رواية آصرة العزايزة 2 الفصل السادس 6 بقلم نهال مصطفى
رواية آصرة العزايزة 2 الفصل السادس 6 بقلم نهال مصطفى
رواية آصرة العزايزة 2 البارت السادس
رواية آصرة العزايزة 2 الجزء السادس

رواية آصرة العزايزة 2 الحلقة السادسة
“ونهجـو الحُب بغير ذنب”✨
“بعد فتـرة من الوقت ستدركين أن حبيبك الذي فارقـك لم يكن المناسب ولولا تمرد قلوبنا الحمقاء لإقناعنا بذلك ..
سيعلمك الزمان الفرق الكبير بين الإمساك باليد وأسر الروح والتمني بالبقاء..
ستقتنعين أن الحب لا يعني السند وأنه خانـة لا يلزم شغلها بصندوق العمر ، و أن الصحبة الكثيرة لا تعني الأمان..
أن القُبلات الشهية ليست عقودًا ثريـة ، وأن الهدايا ليست وعودًا حتمية بالبقاء، ستبدأين في تقبل هزائمك المتتاليـة برأسٍ شامخـة وعين لا ينكسر لها جفن الخذلان ، ستتقبلين كل هذا بتمرد امرأة صنعهـا الزمن لا بحزن طفل في أول مهده برحلة الحياة !! “.
#آصرة_العزايزة 2 ✨
••••••••••••••
-“مش بالسهولـة دي يا عزايزي”
فوهة سلاح يتوارى خلفها أعين تفيض بالشـر وصوت يزمجر بجملتـه الأخيرة ، رفع هارون جفـونه ببطء حتى رست نظراته على معالم وجه ” شريف ” المتقـد بشرارة الغضب .. لف مفتاح سيارته في الاتجاه المُعاكس ليبطل تشغيلها وهبط من سيارته بشموخ وهو يقول ساخرًا :
-وه !! هما لما شيَلوكم سلاح قالولكم ترفعوه في وش الخَلق إكده !! چرالك أيه يا حـ ظابط ..
بمسافة ذراعه الممتد والفاصل بينهما جهر شريف مستنكرًا :
-أحنا بنرفعوا السلاح في وش المُچرميـن وبس يا هارون .. وأنت كبيرهم .
رمقه بسخرية :
-البيـنة على من أدعى .. أثبت قولك وأنا تحت أمرك أنتَ والقانون بتاعك ، لكن ترفع سلاحك في وش مواطن معملش أيتها حاچة غير إنه داس لك على جرح ، بس واضح الجرح ديه طلع غويط وواعر قوي .. خايف عليك أنا .. هو الظابط أيه غير دبورتين وسمعـة ، وسُمعـة الوالد مقصرتش .. خاف عـ الدبورتين .
صرخ شريف بوجهه :
-بلاش جو الحنجلة ده يا عزايزي أنا حافظه وقوليلي ليلة فين .. أنتَ فاكر إنك تاخدها وهعديهالك ؟
-بصفتك مين ؟! هااه سمعني ، أبوها أخوها ولا وِلد چوز أمها ، قلعة محروق أبوك أيه أنتَ في حياتها علشان يهمك أمرها !
ثم طافت عينيه بالمكان إثر احتشاد المارة :
-داري سلاحك وحافظ عـ شكلك قِدام الخلق بدال ما أقل منك وساعتها محدش هيحلك من يدي ..
-أبويا متجوز نادية !
هتف لنفسه سرًا ، ثم تزحزحت يده التي تحمل السلاح ونظرات التحدي ممتدة بينهما فأكمل :
-أنت هتشتغلني ؟! اسمعني يا عزايزي ، أنا جاي أخد ليلة وهريحك ومني غدري العُمر كله برضاك غصب عنك وكله بالقانـون .. مش هتحرك من غيرها.
أطلق ضحكة ساخرة :
-ياابووي ، شغل مرازيـة ولوع وكمان بالقانون ؛ ديه كييفي .. وسكتي ، وطالما چايلي فيها يبقى اتلقى اللي هيجرالك مني .. وكله بالقانون .
ثم أخذ هارون السلاح من يده بهدوء ووضعه بكف شريف الذي يترقب دهاء هارون المعتاد عليه وهو يكمل :
-اللي أنت چاي عشان تاخدها ، تبقى مرتي ، خلاص متخصكش .. ولو حكمت عقلك وخدتها ، القانون اللي أنت فرحان بيه ديه ..هيرچعهالي ..
ثم دنى منه خطوة وأتبع :
-وبدال ما أنتَ إهنه چاي تاخد اللقُمة من خشم الأسد ، روح نضف ورا أبوك وحماتي الدكتورة نادية ، وأشرب لك كوباية شاي مع سچارتين إكده ولا اضربلك طلقتين في الچو يروقوا عليك عشان أنا ناوي ألبسهم الأساور قُريب .. وكله بالقانون يا حظابط ..
برقت عيناه :
-يعني أيه مراتك !! أنت ازاي اتجوزتها وو أنت لو فاكر إنك هتضحك عليا بالكلمتين دول تبقى غلطان و
قاطعه بحدة :
-اسمع يا واد أنتَ ، أنا راسي من رايقالك وفيها مليون حاچة .. واللي عندي قولتـه ، وتقدر تروح المركز تتأكد ، لكن چو المسايرة ديه مافاضلهوش ، ومرتي زمانها نازلة من فوق ، وبصريح العبارة مش عاوزها تلمحك ..
ثم وشوش له :
-هتعكرها ..
تدخل العم حسن الذي جاء راكضًا إثر احتشاد المارة وتوسل له :
-هارون بيه استهدى بالله ، وأنت يا بني آمشي دلوقتي وبلاش فضايح ..
تأرجحت عيني شريف مهزومين وقال رافعًا سبابته مهددًا :
-أنت اللي اخترت شري يا عزايزي .
تبسم في وجهه متوعدًا :
-أعلى ما في خيلك اركبه .. إلا هو خيل ولا حمار ؟! -ثم أطلق ضحكته -ورفعة السلاح ديه في وشي مش هعديهالك .
••••••••••••
~العزايـزة .
أربعة جدران أسرت الثنائي بداخلهم .. بعد قضائهم ليلة صامتة ، عزمت فيها رغد على السكوت، مهما وجه إليها من تساؤلات لم تنبس ببنت شفـة .. كان يدور حولها كالدبور ، تارة يرمى جملة اعتراضية على هذا الوضع ، تارة لمسة حنونة منه تحمل اعتذارًا .. تارة جمهرة عاليـة بصوت مرعد لجزعه من صمتها المبالغة فيه وعينيها التي لم تكف مدامعها ..
خرج ” هاشم ” من حمام الغرفة بعد ما اخذ حمامه الدافئ كان يصفف شعره بالمنشفة البيضاء ، حانت منها نظرة شوق اغتالتها بسيوف الوجع التي سددها إليها ..
دارت من مجلسها على طرف السرير ولمست أقدامها الحافية الأرض وهو تتفقد ظهره العاري ، بللت حلقها وقالت بنبرة خافتة :
-هاشم ..
ترك فرشاة الشعر من يده وأقبل نحوها ببسمة انتصار ، لأنه راهن بين نفسه على حبها وقال :
-وحشني اسمع اسمي منك .
أحست بالتوتر الشديد خاصة بعد جلوسها بجوارها وأخذ يدلل شعرها :
-ليه القسوة دي !! دانا كُنت بهرب من قسوة العالم ليكـي .. أول مرة ترفضي تسمعيني يا رغد !!
ثم فتح كفها وأخذ يداعب بلمسات خفيفة يعلم مدى تأثيرها على جفاء قلبها وأتبع بالصعيدي:
-وه ، هتهمليني أكلم روحي ويقولوا وِلد العزايزي اتدب من عشقه لحُرمة كيف القمر ..
ثم أخذ نفسًا طويلًا وهو يراقب انكسار ملامحها وأكمل وهو يدنو منها :
-بس أنا عِندي قول وفعـل .. ومش هقول لك تعالي في حُضني وهنسيكي كُل الوچع اللي سببتهولك .. أنا اللي هاچي في حضنك يا رغد وأطلب منك تنسيني قسوتك عليّ .. رغد!!
حروف اسمها كانت ممزوجة بالقُبل التي داعبت شفتها قبل أن تنالها وهي تفزع من جواره مضطربة :
-هاشم ، أنا حامـل ولازم أكل .. الجوع مش صح عليا وعلى البيبي ..
كان جالسًا بمعالم منكمشة تود تَفهم رفضها الصريح لقُربه خاصة بعد تركها لمخدعه وجلوسها على الأريكة وهي تكمل :
-وكمان مش صح أهل البيت يصحوا ويلاقوني عندك هنا .. لو سمحت بلاش فضايـح .
لقد نفذ صبره وثارت عواصف عصبيته :
-فين الفضايح دي !! رغد أنتِ مرتي ومحدش له الحق فينا .
صرخت عليه :
-مش مراتك يا هاشم .. وكل اللي يربطنا هو ابنك وبس ، لكن أنا مش مراتك .
تسابقت نبرته مع نبرتها :
-تمام يبقى الطفل ده ينزل ونفضها سيرة يا رغد ..
اتسع بؤبؤ عينيها الدامع وهي تردد :
-يعني أيه ينزل يا هاشم !! أنتَ عايزنا نقتل ابننا ؟
قضت نيران عصبيته على شطائر الود الدافئة بينهما ليقول بثورته العارمة :
-نقتله أحسن ما يكبر ويلاقي ابوه قاتـل جده ، أو جده قاتل أبوه .. أنت ناوية تجيبي عيـل تعذبيه في الدنيا يا رغد عشان أنانيتـك دي .. أيوة هي دي الحقيقة اللي لازم تفهميها .
من شدة الصدمة نسيت كيف يكون نطق الكلمة ، هزت رأسها يمينًا ويسـارًا وانخرطت العبرات منها وهي تدمدم :
-أنتَ بتقـول أيه ؟! أنت أزاي كده ؟! وأنا أزاي اتخدعت فيك كده .
رفضها لقربه كان بمثابة عود الكبريت الذي اشتعل في حقل غضبه ، واستنكارها حقيقة زواجهما كانت كاللغم الذي انفجر بوجههم ، فأتبع تحت دخان انفعاله :
-هو ده اللي عندي يا رغد ، العيل ده ينزل والقرار ليكي عايزة تكملي جوازنا زي ما أحنا يبقى من غير خلفة .
تكدس وجهها بمعالم السخط :
-هاشم أنا بكرهك ..
ثم ابتلعت لعاب حزنها وتحدته :
-وأنا مش هنزل البيبي ده ، مش هقتل ابني زي ما أبوه عمل وقتل أمه ألف مرة .. أنتَ أناني يا هاشـم ..
ثم جهرت بنفور :
-وافتح الباب ده عشان أنا مش طايقة أبص لك .. أفتح الباب يا هاشم .
وقف أمامها متحديًا :
-ده آخر كلام عندك ، تبيعِني وتبيعي حُبي ليكي عشان حتة عيل لسه مفتحش عينيه على الدِنيا !!
بنظرات الخزى :
-وابيع الدُنيا كلها ياهاشم عشان ابني .. حُبك الأناني ده مبقاش يلزمني ولا أنتَ تلزمني بعد النهاردة .. كلامنا انتهى ..
هز رأسه معاندًا :
-أنتِ اللي اخترتي ومتلوميش غير روحك .
•••••••••
~بغرفـة هلال .
بعد ما قرأ ورده الصباحي المكون من صلاة الضُحى ثم سورة يس وأذكار الصباح تحت شعاع نور الشمس المتسلل من النافذة كي لا يزعج فتاته النائمـة ، فارق سجادة الصلاة ثم توجه لطبق الحلوى التي صنعتها ليلة أمس .. أكل قطعة صغيرة ثم ألقى نظرة خاطفة نحو الفتاة المتكورة تحت الغطاء وهي تتململ بهدوء وترفع اللحاف من عليها كالقطة السيامي ، انطلقت منه ابتسامة خافتة وهي تقول :
-صباح الخير يا مولانا .
أسر في نفسه لقبه الذي يبغضه منها ، فهي الوحيدة الذي يحرم عليها ندائه بكافة الألقاب المتاحة للعامة وقال :
-صبحك الله بالخيـر يا مولاتي .
تبسمت :
-أنتَ بتچيب الحديت المذوق ديه من فين نفسي أعرف!
-حقيقي ألا تعلمـي ؟!
باهتمام :
-لا والله معرفتش ؟!
جلس ” هلال ” على طرف الفراش وهو يقول :
-أن قلب المُحب ترزي .
رفعت حاجبها باستغراب :
-ترزي ؟! يعني أيه ؟!
أصدر صوت إيماءة خافتـة وهو يقول :
-يمكنه حياكة كل الكلمات الجميلة بالحياة لثوب يتناسب فقط مع من يُحب .
أخفت معالم وجهها المبتسم بطرف اللحاف وهي ترفعه من عليه لتهرب من سطو نظراته اللامعة كالعادة :
-والله أنت فايق ورايق على الصُبح .
أمسك كفها كي يمنع مغادرتها ليقول بالصعيدي :
-ولما أكون فايق ورايق ديه يزعلك في أيه !! لا وقفي عندك وبطلي حبوب النكد اللي بتتعاطاها كل الستات دي !
وضعت كفها بخصرها :
-الله الله !! وأنت عرفت طباع كُل الستات منين يا مولانا ؟! قول قول .
حك ذقنه ليخرج من المأزق الذي ورط نفسه بهِ :
-من صفية طبعاً.. مش بتشوفيني تملي عقولها يا ست الكُل .. والكُل دول أيه غير ستات ؟!
-لا يا شيخ ؟! أنت فاكرني عيلـة صغيرة عشان يخش عليها الكلمتين دولت ؟ أوعى إكده من قَصادي.
منع طريقها بقامته العالية ممازحًا :
-وليه متصدقيش ؟! بالله ما كذبت .
-قول كلام يتصدق الأول .. وبعدين أنتَ عايز أيه دِلوق .
ضحك بدون صوت وهو يملأ قلبه من ملامحها المكتظة :
-عايز أقول لك أن عيني ماوعيتش على ستات قبلك ولا هتشوف بعدك .
-يعني مش عتفكر فـ كلام خالتي صفية وتقفل الشـرع يا مولانا !!
عقد حاجبيه مرتديًا قناع الجِدية :
-في حالة واحدة بس ، أشوفك غيرانة عليّ إكده لآخر عمري ؟!
أحست بالتوتر وهي تود الهرب من أمامه:
-غيرانة !! مين دي اللي غيرانة !! مفيش من الكلام ديه !! قال غيرانة قال !! لا مش غيرانـة وهغير من مين !! وو أنا عاوزة أعدي .
بمعالم وجهه الضاحكة على عبثها أمامه سألها باندفاع :
-رقيـة ؛ هو الواحد بيتچوز ليـه ؟!
ثم تحمحم موضحًا سبب سؤاله :
-أصل عيل صغير سألني السؤال ديه وأنا راجع ، فقولت أسألك أرد عليه أقوله أيه .
ردت بدهاء :
-رد على بالشرع والدين يا شيخنا ..
سألها بتخابث ليصل للجواب الذي يفتح له طريقًا لقلبها :
-وأنتِ عارفة الشرع والدين عقولوا أيه ؟!
-هاه!!!
صوت خبط شديد على الباب ممزوجًا بصياح ” صفية ” وهي تنوح كالغراب :
-أنتِ يا عروسة الهنا ، قومي ياختي بزياداكي نوم .. نموسيتك كحل .
هرول هلال ليفتح الباب متسائلًا :
-جرالك أيه ياما !! مالك ؟!
ضربت على كفوفها:
-أبوك مشي كل الشغالين في البيت ، وأناي بطولي مقدرش أشيل حِملكم أنتوا وحريمكم ، قول للغندورة اللي چوة تنزل تاخدي بيدي في شغل البيت .
وضع في موقف حرج بين أمه وزوجته فقال :
-رقية مش مسئولة غير عني وشوفي اللي مطلوب من رقية وأنا هنزل أعمله مكانها .
-وه ، وانا اللي مدعي عليّ اشيل مسئولين خمسين نفر!! كان فين الچلع المريـق ديه !
تدخلت رقيـة :
-لالا ، خالتي صفية معاها حق ، أنا هنزل أخد بيدها .
ربتت على كتف ولدها :
-أحنا مش قانيـن الحريم للسرير وبس يا كِبد أمك .. ودي لا نافعة ولا شافعة !! أنا مِش عارفة المسخوطة دي عاچباك في أيه !
توترت رقية لتفر هاربة من حديثهم :
-هغسل وشي وانزل وراكي يا خالة متزعليش روحك .
انصرفت صفية متجهة نحو غُرفـة زينة وقفل هلال الباب مناديًا علي رقية:
-رقية أنتي مِش مُجبرة تقومي على خِدمة حد ، أقعدي ارتاحي وسيبي أمي عليّ.
ردت بتقبل:
-وليه المشاكل وخوتة الراس !! منا فاضية أهو مش هخس يعني لما انزل أخد بيدها .. سيبني انا هعرف اتعامل مع خالتي صفية وركز في شُغلك وبس .
•••••••••••
~دوار الجـباس .
كيف نقول للذين يراقبوننا عن بُعد ويحسدوننا على النعم الظاهرة و على حياتنا أن حول قلوبنا هالة سوداء كبيرة، كيف نخبرهم أنّهم لو عبروا هذا الطريق الحالك لوصلوا إلى مفترق طرق مشتتة لا يمكن عبورها إلا بعد محاولات كثيرة قد ترهق إعجابهم بنا ، قد تُحرك جفن الشفقة لا جفن الحقد واستكثار النعم !!
كيف يمكن أن نقول لهم أنّنا نحافظ على ملامحنا الضاحكة كقناع لإخفاء الحزن الساكن بنا لا أكثر ؛ بل نكره الحزن بقدر ما بتنا بهِ ، نقابل ضيف الحزن الثقيل بالتجاهل لأننا نخاف نقتل سنوات العمر في كنفه أو كمحاولة لطرده .. كيف أخبرهم أن السعادة الحقيقة لم تكن بالمظهر ، بل المظهر خدعة سحرية تخفي معالم آلآم مدفونة بصدورنا .
اقترب الخادمة صاحبة السبعة عشر عامًا نحو ” نغم” الجالسة بحديقـة البيت لتقطع حبال شرودها وتسألها :
-تؤمري بحاچة تشربيها يا ستِ نغم .
ردت بعرفان :
-لا ما عاوزاش ، تشكري يا نجمة .
-طب لو عوزتي أيتها حاچة نادميني طوالي ..
ما كاد الرد يفارق فمها ، فسبقها صوت زمجـرة فارس من الخلف بعنفِ :
-نچمة ، تعذبيش روحك ، الست نغم لما تعوز حاچة هتقول تعملها لحالها ، أنتِ أهنه في خدمة بتي وبس .
