت الجده:
“إي يا لعووي..يا لهووي ؟!”
رجاء بصراخ:
غيييم؟! انتي بتجولي إيه يا لؤلؤ؟!”
رفعت الجده عصاها مردده:
هو فين؟! فين جـــارح؟! خلوه ييجي دلوجتي حالا يلا
وبعد دقائق نزل جارح من فوق السلم. عيونه ساكنة ملامحه لا يوجد بها ذرة ندم واردف بصوت ثابت:
أنا عملت الصوح
كانت الجدة تحدق فيه و عيناها دامعتان وخطواتها مثقلة بثقل ما سمعته فـ اقتربت منه و رفعت يدها ببطء ثم نزلت بها على وجهه بصفعة حارقة واردفت بصوت مهتز حاد:
جتلتها.. خلاص بجيت مجرم.. بجيت جتال جتله.. بجيت مجرم
سقطت رجاء على الأريكة تضع يدها على صدرها تحاول أن تستوعب ما يحدث من حولها أما عصام فتقدم بخطوتين نحو الجدة واردف بنبره بارده :
ال عملناه لمصلحة العيلة… اسم العيلة أهم من أي واحدة جات من بره
التفتت إليه الجدة والغضب يشتعل في ملامحها ثم رفعت يدها وصفعته هو الاخر واردفت بصوتٍ دوى في المكان:
اسم العيلة؟! دا تبرير الخاينين! ال عملته دا عار وغيم أطهر منكم كلكم.. انا الغلطانه اني ظلمتها ياريتني كنت صدجتها… اسمع يا واد انت انا بجولك اهه جدام الكل…في ظرف أسبوع تكون مشيت من اهنيه يا عصام مش عايزه اشوف وشك جدامي انت تختفي خالص
رفع عصام يديه مستنكرًا، محاولا الدفاع عن نفسه مردده:
بس يا حجة و
قاطعته الجده بصراخ وهتفت:
اكتم خالص جبر يلمك يا شيخ…هتسافر ومش عايزة أشوف وشك تاني وتطلج بنت خالتك.. وانتي يا ست لؤلؤ… انا مش عايزاكؤ انتي كمان.. روحي عند جدتك ام ابوكي ال زيك ميستاهلش فيه اي حاجه ولا طمر في التربيه منك لله يا شيخه.. منكم لله كلكم
القت الجده. كلماتها وذهبت فنظر مسعود بتوتر وذهب ايضا بسرعه من البيت وفي المساء في نفس الليلة حيث تكوم السواد فوق الأرض التي احتضنت غيم وجلس جارح وحده… لا صوت سوى نحيبه كان التراب لا يزال ندياً.. والريح تلفح وجهه كأنها تذكره بما فعل، عيناه محمرتان، ويداه ترتجفان وكل كلمة كانت تخرج منه كأنها تنزف دمه مردده:
انا آسف… سامحيني يا غيم… سامحيني بالله عليكي… أنا واطي….. أنا جتلتك بإيديا يا غيم… أنا جتلت مرتي… جتلتك انتي وابني … جتلت أكتر واحدة كانت بتحبني في الدنيا.كنت عارف…والله كنت عارف إنك بريئة… بس سمعه العيله كانت اهم مجدرش ادمر عيلتي وسكتك انتي… أنا ال ضيعتك… أنا لسه مش مستوعب إني مش هشوفك تاني… مش هصحى ألاجيكي جمبي… مش هسمع صوتك و مش هشوف ضحكتك.. انا كنت بحبك والله… كنت بحبك جوي… بس معرفتش أحبك صوح… معرفتش احميكي حتي من نفسي… انا استاهل… استاهل الكره… استاهل إنك تطلعلي في منامي كل يوم وتلعيني.. سامحيني يا غيم… بالله عليكي سامحيني
…ألقى جارح كلماته وهو ينهار فوق التراب، يحتضنه كأنما يحتضن غيم نفسها ونحيبه يمزق سكون الليل وعيناه تنزفان من شدة الندم والريح تلفح وجهه والأرض ما زالت ندية تحتضن سرّ الجريمة و تشهد على خيانة لا تغتفر وفجأة، مسح دموعه بكم قميصه ورفع رأسه ببطء ونظر إلى الأفق بعينين فارغتين ثم انفجر ضاحكا… ضحكة مجنونة مريبة كأن الألم انقلب جنونا واردف بصوت مرتجف يتسلل إليه الحقد شيئًا فشيئًا:
لسه… لسه محدش شاف مني حاجه… دي كانت البدايه بس
وفي مكان اخر.. عمّ الصمت وسكون مريب يحبس الأنفاس ولا يسمع سوى صوت أنفاس متقطّعة… وعينان عصان تنفتحان فجأة وسط العتم ففتح عينيه على الظلام وحاول أن يتحرك لكنه شعر بثقل رهيب يقيّده أنفاسه تسارعت حين لَمس بيده كفنا يلف جسده…و سقف حجري يعلو رأسه، وجدران صخرية تحيط به من كل صوب فادرك إنه داخل مقبرة.. نعم مقبره فـ تجمّدت الدماء في عروقه وارتجف جسده وصرخ بأعلى صوته مرددا :
أنا فين؟!! حد يسمعنيي!! إي داااا؟! دا كفن؟! أنا مت.انا مووت الحقوني يا عالم و
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية العذراء والصعيدي)