روايات

رواية صرخات أنثى الفصل الحادي والثمانون 81 بقلم آية محمد رفعت

رواية صرخات أنثى الفصل الحادي والثمانون 81 بقلم آية محمد رفعت

رواية صرخات أنثى البارت الحادي والثمانون

رواية صرخات أنثى الجزء الحادي والثمانون

صرخات أنثى
صرخات أنثى

رواية صرخات أنثى الحلقة الحادية والثمانون

وضعت كفها الرقيق على كتفه بحنان، ومن تجرأ على لمسه والاقتراب بتلك الطريقة سواها هي، رفع يده يضمها إليه دون أن يستدير لرؤياها، فدنت منه “مايا” بوقفتها.
راقبهما “علي” بابتسامة حزينة، وما أن إطمئن لوجود الونس رفقة أخيه حتى انسحب خارج القاعة بأكملها، تاركها تفعل ما فشل هو بفعله، فصعد بسيارة عمه جوار زوجته، راقبه “أحمد” من مرآة مقعد السائق وتفحص الطريق من حوله، متسائلًا بدهشة:
_عُمران فين؟
رد عليه وصوته مغموس بالحزن:
_شوية وهيحصلنا.
أخفت “فريدة” دموعها بصعوبةٍ، وبثبات زائف قالت:
_هنسيبه لوحده؟!
أجابها “علي” بحنان:
_متقلقيش عليه مايا معاه.
مالت برأسها على نافذة السيارة بعدما ثبتت حزام الأمان من حولها، وعلى الفور تحرك أحمد بالسيارة والصمت يحف الجميع.
حزنت “فاطمة” لأجل “علي”، وجودها بينهم جعلها تلتمس مدى عمق المشاعر بينهم وبالأخص زوجها وأشقائه، تعلم بأنه يتألم لبعد شقيقته مثلما يعاني عُمران، ولكنه كعادته، شامخًا، لا يطفو بما ينبع داخله، راقبت أحمد وفريدة وقربت يدها من يده المسنود على الأريكة جوارها، ضمت خنصرها من خاصته، فاستدار برأسه لها، قرأت رماديته مواساتها إليه، وقلقها الصريح عليه، ففرد يده يضم كفها بحبٍ، وانتقل بجلسته بالقرب منها، يقربها إليه؛ فمالت برأسها على كتفه ومال برأسه على رأسها، يهمس لها بصوتٍ عذب:
_أنا كويس، متقلقيش.
وعاد يتطلع أمامه تجاه والدته، يراها لأول مرة بتلك الحالة، حزنها واضح كسطوح الشمس، فراقها لابنتها الوحيدة لم يكن هينًا بالمرة، وكأنها أول عروس تفارق منزل أبيها!!
*****
ما أن استمع لصوت السيارة تتحرك، حتى مال برأسه فوق بطنها المنتفخ، ومازال يجلس على المقعد الخشبي الموضوع جانب الطاولة المجاورة للاستيدج المزين، يحتضنها وكأنما يدفن ذاته داخلها، يستمد العون منها تلك المرة، لطالما كانت ضمته بمثابة القوة الداعمة لها، والآن هو من يحتاج إليها.
مررت “مايا” يدها على ظهره بحنان، وقالت بصوتها الشجي:
_انا عارفة إنك متعلق بشمس وعلي جدًا، وبعدهم عنك بيفرق معاك، بس يا حبيبي شمس مبعدتش عنك، الفرق بينك وبينها ربع ساعة بعربيتك يا عُمران، أمال لو كنا لسه عايشين في لندن كنت عملت أيه؟!
جذبها لقدمه حتى لا يؤلمها برمي ثقل جسده فوق بطنها المنتفخ، وقال ومازال يميل عليها بحزنٍ:
_ولو فرق دقيقتين بالنسبالي مسافات وبعد يا مايا، أنا كاره اللحظة دي من قبل ما تيجي!
وأضاف بصوتٍ مكتوم كالباكي:
_أنا أناني وغيور في حب كل فرد من عيلتي، أنا لما نزلت لمصر وقررت أبدأ شغلي هنا مقدرتش أعملها من غير الـteam بتاعي، لاني اتعودت عليهم بالرغم من إن أغلبهم مش مريحين ليا ما بالك بشمس!
هوت دمعاتها تأثرًا بحديثه، ربما من يراه قد يضحك ساخرًا من أمره، شقيقته لم تقتل ليفعل كل ذلك، لقد تزوجت ومضت أول خطواتها لحياتها الزوجية بينما الاخر يبكي من خلفها كأنه لن يراها مجددًا!
استمر على تلك الحالة لفترةٍ طالت عليه ومازال شاردًا بين ذراعيها، يحاول أن يتغلب عما يؤلمه، لا يريد العودة للمنزل، إن لم يراها تنتظره لتشاكسه ككل ليلة سيزداد ألمه لا محالة، مر الوقت عليهما حتى استعاد جزء من اتزانه المهدور، فعاونها على الوقوف عنه ووقف يردد بحرجٍ:
_أنا نسيت إنك حامل ورامي نفسي عليكِ طول الفترة دي، أنا آسف حبيبتي، إنتِ كويسة؟
ابتسمت وهي تراقب ذعره الواضح، وقالت عن طيب خاطر:
_متقلقش عليا انا زي الفل يا بشمهندس.
واستطردت تمازحه:
_ولا تحب أقولك شيخ عُمران؟
ابتسم لها أخيرًا، وأحاطها إليه يهمس لها وهو يقبل يدها بعشقٍ:
_حبيب قلبي يناديني باللي يحبه، وأنا رهن اشارة من ايده.
سحبت كفها، وقالت على استحياء:
_الجو برد، مش هنمشي؟
نزع جاكيته يحيطها به، ثم ثني ذراعه لها قائلًا:
_هنمشي حالًا يا بيبي.
ضحكت واتبعت خطاه حتى فتح لها باب سيارته وغادروا معًا، وما أن وصلا للكمبوند، حتى أخبرها:
_انزلي إنتِ وأنا هركن العربية وهطلع وراكِ على طول.
ارتابت لامره، وقالت بارتباك:
_إنت لسه زعلان؟
أشار باسترابة:
_لأ
واوضح لها:
_أنا بركن على البحر وإنتِ برادنه، فمش عايزك تبردي أكتر.
أمأت برأسها وجذبت حقيبتها الصغيرة، ثم هبطت وهي تردد:
_بس متتأخرش يا عُمران.
مال للنافذة يشاكسها بخفة:
_متخافيش يا بيبي الكمبوند محصن ضد الاشباح والعفاريت.
مالت للنافذة تخبره بدلال:
_مين ده اللي راهن على عمره ويتجرأ يقرب لمرات عُمران سالم الغرباوي!
استند لخلف مقعده يرمقها بنظرة هائمة، هاتفًا بضحكة:
_أموت فيك وإنت واثق من نفسك ومالي مركزك كده يا صغنن.
عبست بمقلتيها ترمقه بسخطٍ:
_معتش تروح حارة الشيخ مهران تاني، أنا بحبك تغازلني برقي مش بالطريقة السوقي دي فاهم!
ازدادت ضحكاته عاليًا وأشار يحذرها:
_خدي بالك أنا مبخدش أوامر من حد، بس عشان عيونك أميل وألين لأمرك يا بيبي.
منحته ابتسامة مهلكة، ولوحت بيدها بدلال:
_ده المتوقع يا قلب البيبي، يلا متتأخرش.
وتركته وصعدت للأعلى، بينما اتجه عُمران ليصف سيارته بعيدًا، بالمكان المسموح للسيارات، وحينما عاد للكمبوند كان بطريق صعوده لجناحه حينما استوقفته زوجة أخيه تناديه:
_عُمــــــــران، استنا.
استدار تجاه غرفة أخيه؛ فوجدها تدنو منه وهي تحمل الحاسوب الخاص بها، وعلى وجهها معالم شغلت بالقلق الصريح، أسرع إليها متسائلًا بقلق:
_أيه اللي مسهرك للوقت ده يا فاطمة!
أدارت الحاسوب إليه وقالت:
_في حاجة مهمة لازم تعرفها، لأن الوضع بقى مريب!
******
لكزه للمرة الثالثة ولم يستيقظ بعد، فازاح الغطاء يناديه بغضب:
_إيثــــــــــــــان!
فتح عينيه بضيقٍ، ودفعه عنه:
_عايز أيه؟؟ كل ما تقوم تصلي الفجر تقرفني معاك، إرحمني أعمل أيه عشان تصدق إني مسيحي!!! والله مسيحي، والله العظيم مسيحي يا عـــــــــم!!
كبت ضحكاته بصعوبة، وقال ببسمة باردة:
_لسه ساعتين عن الفجر متقلقش.
كاد بأن ينحر عنقه من فرط الغيظ:
_عايزني أقيم معاك الليل مثلًا؟!
هز يونس رأسه بنفس بروده السابق، فجذبه إيثان من تلباب جلبابه الأبيض، يصيح منفعلًا:
_آه ده أنت قليل الأدب وعايز اللي يربيك بقى، مش كفايا الخواجة المنيل ده عليا، عايشلي الدور إنت كمان!
رفع يديه مداعيًا البراءة وهو يخبره:
_أنا بس كنت عايز عربيتك وقولت مينفعش أنزل بدون إستأذان، لا يصح يا أخ إيثان.
رمش بعدم استيعاب، وردد بتبرمٍ:
_يعني إنت بتصحيني عشان عايز عربيتي؟!
هز يونس رأسه مؤكدًا واستفاض إليه:
_أيوه أمال أنزل من غير ما أستأذنك، ولا أأمنك على فارس وهو نايم في أوضته، تيجي ازاي دي؟!
أحاط عنقه بأصابعه وهسهس من بين اصطكاك أسنانه:
_صلي لروحك كي ترقد في سلام.
ضحك وقال:
_ما تصلي إنت على النبي وتستهدى بالله كده، الكلام أخد وعطى يا كابتن إيثو!
وأخبره ليكسب فضوله:
_حضرة الظابط اللي كلمني وطلب يقابلني في مكان مقطوع، فقولت أصحيك نروح مع بعض جايز يكون حد وزه يدبرلي حاجه.
ابتعد عنه ايثان، فنهض يونس يكبت ضحكاته، حينما رأى الاخير يطالعه باهتمام وقلق، برز بسؤاله:
_ليه إنت عملت أيه عشان يطلب يقابلك في توقيت زي ده، مش المفروض إنه عريس وكده؟!
هز كتفيه بحيرة:
_معرفش، بس أكيد التوقيت ده وراه مصيبة، ها هتيجي معايا ولا أروح لوحدي؟
بكل جدية قال:
_أكيد طبعًا مش هسيبك تروح لوحدك!
تجلدت ضحكاته ببسمة ممتنة لوجود رفيقًا مثل إيثان، وأشار له وهو يجذب المفاتيح:
_إلبس عما أطلع العربية من الجراش.
********
هبط من التاكسي يبحث عنه، ولما أن لمح سيارته مصفوفة على أحد جوانب الطريق حتى هرول إليه، القلق والتوتر يحيطانه كالوحش الناهش، لا يعلم كيف إرتدى ملابسه ولا حتى كيف إتبع الموقع الذي تلاقاه منه.
طرق “آيوب” نافذة السيارة حتى انتبه “آدهم” إليه، هبط يتجه إليه، فأسرع آيوب إليه يسأله:
_آدهم أنا افتكرتك بتهزر!! معقول تنزل تقابلني في يوم مهم زي ده، ما انا كنت معاك طول اليوم!!
صمته يثقل معالمه كالكهل العجوز، عينيه تراقبه في ضعف مس روحه الغارقة، كل ما بداخله يتجمع على طرف لسانه الثقيل، والمكتوف عن الحديث، يتشبع منه قدر ما تمكن وكأنه أخر لقاء سيجمعهما!
ارتاب “آيوب” لأمره، فناداه بارتباك:
_في أيه يا آدهم؟!
غامت السماء من فوقهما رغم إنها تستقبل الخريف، وعصف الرعد مستعدًا لفتح أبواق السماء واستقبال الامطار بين أي لحظة، الصمت يزداد بسطوته على آدهم، لسانه ينعقد عن الحديث، وكلما ازداد صمته ازداد قلق آيوب أضعاف مضاعفة، حتى أخرج من جيب سترته ورقة مطوية قدمها إليه وابتسامته تنازع لترسم على، شفتيه، بينما صوته يخرج هامس، ضعيفًا:
_مبروك يا بشمهندس.
التقط آيوب الورقة منه بدهشةٍ، وما أن فتحها حتى سقطت عينيه على تصريح النجاح بالاختبارات، فردد بعدم تصديق:
_دي النتيجة معقول جبتها بالسرعة دي!!
انزهقت ابتسامته وتلاشت كمهب الرياح فور أن تأمل الاسم الذي يتوسط الورقة، فقال ومازال يتأمله كالذي فقد وسام القراءة والكتابة فبات أميًا:
_بس دي مش نتيجتي يا آدهم!
ونطق الاسم المدون بصوتٍ منخفض، كأنما يتهجى إسمًا صعب على لسانه:
_”آيوب مصطفى أحمد الرشيدي»!!
تجمدت أصابعه على الورقة، وعينيه تتوسعان في صدمة شلت جميع أطرافه، ولسانه يعيد تذكر نطق اسم آدهم:
_”عمر مصطفى الرشيدي”!!
ببطءٍ شديد رفع بصره نحوه، وهو يتمنى أن لا يكون يمازحه في وقت قد يصيبه بذبحة صدرية، ولكن اختيار آدهم للبوح واللقاء لا يكن أي احتمالات للمزح، لقد ترك عروسه بوقت كذلك، من المؤكد بأنه يريده بأمرٍ هام، وهذا ما شغله طوال طريقه للوصول إلى هنا، انهمرت دموع آدهم على خديه وهو يطالعه بعينين غائمتان، ابتلع آيوب ريقه بصعوبة ورفع الورقة أمامه متسائلًا بريبة:
_ده أيـه؟
ضغط على شفتيه السفلية وكأنه يود بترها، طالت مدة الصمت والآن حان الوقت للبوح عما دفن داخله، تحرر هو عن صمته ومعه رعد البرق كالانذار الصريح عما سيحدث الآن، وخاصة حينما قال آدهم:
_اللي حكتهولك إمبارح نقصه حقيقة واحدة، إني أعرف أخويا وهو يعرفني كويس، بس معنديش الجرأة إني أوجهه بالرغم من إني بشوفه كل يوم، هو نفسه سبق وقالي إنه بيحس من نحيتي إحساس غريب.
ورفع كتفيه بقلة حيلة وهو يستطرد:
_ يمكن لانهم بيقولوا الدم بيحن، وأنا وإنت حنينا لبعض من أول لقاء جمعنا في شقة سيف.
تراجع آيوب خطوة للخلف، يود الفرار عن سماع المتوقع قوله الآن، لا يرغب في سماع المزيد، بينما يهتف بانفعالٍ رغم انخفاض نبرته:
_اسكت يا آدهم، زعلي منك هيكون كبير لو طلع اللي في دماغي صح، الكلام ده مفهوش تهريج ولا مقالب.
تجاهل تشكيكه بحديثه، وقال بحزن:
_أنا متخلتش عنك يا آيوب، من اللحظة اللي عرفت فيها إنك أخويا واتاكدت من تحليل الDNA وانا جنبك ومعاك، كل ما كنت بتقولي إنك وحيد كنت عايز أحضنك وأقولك أن ده مش صحيح، كان نفسي أقولك ليك أخ شايل هموم الدنيا فوق كتافه وأولهم هم اللحظة اللي، هتعرف فيها الحقيقة.
وبدموعه الغزيرة صرخ باكيًا:
_حقيقة إن أبوك بدلك بطفل الشيخ مهران اللي اتولد ميت، حقيقة إنه حمى بيته من جوازته التانية وبالمقابل خسرك إنت.
وببسمة طعنها الألم والخذلان قال:
_عرفت ليه بطلت اناديك بابن الشيخ مهران؟ لانك مش ابنه يا آيوب، إنت أخويا أنا، ابن مصطفى الرشيدي اللي من يوم ما شافك وهو بيترجاني يصارحك بالحقيقة، ويمكن دلوقتي هتعرف ايه السر ورا معاملة أبويا ليك بالشكل ده لانك ابنـ…
_اسكــــــت يا آدهــــــــــم، اسكــــت!!
صرخ بكل قوته بوجهه، وقد ثارت جنونه بأكملها بتلك اللحظة، بل دافع عن أحب الناس إليه قائلًا:
_كل اللي بتقوله ده كــــــدب، انا ابن الشيخ مهران سامـــــــــع، أنا آيوب ابن الشيخ مهران، كل اللي بتقوله ده مش صحيح، أنت أكيد شارب حاجه ماثرة على عقلك، أو جايز زعلك على اخوك المفقود ده مخليك معتقد إنه هو أنا.
وحاول استجماع أعصابه، فهدأ من ثورة أنفاسه العاتية، ثم دنى منه يتطلع له عن قرب بمحبة، وقال:
_آدهم أنا بحبك وبحترمك جدا، فمن فضلك بلاش تخليني أخسرك، بلاش أرجوك بلاش.
امتلأ وجهه بدموع جعلت آيوب يزداد صدمة، ليس هناك أي سبيل لكونه يمزح، تحرك بؤبؤ عينيه على وجه آدهم بصدمة، وخاصة حينما قال بصوته المبحوح:
_روح إسأل الشيخ مهران وهو هيأكدلك كل حرف قولتهولك.
رد بعصبية بالغة وقد ألقى الورقة أرضًا:
_أوعا تكون مليت دماغ أبويا بالهبل ده، إنت أكيد بتتعاطى شيء أو اتجننت معنديش تفسير غير كده، اللي انت بتحاول توصل له ده هيدمر اللي بينا يا آدهم عشان كده من اللحظة دي مش عايزك في حياتي تاني، إنت براها سامـع!
حدجه بنظرة حزينة، وقال بقوةٍ:
_متقدرش تطلعني بره حياتك يا آيوب، بمزاجك أو غصب عنك فأنا أخوك الكبير، ولو مش مصدقني تعالى حالا نطلع على المعمل ونعمل DNA عشان تقتنع إني لا مجنون ولا شارب حاجة.
امتلأ الذعر عينيه، وبات خاويًا كورقة ألقاها التيار في مهب الرياح، شعر وكأن قدميه كالهلام المتحرك، لا يرغب في سماعه، يود بالفرار ولكنه لا يستطيع حتى بالحركة، وفجأة استمع لصوت ابن عمه يناديه:
_آيـوب.
استدار تجاه يونس الذي هرول إليه، يراقب ملامحه بقلقٍ، ويعود بنظراته إلى آدهم بغضب جعله يصيح:
_ليه يا باشا؟ قولتلك بلاش تصارحه بحاجة فهمني قولتله ليــــــــــه مش خلاص غيرت الاسم وارتاحت!
جحظت أعين آيوب حد الموت، على ما يبدو بأن الجميع يعلمون بالامر وهو وحده الاحمق من بينهم، ولكن مهلًا هل يعقل ألا يكون الشيخ مهران والده؟؟؟!! كيف ذلك؟!
فصل إيثان يد يونس عن عنق آدهم الذي يتطلع لاخيه بانكسارٍ، ولا يعنيه ما يفعله وسيفعله يونس، لا يشغل عقله سواه، بينما الاخير يجلس على احد الصخور كالمتجمد، عقله لا يستوعب كل ما طرح إليه، وفجأة نهض مندفعًا للرحيل، فأسرع يونس اليه يوقفه متسائلًا بقلق:
_على فين يا آيوب؟
بصوتٍ مظلم كعينيه التي أخفت فيروزته، هدر:
_ابعد عن طريقي يا يونس.
قال برجاء وخوف:
_مهما اتقال إنت أخويا وابن عمي، فاهم!
وتابع وهو يدفعه لسيارة إيثان:
_يلا نرجع البيت ونتكلم هناك.
انتشل يده منه وقال ببسمة ساخرة:
_بيت مين؟ مهو مبقاش بيتي خلاص، ولا الشيخ مهران طلع أبويا، ولا إنت طلعت ابن عمي!! أنا مجرد لقيط يا يونس.
صرخ بوجهه ودموعه تنهمر دون توقف:
_متقولش كداااا بدل ما أرفع ايدي عليك.
كان ايثان متخبطًا بما يستمع إليه، ولكنه الآن أصبح ملم بأطراف الحوار حتى تفهمه، ترك آدهم مكانه البعيد عن مجال رؤية آيوب واتجه إليه يقابل محله، يناديه بخفوت:
_آيوب.
رفع عينيه المتورمة إليه، ليجده يقول:
_امبارح قولتلي اني ماليش ذنب في اللي أبويا عمله، والنهاردة بتحملني كل الذنب وبتقولي مش عايز تشوف وشي تاني! قولي أنا غلطت في أيه وأنا أوعدك إني هعتذر عن غلطي لألف سنة قدام!
تدفقت الدموع على وجهه، وبصوته المتقطع قال:
_مش عايز غير أنك تمشي، إمشي وسبني يا آدهم.
رد عليه وصراخ قلبه أصبح مسموع:
_انا فعلًا همشي بس لازم قبل ما أمشي أأمنك على أبوك.
ضحك مستهزءًا، ومازال يونس يسانده:
_أبويا!
أراد أن يخبره بما استدعاه لاجله حتى وإن لم يكن الوقت مناسب ولكنه هو الذي لا يمتلك الوقت للبقاء فقال:
_مش المفروض عليا أقول الكلام ده بس مضطر، آيوب أنا مش مسافر لشهر العسل زي ما كلكم متخيلين انا مسافر تبع مهمة لشغلي حساسة وصعبة، والله اعلم ربنا هيقدرلنا اللقاء تاني ولا لا.
تأثر يونس وأيثان لحديثه، حتى آيوب تألم قلبه وبات يستمع لحديثه باهتمام، فاستكمل:
_كل مرة بمشي وبسيب أبويا وأنا حزين إن مفيش حد أوصيه عليه، المرادي وبالرغم من قساوة الظروف اللي احنا فيها بس غصب عني وعنك هو ملزوم منك وأنا قدام يونس وإيثان هأمنك على الحاجة الوحيدة اللي بمتلكها، لو جرالي حاجه أبويا أمانة في رقبتك يا آيوب!
استغل صدمته بحديثه وبقائه ساكنًا، واختطفه في ضمة جعلت آيوب يبكي ألمًا، وخاصة حينما همس آدهم له:
_غصب عني كان لازم اعمل كده، لو بايدي كنت سيبتك في المكان اللي حبيته وارتاحت فيه، بس دي رغبة ووصية ابويا وانا مش ضامن هقدر ارجع من مهمتي تاني ولا لا، عايز لو جرالي حاجة أموت وانا مرتاح.
وابتعد يتطلع لعينيه مستطردًا:
_أنا مش هطلب منك انك تسامحه لان الموضوع مش سهل، بس وحياة أغلى حاجه عندك متقساش عليه..
وبنبرة مهتزة قال:
_يا رب يكونلنا لقاء تاني يا آيوب.
وغادر على الفور ليسمح لذاته بالبكاء بصوت مزق سيارته تمزيقًا، بينما خلفه يحاول يونس أن يهدأ من روع آيوب الذي أسرع لسيارة إيثان وطلبه بالتوجه للمسجد للقاء أبيه في التو والحال.
******
وضع عُمران الطاولة قبالة غرفة أخيه، وجلس على الطاولة ينتظر انضمام فاطمة لمقعدها، وقد أثار حديثها قلقه، وجدها تضم الحاسوب إليه، وتوزع نظراتها بين المقعد وباب الغرفة الموصود بارتباكٍ يقلقها، وبالرغم من أنهما يجتمعان أمام ردهة الغرف الا أنه تفهم حالتها، فأرسل رسالة لزوجته بالخروج إليهما، وما هي الا دقيقة وخرجت مايا إليهما بمئزرها الاسود وشعرها المفرود من خلفها، تتساءل في قلق:
_في ايه يا عُمران؟
شملها بنظرة قاتلة وقال:
_أيه اللي مخرجك كده يا هـانـــم؟
أجابته باستغرابٍ:
_مش إنت اللي قولتلي اخرجي عايزك!
أشار برماديته على باب غرفته بحزمٍ:
_إخفي من قدامي يا مايا والا وقسمًا بالله أعلقك في نجفة السقف من شعرك اللي فرحنالي بيه ده.
ارتابت من عصبيته البادية على حمرة عينيه، ورددت بتلعثم:
_إنت بقيت بلطجي وأنا بقيت بخاف منك، والله لأغير هدومي وأنام في أوضة شمس، خسارة فيك الفستان اللي لبستهولك والتسريحة اللي بقالي ساعة بظبطها.
وما ان استدارت حتى انتبهت لفاطمة التي تكاد تنصهر من الضحك، فعادت تتطلع لعمران الذي يصك شفتيه بأسنانه غضبًا، ومن ثم تطلعت لفاطمة وابتسمت لها برعب لفظ انفاسه الاخيرة بقولها:
_فطوم إنتِ هنا، طيب أروح انا أريح لحسن حسيت بهبوط كده فجأة.
انطلقت ضحكاتها وصاحت بصعوبة بالحديث:
_لا ألف سلامه عليكي يا قلبي، خشي ريحي جوه وبلاها أوضة شمس، كده كده هيجيبك.
عادت تخطف نظرة لمن يتوعد لها بثباته القاتل، وهمست الى فاطمة:
_ما تشوفيلنا علي يوديني المستشفى لحسن حاسة نفسي بعافية حبتين.
طرق الطاولة بعنف هادرًا:
_مستانية مين يشوفك بالمنظر ده تاني يا هانــــم!!
هرولت للداخل ركضًا ولم يتبقى سواه وتلك الضاحكة، فقال بضيق:
_ها يا فاطمة قلقتيني وانا مش عارف اصحي مين تاني عشان تتكلمي.
اتجهت للمقعد، استقلته وقالت بغرور مصطنع:
_مفيش داعي تشوف حد، أنا بقيت بحضر الاجتماعات كلها بدالك مجتش من اجتماع عمل فيه فرد واحد ومن العيلة يعني!
رفع حاجبه باندهاش من طريقتها، وقال:
_فرد!!
وعاد يجيب ذاته:
_تمام اتكلمي!
أدارت فاطمة الحاسوب إليه وقالت:
_بص يا عُمران، من وقت ما سلمتني حساباتك الشخصية وأنا بتابع الايميلات بتاعت الشغل كلها أول بأول، ومن وقت ما نزلنا مصر وأنت طبعا مشغول ومبقتش تفتح زي الاول، فبحاول على اد ما أقدر أحول اتفاقات الشغل والصفقات لمستر حسام ولو الموضوع صعب عليه بدخل أنكل أحمد المهم الامور تمشي.
ابتسم قائلًا باعجاب :
_براڤو يا فاطمة، انا مقصر اليومين دول عارف بس خلاص بمجرد ما نعمل الافتتاح هتفرغ بشكل كبير باذن الله.
قاطعته مستكملة:
_تقصيرك مش المشكلة اللي عايزاك فيها يا عُمران.
تساءل باهتمامٍ:
_أمال ايه؟
فتحت احدى الايميلات وسلطته تجاهه:
_بص كده كويس على اسم الشركة دي.
ضيق رماديته على الشاشة، فلفظ الاسم المدون، وقال بعدم فهم:
_مالها؟
قربته إليه وهي تخبره بريبة:
_الشركة دي من وقت ما نزلنا اعلان اننا هننقل اغلب الفروع على مصر وهي بعتت على ايميلك وباصرار غريب اننا مننقلش على مصر ونفضل في لندن، طبعًا أنا في البداية فكرتهم عندهم مشروع مهم وحابين اننا ننفذه ليهم في لندن، ولكن الغريب في الموضوع انهم مش عايزين اننا نشتغل على مشروع معين، حسيت من طريقتهم والنسبة الضخمة اللي اتعرضت في الرسالة انهم عايزينا نفضل في انجلترا بأي شكل من الاشكال.
وتابعت وهي تعرض له الرسائل القريبة:
_لما رديت بالرفض عليهم رجعوا بعتولي تاني وزودوا النسبة والارباح بشكل مغري وغريب، تجاهلت الموضوع بعتولي مرة تانية بنسبة وصلت ل95في المية، انت متخيل!! أيه وجه الاستفادة ليهم لو ادونا اغلب الارباح وأخدوا 5 في المية والسؤال المهم كانوا فين طول فترة شغلنا في لندن واشمعنا لما نزلنا مصر.
زوى حاجبيه بدهشة لما تقول، وردد:
_الموضوع فعلا مش طبيعي.
فرقعت اصابعها للفت انتباهه:
_بالظبط، واللي هيفاجئك كمان ان لما بعت اسم الشركة لسكرتيرك حسام بحث عنها وملقاش ليها أي وجود في السوق، يعني الله أعلم أيه اللي ورا الناس دي واللي للاسف مش مفهوم بالنسبالي عشان كده كان لازم اعرفك بالموضوع ده، لانهم في أخر رسالة ليهم طلبوا يقابلوك بالحاح مش طبيعي.
سحب الحاسوب اليه، يلتقط بهاتفه صورة لاسم الشركة، ونهض يشير لها:
_كويس انك قولتيلي أنا هدور وراهم
وتابع وهو يتفحص ساعة يده:
_روحي ارتاحي وأنا هتولى أمرهم متقلقيش.
هزت رأسها ببسمة صغيرة، ثم انصرفت لغرفتها، واتجه عمران لغرفته.
******
يعتاد تلاوة القرآن بصوته الخاشع بأرجاء المسجد قبل صلاة الفجر، يقيم ليله في طاعة الرحمن، يختلي بنفسه أحيانًا، ويجتمع بمجموعة من طلاب الأزهر أحيانًا آخرى، وها هو الآن يجلس بمفرده ويلمح طيف يحاوط مصحفه الشريف، جعله ينتهي من قراءته ويتأمل من يقف قبالته، فابتسم ببشاشته المعتادة وقال:
_آيوب!
تلاشت ابتسامته فور أن رأى عينيه المتورمة من اثر البكاء، ومن خلفه وعلى باب المسجد يقف يونس وإيثان، وأوجههما تشيء بما يتعلق بحالة ابنه.
ترك الشيخ حاملة المصحف ونهض إلى ابنه يسأله بقلق:
_في أيه يا ابني؟ عينك مالها؟!
تطلع إليه بوجعٍ، وعينيه تفيض دموعها، كجرحٍ عميق غائر، ومازال يحتفظ بالورقة بين يده، بشكل لفت انتباه الشيخ مهران، فجذب ما يحمله، وما أن رآها حتى أغمض عينيه يعتصر آلإمه، لقد حانت أبشع لحظة تمنى أن لا يعيشها، لطالما دعا الله أن تمر بسلام، كما مرت النار بسلام وإبراهيم عليه السلام داخلها.
ثنى الورقة ووضعها داخل جيب جلبابه الأبيض، ودموعه تنهمر دون توقف، أخذ وجهه بين يديه وقال وهو يتطلع له مباشرة:
_ولو قدامي مليون ورقة وتليون إثبات، أنت إبني أنا حتى لو مكنتش من صلبي، مهما قالوا ومهما حاولوا يثبتوا عكس ده إنت ابن الشيخ مهران اللي عاش عمره كله يزرع جواك كل الطيب اللي في الدنيا، عشان لما تربته تدبل تكون إنت الزرعة اللي تقوم بيه.
وضمه بين صدره بقوة مستكملًا:
_كنت أتمنى أموت قبل ما تعرف الحقيقة اللي دبحتني، بس مقدرتش أمنعك عنها يا ابني!
تحرر صوت بكاء آيوب المكبوت، كان يتوقع أن ينفي الشيخ مهران كل ذلك، ولكن مغزى حديثه يؤكد حديث آدهم بمعرفته لحقيقة الامر، أبعده عنه وارتد للخلف يصيح بصدمة:
_يعني أيه؟؟؟؟ يعني أنا مش ابنك؟؟؟؟؟؟؟
صرخ فيه بقهرٍ:
_متنطقش الكلمة دي تاني فاااهم، إنت ابني غصب عن الدنيا كلها، أنا وافقت آدهم على الورقة دي بس عشان خوفي من ربنا لكنها متعنيليش شيء، ولا عمرها هتغير طبيعة علاقتي بيك يابني.
بدت كلمته مستريبة إليه، فردد بغرابة:
_ابنك!
قالها وابتعد عنه، وبدون أي كلمة اضافية غادر من أمام الجميع تجاه الباب الآخر للمسجد، كاد يونس بتتبعه ولكن الشيخ استوقفه وقال باكيًا:
_سيبه يروح مشواره لوحده، مواجهته لمصطفى الرشيدي لابد وحتمًا منها!
*****
شاردًا بجحيمه الذي لا يساع أحدٌ سواه، وإذ فجأة يشعر بتمايل رأسها فوق ذراعه، فاستدار ليجدها تغفو بسلامٍ وراحة، ابتسم وهو يراقب بسمتها لقربها منه، وضمها إليه ثم عاد يتطلع لنافذة الطائرة بحزن.
التقطت ساعته اشارة مجهولة، فتفحصها وهو يستعلم عن اشارة موقع آيوب، كانت تلوح منذ قليل بتواجده بمسجد حارة الشيخ مهران، والآن يلتقط جهازه إشارة تواجده بمنزله الخاص!!
اعتدل آدهم بجلسته بتوترٍ، يخشى ذلك اللقاء الذي لم يحسب حسابه، يخشى أن يزداد مرض أبيه بمواجهة آيوب له، لذا وعلى الفور التقط هاتفه يدون رسالة قصيرة قبل ان يغلق الهاتف كليًا، لضمان عدم وصول المرسل إليه.
*****
ضحك رغمًا عنه حينما وجدها تختبئ خلف ستائر الغرفة، وللحق لم يكن ليكتشف أمرها لولا بطنها المنتفخ البارز من خلف الستار لما إكتشف أمرها، فقال بسخرية:
_وكده أنا مش هجيبك يعني؟!
رفعت الستار للاعلى وقالت بارهاق:
_أنا تعبت في الحفلة والله، لو ينفع تسامح وتسبني أنام يبقى كتر خيرك يا عُمران باشا.
استند بقدمه على المقعد ومال يردد ساخرًا:
_ودي تيجي يا بيبي، مش لازم نأخد وندي مع بعض كده، ده انا حتى ملحقتش أعين الفستان!
شددت على مئزرها وهتفت باحتجاج:
_بص إنت حنين وميرضكش ابنك يأخد لطشة برد صح؟
زوى حاجبيه بعدم فهم:
_أيه دخل ده مع ده!
ضحكت ساخرة منه:
_أصل المصمم نسى يخيط بطانة الفستان.
قالتها وانفجرت من الضحك، فضحك رغمًا عنه واشار لها بالخروج:
_اطلعي يا مايا، اطلعي بدل ما أجيبك أنا وساعتها هتندمي.
حملت طرف المئزر وخرجت إليه تلتقط أنفاسها بتعب:
_وعلى أيه انا جاية، بس استنى اقلع الروب ده لحسن الجو حر.
برق بدهشة حينما وجدها ترتدي بيجامة من الصوف، ومن فوقها شال أسود يتدلى على كتفيها، ابتلع صدمته وهو يهتف:
_أمال فين الفستان اللي من غير بطانه؟!
ربتت على بطنها المنتفخة وهي تهمس بمكر:
_اول درس يا حبيبي أوعا تطلع وقح وقليل الادب زي بابي، خليك متربي وابن ناس زي عمك.
كز على أسنانه بغضب جعلها تسرع بالتراجع لاقصى الفراش قائلة بعصبية:
_بقولك أيه إنت من ساعة ما بقيت بتنزل الحارة وانت خلقك بقى ضيق وانا واحدة على وش ولادة ومش ناقصة فرهدة ولا شدة أعصاب، يا تلم أعصابك يا تشوفلك كنبة بالدور الارضي تنام عليها العمر مش بعزقة هو!
أشار على ذاته منصدمًا:
_أنا أنام على كنبة!!! انتِ اتجنينتي ولا أخده حبيتين جراءة!!!
رفعت اصابعيها تشير:
_الاتنين.
حدجها بخبث، واتجه للاريكة، يجلس فوقها واضعًا ساقًا فوق الاخرى، وبغرور قال:
_بصي يا بيبي، إنتِ حابة تتشاقي معايا وأنا معنديش مانع، عشان كده هديكي فرصة تيجي وتعتذري والا متلوميش الا نفسك، وإنتِ عارفاني لما بدي إنذار بعده بعمل أيه؟
جحظت عينيها في ذعر، وعلى الفور أسرعت إليه تناديه بدلال مصطنع:
_إنت عارف إني بحبك صح؟
اابتسم وهو يشير لها بالاستئناف فقالت:
_أنا كنت بحاول أفكك شوية من الزعل بس مدام هتيجي على رأسي، فحقك عليا.
وحينما لما تجد ردًا منه نادته:
_ عُمران!
غمز لها بعنجهية:
_حبيب قلبه إنتِ يا مايا.
ابتسمت بسعادة تلاشت فور أن نطق:
_بس أنا مش قادر أكون (راضي عنك بنسبة مية في المية) 100% satisfied with you
تلاشت ابتسامتها على الفور، وقالت بانزعاج:
_وأيه اللي يرضيك يا بشمهندس.
كاد ان يجيبها ولكن رسالة هاتفه جذبت انتباهه، وخاصة حينما رأى اسم صاحبها وقرأ رسالته، وبنهايتها وجد الموقع محصور برسالته، ترك الاريكة والتقط مفاتيحه ثم هرول سريعًا للاسفل، يركض تجاه محل سيارته، استقلها وانطلق على الفور للمحل الذي أرشده أليه آدهم!
******
فتحت الخادمة باب المنزل، فولج يبحث عنه بالداخل حتى وجده يجلس بغرفته، وما أن رآه الاخر حتى تهللت سعادته، وقال بفرحة:
_آيوب! تعالى يا حبيبي نورت الدنيا كلها.
اقترب منه ونظراته المستحقّرة تحوم به بشكلٍ بشع، حتى توقف قبالته يرمقه بنظرة كراهية، وقبل أن يتحدث بحرفٍ قال:
_أنا عمري ما اتربيت على الحقد ولا الكره، بس ولاول مرة قلبي وعيني تكره حد زي ما كرهوك أنت!!
صعق مصطفى مما استمع إليه، بينما استطرد آيوب بعدائية شديدة:
_مكنتش مضطر تلعب دور الخداع والحنية طول الفترة اللي فاتت إنت اللي زيك قلبه كتلة حجر، أوعـــــا تفكر اني في يوم من الايام هسامحك، عمرها ما هتحصل، ومهما عملت أنا ماليش غير أب واحد بس، أنا ابن الشيخ مهران ولأخر نفس خارج مني أنا ابنه هو ساااامع.
تهاوت دموع مصطفى ورأسه منكوس أرضًا على مقعده المعدني، يخشى حتى لقاء عين ابنه، كل ما يردده:
_سامحني يا ابني، سامحني وحياة أغلي حاجة عندك.
رمقه باستحقار، وقال:
_إنت دمرتني، تخيل من ساعة واحدة بس كان في جوايا حب واحترام كبير ليك لما سمعت ندمك وتوبتك عن اللي عملته في ابنك اللي رميته، ولما اكتشفت إني هو احساس العطف اتبدل 180درجة، كأني اللي سمع وحكم عليك مش هو الشخص اللي واقف قدامك، إنت حرقت كل حاجه بناها الشيخ مهران، كل حاجة اتحولت لرماد وإنت قبلها.
ورفع اصبعه يشير بعصبية بالغة:
_أنا مجتش أسالك عملت كده ليه، أنا جيتلك عشان أقولك ان لو أخر يوم في عمري مستحيل هسامحك أو هسمحلك تقرب مني.
وتركه واستدار ليغادر، فصرخ مصطفى وهو يتجه خلفه يناديه برجاء:
_استنى يا آيـــــــــــــوب، اسمعني يابني عشان خاطري اسمع اللي هقولهولك.
تجاهله وهرول مسرعًا للباب، ففقد مصطفى توازن مقعده وهوى أرضًا به، ومع ذلك لم يتوقف وزحف على ذراعيه ليصل إليه، حتى أمسك بيديه يبكي فوقها ويترجاه:
_متمشيش أنا مش عايز غير إني أشوفك سعيد ومرتاح ولو هيريحك إنك تفضل مع الشيخ مهران أنا مش همانع ولا همانع ان اسمك يفضل زي ما هو وأنا متحمل الذنب لوحدي بس بالله عليك ما تسبني يا آيوب، متسبنيش!

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية صرخات أنثى)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *