روايات

رواية حصب جهنم الفصل السادس 6 بقلم نرمينا راضي

رواية حصب جهنم الفصل السادس 6 بقلم نرمينا راضي

رواية حصب جهنم البارت السادس

رواية حصب جهنم الجزء السادس

حصب جهنم
حصب جهنم

رواية حصب جهنم الحلقة السادسة

قد ينجو الشرير من عقاب القانون، و لكنّه لا ينجو من عقاب الضمير. لقائلها
~~~~~~~~~~~~
« لا أسمح بسرقة أي من مقالاتي، أو أي مقدمة من مقدمات الفصول.»
_______♡
إذا أردت أن تنهض بأمة، فلابد و أن يكون لديها إعلام ذو مهنية صادقة حيادية حوارية، يسمع الرأي و الرأي الآخر، و يكون على بُعد مسافة واحدة من كُل أطياف الشعب، و إذا أردت أن تُحطم أمة، فاعطها إعلامًا بلا رقيب و ضمير.. كما قال
« وزير هتلر»: ” أعطني إعلامًا بلا ضمير، أُعطيك شعبًا بلا وعي. ”
من هُنا نَسْتَشَفَّ الفرق العظيم و الكبير بين إعلام هدفه رفعة أمه، و بين إعلامٍ فاسد هدفه تضليل و إذلال أمه.
إن الإعلام الفاسد يعتمد بالكلية على وجهة نظرٍ فاسدة و مُضللة، و الهدف من وراء ذلك ترويجها بل و تلقينها من خلال جمهور العامة، ما قال به وزير هتلر كان أحد الأسباب الرئيسية في تفشي النازية، و قتل أكثر من اثنين و نصف مليون إنسان بلا وجه حق، بل الأدهى من ذلك حرق البلاد و العباد، و كل ذلك من خلال إعلامٍ مُضلل و فاسد صَنع من خلال « هتلر» رجل المستحيل، مع أنه في الواقع كان شخصًا بعيدًا تمامًا عما كان يُصَدّره الإعلام، و لن نذهب بعيدًا خارج بلادنا.. كذلك الحال فيها عندما خرج الإعلام المصري العربي في نكسة السابع من يونيو 1967، و ظل يصرخ قائلًا ” لقد انتصرنا و لقد كبّدنا العدو خسائر فادحة، إننا على بُعد خطوات من دخولنا تلب أبيب. ”
مع العلم بأنه كان كلامًا كاذبًا مُضللًا؛ لأننا في الواقع هُزمنا هزيمة قاسية راح ضحيتها آلاف من الشهداء إلى جانب الخسائر المادية الكبيرة.
إن الإعلام الفاسد الهدف الرئيسي فيه، هو إثبات رؤية أصحابه من خلال توجيه الانحرافات العقلية، و في بعض الأحيان الانحرافات الأخلاقية إلى الناس.
لقد لعب دورًا كبيرًا أيضًا في إحتلال فلسطين، عندما كان يخرج المندوب السامي « ألنبي» مُدعيًا بخروج الإحتلال البريطاني من فلسطين، و إرجاع البلد إلى أصحابها حتى يهدأ الشارع الفلسطيني من فكرة وجود إسرائيل، حتى انتهى المطاف بقيام الكيان الصهيوني في عام 1948.
الفساد الإعلامي فساد يفرض نفسه في منطقتنا العربية، فسادًا إعلاميًا يلوي الحقائق، و يخدم مآرب خاصة، فإذا أراد الشعب أن ينهض بأمته، فعليه أن يستمع للإعلام الصادق إعلام الشعب و ليس إعلام الدولارات.
استمع للذي ليس له أي أجندة خارجية أو داخلية الهدف منها زعزعة الإستقرار و إذاعة الفوضى، استمعوا إلى من يكون صوت العقل و الحكمة، و إياكم من صوت الانحطاط و الخزي و العار، فعندما يكون الإعلامي قريبًا من الناس من طينة هذا الشعب، فهذا هو إعلامٌ حر، و إذا كان الإعلامي ممن يتعالى على الناس و يضلل فكرهم، فَسُحقًا له و لإعلامه الفاسد.
في الاستديو التابع لمدينة الانتاج الاعلامي، حيث يتم تقديم برنامج الإعلامي « أدهم المنزلاوي» صاحب التاسعة و العشرون، و الذي اندثر وسط تلك المهنة بالواسطة القوية التي يمتلكها والده.. جلس يعيد قراءة ما تم كتابته بواسطة الإعداد في الورق، بينما يقف مصفف الشعر بجانبه يُهندم له تصفيف شعره، و يلقي نظرة أخيرة على وجهه إذا احتاج شيئًا من الكريمات التي تساعد على إضاءة الوجه في الكاميرا و ما شابه، و لكن « أدهم» يُحب الظهور بملامحه الطبيعية دون التلاعب فيها، فأخرج زفيرًا مُستاءًا تبعه بقوله:
” شعري بس، و انجز من فضلك مش كل مرة هقولك الكلمتين دول ”
اِنصاع لأوامره و انسحب بأدبٍ، ليبدأ هو تقديم برنامجه « خفايا و أسرار» حيث لا توجد خفايا ولا أسرار، و إنما هي( بروباغندا ) إعلامية، أي فيما معناه الترويج و الدعاية الكاذبة لهدف معين، أو كما يقول التعبير الدارج « تطبيل».
يهتف الإعداد بالاستعداد للظهور على الهواء مباشرةً، فيعتدل « أدهم» في جلسته و يتهيئ لتقديم برنامجه، و كذلك المخرج و فريق العمل.
” أهلًا و مرحبًا بكم أعزائي المشاهدين في برنامجكم خفايا و أسرار.. نتكلم اليوم عمن يدَّعي الفضيلة و يتكلم باسم الدين، و نتحدث عمن يضللون أفكار الشباب و يلوثونها، و الهدف من ذلك هدم الوطن و تفكيك نسيجه الوطني.. يريدونها فتنة طائفية بين مكونات الوطن، لكننا كإعلاميين نقف لهم بالمرصاد ”
علمًا بأن « أدهم» كان قد شارك منذ عامٍ و على الهواء مباشرةً، في استقبال شيخ من الشيوخ الذي يتكلم عنهم بهذا الافتراء و الادعاء الكاذب، و نأخذ جزء بسيط من هذه الحلقة التي كانت منذ عام، حيث قال للشيخ بأن وجوده في الاستديو يشعُ نورًا من كل الجنبات، و بأنه يستريح نفسيًا عندما يستمع لكلامه، و دعا له « أدهم» على الملأ، بأن يطيل الله في عمره، و لكن في قلبه عكس ذلك تمامًا، في قلب
« أدهم» يقبع النفاق.
نعود للحلقة، ليستقبل المكالمات على الهواء، و يأخذ رأي المشاهدين في هؤلاء الشيوخ، و نبدأ بأول مكالمة يستقبلها « أدهم»:
” ألو.. ”
يرد المتصل:
” ألو أستاذ أدهم.. حضرتك مذيع محترم جدًا، و عندك مهنية إعلامية ممتازة رغم صغر سنك، و فعلاً لازم نوعي الناس لهذا الخطر القادم من تلك النوعية من الناس ”
فَيرد « أدهم» مُعجبًا برأيه:
” حضرتك شغال إيه يا فندم ؟ ”
” رجل أعمال، و بتصل بحضرتك من فرنسا ”
” كل التحية و التقدير لأصحاب العقول النيِّرة و بشكرك على الاتصال ”
و مكالمة أخرى، يقول المتصل:
” ألو يا أستاذ أدهم، حرام عليك لحوم العلماء محرمة، و الخوض فيهم مرفوض.. عندك واقعة معينة تجيبها و تعرضها، لكن تترك الكلام على المشاع، و تتكلم عن فكرة هدم وطن و فتنة طائفية، و تقول بإن الشيوخ مجتمعين هم الوقود للفتنة الطائفية و لهدم الوطن، فده أمر مرفوض ”
يظهر التعصب على « أدهم» فَيكبح ضِيقهُ، و يرد:
” حضرتك شغال إيه يا فندم ؟ ”
” أنا دكتور استشاري في القصر العيني، و بتكلم من جوا مصر، و لا أنتمي لأي جماعة، أو حزب، ولا حتى أنا رجل ملتزم التزام كُلي، لكن بشوف إن مصر بلد الأزهر و العلماء، بلد القُراء.. بلد إذاعة القرآن الكريم، هُم الحصن المنيع لفكرة هدم الأوطان، مش زي حضرتك ما بتقول.. فياريت تكون حيادي، و تقبل الرأي و الرأي الآخر ”
” والله يا دكتور ده رأيك الشخصي، و أظن إن رأيك ده تحتفظ بيه لنفسك، لأن الكل تقريبًا عارف و فاهم، إن رجال الدين مش همهم البلد إنها تقف على رجليها تاني ”
و نسى « أدهم» و تناسى بأن الآراء الشخصية في الإعلام، لا تنفع ولا تجوز أن تكون للمحاور؛ لأن الأخير يعرض قضية و يسمع كل وجهات النظر، لكن الإعلامي الفاسد يعرض القضية و يُلقنها للناس، و يُفرض وجهة نظره المسمومة بلا حازم ولا رابط، فيتحول من محاور إلى مُلقِّن، ليكن هذا باختصار « الإعلام الفاسد».
بعدما أنهى المداخلات التليفونية، أخذ يُحدث المشاهد بنبرة يشوبها السخرية، قائلًا:
” أيها السادة، كلنا نعلم استفتِ قلبك و لو أفتوك.. مش لازم يكون فيه شيخ يقعد يقول حلال و حرام، أنت استفتِ قلبك.. مهي مش كل حاجة حرام حرام حرام، و أنا من منبري هذا بدعوا إن القانون يضع ضوابط لمن يتحدثون باسم الدين، مينفعش يطلع شيخ و يقولك الحجاب فرض.. أنت مين أنت عشان تقول إنه فرض !، لأ.. دي وجهة نظر و رأي شخصي، و الغريب من كدا، إنه يجي يقولك إن أنت بتعمل شيء محرم بالتبرج ده، لأ و كمان يطلع شيخ و يقولك لابد إني أدخل في مناهج التعليم شخصيات محجبة تُدرَّس عشان يدي رمز إن الحجاب من هوية مصر، و نسى الشيخ هدى شعراوي و صفية زغلول و فاطمة نعوم، هما دول المفكرين و هما دول اللي بيتبنى عليهم هوية الوطن ”
صمت يشرب من كوب الماء الموضوع أمامه، ثم استكمل بنفس نبرة السخرية:
” و يطلع برضو الشيخ هو هو برضو يجي يقول هنحارب و نُحرر بيت المقدس و ناسي إن فيه سلام و فيه اتفاقيات ! لا يا عم الشيخ، الدنيا مبتتاخدش كدا، و مش كل واحد يطلع يقول اللي هو عاوزه، في خطوط حمرا لابد إن أنا و أنت نلتزم بيها، و على فكرة أنا كَأدهم عارف ديني كويس أوي أوي، و مش منتظر يجي شيخ زيك أو غيرك يعرفني ديني. ”
و ظل يتحدث في نفس الموضوع حتى انتهت الحلقة، و تلك نبذة مختصرة عن فساد الإعلام.
الدين له رجاله نأخذ منهم ما لا نعرفه، من الممكن أن نرى بعض الشيوخ متطرفة في آرائها و أحكامها، لكن على الجانب الآخر هناك الكثيرون ممن يعطون أحكامًا من روح الدين الحنيف بلا تطرف و بلا تكفير.
التعميم مرفوض في كل شيء، فلا يصح قول كل رجال الدين متطرفين، فإلىٰ متى سنظل نغض الطرف عما يحدث في العالم من حولنا من جرائم و حوادث و ما شابه، و نظل نتحدث بافتراء عن رجال الدين، و نقوم بنتشويه صورة الدين في أذهان الأجيال المعاصرة ؟، فلابد أن يكون الدين في كل مظاهر حياتنا، فإذا استقام الفرد في دينه استقامت حياته.

في الصالة الرياضية المخصصة في قصر المنزلاوي.. جلست « آلاء» تفكر في أمر السوار، الذي رأته في معصم « آدم» بعدما رأته بحوزة
« فاطمة» على حسب كلامها أنها وجدته أثناء معاينة مسرح الجريمة، أحست بالصداع بدأ ينتاب رأسها من كثرة التفكير، فأخذت هاتفها الموضوع بجانبها تُحادث ابنة عمتها، ليأتيها الرد بعد الرنين الثالث، تُجيب « فاطمة» بنبرة يتضح فيها اليأس:
” أنا جاية يا آلاء، عشر دقايق و أكون في القصر ”
” تمام، أنا قاعدة في صالة الرياضة، تعالي هنا”
” اوك اوك، باي ”
تنهدت بِحُزنٍ بعدما أغلقت المكالمة، و عادت لتفكر في الأمر الذي يُحزنها أثناء قيادتها لسيارتها باتجاه القصر الأبيض.
ما زالت تُحب « قابيل» و لم تعلم بعد بأمر علاقته مع « زينات»، لكن كل ما تعرفه، أن
« زينات» سعت للتفريق بينهما؛ لأنها لا تريد لأي من أبناءها الزواج أو حتى الحُب و الارتباط، خاصةً ولو كان الشريك من عائلة يجمعها معها رابطة العمل و المصالح، كمثل الحال مع « فاطمة»، و الأخيرة رغم أنها وَدَّت إثارة غيرة قابيل باعلان ارتباطها من ابن خالها « آدم»، لكن ذلك الفعل تسبب في خسارتها أكثر، فبدلًا من أن يعلن لها غيرته عليها و أنه أحق بها، تعمد تجاهلها و نسيانها للأبد كما تظن هي، و في الحقيقة لا تعلم بأمر قراءته المحترفة للغة الجسد، و أنه يعلم بأن ما فعلته كان فقط لإثارة غيرته و ليس ارتباطًا حقيقيًا، حتى بعد تلك المقابلة الصغيرة بينهما، أدرك من عينيها مدى اشتياقها له و أنها ما زالت تَكنُّ له الحُب الصادق.
لم يكن ذلك الأمر فقط الذي يحزن قلبها العاطفي، بل المعضلة الأشيب.. جريمة القتل تلك التي أثارت حيرة و خوف كبيران لها.
مُسبقًا و منذ أقل من عامٍ تقريبًا، تورطت العائلة
بسبب جريمة القتل التي ارتكبها « آسر» ابن
« جابر» و شقيق آلاء، برفقة زوج عمته أمينة، فقد تشاجران لفظيًا و جسديًا مع رجل ممن يعملون مع العائلة في الأمور المشبوهة، و قتلاه الاثنان بالطعن، ليفر « آسر» هاربًا لعائلة القحطاني البدوية، و يتم القبض على زوج عمته، و اتهمت الشرطة شكري و جابر بأنهما من قاما بتهريب « آسر»، و لكن التحقيقات أثبتت أنهما ليس لهما علاقة بالأمر، و لا يعرفان مكانه، فبالتأكيد لن يدع « شكري» العائلة تتورط في جريمة قتل أخرى أو اغتصاب !، نعم جميع أعمالهم غير مشروعة، و لكنها بعيدة عن القتل، أي تتم في الخفاء و بصمت.
كل ما تشعر به « فاطمة» هو مجرد شك لم يصل لليقين بعد، أي لم تتأكد من أمر السوار و بعلاقة شقيقها و ابن خالها بالجريمة، و لكن ذاك السوار هو نفسه الذي أحضرته هي لآدم في عيد ميلاده الماضي، نفس التفاصيل و نفس الشكل و عليه ماركة التصنيع نفسها.. لا زالت هناك حلقة مفقودة في الجريمة تتمنى لو أن تصل لها، لا تدري هل تقوم باتخاذ قرار المواجهة معهما، أو تستكمل التحقيقات بعيدًا عنهما !.
فُتحت بوابة القصر الالكترونية و دخلت بسيارتها، ثم ترجلت و أعطت المفاتيح للعامل عندهم يصطف السيارة، و اتجهت هي للصالة الرياضية، لتجد « آلاء» شاردة الذهن تهز قدميها في عصبية خفيفة بدت عليها، ألقت عليها التحية بمللٍ، ثُم جلست بجانبها قائلة:
“كان عندك حق لما قولتي لي متقابليش قابيل”
” حصل إيه ؟ ”
رفعت كتفيها و برمت شفتيها في ضحكة ساخرة:
” عاملني ببرود، و لا كأني كنت حبيبته في يوم، قولت له محتاجة تساعدني و حصل كذا كذا، قالي طالما الموضوع يخص آدم أنا مليش علاقة”
نظرت لها « آلاء» خلسةً بطرف عينها، تقول بسخرية أكبر:
” في حد يعمل كدا ! المفترض إنه عارف إنك على علاقة بآدم دلوقت، و أنتِ وهو كنتم مرتبطين قبل كده، رايحة تقولي لواحد كُنتِ على علاقة بيه ساعد اللي أنا مرتبطة بيه دلوقت ! أنتِ عبيطة يا فاطمة ؟ جاية تكحليها عامتيها !، على العموم عدا و فات خلينا في المهم ”
سكتت برهةً قبل أن تردف:
” الانسيال اللي أنتِ جبتيه لآدم أنا شوفته لابسه من ساعتين تلاتة كده قبل ما يخرج، هو هو نفس اللي أنتِ جبتيهوله ”
حاولت استيعاب الكلام ببطءٍ، فاتسعت عينيها غير مُصدقة ما تفوهت به آلاء، هتفت بدهشةٍ أثارت حواسها:
” انسيال إيه اللي أنتِ شوفتيه لابسه ؟! أنتِ بتقولي إيه ؟! ”
” منا مكنتش مستوعبة زيك كدا، غير لما بصيت عليه كذا مرة، كدا فيه اتنين انسيال يا فاطمة، اللي معاكِ و اللي لاقتيه في الجريمة، و اللي مع آدم ”
صمتٌ تام خيّم على المكان بالأخص عليها للحظاتٍ شعرت فيهم بالغباء من نفسها؛ لعدم استيعابها القيل رغم ذكائها في تحقيق الجرائم.. زفرت الهواء بثقلٍ في تساؤلٍ حَيِّر:
” ازاي فيه اتنين انسيال ظهروا وقت الجريمة و اللي معايا نسخة من اللي جبته لآدم ؟! حاجات كتير ظهرت بتقول إن آدم و عثمان أخويا ليهم علاقة بالموضوع بس مش علاقة مباشرة ”
” تقصدي إيه ؟ ”
” أقصد إنهم عارفين بالجريمة و باللي عملها بس مشاركوش فيها عشان كدا خالو شكري لما لمح بالموضوع قدامنا، هما اتوتروا و نظراتهم فضحت خوفهم ”
صمتت تتنفس بهدوءٍ، و تابعت بثقة:
” كدا وضحت زي الشمس، في حد عاوز يوقع خالو شكري فبيصطاده من دراعه اللي بيوجعه.. آدم هو الدراع ده، آدم غلطاته كترت و مبياخدش باله من تصرفاته عشان كده سهل يقع و يوقع خالو شكري معاه، و خالو شكري لو وقع يبقى كدا عيلة المنزلاوي اتهدم كيانها ”
ردت « آلاء» بتفكيرٍ و بقلقٍ بدا عليها:
” لازم يكون منافس قوي للعيلة عشان يلعب اللعبة التقيلة دي، إحنا آه لنا أعداء كتير بس كلهم كلاب فلوس و بالرشاوي بيتسدوا و مبيتكلموش، اللي ورا الليلة دي كلها حد مخطط و مذاكر كويس و حاسب كل خطوة بيعملها كويس أوي، حد عارف هو بيعمل إيه و متأكد من خطواته ”
” أنا كدا محتاجة أشوف الانسيال اللي مع آدم و أقارنه باللي معايا، عاوز أعرف ضروري أنهي واحد فيهم الحقيقي ”
تساءلت « آلاء» في شرودٍ:
” طيب لو طلع اللي مع آدم هو الحقيقي اللي أنتِ جبتهوله و اللي لقيتيه في مكان الجريمة المزيف، هيبقى إيه الوضع ساعتها ؟ ”
” هيبقى نص الهم اتشال من علينا، و ساعتها بدل ما أدور ورا آدم و عثمان، هدور على القاتل الحقيقي و أعرف علاقته إيه بالانسيال ”
” أنتِ رفعتي البصمات من عليه ؟ ”
” خايفة المحقق اللي معايا ياخد باله ”
استدارت « آلاء» ترمقها بدهشة لتهتف بغضب:
” فاطمة أنتِ بتهزري ! دي جريمة قتل يا ماما.. شباب عيلتنا مشكوك فيهم و معاكِ دليل لسه مرفعتيش البصمات من عليه ولا استخدمتيه في أي حاجة ؟! لازم تشوفي شغلك كامل، هو أصلًا محدش شاكك في آدم و عثمان غيرنا و عمو شكري، يعني لا الشرطة ولا الطب الشرعي ولا المحققين اللي شغالين معاكِ عرفوا بموضوع الانسيال، يبقى لازم يا فاطمة تشوفي الزفت الموضوع ده عشان يتقفل بابه بقى ”
أومأت في صمتٍ و قالت بتعبٍ بدا عليها:
” تمام.. أنا هروح دلوقت آخد شاور و ارتاح شوية ”
نهضت تفكر في أكثر من أمرٍ، و بداخلها تنوي جرَّ « آدم» في الحديث، فإذا كان لا يزال يُحبها، فستقوم باستغلال تلك النقطة و اللعب عليها لصالحها، ستحاول معرفة منه الحقيقة دون بحثٍ وفير، فقد شعرت بأن الموضوع أخذ أكثر من حقه، و هي ليس معها دليل ضده حتى الآن، و كل تلك المشاعر هي مشاعر قلق و خوف مضطربة دون يقين.
أثناء اتجاهها للداخل، انتبهت للطفلين
« مهند و لؤي» الأخير مصاب بمرض البهاق هذا المرض يسبب ظهور بقع يفقد فيها الجلد لونه، و قد لقى « لؤي» تنمرًا كبيرًا عليه من زملاء الدراسة، فسبب ذلك بتعب نفسي لديه و اكتئابٍ جعله يمتنع عن الذهاب للمدرسة، و قد أهملت والدته « أمينة» في حقه.. الطفل ضحية أب ضال قاتل و الأم سيئة الخصال زانية ترتكب الفاحشة بلا استحياء من الله أو حتى من نفسها مع ابن ابن عمتها « أنور» شقيق « إسراء».
لم يكونا والديه يُعنِّفانه، و لكنهما كان يهملان حقه كطفل عليهما، فتركته والدته للمربية حتى الرضاعة رغم استطاعتها إرضاعه رضاعة طبيعية، لكنها امتنعت عن ذلك و فضلَّت إرضاعه صناعيًا، بينما والده لم يفكر في تدليله أو غمره بالحنان و الحُب اللذان هما من حق أي طفل، بل ولى له ظهره لأجل العمل الذي أخذه في النهاية و ألقى به وراء القضبان، و بقي
« لؤي» الجميل يعاني من التنمر و الكلام السلبي على إصابته بالبهاق دون وجود دعمٍ من والديه أو أهله بالأعم، ففي هذا القصر.. كُلٍ امرئٍ منهم مشغول بنفسه و بأموره، ولا يجتمعون إلا على مائدة الطعام أو عند حدوث مصيبة.
للطفل حقٌ كبير على والديه، و إذا نشأ على عدم الأمان و الاستقرار، و فقد الحُب و الحنان؛ سيذهب للبحث عنه في الخارج.
رغم أن « مهند» بطبيعته النقية تسقط من ذهنه أمور كثيرة لا يفهمها، لكنه نجح في إدخال السرور على قلب « لؤي» بمداعبته و احتضانه و اللعب معه، الأخير طفلٌ ذكي حقًا، عقله سابقًا لسِنه، لكنه صامت أغلب الأوقات لا يحب التحدث مع أحد إلا « مهند»، و أحيانًا مع
« نور» شقيق « أحمد الرماح»، الصبية الثلاث أعمارهم متقاربة؛ لذلك يستطيعون فهم بعضهم البعض.
استطاعت « فاطمة» سماع صوت « لؤي» الحزين وهو يتحدث مع « مهند» قائلًا:
” عارف يا مُهند، أنت محظوظ عشان عندك طنط ماجدة، هي أُم ڤيري جود و بتحبك جدًا، على عكس مامي.. مش حاسة بوجودي أصلًا، بس أنا بحبها، و بحب بابي.. هو وحشني أوي، أنا زعلان منهم أوي بس مش عارف أكرههم، عشان في الأول و الآخر هما بابي و مامي، الميس في الكلاس كانت بتقول إن إحنا لازم نحب أهلنا في كل الأحوال و نسمع كلامهم عشان ملناش غيرهم، بس لما بقعد مع نفسي و أفكر في كلامها ببقى حاسس إنها غلطانة، بيكوز الحُب الحاجة الوحيدة اللي مينفعش تيجي بالإكراه، هو حُب الفاميلي فطري، لكن المشاعر بتتغير مع الوقت، غصب عنك بتلاقي اللازم بتتغير تدريجيًا، يعني بيجي عليك وقت من الظلم الأوفر اللي بتتعرض له من أهلك، بتبقى شايف إنه مش لازم تحبهم طول الوقت، لأن لما حد يلزمك بشيء بيبقى بيجبرك و الإجبار جاي من الإكراه يعني بيخليك تعمل الحاجة و أنت كارها، و الحُب لو بقى بالإكراه هيبقى مكروه و ميبقاش حُب حقيقي، هيكون وقتها حُب مزيف، زي اللي ببقى حاسه تجاههم أحيانًا ”
عندما سمعت « فاطمة» كلماته الحزينة تلك، لم تنبهر و تندهش من مقدرته على صياغة الكلام و التعبير عن مشاعره المؤلمة بتلك البراعة، تعلم أنه طفلٌ موهوب في كل شيء، حتى طريقة حديثه عن آلامه كالكبار، و السبب يكمن في ولعهُ بالقراءة و اتخاذها كصديق مخلص له، فيتجه لقراءة مختلف الكتب و خاصةً كُتب التنمية البشرية الموجودة في مكتبة « جبريل» ابن عمه، و كثرة القراءة و الاطلاع و المعرفة، أدت لنمو عقله بالكثير من المعلومات بشكلٍ قيّم أعرب عن مدى ذكاء هذا الطفل الذي لم يتعدَ العشر سنوات، فالجميع يشهدون له بِحُسن اللباقة في الحديث و سرعة الفهم.
شعرت « فاطمة» بالأسف الشديد عليه من إهمال أمه له بعدما زُجَّ والده المجرم للسجن، و في الحقيقة غالبية أفراد العائلة مجرمون بجدارة، و النقي البريء منهم يُهدر حقه..
تمامًا مثلما يحدث في بلادنا، تجد صاحب النفوذ و السُلطة الحق معه ولو كان ظالمًا، أما الضعفاء أصحاب المهن البسيطة و العاديون؛ تؤكل حقوقهم و تُهدر دماؤهم، و نادرًا ما تجد أن الضعيف انتصر على القوي، و لكن في محكمة الآخرة، يأخذ كل ذي حقٍ حقه، البشر ظالمين و الله العادل المنتقم، ينتقم من كل متغطرس جاحد يأكل حقوق الناس بالباطل.
أخفض « لؤي» رأسه نحو حمَّام السباحة الجالس على حافته برفقة « مهند»، يضرب الماء بقدمه كأنه يواجه أحزانه و مخاوفه المستقبلية.. طفلٌ امتلأت طفولته بالأحزان و الشرود و الخوف في مرحلةٍ من المفترض أن تكون أفضل مراحل حياته، فماذا عساه يفعل وهو وسط عائلة أفرادها كثيرون و يشعر بالوحدة بينهم ؟ ماذا يفعل وهو لديه والدين على قيد الحياة و لكن أموات ؟!، لا يكترثون له و كأنه غير موجود.
إهدار حق الطفولة هو ذنبٌ كبير في رقبة الأب و الأم، فالمجروح من عائلته لا يُشفى أبدًا.
لم يستطع « مهند» فهم معاناة ابن عمته الكُلية، و لكن بقلبه البريء، أعطى له تفاحته التي كانت بحوزته و قال وهو يحتضنه بعفوية:
” كل تفاحة.. عشان التفاحة حلوة ”
ابتسم له « لؤي» بحنانٍ، و طوق كتفيه يضمه له قائلًا بابتسامة صافية:
” أنت أحسن أخ يا مهند.. بتحبني ؟ ”
و كأن « لؤي» يحتاج لسماع كلمات الحُب و الدعم، فنطق « مهند» قبل أن يقضم التفاحة:
” آه.. بحبك جدًا جدًا جدًا ”
رغم أن الكلمة خارجة من قلبه النقي، و لكن لسماعها دائمًا من والدته و شقيقه جبريل، فيقولها بكل سهولة للؤي، و لأنه حقًا يشعر براحة كبيرة عند جلوسه و لعبه مع الأخير، لعطف لؤي الشديد عليه و معاملته بلُطفٍ و احترامٍ، عكس والدته « أمينة» التي تنعته
« بالغبي»، و « آدم» الذي يُناديه بسخرية
« خد ياض يا معوق تعال» !، أو عمه شكري عندما يستاء منه يصرخ عليه بغضب
« مكنش ناقصنا غيرك أنت يا عبء» !
رغم عدم استيعاب « مهند» لأساليب السخرية منه، لكنه يشعر بأنه منبوذ و غير مرغوب فيه من عائلته، فهو ابنُ آدم ولديه مشاعر و يشعر بمن يكرهه و بمن يحبه مثله مثل الآخرين، و ليس لأنه مصاب بمتلازمة داون، أنه لا يشعر ولا يفهم في المشاعر !، لا.. أصحاب داون هُم الأنقى و الأرق أفئدةً، على الأقل هُم لن يُحاسبوا على أي شيءٍ يَصدُر منهم، الحساب كله لأصحاب العقول الواعية اللذين يرتكبون الفساد و الجرائم الشنيعة دون رحمة و خوف.
” و أنا كمان بحبك أوي، و مش هسمح لحد يزعلك تاني، حتى مامي.. أنا آسف إني مكنتش بدافع عنك، بس أنا كنت زعلان منهم أوي، و زعلي كان مأثر عليا يا مهند.. كُنت بحس إني متكتف و مش عارف أتكلم، بس خلاص.. أنا فهمت و عرفت إن صوت الحق لازم يظهر و يبقى أقوى من صوت الباطل مهما تعددت أساليب القوة اللي عند الظالم أو الدفاع عنه، لازم المظلوم هو اللي ينتصر و ياخد حقه كامل في النهاية.. بعد كدا مش هخلي حد يزعلك، عشان أنت حقك محدش يهينك، و حقك أنا مش هسكت عنه بعد كدا.. عشان أنت أخويا حبيبي يا مهند ”
تنهدت « فاطمة» بألمٍ بعد سماعها لتلك الكلمات من « لؤي» أعربت من خلاله عن بالغ الندم و الأسف على طريقة تفكيرها في محاولة التستر على شقيقها فقط من أجل إنقاذ العائلة أو لاستحواذ العاطفة عليها، و كأن صوت « لؤي» هو هَسيسُ الضمير في تلك اللحظة التي جعلها تراجع نفسها في القرار التي اتخذته بشأن حماية المتهمين و الضرب بمهنتها و بالقسم عرض الحائط.
الأخوة هم الروحُ و القلب، و لكن عندما يصبح الأخ مجرمًا و مُنتهكًا لحقوق الغير، فيجب ردعه بصوت الضمير و العقل، و لا يجب التحيز للعاطفة و رابطة الدم.. المجرم يُحاسب بأي حالٍ من الأحوال، و إلا دُهس القانون تحت مُسمى العاطفة، و هاجت الدنيا على بعضها !
كلمات « لؤي» ظلت تتردد على عقلها و مسامعها، بالأخص قوله الصادق و العقلاني:
” صوت الحق لازم يظهر و يبقى أقوى من صوت الباطل مهما تعددت أساليب القوة اللي عند الظالم أو الدفاع عنه، لازم المظلوم هو اللي ينتصر و ياخد حقه كامل في النهاية. ”
” لازم المظلوم هو اللي ينتصر و ياخد حقه كامل في النهاية ”
رددتها بنبرة وجع مؤسفة، وهي تجلس بعيدًا عن الطفلين، في المجلس الخشبي بالحديقة الشاسعة تحت المظلة الكبيرة، و استندت على الأريكة رافعة رأسها للأعلى، تتنهد بألمٍ مُحدثة نفسها:
” آلاء لما بلغت عن آسر أخوها و جوز خالتو أمينة، كان ضميرها صاحي و قدرت تتغلب على قلبها، بس أنا متأكدة إنها لحد الآن موجوعة على فراق أخوها الصغير، كانت بتحبه اكتر من نفسها.. لكن أنا معنديش الشجاعة أسلم عثمان للعدالة لو طلع هو اللي ورا الجريمة دي، أوف.. يارب أطلع ظلماهم و يطلعوا ملهمش علاقة بالجريمة، بس حتى لو طلعوا متورطين خالو شكري مش هيسيبهم يلبسوها.. كفاية خالو جابر خسر آسر، هو مش هيسمح إنه هو كمان يخسر ابنه، و ماما تروح فيها لو عثمان جرا له حاجة..
يارب حل واحد صح يخرجني من الليلة دي، حق الست لازم يتجاب، أهلها هيموتوا من القهره عليها، و في نفس الوقت مش عاوزة حد من عيلتي يتأذي تاني.. أعمل إيه ياربي ؟ ”
من كثرة التفكير و التشتيت و الحيرة الشديدة التي اجتاحت ملامحها؛ أخرجت سيجارتها الالكترونية « ڤايب» تنفث دخانها بضياعٍ شعرت به للتو.. كانت مدخنة للسجائر العادية بشراهة منذ أشهر، و قررت بأمر طبيبها التوقف عن التدخين لضعف جسدها وصحتها، و بعد مدة قليلة من التوقف عنها، عادت إليها ثانيةً، و لكن تلك المرة بتدخين السجائر الإلكترونية، و الاثنين أسوأ من بعضهما، و الضرر واحد.
لقد ادَّعت أنها أصبحت تتضرر من رائحتها أمام
« قابيل» في المقابلة الأخيرة؛ كي تلاحظ ردة فعله تجاهها، في إحدى المرات أثناء لقائهما سويًا.. أخبرها أن تكف عن التدخين خوفًا على صحتها، رغم أنه بارع في لفّ سيجارة الحشيش و يجد متعة كبيرة في ذلك، لكن الحقيقة أنه كان يخاف عليها بالفعل.. أرادت التأكد هل لا زال يهتم لأمرها، أم أنّ « زينات» استطاعت التأثير عليه كُليًا بإخراجها من قلبه كما تُخرج الفسيلة الضعيفة من زرعها.!
تنهيدة أخرى طويلة عقبت إخراج زفير دخان السيجارة، تبعتها بقولها المليء بالندم:
” مش أي حد يبقى جدير بمهنة التحقيق الجنائي فعلاً، لازم يبقى عنده ضمير و قلب قوي و عقل رزين، يا إما هيختل التوازن في الجرايم .. ولو كل واحد مشى ورا قلبه، صوت الضمير هيموت، حتى لو كان مجرد هسيس ”
مرَّت دقائق وهي على نفس وضعيتها، حتى لاحظت قدوم شقيقها « عثمان» تجاهها، فقد عاد من الشركة لجلب بعض الأوراق لخاله و من ثم العودة ثانيةً، لاحظ جلوسها بملامح شاردة، فاتجه إليها ليقول بنبرة باردة كشخصيته:
” مال وشك كده زي ما يكون القطر داس عليه عشرين مرة ؟ ”
أشاحت بوجهها في اتجاهٍ آخر زافرة بضيقٍ مُتمتمة:
” مفيش، أنا تمام ”
” منا مش هتحايل عليكِ تتكلمي، انطقي مالك ؟ ”
” يهمك يعني لو قولت لك مالي ؟ كل واحد في القصر ده مبيدورش غير على نفسه، فياريت متعملش نفسك قلبك عليا يا عثمان.. خليك في حالك ”
كلما تذكرت أنه من الممكن أن يكون له يد في الجريمة، تستاء أكثر منه و تشعر بالنفور و كراهية الحديث معه رغم محبتها الشديدة له، رد واضعًا قدم فوق الأخرى مُخرجًا سيجارة من علبته:
” رجعتِ للسجاير تاني يعني ؟ إيه.. الكيف بيذل صاحبه ولا في حاجة موترة جنابك ؟! ”
خرجت عن طورها، و صاحت بضجرٍ:
” أنت يا عثمان.. أنت و آدم سبب اللي أنا فيه بقالي كذا يوم.. اليوم التالت بدون نوم و أرق مستمر و تفكير هيدمر دماغي، و أنت بتتعامل بكل برود و لا كأنك أنت وهو عملتوا حاجة ! ”
تأملها لثوانٍ بملامح جامدة، ثُم تحدث بجفاءٍ و بنبرة غير مبالية بأي شيء:
” أنتِ ليكِ تشوفي شغلك بدلايل، معكيش دليل قاطع يبقى تنخرسي و مسمعش صوتك ”
بعد قوله الصارم الذي صدمها للحظاتٍ ظلت تتأمله بدهشةٍ وقع أثارها عليها، فنهضت من مكانها تهتف بغضبٍ:
” أنت مستوعب أنت بتقول إيه ؟! كلامك بيدل إن فيه حاجة مخبيها ! مخبي إيه يا عُثمان.. و غلاوتي عندك تقول.. خليني ألحق أعمل حاجة تساعدكم ”
قالت آخر جملة بنبرة تَرجِّي، فزفر هو بضيقٍ ونهض محاولًا الفرار من نظراتها الثاقبة عليه، مُغمغمًا:
” ركزي في شُغلك و طلعينا من شُغلك ”
تحرك بخطواتٍ مسرعةٍ تجاه سيارته دون حتى أن يأخذ ما قد جاء لأجله، فاتجهت خلفه و أمسكته من ذراعه قبل استقالتهِ لسيارته، ثُم تساءلت بخوفٍ عليه ظهر في عينيها:
” أنا عارفة إنك برغم غلطاتك اللي كترت لكنك مبتكدبش ولو كذبت مش هيبقى على أختك.. أقرب حد ليك.. قولي الحقيقة يا عُثمان، ليك علاقة بالجريمة دي أنت و آدم ؟! ”
ظل ثوانٍ في صمتٍ يتأمل نظراتها الخائفة عليه، ليقول بنبرة لم يتبيّن صدقها من كذبها:
” لأ ”
” طيب، طيب و الانسيال بتاع آدم ! ”
” أنتِ سألتِ سؤال و جاوبتك عليه، عن إذنك عشان متأخرش على خالك ”
قبل أن تنطق، تهرَّب سريعًا وهو يهتف:
” شوفتي، كنت هنسى الملفات اللي جاي عشانها ”
قالها و تحرك لداخل القصر، مما ازداد قلقها هي و دلفت خلفه تستوقفه قبل أن يصل للداخل:
” عُثمان.. عشان خاطري، الانسيال اللي آدم لابسه هو هو الأصلي اللي أنا جبته له ؟! ”
تنهد بلا مبالاةٍ يردف وهو يكمل سيره للداخل وهي توازيه السير:
” أيوه هو الأصلي، و بعدين إيه علاقة الانسيال بـ* الجريمة اللي دوشانا بيها دي ! هي مش الست اتكلت على الله ! مال * إحنا ؟! ”
” عشان نفس الانسيال لقيته مكان الحادثة، نفسه يا عُثمان، اللي مع آدم.. ده غير رجوعكم قرب الفجر متأخر و أنتم في قمة خوفكم و توتركم، توتركم اللي بان اكتر لما خالو شكري لمح بالموضوع قدامنا ”
أدرك أنها لن يهدأ لها بال، إلا إذا قامت بدور المحقق عليه و استجوبته استجواب تام، لذا أردف بهدوءٍ يَنُمّ عن ثقته بحديثه:
” أنا و آدم ملناش علاقة باللي حصل، و فعلاً كنا راجعين قرب الفجر مش خايفين زي ما أنتِ مفكرة، لأ.. متوترين إن حد يشك فينا و إحنا ملناش علاقة أصلاً.. من الآخر عشان تتهدي بقى، الست كانت بتستنجد بينا إحنا، شوفناها وهي بتهرب منهم، وعشان كنا راجعين بالعربية متأخر مخدناش بالنا من المجرمين، بس هي وقفت قدام العربية، و آدم بغبائه داس بنزين خبطها بس خبطة خفيفة محصلهاش حاجة، بعد ما بعدنا بشوية سمعنا صوت صريخها أعلى من الأول، تقريبًا كانوا بيخلصوا عليها.. بس دي كل الحكاية.. أي أسئلة تانية سيادتك ؟! عاوز أمشي.. ده بعد إذن معاليكِ يعني ”
رمقته بِشكٍ مُتسائلة:
” و الانسيال ؟! ”
أخرج زفيرًا قويًا في استياءٍ وهو ينظر بعينيه للأعلى، ثُم نظر لها و قال بضجرٍ:
” ده شغلك بقى، دوري ده بتاع مين ولا شوفي مين قاصد يوقعنا، الانسيال اللي في ايد آدم هو الأصلي ”
أومأت في صمتٍ تفكر فيما قاله تحاول تصديقه بأي طريقة، بينما هو أخذ الملفات و خرج مُسرعًا قبل أن تلقي على عاتقه أسئلة أُخرى.
.. في إحدى غُرف القصر الأنيقة، يجلس
« جبريل» أمام حاسوبه الشخصي يُعطي محاضرات في التنمية البشرية للصم و البُكم، يتحدث بالاشارة عن تطوير الذات و الثقة بالنفس:
” لازم تحب نفسك بتوازن، يعني متوصلش لدرجة الأنانية ولا للإهمال.. نفسك ليها عليك حق، اديها حقها بتقديرها و حُبها، متخليش حد يقلل منك مهما كان مين تحت مُسمى الهزار، و
‏خلي بينك و بين الناس مسافة عشان بيعضوا فجأة.. ما تديش لحد الأمان لدرجة الثقة المفرطة حتى لو بينكم عشرة سنين، محدش عارف اللي في القلوب، ممكن بل وارد جدًا يكون من لحمك و دمك و عايش معاك، و جواه حقد عليك و غيرة منك، اصحى لنفسك و اعرف قيمتك و قدرها، خلي التعامل معاك بحدود للناس اللي بترمي غِلها وسط الهزار، اعرفهم و علم عليهم، عشان لو فكروا يقلوا منك وسط هزارهم البايخ، تديلهم كشاف على العين ميعرفوش الواحد من الاتنين.. ”
صمت يقرأ أسئلتهم في البث المباشر، فاستطرد حديثه يجيب على سؤالٍ محتواه
« حصلي موقف وحش أوي يا أستاذ جبريل، كنت بتمنى صحبتي المقربة تقف جنبي، بس خذلتني للأسف و طلعت شمتانه فيا.. أعمل إيه عشان اتخطى الموقف ده ؟ اكتر موقف كرهاه ومش قادرة أنساه ”
رد هو بابتسامة هادئة موجهًا حديثه لمن بالبث:
” حِب المواقف بأشكالها و بكل أحوالها؛ لأنها بتكشف لك حقيقة الوشوش اللي حواليك، حتى لو موقف تافه.. ركز فيه، هتلاقيه مبين لك اللي بيحبك بجد من الهجاس الكلمنجي من اللي بيسقفلك وسط الزحمة بصوت عالي عشان ياخد اللقطة، من المنافق اللي يقولك أنت الذي و الذين و فجأة يجي موقف يكشف لك حقيقته و تلاقيه مع حد تاني و مديك ضهره، عشان بس لقى التاني عليه زحمة اكتر، فقالك يلا كمالة عدد..
آخر نوع احذر منه، هتلاقيه في حياتك كتير، باختصار متزعلش من المواقف الوحشة، بالعكس هي اللي بتميز الخبيث من الطيب. ”
و امتدت المحاضرة لنصف ساعة أخرى من الأسئلة الموجهة إليه و الرد عليها، حتى انتهى البث، و أغلق حاسوبه، لينهض و يتجه إلى مكتبته الخاصة يُخرج دفتر مهامه اليومية التي يفضل تدوينها دائمًا، ثم وضع علامة « صح» بجانب الانتهاء من جدول المهمات اليومية.
يُقال عنه في قصر المنزلاوي، أنه الأرجح عقلاً و الأكثر هدوءًا، ليس مثل ابن عمه « آدم» يُلقي الكلامَ على عَواهنه، أو مثل ابن عمته « عُثمان» يحوم حول الحمى، بل هو الشابُ الأكثر اتزانًا و رُشدًا بين ساكني القصر الأبيض أجمع.
و لكن.. ماذا لو كان هذا كله مِرَاءً ظَاهِرًا ؟!
ماذا لو كان « جبريل» مجرد مخادع مُدَاهِن فقط لينجو بذاته من مخالب السَّبُع، أو من بُرْثُن عمه
« شكري» بالتحديد!
رُبَّ رميةٍ من غير رامٍ، فالحياةُ لا تقف بصف الصامتين صمت الضعفاء عن حقوقهم، و لا تضع أجنحتها خُنُوعًا للضعيف، إما أن تسيطر على نقاط ضعفك، أو تتمكن هي من جعلك أضحوكة للمُتَرَبِّصِين، و الحالة الأولىٰ من نصيب « جبريل»، لقد تربَّع الفتى على عرش الحرية، عكس والده الذي مات قهرًا، و والدته التي تعيش بين فكيّ الأسد إجبارًا و ذُلًا، تَعلَّم معنى أن يكون للمظلوم صوتًا لا يُقهر، و عَلَّم ذاته كيفية الوقوف في وجه الباطل دُونَ خُضوعٍ، و أدرك أن مَنْ لا يَتَقَدَّمُ يَتَقَهْقَر.
هو الآن يجلس بين المطرقة و السندان، و مع ذلك يبدو و كأنه على رأسه الطير، و بينما تأخذه موجةٍ من الشرود في ضالته؛ جيء هَسُيسُ الضمير يتولى رعايته، رعاية قلبه المتصف باللين من عقله الشِّيْن.. يحاول جاهدًا التحلي بالشَّنُوءَة، فَيخفق و يتراءَى له أن بِقلبه تجاههم شَنَآنٌ، و ما باليد حيلة حِين يُغلف الحقد القلب.
تنهّد بِتعبٍ من كثرة التفكير و اختلاط الأمور عليه، كما يختلط الحابل بالنابل، و رغم شتاته الدائم يعرف من أين تُؤكل الكتف.
استند برأسه على مسند مِقعده مُغلِقًا عينيه في ارتياحٍ لمن يراه، و لكن بداخل رأسه عَجِيجٌ من الأفكار إنثالت عليه من كل حدبٍ و صوبٍ، و في تلك اللحظات الثمينة جاءته طُرقاتٍ خفيفة على باب غرفته، و فور سماعها.. استطاع بمهارة تُحتسب بامتيازٍ له في التحكم بتعبيرات وجهه، فأظهر وجهًا بشوشًا باسمًا عكس الشارد منذ ثوانٍ، تلك عادته.. يستطيع باحترافية التلاعب بلغة جسده و تعابير حواسه، ليجعلها تظهر بالشكل الذي يريد لمن يراه.
فَتَحَ الباب ليجد أن الطارق « آلاء» ابنة عمه الطبيبة الشرعية التي اندثرت في حل لغز قضية لا تخص مجال عملها في شيء، و لكن تخصها مِن الناحية الشخصية.
عندما تشعر بأن الحياة ضاقت عليها بما رَحُبَت؛ تذهب إليه.. هو الوحيد الذي ترتاح بالحديث معه، هو الوحيد من بين سكان القصر القادر على فهم ما يدور في رأسها، حتى لو كان أبْكَمًا، فهو الأبْكم المتحدث.. مُتحدث بعقله و بقلبه.
تبسَّم بِودٍ و أشار لها بالدخول، فَوَلجت قائلة بابتسامة بدت مهمومة:
” هقولك الجملة اللي بقولها لك على طول.. أنت الوحيد اللي بتفهمني في القصر المخبول ده، عشان كدا جيت لك، و أنت عارف إني لما باجي عشان أتكلم معاك ببقى شايلة و معبية، بس المرة دي جيت مش عشان حاجة تخصني لوحدي.. جيت عشان حاجة كبيرة تخص عيلة المنزلاوي كلها.. عيلتنا يا جبريل ”
قالت آخرة جُملة وهي تستدير له و تنظر في عينيه بثباتٍ؛ قاصدة لَفْت انتباهه لأهمية الأمر.
أومأ بِتَفهمٍ لها، فأكملت وهي تطلق عدة تنهيدات وراء بعضها بِتَأوُّهٍ مَشْحُونٍ بِالألَمِ:
” هيطير برج من نافوخي يا جبريل، لأول مرة تطلع الآه من قلبي محروقة بالحيرة كدا.. أكيد عرفت من القيل و القال في القصر، إن أنا و فاطمة اللي اشتغلنا على قضية الست اللي لقوها مقتولة من يومين ؟ ”
بإيماءة رأسٍ تحدث بالاشارة:
” أنا عارف إنك شكه في آدم و عثمان بالأخص آدم عشان انسيال الفضة ”
تلاشت تعابير الحيرة من وجهها فورًا حين باح بذلك، و تحولت مكانها أمارات الدهشة متسائلة:
” عرفت منين بموضوع الانسيال ؟! ده سر خاص بالتحقيقات، ميعرفوش غير المحققين و رجال الشرطة بس، أنا نفسي ما قولتش إني أعرف، عشان الدكتور اللي معايا معندوش علم بالموضوع ده و ما يخصوش.. مين اللي قالك ؟ فاطمة ؟! ”
نفى برأسه، و بابتسامة صفراء قال:
” سمعت آدم و عثمان ليلة الجريمة و هما جايين بعد الفجر و كأنهم من كتر خوفهم شكيت إنهم عاملين مصيبة كبيرة ”
اتخذت هي وضعية المحقق رغم أنها لا تخصها، و مالت بجسدها للأمام في انتباهٍ تسأله:
” سمعت إيه ؟ ”
صمت للحظاتٍ في تَردُّدٍ؛ خوفًا على أمه و شقيقيه إذا علما الاثنان أنه هو من باح بسرهما، و أوقع بهما في براثن الشرطة، و لكن هَسِيسُ الضمير الذي زاره فجأةً؛ جعله يبوح بكل شيء.
تَهيئ للاعتراف:
” آدم و عثمان اللي اغتصبوا الست و معاهم واحد كمان، لكن مش هما اللي قتلوها ”
توسعت حدقتا عينيها، و أخذ قلبها يخفق للحقيقة التي وقعت على رأسها كالماءِ الشُّنَانِ، فتساءلت:
” اومال مين اللي قتلها ؟ ”
سكت لثوانٍ يُراقب ملامحها الغاضبة، ثُم استطرد الحديث بالاشارة:
” عمو شُكري ”
توسعت عينيها بذهولٍ و صدمةٍ اجتاحت ملامحها، فظلت على وضعيتها ترمقه باستيعابٍ بطيء، بينما هو أشاح بوجهه ناحية الباب تزامُنًا مع دخول شقيقته « ميار» عليهما.
لقد جاءت « ميار» في زيارةٍ للعائلة بعد أن تشاجر معها « أحمد» كالعادة، و قبل أن يمتد الشجار بينهما، سحبت نفسها بهدوءٍ و جاءت تستريح قليلًا من الهم الثقيل الذي ألقى به زوجها على كاهلها دون أن تأخذه بها رأفةً و رحمة، برغم أن وجودها في هذا القصر المليء بالسُم القاتل لا يريحها أيضًا، و لكن ما باليد حيلة.
ما زالت الحساسية تتضح جلية على وجهها و معظم جسدها، فكلما ازداد حزنها كانت النتيجة غير مُرضية بل مَرَضِيَّة.
حاولت « آلاء» تدارك الأمر سريعًا حتى لا ينكشف، قابلتها بابتسامة بشوشة تُرحب بها قائلةً:
” ازيك يا ميار.. مالك كدا ؟ ”
ابتسمت بحزنٍ بدا عليها، و صافحتها لتقول:
” الحمدلله.. يعني تعبانة شوية، أنتِ أخبارك إيه ؟ ”
” تمام.. طيب هسيبك مع أخوكِ بقى و أروح أنا أرتاح شوية، كان عندي شغل كتير.. عن اذنكم ”
أومأت في صمتٍ، ثم التفتت لجبريل الذي استقبلها بين ذراعيه بحنانٍ رغم غضبه منها، و لكنه يعلم بأنها لا ترتاح في الحديث إلا معه.. احتضنته شقيقته و لم تستطِع منع نفسها بالبكاء الشديد، فأخذت تبكي وهو يربت على ظهرها بحنانٍ حتى هدأت، و ابتعدت تقول بدموعٍ و بنبرةٍ تعيسة:
” أحمد مبقاش طايقني يا جبريل.. مبقاش طايقني خالص.. علطول زعيق و خناق على حاجات تافهة، و بحاول امتص غضبه، لكن بفشل.. بفشل عشان مبقاش يحبني، كل الحُب اللي كان بينا أول الجواز راح ”
نظر إليها بغضبٍ منها و حُزن على حالتها، فقد أخبرها مرارًا أن تطلق منه، لكنها أبت و رفضت رفضًا قاطع لحبها الشديد له، و كأنها مسحورة بحبه لا تريد الابتعاد عنه مهما فعل لها من مساوئ.
تحدث بلغة الاشارة و في عينيه نظرة غيظٍ:
” الست اللي تقبل تعيش مع واحد بيهين فيها بكيفه و يذل فيها وقت ما يحب، يبقى ما بيحبهاش.. في الحالة دي الزواج مش نافع.. لازم تطلقي عشان تعرفي تعيشي و تاخدي نفسك.. أنا قولت لك قبل ما تتجوزيه.. أحمد بلاش.. أحمد بتاع نسوان و أناني نرجسي مبيحبش غير نفسه، و مهما غلط مش هيعترف بغلطه.. أنا أخوكِ و محدش هيخاف عليكِ قدي..
حتى أمك مش هتقدر تعملك حاجة، كل اللي في القصر ميهمش مشكلتك، كله بيدور على مصلحته و نفسه، أنتِ كمان لازم تفوقي لنفسك و تدوري على مصلحتك، و مصلحتك مش مع الخسيس ده ”
جلست تتنهد بألمٍ قبع في صدرها، ثُم قالت:
” هو الحُب بايدينا ؟ أنا بحبه و مش عارفة أكرهه ولا أبعد عنه ”
” عشان نفسك مش غالية عليكِ، عشان كرامتك هانت عليكِ، عشان لو عندك عقل و بيفكر كويس، كنت استوعبتِ إن المرض اللي عندك ده و مش راضي يسيبك.. بسببه، جسمك تشوه بسببه، و أنتِ لسه بتقولي بحبه ! ”
هتفت هي بقلة حيلة:
” القلوب ملناش عليها سلطان ”
رد هو بتعصبٍ سيطر عليه:
” القلب اللي يهين صاحبه، يتخلع و ينداس.. الإنسان عبارة عن كرامة ربنا كرمه، فاللي يرضى لنفسه بالإهانة، يستحق كل اللي يحصل له ”
” أعمل إيه يعني يا جبريل ؟ ”
” قولت لك.. اطلبي الطلاق، و احمدي ربنا إنك مخلفتيش منه، اللي زي أحمد ميستحقش يبقى أب.. الأب مهنة لازم لها تأهيل كويس عشان يجتاز امتحانتها، وده بني آدم مفيش منه رجا.. فوقي بقى ”
نعم، لم يخرج صوت واحد منه، لكن ملامحه المتعصبة و الغاضبة من هوان أخته، و يديه التي تحدث بها في عصبية بالغة، و عينيه التي يتطاير منها الشرر، قالوا كل شيءٍ بصوتٍ عالٍ مسموع.
كادت أن تخبره أنه بالفعل يريد تركها بعد انتهاء عمل والده مع عمها شكري، و لكنها تراجعت في آخر لحظة خوفًا من ردة فعله، فقالت بهروبٍ:
” أنا هروح أقعد مع ماما شوية عشان وحشتني”
علم أنها تهرب من المواجهة، فتركها تذهب، و اتجه هو نحو المطبخ يعد كوبًا من عصير البطيخ المفضل لديه، يبدو أنه يهدأ بشربه.. أثناء تقطيعه للبطيخ جاء أحد الطهاة العاملون بالقصر داخل المطبخ الكبير، يقول بأدبٍ:
” عنك أنت يا جبريل بيه ”
لا يحب جبريل أن يتعامل معه الموظفون على أنه أعلى منهم في كل شيء، و بما أن الطاهي لا يفهم لغة الإشارة، استدار له جبريل مبتسمًا، ثُم ربت على كتفه بحنوٍ، و استكمل تقطيعه للبطيخ.. مما تفهم الآخر أنه يريد صنع عصيره بنفسه، فتركه يفعل ما يشاء و عاد لعمله.. لحظاتٍ و قبل تشغيل جبريل للخلاط، دلفت
« إسراء» بملامح قاطبة، و اقتربت منه تهمس بنبرة تحذير:
” ياريت تطلع إيمان من دماغك، أنا عارفة إنك بتحبها على فكرة، بس للأسف هي بتحب واحد تاني.. ياريت تخلي عندك دم و تبطل تحكها ”
ظل مندمجًا فيما يفعله دون أن يعطيها اهتمام، حتى قالت آخر كلمة، فاستدار لها بنظرة باردة يقول:
” ما توريني التوكيل كدا ”
لم تفهم مقصده، فتساءلت:
” تقصد إيه ؟! ”
” هي مش إيمان عينتك محامي ليها ؟ وريني التوكيل عشان أتأكد من صحته و أقولك ألف مبروك على الشغلانة الجديدة، أصل شكلك كدا بتفكري تسيبي الجمارك ”
تحدث بها بسخريةٍ لاذعةٍ، ثم قام بتشغيل الخلاط قاصدًا التشويش عليها، و قبل أن تهب فيه غاضبة، أقبلت « إيمان» عليهما، لتقع عينيها على عصير البطيخ، فتهتف بلهفة:
” الله ! عصير بطيخ ! أي لاڤ إت، بالذات من ايدك يا جبريل.. ممكن تعمل حسابي ؟ ”
قالتها بدلالٍ يليق بها غير قاصدة أي شيء، فتلك هي طبيعتها، مما شعرت « إسراء» بغيرة شديدة عليها، و أجفلت جفونها تنظر لجبريل بكراهيةٍ، بينما « إيمان» اتجهت تقف بجانبه قائلة:
” اديني كوباية كبيرة، نفسي فيه أوي ”
” اعتبريني بعمله كله عشانك ”
تستطيع فهم لغته بسهولة، ردت بابتسامة مرحة:
” أحلى أخ، منحرمش منك يا برو ”
تجمدت ملامح جبريل، و لم يعقب بشيء، في حينٍ أن « إسراء» ابتسمت بخبثٍ، و تعمدت القول:
” إيمان بتحبك زي آدم و أدهم اخواتها بالضبط يا جبريل، صح يا إيمي ؟ ”
ردت إيمان بعفوية ساذجة:
” صح طبعًا، جبريل مش بس ابن عمي، هو زي اخواتي بالضبط، غلاوته عندي من غلاوتهم”
سكب لها جبريل كوب العصير في صمتٍ يؤلم قلبه الذي يحبها بصدق، فأخذته منه و شكرته بمرحٍ لتخرج، و تنتهز إسراء الفرصة، فتقترب منه تنفث سُمها:
” بتحط نفسك في مواقف بايخة ”
عقبت قولها بضحكة ساخرة وهي تسكب لنفسها كوب عصير، لتقول قبل أن تتركه و تخرج:
” طلعها من دماغك بدل ما تهين نفسك اكتر ”
…. على ناحية أخرى في شركة المنزلاوي للاستثمارات العقارية، و التي في الحقيقة هي مجرد شركة وهمية لإخفاء خلفها الأعمال المشبوهة التي يقومون بها عائلة المنزلاوي بالاشتراك مع المعلمة « زينات» و رجل الأعمال
« جعفر المصري» ابن عمة شكري و والد إسراء، و القبطان البحري «أنور» الذي يساعدهم في نقل و تهريب المخدرات للخارج و استيراد مختلف الأنواع منها لتوزيعها على الشباب الهالك، بنية السعي لتدمير الأجيال، و يساعدهم في ذلك رجل الأعمال « الرماح» والد أحمد، بالإضافة لاشتراك قبيلة القحطاني بزعامة
« عز الدين» في تهريب حجر الفيروز الكريم من المناجم المشرف عليها للخارج، و بتعاون من بعض الكبار الغير مخلصين للوطن، و ذلك لا يعني أنهم كلهم فاسدون، و لكن الصالح يندثر وسط الطالح، و كل الدعم للشرفاء من رجال الدولة الذين يكافحون من أجل القضاء على الفساد و الخراب.
على طاولة الاجتماعات التي يترأسها« شكري»، يتحدث بثقة قائلًا وهو يوزع نظراته الخبيثة على الشريكين « المصري و الرماح» و بجانبه ابنه « آدم»، و على يساره شقيقه « جابر» :
” أنور بعد ما يوصل شحنة البويضات لصوفيا و يجي بشحنة المخدرات، عايزين نزود حرصنا و نغير أماكن التوزيع.. الصنف الجديد و اللي هنزله السوق عاوز ناس كييفه بحق.. مش عيل خرمان بسيجارة نص نفس يودي الديلر بتوعنا في سين و جيم، مش معنى إننا مسنودين من الشرطة، إن إحنا كدا في الأمان !.. في ضباط ضميرهم ناقح عليهم و عينيهم صاحية بيدوروا في كل حتة على الراجل بتاعنا اللي وزع التقيلة آخر مرة في العلمين، لولا إني خلصت عليه في ساعتها أول إما عرفت، كان زمانا في الحضيض دلوقت.. ”
تدخل « آدم» يقول لوالده، وهو يسكب لنفسه كأسًا من الخمر:
” بقولك إيه يا بوص.. ما نخلي الواد كرم يتولى هو توزيع الصنف ”
تساءل جعفر المصري و الذي يعتبر عمه:
” و إيه دخل كرم بتوزيع الصنف ؟! و بعدين ابعد الواد ده عن شغلنا، كرم أعز واحد على
« باشا» ولو حصل له حاجة مش هيسمي علينا، أنت عارف « باشا» ما بيهزرش لو الموضوع يخص حد من اخواته.. مع إن الخمسة ولاد حرام في بعض، بس رجالة وقت الجد يسدوا ”
رد « جابر» مُتفهمًا نظرة ابن أخيه:
” آدم يقصد إن كرم بيعرف يصطاد الزبون من التطبيق الوهمي اللي عامله ده، فيكون التعامل من ورا الشاشة بس، و أهو لا من شاف ولا من دري ”
فكر « شكري» للحظاتٍ، و قال مُعترضًا:
” لأ، بلاش ندخل حد من عيال زينات في الموضوع، إحنا شغلنا معاهم تجارة بويضات و سلاح بس، كل واحد يشيل شيلته، عشان لو حد وقع منهم هيوقعونا معاهم ”
وصل « عثمان» بالملفات، و التي اتضح من خلالها، أنها كشف كبير عن أسماء و حالات الفتيات اللواتي يعملن في شبكة الدعارة الكبيرة التي يترأسها « الرماح» و يشاركه فيها جعفر و شكري، و جابر.. الغالبية من الفتيات يعملن بالإجبار؛ نظرًا لحاجتهنَّ للمال، و بالطبع ذلك ليس مبررًا لارتكاب الفواحش ما ظهر منها و ما بطن.
قال عثمان وهو يعطي لخاله الملفات:
” بعد إذنك يا خالي عايزك لوحدنا ”
نظر له « آدم» بعدم فهمٍ، فبادله عثمان النظرات وهو يشير برأسه لغرفة أخرى:
” عايزك أنت كمان ”
دخلا الاثنان للغرفة يتساءلان بنظرات الاستفهام، فأردف عثمان قبل أن يتحدث خاله:
” فاطمة شكه فينا، لقت انسيال شبه انسيال آدم مكان الحادثة، شكه إنه بتاعك يا آدم ”
توسعت عينا آدم بصدمةٍ فهو سريع التوتر، بخلاف عثمان الذي يتعامل مع الأمور ببرود، بينما « شكري» تأفف في سَأمٍ، و هتف يوبخ ابنه آدم:
” أنت لحد امتى هتفضل تغلط و تلبسنا في الحيطه ! أم الانسيال الزفت بيعمل إيه في مسرح الجريمة ؟! أنت مش قولت لي إنه موقعش منك ؟ ”
مسح « آدم» على شعره بتوتر، و أردف في ضيقٍ:
” صدقني يا بابا والله مش بتاعي، أنا مروح و الانسيال في ايدي اسأل عثمان، اللي في ايدي ده هو الأصلي اللي فاطمة جبتهولي.. في حد قاصد يوقعنا ”
انضم له عثمان يوافقه الرأي هاتفًا:
” آدم كلامه مظبوط يا خالي، إحنا بعد ما لمينا الليلة و رجالتنا خلصوا عليها، في حد رمى في الصندوق انسيال نسخة من انسيال آدم ”
صاح شكري بنفاذ صبرٍ فيهما:
” يعني مين اللي هيقدر يجيب انسيال نفس تصميم انسيالك في أقل من ساعة و يحطه جنب الجثة ؟ و مين أصلاً غيرنا عارف باللي حصل.. رجالتنا أكدوا لي إن مكنش فيه صريخ ابن يومين على الطريق، مين اللي بيدور ورانا و قاصد يوقعنا ؟! ”
رد عثمان بعد تفكير:
” إحنا ليه نحير نفسنا.. نروح للصايغ اللي فاطمة عملت الانسيال عنده من غير ما نعرفها، و نعرف منه مين اللي جه عمل واحد زيه ”
التفت شكري يسأل ابنه المرتبك:
” أنت آخر مرة خلعت الانسيال سيبته فين ؟ ”
حاول التذكر، فأجاب وهو يحك جبهته:
” خلعته و إحنا على السفرة من كام يوم، بس كان في جيبي و رجعت لبسته تاني، و.. و خلعته من أسبوع كدا و إحنا في اجتماع الشغل.. آه افتكرت، لما خلعته في الاجتماع.. نسيته على المكتب و روحت، تاني يوم لقيت مكانه عادي ”
هز شكري رأسه بتفهم و اشتد غضبه وهو يهتف:
” اللي عمل البوليكه دي حد من اللي شغالين معانا في * أم * الشركة ”
___
في منزل المعلم سعيد النجار والد « هِداية»، عندما آتاها مصدر الصوت القادم من البدروم تبين أنه همسات نسائية، و لكن لم تستطع معرفة ما يُقال، فخطت بحذرٍ خطواتها، ليتضح أصوات مناقشة حادة بين امرأتين و رجل، اقتربت أكثر، ليظهر فجأةً ابن خالتها « أشرف» في وجهها، مما شهقت بخوفٍ، و سريعًا تلاشى خوفها، و وقفت باستقامة بجرأتها الطبيعية، و بنظرة باردة تساءلت:
” إيه اللي بيحصل تحت في البدروم ؟ ”
بادلها نفس النظرات، ليقول:
” و أنتِ مالك ؟ أمي سابتك تقعدي في البيت بكيفها، لكن هتحشري نفسك في اللي ملكيش فيه، هتزعلي يا هداية ”
” يا مامي.. صدق خوفتني..! كشيت في نفسي من كتر الرعب، اخفى من قدامي بدل ما اسقف على وشك و أنت شبه اللطخ كدا ”
قالتها بلا مبالاةٍ، ثم مدت يدها تُزيحه عن طريقها بأطراف أصابعها في حركةٍ ساخرةٍ، فحاول إعاقة طريقها و أحاطها من خصرها يسحبها للخارج.. ذلك الفعل و استباحة ملامسة جسدها لنفسه حتى ولو لم يقصد ذلك، و إنما قصد ابعادها، جعلها في كامل غضبها و غيظها منه، فأخذت برأسه تشده من شعره بقوة حتى صرخ في ألمٍ شديدٍ و أفلتها رغمًا عنه، انتهزت هي الفرصة، و وجهت له ركلة في بطنه هاتفة بتوعدٍ و تهديدٍ له:
” ايدك لو لمستني تاني هقطعهالك، داهية تاخدك أنت و اللي جابتك ”
أقبلت « نادية» على أصوات الشجار الصادرة منهما، لتجد ابنها يمسك بطنه و يتألم في تعبٍ بدا عليه، ركضت نادية نحوه تتفحصه بخوفٍ:
” أشرف ! في إيه ؟ إيه اللي حصل ؟ ”
استدارت لهداية ترمقها بغيظٍ، فتبسمت الأخيرة بسخرية قائلة:
” روقتلك عليه يا أم شوشو ”
و التفت تسرع في خطواتها تجاه البدروم، و قبل أن تستطيع « نادية» إيقافها، رأت
« هداية » مشهدٍ جعلها في قمة ارتباكها و دهشتها سويًا.. إمرأة في الثلاثينات ترقد على بطنها، و إمرأة أخرى تجلس بجانبها تُمسد على شعرها، وصوت الرجل الذي سمعته هي، في الحقيقة لم يوجد رجل معهم، ولا تعرف ممن خرج ذلك الصوت الرجولي الخشن، و إنما فقط يتواجد بالغرفة امرأتين على تلك الوضعية الغير مفهومة.
توترت المرأة التي كانت تجلس عند رأس المرأة التي تنام على بطنها، بينما هداية أخذت تتأمل جدران الغرفة المرسوم عليها رسومات غير مفهومة، حتى ظهر المرأة العاري مرسوم بأشياء غريبة، كادت أن تتساءل هداية عما رأته، و لكن جاءت خالتها نادية بغتةٍ، و كتمت فمها بمنديل مخدر، ثم جاء أشرف و قام بتقييدها بحبلٍ سميكٍ، و بعدما انتهى و غابت « هداية» عن الوعي، حملها ابن خالتها، و ألقى بها في غرفة أخرى صغيرة مظلمة رائحتها نتنة، و كأنها محشوةٌ بلحومٍ متعفنة.
أشارت نادية لابنها بعينين ينضج منهما الشر:
” اطلع هات لي جنى.. بسكات و من غير سعيد ما يحس ”
” افرضي صحى ؟ ”
” مش هيصحى دلوقتي، المنوم اللي حطيته له في الشاي مفعوله قوي ”
أومأ في طاعة و اتجه يحضر الطفلة المسكينة النائمة في سكينة، و لكن هسيس الضمير الذي جاءه فجأةً، جعله يقف أمام الباب يفكر فيما ستفعله والدته بها.
___
يبدو أن « باشا الباشوات» الرجل الصامت معظم الوقت.. في مزاجٍ عالٍ اليوم، هل لأنه سيتم تقديم له وجبه أخرى و فريسة متنوعة، ليتلاعب بها كما تتلاعب الهرة بالفأر عند اصطياده ؟، أم لأنه عندما يتواجد في منزله الخاص وحده، تظهر شخصيته الحقيقية ؟
وقف يدندن بهمسٍ مع صوت « عبد الحليم» الخارج من « الغرامافون»، فمعظم أثاث المنزل تم اختياره بعناية ليواكب الستينات و ما قبلها..
« باشا» نستطيع أن نقول أنه مهووس بكل شيءٍ يخص زمن الأبيض و الأسود..
كما يسمونه.
انتهى من إعداد شاي الكرك المفضل لديه من المشروبات الساخنة، وهو مستمر في الدندنة:
” موعود معايا بالعذاب موعود يا قلبي
موعود و دايمًا بالجراح موعود يا قلبي
ولا بتهدا ولا بترتاح في يوم يا قلبي، يا قلبي ”
انتبه لوجود ثعبان صغير من ثعابينه التي يرعاها بعناية تامة و يفهم في أنواعها جميعًا.. وضع كوب الشاي، و انحنى يمسك الثعبان بوضعٍ معينٍ، بصرف النظر عن أنه يسحب السم منهم للتجارة فيها، لكنه يحبهم حقًا.
مسد على رأس الثعبان الصغير بحنوٍ، و وضع قُبلة على رأسه، قائلًا وهو يعيده لبيته الزجاجي بجانب أمه:
” مش نبطل شقاوة بقى يا ربيع ؟ ”
كل ثعبان بنوعه له اسم خاص عند باشا، و هذا الذي يحمله و يلتف على ذراعه قد خرج من بيضته في الربيع، لذلك اسمى ذلك البيض باسم الربيع.
وضعه في الحوض الزجاجي، و خرج يستمتع باحتساء كوب الشاي على الشازلونج الطبي خاصته بحديقة منزله، مرت دقائق جاءه اتصال هاتفي من « قابيل»، أجاب « باشا» بعد أن عادت ملامحه للجمود تلقائيًا، و كأنه اعتاد على التعامل بوجوم مع بنو آدم حتى لو كانوا اخوانه
” اممم ”
” باشا، أنا داخل على البيت عندك.. عاوز اتكلم معاك في موضوع فاطمة، موافق ؟ ”
لقد تعمد قابيل الاستئذان أولًا قبل مجيئه، لعلمه أن باشا لا يحب الزيارات ويفضل المكوث وحده في منزله، عندما يكون جدوله خالٍ من العمل.. صمت باشا ثوانٍ في تردد، و مع الحاح قابيل قرر الموافقة بشرط ألا يمكث طويلاً عنده.
قال « قابيل» قبل أن يغلق المكالمة:
” سلطان و وسيم و كرم لبسوا البدل.. رايحين عشان البنات ”
قالها بضحكة مشاكسة، فَرد باشا بهدوءٍ:
” تمام.. الراجل جهز الليلة ولا ؟ ”
” كلمته تاني، قال إنه هيأجل الميعاد ”
فور أن باح قابيل بذلك، انتفض باشا مكانه و كأن صاعقة كهرباء سيطرت على جسده.. عبس وجهه، و صاح مُنفعلًا:
” و أنا من امتى حد يخلف ميعاد معايا يا قابيل ”
” اسمع بس.. هو.. ! ”
” يا الليلة يا روحه.. وصله الكلمتين دول، و متجيش.. أنت قفلتني ”
أغلق في وجهه المكالمة، ثم ألقى الهاتف في عصبيةٍ، و ظل يزفر بانفعالٍ.. ودَّ أن تكون الليلة ليلته.. ودّ أن يختتم اليوم، بنيل شهوته حقها !

يتبع…..

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية حصب جهنم)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *