روايات

رواية ابن الصعيدي الفصل الثالث 3 بقلم نور الشامي

رواية ابن الصعيدي الفصل الثالث 3 بقلم نور الشامي

رواية ابن الصعيدي البارت الثالث

رواية ابن الصعيدي الجزء الثالث

ابن الصعيدي
ابن الصعيدي

رواية ابن الصعيدي الحلقة الثالثة

لم يكن الليل قد انقضى بعد والسكون يخيم على الدار إلا من صوت الجد الغاضب يتردد في أرجائها كالرعد فـ وقفت قدر في منتصف الساحه ترتجف ودموعها تنساب على وجنتيها دون توقف بينما الجد ينهال عليها بعصاه الثقيلة كأنها عدو لا حفيدة حتي اردف بصوت غليظ يتقطع غيظا:
انتي جايبه لينا العار برجليكي… وهتدفعي التمن دلوجتي… بجا دي اخرتها.. حامل. حامل. واكيد من الكلب دا ال اسمه كريم صوح.. بجا كل دا يطلع منك.. كل دا منك انتي.. حته بنت متسواش اي حاجه تعمل فينا احنا كلنا اكده.. عيله الصعيدي ال عمر ما حد جاب سيرتها بغلط وال دايما راسها مرفوعه تيجي بنت زيك تعمل فينا كلنا اكده.. تجيبلنا العار.. جيبتلنا العار وبجيتي حامل والله لـ هجتلك
اندفعت زينات عمتها ابنة الجد تقف حائلًا بينه وبينها بذراعيها المرتجفتين مردده:
يا ابووي … كفاية دي بنت غلبانة، متعرفش حاجة.. بص خلينا نجعد ونشوف اي ال حوصل.. مش يمكن يكون ال حوصل دا كله غلط من الحكيم.. احنا اي عرفنا.. خلينا نسمعها بالله عليك
زفر الجد بقسوة ودفع زينات جانبا فارتطمت بالحائط، لكنها عادت تقف من جديد والدمعة في عينها وهتفت بتوسل:
حرام عليك يا ابوي… دي حفيدتك… لحمك ودمك.. بالله عليك سيبها.. ابوس يدك
كانت زينات تحاول الدفاع عن قدر باي طريقه لكن الجد لم يكن يرى إلا العار ولم يسمع إلا صوت الكرامة الجريحة داخله حتي
مدّ يده إلى الدرج الخشبي وأخرج مسدسا عتيقا و قبض عليه كأنه طوق نجاة من الخزي وصاح بصوت مكتوم بالغضب:
ال تهون على نفسها… تهون علينا… العار مش بتستر.. ال تجيبلنا العار بندوس عليها برجلينا من غير رحمه
شهقت قدر و صرخت زينات بأعلى صوتها:
يا ابوي لع بالله عليك… لع
نظر الجد اليهم بغضب وارتفعت يده وبرودة السلاح تلمع في عينيه وكل من في الدار تجمد في مكانه ولكن قبل أن يضغط على الزناد اندفع ظل من العتمة كأن الليل نفسه تحرك.
وظهر صقر الذي لم يره أحد وهو يدخل زقفز أمام قدر دون تردد حتي دوى صوت الطلقة وصرخة قدر شقت سكون الليل مردده :
ـصقر
ارتطم جسد صخر بالأرض والدم يسيل من ذراعه بينما سقط المسدس من يد الجد بفزع وارتفعت الهمهمات في الدار وتجمع الجميع حول صقر الذي ما زال الدم يتسرب من ذراعه.. ارتعب الكل عليه حتى الجد نفسه اتسعت عيناه على غير عادته بصدمه وخوف وكانت عينا قدر التي أرعبها احتمال أن يكون قد أُصيب بسببها حتي اقتربت منه وهي تنحني بجسده المرتجف مردده :
ـ صخر… بالله عليك ما تسكت… كلمنا يا صخر.. انت كويس.. حوصلك اي… اتكلم يلا جول اي حاجه
نظر صخر اليها بتعب لكنه تحامل على نفسه وببطء شديد جلس أولًا ثم وقف كأنه يحمل الدنيا على كتفيه ز رفع رأسه نحو الجد واردف بثبات رغم الألم:
ال في بطنها دا… ابني أنا يا جدي
ساد الصمت فجأة وتجمد الكل حتى زينات التي وضعت يديها على فمها وتراجعت قدر خطوة كأن الأرض تميد بها ونظرت له بذهول وهي تهمس:
انت… بتجول اي عاد… بتجول اي
رفع صخر عينه ليقابل عينها وردد بهدوء:
اه… أنا ال خطفت كريم… علشان كنت عارف إنه مش راجل ولا هيتجوزها… ووافجت اتجوزها علطول… عشان بحبها من زمان وعلشان ال حوصل بينا
لم يتحمل الجد ما سمعه فاندفع نحوه ورفع يده وصفعه على وجهه صفعة دوّت في المكان كله وهتف بصوت مبحوح من الصدمة:
كداب…. انت كداااب يا صخر ! مستحيل تعمل اكده! البنت دي هي ال غلطت! هي ال دنست اسمنا… وإنت… بدل ما توجفها عند حدها تيجي تحامي عنها؟!
لم يرد صخر فقط انخفض رأسه ويده لا تزال على الجرح ينزف. أما الجد فكان يكاد يشتعل وهتف :
انا هجتلها… دلوجتي حالا! جيبولنا الحكيم… جيبولي الدكتور يطلعلي بصمة صوابعها اللى على جسدك يمكن تفوق وتعرف إن مفيش حاجه هتخبي العار دا.. يلا بسرعه هاتوا الحكيم علشان يعالج الجرح ويخرج الرصاصه
القي الجد كلماته ثم التفت نحو صخر بعينين تشتعلان قهرا. وردد بقسوة:
مهما حاولت تحميها… هتفضل غلطانه … وانا هغسل عاري منها… وانت… انت يا صخر… ال هتجتلها بإيدك… بنفسك يا ولدي
انهي الجد كلماته ثم استدار وانصرف بخطوات ثقيلة، والشرر يتطاير من عينيه، تاركا خلفه صمتا أثقل من الرصاص وبعد فتره جلس صخر على طرف الفراش عاري الصدر، والضمادات البيضاء تلتف حول ذراعه التي نزفت كثيرًا. كان الحكيم قد انتهى من ربط الجرح، لكن النزيف لم يكن كله من الجسد، بل من القلب أيضا ونظر إليه الجميع بقلق بينما انصرفوا جميعا وهمست العمه بدعاء ثقيل:
“ربنا يستر عليكم ويهدي النفوس…
نظرت قدر بتوتر ثم اقتربت منه بخطوات حذرة وعيناها لا تزالان متورمتين من البكاء وشفتيها ترتجفان من الخوف والندم. حتي همست بصوت مبحوح:
انت كويس؟ الجرح… عامل إزاي دلوجتي؟
ما إن اقتربت حتى مد يده الجريحة وسحبها من معصمها بقوة حتى كادت تسقط فوقه و ثبت عينيه في عينيها واردف بغضب:
ليه؟ ليه عملتي اكده.. انتي اي شيطانه.. جايبه البجاحه دي كلها منين عاد
شهقت قدر وحاولت أن تتهرب بعينيها لكنها لم تستطع، كأن نظراته مسامير غرست في روحها فانهارت ورددت ببكاء:
غصب عني… مش عارفة حصل ازاي… والله ما كنت عايزة كل دا يوحصل…جسما بالله انت مش فاهم اي ال حوصل بالظبط
صمت صخر للحظة ثم رفع يده فجأة وصفعها بقوة على وجهها حتي دوى الصوت في الغرفة وجحظت عيناها من الصدمة، وارتدت خطوة للوراء، فتابع هو بصراخ :
انا بكرهك… بكرهك يا قدر… أنا ضربت كريم بالنار… فاهمة؟ ضربته بالرصاص وجتلته.. دلوجتي مين هيبجي ابن ال في بطنك ان شاء الله… مين هيبجي ابنه
تجمدت ملامح قدر وارتجف جسدها كأنها سمعت شيئا غير قابل للتصديق وتمتمت بشفاه مرتجفة:
حوصله اي هو… هو مات؟
انتفض صخر من مكانه وصرخ بغضب:
لسه بتسألي عليه؟ بعد ال عمله فيكي؟ بعد ما سابك جدام الناس كلها وفضحك؟! لسه بتسألي عليه…. أنا زهقت منك… ومن دموعك…و من ضعفك… كل مره انا ال لازم اتحمل مصايبك وبلاويكي… يا شيخه ياريتك تموتي واخلص منك بجا
سقطت الكلمات على قلبها كالسكاكين فتمتمت بحزن وانكسار:
أنا… أنا هنزل الطفل…
رفع صخر يده بحركة لا إرادية، لكن الدم تساقط من بين أصابعه فجأة فشهقت قدر واقتربت منه بسرعة، وهي تمسك بذراعه المرتجفة مردده :
دم… الجرح بينزف تاني… استنى… خليك جاعد… أنا هجيب حاجة أوجف بيها النزيف
لم يرد فقط ظل واقفا.. ينظر لها بعينين فارغتين كأنها لم تعد قادرة على الوصول إليه بينما هي تتشبث بيده وتحاول تضميد جرحه والدموع تنهمر على وجنتيها وفي صباح يوم جديد تسللت أشعة الشمس بخجل عبر ستائر الغرفة، لتنساب فوق ملامح ليلي المرهقة ووقفت أمام المرآة، تعبث بأطراف شعرها بشرود، وعيناها لا تعكسان سوى قلق دفين لم تستطع إخفاءه، كأنها تنتظر شيئا… أو تخشى حدوثه حتى اقترب منها “آدم” بخطوات هادئة دون أن تنطق و أحاطها من الخلف بذراعيه وأسند ذقنه على كتفها و لم تقاومه بل أغمضت عينيها كأن لمسته تبث فيها دفئا غاب عنها طويلًا وهمست بنبرة ناعمة:
ـ واحشتني جوي علي فكره
اقترب أدم أكثر، وقبل عنقها بخفة:
وانتي كمان واحشتيني جوي علي فكره
استدارت ليلي إليه ببطء ونظرت في عينيه ول فـ اقترب منها، ولمسة شفاهه على شفتيها كانت كأنها محاولة لاسترجاع لحظة لحظاته معها وظلا على حالهما لثواني حتى قطعت ليلي تلك اللحظة الهشة بصوت خافت تردد كالصدى:
صخر اهنيه.. في الصعيد
تجمدت يده على خصرها وابتعد عنها فجأة. لم يتكلم، فقط نظر بعيدا، كأنها أيقظت ألما دفينا في صدره فرددت ليلي بحذر:
ليه اكده؟ والله بيحبك، بيحبك جوي يا آدم
رد ادم بصوت مليء بالخذلان:
هو خانني… مش أنا دا كان أخويا… أقرب واحد لجلبي… بس بعد كل. دا غدر بيا وخاني
اقتربت منه بخطوة ورددت:
بس حاول… كتير حاول يكلمك و يصالحك ويشرحلك… إنت ال مكنتش راضي تسامحه ولا حتي بتسمعه
نظر اليها ادم كأن النار اشتعلت في عينيه وهتف:
ومش هسامحه بعد ال عمله؟ وبعد ما كسر ضهري لع مش ممكن.. مستحيل ارجع اسامحه تاني و
لم تمر لحظة حتى وضع يده على صدره فجأة يتألم، ووجهه شحب وأنفاسه ثقلت فـ اقتربت ليلي منه بفزع تمسك بذراعه مردده:
آدم؟! فيك إي؟! مالك؟
وقبل أن يرد انفتح الباب بعنف ودخلت أمه وعيناها مليئتان بالقلق:
إلحقني يا ابني… الحارس تحت بيجول إن صخر…انزل.. انزل بسرعه شوف في اي
القت الام كلماتها وذهبت وبعد فتره وقف آدم أمام البوابة الكبيرة وإلى جواره كانت ليلى فـ اقترب منهم أحد الحراس وبادره آدم:
صخر عامل إي دلوجتي؟
خفض الحارس نظره وردد بصوت خافت:
الإصابة وحشة… وفي مشاكل كتير جوي يا بيه … والست الكبيرة والمدام جايين النهارده هيوصلوا الصعيد قبل المغرب ولو وصلوا هتبجي مصيبه كبيره
تنهد آدم بضيق وظل صامتا لـ لحظة، ثم تمتم بنبرة حاسمة:
خلاص… أنا هتصرف.ط و
وقبل أن يكمل كلمته دوى صوت طلقة نارية في المكان و تجمد الجميع في أماكنهم ثم سقطت ليلى على الأرض والدماء تتسرب من جنبها فـ ركض آدم نحوها مذهولا وصرخته اخترقت السكون:
ليلى
وبعد فتره عند صخر كان يقف بغضب ينظى الي الجميع مرددا:
يعني راحت فين… راحت فين عاد وازاي تخرج من غير ما حد يحس ولا يشوفها.. ما تتكلموا واجفين تتفرجوا عليا ليه عاد
نظروا الحرس الي بعضهم بتوتر حتي ردد احدهم:
البيه الكبير هو ال خدها يا بيه وكمان جالنا خبر من المستشفي ان كريم لسه عايش واختفي من المستشفي
نظر صخر اليه بصدمه وركض بسرعه وبعد فتره في قلب الصحراء حيث لا يكاد يرى المرء شيئا سوى الرمال التي تتناثر بلا نهاية… وقف الجد خليل بوجهه الصارم وقوامه المرتكز على عصاه يحرسه حارس ضخم يقف بجانبه بثبات أما قدر، فكانت مربوطة بإحكام وعيونها مليئة بالخوف والتوسل و أمامها حفرة عميقة، كبيرة جدًا وكأنها ابتلعت الظلام كله فتمتمت بخوف:
بالله عليك يا جدي ارحمني.. ابوس يدك.. طيب انا همشي واريحكم مني خالص بس بلاش تعمل فيا اكده بالله عليك
القت قدر كلماتها بخوف وكان الجد خليل يقف صامدا أمامها و ملامحه لا تشير إلى أي نوع من الشفقة بل على العكس كان الغضب يتصاعد في عينيه مع كل كلمة تقولها فـ نظر إليها نظرة قاسية قبل أن يجيبها بغضب:
انتي جيبتلنا العار يا قدر العار ال مستحيل نجدر نغسله مفيش حد هيمحيه إلا بموتك. ده جزاء ال عملتيه
تمتمت قدر وهي ترتجف بخوف:
جسما بالله العظيم ما ليا ذنب والله.. طيب اسمعني.. بالله عليك يا جدي والله ما عملت حاجه زي ما انت فاكر.. جسما بالله
لكن الجد لم يكن مستعدا للرحمة. نظر إلى الحفرة التي أمامه ثم استدار نحو الحارس، الذي كان يراقب المشهد بصمت وردد:
أنتي لازم تموتي… ده مصيرك، ومفيش رحمه
القي الجد كلامه ثم أشار بيده للحارس الذي دفعها الي الحفره فصرخت قدر وبدأ بتغطية الحفرة بالتراب بينما كانت قدر تهمس وصوتها يتلاشى لكن لم يكن هناك أحد يسمع والحارس واصل عمله وصوت التراب وهو يغطي الحفرة يملأ المكان. وبخطوات ثقيلة ابتعد الجد عن الحفرة، تاركا وراءه صوت الرياح الذي يهمس بآلام قدر وأحلامها التي ضاعت و
يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية ابن الصعيدي)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *