رواية الماسة المكسورة الفصل الثالث والستون 63 بقلم ليلة عادل
رواية الماسة المكسورة الفصل الثالث والستون 63 بقلم ليلة عادل
رواية الماسة المكسورة البارت الثالث والستون
رواية الماسة المكسورة الجزء الثالث والستون

رواية الماسة المكسورة الحلقة الثالثة والستون
[بعنوان: سجن إسمه الحب]
في تلك اللحظة، نهض طه بغضب شديد، وبدون تردد، صفعها بقوة. نظرت له منى بصدمه كبيرة، وكأن عينيها على وشك أن تخرج من مكانها.
منى بصراخ: إنت بتمد إيدك عليا يا طه؟! إنت اتجننت؟! طلقني يا طه، بقولك طلقني!
نظر طه في ملامحها قال بشدة وحسم: مش هطلقك، قلتلك مش هطلقك! ولو لسانك ده طول عليا تاني، هتندمي.
ثم تركها وغادر الغرفة.
أثناء مغادرته، صاحت منى: إنت فاكر إني ممكن أعيش معاك دقيقة واحدة بعد اللي عملته؟! أنا هسيب لك القصر وامشي!
لكن طه لم يهتم بكلامها، أكمل طريقه دون أن يهتز.
جلست منى على الفراش، غاضبة بشدة، تشعر بالإهانة والضيق، فـ طه لأول مرة يمد يده عليها ويعاملها بهذا الشكل.
نهضت وقررت أن تحضر حقيبة ملابسها لكنها توقفت. كان ذهنها مليئًا بالأفكار المتضاربة.
اخذت تقول لنفسها: همشي، مستحيل أعيش معاه دقيقة تانية. نسي نفسه…
ثم ردت بصوت آخر، مليء بالطمع:
هتمشي وتسيبي كل حاجة. بعد كل السنين دي، هو بس زعلان على سليم شوية، وتهديد رشدي معصبه…،لازم تستغلي الموقف لصالحك، طه طيب حتى لو اتغير، هيسامح بسهولة لو اعتذرتي، بس برضو لازم امشي، وهشوف هيعمل ايه… ولو فضل زي ماهو كده، هعمل خطة تانية. مش ممكن أخسر كل ده بعد ما قربت أوصل.
وفي تلك اللحظة، دخل طه الغرفة أخرى وجلس على الفراش في الظلام. بدا عليه الحزن والضيق، وهو يفكر هل ما يفعله صواب أم خطأ. رغم أنه مازال في قلبه حب كبير لمنى، إلا أنه يشعر أن ما يفعله هو الشيء الصحيح، وأنه كان لابد أن يفعله منذ سنوات.
جناح ماسة وسليم
نشاهد ماسة وهي ترتدي فستانًا أنيقًا ومحتشمًا، تقف أمام التسريحة، تضع مستحضرات التجميل بخفة، تاركة شعرها ينسدل بسلاسة خلف ظهرها. زينت عنقها ويديها بإكسسوارات بسيطة، لكنها أضافت لمسة فاتنة جعلتها تبدو في غاية الجمال والجاذبية. كان واضحًا أنها تسعى لمصالحة سليم بعد حديث سابق بينهما.
بعد انتهائها من وضع اللمسات الأخيرة، غادرت غرفتها وهبطت إلى الطابق السفلي حيث مكتب سليم.
**********************
مكتب سليم
كان يجلس خلف مكتبه، منشغلاً على اللابتوب، غارقًا في عمله بتركيز شديد. ما أن اقتربت منه حتى شعر بوجودها، وكأن عطرها الذي يميزها سبق خطواتها. رفع رأسه عن الشاشة عندما سمع صوت كعب حذائها يتردد في المكان، رآها تقترب بخطوات متمايلة بإبتسامة مشرقة على شفتيها.
ماسة بلطف: لسه ماخلصتش؟
نظر إليها سليم بصمت، وملامحه أظهرت أثر غضبه المكتوم، وبدا واضحًا أنه ما زال يحمل في قلبه شيئًا مما حدث.
لم تتردد ماسة، بل اقتربت بخطوات واثقة حتى وقفت أمامه مباشرة. جلست على طرف المكتب وأمسكت بيديه، مركزة نظراتها في عينيه.
ماسة: هتفضل زعلان؟
سحب سليم يديه بجمود: أنا مش زعلان…
ابتسمت ماسة بإصرار وأعادت الإمساك بيديه مجددًا:
لا، أنت زعلان، أنا حقيقي آسفة، صدقني ماكنتش أقصد. الموضوع كله إنت فهمت غلط. أنا مستحيل أسمح لحد يتدخل بينا، ومش هستنى حد يقنعني أصالحك، أنا كان ممكن أعمل زي الستات التانيين، أقلب الترابيزة وزعل أكتر وأقولك إنت بتتهمني اتهمات كذب… بس أنا ماعملتش كده، لأني بحبك وبقدر مشاعرك. أول مرة أشوفك قاسي عليا كده.
سليم بوجع: أنا مش قاسي، أنا حسيت بوجع في قلبي وإنك خذلتيني. ماكنتش أتخيل إنك تستني حد يقولك تصالحي جوزك، تصالحي سليم اللي بتحبيه.
ماسة بتوضيح: والله العظيم مش ده اللي حصل، صدقني. أنا بس كنت متعصبة لما منعتني أدخل الجامعة والخروج اتعصبت أوي. وماما لما جت كنت بفضفض لها عادي، وبعد ما مشيت حسيت فعلاً إني غلطت في حقك. ماينفعش أخلي حاجة عبيطة زي دي تزعلنا من بعض وتبعدنا عن بعض، لأن اللي بينا أكبر بكثير من الحاجات دي، إيه يعني مخرجش؟ إيه يعني مروحش في حتة؟ كفاية هبقى معاك. وجنبك، حقك عليا، (وضعت قبله على أنفه بدلال)خلاص بقى يا كراملتي..ابتسمت بحب.
سليم نظر في عينيها وقال بعشق: قلتلك، وهفضل أقولها، اللي بعمله حب وخوف عليكي أنا بحميكي.
تبسمت ماسة وهي تهز رأسها، عارفة …
بقولك إيه… بلاش نتكلم في الموضوع ده. أنا فاهمة إنك خايف عليا وبتحبني، لكن لازم تفهم إن أي بني آدم بيجي عليه لحظات ضعف ورفض وده اللي حصل معايا اسفة.
نظر سليم إليها، وقد خفت حدة الغضب في عينيه، لكنه لم ينطق بشيء. ظلت ماسة ممسكة بيديه، تنتظر كلماته، بينما هو يحاول استيعاب مشاعرها وكلماتها الصادقة.
تنهدت ماسة وقاطعت الصمت وهى تنظر من حولها: بتعمل إيه كدة؟
سليم: مشروع جديد دخلت فيه، بس كبير شوية وهياخد مني وقت كبير في الفترة الجاية.
ماسة بلطف: طب حلو ده، ربنا معاك.
سليم: هنفتح أكتر من فرع للشركة بتاعتنا في أمريكا واليابان وإنجلترا، وممكن في قطر.
ماسة بحماس: واو، ده هيبقى مشروع ضخم جدًا! مصانع إيه بقى؟
سليم: لإنتاج الحديد والأسمنت بجانب تنقيب على البترول غير مشروع خاص بيا للتنقيب عن الذهب.
ماسة هزت راسها بإيجاب: طب والله كويس أوي، إنت كده هتوفر فلوس الشحن في التصدير، وفلوس الاستيراد المواد اللي بتستخدمها، كمان الشركات العالمية بيبقى لهم فروع في كل حتة، ربنا معاك يا حبيبي ..طب ايه؟ إنت هتكمل شغل ولا هتيجي نقعد مع بعض شوية؟
ابتسم سليم بحب: لا،هاجي نقعد مع بعض بس مش شوية باقي اليوم.
تبسم في وجهها ووضع قبلة على جبينها، ثم نظر إليها بنظرات مليئة بالحب، وضمها بعشق كبير. هبطت ماسة من على المكتب، وأمسكت يديه، وتوجها حيث غرفتهما.
♥️________بقلمي_ليلةعادل ________♥️
صباح اليوم التالي
السفرة السابعة صباحاً
يجلس جميع أفراد عائلة الراوي حول طاولة السفرة. الأجواء تبدو هادئة. غابت منى عن المشهد بعد أن رحلت، وكانت ماسة لا تزال نائمة في غرفتها.
عزت وهو يمرر نظراته بين الحضور بتعجب: غريبة فين منى؟ لسه نايمة؟
فايزة بإيجاز: راحت عند باباها.
عقد عزت حاجبيه بقلق واضح: في حاجة؟
طه مسرعاً: لا، مافيش. حبت تروح تقعد يومين كده.
عزت متجهاً بسؤاله لسليم: هتسافر يا سليم والا مش هتقدر؟
سليم بحسم: لا، أنا مش هينفع أسافر.. خلي رشدي يسافر مكاني.
نظرت فايزة لطه بنبرة جادة: طه، خلينا نروح مع بعض النهارده المجموعة، حبه ادردش معاك شوية.
طه هز رأسه موافقًا دون أن ينطق بكلمة.
كملوا فطورهم وهما يتبادلون الاحاديث العائليه البسيطه ثم توجهوا الى اعمالهم.
سيارة فايزة الثامنة صباحاً
فايزة وطه يجلسان في المقعد الخلفي لسيارة العائلة، يدور بينهما حديث جاد.
فايزة متسائلة بحدة: خير؟ مراتك مشيت بالشنطة الكبيرة ليه؟
طه بهدوء: مافيش، مشكلة بسيطة.
فايزة متعجبة: مشكلة بسيطة فتاخد شنطه هدومها الكبيره؟ دي أول مرة أشوف حاجة زي دي من يوم ماتجوزتوا! .. طريقتكم إنت ومنى الفترة اللي فاتت مكنتش طبيعية ومش مريحاني. في إيه يا طه؟ اخواتك بيدبروا حاجة لسليم؟ ومنى معاهم؟وانت رافض.
طه بسرعة: لا لا، مافيش حاجة. أنا بس متضايق منها من وقت ماعرفت إنها كانت معاكم في حادثة سليم. وكمان من وقت ماعرفت إن كل أخواتي بقى ليهم مشاريع، وهي مش عايزة تسكت ولا تبطل كلام مستفز.
فايزة بتأييد: طب ما هي عندها حق. المفروض يبقى ليك مشروع كبير زيهم. هما مش أحسن منك؟
طه مبررًا: طب ما أنا خليت الشركة تدخل في موضوع الشحن الجوي!
فايزة باستنكار: ده تجديد دم أو زيادة حجم الاستثمار، مش مشروع خاص ليك. لازم تفكر في حاجة تخصك. والباشا هيقف معاك، إنت طه الراوي!
طه بتردد: طب أعمل إيه يعني؟
فايزة بحسم: أي حاجة، حتى لو حاجة صغيرة. وبعدين أنا مبسوطة إنك كنت حاسم مع منى، سيبها. هترجع لوحدها، أنا متأكدة. منى أذكى من إنها تسيب كل ده، بس بصراحة، لو عايز رأيي… طلقها! وأنا هجوزك واحدة تليق بيك.
طه بنبرة حزينة: لا، أنا بحبها. وعندي أمل إنها تعقل. يمكن لما تحس إني اتغيرت وإنها ممكن تخسرني ترجع تاني زي الأول.
ضحكت فايزة ضحكه صغيرة بسخرية: منى ترجع زي الأول؟ هي طول عمرها زي ما هي، إنت اللي كنت معمي بحبها، ولسه.
طه بتنهيدة: يمكن. بس عموماً أنا اتغيرت، وهبقى صاحي ليها… صمت لوهله ثم تسال بحزن: تفتكري هترجع؟
فايزة وهي تهز راسها: يعني يومين أو تلاتة اسبوع بكتير؟
طه بحزن: برغم اللي حصل، لكن انا مش مبسوط، وجودها معايا في نفس المكان كان بيهديني. ولما مشيت… حسيت إني متضايق، حسيت بفراغ، بس ده مش معناه ان انا هرجع في قراراتي، حبي ليها واخلاصي اذانا اكثر من أنه أسعادنا.
هزّت فايزة رأسها بضيق، ثم قالت بقسوة: الحب ده لعنة. وتيجي تقولي: أنا ليه عملية؟! وليه قلبي جامد؟ عشان اللي أنا شايفاه دلوقتي فيك وفي سليم، الحب بيضعّف، بيموت، سعادتك وهدوءك بيصبحوا بيدوروا حوالين شخص، مرهونين بوجودة، لو الشخص ده اختفى تبقى انتهيت، عشان كده أنا بحاول أبعدكم عنهم، يمكن ترجعوا لعقلكم. بس فشلت، إنت وسليم ضعتوا.. بس على الأقل، سليم بيحب واحدة بتحبه، هي كمان عندها استعداد تضيع عشانه، إنما منى!! تؤ. حتى صافيناز، معميه بحب عماد، الطماع، كل همه يوصّل للعرش ويتخلص منك ومن إخواتك، أنا عارفاكم كلكم كويس اوي.
طه متعجباً: غريبة إنك عارفانا كويس كده وبتساعدي صافيناز وعماد ورشدي عشان يتخلصوا من ماسة، برغم انك عارفه ده ممكن يدمر سليم… حاولي تحبيها. أنا مش شايف إنها مشكلة عظمه يعني إنها بنت فقيرة، هي اتغيرت كتير، مابقتش البنت اللي شفناها عند منصور، حتى أهلها… حاولي تحبيها، أو بلاش، سيبيها. سليم مبسوط معاها. إنتي عايزة سليم يبقى مكان عزت؟ خلاص، سيبيها، لأن ماسة لو بُعدت عنه، سليم هيضيع فعلاً. إنتي لسه قايلة حبكم ضيعكم!
زمّت فايزة شفتيها بنكران: لا، سليم مش هيضيع. أنا هقدر أخليه يكرهها. هي اللي هتكرهه فيها بنفسها، بعدين. ماتدخلش في الموضوع ده.
ضيق طه عينه ونظر لها بريبه: الموضوع معاكي بقى أكبر من أنها لا تليق بعائلة، إنتي كرهها عشان هي خرجت سليمة من الخادثة، وسليم خرج منها… هو اللي ماذي…
ماما ده قدر ربنا يمكن ربنا عمل كده عشان تفوقي وتوقفي اي حاجه عايزه تعمليها.
نظرت إليه فايزة بنظرة تحذيرية: طه مدخلش نفسك في الموضوع ده. ركّز مع إخواتك. ولما منى ترجع، لو اكتشفت حاجة، بلغني.
طه أكد بثقة: أكيد، بس معتقدش إنهم هيتكلموا قدامي. هم عارفين إني مستحيل أقبل حاجة زي دي تحصل تاني.
فايزة بفحيح فاعي: معلش، خد بالك بس… وحاول ميصدرش منك أي ازعاج او غضب إنك رافض إنهم ممكن يؤذوا سليم، يعني حاول تجاريهم شوية. إنت هتبقى عيني وسطهم… بس أوعى تغلط يا طه، دول أفاعي.
ابتسم طه ابتسامةثقة: ماتقلقيش يا هانم، اللي يعاشرهم… بيبقى زيهم.
ثم هزّت رأسها بإيجاب، قبل أن تنظر امامها ، تحمل على عاتقها حملاً ثقيلاً اسمه سليم.
مجموعة الراوي العاشرة صباحاً.
مكتب عزت
يجلس عزت خلف مكتبه، منشغلًا في عمله. بعد دقائق دخلت نانا.
نانا بعملية: عزت باشا، أنا بعت الإيميل خلاص، أول مايجيلي الرد هبلّغك.
تفحص عزت بعض العقود: قول لي مواعيدي إيه النهارده؟
نانا بعملية: مفيش غير إن حضرتك هتلف على مصنع الحديد و ورش الذهب.
عزت مازال عينه على الأوراق: طيب، أخرجي إنتي.
توقفت للحظة، أمعّنت النظر فيه، تبحث على أي حركة… لكن دون جدوى. تحركت وأغلقت الباب، وعادت له.
نانا بتأثر: عزت… هتفضل مخصمني كده كتير؟
عزت متعجبًا: أنا مش مخاصمك.
نانا متأثرة: أمال مالك؟ بقالك أكتر من أربع شهور مطنّشني!
عزت بقوة: مزاجي كده.
نانا: موحشتكش؟
رفع عزت عينه ثال ببرود: اسمعي يا نانا، أنا مش على مزاجك…، إنتِ مزاجي أنا. وانتي دلوقتي مش مزاجي. يلا، روحي شوفي شغلك.
اقتربت منه نحاول استعطافة
نانا بعتاب: أول مرة تكون معايا، قاسي كده. حمدي ده مجرد عريس…
قاطعها عزت بحدة: مسألتكيش
نانا بتمني: بس كان نفسي تغيّر…
عزت باستنكار: أغيّر؟! إنتي هبلة؟
نانا: لأ، بس تعبت…نفسي أحس إنك ملكي.
أمسّكت يده بلطف ونظرت لعينيه: عزت أنا هستناك النهارده. إنت محتاجلي زي ما أنا محتجالك. أكيد وحشتك… ووعد، مش هضايقك تاني.
نظر لها عزت طويلًا
عزت بتحذير: آخر فرصة. بعد كده، هرميكي بره.
هزت نانا راسها بإيجاب بسعادة: وحشتني… ممكن أمشي دلوقتي علشان أجهز نفسي وأعملك حاجة بإيدي؟ بليز؟
عزت: روحي.
خرجت نانا وهي تشعر بالفرحة… بانتصار كاذب.
فيلا عائلة ماسة، السادسة مساءً.
الحديقة.
نرى سلوى ومكي يجلسان في الحديقة على طاولة، وأمامهما أكواب شاي.
سلوى بغضب: قول بقى إني غلطانة.
مكي بهدوء: لا، إنتِ مش غلطانة، بس أنا بحاول أوضحلك. سليم في وضع صعب.
سلوى بضيق: هتفضل تجمّل موقفه لحد إمتى؟!
مكي بتوضيح وعقلانية: مش تجميل مواقف، بس شوفي، والدك ووالدتك بيتكلموا من منظور تربيتهم وثقافتهم، وتربيتهم ليكم، هما شايفين انتم معظم عمركم وأساس تربيتكم مافيش خروج
بالنسبة لهم، البنت لازم تلتزم بالقواعد، والست لازم تسمع كلام جوزها طول الوقت. مدام بيصرف عليها كويس، ولا بيضربها ولا بيغلط فيها، شايفين إن ده كفاية، حتى لو ده مش عدل، هما فاهمين كده وبيبرروه معتقداتهم بشكل ده، عشان كده أمك وأبوكي كانوا شايفين إنك إنتِ وماسة غلطانين، ولازم تلتزموا. أمك شدّت معاكِم بطريقتها، وأبوك حاول يكون حكيم، لكن هما نفسهم متعودين على القواعد دي، بس لو ركزنا هم بردو مش غلط.
نظرت له بعين تقدح شررا أجابها مكي على تلك النظرة: افهمي انتم فعلاً متعودين على عدم الخروج وقاعدة البيت.
سلوى تنظر له بغضب: وإنت شايف إني لازم أقتنع بده؟ افهمني يامكي، إحنا مش كنا محبوسين كده كنا بنروح السوق، بنزور قرايبنا، بنخرج للغيط، مش قاعدين طول الوقت جوه السرايا. هو في ايه؟ عايزين تقولوا إن أنا وماسة مجانين؟ مكي اللي سليم فيه ده غلط، يا سيدي خلاص والله مش عايزها تخرج ولا تروح الجامعة، بس على الاقل هو يخرجها يسبها تيجي عندنا. حتى لو نفسيتُه تعبانة، مش مبرر إنه يحبسها بالشكل ده مكي ده لما بتتعب بيجيب لها الدكتور البيت.
مكي بعقلانية ونبرة حادة قليلاً:
فاهمك، ومش بقول إنه صح بنسبة كاملة، بس كمان مش غلط. سلوى، الحادثة بتاعتهم ماكانتش طبيعية، والفاعل لحد دلوقتي مجهول، إنتي بتتكلمي في إيه؟! ده مش حد فرقع جنبها بومبة وهرب، أركان الحادثة كانت مدروسة بشكل منتظم، خطة محكمة، شغل مافيا، أوعي تستهيني باللي عملها، إحنا مانعرفوش، ومانعرفش ممكن يعمل إيه، ولا مستني إيه! بس الأكيد إنه مش مستني سليم، كان قدامه فرص كتير يتخلص منه من زمان. فالمنطق والعقل بيقولوا إنه ممكن تكون ماسة هي الهدف، أو إنه بيلعب على أعصابه وخوفه، فإحنا كمان لازم نكون حذرين. وكمات مانقدرش نقول على تصرفه غلط مليون في المية. معاكي يخف الحبل شوية، يحط قواعد،يحط شروط بحراسة معينة وبشكل منظم، بس سليم ماينفعش يشيل الحمل لوحده، هي كمان عليها جزء من الغلط.
يتنهد بهدوء، ثم يقول برجاء:
كل اللي بطلبه منك دلوقتي…إني عايزك تتكلمي معاها،خليها تستحمله شوية.نفسيته فعلاً تعبانة،
وأنا متأكد إنه مش هيفضل كده على طول.
متأكد إنه هيسيبها تخرج قريب،بس خليها تعدي معاه المرحلة دي، سليم بيحبها وحميته ليها بشكل ده نبعه من محبه وخوف.
تنهدت سلوى بتعب: حاضر.
مكي: أنا هكلم طنط سعدية، وهخليها تسيبك تخرجي وتروحي لماسة والكورسات.
سلوى: لا، استنى يومين كده. الموضوع لسه سخن. بلاش دلوقتي. وبعدين اسمها خالتي، مش طنط.
مكي يبتسم: حاضر يا ستّي، ماما كمان. طب اضحكي بقى.
ابتسمت سلوى بضيق و بصمت
مكي بحب: وحشتيني.
سلوى بدلال: وإنتِ كمان
نظر لها مكي بابتسامة خفيفة: وانت كمان إيه؟
سلوى بابتسامة خفيفة: وإنت كمان وحشتني. بس ابعد شوية لو عمار شافك كده هيعمل مشكلة.
مكي ضاحكًا: هيعمل مشكلة؟ طيب ماشي. على فكرة، بعد يومين عندي ماتش ملاكمة… تيجي تتفرجي عليا.
سلوى: ماشي
مكي هو يحتسى الشاي: بكرة أنا رايح أدفع أول دفعة للفيلا.
سلوى بابتسامة: عارف، أجمل حاجة إنها قريبة من ماسة.
مكي بعقد حاجبيه: بعيدة عن القصر.
سلوى: قصدي قريبة من فيلا ماسة، مش بعيدة عنها.
مكي: أممم… بكرة هروح أخلص، وبعدين نبدأ نختار الديكورات.
سلوى: لسه بدري، قدامك سنة. أنا مش هتجوز غير في إجازة سنة اولى وبعدين أحمد ربنا إني أصلاً وافقت أتجوز بدري كده.
مكي تبسم: حقيقي شكرًا… والله ما عارف أقولك إيه. ماتحرمش منك ههههههه ..بس عشان الحاجات دي بتطول خلينا نبدأ شوية بشوية.
سلوى: ماشي.
ابتسم مكي، وردت هي بابتسامة خفيفة.
منزل سارة العاشرة مساءً
نشاهد عماد مستلقٍ على بطنه، وسارة تقوم بعمل له مساج. بدا عليه الاسترخاء الشديد.
عماد بتعب: آه يا ياسو… تعبان اوي.
سارة بدلال وهي تستمر في عمل المساج: سلامتك يا روحي، مالك؟
عماد بملل: الشغل تعبني جدًا.
سارة متعجبة: أمال سليم فين؟ مش كنت بتقول إنه راجع مركز وراجع أصعب مكان قبل مايتجوز ماسة؟
تنهد عماد باختناق: موجود، بس مركز في المشروع الجديد بتاعه، مشروع ضخم وعايز تركيز. أخده تحدي مع الباشا، لأن فيه مستثمرين ومساهمين داخلين معانا، غير مشروع التنقيب عن الذهب الخاص، وشركة السياحة بتاعته بقت من أهم شركات السياحة في مصر. أنا مش عارف بيجيب دماغ لكل ده إزاي، رامي حمل المجموعة علينا.
سارة بخبث: طب ما ده جميل. يا رب دايمًا يفضل كده مركز في حاجات تانية، أنتم بقى اثبتوا نفسكم وساعد صافيناز تثبت نفسها عشان تنافس وفي الآخر تقش إنت.
رفع عماد عينه مستنكرًا: هو رامي الحمل، بس الأستاذ كل أسبوع بيجتمع بينا. الاجتماع ممكن يبقى ست ساعات عادي، ولو حد فينا غلط أو عمل حاجة غلط، مش قادرة أقول لك بيعمل فيه إيه.
سارة باستغراب: استوحش يعني؟
عدل عماد من جلسته ونظر إليها بجدية: مش استوحش، بس من ساعة موضوع رجليه والحادثة وهو عايز يثبت إنه لسه سليم، بل أقوى كمان. بس دي حاجة ممكن نستغلها. عموماً إحنا دلوقتي مش بنعمل حاجة غير جمع الأوراق. لما الوقت المناسب ييجي، هنضرب ضربتنا. مش عايزين نستعجل زي زمان، بس أنا حاسس الموضوع قرب.
سارة بتمنى: ياريت يا عماد، بجد أنا تعبت. على فكرة مازن بدأ يسألني ليه باباه على طول مسافر ومش معانا. خصوصًا لما بيشوفك ظاهر في برنامج أو مجلة. مش عارفة أقول له إيه. بيقعد يقول لي مين اللي متصورة مع بابي دي.
عماد بشدة: ما أنا قلت لك تفضلي بره، ماسمعتيش الكلام.
سارة بقوة: أفضَل بره عشان تيجي لي كل شهر مرة؟
عماد بانزعاج: بقول لك إيه يا سارة، أنا كنت معاكي واضح. وإنتي اللي دخلتيني اللعبة دي. آه، اللعبة عجبتني عشان الملايين اللي بناخدها من صافيناز تخلي الواحد يحب جداً الوضع ده. واللي لسه هناخده. ماتنسيش خالص إن عربيتك الجديدة، المجوهرات، والفلوس، كل ده من صافيناز.
سارة: أنا بكلمك على الولاد دلوقتي. هنعمل إيه؟
عماد: الحل الوحيد إنك تفضلي مختفية زي ما أنتِ، ومفهمة صافي إنك مسافرة. مش هينفع تظهري تاني. الولد كبر، وممكن يقابل صافي ويقول لها أي حاجة. ومن رأيي، زي ماقلت لك، لازم تسافري أو تروحي محافظة تانية، زي إسكندرية مثلاً. وأنا هاجي لك كل أسبوع.
سارة بفرض سيطرة: لا، إنت كل يوم هتجيلي وتقعد معايا ساعتين أو تلاتة. تقول لها بقى إنك نزلت جيم، أو هتحضر كورسات، أو كنت بتسهر. أنا مليش دعوة، كل يوم تبقى عندي ساعتين تلاتة وتمشي. وبالنسبة للمبيت، كل خميس وجمعة ممكن أتنازل، يعني مش دايمًا. مش كل أسبوع تبات. اتفق مع الهانم مامتك، وهي هتعرف تسكت صافيناز ولو مش عشاني فكر في ولادك في كارمن ومازن هم دول مش زين ومريم
عماد بلطف: حاضر، وعشانك انتي كمان يا سارة انتي عارفة إني بحبك واني بعمل كل ده عشانك، صدقيني خلاص قلت لك قربنا، أنا خليت صافي تعملي توكيل بحق الادارة من غير ما حد يعرف.
سارة باستخفاف: قربنا إيه؟ ده فات أكتر من ٩ سنين بعدين الإدارة دي مش للمشروع بتاعها بتاع مستحضرات التجميل مش المجموعة.
نهض عماد: صدقيني قربنا، أنا هروح آخد شاور عشان أمشي.
♥️________بقلمي_ليلةعادل ________♥️
فيلا ياسين وهبة الصالون السابعة مساءً
نشاهد هبة تحمل طفلتها نالا وتلعب معها، نالا التي أصبحت في عمر العام. تنظر هبة إلى ابنتها بحب وحنان، وبينما تتبادل الضحك مع نالا وتظهر السعادة على وجهها.
أثناء ذلك دخل ياسين من الباب بعد أن فتحت له الخادمة.
ياسين بشوق، بابتسامة دافئة ترتسم على وجهه:
حبيباتي الحلوين، وحشتوني!
ووضع قبلة على خد هبة وقبلة على وجه نالا.
جلس بجانبهم قائلاً، وفي عينيه بريق من الحنين:
عاملين إيه؟ وحشتوني.
هبة، بابتسامة خفيفة على وجهها: تمام الحمد لله.
أضافت بدلال: نالا بتقول لك يا بابا هتفضل تتأخر كده كتير؟
ياسين، متنهداً: والله مضغوط في الشغل.
هبة بنبرة حزينة: بس أنا بزهق لوحدي.
ياسين، محاولاً تهدئتها: ما أنا قلت لك، روحي أقعدي مع ماسة في القصر، حتى تسليها بدل ما هي قاعدة بتكلم الحيطان.
هبة بنبرة غاضبة وعيونها تتسع: مش هينفع، عشان أنا مستفزة منها. مش عاجبني اللي هي بتعمله.
ياسين، متعجباً: وأنتِ عايزاها تعمل إيه؟ يعني تعاند سليم وتسيبه؟
هبة بتوضيح: مش تعانده، بس ترفض اللي هو بيعمله وتسيب له البيت وتمشي.
ياسين، محاولاً إقناعها بنبرة هادئة: ماينفعش يكون حل الأمور بالشكل ده. اللي بينهم حب كبير، واللي مروا بيه صعب.
هبة،بضجر: إيه الحل برأيك؟! تبقى خاضعة وتقول حاضر ونعم وأمرك يا سي السيد؟ إنت شايف إن اللي هو بيعمله ده طبيعي؟ عارف هي تستاهل لأنها قبلت على نفسها كده؟ أنا مش عايزة الصراحة أشوفها، لأن لو شفتها، هتضايق، وهتكلم معاها وهنتخانق مع بعض، لأنها رافضة أصلاً حد يتناقش معاها، بعد المشكلة اللي حصلت مع مامتها .. (بحزن) بس بجد بتكلم نفسها؟!
ياسين، تبسم موضحا: أنا مش قصدت إنها بتكلم نفسها بالمعنى الحرفي، ده التعبير مجازي. وبعدين، بالراحة عليها شوية هتعمل إيه؟ هي بتحبه، لازم تتحمل، الحب تضحية. لازم تضحي هو ضحى عشانها كتير .. بعدين. بلاش نتناقش في الموضوع ده. عموماً، انتِ كده كده لازم تروحي القصر أو تروحي عند والدتك، لأن أنا مسافر بكرة عندنا نقل ذهب.
رفعت حاحبها بغضب: مهرب؟؟
رد ياسين: ماتبصليش كده، أنا بطلت أشتغل في حوار الآثار عشان خاطرك، أكتر من كده مش هعمل، مش هينفع، ده شغل المجموعة.
هبة، بعينين مليئتين بالقلق والحب: ياسين، أنا مش موافقة على الشغل ده.
ياسين بقوة: وأنا ماطلبتش موافقتك يا هبة، ده شغلي وأنا مكذبتش عليكي من الأول. قلتلك إننا بنشتغل في الذهب المهرب، وأنتِ بنفسك قلتِ إنك عارفة إن الذهب اللي بيجي بالكميات دي لازم يكون فيه نسبة تهريب. ولعلمك، حتى لو مش مهرب، وحتى لو بعلم الحكومة، هتبقى في نفس الخطورة. أنتِ فاكرة عشان ننقلهم من مكان لمكان ده حاجة عادية؟ لا طبعاً، المشكلة مش في الحدود، الحدود دي أسهل ما يمكن، لكن الخطورة وإحنا على الطريق، ممكن حد من منافسيننا أو أعدائنا يحاول يعمل كمين.
هبة بتوضيح وهى تضع يديها على كفه تحاول اقناعه: حبيبي، أنا عايزاك تبعد عن الشغل ده كله زي سليم. إحنا مش محتاجين الشغل ده. خايفة عليك، خايفة يحصل لك زي ماجرى لسليم.
ياسين، محاولاً التخفيف عنها: قلت لك، أنا غير سليم، هو كان عامل مشاكل كبيرة مع ناس كبار. اتسبب في قتل واحد منهم، ده غير الناس اللي كان عنده مشاكل معاهم هنا. يمكن كل المصائب دي حصلت له بسبب المجموعة، لكن سليم من زمان وهو كده مجنون، ماتغيرش غير بعد جوازه. لكن أنا ماليش علاقة بالحاجات دي.
هبة، بنبرة يملأها القلق، عيونها مليئة بالأسئلة: بس أنت قلت لي إنك دورت وراهم كلهم، وماطلعوش هما.
ياسين، وعينيه تغطيها غيمة من الغموض: لا، هيطلع حد منهم، بس المشكلة إنه مافيش أدلة عليهم. لكن ماينفعش أقول لسليم كده، رغم إني متأكد إن سليم فكر نفس الفكرة دي،بس مش قادر ياخد خطوة، لأنه ما معهوش أدلة.
هبة، بضجر: والله حاسة إنك بتتكلم عن عصابات مافيا زي اللي بنشوفها في الأفلام.
ياسين، بلهجة جادة وعينين مليئة بالقلق: بصي يا هبة، إحنا شغالين مع منظمات كبيرة جداً، مافيا بمعنى أصح. وأنا بعدت عن شغل الآثار، عايزة أكتر من كده إيه؟
هبة، بنبرة حزينة: طب لو قلت لك يا أنا يا شغل ده.
ياسين، بوجه متجهم بنبرة قويه: هبة، لو سمحتي، أنا مش عايز مشاكل ولا عايز وجع دماغ. بتعملي إيه؟ بتقارني نفسك بإيه؟ وبعدين، أنتِ عارفة كويس إني م بحبش الطريقة دي، والطريقة دي بتيجي معايا بنتائج عكسية…. يلا اطلعي حضري لي الشنطة، خليهم يحضروا لنا العشاء. أنا تعبان، وجعان، وعايز أنام.
هبة، بصوت مختنق بالحزن: أنت عارف، أنت مش هترتاح غير لما يحصل لي أنا وبنتك حاجة
ياسين بثقة: أنا بقول لك مش هيجي اليوم ده.
هبة، بعينين مليئتين بالحزن والتساؤل: ليه متأكد اوي كده؟ أنت مش قلت حتى اللي مش مهرب عليه خطورة.
ياسين: عشان إحنا طول عمرنا عايشين في الموضوع ده وماحصلش حاجة.
هبه متعجبة: منين في خطورة؟ ومنين ماحصلش؟ أنتِ بتكذب على نفسك ولا بتكذب عليا؟ أنت اللي حابب تشتغل وتكمل في الشغل ده.
ياسين، بغيظ محاولا تغيير الموضوع: هاتي نالا، ألعب معاها شوية.
نهضت هبة، وعيناها مليئة بالحزن: عموماً، أنا مش هتكلم معاك تاني وهسيبك براحتك. بس فكر في بنتك.
تحركت وتركته، بينما هو نظر لها بصمت، ولا مبالاة، ثم أخذ يلعب مع ابنته.
((خلال أسبوع))
لم يتصل طه بمنى ولو مرة واحدة، مما جعلها تشعر بالغضب والضيق. كان هذا بالنسبة لمنى إعلانًا واضحًا بأن طه قد تغير بشكل كبير. تلك الحادثة التي اتفقا عليها للتخلص من سليم كانت القشة التي قصمت ظهر البعير. لكن إلى متى ستستمر هذه العلاقة في التوتر؟ رغم أن طه يحب منى، إلا أن شخصيته الضعيفة تظل عائقًا أمام استقرار علاقتهما.
أما عن ماسة وسليم فعلاقتهما التي كانت قد شابها بعض التوتر عادت إلى طبيعتها واستقرت.
وبالنسبة لياسين، فقد سافر وأشرف على عملية نقل الذهب، وعاد بسلام دون أن يحدث له أي مكروه.
((بعد اسبوع))
♥️________بقلمي_ليلةعادل ________♥️
في أحد المطاعم الكبرى،الرابعة مساءً.
كان طه جالسًا على إحدى الطاولات وهو يحتسي الخمر، وكان أمامه طبق طعام. بعد قليل، اقتربت منه منى، سحبت الكرسي وجلست أمامه.
منى، بتأثر وتمثيل الشوق والحزن: إزيك يا طه؟
طه رفع عينيه نحوها قائلاً: الحمد لله، بخير. في حاجة عايزاني في حاجة مهمة؟
منى، متعجبة: أنا مش مصدقة إنك قدرت تبعد عني لمدة عشرة أيام بحالها! لا وكمان اتحايلت عليك علشان تقابلني! للدرجة دي يا طه؟
مررت عينيها عليه وقالت: ما شاء الله عليك، يعني بتاكل وبتشرب وكأنك نسيت منى حبيبتك؟
طه، بجمود وهو يتناول الطعام: منى، بلاش الأسلوب ده. مابقاش يجيب معايا أي نتائج.
منى، وهي تشير على نفسها تدعي انها ضحيه: أنت بتتهمني؟ تقصد تقول إني بمثل؟ أنا مش جاية أتخانق معاك، أنا جاية أصالحك وأعتذر لك، لأنك وحشتني تعمل كدة.
وضعت يديها على يديه وقالت بعين ترقرق بدموع: أنا آسفة يا طه. أنا عارفة إن الفترة الأخيرة كانت غريبة بسبب هوسي بالكرسي، لكن اعمل إيه؟ أنا نفسي تبقى الملك الجديد، أنت مش عارف ايه اللي ممكن يعملوه أخواتك فينا، لكن لما فكرت كويس لقيت إنك صح، سليم هيحافظ على حياتنا، أما أخواتك لأ. طه، أنت وحشتني .. أوعدك إني مش هتدخل في أي حاجة بعد كده، وهبعد عن كل المؤامرات وعن رشدي وصافيناز… هو أنا ماوحشتكش؟ أنت مش بتتكلم ليه؟
كان طه ينظر إليها، ولا يعرف ماذا يقول، فهو اشتاق لها، لكنه كان يحاول أن يبدو متجمّدًا لكي لا يضعف أمامها وتستغل ذلك. كانت أفكاره متضاربة بين المسامحة أو أن يظل كما هو لكي يعاقبها ويعقلها.
منى: طب، أنا ماشيّة مش هزعجكك
توقفت لكي ترحل، لكن طه أوقفها مسرعًا: استني.
هنا ارتسمت على وجه منى ابتسامة خبيثة، فقد نجحت في خطتها الثانية التي قالت عنها. التفتت له وقالت: عايز إيه؟ انت حتى مش عايز ترد عليا!
طه: الولاد بيسألوا عليكي لازم ترجعي.
منى بتحدي: أولاد! أنا بسأل عليهم وأطمن عليهم، لكن مش هرجع القصر طول ما أنت مش عايزني. بتعاملني كده، بتنام في أوضة لوحدك، دي قصتنا كانت بيتحكى بيها. دي كانت أحسن كمان من ماسة وسليم وهبة وياسين.
طه، بتجهم: قولي لنفسك، من ساعة ماسليم اتجوز ماسة، وانتِ اتجننتِ.
منى بغضب: بصراحة،ماكنتش عايز البنت الخدامة دي تنتصر علينا، ولا تنتصر عليّا. وإنها هتبقى الملكة،
وبعدين انت وعدتني وعشمتني لما كان سليم مسافر طول السنه دي اللي الباشا طرده فيها انك هتبقى الملك وهتحارب، وانا حلمت، احلامي كلها اتهدت فجاة، عشان كده ما قابلتش الهزيمه بسرعه.
هزت رأسها بلا وأضافت: خلاص، مش عايز أتكلم في الموضوع ده. المهم إنك تسامحني ونرجع مع بعض زي زمان.
طه: توعديني إنك مش هتفتح معايا الموضوع ده تاني؟
منى: أكيد مش هفتح معاك الموضوع ده تاني.
صب طه لها كأسًا: طب اشربي.
منى بابتسامة مكر: في صحة المصالحة وحبنا اللي دايمًا بينتصر يا توتي.
في قصر الراوي.
الحديقة الخلفية الثالثة مساء
كانت الحديقة الخلفية تنبض بالهدوء، والنسيم العليل يهمس بين الأشجار. جلست ماسة وسلوى سويًا، ومكي بجوارهما، يتبادلون الاحاديث بتودد.
ماسة بابتسامة خفيفة: طب والله كويس انكم اتصالحتوا.
سلوى، بابتسامة هادئة: كويس ان ماما وافقت إني أخرج، ده لولا مكي مكنتش هعرف أخرج.
ماسة بمزاح: كويس حماتك طلعت بتحبك أهو.
مكي، بمزاح هو انت فاكراها وافقت بالساهل؟ دى سعدية طلعت عنيدة وصعبة ما شاء الله انتم الاتنين نسخه منها.
ماسة، بابتسامة هادئة: بس وافقت في الأخر الحمد لله، ده معناه إنك غالي عندها.
سلوى، بتساؤل عميق: طب انتي كده خلاص يا ماسة، يعني اقتنعتي؟ انتي بجد مقتنعة ولا إيه؟
ماسة، وهي تنظر للأرض قليلًا قبل أن ترفع رأسها: “أيوه، أنا مقتنعة. هو إحنا من إمتى كنا بنخرج ونروح ونجي؟ احنا لما كان عندنا 15سنة مانعرفش كفر الشيخ دي عاملة ازاي. كفر الشيخ إيه؟ مانعرفش الكفر نفسه اللي احنا كنا فيه عامل ازاي؟! آخرنا سور المزرعة والسوق وأرض منصور، بعدين مش عايزة أتكلم في الموضوع ده. المهم انتوا رسيتوا على الفيلا اللي احنا شفناها؟
مكي، بإجابة هادئة: أه ودفعت اول قسط، وهنبدأ نجهزها.
ماسة، بحماس: طب كويس والله، أنا مستنياكوا عشان أختار معاكم من الكتالوج.
مكي، بحذر: أنا هحاول مع سليم وقتها يعني، يمكن.
قاطعته ماسة: طلعوني بره الحوارات دي، أنا ماليش دعوة زهقت مشاكل.
سلوى، بابتسامة مريحة: طيب ماشي، أنا هقوم عشان هخرج مع هبة والبنات ماصدقت أمك فكت عليا الحصار.
ماسة، بنبرة متوسلة: خليكي شوية.
سلوى، مبتسمة: دول مستنييني
مكي نهض،: هوصلها وأرجع.
ماسة، بحزم: ماشي براحتك..
قبلتها سلوى وضمتها ثم تركتها، لتغادر بهدوء. جلست ماسة لفترة، تنظر إلى آثارهم بصمت، ثم نهضت وأخذت تتحرك بين أشجار الحديقة بصمت لا تعرف ماذا تفعل. دخلت صالة المعزوفات، حيث ألقت أناملها على البيانو، وبدأت تعزف أحد الألحان بهدوء، وكأنها تُعبّر عن مشاعرها بطريقة موسيقية في هذه اللحظة الخاصة.
((بعد وقت))
مازالت ماسة تجلس أمام البيانو تعزف أحد الألحان، مشاعرها تتنقل بين الأوتار، وكأنها تخاطب روحها من خلال كل نغمة، وبعد قليل جاء سليم.
سليم بعشق: Aşkım
انتبهت له ماسة، ونظرت إليه بابتسامة خفيفة، قلبها يرقص مع الكلمات. وضع قبلة على خدها، شعرها يرفرف بخفة كالعصفور بين يديه.
ماسة: كراميل جيت بدري أوي.
سليم: أمم، خلصت شغلي. الصراحة، من بكرة هتأخر شوية عشان المشروع الجديد فقولت آجي بدري أقضي اليوم معاكي، بتعزفي إيه؟
تبسمت ماسة وعزفت اللحن بنعومة وقالت: أغنية بلالم أغنيه تركية.
سليم: جميلة، بس حزينة.
ماسة: اممم بس موسيقتها رائعة تعال، اعزف لي شوية.
ابتعدت قليلاً وجلس بجانبها، بدأ بالعزف لحن رومانسي، وكأن الألحان تروي لهما قصة حب. بعد الانتهاء، صفقت ماسة بيدها، وعينيها تلمعان بتقدير.
ماسة بحماس: جميل أوي.
سليم: ها، عملتي إيه؟
ماسة: ولا حاجة، جيم وسلوى جت قعدت حبة وبعدين جيت قعدت هنا.
سليم: طب، تعالي نروح أوضتنا نقضي يوم فيها.
ماسة بحماس: يلا.
بالفعل صعدا إلى الجناح، وبقيا فيه طوال الليل يتبادلان الأحاديث والضحكات، يشاهدان الأفلام، ويلعبان معًا. وختموا ذلك بلقاء عاشقين بحب وشوق.
نرى ماسة تضع رأسها على صدر سليم، وهو يحيط بها بذراعيه حول ظهرها، عاري الصدر، أنفاسه مرتفعة قليلاً أثر ملحمة العشق التي جعلت الوقت يتوقف حولهم.
تساءلت ماسة: هتيجي بكرة على كام؟
سليم: ممكن ٩ او ١٠.
ماسة: كتير.
سليم بأسف: معلش ياقلبي، شغل مهم.
ماسة: ماشي.
سليم بتعب: أنا هنام، مش قادر.
ماسة: طب أنا هأخد شاور وأتفرج على التلفزيون.
سليم متعجبًا: تلفزيون إيه؟ الساعة ١.
ماسة: مش عايزة أنام. نام إنت بس خد شاور الأول.
سليم: مش قادر. هصحى قبل الفجر وأخد شاور.
ماسة: ماشي يا حبيبي.
وضعت قبلة على خده، وكأنها تخطف لحظة صغيرة من السكون، نام سليم بينما أخذت ماسة حمامًا، ثم جلست تشاهد التلفاز بملل، وكأنها لا تجد شيئًا يشغلها، تتنقل بين القنوات بلا هدف، في حين كانت تشعر بعدم الرغبة في النوم، إذ لم يكن هناك ما يثير اهتمامها ..
وخلال تلك الأيام . بدأت ماسة تستسلم للواقع. كانت تخطط لاستئناف حياتها كما كانت، فتستيقظ مبكرًا، وتمارس الرياضة، وتركب الخيل، وتستمر في تعلم البيانو وعزف الجيتار. كانت تنتظر عودة سليم من عمله ليشتركا في الأنشطة اليومية التي تعطي حياتهما سعادة.
أما باقي العائلة، فكان كل فرد مشغولًا بحياته الخاصة. سلوى ركزت على تطوير نفسها وقلّت لقاءاتها مع ماسة، بينما كان سليم مشغولًا في عمله ويحاول العودة في وقت مبكر ليكون مع ماسة.
كانت حياة ماسة مملة، وبدأت تتوقف عن التحدث مع سليم عن خروجها حتى مع نفسها. وكأنها قبلت الواقع بحالة من الاستسلام التام، واكتفت بالصمت، متعايشة مع الوضع رغم قسوته، حيث كانت المشاعر المكبوتة تخفي وراءها هدوءًا مرعبًا.
أما منى وطه، فقد عادا إلى القصر وكانت الأمور هادئة بشكل غريب، وكأنها تريد أن تثبت لطه أنها قد تغيرت.
قصر الراوي، الثانية مساءً
جناح سليم وماسة.
كانت ماسة تجلس مع سعدية على الأريكة تشربان الشاي وتتناولان الكيك.
سعدية بحنان: طب كويس يا حبيبتي، ربنا يهدي سرك ويهديكي يا ماسة. اوعي تزعلي مني يا بنتي، بس أنا لازم أنورك. اللي إنتِ فيه ده ماكانش ينفع. سليم بيحبك ويستاهل إنك تتحملي عشانه أي حاجة.
تبسمت ماسة بلطف: لا أنا مقدرش أزعل منك، إنتي كان عندك حق يا ماما. أنا إللي مش عايزاكي تزعلي مني، صدقيني ماكانش قصدي أي حاجة. أنا بس كان نفسي أجي لك، أشوف عمي وخالاتي يعني حسيت ان الوضع كل مادا بيسوء.
سعدية: هما هييجوا لك، وإحنا كمان هنجي لك يا حبيبتي على طول إن شاء الله.
ماسة: أمال سلوى فين؟ ماجبتهاش معاكي؟”
سعدية: نزلت تجيب لبس، عشان الجامعة الأسبوع الجاي.
ماسة مدت وجهها بإيجاب: أيوة صح، ربنا معاها.
سعدية: محدش فيهم عمل لك حاجة؟
ماسة: لا أصلًا مابشوفهمش غير بالصدفة.
سعدية بحكمة: ربنا يبعد عنك شرهم، (بنصح) بس أنا عايزاك يا بت تبقى مصحصحة لهم. خلاص سليم، فاق وبقى كويس، لو حد هوّب ناحيتك، قولي له على طول. بس أنا عارفة،انهم مايقدروش، جبنا، عارفين إنه لو حد مسك بريشة هيحطهم تحت رجليه.
تنهدت ماسة وتكلمت بهدوء: أنا أصلاً بعيدة، مش عايزة أتحط في أي موقف معاهم. مش جبن مني، بس بصراحة كده أحسن.
سعدية بتبتسم بحنية وتحط إيدها على كتف ماسة: عندك حق، انتِ بس خدي بالك من نفسك ومن جوزك يا حبيبتي. الدنيا ماتستاهلش نزود همومنا ومشكلنا مع ناس زي دول.
ماسة تحاول تغيّير الموضوع وبتضحك بخفة: هخليهم يطلعوا لنا الغداء، إيه رأيك؟”
ضحكت سعدية بخجل وعدلت طرحتها: ماشي يا حبيبتي، بس أنا هاكل لقمتين معاكي وأمشي على طول. ماعملتلهمش أكل في البيت، وأبوك انتِ عارفة ما بيحبش ياكل إلا من إيدي.
ماسة تبسمت بمحبة: ماشي، ربنا يديمكوا لبعض.
في أحد المولات الثانية مساءً
نرى مكي وسلوى يشتريان الملابس المتنوعة والأحذية والحقائب وهكذا. كان يبدو على سلوى الحماس بشدة لأنها سوف تذهب إلى الجامعة، الحلم الكبير الذي طالما كانت بانتظاره. كان مكي يساعدها في اختيار ملابسها. كانت تختار ملابس محتشمة فضفاضة، فمكي كان يرفض أن ترتدي ملابس ضيقة.
تبادلا الأحاديث والابتسامات وهم يختاران الملابس، خاصة عندما لا يعجب مكي شيء، كانا يمزحان مع بعضهما. وبعد الانتهاء، جلسا على إحدى الطاولات يتناولان وجبة الطعام في أحد المطاعم الشهيرة للوجبات السريعة.
سلوى وهي تتناول الطعام: أنا مش هاخدك معايا بعد كده وأنا بجيب لبس.
مكي: ما تاخدنيش، ماشي مفيش مشكلة، بس برده مش هتلبسي الحاجات اللي إنتِ بتختاريها.
سلوى بضجر: هو إنت ليه محسسني إني كنت بختار بدل رقص؟ لبس عادي على فكرة.
مكي باستنكار: عادي إيه؟ ده ضيق.
سلوى باعتراض: مش ضيق، إنت اللي أوفر، وأنا مش تخينة، أنا رفيعة، ده أنا أرفع من ماسة.
مكي بغيرة: بالنسبة ليا ضيق.
سلوى باستفزاز مازح: على فكرة، إنت أصلاً مالكش حكم عليا غير لما أبقى مراتك.
مكي بمزاح: طب ماتخلينيش أروح أكلم ماما سعدية وبابا مجاهد، إنتِ عارفة إنهم بيحبوني، بالذات أمك، بتموت فيا، هروح وأقولها تخلينا نكتب الكتاب عشان نعرف نخرج مع بعض براحتنا، بدال ما فضل بالساعتين أتذل لعم مجاهد عشان يوافق نخرج سوا.
وأعرف أشكمك كمان.
سلوى: اعملها عشان يومك يبقى مش فايت يا مكي.
نظر لها مكي بمزاح وهو يضحك: إنتِ كلك على بعضك قد كده، بس لسانك عشرة متر. بطلِّي لماضة إنتي هتعملي ايه يعني.
ضيقت عينيها: كتير لا إنت متعرفنيش إنت مخموم عشان أنا قصيرة وصغيرة في نفسيي لكن أنا قوية ومفترية.
ضحك الاثنان معا بسعادة
سلوى بسعادة: بس إنت عارف أنا متحمسة اوي وفرحانة إني رايحة الجامعة. مش عارفة أول يوم هيبقى عامل إزاي. يعني هابقى لوحدي، مافيش حد معايا، أصلاً أنا عمري مادخلت مدرسة، أدخل مرة واحدة الجامعة ولوحدى،. أنا مش عارفة الكليات بتبقى عاملة إزاي، بتبقى زي اللي بيطلعوا في التلفزيون كده؟
مكي بتأييد: آه، بتبقى زي مابيطلعوا في التلفزيون، تقعدي في البنج المدرج يعنى، وتسمعي الدكتور وهو بيشرح، ممكن تكتبي وراه الملاحظات. المهمة، موضوع التعارف بتاع أصحابك ده، هتلاقي نفسك واحدة واحدة بتتعرفي عليهم. إنتِ أصلاً شخص اجتماعي يعني، مش هتاخدي وقت الموضوع بسيط خالص ماتوتريش نفسك زي الكورسات بالظبط يا سلوى مابيختلفش عن الكورس حاجة، بس الفرق إن هي أكبر، ليها سياسات مختلفة لكن نفس الموضوع.
سلوى بتاييد: صح عندك حق، بس عارف، أنا خايفة أو مش خايفة، مش عارفة، في إحساس كده جوايا مخوفني، لأن أول مرة.
مكي بحتواء: تحب أروح معاكي؟
ضحكت سلوى: مش للدرجة دي، بس ممكن توصلني عادي.
مكي بحب: أكيد يا حبيبتي هوصلك وهجي آخدك كمان، انتي بس خدي بالك لو في واحد قاعد جنبك، ماتتخضيش. ده الطبيعي. بس طبعاً الأفضل إنك تقعدي جنب بنات، عشان لو قعدتي جنب ولاد، أنا هعرف وساعتها هقطع زمارة رقبتك
سلوى:.انا أصلاً أتكسف أقعد جنبهم، كان نفسي ماسة تبقي معايا.
مكي: بلاش، الكلام في الموضوع ده. إنت كده خلاص مش هتشتري حاجة تاني؟
سلوى: لا، هشتري بس كشكول وقلم وخلاص كدة.
مكي: تمام. كملي أكلك بقى عشان أسلمك لعم مجاهد لأنه ماسك لي الساعة.ضحك الاثنان
قصر الراوي
الحديقة السابعة مساءً
نرى فايزة ومنى تقفان في الحديقة أمام المسبح تمسكان كاسات من العصير،، كان يبدو على ملامح فايزة الضجر.
فايزة بقوة: اسمعيني كويس يا منى أنا مش هسمح اللي حصل ده يحصل تاني، أوعي تفكري تزعلي طه منك تاني.
منى بتوضيح: أنا مازعلتش طه مني! ابنك متعصب ومتضايق اوي عشان كنت معاكم في موضوع الحادثة.
اتسعت عين فايزة قالت بنبرة ونظرة حادة: وطي صوتك انتي اتجننتي عزت وفريدة جوه.
منى بابتسامة مكر: أصل حضرتك داخلة تهاجميني، فأنا حبيت أوصل لك إن طه هو اللي محتاج تركيزك. لأنه شكله مش لامم لسانه خالص، وضميره كل شوية يأنبه. محتاج حاجة تهديه بدل مايضيعنا كلنا، وأولنا حضرتك. بعد إذنك.
تحركت منى لتغادر، لكن أوقفتها فايزة بحدة.
فايزة بتهديد: أوعي تكوني فاكرة إني هخاف منك. إنتي مصيرك ممكن يبقى نفس مصير اللي قبلك، خدي بالك من نفسك، لو حطيتك في دماغي، صدقيني هتندمي.
نظرت منى بثبات لكن بداخلها تشعر بالتوتر :حضرتك بتهديدني؟
تقدمت فايزة خطوة وتوقفت أمامها بقوة وجبروت: أوعي تخليني أتضايق منك، أنا كده كده مابحبكيش. ومحدش في القصر ده بيحبك غير طه، وطه نفسه بدأ يتضايق منك، فاللي كنتي ساندة عليه بدأتي تخسريه، ولو فكرتي تهدديني تاني أنا هخليكي تتمني الموت وما تلاقيهوش.
منى بتلعثم محاولة الرد: العفو يا هانم أنا مش بهددك، كل الحكاية…
فايزة قاطعتها بحدة: مش عايزة أسمع منك أي كلمة، أنا المهم عندي ماتزعليش طه تاني، تقولي له حاضر ونعم.ولو حسيت إنه زعلان، أنتي عارفة كويس أنا ممكن أعمل إيه!! أنا اللي مصبرني عليك ولادك بس.
تركتها فايزة وتحركت لداخل المبنى، أخذت تنظر منى لها بصمت وهي تقول في نفسها: هصبر وهستنى لحد مايجي اليوم وهدوس عليكم كلكم وهتشوفوا منى هتعمل فيكم ايه؟
جناح سليم وماسة العاشرة مساء
نرى ماسة تجلس أمام جهاز الكمبيوتر، تشغل الأغاني بصوت عالٍ جدًا وتلعب إحدى الألعاب. بعد قليل، دخل سليم إلى الجناح وهو يحمل علبة كبيرة من الشوكولاتة.
سليم: عشقي!
نظرت له ماسة بابتسامة: سليم! جيت أخيرًا.
سليم بابتسامة جذابة: إيه ياقلبي، عاملة إيه؟طبع قبلة خفيفة على خدها.
نهضت ماسة بحماس:الحمد لله. إيه اللي في إيدك ده؟
سليم: شوكولاتة.
فتحت ماسة العلبة بحماس، وبدأت تأخذ قطعة منها: طعمها حلو اوي!
سليم: بعت وجبتهالك من سويسرا مخصوص.
ماسة بابتسامة: ميرسي يا حبيبي، اتغديت؟ قصدي تعشيت؟
سليم رفع كتفه بنفي: تؤ وجعان جدًا.
ماسة: أنا كمان. هطلب منهم يحضروا لنا العشاء. أنا برضه ما أكلتش..صحيت النهاردة متأخر الساعة 1:30 كده؟ ماما جات وأكلنا مع بعض بعدين مشيت وفضلت بقى قاعدة على الكمبيوتر من وقتها.
سليم باهتمام: حاولي تريحي عينك شوية عشان ماتتعبيش
ماسة بملل: ياسليم بزهق، هو الحاجة الوحيدة اللي بتسليني المهم، أنت هتتأخر كده كل يوم؟ لازم تيجي لي الساعة 9 أو 10 كده.
سليم وهو يربت على كتفها بحنان واعتذار: أسف يا ماسة، الفترة دي بس.
ماسة تبسمت بلطف: طيب، أنا هقول لهم يحضروا لنا العشاء، عقبال ماتغير هدومك؟
بالفعل، بدأ سليم في تبديل ملابسه بمساعدة ماسة بعد أن طلبت العشاء، ثم جلسا معًا وتناولا العشاء. تبادلا الأحاديث وهم يشاهدان الأفلام في جو مليء بالهدوء والسعادة
مرت الساعات بسرعة، وكان الجو في الغرفة هادئًا ودافئًا. مع اقتراب الساعة 12منتصف الليل، بدأ التعب يظهر على سليم.
سليم بتعب: مش قادر أستحمل أكثر، لازم أنام.
نهض سليم وذهب إلى الفراش، بينما ماسة جلست في مكانها قليلاً، تتأمل في الهدوء الذي يعم المكان تشاهد التلفاز.
في اليوم التالي، استعد سليم للذهاب إلى عمله.
وهكذا أصبحت الأيام بالنسبة لها، روتين ممل كل يوم يمر كأنه نسخة مكررة من اليوم الذي سبقه. تستيقظ ما بين الساعة العاشرة صباحًا أو الثانية عشرة ظهرًا، تبدأ يومها بشيء من الرياضة، محاولة لإعادة بعض النشاط لجسدها المرهق. ثم تجلس للعزف مع معلم الموسيقى، تحاول أن تجد في الألحان مهربًا من رتابة حياتها.
أحيانًا، تأتي سلوى أو والدتها لزيارتها، تجلب معها بعض الدفء العائلي المفقود. أما سليم، فحياته مليئة بالعمل، لا يأتي إلا في المساء، يجلس معها لساعتين أو ربما أكثر، لكن الساعات تمر بسرعة، يطغى عليها الصمت أكثر من الحديث.
ثم يعود كل شيء إلى ما كان عليه، تستيقظ لتبدأ يومًا جديدًا يشبه ما مضى، وكأن الحياة توقفت في دائرة لا خروج منها.
♥️________بقلمي_ليلةعادل ________♥️
ـ الجامعة الأمريكية، الثامنة صباحاً
ـ أمام إحدى الجامعات الخاصة، توقفت سيارة مكي عند بوابة الجامعة. وبعد لحظات، فتح مكي الباب ونزلت سلوى. وقفا قليلاً أمام بعضهما البعض.
مكي: جاهزة؟
سلوى بحماس: جاهزة.
وأثناء ذلك اقترب أحد الحراس مد يده وأعطى ورقة لمكي
قرأ مكي ما في الورقة وهو ينظر لسلوى قال: ده الجدول بتاعك النهاردة. عندك ثلاث محاضرات، كمان 10 دقائق. اول المحاضرة بتبدأ دلوقتي. هتدخلى أول مبنى يقابلك وتطلعي الدور الثالث. هتلاقي المدرج والا أوصلك؟
سلوى باعتراض طفولي: هو أنا صغيرة ،هاعرف أدخل لوحدي؟
مكي ابتسم: لما تخلصي هتلاقيني مستنيكي الساعة 4 بالظبط.
سلوى: خلاص، ماشي. يلا، سلام.
دخلت سلوى إلى الكلية وبدأت تسير في الممرات حتى وصلت إلى المبنى. صعدت السلم حتى بلغت المدرج وجلست على أحد المقاعد. نظرت للفتاة التي بجانبها.
تساءلت بلطف: أنتي تعرفي الدكتور اللي هيدينا المحاضرة دي؟
الفتاة: لا، معرفش أي دكاترة. أنا ريهام.
سلوى: أنا سلوى، بيقولولي سوسكا.
وبعد وقت قليل، دخل الدكتور وبدأ بشرح المحاضرة.
استمرت سلوى في الاستماع إلى المحاضرة بتركيز، وكانت تكتب ملاحظات خلف الدكتور وتحاول التفاعل مع الزملاء من حولها. مر اليوم بسرعة، وكانت سلوى غير متخيلة أنه سيكون هكذا، كما قال لها مكي. كان كل شيء مشابهًا للمحاضرات في الكورسات التي كانت تحضرها من قبل.
وفي النهاية، خرجت سلوى من المحاضرة وكان مكي في انتظارها عند البوابة، وأخذها إلى القصر.
قصر الراوي السادسة مساءً
الصالون
نرى ماسة وسلوى تجلسان جنبًا إلى جنب. وكان واضحًا على ملامح سلوى الحماس وهي تروي.
سلوى بحماس: وتعرفت على سهيلة ونادرة وريهام. اليوم كان لطيف جدًا، بجد انبسطت فيه قوي!
ماسة بسعادة: طب والله كويس. حلو إنك اتعودتي على الوضع بسرعة كده. بس قولي لي، الجامعة كبيرة زي مابنشوفها في التلفزيون؟ ولا في حاجة متغيرة؟
سلوى بتوضيح: لا، مفيش حاجة متغيرة. هي بالظبط زي ماشفناها. بس الدكتور بيفضل يشرح كتير، ومش بلحق أكتب وراه وبيستخدم مصطلحات إنجليزي كتير، الحمد لله إني أخدت الكورسات اللي سليم قال لي عليها، والله العظيم ما كنت فهمت حاجة. الموضوع مش بس لغة، المصطلحات صعبة، البنت اللي جنبّي، نادرة دي، كنت لسه ماتعرفتش عليها. بقولها أنا مش لاحقة أكتب وراه، قالت لي بطلي عبط، إنتِ بتكتبي إيه؟ المفروض حاجات معينة بس اللي بنكتبها، وهو ممكن يعلق عليها.
ماسة بسعادة: طب والله حلو. هتروحي كل يوم؟
سلوى بتوضيح: آه، عندي كل يوم من الساعة8:00لحد الساعة 4:00وفي أيام عندي محاضرات لحد الساعة6:00. يوم الأربعاء بس اللي عندي لحد الساعة2:00.
ماسة نظرت بتعجب وحزن: إيه ده؟ يعني مش هشوفك إلا نادرًا؟
سلوى: ممكن أجيلك الأربع، ولو عرفت أجي بعد المحاضرات، هاجي لك. بس عارفة، هصحى بدري جدًا عشان ألحق ألبس وأروح أحضر المحاضرة وأقعد في الأول. أصل القعدة في المدرج مش زي ما بتتخيلي، مش كل واحد بيحجز مكانه على طول، اللي بيلحق يجي بدري هو اللي يقعد في الأول، أو ممكن يقعد ورا هو ومزاجه.
ماسةبتفهم: زي الكورسات بالظبط؟
سلوى وهى تضحك: آه، مفيش اختلاف. أمك هتفرح قوي عشان هرجع تاني أصحى من الساعة 5:00 الفجر.
ضحكت ماسة: قوليلي؟ إنتِ أكلتي؟
سلوى: لا، ما أكلتش، مش بألحق، وممنوع نأكل في المحاضرة.
ماسة بابتسامة: طب استني، هخليهم يحضروا لنا غدا سوا، أنا برده مكلتش.
تساءلت سلوى : مش هتستني سليم؟
ماسة بتوضيح: سليم بييجي على 10:00، وبيجي واكل بقاله أسبوع على الوضع ده.
سلوى بابتسامة: طب وانتِ بقى بتعملي إيه في يومك؟
ماسة بتتكلم بلهجة عفوية: مافيش، بصحى من النوم على الظهر، 12:00 تقريبًا. بلعب رياضة، بفطر، وأخذ دروس مزيكا، تعلمت جيتار وبيانو وبقيت شاطرة فيهم كمان. قويت نفسي قوي في الفرنش، إنتي عارف إني ما كنتش بعرف أقرأ قوي، دلوقتي بقيت بقرأ كويس جدًا، وباقي اليوم بين الكمبيوتر والتلفزيون، مقضيها مسلسلات تركي وكوري وهندي.
سلوى: بتتفرجي على كوشي وارناف؟!
ماسة تضحك: اها تحفه، وبشوف كمان العشق الممنوع بس تركي، أمك قعدت معايا مرة، قالت لي أنا مش فاهمة حاجة، دي خلتني أقعد أترجملها، زهقت قولتلها اتفرجي عليه مدبلج يا أختي، ماليش دعوة.
ضحكت الاثنتان معًا، ثم قالت ماسة: هروح أكلمهم عشان يحضروا لنا الغدا.
(بعد أيام)
جناح سليم وماسة
كانت غرفة سليم تغرق في صمت عميق، والهدوء يملأ المكان بينما كانت ماسة غارقة في نوم عميق، وجهها هادئ كأنها في عالم آخر بعيد عن كل شيء. بعد لحظات، دخل سليم الغرفة، وكان يبدو على وجهه مزيج من الاستغراب والدهشة. فتح النور بهدوء، ثم نظر إليها وقال بصوت منخفض، لكنه كان يحمل شيئًا من التعجب:
سليم متعجباً: إيه ده يا ماسة؟! لسه نايمة؟!
اقترب منها بحذر حتى جلس على حافة السرير، مد يديه بلطف، ومرر أصابعه على وجهها برقة ليوقظها، قائلاً: عشقي… يلا، الساعة بقت 4:00، كل ده نوم؟
بدأت ماسة تتحرك قليلاً، أغمضت عينيها ثم فتحتهما ببطء. نظرت إليه للحظات وكأنها تحتاج لدقائق لتدرك الواقع، ثم ابتسمت وقالت بصوت خافت
ماسة :صباح الخير…
ابتسم سليم وهو يميل بجسده قليلًا نحوها وقال بمرح: صباح الخير؟! قولي مساء الخير أحسن.
نظرت إليه ماسة بدهشة وسألت: إزاي؟ الساعة كام؟
سليم،: الساعة4:00.؟
ماسة بصدمة: إيه؟4:00؟ مش معقول!
سليم بلطف وهو يمسح على وجهها: نمتي الساعة كام؟!
ماسة:5:00.
سليم بصدمة، اتسعت عيناه: كنتِ بتعملي إيه لحد الساعة 5:00 الصبح؟
ضحكت ماسة، ثم أجابت بخفة: كنت بتفرج على فيلم أجنبي اسمه “كوكب القرود”، جزئين… بس كان تحفة بعدين قعدت ألعب لعبة زوما أقصر، خلصت كذا اللفل.
نهض سليم من جانبها بعد أن وضع قبلة على خدها وقال: طب قومي بقى، كفاية نوم!
نهضت ماسة ببطء، بينما توقف يراقبها وهي تحاول الاستيقاظ تمامًا، بدأ سليم في خلع بعض ملابسه، فقالت له ماسة: إنت جاي النهاردة بدري؟ غريب.
سليم بابتسامة موضحا: لا… أنا نازل الساعة 6:00 عندي اجتماع، لكن قلت أغير هدومي وأطمن عليك قبل ما أروح.
مدت ماسة وجهها بعينيها، تنهدت وقالت بحزن: هتسيبني لوحدي يعني؟
سليم ابتسم بخفة وأجاب: مش هتأخر عليكي، على الساعة 8:00 هتلاقيني موجود.
ماسة بضيق: وبعدين تقعد معايا ساعتين، تلاتة وتنام بحجة الشغل.
تبسم سليم واقترب منها، أمسك يدها بحب:
من الأسبوع الجاي هحاول أضبط مواعيد شغلي، معلش يا عشقي… وأوعدك أني هسهر معاك تمام.
ماسة تبسمت: تمام.
اقترب منها قبلها سليم من شفتيها قبلة خاطفة كمل تبديل ملابسة.
ظلت ماسة تنظر له وهو يرتدى ملابسه لدقائق، ثم تنهدت، وتوجهت نظرها إلى المرحاض وبدأت يومًا آخر بطعم الملل.
تناولت الغداء مع سليم، ثم رحل سليم إلى عمله. عاد في الساعة 8:00 وجلس معها كما وعدها.
في الحديقة الثامنة مساءً
نشاهد سليم وماسة يجلسان معًا على الأرجوحة، يمسكان بأكواب العصير. وضعت ماسة رأسها على كتف سليم، والشال يغطيهما في أجواء ليلية جميلة تزيد من رومانسيتهما.
ماسة ابتسمت بحب: طلعت قد وعدك.
سليم ابتسم بحب وهو يضع قبلة على يدها: أنا على طول قد وعدي…
ثم نظر إليها وقال بقلق: على فكرة يا عشقي طريقتك دي مش حلوة خالص. بديتي تصحي متأخر زيادة عن اللزوم.
ماسة بسعادة: بس أنا كده مبسوطة. يعني، ليه أصحى بدري هعمل ايه؟ مافيش حاجة مهمة أعملها الصبح. كمان لما بصحى بدري بحس إن اليوم بيبقى ممل، مفيش حاجة أعملها، الوقت ماييعديش. لكن لما أصحى متأخر، بحس إن اليوم بيعدي بسرعة غريبة.
سليم عدل من جلسته وقال بنظرة حب واهتمام وهو يمسح على خدها: بس ده غلط يا عشقي، مش صحي. كمان إنتِ بطلتِ تاخدي دروس البيانو والجيتار، ودروس اللغات.
ماسة بلا مبالاة: مش محتاجة أخد دروس دلوقتي. خلاص بقيت متمكنة في اللغة. وبالنسبة للجيتار، يعني مش لازم أكون عمر خورشيد، عادي. اتعلمت شوية وخلاص.
سليم متعجبًا: يعني الفرجة على التلفزيون والقعدة على الكمبيوتر طول الليل بالنسبة لك دي حاجة حلوة؟
ماسة ابتسمت بتأكيد: حاجة حلوة جدًا كمان.
سليم: عموماً، إن شاء الله من بكرة، هحاول أكون عندك هنا الساعة 4 أو 5 زي زمان.
ماسة: ركز في شغلك، ده الأهم.
سليم: مافيش عندي أهم منك.
ثم مرر أصابعه على خدها، ونظراته كانت مليئة بالحب:
تعرفي؟ نفسي نقضي مع بعض، يوم رومانسي زي زمان، شموع ونرقص، الجو شاعري.
ماسة بتمنى: ياريت.
سليم: خلاص، بكرة.
ماسة بدلع: لا، اعملها لي مفاجأة. متقولش على اليوم ياسليم.
ابتسم سليم بحب: ماشي يا قلب سليم،.
مجموعة الراوي
غرفة الاجتماع العاشرة صباحاً
نرى سليم جالسًا على المقعد الرئيسي، وبجانبه عزت، بالإضافة إلى باقي كبار العائلة ورؤساء الأقسام.
سليم يقرأ في إحدى الأوراق بغضب: يعني إيه لسه ماخلصتش؟! التسليم هيبقى الأسبوع الجاي؟ تعملها إزاي؟ معرفش!
رشدي بتوضيح: أنا كلمت المهندسين، قالوا مش ممكن أقل من شهر.
يضع سليم الأوراق على الطاولة يرد بقوة: والله لو مش قد المكان اللي إنت فيه، ممكن أديه لحد يستحقه. إنت قلت لي “ثق فيا”، صح؟ طيب، وريني الثقة دي! أسبوع يا رشدي… أسبوع واحد بس، ولو المشروع متسلمش في ميعاده، هيتسحب منك ويتسلمه حد تاني.
رشدي بتوتر: طب والمشروع بتاعي؟
سليم: المفروض مشروعك ده فاشل.
رشدي متعجباً: فتح سلسلة مطاعم؟ مشروع فاشل! .. ليه مشروع فاشل؟
سليم بتوضيح: لأنه صغير… إحنا كبار. لو حابب تفتح حاجة، افتح مشروع ضخم يناسب اسمك ومكانتك. مطاعم إيه دي؟ شغل رجال أعمال مبدئه، إحنا بنشغلهم عندنا ونرمي لهم الفتافيت!
توقف سليم لحظة ونظر للجميع بحدة: عموماً، أنا كده خلصت، بكرة يا عماد تجيب لي تقرير كامل عن الاعتمادات الجديدة. النهاردة هعديها، بس لو التقرير ما كانش على مكتبي بكرة الصبح… استقالتك تكون على مكتبي بدالها، واللي هيعترض هيبقى بره المجموعة معاك، وهيقعد في القصر وكل أول شهر هيوصل له مرتبه بنسبة محددة.
عماد مندهش: استقالتي؟
سليم بنبرة صارمة: ايوه؟ التقرير ده بقى له ثلاث أيام وماخلصش ليه؟ إنت شغال في مجموعة كبيرة في إمبراطورية الراوي. عارف يعني إيه إمبراطورية الراوي؟ يا حبيبي! لو مش قادر تشتغل كويس! يبقى أعين حد مكانك يستحقه. إحنا مش فاتحينها سبيل!!! والا إنت رأيك إيه يا باشا؟
عزت بقوة وتأكيد: طبعًا، إنت عندك حق.
سليم بشدة: اليوم الواحد اللي بنتأخر فيه يا أستاذ عماد ويا أستاذ رشدي، إحنا بنخسر فيه ملايين. أنا ماعنديش استعداد أخسر جنيه عشان ناس مش قادرين يشتغلوا ويكونوا قد المكانه اللي هما فيها، اللي كان بيحصل زمان ده انتهى، والكلام للجميع، الكل بلا استثناء. لو أي حد مش شايف شغله صح، هطلعه بره المجموعة، اتمنى يكون كلامي اتفهم. يلا على شغلكم، الاجتماع خلص.
بدأ الجميع في التحرك، لكن ظل ياسين جالسًا مع سليم ….
على اتجاه آخر
نشاهد رشدي وصافيناز يجلسان في غرفة مكتب عزت، يتحدثان معه وكانت معهم فايزة.
صافيناز بضيق: مامي، ايه اللي سليم بيعمله ده؟ يعني بيهين عماد قدام الموظفين محدش فيكم اتكلم.
عزت بتبرير: سليم عنده حق. التقرير ده بقى له ثلاث أيام، وفعلاً ممكن نخسر فلوس كتير لو ماتمش.
صافيناز: حضرتك عايز كل الاعتمادات دي تخلص في يومين؟ إزاي؟
عزت بقوة: صافيناز ماتدافعيش عن عماد. هو غلط، وسليم عمل الصح. مشروعك يا رشدي فعلاً مشروع بالنسبة لواحد في قيمتك صغير جداً.
رشدي متعجباً: صغير؟ لما نفتح سلسلة مطاعم باسم مستعار بس يبقى مملوك ليا في الأساس ده تقليل؟ والا سليم عايز يمشي اللي في مزاجه وخلاص؟
أكبر رجال الأعمال عندهم مطاعم كبيرة بأساميهم،أو بأسماء مستعارة مالهاش علاقة باسم العائلة. لكن لما بتدوري وراهم، بتكتشفي إنها مملوكة للشخص ده. بس سليم مش عايزني أكبر، مش عايز يبقى عندي حاجة بتاعتي.
عزت: أنت ما كتبتش الكلام ده في التقرير، كل اللي كتبته عايز أعمل باسمي سلسلة مطاعم للأطعمة السريعة. ظبط تقريرك والدراسات والتكليفات المبدئية، وبعدين قدم المشروع… أنا بنفسي، لو مشروعك اتعرض عليا بالطريقة اللي أنت معارضها دي، هرميه في وشك. سليم بيعلمك، هو آه شد عليك، لكن ده الصح!
صافيناز بضيق: هو انتم مش حاسين ان سليم متغير ومش عايز حد يناقشه ومايتقلوش غير حاضر ونعم.
عزت بجدية: انا لو شايف إن سليم غلطان أكيد هتدخل انا ماعنديش استعداد أخسر جنيه هو بس مش عاجبكم عشان انتم أخذتم على الدلع، شوفوا شغلكم صح وهو هيقول برافو للي بيشتغل صح، يلا روحوا شوفوا شغلكم اعمل دراستك يا رشدي صح وبعدين انا هعرضها على سليم لو عجبتني.
خرج الاثنان إلى الخارج يبدو عليهما الضيق والاختناق
أثناء تحركهما في الممر
صافيناز بضجر: ايه يا رشدي هنعمل ايه
رشدي: مش عارف بس سليم كل مادا بقى أسوأ لازم حل، خلينا بس نظبط شغلنا بس الأول.
قصر الراوي
الليفنج روم الرابعة مساءً
كانت ماسة جالسة في غرفة المعيشة، تشاهد التلفاز وتشعر بالملل. أمامها كان هناك الكثير من السناكس، لكن لم يكن هذا كافياً لإبعادها عن شعورها بالفراغ. أمسكت بهاتفها وأجرت مكالمة لشقيقتها سلوى.
ماسة: ألو، إيه يا حبيبتي؟ عاملة إيه؟
سلوى من الجهة الأخرى بصوت مفعم بالحيوية: إيه يا ميسو، عاملة إيه؟
ماسة: تمام، بقول لك إيه؟ ماتجيلي.
سلوى باعتذار: صعب والله يا ماسة، عندي محاضرات وباجي تعبانة.
أجابت ماسة بسرعة: تعالي بعده وباتي معايا.
سلوى: لا، هخرج مع أصحابي. ممكن أجي لك بكرة، صمتت للحظه قالت: لا استني، بكرة مش هينفع، مكي جاي خليها بعدو.
ماسة: مين أصحابك دول؟
سلوى: تعرفت عليهم في الجامعة.
ماسة ببساطة: طيب، ماشي. لما تفضي تعالي لي. باي.
أغلقت الهاتف وقالت لنفسها: هكلم هبة
أمسكت هاتفها مرة أخرى واتصلت بهبة قائلة:
هبوشا، عاملة إيه؟ وحشاني.
أتاها صوت هبة من الطرف الآخر: عاملة إيه يا ماسة؟
أجابت ماسة: تمام الحمد لله. بقولك إيه، مش هترجعي القصر بقى؟
هبة بتردد: مش عارفة يا ماسة بصراحة، مش حابة أرجع دلوقتي خالص.
ماسة وهي تحاول إقناعها: ماتيجي تقعدي معايا؟ قاعدة زهقانة.
هبة بنبرة هادئة: ماسة، أنا قلتلك قبل كده، انتِ اللي عاملة كده في نفسك. قلت لك الجدعنة مش معناها إنك تبقي زوجة مخلصة ومحترمة بالطريقة اللي بتخليكي تضغطي على نفسك. في طرق تانية انا عارفة انك مش متقبلة كلامي و..
قاطعتها ماسة بملل واضح: المهم هتيجي ولا مش هتيجي؟
أجابت هبة باعتذار: هآجي، بس مش دلوقتي. أنتِ عارفة الشغل والدراسة، والبنت بسيبها مع ماما.
ماسة بإحباط خفيف: طيب، ماشي. سلام.
أغلقت الهاتف، ونظرت حولها بملل، شعرت أن لا أحد متاح ليشاركها وقتها، مما زاد من إحساسها بالوحدة. تنهدت بتعب، وعادت لمتابعة ما كانت تشاهده على التلفاز، لكنها لم تستطع تجاهل شعورها بأنها في مكان لا تريده، بينما حياتها تمضي بعيدًا عن أحلامها. تنهدت مجددًا، ثم توجهت إلى الشرفة. توقفت هناك وهي تنظر إلى أسوار القصر البعيدة، والحراس الذين يشبهون السجناء، يحملون الأسلحة ويحيطون بالحديقة. رفعت رأسها كما لو كانت تحاول أن تأخذ نفسًا عميقًا، ثم وقعت عيناها على مجموعة عصافير على إحدى الأشجار، وهي تزقزق وتطير بحرية. ابتسمت ابتسامة صغيرة، لكنها كانت مؤلمة. نظرت بعيدًا بعينيها، وكأنها تذكرت شيئًا.
((فلاش باااك))
كان سليم وماسة يسيران في أحد الشوارع في إحدى الدول الأوروبية. كانت ماسة في بداية العشرينات، وملامح السعادة والحب ترتسم على وجهيهما. أثناء تجولهما، مرّا بجانب محل لبيع الحيوانات الأليفة. انتبهت ماسة للأسماك الملونة التي تسبح داخل الأحواض، فتحركت نحوها وتوقفت أمامها مبتسمة بابتسامة جميلة.
توقف سليم بجانبها، ووضع يده على ظهرها يمسح عليه برفق قائلاً:
سليم: aşkım، تحبي تدخلي تتفرجي؟
هزّت رأسها موافقة. تحركا معًا ودخلا المحل ليشاهدان الحيوانات الأليفة. بدأت ماسة تلعب مع الجِراء الصغيرة، والقطط، والأسماك، والعصافير بمرح، وابتسامة عريضة ترتسم على وجهها. بعد دقائق توقفت أمام أحد أقفاص العصافير، ملامح وجهها تغيّرت، وصار فيها شيء من الألم.
اقترب منها سليم وسأل بحب: عجبينك؟ تحبي أشتريلك عصافير منهم؟
هزّت رأسها نافية: لا، مبحبهمش.
سليم متعجبًا: مابتحبيش العصافير؟
ماسة بتوضيح: لا، بحبهم بس…
نظرت أمامها، ومرّرت أصابعها على القفص قبل أن تكمل بنبرة حزينة: مبحبهمش وهمّا جوه القفص كده، محبوسين. بحبهم وهما على الشجر، بيزقزقوا وبيطيروا بحرية، لكن وهمّا هنا… بحسهم كأنهم جوه سجن، مسلوبة منهم حريتهم. أصواتهم اللي بتسمعها مش زقزقة فرح، دي نداء استغاثة… كأنهم بيطلبوا الإنقاذ.
نظر لها سليم متعجبًا ثم قال بعقلانية: ليه شفتيها سجن؟ ليه مش شفتيهاش حماية؟ العصافير دي لو خرجت بره القفص، نهايتها ممكن تكون مأساوية جدًا.
ماسة متعجبة: إزاي؟
سليم بتفسير: طول ما همّا هنا، محميين من الأخطار، متوفر لهم أكل وشرب وراحة. لكن بره؟ لو طاروا، ممكن صياد يصطادهم أو طير أكبر منهم يقتلهم. مش هيلاقوا عش يعيشوا فيه، ولا أكل ولا شرب. حياتهم بره هتبقى مليانة معاناة ومخاطر.
ماسة معترضة: مش شرط يكون ده مصيرهم!
سليم بإصرار: أنا متأكد.
تبسمت ماسة بأمل: ليه متأكد كده؟ يمكن يقدروا يبنوا عش، يمكن يقدروا يحافظوا على نفسهم، يمكن…
قاطعها سليم بعقلانية شديدة وهو يشير بيده للقفص: كلمة “يمكن” دي أنا ما بحبهاش، لأنها مبنية على الاحتمالات. والاحتمالات مبنية على حاجتين يا نجاح يا فشل. يا هيواجهوا مصير مؤلم يا يواجهوا مصير كله أمل ونجاح. لازم نكون منطقين أكتر ..
أشار بيده نحو القفص استرسل بعقلانية شديدة أضاف:
العالم بره حدود القفص ده مرعب يا ماسة، مش زي ما انتي شايفاه ورود قرنفل وسعادة. صدقيني، هنا حياتهم أفضل ومحمية،هما ماواجهوش قبل كده أي مشاكل، طول عمرهم جوه القفص ده…كأنهم اتولدوا في بوقهم معلقة دهب، فجأة بعد كل ده عايزة تفتحي لهم القفص ويطيروا وتقوليلهم يلا واجهوا مصيركم يلا غامروا..عشان تزقزقوا بكل حريه وتطيروا بسعادة، !!! بس خدوا بالكم نسبه نجاتكم لا تتعدى الأسبوع.
ماسة بتأثر: للدرجة دي متأكد إن فرصة نجاتهم هتكون مستحيلة؟
سليم هز رأسه بثقة: أنا ممكن أثبتلك كلامي، بس خايف تندمي لو شوفتي النتيجة.
هزّت ماسة رأسها نافية بتوتر…أكمل سليم متسائلًا:
وهو بضيق عينه: ليه غيرتي رأيك خوفتي؟
ماسة بتأثر ممزوج بتوتر: مش هاقدر أتحمل الذنب..
رفعت عينيها له قالت بنوع من الحكمة:
أنا عارفة إنهم هيواجهوا صعوبة في البداية، عشان يبنوا عش ويجيبوا أكل وشرب، بعد كل حاجة ما كانت متوفرلهم، وانهم مكنوش يعرفوا حاجة بره حدود القفص ده، بس هما من حقهم يعرفوا إن في حدود بره القفص ده، في عالم كبير، حياة جميلة، حرام إني أسرقها منهم، وفي نفس الوقت ماينفعش أجيب واحد مابيعرفش يعوم و أرميه وسط الموج وأقول له يلا عوم، انا كده بحكم عليه بالهلاك،( بحيرة نظرت لهم) انا مش عارفة بس أنا برده مابحبش أشوفهم محبوسين مابحبش أشوف أي حيوان محبوس ومسلوب منه حريته.
سليم بحكمة: صدقيني يا ماسة أحيانا بتكون الحبسة دي حماية ليه من أذى كبير هو مش عارفه ومش واخد باله منه، هي غلط بس مافيش غيرها والا هيكون مصير العصفور المسكين الهلاك وهيواجه رحله عذاب وقتها هيندم وهيبقى نفسه يرجع لقفصه الدهبي مرة تانية.
ماسة: فهماك خلينا نمشي
هزّ سليم رأسه بالموافقة. قبل أن تتحرك، نظرت ماسة للعصافير داخل القفص. كانت تزقزق وتلعب، لكنها محبوسة داخل حدودها. ثم نظرت حولها للعالم الكبير، تنهدت بتحسر وتحركت.
عادت ماسة من شرودها بعينين ترقرقت بالدموع كأنها أدركت أنها أصبحت مثل تلك العصافير وأن هذه هي طريقة سليم في التفكير لكي يحافظ على حياة من يحب حتى لو على حساب حريتهم،
نظرت حولها إلى الغرفة، ثم إلى الأسوار التي تحيط بها. شعرت وكأنها محبوسة داخل قفصها الخاص، قفص صنعه الحب والخوف عليها. تنفست بعمق، وابتلعت ألمها في صمت، متأرجحة بين فهم دوافعه ورغبتها الجامحة في التحرر.
♥️________بقلمي_ليلة عادل_______♥️
ومع مرور الوقت، بدأت ماسة تلاحظ تغيرًا في نفسها. لم تعد تجد الدافع للاستيقاظ مبكرًا كما كانت تفعل، أصبحت تشعر بالكسل تجاه ممارسة الرياضة التي كانت تمارسها بانتظام. تدريجيًا، بدأت الأمور تتغير، وفقدت الشغف الذي كانت تشعر به تجاه الأنشطة وكل شئ كان يملأ وقتها.
بدلاً من ذلك، أصبحت تقضي وقتها أمام التلفاز، تشاهد المسلسلات والأفلام، وكلما مر الوقت، أصبح التليفزيون هو وسيلتها الأساسية لتمضية الوقت. بدأ هذا الروتين يسيطر على حياتها، وتحولت إلى حالة من التكرار الممل.
كما أصبحت تنام في وقت متأخر، وتدريجيًا أصبح النوم يطول بشكل أكبر حتى إنها بدأت تستيقظ مع ساعات الظهيرة، ثم تحولت إلى الاستيقاظ في وقت العصر، ومع مرور الأيام أصبحت تستيقظ مع حلول المساء.
أما سلوى، فقد أصبحت مشغولة بدراستها في الجامعة، ولم تعد تزورها كما كانت تفعل في السابق. ونتيجة لذلك، بدأ الوقت ينقضي على ماسة وهي تشعر بالوحدة، حيث لم تجد حولها أي شخص يساندها أو يساعدها على تخطي ما تمر به.
بدأت ماسة تشعر بعدم القدرة على مواجهة أحد، خاصة سليم. تراجعت مشاعرها تجاهه، وأصبحت العلاقة بينهما شبه مقطوعة، كل واحد منهما مشغول في عالمه الخاص.
💞_____________بقلمي_ليلةعادل
جناح سليم وماسة الثانية عشر صباحاً
نرى ماسة مستلقية على الفراش، وسليم يضع قبلات متفرقة على وجنتيها وعنقها، ثم قبلته العميقة على شفتيها التي لم تبادله إياها. كان يحاول بكل ما أوتي من حب أن يذيب جليد جسدها المتجمد، لكن ملامحها كانت بعيدة، غير تلك التي يعرفها ويشعر بها كلما اقترب منها. كانت نظراتها باردة، بينما هو يمرر شفتيه على بشرتها بحنان، وكل قبلة تحمل أملًا في أن يشتعل شيء داخلها، لكن لم يفلح. كان منتبهاً بشدة، همس بين القبلات بصوت يكاد يضيع وسط تنفسه المتسارع: كم أشتاق إليكِ، وأعشقكِ، لكن ملامحها بقيت ثابتة، وكأن جسدها لا يجيب على نداءاته.
ابتعد قليلاً، نظر إليها بعينين مليئتين بالشوق، وأنفاسه تتسارع أكثر، وكأن كل لحظة تمر تزيده إحساسًا بالفقد.
سليم، بصوت ضعيف من شدة الشوق: مالكِ؟
نظرت ماسة إليه بصمت، وكأن كلماتها غارقة في مشاعر مختلطة: مالي؟
سليم، وهو يمرر أصابعه برفق على خدها، تاهت عينيه في تفاصيل وجهها: مش معايا خالص… تعبانة؟
هزت ماسة رأسها بلا، صوتها خافت، وكأنها تتنفس بصعوبة: أنا كويسة.
ابتعد عنها قليلاً، استلقى على ظهره، وضمها إليه بكل مايملك من قوة كأنه يخشى فقدانها: لا… أنتِ مش معايا خالص.
ماسة، بتساؤل خفيف في صوتها: أنت بعدت ليه؟
سليم، بنبرة مليئة بالحرقة والألم: لما تكوني في المود، لكن كده مستحيل… حتى لو كنتِ وحشتيني.
ماسة بجمود: بس أنا كويسة، على فكرة… أنت اللي أوفر. بس قولي، ليه مستحيل؟
سليم، بألم يغلف كلماته: مستحيل… عشان مقدرش أقرب منكِ وأنتِ مش حابة كده. لازم ده يحصل، وأنتِ معايا بكل مشاعرك، مش بس جسمك.
ماسة بصوت ينساب كهمسات خافتة: أمم، بس أنا مازلت بقولك، إنت حسيت غلط.
نظر لها سليم وتبسم في صمت، ثم وضع قبلة على جبينها، فهو يعلم أنها تكذب عليه ولا تريد أن تصارحه بذلك.
ماسة: طيب، أنا هقوم ألعب على الكمبيوتر شوية.
سليم بحب وهو يقربها عليه: خليكي في حضني شوية. خلينا نتكلم مع بعض احنا مابقيناش نتكلم خالص يا ماسة أنا مابقتش بشوفك أصلاً غير كام ساعة.
ماسة متعجبه: هنتكلم في إيه؟ وبعدين إنت اللي بتنام بدري.
سليم: نتكلم بأي حاجة… هو هيفضل نومك بايظ كده.
ماسة بشدة: لو هنتكلم في الموضوع ده يبقى بلاش… تعالى نلعب مع بعض البلاي ستيشن.
سليم متعجباً: يعني ايه بلاش يا ماسة أنا بقول لك أنا مابقتش بشوفك.
ماسة بجمود: هتقوم تلعب معايا والا لا.
سليم تنهد: ماشي، روحي حضري عقبال ما أجي.
نهضت ماسة وبدأت في تحضير البلاي ستيشن، وسليم كان ينظر إليها في صمت، لا يعرف ما الذي أصابها، فمثل هذه اللحظات الصعبة لم تحدث بينهما منذ زواجهما.
وبالفعل، بدأت ماسة بتحضير البلاي ستيشن، وعندما جاء سليم، بدأا يلعبان معًا طوال الليل، يحاولان الهروب من صمت عاطفي ثقيل يضغط عليهما.
((بعد أيام قليلة))
جناح سليم وماسة الرابعة مساءً
كانت ماسة مستغرقة في نومها العميق، وقد تجاوزت الساعة الآن الرابعة عصرًا.
دخل سليم الغرفة كعادته ليوقظها، فخلال الفترة الأخيرة أصبحت ماسة تستيقظ في هذا الوقت. كان سليم يحرص على العودة من عمله سريعًا ليقضي معها ماتبقى من اليوم، محاولًا تعويضها عن فترات غيابه.
وعلى الرغم من أن يومهما يبدأ معًا، إلا أن الليل ينتهي بسليم مستسلمًا للنوم بينما تكمل ماسة سهرها وحدها حتى الصباح. بالنسبة لسليم، لم يكن ذلك يشكل خطرًا أو إزعاجًا، بل كان يشعر بالراحة لكونها لم تعد تثير مشاكل بسبب بقائها في القصر.
لكن هذه المرة، عندما حاول إيقاظها، بدا الأمر مختلفًا…
ماسة بضيق: سليم، سيبني أنام، مش قادرة! عايزة أنام.
سليم بمزاح:؟ الساعة بقت 5! قومي، أنا جيت.
ماسة بضجر: يعني إيه جيت؟ أنا أصلاً نايمة الساعة ١٢ الظهر. سيبني بقى!
لكن سليم لم يستسلم، وأمسكها بمزاح وإصرار: يلا يا قطعة السكر، أنا جيت عشان نقعد سوا!
فاجأته ماسة بصرخة حادة وهي تشد نفسها بعيدًا:
سليم! بقولك عايزة أنام!
استدارت مرة أخرى ووضعت الوسادة فوق رأسها. وقف سليم للحظات صامتًا، ينظر إليها بحيرة. مد يده ولمس وجهها برفق، ثم استدار وخرج من الغرفة.
بعد ساعات، استيقظت ماسة وكانت الساعة تقترب من السابعة مساءً. بدا عليها التعب والأرق، ولم تكن الساعات التي نامتها كافية لتعويض إرهاقها. لم تهتم بمظهرها كثيرًا، واكتفت بغسل وجهها قبل أن تنزل إلى الطابق السفلي بالبيجاما.
كان الجميع يجلسون على الهول بانتظار تجهيز السفرة لتناول العشاء.
ماسة بصوت خافت: مساء الخير يا جماعة.
هبة بابتسامة: مساء النور! أخيرًا صحيتي… بقيتي بتنامي كتير أوي!
جلست ماسة وهي تنظر إلى هبة بطرف عينيها، دون رد ثم صرخت: سحر! اعمليلي نسكافيه!
سليم بهدوء: اصبري شوية، هنتعشى الأول.
ماسة: لا، أنا عايزة نسكافيه دلوقتي أفوق وأركز.
فريدة بصوت هادئ: يلا يا ماسة، خلينا نقعد على السفرة.
بدأ الجميع ينهضون ليتوجهوا للسفرة، إلا أن سليم اقترب من ماسة وقال بجدية:
الموضوع زاد عن حده يا ماسة، كده مش حلو.
ماسة ببرود: ليه مش حلو؟ أنا مبسوطة كده! مش فاهمة إنت متضايق ليه؟ وبعدين ده أول يوم أصحى متأخر كده!
سليم: ماسة، افهمي…
ماسة مقاطعة: فكك مني يا سليم! أنا مرتاحة ومبسوطة. روح كُل معاهم.
سليم بحزم: مش هاكل غير معاكي.
نظرت إليه بلامبالاة، ثم قالت: أنا هدخل الليفنج روم أشوف المسلسل بتاعي.
سليم بهدوء: ماشي… ندخل سوا.
دخل معها الغرفة، لكنها ظلت تنتقل من مسلسل لآخر دون أن تهتم بحديثه. حاول فتح حوار معها، لكنها كانت شاردة تمامًا تناولو العشاء في وقت متأخر.
وعندما حانت الساعة الواحدة صباحًا، قال سليم بتعب: ماسة، أنا مش قادر أكمل… هنام.
ماسة بصوت خافت: طب استنى شوية واتفرج معايا على الفيلم!
سليم: مش قادر، خلاص فصلت. تصبحي على خير.
مطوليش.
وضع قبلة على جبينها وغادر إلى غرفة أخرى، بينما استمرت ماسة بمشاهدة التلفاز، ثم انتقلت إلى اللعب على اللابتوب حتى ساعات الصباح الأولى.
مع بزوغ الفجر، بدأ الجميع في الاستيقاظ لتناول الإفطار، بينما سليم كان لا يزال في جناحه.
في جناح سليم وماسة
استيقظ سليم ببطء، ومد يديه على الفراش بحثًا عن ماسة، لكنه تفاجأ بعدم وجودها بجواره. فتح عينيه بدهشة وغمغم لنفسه:
مستحيل تكون لسه صاحية… عملتها تاني!
تنهد بضيق وهو يحاول استيعاب الأمر، ثم نهض وغسل وجهه قبل أن ينزل إلى الطابق السفلي. هناك، وجدها جالسة في غرفة الجلوس أمام اللاب توب، تتابع فيلمًا بتركيز شديد.
سليم مندهشًا: ماسة! لسه صاحية؟
ماسة بعينين مثقلتين بالنعاس: آه… الفيلم ده حلو جدًا، قرب يخلص.
سليم ينظر إلى الساعة: ماسة، الساعة 6:30 الصبح!
ماسة بلا مبالاة: طب إيه المشكلة؟ حتى لو الساعة بقت 6 المغرم… هو أنا ورايا حاجة؟
سليم بجدية: لازم نتكلم في الموضوع ده.
ماسة بضيق: بعدين يا سليم، مش دلوقتي. غير هدومك عشان الفطار قرب يتحضر، أنا جعانة.
نظر سليم إليها للحظات، ثم زفر بضيق. لم يكن هذا الوقت مناسبًا للنقاش. صعد إلى غرفته لتبديل ملابسه استعدادًا للخروج إلى العمل، ثم عاد إلى الطابق السفلي ليتناول الفطور بصمت.
خلال الإفطار، حاول مجددًا فتح الحديث معها، لكنها تملصت بحجة شعورها بصداع ورفضت النقاش.
في نفس اليوم، استمرت ماسة في نمط حياتها الغريب. نامت الساعة 12:00ظهرًا بعدما رفضت دعوة والدتها وسلوى لزيارتهما.
وعندما عاد سليم في الرابعة عصرًا لإيقاظها، استقبلته بصراخ ورفضت النهوض. استيقظت أخيرًا في الثامنة مساءً، ووجدته جالسًا على الأريكة ينتظرها بملامح متجهمة.
ألقت تحية صباحية سريعة، غسلت وجهها، ثم طلبت كوبًا من النسكافيه وجلست بجانبه.
ماسة: جيت إمتى؟
سليم: جيت الساعة 4:00.
ماسة تبتسم بكسل:هو إنت مش عندك مشاريع وحاجات مهمة؟ كنت بتيجي الساعة 6:00 زمان، إيه اللي حصل؟
سليم: خلصت شغلي بدري… وبعدين يا ماسة، كانوا أسبوعين شغل مكثف، ما تحسسنيش إنهم شهور. بقيت أرجع بدري عشان أقعد معاكي.
ماسة ببرود: لو عندك شغل مهم، روح كمله… مش مشكلة.
سليم: ماسة، عايز أتكلم معاكي شوية.
ماسة: ماشي، بس استنى شوية… أنا لسه مافقتش.
تهربت ماسة مجددًا بحجة تناول الطعام، واستدعت سحر لتحضر الطعام. كلما حاول سليم فتح حديث جاد، كانت تختلق عذرًا أو تؤجل النقاش، حتى انتهى اليوم دون أن يتحدثا.
هكذا أصبحت حياتها روتين ممل وقاتل
ماسة تستيقظ متأخرًا، تقضي ساعات طويلة في محاولة “الاستفاقة”، ثم تنشغل بأشياء سطحية. بحلول الليل، يكون سليم قد فقد طاقته وذهب للنوم.
بمرور الوقت، بدأ سليم يشعر بأنه لا يراها إلا بالكاد. ماسة انعزلت تمامًا، لم تعد تتحدث مع أحد أو تهتم بالخروج أو التواصل. كان نمط حياتها الجديد يلتهم علاقتهما ببطء، دون أن يدركا إلى أين يأخذهما هذا الوضع.
💕______________بقلمي_ليلةعادل 。◕‿◕。
في صالة الألعاب الرياضية
، كانت الأجهزة تصدر أصواتًا منتظمة، ممزوجة بإيقاع موسيقى خافتة. نيللي وصافيناز ومنى وفايزة توزعن على الآلات المختلفة، وكلٌ منهنّ غارقة في تمرينها.
فجأة، توقفت منى عن الحركة، نظرت حولها سريعًا، ثم رفعت صوتها قليلًا: أنا هدخل التواليت.
تركت الجهاز وتحركت بثبات نحو الممر المؤدي إلى الحمّامات.
مرت دقائق معدودة، ثم وضعت نيللي زجاجة الماء على الطاولة، شربت منها، وجففت جبينها، ثم لحقت بها.
داخل المرحاض، كانت منى تقف أمام الحائط، تستند إليه بهدوء، وكأنها في انتظار موعد معلوم. لم تلتفت مباشرة، لكن صوتها خرج خافتًا، فيه شيء من التوتر: وصلتي لفين؟
نيللي اقتربت منها بخطوة:
وصلت لكتير اوي.
تسألت متعجبه: بس إنتِ ليه مابتكلمنيش؟
منى انزلت عينيها للحظة، ثم رفعتها ببطء: ماينفعش أظهر معاكي كتير، ولا حد يشوفني معاكي. هاي وبس.خد كام جرعة؟
نيللي ابتسمت بسخرية خفيفة: لا… خد كتير. وكتير أوي كمان.بس على فترات متباعدة. هو بدأ يحب الإحساس اللي بيجي له لما بياخد سطر، بس لسه متعودش عليه. هو ذكي جدًا.
نيللي اقتربت أكثر، وعيناها لا تفارقان وجه منه: بقولك إيه يا منى… يعني انتي هتستفيدي إيه من كل ده؟
ردّت منى ببرود: هسفيد كتير. صمتت للحظه كانها تدرس ملامحها انتي… حبيتيه؟
نيللي تنفست ببطء، ثم أومأت برأسها، وهمست: آه… حبيته.
ضحكت منى، لكن الضحكة كانت قصيرة، مستخفه: رشدي؟ يخرب بيت عقلك… حب إيه؟ ده إنتِ واخدة أسوأ واحد في العيلة. ده أسوأ واحد في الكوكب كله!
ثم مالت بجسدها قليلًا نحو نيللي، وصوتها أصبح أكثر حدة: بصي… أنا هقولك نصيحة، رشدي ماعندوش قلب. قاسي، وبتاع مصلحته، الشر كله محطوط في قلبه. وحقود جدًا.هو عمره ما هيحبك، علشان ببساطة… مايعرفش يعني إيه حب. أوعي تفكري. هتندمي.. ركزت النظر في ملامحها وقالت وبعدين، أنا ماعنديش مشكلة، تحبيه، تكرهيه، أنا عندي هدف تاني. بس قلت أنصحك… نصيحة إنسانية.
منى عدّلت شعرها في المرآة، نظرت لنفسها للحظة، ثم قالت وهي تفتح الباب: سلام. اخرجي بعدي بعشر دقايق.مش أقل.
وغادرت بهدوء، بينما بقيت نيللي واقفة، تحدّق في انعكاسها في المرآة، عيناها ممتلئتان بأسئلة لا تجد لها أجوبة.
أمام بوابة الجامعة السادسة مساءً
نرى سلوى تقف مع مجموعة من أصدقائها، بينهم شباب وفتيات يضحكون بمرح، بينما كان الجو مليء بالضحكات العفوية والحديث الممتع، وفي تلك اللحظة، توقف مكي بسيارته، نزل منها وتوقف أمامها بعد أن أشار لها بالسلام، فبادلته الإشارة نفسها ثم نظرت إليه بابتسامة
سلوى باعتذار: طب يلا، أنا همشي.
أحد الشباب مازحًا: بجد؟ هو خطيبك ده يبقى الحارس الشخصي لسليم الراوي؟
سلوى بتلقائية: أيوه، ومرات سليم الراوي تبقى أختي ماسة.
قالت صديقة أخرى بنوع من التقليل: طيب، كنتي المفروض تتجوزي حد من إخوات سليم أو أصحابه، مش واحد شغال عنده!
سلوى بحزم: ليه يعني؟ إيه المشكلة؟ وبعدين إحنا أصلاً كنا إيه زمان؟ القصة اللي طلعت زمان كانت حقيقية على فكرة، إحنا كنا خدامين عند قرايب سليم.
استأذنت بحدة بسيطة: يلا، عن إذنكم.
الشاب مد إيده: سوسكا، تسلم إيدك على البحث اللي ساعدتيني فيه، بجد ماكنتش هخلصه من غيرك.
قبل أن تمد يدها، فجأة ظهر مكي بخطوات واثقة وتدخل بهدوء مشحون، كان يطغى على نظراته القوة ومشاعر الغيرة:
أمسك مكي يد الشاب بقوة وهو يصافحه: أهلاً، أنا مكي خطيب سلوى.
أحس الشاب بالضغط في يده وضحك بتوتر وهو يحاول سحبها. نظر مكي لسلوى قائلاً: مش يلا يا حبيبتي؟
الشاب: آه، أهلاً بيك. تشرفت بمعرفتك.
مكي بنبرة حادة ومسيطرة: وليا، عن إذنكم.
سحب يده من يد الشاب الذي ابتعد مرتبكًا، أمسك يد سلوى وتحرك بها بينما كانت تنظر له سلوى بصدمة، ظهر عليها الانبهار من غيرته. قلبها كان ينبض بتسارع، شعرت بحمايته رغم تصرفه المفاجئ.
سلوى بهدوء متوتر: مكي، كنت ممكن تبقى أهدى من كده.
مكي وهو بيقرب منها: أهدى؟ وهو بيحاول يمسك إيدك كنتي عايزاني أهدى أكتر من كده؟
أنهى كلامه وهو بيفتح لها باب السيارة بعصبية واضحة.
مكي: اركبي، مش محتاجين وقفة تانية هنا.
تنهدت سلوى ودخلت السيارة وهي تحاول كتم ابتسامتها اللي خرجت غصب عنها، كانت مشاعرها مختلطة بين الحيرة والسعادة. شعورها بالحماية والغيرة عليها والرغبة في أن يكون دائماً بالقرب منها جعلها تتمنى لو كانت لحظة مريحة.
مكي بضيق وغيرة: إيه الكلام والضحك اللي كنتوا عاملينه قدام كل الناس ده؟
سلوى بتعجب: إحنا كنا بنهزر عادي، إيه المشكلة؟
مكي بضجر: المشكلة إنك كنتِ بتضحكي مع الولد ده كأنه صاحبك من سنين! مش عجباني طريقتك.
سلوى بتحدي: أنت عارف إني بحبك، يبقى مالك ومال الناس التانية؟
مكي بعصبية: مالي ومالهم؟ ماليش فيهم غير إنهم شايفين خطيبتي بتضحك بصوت مسموع قدام الكل! لا ورايحة تمسكي إيده وتسلمي عليه بايدك، والله العظيم لو شفتك بتسلمي على حد تاني بالايد مش عارف أنا ممكن أعمل إيه. أنا بنبهك، لكن المرة الجاية رد فعلي هيزعلك.
سلوى بلطف: طب خلاص اهدى، يخرب بيت الغيرة! اتأخرت ليه؟
مكي: شغل، كنت بخلص شوية شغل. مش هتروحي عند ماسة؟
سلوى: كلمتها وقالت لي إنها نايمة وماتجيش. أنا مش عارفة، بقت حاجة صعبة. كل ما أكلمها، أقول لها يا بنتي عايزة أجي لك”، تقول لي “ما تجيش، أنا نايمة.
مكي: فعلاً، سليم كلمني في الموضوع ده ومش عارف يلاقي حل معاها، مش عارف يكلمها أصلاً. أنا من رأيي تروحوا لها وتحطوها أمام الأمر الواقع. ماتسيبوهاش كده.
سلوى: فعلاً، هنعمل كده. أنا وماما هنروح لها. أنا حاسة من ساعة مادخلت الجامعة، أنا وماسة بعدنا عن بعض شوية، بس والله هي السبب.
مكي: زي نا قولتك ماتستنيش، تقولي لها عشان هترفض. روحي لها على طول.
سلوى: خلاص، ماشي. بكرة هروح لها إن شاء الله. عندي محاضرات لحد الساعة 4:00.
مكي: بعد بكرة، اعملي حسابك. هنروح نشوف الفيلا عشان لو في حاجة عايزة تظبطيها في الديكورات.
سلوى: ماشي.
قصر الراوي الثامنة مساءً
الهول
ظهرت ماسة وهي تهبط السلم، ترتدي بيجامة بسيطة، يبدو أنها استيقظت للتو من النوم، ولم تقم سوى بغسل وجهها كعادتها.
في الأسفل كان هناك بعض صديقات فايزة يجلسن في الصالون. لم يكن هناك مفر من أن تمر ماسة بهن في طريقها إلى غرفة اللفينج حتى لو لم تدخل الصالون ذاته، لكن مرورها كان لافتًا.
وأثناء مرورها، لاحظتها إحدى صديقات فايزة ونادت عليها
صديقة فايزة: ماسة!
اقتربت ماسة بابتسامة بسيطة: أهلاً، إزاي حضرتك؟
صديقة فايزة: الحمد لله، وإنتِ عاملة إيه؟ مالك؟ خاسة كده و وشك باهت!
ماسة بابتسامة مرهقة: نومي بس مش منتظم شوية
ثم ألقت التحية على باقي الحاضرات واستأذنت لتتوجه إلى غرفتها.
لكن فايزة، التي كانت تتابع الموقف بصمت، شعرت بالضيق والغضب. مظهر ماسة لم يكن يليق بالمكانة التي يجب أن تظهر بها زوجة ابنها داخل القصر. لم يمر وقت طويل حتى اقتحمت فايزة اللفينج روم بوجه متجهم.
فايزة بحدة: إيه اللي انتي لابساه ده؟ وإيه المظهر ده؟!
رفعت ماسة عينيها وتنهدت: لا إله إلا الله… ماله اللبس اللي أنا لابساه؟
فايزة اشمئزاز: ده شكل يليق بمرات سليم تقابل بيه الضيوف؟
ماسة بنبرة هادئة ولكنها حادة: أنا لابسة بيجامة عشان قاعدة في البيت. أنا مش خارجة، ومرتاحة في اللبس ده. وبعدين، ماسلمتش على حد، هم اللي نادوا عليا. وبصراحة، أنا ألبس اللي أنا عايزاه ماحدش ليه دعوة بيا.
فايزة بلهجة صارمة: تلبسي اللي انتي عايزاه في أوضتك، لكن تنزلي تحت تلبسي اللبس اللي يليق بالقصر وبمكانتك!
نظرت ماسة إليها ببرود: ولو مامشيتش بالقواعد دي، حضرتك هتعملي إيه؟
فايزة بقوة: أنا هعمل كتير يا ماسة، إوعي تتحديني!
أخذت ماسة نفسًا عميقًا وقالت بصوت محاولة ضبط أعصابها:
بصي، أنا مش عايزة مشاكل مع حد. سيبوني في حالي. عندك ابنك، روحي اشتكي له وقوليله مراتك بتلبس بيجامة في البيت. شوفي رأيه هيكون إيه.
فايزة ردت بابتسامة مليئة بالتهديد:
طبعًا رأيه هيبقى زي رأيك. بس خليني أقولك حاجة، سكوتي طول الفترة اللي فاتت مش معناه إني اتقبلتك. أنا ساكتة لوقت مؤقت. لكن أوعي تفكري إن ده هيستمر. أنا هلاقي حل يخليكي تسيبي سليم وتطلقي. وهعمل كل اللي أقدر عليه عشان ده يحصل.
كادت فايزة أن تتحرك، لكن ماسة سبقتها بنظرة صارمة، حادة، تحمل في طياتها تهديدًا غير معلن، ثم قالت بنبرة ثابتة لا تحتمل التأويل:
طب بقولك إيه يا طنط فايزة، فكّي مني… عشان أنا أصلًا مش ناقصة.
وأقسم بالله العظيم، لو فكرتِ تدايقيني تاني أو تكلميني بطريقتك دي تاني، ساعتها هقول لسليم… وممكن كمان أقوله “القديم”.
وصدقيني، “القديم” ده هيزعله. ولو زعل… إنتِ أدرى الناس هو ممكن يعمل إيه.
تراجعت فايزة خطوة إلى الوراء، وقد تلبّس الشك ملامحها، وقالت ببطء: إنتِ بتهدديني يا ماسة؟
أجابت ماسة دون أن يطرف لها جفن: لا، أنا بس بقولك اللي ممكن يحصل… لو فضلتِ على طريقتك دي، سيبيني في حالي، واعتبريني مش موجودة… ده أحسن لك.
ضحكت فايزة ضحكة باردة، ساخرة: والله وطلع لك حس يا ماسة!
رفعت ماسة رأسها بشموخ: هو اللي يعيش معاكم لازم يتعلم يبقى له صوت… ويرد… ويبقى قليل الأدب كمان لو اضطر.
بعد إذنك بقى، عندي فيلم مهم عايزة أتفرّج عليه.
ويا ريت، وإنتِ خارجة… خدي الباب وراكي.
نظرت فايزة لها باختناق، أسنانها تطحن الهواء غيظًا. أرادت أن تصفعها… أن تقتلها! لكن الحقيقة كانت أوضح من أي صفعة:
ماسة تغيّرت. ماسة أصبحت خطرًا حقيقيًا، وجب الحذر منه.
تركتها… وخرجت دون أن تنطق بكلمة.
جلست ماسة على الأريكة واخذت تشاهد التلفاز دون اهتمام بكل ما حدث، أو بكل ما قالته فايزة، فقد أصبحت لديها حالة من التبلد واللامبالاة الغريبة يبدو ان اخذت القرار انها بعد ذلك ستكون سليم كل شيء، . طلبت الطعام في الغرفة وبدأت تتناول العشاء وبعد وقت جاء سليم.
دخل سليم بابتسامة: أقول لك صباح الخير ولا مساء الخير؟
رفعت ماسة عينيها نحوه: قول اللي يعجبك.
جلس سليم بجانبها وقال بشوق وهو ينظر إليها: وحشتيني.
ماسة بنبرة مازحة: أنت أوحش.
ابتسم سليم معلقًا: أنا أوحش؟ حلوة دي! ثم تنهد وقال: ممكن نتكلم؟
فأجابته ماسة بنوع من الضجر: بص، أنا لسه باكل ودماغي مصدعة. يا ريت تقعد معايا شوية وقت لطيف. عشان أنت لو فضلت تتكلم، هتلاقي نفسك بتنام بدل ماتتناقش في موضوع هيسبب لنا خناقة. خلينا نقضي وقت لطيف. الفراخ طعمها حلو، والملوخية دي روعة. ثم أمسكت بالممبار وقالت: الممبار ده أجمل وأجمل. خليتهم يعملوه ليا انا بس عشان هنا ماحدش بيحب الأكل الشعبي ده.
أخذت ماسة تتناول طعامها.
سليم تنهد: أنا أكلت، كلي اللي أنتي عايزاه،لو حد ضايقك عرفيني.
ماسة: ماتقلقش، هعرفك خلاص ده قرار يا عشقي.
ظل سليم جلسا مع ماسة يشاهدون التلفاز معًا. ورغم محاولاته للتحدث، إلا أنها كانت ترفض الحديث في هذا الموضوع. بعد فترة، لم يستطع سليم الصبر أكثر فتوجه إلى النوم في الساعة 1:00 صباحًا. أما ماسة، فقد استمرت في مشاهدة التلفاز مثل كل يوم.
منزل رشدي الثامنة مساءً
كان رشدي مستلقيًا على الأريكة، جسده ساكن، وعيناه عالقتان بشاشة الهاتف. يتنقّل بين الصور ببطء، وكأنه يتذوق كل تفصيلة في وجه مألوف… ماسة.
خرجت نيللي من الحمام، مرتدية برنصًا، وجلست بجواره، بدأت تفرد الكريم على ساقيها بنعومة. رفعت عينيها نحوه، لمحته شاردًا، فمالت قليلًا لترى ما يشغله… صورة ماسة.
نيللي، بتساؤل هادئ فيه لسعة: مش دي مرات أخوك؟
هزّ رأسه بإيجاب دون أن يبعد عينيه عن الصورة.
نيللي، بابتسامة خبيثة: حلوة.
رشدي، وهو ما زال غارقًا في شروده: أوي… كل حاجة فيها حلوة. سكوتها حلو، عندها حلو، غضبها حلو، ضحكتها حلوة… ملاك على هيئة بشر.
ضيّقت نيللي عينيها، وبدأت ابتسامتها تتلاشى: سليم محظوظ.
رشدي، بسخرية موجعة: طول عمره محظوظ… بس مايستهلهاش.
نيللي، بتعجب: وانت بقى اللي تستاهلها؟
رفع رشدي عينيه نحوها، وقال بنبرة منخفضة: ولا حتى أنا. بس كنت هعرف أحميها. ماكنش حد هيقدر يتآمر عليها… سليم، برغم قوته وإن الكل بيعمله حساب، قدروا يخترقوه.
نيللي، بدهاء: ونجحوا؟
رشدي: لسه.
نيللي، وهي تميل عليه شوية: مادام لسه… يبقى لسه محافظ على قوته. دول تمن سنين! رقم مش بسيط… طبيعي تتآمروا، لأن في بينكم كراهية، لكن طالما محدش كسرها… يبقى هو كسب.
نظرت له بتعجب: بس أنتم ليه بتتآمروا على مراته؟ مش المفروض مشكلتكم على الكرسي وحاجات كده؟
رشدي: أنا أقصد الهانم… عايزة تطلقها. فرق طبقي.
نيللي، مستغربة: هو لسه حد بيفكر كده؟
ابتسم باستخفاف: إمي.
نيللي، بضِحكة خفيفة: فايزة هانم؟ لا… كله إلا زعلها.
ثم نظرت له بنظرة فيها مكر: انت شكلك بتحبها… بتتكلم عنها كتير
أغلق الهاتف ببطء، وتنهد، ثم نظر إليها نظرة طويلة… نظرة صامتة، مشبعة بما لا يقال.
تعالي نخرج نسهر.
النايت كلَب الوحده صباحًا
الإضاءة الخافتة تتراقص على الوجوه، والموسيقى تصدح من كل زاوية. الأجساد تتمايل، والضحكات تذوب في الدخان.
رشدي ونيللي يرقصان، بجنون أحيانًا، وبعبث واضح أحيانًا أخرى. الزحام يُغري بالضياع، وكل شيء يبدو بلا وزن.
ابتعد رشدي قليلًا، جلس إلى الطاولة، رفع كأسه واحتسى جرعة سريعة. أخرج من جيب سترته كيسًا صغيرًا، فتحه بمهارة، ثم أخذ منه جرعة، وغاص في لحظة صمت.
تنفس بعمق.
أغلق عينيه.
العالم بدأ يتمايل… لم يكن الرقص وحده السبب.
الجامعة الأمريكية.
كافتيريا، الحادية عشر صباحاً
جلست سلوى وعمار على طاولة صغيرة يتبادلا الحديث
عمار وهو يشرب من كوبه: خلاص، أنا يومين كده وهروح لها أنا كمان. أنا بس لازم أروح النهاردة عشان عندي شغل مهم في الشركة. يا دوبك أخلص المحاضرات وهجري على هناك.
سلوى وهي تكمل تناول مشروبها: أنا كده كده هروح لها النهاردة.أنا وامك قلنا هنروح لها على غفلة.مش هينفع معاها غير كده بصراحة.
عمار وهو ينظر إليها بامتنا: عارف يا سلوى… على قد ما أنا متضايق من سليم، عشان الحادثة دي حصلت بسببه، وكل اللي ماسة عاشته هو السبب فيه، بس مستحيل أنكر إن كل اللي احنا فيه دلوقتي صاحب الفضل فيه.. يعني لولا، ما كناش لا اتعلمنا، ولا اشتغلنا، ولا حتى اترحمنا من منصور.
سلوى بحسرة واضحة على وجهها: عندك حق… أنا كل ما بدخل الجامعة، أقول: الله يبارك لك يا سليم. كل ما أجيب حاجة وأدخل الفيلا… والحياة اللي احنا بقينا فيها…أقعد أدعيله.والله يا عمار، حياتنا دي بقت ولا الحلم، رغم كل السنين اللي عدت، برضو ولا الحلم.
عمار وهو يضع كوبه جانبًا: عشان كده أنا عايز أشتغل واثبت نفسي، أكون قد ثقة سليم… عشان شغلي هناك ما يكونش بس عشان هو جوز أختي وهو اللي بيشغلني… لا، عشان أنا أستاهل واستحق المكان اللي أنا فيه.
نهضت سلوى من مكانها بهدوء، استعدادًا للرحيل، وقالت: بقولك إيه… أنا همشي بقى عشان هعدي على أمك ونروح لماسة.
عمار مبتسمًا وهو يشرب من كوباية القهوة: سلميلي عليها… وقولي لها إني هجلها.
قصر الراوي
الصالون الواحدة مساء
نشاهد ماسة وسعدية وسلوى يجلسون معًا ويتبادلون الأحاديث. كانت ماسة تحتسي النسكافيه، ويبدو أنها لم تستيقظ بعد. كان وجهها شاحبًا ويبدو أنها غير متوازنة.
سعدية بعتاب: شهر ونص يا ماسة ماشوفكيش، شهر! أخص عليكي! وبعدين إيه اللي إنتِ بقيتي فيه ده، وشك عامل كده ليه؟ عشان اشوفك اجي لك فجأة.
سلوى بتهكم: ما هو طبيعي، لازم تبقى عاملة كده وأكثر من كده، دي بقت بتصحى متأخرة.
سعدية بضيق: أنا عايزة أعرف إيه اللي إنتي فيه ده؟ بتصحي الساعة 6:00 المغرب؟
ماسة بلا مبالاة: ما بصحاش الساعة 6، بصحى الساعة٨/٩ كمان. أنا صحيت النهاردة بدري عشانكم. بعدين إيه المشكلة؟ مش ورايا حاجة أعملها.
سعدية، متعجبة: ماورّكيش إزاي؟ لا، وراكي حاجات كتير تعمليها. أمال الراجل اللي إنتِ متجوزاه، إيه؟ مش ليه حق عليكي؟
ماسة متعجبة: الراجل اللي أنا متجوزاه أعمل معاه إيه يعني؟ تقصدي الأكل والشرب، في خدامين هما اللي بيعملوه، أصلاً هو بيجي الساعة 4:00 تقريبًا (وهي تتثاءب) وبعدين أنا مبسوطة كده ومرتاحة كده. مش هو ده اللي كنتي عايزاه خلاص بقى.
سعدية باعتراض عقلاني: لا يا ماسة مش هو ده اللي كنت عايزاه، أنا كنت عايزاكِ يا حبيبتي تبقي كويسة مع جوزك، جوزك كويس، اللي إنتِ فيه ده مايرضيش ربنا. إنتي بتعاقبيه يا بت؟ ولا بتعاقبي نفسك؟
ماسة بضيق: أنا مش فاهمة، ماما هو إنتي بتتكلمي في إيه؟ أنا قلت لك مرتاحة كده، وبطلت أعمل مشاكل مع سليم وهو مشتكاش حتى ابقي اسألي بعدين هو المطلوب مني أصحى بدري وأنام بدري علشان الأستاذ سليم مايزعلش. لكن ماسة تتحرق بقولك، أنا بتخنق لما بصحى بدري. قربت أتكلم مع نفسي مش بلاقي حاجة اعملها ويوم طويل..
سلوى: بس، اللي إنتي فيه ده مش طبيعي! اصحي على الأقل الظهر، أنا عايزة أجي لك.
ماسة، بعتاب: أنا ماحدش بقى فاضي لي يا سلوى. حتى إنتي كمان بقى ليكي حياتك، وأنا حياتي فاضية، عرفت أملأها بالطريقة دي. دي الطريقة الوحيدة اللي خلتني سعيدة ومبسوطة ومابعملش مشاكل مع سليم.
سلوى: بس، أنا ساعات كتير بكلمك وأقول لك إني هاجي بعد المحاضرات، إنتي بتكوني نايمة وتقولي ماتجيش.
ماسة متعجبة: وإنتي بقى بتسمعي كلامي على طول ومابتجيش، اللي عايز يجي بيجي زي ماعملتوا النهارده كده فبلاش نتكلم في الموضوع ده صدقيني عشان هنزعل من بعض.
اتسعت سلوى عينيها بصدمه قالت بتوضيح: ماسة ايه اللي إنتي بتقوليه ده أنا هتهرب منك ليه؟ أقسم بالله اليوم بيبقى طويل جداً في الجامعة وببقى تعبانك مش قادرة مابصدق أروح أنام والأيام اللي ببقى فاضية فيها وابقى عايزة اجي لك انتي بتبقي نايمة ومش عايزة تقابلي حد.
ماسة بقهر: أنا مش زعلانة منك أنا عارفة إن إنتي بقى عندك حياتك وبقى يومك مليان صدقيني حاسة بيكي. أنا اللي حياتي فاضية بس برده مش عاوزاكم ماتجوليش.
سعدية باستهجان وهي تغزها فى كتفها: بت يا ماسة! انا جتلك مرتين، وإنتي بتفضلي نايمة، وبعدين تصحي ومش طايقة حد يكلمك! اللي إنتي فيه ده ما ينفعش، إنتي لازم تغيري الطريقة اللي إنتي فيها دي ياحبيبتي. ماينفعش! واللي إنتِ بتعمليه بالليل، اعمليه الصبح على الأقل. أنا هاجي لك، واختك تيجي لك، بلاش سلوى عندها دراستها وبتيجي تعبانة، أنا هجيلك كل يوم.
ماسة مغيرة الحديث: إن شاء الله. قولي لي، عاملة إيه مع مكي؟ وصلتوا لإيه؟
سلوى:السيراميك اللي اخترناه سوا، أنا وإنتي الحمامات بس، والديكورات بتاعة الفيلا نفسها.
ماسة: ربنا معاكي، بقول لكم إيه؟ تاكلوا؟
سعدية: هو فين سليم؟
ماسة: والله معرف، هكلمه.
سكتت ماسة، ثم أخذت هاتفها وقامت بالاتصال.
ماسة تساءلت: إنت فين؟
سليم من الناحية الأخرى في مكتبه قال متعجباً: صاحية بدري يعني؟ غير العادة؟
ماسة: ماما وسلوى هنا، وصحوني بالعافية، إنت فين؟
سليم: لسه في الشغل، هحاول أجي لك بدري علشان أقعد معكم شوية، أنا ماصدقت صحيتي.
ماسة بتنبيه: طب ماتتأخرش. لأن لو هم مشوا هنام.أنا أصلاً مش قادرة. أنا صاحية بالعافية. أنا بكلمهم ودماغي لسه نايمة.
سليم: ماشي، سلام.
ماسة: سلام. أغلق الهاتف.
ماسة: أنا هخليهم يحضروا لنا الأكل، أنا جعانة مش قادرة أستنى سليم.
سعدية: طيب، قوليلهم.
وبعد وقت قليل تناولوا الغداء، وصل سليم، مبتسمًا وهو يقترب منهم:
سليم بترحيب حار: إيه الجمال ده؟ وحشتوني.
توقفت سعدية، صافحت سليم، وضمتّه قائلة:
إزيك يا حبيبي؟ عامل إيه؟ وحشتني!
سليم: إنتي كمان وحشتيني، الحمد لله على السلامة.
ثم صافح على سلوى: إزيك يا سوسكا؟ عاملة إيه؟
سلوى: الحمد لله.
جلس سليم بجانب ماسة وهو ينظر لسعدية بتهذب: طب سلوى دايما مشغولة لدرجة إن محدش عارف يشوفها دلوقتي بسبب الكلية لكن حضرتك بقى مابتجيش ليه؟!
سعدية: كل مكلم مراتك تقول لي إنها نايمة وماتردش عليا. ينفع كده؟
سليم: مينفعش طبعاً، بس موضوع نوم ماسة ده لسه قريب وحضرتك بقالك فترة غايبة.
سعدية معترضة: قريب ايه يا سليم؟! دي بقالها أكتر من شهرين.إزاي سيبها كده زعقلها، وشد عليها؟ بطل دلعك ده شوية.
أمسك سليم يده ماسة بابتسامة حب: أعيش وأدلعها لو مش أنا اللي أدلعها، مين هيدلعها؟ هي أصلاً بتصحى لما أنا بكون موجود ودة المهم.
ضحكت سلوى: سليم بيقول لك: أطلعي منها أنا ومراتي احرار، يا ماما بأدب.
ضحك سليم: ماقدرش.
سعدية: والله يا حبيبي أنا بس عايزاكم تبقوا كويسين مع بعض.
نظرت ماسة له: لو كنت قلت لي إنك جاي، كنت استنيتك، إحنا لسه واكلين.
سليم: أنا مش جعان. أخبارك إيه يا سلوى؟ مكي عامل إيه معاكي؟ اوعي يكون مزعلك؟
سعدية بشكر: هو في زي مكي، ما شاء الله عليه.
سلوى: الحمدلله أمورنا تمام.
سليم باحتواء: لو في أي حاجة واقفة قدامكم أو حصل أي حاجة قولي لي احنا اخوات.
تبسمت سلوى: كل حاجة تمام.
وبالفعل، قضوا وقتًا معًا، لكن كان واضحًا أن ماسة كانت تشعر بالصداع بسبب قلة نومها. ثم رحلت والدتها وسلوى، وتوجهت هي وسليم إلى جناحهما.
جناح سليم وماسة
دخلت ماسة إلى الجناح مع سليم، بدا عليها الإرهاق الشديد، كانت مرهقة جدًا وتريد النوم. ما إن وصلت إلى الفراش حتى رمت نفسها عليه بتعب.
وقف سليم يخلع سترته ويفك أول أزرار قميصه، ثم التفت إليها متسائلًا: بتعملي ايه؟
أجابته بصوت واهن وهي تغمض عينيها: هعمل ايه يعني… هنام، مش قادرة.
اقترب منها سليم و توقف أمام الفراش، نظر إليها وهو يمرر أنامله بين خصلات شعرها، ثم علق بنبرة دافئة: تنامي إيه؟
مال نحوها أكثر، يراقب ملامحها التي بدت مرهقة، ثم أكمل: هنقعد مع بعض شوية… أنتي وحشتيني، أنا ماصدقت إنك صحيتي بدري.
همست ماسة بتعب: هنام ساعتين وأصحى نقعد مع بعض، معلش يا سليم.
رفع سليم حاجبه وهو يردد مستنكرًا: هو إيه اللي معلش يا سليم؟ لا، هنقعد مع بعض، رخامة بقى! أنتي وحشتيني.
انحنى ليطبع قبلة على خدها بحنان، فتمتمت وهي تفتح عينيها بصعوبة: سليم… بجد مش قادرة.
نظر إليها سليم وهو يراقب تعابير وجهها المتعبة، لكنها رغم ذلك كانت جميلة في عينيه، بل كانت الأجمل دائمًا. لم يستطع مقاومة رغبته في البقاء بقربها، فاقترب أكثر، يمرر أنامله برفق على وجنتها، ثم همس بصوت دافئ:
ولا أنا قادر أصبر على شوقي ليكي.
اقترب أكثر، يحيطها بذراعيه، بينما هي تحاول المقاومة بخجل وضعف، لكنه لم يمنحها فرصة، احتواها بحضنه الدافئ وهمس في أذنها:
طيب، نامي يا عصفورتي الحلوة.. بس جوا حضني.
حاولت أن تبتعد قليلًا، لكن يديه كانت أسرع، احتواها بين ذراعيه برقة، عينيه تفيض بحب وشوق لم يعد قادرًا على كبحه بدا بوضع قبلات متقطع على مختلف وجهها وشفتيها.
ماسة: سليم… أنا تعبانة، بجد.
ابتسم بمكر وهو يهمس لها: وأنا كمان تعبان… بس مش من الإرهاق من شوقي ليكي.
شعرت بحرارة كلماته تمتزج مع دفء أنفاسه، فارتبكت، حاولت التهرب من عينيه لكنها فشلت، إذ كان قد أحاطها تمامًا، يقرأ كل ما يدور في عقلها وقلبها.
لحظات قليلة كانت كفيلة بأن تذيب المسافات بينهما، و تجعل التعب يتلاشى، لتحل محله مشاعر أقوى، مشاعر لم يكن لأي منهما قدرة على مقاومتها.
لم يكن بحاجة إلى كلمات أكثر، فقط نظراته كانت تكفي لتُشعل كل ماحاولت إخماده. أما هو، فلم يمنحها فرصة للهروب… ولم تكن بحاجة إلى ذلك.
اليوم التالي.
غرفة اللفينج روم.
كانت ماسة متسطحة على الأريكة تشاهد أحد الأفلام بتركيز، وعيناها تلمعان بالضحك. دخل سليم الغرفة مبتسمًا.
سليم بحب: عشقي.
رفعت ماسة عينيها إليه بابتسامة: إيه يا حبيبي؟
جلس سليم على الأريكة بجانبها، ومرر يده على وجنتيها بحنان: عايز أتكلم معاكي شوية.
جلست ماسة باهتمام: خير؟
أمسك سليم بالريموت وأغلق التلفاز، ثم نظر إليها وقال بنبرة حنونه: عايز أتكلم معاكي في موضوع، بس أوعديني تكلميني بصراحة. صدقيني، مش هازعل، يعني عادي بس لازم نتكلم مع بعض بشكل ناضج. إحنا كبار، صح؟
تبسمت ماسة، معقبة على طريقته في الحديث وهي تعقد حاجبيها: مالك يا سليم؟ إيه الطريقة دي؟
ابتسم سليم وهو لا يعرف كيف يبدأ الحديث: عادي يعني…
أمسك بيدها ونظر في وجهها بتركيز ابتلع ريقه و تساءل:
إحنا لما كنا مع بعض امبارح، مش امبارح بس الفترة الأخيرة أقصد لما بنكون مع بعض…
نظر داخل عينيها بمعنى معين، تبادلت ماسة معه النظرة ، فقد فهمت مايقصده، هزت رأسها بصمت. أكمل سليم: هو أنا عملت حاجة ضايقتك؟ أو قلت كلمة ماعجبتكيش؟ قولي لي يا عشقي، والله ماهزعل ولا هتضايق، بالعكس هفهم، الموضوع ده بالأخص، لازم تتكلمي عن أي حاجة تضايقك أو مش حباها عادي.
نظرت له ماسة للحظة وتعجبت ثم قالت بخجل وهي تعود بخصلات شعرها خلف أذنها وعينيها إلى الأرض: أنا مش فاهمة إنت بتتكلم عن إيه، بس كنا مع بعض زي كل مرة.
سليم باستفسار: يعني إيه زي كل مرة؟ بعد إذنك بصي لي مش وقت خجل، أنا جوزك حبيبك يا ماسة.
رفعت ماسة عينيها بخجل بابتسامة خفيفة: يعني زي ما إحنا على طول، مش حاسة إن في حاجة جديدة، ولا في حاجة جدت علينا، إنت سليم حبيبي….
سليم: يعني مافيش حاجة عملتها ضايقتك؟ ده المهم.
ماسة هزت رأسها بلا: لا، خالص.
تساءل سليم متعجبا: أمال مالك؟
ماسة بتعجب: مالي إزاي يعني؟
سليم: آخر كام مرة كنا مع بعض، كنتي متغيرة، مش زي العادي. حاسس إنك مش حابة أو بتعملي كده عشان ترضيني؟ ملهاش علاقه بقى انك عايزه تنامي عشان احنا مرينا بالموقف ده كذا مره ما كنتيش بتبقي كدة.
نظرت له ماسة متعجبة، ثم قالت بنبرة جادة بعض الشيء: هل أنا لازم كل مرة أكون موافقة وحابة الموضوع؟
تجمد سليم للحظة، ولم يستوعب الجملة، ثم قال بصوت مهتز: إنتي لازم كل مرة تبقي حابة وموافقة؟ يعني ممكن يحصل ده بينا وإنتي مش حابة؟
ماسة بتوضيح: مش قصة مش حابة، بس ساعات ببقى عادي، بس عشان خاطرك بوافق، مش بحب ازعلك، وعشان حرام كمان أرفض هشيل ذنبك.
أحس سليم بالضيق والألم من كلماتها تحدث بصوت خرج بصعوبة وهو يقول: بتعملي كده معايا عشان خاطري؟ بتديني حقي الشرعي وبس يعني؟
ماسة بهدوء: بس أنا يا سليم مش متضايقة،بس يعني ببقى عادي، فاهمني؟
أومأ سليم برأسه عددت مرات إيجابًا وبدا عليه التفكير العميق الممزوج بالحزن، ثم وضع رأسه بين يديه، وهو يحدق أمامه.
نظرت ماسة إليه بتعجب متساءلة: مالك يا سليم؟ إنت تضايقت!! مش هو أهم حاجة اني ماكونش متضايقة؟
فتح التلفاز بهدوء، وعينيه لا تبتعدان عن الشاشة، ولكن ذهنه كان بعيدًا تمامًا. لم يرد على ما قالته ماسة، واكتفى بالصمت.ثم ترك المكان وغادر إلى الخارج دون أن يتفوه بكلمة واحدة. أما ماسة، فقد أكملت مشاهدتها للتلفاز دون أن تولي أي اهتمام لما قاله أو فعله سليم، او عدم رده، وكأنها لم تتفوه بأي حديث معه.
لكن الكلمات التي خرجت من فمها كانت كالعذاب بالنسبة لسليم، شعر بوخز في أعماق قلبه، وألم شديد قد اجتاحه، وكأن كل كلمة كانت تسحب منه جزءًا من نفسه. أكثر ما كان يؤلمه هو شعوره بأن زوجته حبيبته تقوم بذلك من منطلق الواجب أو حقه الشرعي دون أن يشعر منها بأي حب أو عاطفة شخصية، كان حزينا ليس فقط من كلماتها، بل من تلك الفجوة التي بدأت تظهر بينهما، فجوة لم يكن يعرف كيف يملؤها. كان يتمنى لو كانت مشاعرها تجاهه لا تقتصر على الواجب، بل تحمل ولو جزءًا من الحب الذي كان في قلبيهما منذ البداية.
الليفنج روم، الثانيةصباحاً
كان الجو هادئاً، إلا من صوت التلفاز الذي يعرض أحد الأفلام. ماسة تجلس مستندة على الأريكة كاعدتها، وأمامها طبق ممتلئ بالأطعمة والحلويات، عيناها تحدق بالشاشة، لكن ذهنها بعيد.
على الجانب الآخر، فتح عماد الباب ودخل كان مرهقاً. استمع إلى صوت التلفاز وعقد حاجبيه، ثم توجه نحوها.
عماد: هالو، ماسة… قاعدة لوحدك؟
ماسة: كل يوم ببقى كده، أنت اللي مش بتشوفني.
جلس عماد بجانبها وابتسم ابتسامة صغيرة: امم… أنا جعان. عملتوا إيه النهارده عالعشاء؟
ماسة:رز وملوخية وبامية وفراخ.
عماد: هطلب بيتزا… أطلبلك معايا؟
ماسة: مش بحبها أوي.
عماد: طب نطلب برجر؟
ماسة بتردد بسيط: أوكي، بس كتر بطاطس وكاتشب.
أخرج عماد هاتفه وبدأ في طلب الطعام:
تمام… هنطلب برجر وبطاطس كتير وكاتشب زي ما بتحبي.
أسندت ماسة رأسها للخلف على الكنبة، وعيناها تنظران للسقف بنظرة تحمل خليطاً من الملل والامتنان.
عماد بابتسامة مطمئنة: طيب، لحد ما الأكل ييجي، نتفرج على فيلم حلو مع بعض… ايه رأيك في فيلم رعب؟
ماسة بحماس: يلا، بس لو الفيلم وحش، مش هسكتلك.
عماد يضحك: خلاص، أنا اللي هتحمل.
جلسا معاً، يحاولان كسر الصمت الذي يحيط بماسة طوال اليوم. أثناء متابعة الفيلم، تناول عماد حفنة من الفشار وقال:
عماد: توقعت إنك بعد رجوع سليم المجموعة هتبقي موجودة معاه… خاصة إنك في الفترة اللي كان تعبان فيها أثبتي نفسك كويس.
نظرت ماسة له بصمت، عيناها تحملان مزيجاً من الأسف والخذلان
أنا كمان… أنا كمان افتكرت كده. تخيلت إني هشتغل في المجموعة وأكون جنبه، وتخيلت حاجات كتير. بس… صحيت لقيت نفسي كنت نايمة. أو يعني… كان مجرد وقت.
عماد : بس أنتي كان ممكن يطلع منك حاجات حلوة اوي. طب ماحاولتيش تتكلمي مع سليم؟
ماسة بشعور بضيق: مش عايزة أتكلم في الموضوع ده. أنت أخبار شغلك إيه؟ تمام؟
عماد: آه، تمام. بس جوزك مطلع عينينا في الشغل. مركز هو في مشروعه الجديد وسايب لنا إحنا باقي المجموعة.
ماسة بابتسامة باهتة: طب ما دي حاجة كويسة. عشان تثبتوا نفسكم، دلوقتي الساحة فاضية، وكل واحد فيكم لازم يشتغل على نفسه. لو سليم ما كانش واثق إنكم قدها، ما كانش سابكم. فدي فرصتكم تثبتوا إنكم تستاهلوا الثقة.
عماد: صح، عندك حق. هو فعلاً عرف يخلينا نشتغل تحت الضغط
ابتسمت ماسة، وهي تتابع الفيلم بنصف اهتمام، لكن عقلها كان يسرح في مكان آخر…
واستمر الحديث بينهما، يتبادلان الكلمات بتلقائية، كأنهما يحاولان ملء الفراغ حولهما. عماد كان يحكي عن بعض المواقف الطريفة في العمل، وماسة تستمع بين الحين والآخر، تبتسم أحياناً وتعود بنظراتها للشاشة أحياناً أخرى.
بعد قليل، وصل الطعام. جلسا يتناولان السندوتشات والبطاطس بصمت مريح، بينما استمر الفيلم في العرض.
عماد وهو ينهي طعامه: أنا طالع أنام بقى ماتسهريش كتير.
ماسة بابتسامة خفيفة:تصبح على خير.
عماد: وأنتي من أهله.
صعد عماد إلى الطابق العلوي، تاركاً ماسة وحدها في الليفنج روم. بقيت جالسة على الأريكة، عيناها تحدقان في الشاشة لكن ذهنها ذهب بعيداً.
مرت الساعات، وبدأ الصباح يتسلل بثقله. توجهت ماسة إلى المطبخ لتحضر لسليم مشروبه الصباحي، وضعته بجانبه ثم أخذت حمامًا. كان سليم قد استيقظ.
ماسة: صباح الخير.
رد سليم: صباح النور، مانمتيش؟
ماسة وهي تمد وجهها: تؤ، لسه.أنا هلبس عشان أنزل أفطر معاك، جعانة اوي.
تنهّد سليم بتعب : أنا مسافر روما. هقعد كام يوم، فيه شغل مهم لازم أخلصه، وبعدها هرجع على السويس عندي اجتماع. يعني أسبوع وهبقى عندك.
ماسة: تروح وتيجي بالسلامة إن شاء الله.
بالفعل، هبط الاثنان لتناول الفطور، ثم ذهب الجميع إلى عمله، بينما بقيت ماسة تجلس في غرفة المعيشة تشاهد التلفاز.
لم تشعر ماسة بالوقت حتى بدأت عيناها تغلقان ببطء. استسلمت للنوم أخيرًا، متكورة على الأريكة، بينما الفيلم ما زال يدور في الخلفية.
وبالفعل، ذهب سليم إلى روما للعمل، وبقيت ماسة في القصر تعيش نفس الأيام دون تغيير. لكن في اليومين الأولين، كانت دائمًا تسهر مع عماد ورشدي. كانا يأتيان متأخران، يجلسان معها لبعض الوقت، ثم يذهبان للنوم، بينما تواصل هي سهرها بمفردها.
💕_______________بقلمي ليلةعادل
مكتب عزت العاشرة مساءً
نشاهد عزت وفايزة وياسين يجلسون في المكتب ويتحدثون وكان يبدو على ملامح وجوههم الجدية.
تنهد عزت وهو يطالع ياسين بتركيز: عايزك تقرأ التفاصيل كويس وتوريني الصفقة دي هتخلصها إزاي.
أشار ياسين للورقة بثقة: ماتقلقش يا باشا، مش هيحصل فيها أي حاجة.
عقد حاجبيه: ده نص المبلغ استلمته خلاص.
انحنى عزت قليلاً على المكتب، هز رأسه بإيجاب: والربع التاني هيوصل لي بكرة قبل ما تروح. وانت هتجيب الربع اللي فاضل.
حدقت فايزة في ياسين بنظرة حادة: أحنا محتاجينك تحضر عشان تبقى قوي، تتعلم من اللي بيحصل أنا عارفة إن الشغل ده صغير عليك.
ارتخى ياسين على المقعد بملامح قوية :مافيش مشكلة يا باشا أنا هخلص كل حاجة، بس ياريت محدش يقول حاجة لهبة، أنا هقول لها إن عندي شغل تبع المجموعة.
مال عزت إلى الوراء مستندا على ظهر المقعد، ونظر إليهم بكل هدوء: مفيش مشكلة.
((غرفة السفرة))
جلس جميع أفراد عائلة الراوي على المائدة لتناول العشاء، ما عدا هبة وياسين اللذان كانا متواجدين في فيلاتهما. بينما كان عماد ورشدي موجودين في المجموعة، اعتذر سليم عن الانضمام للعشاء بسبب انشغاله في اجتماع مهم. كانت ماسة تجلس معهم بعد فترة طويلة من الانقطاع بسبب اضطراب نومها، الذي ترك في قلبها شعورًا بالوحدة، تائهة بين أفكارها وأوجاعها.
عزت متسائلاً: أمال فين عماد يا صافيناز؟
صافيناز موضحة: “عماد عند مامته، خلاص بقى الخميس والجمعة دايمًا عند مامته. عاملة معاه مشاكل كبيرة وزعلانة خالص. لما تكلمنا سوا لقينا الحل إنه يبات معاها خميس وجمعة، والسبت هيطلع المجموعة، بصراحة كده أحلى يعني عشان نشتاق لبعض.
منى: وأنتِ ليه مش بتروحي تقعدي معاه؟
صافيناز: مستحيل طبعًا، خلينا نشتاق لبعض، ما احنا في وش بعض على طول ملل.
اقتربت منى من طه وضعت قبله على خده: أنا مستحيل أبعد عن طه أو أزهق منه.
نظرت فايزة نحو ماسة بإنتقاد: مش هتبطلي بقى تنزلي بالبيجامة؟ مافيش سماع للكلام؟
تدخل عزت بحذر: ما تسيبيها تقعد زي ما هي عايزة يا فايزة.
فايزة: بس القصر ده له قواعد، يا عزت.
ردت ماسة على فايزة محاولة إخفاء انزعاجها: وأنا قلت لحضرتك قبل كده لو في مشكلة عندك سليم ممكن تقولي له بلاش تتكلمي معايا، وحتى قلت لك حاجه ثانيه بس شكلك نسيتي.
فايزة بتعجب: غريبة، أول مرة تقعدي معانا بعد فترة طويلة، وبطلتي طريقة نوم الخفافيش بتاعتك. ده طبيعي لأنك مش وراكي أي حاجة بتعمليها يعني تنامي طول النهار وتصحي طول الليل!!!
نظرت لها ماسة متعجبة قالت بنبرة ساخرة: ده إنتي مركزة معايا!! لكن ماعتقدش إنك كنتِ منزعجة من غيابي، دي كانت أسعد لحظاتك وأنا مش موجودة.
عزت، متعجباً: وهتبقى أسعد لحظاتها ليه يا ماسة؟
ابتسمت ماسة بحزن: مصممين تكملوا في مسلسل الهندي الفاشل؟ طب بالمناسبة سليم مش موجود.
فريدة: يعني إيه سليم مش موجود؟ مالك يا ماسة؟
نظرت ماسة إليها بتوتر واضح: الكلام مش ليكي يا فريدة، ولا للأستاذ إبراهيم. الكلام للباقي. حتى برضه مش لطه.
صافيناز: يعني إيه بقى؟
نظرت لها ماسة، وكان الغضب يشتعل في صدرها، لكن صوتها ظل هادئًا، مثل قنبلة موقوتة. بنبرة حادة: يعني خلاص يا صافيناز، كفاية تمثيل، المسلسل بقى ممل.جددوا بقى. أنا عارفة إن كلكم مش بتحبوني، رغم إنكم حاولتوا تمثلوا. فخلينا صرحاء مع بعض بدل تمثيل المحبة المزيفة اللي مش لايق عليكم، صراحة بقى بايخ.
صافيناز باستياء: إحنا هنمثل إننا بنحبك؟ اخص عليكِ! إنتِ عارفة إني بحبك وماليش علاقة بمامي.
ضحكت ماسة بسخرية، رغم تألم قلبها: إنتِ أول واحدة مثلتي عليا إنك بتحبيني. وأنا صدقتك. بس أوعي تفكري تعمليها تاني. خلاص بقى، كبرت وفهمت كل حاجة..
رفعت فايزة حاجبها وقالت باستهجان: ولو فكرت تعملها تاني، هتعملي إيه يعني؟!
ماسة بابتسامة ساخرة، لكن ملئ بالثقة والقوة “ما انا لسه قايله لك من فتره صغيره هقول لسليم كل حاجه القديم والجديد ومش هسكت لحد وساعتها هنشوف بقى سليم هيعمل ايه هيختار مراته ولا عيلته..
مسحت على وجهها: انا مش عارفة إيه المكسب في إنكم تمثلوا عليا المحبة بالشكل المبالغ فيه ده، بس اللي متأكدة منه إن في مكسب كبير غير موضوع المصلحة بتاع المجموعة.
فايزة بنبرة مستفزة: تفتكري مين اللي هيكسب في المعركة دي يا ماسة؟
ماسة، بهدوء ولكن بعزم: منطقيًا بيقول إنتم ، لأنكم الأكثر والأخطر. بس واقعًيا أنا، لأن أنا معايا سليم.
حدجتها صافيناز بخبث: تفتكري قوة سليم كفاية؟
ماسة بثقة: لو قوة سليم مش كفاية، كان زماني خرجت من القصر ده بعد شهر من رجوعي مصر، أو حتى بعد جوازي بس انا لسه هنا على ارض صلبه درجه ان انا قاعده على سفرتكم وسطكم وبقول الكلام ده وبهددكم كمان.
تنهدت ماسة بوجع وأضافت: عموماً، في النهاية، أحب أقول لكم إن المسلسل بقى مكشوف من زمان، وأنا كشفته. بس كنت بقول يمكن لما تشوفوني، تعرفوني وتقربوا مني، تحبوني. لكن واضح إن ده استحالة. زمان ماكانش فارق معايا أقول، بس لما حسيت إننا هنبتدي نفس المسلسل تاني، فهقول لكم المرة دي مش هتجيب أي نتائج.
تحركت وطرقت الغرفة.
خيّم السكون على المكان، وكأن الكلمات سلبت أنفاسهم.
لم عزت يستطع السكوت أكثر، فاندفع قائلاً بصوت عالٍ:
أنا عايز أفهم! إيه اللي حصل؟ إيه اللي بتقوليه ده؟ هو أنتِ يا فايزة ما بتتعلميش؟ ما بتبطليش؟!
فايزة، بتفادي نظراته، أجابت بصوت مشوش:
على فكرة… أنا المرة دي مظلومة! ما عملتش حاجة. أنا شفتها قاعدة بالبيجامة تحت في الليفنج روم، وقلت لها: “إزاي قعدة كده؟ لازم تلبسي حاجة تليق بيكي وبالمكان.” البيجامة دي مكانها الأوض! ازاي بقى أقول لها كده؟ قعدت تقولي لي: بطلي تكلميني بالطريقة هقول لسليم القديم والجديد وقعدت تهددني! دي بقيت مجنونة! مش طبيعية! شكلها من كتر القعدة لوحدها بقت مختله.
عزت، غير مصدق: مستحيل ماسة توصل للي هي فيه ده عشان كلمتين دول، مش معقول!
فايزة، تؤكد على كلامها: لا، عشان الكلمتين دول!
عزت، بنبرة حاسمة، محاولة:
طب، انا مش عايز مشاكل! اللي هيخسر في الموضوع ده لو ماسة فتحت بقها. هو انتِ يا فايزة، ما تنسيش… إنتِ مديها قلم! هي في حالها وإحنا في حالنا مفهوم.
هز الجميع رأسها بصمت.
مدينة السويس (شركة الشحن)
مكتب الراوي الرابعة مساءً
في مكتب واسع يطل على الميناء، جلس سليم خلف مكتبه، شاشة كبيرة خلفه تعرض مراكب الشحن وهي تبحر في البحر المفتوح. أمامه مجموعة من المديرين يناقشون أمور العمل، أصواتهم تتداخل مع صوت الأوراق التي يقلبونها والتقارير التي يستعرضونها. بعد انتهاء الاجتماع، قام سليم بتوقيع بعض الأوراق ثم أشار لهم بالخروج.
بينما غادر الجميع، دخل مكي بخطوات واثقة، أغلق الباب خلفه واستند إلى المكتب، ناظرًا لسليم الذي أراح ظهره على الكرسي بتعب واضح.
راقبه مكي بتمعن قائلا: خلصت
مرر سليم يده على وجهه بإرهاق ثم رد: اممم…
جلس مكي على الكرسي المقابل، ووضع قدمًا فوق الأخرى، ثم سأل مباشرة هتبات؟
سليم بلا تفكير: تؤ، طبعًا هنرجع.
ظل مكي صامتًا مترددا لثوانٍ، ثم قال بنبرة هادئة لكن حازمة: بقولك ايه؟ كنت عايز أكلمك في موضوع.
اعتدل سليم في جلسته، التقط قلمه بين أصابعه وابتسم: بخفة خير؟
نظر مكي إليه مباشرة، وقال دون مقدمات: هتفضل لحد إمتى مش سامح لماسة تخرج؟
تبدلت ملامح سليم، وغطى الجمود وجهه، عادت عيناه إلى الأوراق التي أمامه وكأنه لم يسمع شيئًا. بصوت منخفض لكنه قاطع: مكي مش عايز أتكلم في الموضوع ده.
مكي بإصرار: يعني إيه مش عايز؟ سليم، كفاية، فات كتير… مافيش خطر على ماسة، ولا على حد…الخطر ده إنت زرعته بوهمك!
رفع سليم عينيه بحدة، نبرته هادئة لكنها تحمل تهديدًا خفيًا: وهم ؟هي الحادثة كانت وهم؟
زفر مكي بضيق، ثم مال للأمام مستندًا على المكتب بيديه، قائلًا بجدية: لا مش وهم… بس افرض موصلتش للي عملها؟ هتفضل حابسها؟
قاطعه سليم بنظرة طويلة، قبل أن يرد بحزم: هوصل… ولحد ماوصل، هيفضل الحال كما هو عليه. أنا بحافظ على حياتها إنت المفروض تكون فاهمني.
مكي بهدوء وتحذير: فاهمك والله يا سليم، بس خايف من كتر خوفك تدمرها…والنهاية تكون غير مرضية ليك.
لم يرد سليم، فقط نظر إلى الشاشة التي تعرض مراكب الشحن، وكأن عقله كان أبعد بكثير من هذا المكان. الصمت كان أبلغ من أي رد… لكنه لم يكن صمت راحة، بل صمت رجل يحارب مخاوفه، دون أن يدري إن كان سيكسب الحرب أم سيخسر كل شيء في النهاية
صحراء القاهرة
الساعة الواحدة صباحًا
الهدوء يملأ المكان، الهواء البارد يحرك الرمال الخفيفة، والمصابيح الأمامية لعربات الشحن تلقي ظلالًا طويلة على الأرض الجافة.
نرى سيارة ضخمة متوقفة، محملة بالصناديق، ويحيط بها بعض الرجال المسلحين، يتحركون بحذر، يراقبون المكان على مسافة قصيرة، تقف سيارة فاخرة بجوارها ياسين، وإلى جانبه رجل أجنبي مسنّ، ذو شعر أبيض وملامح صارمة، يرتدي بدلة أنيقة، إنه نيكولاس.
أحد رجال ياسين، قوي البنية، يفتح شنطة السيارة الخلفية، كاشفًا عن حقيبة سوداء ممتلئة بحزم من الدولارات.
الرجل القوي يناول الحقيبة لياسين باحترام:
هذا هو باقي المبلغ، ياسين بيه.
ياسين يتفحص النقود سريعًا، قبل أن ينظر إلى نيكولاس: تمام…
نيكولاس بتنهيدة خفيفة هز رأسه: هذا باقي المبلغ، كنت أرغب في الحصول على كامل المقبرة.
ياسين موضحا: اضطررنا لبيع البعض منها لبعض التجار الآخرين، سيد نيكولاس. سنعوضك في صفقة أخرى.
قبل أن يرد نيكولاس، قطع حديثهما صوت طلق ناري بعيد…
تجمد الجميع للحظة، قبل أن تظهر سيارة سوداء مسرعة من بعيد، أضواؤها مغلقة، وصوت المحرك يزمجر وهي تقترب بسرعة جنونية.
وضع ياسين يده على مسدسه، كان صوته متوترا لكنه هادئ: استعدوا…
في لحظة، تنفجر عاصفة من الرصاص! النيران تخرج من نوافذ السيارة السوداء، رجال ياسين ونيكولاس يندفعون، يخرجون أسلحتهم، يطلقون النار نحو المهاجمين.
تحول الطريق إلى الجحيم من الطلقات، الرمال تتطاير تحت أقدامهم، أصوات الرصاص تصم الآذان.
وسط الفوضى وتبادل النيران، أخذ ياسين طلقًا. صرخ شاكر: ياسين بيه!
ركض نحوه، وقلبه يخفق بشدة
💞____________بقلمي_ليلةعادل
على اتجاه اخر
قصر الراوي الثانية عشر صباحاً
اللفينج روم
نشاهد ماسة تجلس مع عماد ورشدي، يضحكون ويلعبون معًا لعبة الشايب.
رشدي بضحك: إنتي بتنصبي عليّا !!
ماسة وهي تضحك: إنت اللي فاشل، مابتعرفش تلعب!
عماد بتأكيد: صراحة آه، بقولك إيه؟ نعاقبه بايه!
ماسة بضحك: ينزل حمام السباحة.
رشدي: إيه الافتراء ده؟
ضحك الجميع.
وأثناء ذلك، دخل عليهم سليم، الذي عاد لتوه من السويس، مرر بعينيه عليهم،والغضب واضح على وجهه، شعر بشيء من الغيرة والضيق لأنها تجلس معهم وتضحك بهذا الشكل.
عماد بابتسامة: سليم! حمد لله على السلامة.
نهضت ماسة وقبلته من خده: حبيبي حمد لله على سلامتك.
سليم بضيق: ماسة، يلا.
ماسة برفض: عايزة أقعد شويّة، مش عايزة أنام دلوقتي.
سليم بأمر: قولت يلا.
أمسك سليم يد ماسة بشدة وسحبها معه إلى الخارج. كانت تحاولت ماسة المقاومة، لكن قبضته على معصمها كانت قوية جدًا. دخل بها إلى المصعد.
ماسة بغضب: أوعى، إنت سحبني كدة ليه، إنت مجنون!
سليم نظر لها بعين تقدح شرار: هششش! اسكتي، فهمتي؟ اسكتي!
عند رشدي وعماد
رشدي بسخرية: شكلنا النهارده هنسمع أحلى سمفونية بين سليم وماسة.
عماد وهو يضحك: ده مجنون مش عاقل خالص. أنا مش عارف مستحملاه إزاي.
رشدي معلقاً: يعني هتسيب كل ده عشان مش عايز يخرجها وبيغير عليها مننا؟ وترجع تاني لفقر زمان؟
عماد بتوضيح: سيبك إنت، بس بصراحة البت طلعت عسل. أنا كذا مرة قعدت معاها بالليل، دمها خفيف وعاقلة وطيبة حدا.
رشدي بتأكيد: أيوة، ماسة حتة وردة ناعمة وسط حقل من الصبار. أنا ناوي أخلعها من سليم وأتجوزها.
ضحك عماد بقوة: عشم ابليس في الجنة.
في الجهة الأخرى.
نشاهد سليم ساحبا ماسة من معصمها بقوة، تجاوز بها المصعد حتى غرفتهما.كانت تحاول فك يديها، ويبدو عليها الضيق، لكن سليم لا يرحم. دخلا غرفتهما وأغلق الباب بقوة
جناح سليم وماسة.
سحبت ماسة يدها بقوة: إنت مجنون! أوعى إيدك دي.
نظر سليم لها بشدة: وطي صوتك.
ماسة بغضب: مش هوطّي صوتي! ايه اللي إنت بتعمله ده في إيه؟ إنت جاي من سفرك وحد مضايقك؟ هتطلع جنانك عليّا؟ في حد يرجع من سفره بيعمل اللي أنت بتعمله ده.
سليم بضيق: أنا محدش مجنني غيرك.
ماسة بذهول: أنا مجنناك.
سليم متسائلا بغضب وغيرة: ايه إللي مقعدك مع عماد ورشدي، وايه الضحك ده؟
ماسة بضجر: أيه المشكلة لما أقعد مع عماد ورشدي؟ هو أنت شوفتني قاعدة معاهم في أوضة النوم؟ بطل الأفكار المتخلفة دي، كمان عايز تحرم عليا أقعد مع البني ادمين اللي عايشين معايا في القصر، مش كفاية اللي إنت عامله فيا، حرام عليك كفاية مابقتش قادرة أتحمل.
سليم بقوة: أنا أفكاري متخلفة؟وهتقولي نعم حاضر يا سليم، من غير مناقشة. قسماً بالله، لو شفتك قاعدة تاني مع عماد أو رشدي، هتشوفي مني حاجة تانية خالص.
ماسة بعدم إهتمام: اعمل اللي تعمله، مش فارق معايا
اقتربت منه وقالت بحسم:
أنا مش هسيبك تتحكم فيا أكتر من كده، فاهم مادام مابعملش حاجة حرام أوغلط
قالت بنوع من التأثر والشدة:
مش هسمحلك فاهم، قلت لي خايف عليا من الخروج قلت لك حاضر ونعم وأمرك، لكن كمان تقولي أقعد مع مين مقعدش مع مين؟! انت فاضل تمنعني من كل البشر، عايز تجنني عايز تخليني أكلم الحيطان، صح، عموماً أنا هعمل إللي انا عايزاه زي ما أنا عايزة.
اقترب سليم منها ونظر داخل عينيها بقوة: ماتجبرنيش يا ماسة، أقعدك جوه الأوضة دي وماخرجكيش منها، أنا سايبك براحتك، أنا من زمان قايل لك ماتقعديش مع رشدي لوحدك ولا مع عماد ، وانت كنتي بتسمعي الكلام، ايه اللي حصل.
لم تهتم ماسة بكل الحديث إلا جملة أنه سيقوم بحبسها قالت له: هتحبسني هنا في الاوضة تعملها يا سليم.
سليم بصوت حاسم وعينيه ثابتة في عينيها: هاعملها مادام مش سامعة كلامي ولا بتحترميه ده اللي هيحصل، أنا مش هصبر عليكي كتير، دلع زمان ده انتهى.
ماسة بتحدي: وأنا مش هصبر على تصرفاتك دي أكتر، سامع؟
ضيق سليم عينه ونظر لها وهو يميل برأسه: هتعملي إيه؟
نظرت ماسة في عينيه: هعمل كتير، لأنني زهقت من تحكمك فيّ وحبك الزايد ده.
أخذا يتبادلان النظرات بضيق وغضب أثناء ذلك هاتف سليم لم يتوقف عن الرن جز على اسنانه وقبض كفه أخرج الهاتف من جيبه.
سليم: ألو، إيه يا بابا؟ أنا في القصر.
اتسعّت عينا سليم فجأة قال بصدمة: ياسين!! طب انتم فين؟ انا جاي حالا، مسافة السكة.
حاول التحرك أمسكت ماسة يده وقالت بتوتر : ماله ياسين؟
أمسكها سليم من كتفها وكلمها بتحذير: خليكي هنا ماتروحيش في حته فاهمة، أوعي تقولي لهبة حاجة،، إنتي ماتعرفيش حاجة.
ماسة بقلق: فهمني طيب في ايه!!
سليم بتوتر: ياسين اتضرب برصاص.
قالها وتحرك مسرعاً بينما اتسعت عينا ماسة بصدمة وهي تنظر لآثار سليم وهو يتحرك أمامها. شعرت وكأنها فقدت القدرة على السيطرة على نفسها. لم تعرف إن كانت تبكي على حالها أم على ياسين الذي تعرض للرصاص، أم على الواقع المظلم الذي تعيش فيه من قتل وضرب لا ينتهي. كانت دموعها حبيسة في عينيها، وكأنها عاجزة عن فهم ما يحدث من حولها. جلست على الفراش وكأن جسدها قد استسلم تمامًا. وضعت رأسها بين كفيها، تحاول أن تُبقي على تماسكها، لكن الدموع كانت تتساقط بغزارة، تخفي وراءها خوفًا لا يوصف، خوفًا من شيء أكبر في الطريق.
لكن السؤال الذي يجب أن يُطرح الآن: من يقف وراء ضرب ياسين هذه المرة
وعلاقة ماسة وسليم، ما الذي سيحدث فيها؟ كل ده هتكتشفوه في الحلقات القادمة. انتظرونا!
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية الماسة المكسورة)