زفرت ” نغم ” بتأفف ووثبت لتواجه التيـار منتظرة ذهاب “نجمة ” لتردف قائلة :
-معاك حق يا وِلد عمي ، أنا مش هضايف في بيتي !! مش ديه قصدك !
ألتوى ثغره بضحكة ساخرة :
-ااه بيتك !! وبيتك ديه افتكرتيه ميتى !! هاه ، ردي ؟! ولا تحبي أرد أنا عليكي يا بت عمي ؟
خيمت الحيرة فوق ملامحها :
-أنا مفاهماش بحديتك ديه تقصد أيه !
-لا أنتِ فاهمة زين ، بس شكلك ناسيـة ، ناسية وقرايكي من عشر سنين يا نغم .
فارت دماء عروقها بضيق لتجيبه بهدوء عاصف:
-وأيه اللي قريته وأنا ماعارفاهوش على روحي يا فارس ؟!
دنى منها خطوة بعينيـه فيض الحب الذي يتوسل لقلبها أن ينفي تلك الحقيقة وهو يقول بمكر :
-قصدي إنك مفتكرتيش بيت عمك وأبوكي غير لما وِلد خليفة اتچوز ، فكرك مختوم على قفاي أنا ومقاريش حُبك لهارون ومن وأنت عيلة رايحة المدرسة .
غرز خنجر الحقيقة المؤلمة التي تحاول ان تنكرها مع كل صباح يوم جديد ولكن لا مفر منها ، لقد جرحنى الطريق التي ركضت إليه بحب، لذلك انا اليوم امشي لكل شيء على مهل و بترويّ تام، كما لو أنني أحاول أن أُغيض الأيام .. قفلت جفونها ثم فتحتهم مرة ثانية وهي تقول بتريث :
-أنت صح ، وقريتني صح ، أنا عاشقة هارون ومش بيدي يا وِلد عمي ، بس يحرم عليّ من اليوم اتكتبت فيه زينة على اسمه .. هاه اتأكدت ، عرفت إني چيالكم هربانة من وچع وأنت مستقبلني بوچع ، قول لي أنتَ المفروض أهرب من كل ديه وأروح على فين .. ماني اللي عشقته ما حسش بي عشر سنين .
-“”ولا أنتِ حسيتي باللي عشقكك من أول يوم في عُمرك “”
همس قلبه سرًا باعترافه الازلي بعشقها ، بملكيتها للدرجة التي فرط بها كي تكون مع من أحبت ، تمنى ولو أنها تنال حبها ليوم أهون من أن يرى هذا الكم الهائل من المواجع يروحها ولا يستطيع مداوته .. قطعت سهوته وأكملت راجية :
-طلعني من راسك يا فارس ، أنا ضحية مش جانية ، أنا اليتم والعشق كوا قلبي بميتهم ، بلاش تكون عبء تالت عليّ ، لأني وقتها عمري ما هسامحك .. لأنك اخترت توچعني بكييفك ..
ما أن رمت قذيفة كلماتها بجوفه تركته يحترق بها وغادرت لتكن وجبة دسمة للبكاء هذه الليلة، ما انصرف ظلها عن المكان ركل المقعد الخشبي بقدمه مزمجرًا بحرقة على محبوبته :
-ااه يابن الـ*** ، مش هرحمك يا هارون يا عزايزي .. أنا سبتهالك بكيفي ……. وچيه الوقت اللي أرجعلها حقها منك !!
••••••••••••
مع قُرب غروب شمـس هذا اليوم ؛ لمست إطارات سيارته بوابة مُحافظة قنـا ، فـدب الخوف بقلب ليلة وهي تأخذ نفسًا طويلًا وتتشبث بكفه بعد ما ألقت نظرة سريعة على هيام النائمة بالمقعد الخلفي .. أحس درجة برودة كفها فسألها :
-أيه مخوفك وأنتِ قاعدة جاري !
رطبت بلسانها شفايفها الجافة وقالت :
-قلبي مقبوض يا هارون .. بس هو طبيعي أكون خايفة ، اللي مش طبيعي بقـا إني أقول لك لا مش خايفة .
بدل وضع كفوفها ، ليقبض على كفها الناعم بحب ويطمئنها :
-طول منا معاكِ متخافيش من أي حاچة في الدِنيا يا ليلة .
هزت رأسها باقتناع:
-أنا واثقة فيك يا عمدة .. بس هارون زي ما اتفقنا ، متغيرش الاتفاق ، محدش يعرف إننا اتجوزنا ، نحل كُل المشاكل الأول وبعدين تتقدملي من مامي وتعملي فرح الدنيا كلها تتكلم عنه ..
قبل كفها وهو يراقب الطريق أمامه وقطع الى نفسه وعدًا وهو يقول :
-وحياتك كُل اللي عاوزاه هيحصـل ..بس حتى أحلام مش عاوزة تقوليلها !
-لالا مش هنعرف حد خالص .. كفاية هيام وبس .. ده سر يا هارون ، لو بتحبني بجد متعرفش حد خالص .
ثم تذكرت شيء ما لتهب متحمسة :
-بس في مشكلة ..
رد باهتمام :
-يا ستار يارب .. من أولها ؟!
أخفضت نبرة صوتها وهي تقضم شفتها بحياء لتقول بعد تردد وضغط منه :
-يعني أحنا مش هينفع نقعد مع بعض ونتكلم براحتنا ، وهتنعامل زي زمان ، طيب لما توحشتني مثلًا أعمل أيه ؟!
راقت له الفكرة فرفع حاجبـه الذي يطوي السعادة بين ثناياه وقال :
-آآآه ، مُشكلة دي بحق !
ثم ألقى نظرة بالمرآة على أخته النائمة وخفض نبرة صوته بحذر وهو يدندن سرًا بنهج ضابط مخابرات :
-لازمًا يبقى لنا مكان سري نتلاقوا فيه !! أيه رأيك في المكتبة بتاعتي !!
تحاورت معه بنفس النبرة الخافتة المبطنة بمرح الطفولة :
-بحب المكان هناك أوي ، خلاص اتفقنا ، كل ما توحشني هجي لك على هناك !!
غمز لها مؤيدًا :
-حلو الكلام .
رددت بنفس أسلوبه :
-حلو الكلام .
ما وطأت أقدامـه نجع العزايـزة ، توقف إثر تجمهر الخفر على البوابـة التي لم يفتحوها بمجرد رؤيته كالعادة .. فتح النافذة وقال :
-إيه موقفكم إهنه !!
هرول إليه شيخ الخفر قائلًا :
-معانا أمر يا عمدة إنك ما تدخلش النچع ..
قفز الرعب في قلبها واستيقظت هيام على صوت الضجيج .. هز رأسه مدركًا بوادر الحرب المشتعلة بوجهه :
-طب اسمع يا متولى ، هتروح تفتح البوابـة ومن غير حديت كَتير .
-على عيني چنابك ، أنت لو دخلت دول يقصفوا رقبتي .
-ماهو أنت لو مفتحتش يا متولي أنا اللي هقصف رقبتك بيدي .
تساءلت هيام بفزع :
-في أيه يا هارون !!
~بقصـر خليفـة العزايزي .
هرول “هيثم” ناحية أبيه الذي يتأهب للذهاب لعائلة الجباس وهو يخبره بعجـلٍ :
-ألحق يا أبوي خفر المِجلس موقفين هارون على مدخل النچع وهارون طاح فيهم كُل والدِنيا خربانة هناك .. هروح أجيب هيام وليلة عشان هو ناوي يهدها على رؤوس العزايزة الليلة .
همّ خليفـة مستندًا على عكازه :
-شيع لهاشم وهلال ياچوا معاي المچلس وأنتَ استعجل هات أختك وليـلة وأنا طالع على المچلس .
-بس هاشم عاود على شغله يا أبوي .
~بالمطبـخ.
كانت صفية جالسة بشرود تهذى مع نفسها حول أمر ولدها هاشم :
-“طب هاشم وطفش وسابلي الرزية دي هي واللي في بطنها أعمل بيهم أيه ! يخربيت أمك يا هاشم غفلقتها وطفشت ، طب كنت طلقتها ولا نكرتها !! اومال طفشان ليه دِلوق!! اكيد نكدت عليه الغجرية الفقرية دي ، تلاقيها طمعانة في قرشين زيادة !! كان مالها بس نغم !! يا ويل اللي مستنيك يا هاشم !! هتحرق قلب امك عليك يافقري !! هتموتني قبل أجلي “
-ماباينلهاش طفح الليلة يا عمة ، طبيخها صايص ومايص ومايتاكلش ..
أردفت ” زينة ” جملتها وهي تُشرف على طهي ” رقية ” وهي تنبش في تابوت النكد ، فأردفت رقية التي تقطع السلطة:
-عنك ما طفحتي يا زينـة ، اللي ياكل على ضرسه ينفع نفسه .
صاحت زينة شاكية :
-شايفة بچاجتها وقِلة أدبها يا عمة !! لا عقولك أيه تتعدلي إلا هعدلك أناي .. دي هطفحنا اللقمة يا عمة !
استمرت رقية في تقطيع السلطة وهي تقول بكيد أنثوي:
-والله أنا عاملة كُل الوكل اللي يحبه چوزي ، لما چوزك يعاود أبقي اطبخي بيدك .
-شايفة حديتها ومِقلدتها يا عمة !!
زامت صفية وهي تدمدم :
-عملت العمشـة لچوزها يتعشـى ، خفوا مناقرة عاد كلتوا راسي وفيها اللي مكفيها .
ثم نظرت لهاجر التي اقتحمت المطبخ عليهما :
-شوفي هارون أخوكي وصل ولا لسه يا بت .
هبت زينة ملهوفة:
-وكتاب الله !! هارون معاود في السِكة ، ومحدش يقول لي ..
ثم ركضت مهرولة لتستعد لاستقباله :
-أنا هروح أجهز عشان ياچي يلاقيني على سينچة عشرة .
~بغُرفة أحلام .
-وحدي الله يا حبيبتي وأنا اللي قولت هتتصافوا والمية ترچع لمجاريها ، هاشم لما يتور ماعيوعاش قصاده .
لم تكف ” أحلام ” عن جمل المواساة التي تلقيها على مسامع “رغد” التي فطر البكاء قلبها .. أردفت تحت وطأة الحزن :
-لا يا طنت .. هاشم قال كل اللي شايله في قلبه وهو متعصب .. قال الحقيقة ، وأنا لازم أمشي ، هو مش عايز الطفل ده يبقى مش هجبره ، مش هجيب طفل أبوه رافضه .
ربتت أحلام على ظهرها :
-ياقلبي استهدي بالله بس ، تمشي على فين !! ديع عمك خليفة لو سمع هيقيد الدوار حريقة .. سيبك من هاشم وأنا معاكي ، والحچ خليفة في ضهرك ، لو هاشم مش عاوزه أحنا مش هنفرطوا في لحمنا ودمنـا يا رغـدة يابتي .
نظرت لها بأعينها المحمرة من عفن الحزن :
-أنا ازاي اتخدعت في هاشـم كده وصدقته ! أزاي ؟!
في اللحظة التي تقدم فيها الحج خليفة ليصعد سيارته ، كان هارون مُقبلًا من بوابة القصر .. هتف مناديًا على الخفير :
-چابر .. ديه هارون مش إكده ؟!
صاح جابر هاتفًا :
-هو يا حچ ، عليّ بأيه العزايزة كِلاتها ماليهم لازمة من غيره .
صف هارون سيارته بجوار سيارة أبيه ، ثم طالع أخته بالمرآة مؤكدًا :
-ليلة متتحركش من چار أحلام ، ولو حد زعلها ولا داس لها على طرف يا هيام أنتِ المسئولة قِدامي.
فتحت الباب متفهمة أوامره:
-متشلش هـم يا خوي ..
أردفت ليلة الخائفة من هول ما رأته :
-أنتَ هتروح فين ، هارون أنا قلقانة عليك.
ألقى نظرة نحو أبيه الذي يرتقب هبوطه من السيارة وقال :
-مش هعوق ، ساعة بالكتير وهرجع لك تكوني شبعتي من أحلام .. يلا اندلي .
فُتحت الأبواب في نفس اللحظة حيث صاح هارون لأبيه معترضًا :
-العزايزة سانين سكاكينهم يا أبوي ، وأنا مش هسمي على حـد .
صاح هيثم مرحبًا لاستقبال ليلة :
-دي الليلة ليلة هنا وسرور .. تولع العزايزة وقولهم .. أحنا القمر في بيتنا هنعوزوا أيه تاني !
زفر هارون وهو يقفل الباب بقوة ليُلجم أخيه :
-ليلة ضيفتي ، ولم روحك .
هيثم مُتغزلًا :
-ليلة صاحبة بيت ، مش ضيفة عند حد ، والله ليكي وحشة كبيرة و
ردت ليلة بعفوية :
-وأنت كمان وحشتني أوي يا هيثوم ..
ثم صاحت :
-ازي حضرتك ياعمو ..
تبسم بوجهها :
-نحمدوه ياغالية يابت الغالي .
هب هارون متوعدًا لأخيه وهو يدنو من أبيه ويحدج ليلة بعتب :
-وحش أما يقطع منك نساير يا زفت الطين ، شيل الشُنط دي ودخلها البيت وخف حديت ماسخ .
هتف العجوز :
-حمدلله على سلامتك اللول يا ولدي ، نورت بيتك ، ولو على العزايزة أبوك في ضهرك وهيقطع لسنتهم نفر نفر .
أشار هارون لجابر :
-خليك أنتَ أهنه يا چابر ومش عاوز مخلوق يطلع من البيت حتى ولو كانت أمي ، سامع .. يلا يا أبوي .
~بالمطبخ .
استفردت صفية وهاجر بابنتها هيـام وهي تسدد لها الضربات المعاتبة:
-تعالي قوليلي يا مقصوفة الرقبة ، أخوكي عمل أيه في مصر .
فأتبعت هاجر مستفسرة :
-وأيه المهم اللي خلاه يهمل فرحه ويطير عليه ..
فبادرت صفية :
-والبت السهتانة دي أيه چابها معاكم .
فتابعت هاجر :
-وأنا لما كنت عكلمك مردتيش ليه ! يابت انطقي أنا على اخري منك .
ارتشفت هيام رشفة خفيفة من الماء ونظرت للاثنين :
-معرفش ياما .. معرفش يا هاجر.
تأففت صفية :
-يعني مسمعتيش كلمة كِده ولا كِده ؟!
هيام باختصار وملل :
-مسمعتش .
فعادت تتساءل :
-روحتي فين في مصر ؟!
-ماروحتش مُطرح ياما .
فتدخلت هاجر :
-هيام اتعدلي ، وبعدين اللبس ديه ميتى ذوقك يا بت أبوي !!
ردت بجمود :
-ديه ذوق ليلة ..
فتدخلت صفية :
-ايوة ليله ، هي الصفرة دي ، أيه چابها عندك أنتِ وأخوكي ؟
انكرت تمامًا :
-هارون ما قاليش.
صرخت صفية بوجهها :
-شالله تاكلي امك عشان ترتاحي ياهيام ، يابت بردي نار قلبي .. وانطقي ، كهن أحلام ديه مش عليّ .. قولي جدعة بتي ..
تبسمت ببرود :
-أقول أيه !
يأست هاجر منها وهي تتركها قائلة :
-خلاص ياما مش هتقول حاچة ، أختي وأنا عارفاها ، بس خليكي فاكرة وشوفي مين يقولك أخبار هاشم وچوازته الچديدة اللي هتغفلق على رووس الكل ..
تمتمت هيام بذكاء لانها تعلم كل شيء من ليلة وقالت :
-مش عاوزة أعرف حاچة ..
~بغُرفة أحلام .
رحبت ” ليلة ” برغد ترحيبًا حارًا وهي تحضنها وتشيد بمدى سعادتها لرؤيتها ، ثم صاحت متسائلة :
-على فكرة شكلك أحلى من الصور بكتير ، قوليلي أخبار النونو أيه ؟!
ردت رغد بفتور :
-كله تمام يا ليلة ، حمدلله على سلامتك .
فصاحت أحلام من الخلف منادية على هيثم الواقف على أعتاب الغُرفة يُدخل حقيبة ليلة :
-هيثم ، تعالى خُد ، تاخد شنطة رغدة تطلعها فوق في اوضة هاشم .
عبر هيثم على اعتراضه قائلًا :
-هو أنا بقيت شيال العيلة بس يلا كله يهون عشان عيون رغدة وعيون ليلة .. كتر من ضيوفنا يارب .
ملأت الضحكات أرجاء الغرفة ، فأقبلت رقيـة مرحبة :
-لما قالت لي هيام إنك إهنه مصدقتش روحي .. نورتي يا ليلة .. متعاوديش تاني اتعودنا عليكي وسطينا.
انتظرت أحلام حتى فرغ الفتيات من مصافحة بعضهما البعض وقالت :
-بت حلال يا رقية .. خُدي بيد رغدة لاوضة هاشم ، وشوفي اللي عايزاه شيعي هيثم يچيبه ..
ثم رفعت سبابتها بوجه رغد وأتبعت :
-وأنتِ اللي تعوزيه تقولي عليه على طول .. متتكسفيش ..
غادر الجميع حتى فرغت الغُرفة على كُل من أحلام وليلة التي ارتمت بحضنها بشوق :
-هتصدقيني لو قولت لك أن حضرتك أكتر حد وحشني هنا !!
رمقتها أحلام بدهاء :
-يعني أكتر من هارون !!
عبثت بخصلات شعرها كحركة معتادة عندما يداهمها التوتر :
-مال هارون دلوقتي ، الله ؟! عيب يا أحلام الكلام ده .
سطعت الضحكة من وجه العجوز وهي تربت على كتفها :
-طب عيني في عينك إكده !!
قفلت جفونها صارخة بصوت طفولي :
-لا طبعًا هخسر ، عشان بقيت مفضوحة أوي .. وأنتِ هتقري عيوني وهتعرفي كل حاجة .
مسحت السيدة أحلام على رأسها :
-وهارون كمان غاويكي .. ويا هنا قلبك بقلبه الغاوي .
دمعت عيناها بفرحة وهي تركض لتقفل الباب بخفـة ثم تعود إليها هامسة :
-أحلام ، أنا ممكن أقول لك على سر ومحدش يعرفه خالص .
-في بير غويط يا حبيبتي .
عادت لتجلس بجوارها لتتنهد بفرحة وتقول :
-هارون اتجوزني ، بس أنا اتفقت معاه مش هنقول لحد خالص .. بس يحل كل المشاكل الاول ووعدني بفرح كبير أوي هيحضره كل الناس .. أنا مبسوطة أوي يا أحلام .. تعرفي وو
لم تهملها الفرصة لتُعبر عن مدى سعادتها بهذا الخبر الذي ريح فؤادها بتأليف أرواح الأحبة ، فواصلت :
-وأنا ماشية جمبه عايزة أقول لكل الناس اللي معدية من جمبنا أن ده جوزي على فكرة .. طلع عندك حق ، الحب جميل أوي .
قبلت أحلام جبهتها وهي تدمدم ” يا ما أنت كريم يارب ، الله أكبر ، صلاة النبي عليكم ، يا فرحة قلبي بيك يا ولدي ، عيني باردة عليكم “
ثم أشارت لها :
-تعالي في حضني يا بتي ، تعالي أنتِ دمنا ولحمنا .. أنا هقوم اصلي ركعتين شُكر لله عشان استجاب لدعواتي .. فرحتي قلبي ورچعتيني صبية بت عشرين سنة يا ليلة ..
••••••••
~مجلس العزايزة .
ساحة واسعة يجمتمون بها كبار أعيان العزايـزة ، وما اقتحم الحج خليفة مجلسهم جهر بصوته الأجش :
-عمدة البلد كلمته اللي نافدة على الكل ، لكن ولا عاش ولا كان اللي يصدر حكمه عليه ، يعني أيه مانعين دخول عمدتكم البلد !! ومين طلع القرار ديه ؟!
أردف الشيخ ” عبدالموجود ” الذي يبغض خليفة وأولاده :
-عمدتنا يحترم قانوننا ويمشي عليه، لكن ما يكسرهوش يا عُمدة .
-كان كَسر أيه هارون اللي شايل البلد من شرقها لغربها على كتافه !! هاتلي غبارة واحدة على هارون وأحنا نسبوا الكرسي للعاوزينه .
تدخل الحج ” شكري ” ليهدأ الأمر :
-صلي على الحبيب وارتاح يا عمدة ، وكله هيتحل بالعقل وكل واحد هياخد حقه .. المجلس مفتح عينيه في البلد شبر شبر .
جاء هارون من الخلف بعد ما أنهى حديثه مع أحد رجاله وقال جاهرًا بنبرة يحقنها السخرية :
-لا واضح أنكم مفتحين عينيكم في البلد ، بأمارة قطاعين الطُرق لما نزلوا من الچبل ليلة إمبارح من الطريق الغربي عند مدخل الجبابسة ، والبلد كلها نايمة في العسل ولولا رچالتي قطعوا رچليهم ، كنا صحينا على نهب خزنة المجلس .. وكام واحد مقتول .
ثم رفع ساقه ليضعها على أحد درجات السُلم :
-واضح أنكم مفتحين عينكم قوي ، بس مفتحينها عليّ .. وشوفوا مين عاد اللي مشتت تركيزكم عن العزايزة ومخليكم تحاربوا بعض .
فزع كبيرهم وهو يقول :
-كيف الحديت ديه !! كيف وأحنا منعرفهوش ؟!
هارون بحزم :
-علشان يا حج علوان زي ما قولتلك حد له مُصلحة يوقعنا في بعض .. وبالحال ديه العزايزة كبيرها سنتين وهتبقى من عامة الشعب بدل ما هما عين أعيانهم .
فأردف الحج ” عبدالموجود ” :
-بس ديه كله مايمنعش عُمدتنا يفهمنا أيه حواره مع بت بحري اللي ساب فرحه عشانها وطالعة تقول قصاد الخلق كلهم أنها رايداه .
كظم غيظه محاولًا تمالك أعصابه كي لا يُفسد خطتهم :
-شغل ومصالح ، والاستاذة مذيعة وبرنامچها مسمع ، منقويش العلاقات معاها ليه وكله في مصلحتنا !! وبعدين من ميتى حديت التلفزيونات عيتصدق !! ما يمكن حركة من بتوع الإعلام عشان يركبوا الترند زي مابيقولوا ، والأهم لو صح أيه دليلكم أن المقصود ديه هو أنا ، خمنتوا ولا نجمتوا !! ما يمكن الست رايدة واحد تاني أيه !! هي حرة مش هنحاسبوها على قولها ؟! أنا دخل اللي چابوني أيه ؟!
-والشغُل والمصالح يخلوك تسيب دُخلتك وتطلع رمح على مصر ؟!
انطلق صوت ” فارس الجباس ” من الخلف وهو يقتحم مجلسهم بعد سنوات عديدة من المنازعات وإعلان تمردهم الواضح على عرفهم ليكمل :
-هاه يا عُمدة !! ولا هو كلام ضحك على الدقون .
حافظ هارون على هدوئه وهو يدور إليه ليقول بتحدٍ :
-وأنت مزعل روحك ليه ؟! هي كانت دُخلتي عليك وأنا مخابرش !!
-بلاش ملاوعة ياهارون ، وشكلك خُلقك نفد من أعراف العزايزة ، وقولنا أحنا اللي هيسود ، ويحكم النچع كله بالأصول .. أنت عمرك ما هتقدر تحافظ على حاچة خدتها .. بزياداك عُند .
ثم صاح ليقلب الطاولة على الجميع ويخرج نفسه كالشعرة من العجين :
-بقي هي الحكاية كِده ، الطريق الغربي يتساب لقطاعين الطرق ، الهرج والرعب يدب في قلوب الناس ، المجلس خزنته تتنهب ، وتطربق على رووس الكل عشان مخطط الجباس وعياله في حُكم العزايزة يتم … بس ديه بعينك يا فارس، طول منا فيها مش هناولهالك .
ثم انفجر ليقول جملته الأخيرة مُلقيًا أوامره بالتهديد :
-متولى ورجالته يتشالوا من على الطريق .. محاولة تاني لقطاع الطرق ودخولهم العزايزة من طرف الجباس ، هجيب عليها وطيها وهكشف المستور .. واللي حصل ديه لو اتكرر معاي تاني ، مع كبيركم هارون العزايزي هسيبهالكم وشالله تاكلوا بعض .. خُلص الكلام يا عزايزة .
•••••••••
~عودة للقصـر .
-” بكرة يأستك الاساتك ،وبالدهب يملى دراعاتك ، ويعوضك كُل اللي فاتك ، وأهوه چالك يابت ، ريح بالك يابت “
كانت تتمايل مُختالة على درجات السلم مرتدية عباءة من الشيفون فضفاضة مرصعة بالكريستال والزخرفة السورية .. قابلت هلال آتيًا من الباب فهرولت نحوه وهي ترمي الوشاح الشفاف فوق رأسها :
-ياشيخ هلال ، يا شيخ هلال .. هارون فينه ؟! واعية لعربيته برة وهو لساته معاودش.. وقلبي متوغوش عليه .
أطرق وجهه بالأرض كي لا تلقطها عينه مستغفرًا :
-راسك يا زينة .
أحكمت لف الحجاب بعشوائية :
-يادي راسي !! هي راس البر يا خوي ؟! ما أنا مغطياها بالإشرب أهو ، قول بس موعتش لهارون .. ولا بيتقل عليّ ؟
-لا أعلم يا زينة .
اقتحم هيثم موقفهم لتنظر له ملهوفة :
-هيثم ، قول لي هارون مش چيه بره ؟
-بت حلال ، كنت چاي لك .. أيوة هارون چيه هو وهيام وكمان مش لروحهم ديه چايب لك معاه ليلة .. ليلااه ليلة ليلة ..
ثم وشوش لأخيه بغزل :
-البت كيف النوچه تخش القلب تشرحه .. ولا ايه يا شيخنا .
رفع كفه متعففًا :
-لا أرى بحياتي إمراة غير رقية .. ثم اتقي الله يا أخي هذه أعراض ناس .
صاحت زينة بغيظ :
-وهي المقصوفة دي أيه چايبهم !! ماشوفتش في بچاحتها .. هي قاعدة چوة مع أحلام صُح !! ، أخوك چايبها عشان يكيدني ، طب يا هارون ..
خرجت رقية من المطبخ وهي تمسح كفوفها بالمنشفة :
-حمدلله على سلامتك يا مولانا ، تلاقيك على لحم بطنك ، أغرف لك تاكل ولا هتستناهم ؟
بادر هيثم قائلًا :
-ريحة الوكل مچننة أمي من الصُبح ، يلا يا رقية من يدك الحلوة دي أغرفيلنا انا ومولانا نفتحوا نفس بعض .
فاجئه هلال وهو يضرب على ظهره بغضب دفين :
-إلى أن تتزوج فأنت مسؤول من أمك وأخواتك ،ليست من رقية ، أخصها بمفردي ، كما تخُصني بكُلها .
اتسع بؤبؤ عينيه محاولاً ترجمه حديثه :
-ما تنزل بالشرح عشان أخوك واخد مُلحق عربي .
رمقه باستنكار وهو يسحب رقية من كفها :
-أحمق.. !
جهر هيثم ساخرًا وهو يصفق من الخلف :
-حلاوتك يا هِللو ، وأنت هللو يا هللو .. رمضان كريم قصدي بالرفاء والبنين .
رفع سبابته دون النظر إليه متوعدًا :
-لو رچعتلك مش هحيلك يا هيثم .
-لا وعلى أيه الطيب أحسن الزمن ديه .
ثم أخذ يدندن مع نفسه وهو يخرج من الباب:
-هالو يا هالو عيال فرحانة بالفوانيس .. دولت مش عيال دولت هلال أخوي ، محسسني أول وأخر واحد يتچوز !! بدل ما يدعيلي إني عرفته عليها .. “حالو يا حالو ممم ” طب حتى حِل الكيس واديني بكشيش !!
ثم تمتم بندم :
-كلها بقت معاها حريمها ، چايلك يا چميلة الچميلات .
~بغرفة أحلام .
تلك الغرفة التي فتحتها زينة بدون إذنٍ ، فوجدت أحلام تقيم صلاتها “وليلة” الأخرى واقفة بالشُرفة تحاول التقاط شبكة لتجري مكالمة هاتفية تطمئن على هارون ، تقدمت زينة والتي تتلوى كالحيـة:
-لما قالولي إنك هنه مصدقتش روحي ، قلت اندلى استقبلك بنفسي .
أغلقت هاتفها بابتسامة نقية تدعو لفتح صفحة جديدة معها وكإعتذار خفي لها عن كونها السبب في تدمير فرحتها :
-هاي يا زينة ، كلك ذوق والله .. وو
تفحصتها من رأسها للكاحل وهي تقول :
-باين عليكِ رادة وصحتك عفية ، أول ما شوفتك واقعة قصاد الكاميرا قولت دي راحت فطيس .. إلا قوليلي هو مين ديه اللي حبتيه وسابك وراح لغيرك علشان تعملي في روحك إكده !! وو
بادرت ليلة بعفوية :
-لا كان سوء تفاهم بينا وهو صالحني خلاص ، عشان كده أنا رچعت كويسة .. مرسي لاهتمامك.
حُقن وجهها بدماء المكر :
-ااه صالحك ، وطالما صالحك سيباه ليه وچاية هنه ، ولا هوانا عچبك ! صح يادي العيبة وهو سايبك كِده طايحة مع راچل غريب !! أما عجايب.
-أنا چاية هنا شُغل يا زينة .
تنفسك الصعداء وهي تلقي نظرة على أحلام ترجوها أن تنتهي قبل أن تقع فريسة تحت حوافر زينة .. تحمحمت :
-أيـه أنتِ بايتـة هنا النهاردة ولا مروحة ؟! أصل شايفة الوقت متأخر .
أطلقت صرخة نسائية اعتراضية :
-مروحة !! أنا هنه صاحبة بيت يا حلوة .
بررت ليلة :
-ده آكيد ، بس قصدي لو هتباتي نسهر كلنا نلعب ونهزر للصبح .
تمايلت زينة بكيد أنثوي :
-الحديت الفارغ ديه للعوانس اللي زيك ، يووه يادي العيبة قصدي للي ملهاش راچل يعني يلمها في حضنه للصبح ، أما أناي هقضي الليلة في حُضن چوزي وتاچ راسي ..هييه روحي ربنا يدوقك من الهنا اللي دوقهوني يا ليلة .. باين عليكِ طيبة .
شحب وجهها بإصفرار :
-لا مش فاهمة .. أنتِ عايزة تقولي أيه ؟!
ربتت على كفتها بخبث :
-عايزة أقولك اسهري براحتك مع هيام وهاجر والبت الخوجاية اللي واكلة ناسها ، لكن أناي في عصمة راچل ، تغمضلوش عين غير وهو چاري .. هارون دايب فيّ دوب.
وقع الاسم على مسامعها كجمرة ملتهبة :
-ثانية بس ، مين جاب سيرة هارون .. هارون بيه دلوقتي ؟!
-چوزي ، أنتِ متعرفيش أنه اتچوزني ، وبقيت مرته رسمي قَصاد الكُل !! تلاقيكي متعرفيش بس أديكي عرفتي ومسمحاكي على هدية الچواز .. فوتك بعافية هروح أجهز الحمام لچوزي قبل ما يعاود ..
ثم أخذت تدندن مع نفسها وهي تعبث بأطراف شعرها :
“افرحى يا دى الأوضة.. جايلك عروسة موضة،
افرحى يا دى المندرة.. جايلك عروسة مسكرة”
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية آصرة العزايزة 2)