روايات

رواية ابن الصعيدي الفصل السابع 7 بقلم نور الشامي

رواية ابن الصعيدي الفصل السابع 7 بقلم نور الشامي

رواية ابن الصعيدي البارت السابع

رواية ابن الصعيدي الجزء السابع

ابن الصعيدي
ابن الصعيدي

رواية ابن الصعيدي الحلقة السابعة

كان يجلس صخر على طرف السرير في غرفته… متكئا برأسه إلى الأسفل كأن الحزن قد انحنى بثقله على كتفيه و ملابسه لا تزال تحمل رائحة المستشفى والهدوء الذي خيم على البيت زاد من اختناقه حتي دخل خليل بخطوات هادئة واقترب منه ووضع يده على كتفه مرددا:
ربنا يرحمها يا صخر… كانت طيبة وربنا بيحب الطيبين… مينفعش اكده يا ابني انا حفيدي قوي. انت المسؤول عن العيله دي كلها بعدي.. انت كبير الصعيد كلها بعدي يا ابني لازم تبجي اقوي من اكده
لم يرد صخر ولم يبدي أي حركة… ظل صامتا كأن الكلمات لا تجد طريقها إليه حتي فتح الباب بهدوء ودخلت قدر بخطوات مترددة… كانت ملامحها شاحبة وعيناها محمرتان من البكاء فـ تقدمت نحوه بخوف وما إن همت بالكلام حتى دوى صوت أم صخر في الغرفة مردده بغضب :
انتي جاية اهنيه تعملي إي عاد ؟ مش كفاية ال حوصل بسببك.. عايزه اي تاني جتلتي بنت اختي ال كانت بعتبرها زي بنتي بالظبط.. انتي فاكره اني هسمحلك تكملي معاه.. جسما بالله ما هيوحصل
تجمدت قدر في مكانها ورددت بارتباك:
أنا… أنا مكنتش أعرف ان كل دا هيوحصل والله العظيم ما كنت اعرف حاجه… انا عارفه اني السبب في ال حوصلها بس غصب عني.. بالله عليكم سامحوني
نظر الجميع اليها بغضب واقتربت والدت صخر منها اكثر بعصبيه:
لع مش غصب عنك.. كل حاجه بمزاجك.. مفيش اي حاجه غصب عنك.. بس انا الغلطانه اني سمحت ان كل دا يوحصل
نظر خليل اليها بغضب ثم أمسك قدر من يدها بقوة وردد:
“برا يا بنت! مش عايز أشوف وشك هنا تاني! برا.. يلا
ابقي خليل كلماته وسحبها خارج الغرفة وهي تبكي وصوت الباب وهو يُغلق كان أشبه بصفعة على وجهها
وفي مكان اخر كان آدم يقف قرب النافذة ويسند ذراعه على الحافة المعدنية الباردة وعيناه معلقتان بالفراغ في الخارج، كأن شيئا ما هناك يشده بعيدا عن هذا العالم….. لم يكن يرى الشارع ولا البيوت ولا حتى أشعة الشمس المتسللة بين الغيوم… كان غارقا في دوامة صامتة لا يسمع فيها سوى صوته الداخلي. وفجاه انفتح الباب بعنف ودخلت يمنى بخطوات سريعة . كانت تتنفس بصعوبة وتحاول كتم ثورتها لكن ملامحها المشتدة وعيناها الممتلئتان باللوم فضحتاها فـ وقفت خلفه للحظات كأنها تنتظر منه أن يلتفت… أن ينطق، أن يعتذر… لكنه ظل جامدا، متبلدا، وكأنها لا وجود لها حتي صرخت هي بغضب:
انا ساعدتك علشان عندي إنسانية… علشان ضميري ميرضاش أشوف حد محتاج مساعده وأسكت…. بس إنت معندكش إنسانية أصلاً ولا ضمير..انت معندكش اي احساس جسما بالله
استدار ادم إليها ببطء، وعيناه مثقلتان بالتعب لكنه لم يتكلم فرددت يمني مره اخري:
صاحبك… ال كان بيوجف في ضهرك ويدافع عنك، دلوجتي منهار و متبهدل وبدل ما تبجى جكبه، سايبه لوحده يغرق في حزنه كإنه مش موجود اصلا في الكوكب دا.. انت ازاي اكده
تنهد آدم بضيق ثم اردف ببرود :
هو دلوجتي بيعيش نفس ال أنا عشته… نفس الألم ال كسرني
يمني بصراخ:
بس هو معملكش حاجة… صخر عمره ما أذاك ولا حاول يخرب حياتك.. مرتك ماتت لوحدها محدش لمسها… وصخر ملوش ذنب في ال حوصل
القت يمني كلملتها ثم اقتربت منه خطوة وارتجف صوتها وهي تكمل:
هو كان جمبك وجت ما الكل سابك… كان بيحاول يخرجك من ال إنت فيه، وإنت دلوجتي أول واحد بتخذله.. حرام عليك انت الزحيد ال تجدر تخرج صخر من ال هو فيه دا
صرخ ادم بغضب وهتف:
انتي مش فاهمة اي حاجه.. بس فالحه تتكلمي وخلاث وبعدين هو علشان ساعدتيني مره هتفكري نفسك ولي امري ولا اب عاد
تنهدت يمني بضيق ورددت بعصبيه:
لع انا فاهمة كويس…. فاهمة إني كنت غلطانة لما افتكرت إنك بني آدم… بس الحقيقة إنك مجرد شخص أناني غرقان في وجعك وناسي الدنيا كلها حتى صاحبك، ال لسه جلبه بينزف ميستحقش منك حتى كلمة والله انا ندمانه اني شوفت واحد زيك ياريتني كنت سيبتك تموت وجتها
القت يمني كلماتعا ثم استدارت فجأة، وبخطوات سريعة وغاضبة خرجت من الغرفة وصفقت الباب خلفها بينما ظل آدم واقفًا مكانه وعيناه على مكانها الفارغ… ولم يقل شيئًا وفي يوم جديد كانت الصالة تغص بالبكاء والأنين والسواد يلف المكان ككفن مفتوح ينتظر أن يبتلع من تبقى من الفرح والنساء متكدسات على المقاعد بعضهن ينوح وبعضهن يهمس بأدعية ثقيلة بينما تهاني أم صخر تمسح دموعها بطرف غطاء رأسها وتضم صدرها المتوجع، تنظر في الفراغ وفجأة انفتح الباب بعنف ودخلت عنبر ابنه خالة ميار وصخر بثوب أسود وعينين متورمتين من البكاء تصرخ من أعماق قلبها المنكسر وتهتف:
يا ضنايا يا ميار… يا وجع جلبي يا كنتي بتنوري الدار… روحتي خلاص. روحتي وسيبتنا للحزن اكده.. ليه بس.. ليه
انهارت عنبر على الأرض وسط ذهول الحضور وضربت صدرها براحة يدها، وصوتها يتعالى حتى خيم الذعر على وجوه من حولها حتي صرخت بغضب:
“فين؟ فين ال كانت السبب؟ فينها.. انا هجتلها
وما إن وقعت عيناها على قدر الواقفة عند المدخل ترتجف كعصفور مبتل حتى اشتعلت النار في قلبها، واندفعت نحوها كالعاصفة وتصرخ:
إنتي… إنتي ال دمرتي حياتها… إنتي ال خدتي عمرها وحياتها.. انا لازم اجتلك
رفعت عنبر يدها وصفعت قدر بقسوة وصرخت وهي تحاول الاحتماء بذراعيها لكن عنبر لم تتوقف وامسكتها من شعرها وجذبتها بقوة حتي تدخلت يمنى بسرعة واندفعت من بين الجالسين وأمسكت بذراع عنبر لتبعدها وهتفت بصراخ:
بس بجا كفاية… حرام عليكي… ال حوصل حوصل، والميت مش بيرجع.. انتوا ليكم كلكم حاطين كل الحق عليها… حرام عليكم
صرخت عنبر في وجهها وهي ترتجف:
“انتي مش فاهمة حاجة ال راحت دي كانت صاحبتيى. و بنتي وبنت خالتي … هي راحت مني… راحت خلاص و
وفي تلك اللحظة دخل خليل بخطوات ثابتة وعيناه تمتلئان بغضب صامت تقدم نحو عنبر ووضع يده على كتفها بلطف ممزوج بالحزم:
اهدي يا عنبر…اكده غلط وبتار احتك هيتاخد والله
انهي خليل كلماته ثم التفت إلى قدر التي كانت تقف مرتجفة ودموعها تنساب بصمت:
اطلعي على أوضتك يا قدر… العزا مش مكانك دلوجتي.. انتهينا انتي مبجاش ليكي مكان معانا
نظرت إليه قدر بعيون دامعة بينما ساد صمت ثقيل المكان لا يسمع فيه سوى شهقات بكاء النساء وكأن القصر نفسه يبكي رحيل ميار وفي المساء كان صخر جالسا في زاوية مظلمة من احدي البارات الخاصه يحتسي الشراب بصمت و فتاة تجلس بجانبه تحاول التقرب منه لكنه كان يبتعد في كل مرة و أنفاسه ثقيلة وعينيه شاردتين و فجأة دخل آدم بغضب واقترب منه بسرعة وردد بعصبيه:
انت اي ال جابك اهنيه…دا مش مكانك يا صخر! هتضيع نفسك اكده ليه عاد
صخر وهو يحاول الابتعاد:
بعد مفيش حاجة تهمني دلوقتي، خلاص.. عامل فيها خايف عليا انا عارف كويس جوي انك اكتر شخص بتكرهني في حياتي كلها
نظر ادم اليه بغضب وامسكه من ذراعيه مرددا بعصبيه:
مش هسيبك.. ده مش حل. إنت هتخسر كل حاجة اكده هتضيع نفسك.. يلا تعالي معايا
صخر وهو يحاول الابتعاد عنه :
انا مش جادر، مش جادر اكمل والله العظيم.. هي السبب.. ي ال جتلتها.. جتلتها هي وابني بس جسما بالله العظيم ما انا سايبها.. والله لـ هاخد بتاري منها وهندمها علي حاجه انا هدفعها تمن ال عملته دا غالي جوي سيبني و
لم ينهي صخر كلماته حتي ضربه ادم على وجهه بلكمة قوية وهو يصرخ:
مش هتعيش اكده…. هتضيع كل حاجة لو فضلت علي الوضع دا… انا عارف مين متفج مع كريم.. عرفت كل حاجه ولازم تساعدني.. لازم تساعدني اننا نلاجي رجوه ونجتلها قبل ما تخلص علي باقي العيله. بالله عليك فوح يا صخى.. فوج واصحي من ال انت فيع دا تعالي يلا.. تعالي.. انا معاك وكل حاجه هنعديها مع بعض.. مش هسيبك بعد اكده لحه واحده
انهي ادم كلانه وأخذ صخر بيده، وخرجوا معا من هذا المكان وفي صباح يوم جديد كانت ممدده قدر علي الفراش ثابته في نوم عميق بعد ارهاق دام لايام ولكنها انفزعت من نومها عندما استمعت الي صوت زغاريط فنهضت بسررعه مردده بغضب:
مين جليل الربايه ال بيزغرط اكده وعندنا مين.. لو صخر سمعه هتبجي مصيبه
القت قدر كلماتها وخرجت وبعد فتره كانت تقف كتمثالٍ أصابه الذهول ونظراتها متجمدة… لا تصدق ما تراه عيناها بينما صخر يقف بجوار امرأة أخرى.. يمسك بيدها والشيخ يعلن تمام عقد قرانهما… لم تشعر قدر بقدميها وكأن الأرض انسحبت من تحتها وكأن شيئًا بداخلها انكسر للأبد. حتي جاء صوت الجد مرددا:
الف مبروك يا ولاد.. ربنا يتمملكم علي خير يارب.. مبروك يا صخر
شهقت قدر بصوت مكتوم بينما تلاقت عيناها بعيني صخر التي لم تجد فيهما سوى القسوة.. لم يكن فيهما أثرا للحب… بل شيء أقسى من الكراهية فرددت بصدمه:
ليه اكده… ليه؟!
اقترب صخر منها وردد بغضب :
انتي السبب… انتي ال موتي ميار…. أنا بكرهك يا قدر، بكرهك من جلبي… وغلطتي الوحيدة إني اتجوزت واحدة زيك… علشان اكده حبيت اصلح غلطتي واتجوز واحده نظيفه مش زيك رخيصه وملهاش اي اهميه.. انتي اسوء انسانه شوفتها في حياتي.. انتي الحاجه الوحيده ال ندمت عليها ياريتني ما كنت رحعت ولا شوفتك ولا اتجوزتك
انكمشت كلماته كخناجر في صدرها وأحست قدر بالألم يعتصر أحشاءها قبل قلبها. فجأة واختل توازنها ووقعت على الأرض وصرخة مروعة مزقت سكون القاعة و دماؤها تسيل ويدها على بطنها المرتجفة وهمست بشفاه مرتجفة ودمعة تسابق الدم وهي تهتف بألم:
ـ ابني… ابني بيموت يا صخر و
وبعد فتره من الوقت ظل للجميع واقفًا في ردهة المستشفى وقد خيم الصمت على الأجواء كأنه غمامة ثقيلة لا تنقشع وللا تزال أعينهم معلقة بباب غرفة العمليات يترقبون لحظة انفتاحه بينما عقارب الساعة تمضي ببطء خانق وحين انفتح الباب أخيرا خرج الطبيب بخطوات مثقلة ونظرة مرهقة وتقدم صخر نحوه وصوته يختنق بالقلق مرددا :
طمني يا حكيم… هي كويسة؟ والجنين؟
تنهد الطبيب قبل أن يجيب بهدوء:
البقاء لله… الجنين مات.
ساد لحظة من السكون تليها نظرات ارتياح خفية على بعض الوجوه وكأن عبئا ثقيلا أزيح عن كاهلهم أما صخروفـ تجمد مكانه وغامت عيناه واتشح وجهه بالحزن العميق وظهر الألم واضحا في ملامحه فـ اقترب خليل منه وردد ببرود خالي من الشعور:
كده أحسن… والبت دي كمان لازم تموت ونخلص بجا من كل دا
أدار له صخر رأسه ببطء وحدق فيه بعينين تضجان بالغضب والاستياء دون أن يرد عليه حينها، اهتز جيبه فأخرج هاتفه ليرى رسالة جديدة وما إن قرأها، حتى اتسعت عيناه وتغيرت ملامحه فجأة وكأنّ الصدمة أصابته في صميم قلبه فـ أسرع نحو الغرفة بخطوات متلاحقة وفتح الباب بعنف، وما ان دخل حتي تجمد مكانه عندما وجد الغرفه فارغه لا يوجد بها اي شخص وكان الارض انشقت وابتلعت قدر فردد بصوت مبحوحًا من هول ما رأى:
هيجتلها…. هتموت و

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية ابن الصعيدي)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *