روايات

رواية ابن الصعيدي الفصل السادس 6 بقلم نور الشامي

رواية ابن الصعيدي الفصل السادس 6 بقلم نور الشامي

رواية ابن الصعيدي البارت السادس

رواية ابن الصعيدي الجزء السادس

ابن الصعيدي
ابن الصعيدي

رواية ابن الصعيدي الحلقة السادسة

كان يركض في ممرات المستشفى كالمجنون وخلفه أفراد العائلة لا يدرون ما يقولونه أو ما يفعلونه. كل شيء من حولهم كان بطيئا باهتا.. لم يتوقف صخر عن الركض حتي انتبه لقدر الجالسة على الأرض ظهرها للحائط البارد ووجهها مبلل بالدموع و بين يديها رأسها كأنها تحاول أن تحتمي من العالم كله. فـ توقف أمامها وصوته خرج مرتجفا من بين أنفاسه المتقطعة مرددا :
قدَر إنتي كويسة؟ اي ال حوصل و فين ميار؟!”
رفعت قدر عينيها ببطء نحوه ونظرة واحدة فقط كانت كفيلة بأن تزرع الرعب في قلبه فرددت قدر:
جوه… بيحضروها للعمليات… حالتها خطيرة يا صخر جوي انا اسفه.. انا اسفه
لم ينطق صخر ولم يرد فقط تحرك كأن شيئًا أكبر من عقله يقوده. دفع الباب بجسده وتوجه نحو الطبيب الواقف أمام الغرفة المغلقة مرددا:
إي ال حوصل؟ حالتها عاملة إزاي بالله عليك.. طمني هي كويسه صوح.. جول اي حاجه يا حكيم متسكتش اكده
أجابه الطبيب بنبرة هادئة لكنها حادة:
– “في نزيف داخلي… لازم تدخل العمليات تاني فورا وحالتها مش مستقره. انا مجدرش اجول اي حاجه دلوجتي.. ادعيلها ربنا معاها
شعر صخر وكأن الأرض تميد من تحته لكنه قاوم الانهيار واقترب من الفراش الذي كانت ميار عليه ممددة لا تقوى حتى على فتح عينيها ووجهها شاحب وأنفاسها خافتة كأنها تهمس بالحياة فـ انحنى فوقها ووضع كفه على خدها برفق وهمس بصوت منخفض وهو يحاول أن يحبس دموعه:
ميار… أنا جيت يا ميار… سامعاني.. انا موجود جمبك اهه متخافيش
ارتعشت جفناها وفتحت عينيها ببطء ونظرت له كأنها عادت للحياة من أجله فقط ثم همست بصوت واهن:
الحمد لله…الحمد لله إنك جيت… انا كنت خايفه جوي اموت من غير ما اشوفك كنت… فاكراك مش هتلحقني…الحمد لله انك وصلت
شدد صخر على يدها برفق وقبّل جبينها وهتف:
بعد الشر عليكي متجوليش اكده.. انتي هتبجي كويسه والله انا متاكد.. هو مش انتي وعدتيني انك هتفضلي معايا.. لازم توفي بوعدك يا ميار.. بالله عليكي متسبنيش.. ابوس يدك والله ما اجدر اعيش من غيرك. انتي متعرفيش انتي بالنسبالي اي
شعرت ميار بكفه يحتضن يدها فابتسمت بتعب وهي تنظر إلى وجهه كأنها تحفظ ملامحه في قلبها قبل أن تغيب وهمست بصوتها الهش :
أنا… عمري ما حبيت غيرك يا صخر… طول عمري من أول مرة فتحت عيوني فيها وأنا عيني مشافتش غيرك… بس أنا عارفة… عارفة إنك بتحب قدر… علشان اكده أنقذتها..مهانش عليا البنت ال بتحبها تموت
نزلت كلماتها عليه كالسكاكين فشهق بهدوء وازدادت قبضته على يدها وردد بنبرة مرتعشة:
متطوليش اكده بالله عليكي… انتي متعرفيش انتي بالنسبالي إي.. سنين وأنا بحاول أنسى بس معرفتش أعيش من غيرك ولا هعرف… متجوليش إنك محبتيش غيري كأنك بتودعيني… انا عارف انك بتحبيني.. والله انتي اغلي حاجه عندي.. انتي مرتي وبنت خالتي ورفيقه حياتي كلها
ابتسمت ميار من جديد لكن دمعة هربت من عينها وسقطت على وجنتها مردفه :
انا… انا حاولت كتير أخليك تحبني زي ما أنا بحبك… بس واضح إن جلبي لوحده مكانش كفاية…طول السنين دي معرفتش اخليك تحبني يا صخر.. معرفتش اكسب جلبك يا ابن خالتي
اقترب صخر أكثر وهوى بجبهته على يدها يقبّلها وهمس من بين دموعه:
ميار بالله عليكي… متتكلميش اكده… ده أنا لو جرالك حاجه أنا ال هموت… مش هجدر أعيش في دنيا انتي مش فيها… والله ما اجدر يا ميار…بالله عليكي كفايه.. متسبنيش وانا والله مستعد اسيب الدنيا كلها علشانك.. بس خليكي جمبي
وفي تلك اللحظة فتح الباب فجأة ودخل طاقم الأطباء يدفعون السرير المتحرك فـ نهض صخر مجبرا ينظر إليها بلهفة كأنما ينتزع من قلبه شيء لا يُعوض وتعلقت بها نظراته فابتسمت بضعف وهمست:
أوعي تنساني يا صخر… لو حوصلي حاجة بلاش تنساني… بالله عليك
هتف صخر بدموع :
هتخرجي من العمليات وهتبطي كويسة وهترجعيلي… أنا مستنيكي ومش هسيبك، فاهمة؟ متسبينيش انتي كمان…علشان خاطري
وبينما كانوا يدفعونها ببطء نحو غرفة العمليات توقف الطبيب للحظة بجانب صخر ونظر إليه ثم اردف بهدوء:
صخر.. يمكن متكونش عارف علشان اعتقد عي كمان متعرفش بس مرتك… حامل.”
القي الطبيب كلماته ثم استدار ودخل الغرفة مغلقًا الباب خلفه تاركا صخر واقفًا كأن الزمن توقف به… يتنفس بصعوبه
وبعد فتره كانت رجوة تجوب الغرفة كأن الأرض تضيق بها تتنقل بين الجدران بعصبية وملامحها تحمل كل ألوان الغضب وعيناها تقدحان شرا، وفجأة رفعت كوبا زجاجيا وألقت به على الأرض فانكسر إلى شظايا متناثرة لتصرخ من أعماقها:
“إنت غبي…. غبي يا كريم… أنا جولتلك من زمان صخر بيحب قدر آه بس ميار أغلى عنده من قدر دي بالنسباله كل حاجة.. الحب مش هو الاساس… ال بين صخى وميار اكبر مليون مره من الحب.. بس طبعا انا بفهم مين عاد.. بفهم واحد غبي متهور مش نافع في اي حاجه..لو حوصلها حاجه صخرمش هيسكت هيتحول لوحش وهيخرب الدنيا وإحنا أول ناس هيدور علينا! كل حاجة بنخطط لها هتضيع بسبب تهورك انت اي كنت مصيبه عليا هو انا جايباك تساعدني ولا تضيعني وادم كمان..ادم اكيد مش هيسيب صاجبه خصوصا انه بجا شاكك ان صخر معملش حاجه.. هيرجعوا تاني
كان كريم يقف عند الحائط يضغط على قبضتيه بشدة ووجهه يتقلب بين التوتر واللامبالاة ثم هتف ساخرًا:
“ما يرجعوا يا ستي انتي محسساني انهم متجوزين دول أصحاب… يعني إي ال هيوحصل يعني؟”
توقفت رجوة فجأة و نظرت له بحدة حتى خيل له أن عينيها ستقتلهما وحدهما ثم اقتربت منه حتى صارت على بعد خطوة ورددت:
ال هيوحصل إنهم هيوصلولي… وهيوصلولك وهتضيع كل حاجة… كل حاجة وحق بنت ال ماتت بسببهم هيروح؟! بنتي ال جتلوها بكل دم بارد هيروح بسببك وآدم بيهد الدنيا دلوقتي… وبيسأل عن ال جتل مرته وده معناه إنه مش مصدق إن صخر له يد لو بدأ يشك احنا هنروح في داهية
ضرب كريم الحائط بيده وصوته خرج مبحوحا من صدره:
“أنا مش هسكت! مش بعد كل ده… وال في بطن قدر؟ لازم يموت.. انا مش عايز اي حاجه تربطني بيها.. بجولك اي انا ساعدتك كتير وانتي لازم تساعديني في كل حاجه يا والله العظيم ما هسكت
شهقت رجوة وتراجعت خطوة للخلف ثم صرخت بأعلى صوتها:
“غبي… غبي وهتودينا كلنا في ستين داهية! لو صخر عرف أو حس مش هيعديها! ده ممكن يجتلنا بإيده! ميار لو ماتت… هو مش هيسيب حد، وخصوصًا إنت وانت لسه جاي تجول الطفل والزفت علي دماغك.. انت اي مش بتفكر نهائي اكده
القت رجوه كلماتها ثم جلست فجأة على الأريكة تضع يدها على رأسها وهي تهمس بنبرة مكسورة:
“ربنا يستر من اللي جاي…وال هيوحصلنا بسبب غباءك
وفي صباح يوم جديد كان الشارع لا يزال هادئا وضوء الشمس بالكاد بدأ ينسدل على الأرصفة والهواء يحمل نسمات باردة تعبق برائحة الليل المنصرف حيث كانت يمنى تسير بخطى سريعة، تمسك بهاتفها المحمول وتتحدث بحماس:
انا جاية أهو يا قدر… ثواني وهكون عندك… لسه نازلة من البيت حالًا…
لم تنهي يمني كلماتها حتي انخفض صوتها فجأة وعيناها اتسعتا بدهشة حين لمحت سيارة متوقفة عند ناصية الطريق وبداخلها شخص ممدد على المقعد وكأنه نائم فـ اقتربت بحذر وارتجفت يدها حين تعرفت على ملامحه مردده:
– “ده… ده آدم! آدم صاحب صخر… ولا انا بتخيل ولا اي عاد
زفرت يمني في دهشة واقتربت أكثر وبدأت تطرق على زجاج السيارة بقوة:
آدم بيه … يا بشمهندس فوووج..انت كويس؟! افتحلي الباب بالله عليك
تحرك ادم قليلًا وبصعوبة فتح الباب ووجهه شاحب زعينيه مثقلتان بالتعب كأنهما لم تذوقا النوم لليالي طويلة وصوته خرج ضعيفا مرددا :
يمنى… روحيني… أنا تعبان جوي ومش جادر اتحرك.. رزحيني بالله عليكي
نظرت يمني إليه بقلق ثم صرخت حين لمحَت الدم الجاف على يده فهتفت:
إيدك! آدم إنت مجروح… حوصل إي؟! كنت فين؟يا لهووي هعمل اي دلوجتي انا بس
ابتلع آدم ريقه بصعوبة وأخفض عينيه للحظة ثم ردد بصوت مبحوح:
متسأليش كتير.. بس خذيني من اهنيه … مش جادر أتحرك
ركضت يمنى بسرعة نحو الباب الآخر و فتحت السيارة وساعدته على النزول وجلست هي علي مقعد القياده وهو بحانبها وانطلقت بسرعه بالسياره وبعد عدت ساعات في المستشفي كان يقف صخر امام غرفه العنايه المركزه وظهره مستند إلى الجدار ويداه تقبضان على حافة الميتر بقوة كأنّه يستمد من برودته بعض الصبر وعيناه تائهتان تحملان مزيجا من الرعب والغضب، وأنفاسه تضطرب مع كل لحظة تمر دون خبر من الداخل حتي اقتربت قدر بخطى مترددة زقلبها يعلو ويهبط بين الخوف والندم لم تحتمل رؤيته بهذا الحال فمدت يدها لتواسيه لعل لمستها تخفف من وجعه لكنه ما إن شعر بملمسها حتى أبعد يدها بعنف وصرخ في وجهها بنبرة موجوعة:
ابعدي عني.. ابعدي إنتي السبب… أنا حذرتك.. حذرتك مليون مرّة متروحيش لأي مكان من غير ما تجوليلي بس لع طبعا… لازم تروحي ولازم لكريم كمان هو كان واحشك؟ لسه بتحبيه يا قدر ولا اي علشان تعصي كلام جوزك وتجري عليه اعملك اي اكتر من اكده… اعمل اي معاكي
شهقت قدر وقد تجمدت الكلمات على شفتيها ثم تمتمت من بين دموعها:
والله العظيم… كنت رايحة أحل كل حاجة… كنت عايزة أخلص على المشاكل دي من جذورها.. حسما بالله دا كان كل ال في دماغي والله العظيم و
قاطعها صخر بانفجار جديد من الغضب وعروقه تكاد تنفجر من شدّة الانفعال:
إنتي مبتعرفيش تعملي حاجة غير إنك تجيبيلي المصايب.. مش كفاية كل ال حوصل قبل اكده من وراكي.. اي متعبتيش… ولو ميار جرالها حاجة…هجتلك والله لأجتلك… مرتي جوه بتصارع الموت… بسببك انتي.. بسبب واحده مستهتره زبك
سقطت الكلمات عليهما كسكين بارد والصمت الذي تلاها كان أثقل من أي صراخ وقبل ان تتحدث.. دوى صوت جهاز القلب في الغرفة، مُعلنا خللا خطيرا فـ ركض الأطباء سريعا نحو الغرفة يتزاحمون وهم يصرخون:
– افتحوا السكة.. بسرعه يلا
القي الاطباء كلماتهد بينما وقف صخر في مكانه كأن الزمن تجمد وعيناه لا تفارقان الباب المغلق أما قدر .. فشعرت بجسدها يرتجف ويدها تبحث عن أي شيء تستند إليه…… مرت الدقائق كأنها دهر حتى فتح الباب أخيرا وخرج الطبيب بوجه شاحب فأقترب منه صخر وردد بلهفه:
في اي يا حكيم.. هي كويسه.. ميار كويسه صوح
نظر الطبيب اليه بحزن وردد:
البقاء لله.
نظرت قدر بفزع و لم تنطق بحرف و الدموع انهمرت من عيونها
أما صخر فقد سقط جالسا على الأرض يحدق في الفراغ، كأن العالم كله اختفى و

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية ابن الصعيدي)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *