روايات

رواية الماسة المكسورة الفصل الرابع والستون 64 بقلم ليلة عادل

رواية الماسة المكسورة الفصل الرابع والستون 64 بقلم ليلة عادل

رواية الماسة المكسورة البارت الرابع والستون

رواية الماسة المكسورة الجزء الرابع والستون

الماسة المكسورة
الماسة المكسورة

رواية الماسة المكسورة الحلقة الرابعة والستون

[بعنوان: من الحب ما قتل]
في إحدى المستشفيات الخاصة الثالثة صباحًا.
كانت الأجواء مشحونة بالتوتر، سليم يتحرك بسرعة على قدر استطاعته بسبب إعاقة قدمه، ومكي خلفه مع عماد ورشدي وصافيناز، ويبدو عليهم القلق الشديد بعد سماعهم خبر ضرب ياسين بالرصاص.
فتح سليم الباب ليجد ياسين جالسًا على السرير، وكتفه ملفوف بشاش بعد إصابته برصاصة، إلى جانبه فايزة، وعزت، وفريدة. نظرت عيون سليم إلى ياسين بنظرات مشوبة بالقلق والغضب.
سليم متسائلا بقلق: إيه اللي حصل؟
توقف عزت ورد بسرعة: اهدى يا سليم، ياسين بخير.
نظر سليم لعزت نظرة حادة لكن بنبرة هادئة: بخير ازاي وحصل عليه هجوم، كان ممكن يموت فيها ويشوف نفس مصيري.
ثم وجه نظره إلى ياسين متسائلا بحدة: إيه اللي حصل معاك بالضبط؟
كان يبدو على ياسين التعب والإرهاق لكنه حاول الرد: كان عندنا نقلة تماثيل، واتضرب علينا نار.
عزت موضحا بسرعة: مش ياسين اللي كان مقصود يا سليم كان نيكولاس، عنده مشاكل معهم وكانوا عايزين يسرقوا منه الشحنة.
سليم، بحدة وهو يقترب من ياسين: وأنت دخلت ليه في الموضوع من الأساس؟
فايزة، محاولة تهدئة الأوضاع قالت بتوضيح: عشان يكون جاهز مكانك في شغلنا الثاني بعد ما أنت سحبت نفسك.
نظر سليم لياسين باستهجان: مش قلت لي إنك هتبعد عن الشغل ده؟
ياسين بحزن: بابا رفض.
ثم نظر إلى عزت، وكأن الكلمة الأخيرة كانت مريرة له.
سليم أغمض عينيه،محاولًا كبح غضبه:المهم إنت كويس؟
هز ياسين رأسه بنعم بصمت، أكمل سليم بقوة: بس إنت حسابك معايا، ضعف شخصيتك ده، لازم تتحاسب عليه، بس لما تتحسن.
التفت سليم لعزت وقال بهدوء، لكن عينيه كانتا تومضان بشرار فهذه هي الشخصية القديمة لسليم الراوي، لقد عادت بعد سنوات من الغياب. لكن يبدو أن هذه المرة أكثر شراسة.
سأل سليم: فهمني بقى إللي حصل ياباشا.
عزت بتوضيح: إللي قدرت أجمعه لحد اللحظة دي إن نيكولاس عنده مشاكل مع تاجر ألماني اسمه سوت وكان عايز يسرق منه الشحنة.
مد سليم وجهه متعجبا بضجر وقال بكبرياء: عنده مشاكل؟! واحنا من امتى بنشتغل مع ناس عندهم مشاكل مع حد من الأساس، بالأخص بعد اللي حصل لي! ومن امتى احنا بنحضر التسليم ،أنا لما كنت أوقات بحضر، كان عشان أنا ليا مزاج أحضر،لكن حضور التسليم مش بتاعنا، بتاع ناس تانية، ازاي تغامر بياسين يا باشا.
عزت بقوة: كان لازم يحضر عشان يبقى فاهم أصول الشغل بعد حضرتك ماسحبت نفسك، دي مس أول مرة ليه كل مره ببعت حد طه رشدي ياسين،
أنا عارف أنا بعمل ايه يا سليم ولو سمحت ماتدخلش في شغلي.
ارتسمت على شفتي سليم ابتسامة ساخرة وهو يردد ويقول: فاهم بتعمل ايه؟!
أمعن بنظرات قوية وقال بتركيز: إنت لو فاهم بتعمل ايه؟! مكنش حصل لياسين كده، واضح يا باشا إنك كبرت ومابقتش تركز بالشغل كويس زي زمان، بقيت بتستسهل يا باشا.
أكمل بحسم وهو ينظر داخل عينه: بص يا باشا، أنت لو عايز تكمل شغل في الآثار؟ براحتك، إن شاء الله كل يوم تنقلك مقبرة، إنما ياسين وفريدة لا، عندك ولادك التانيين، خليهم يشتغلوا، ويثبتوا وجودهم.
أشار بيده نحو رشدي بنبرة تقليل:
رشدي، عندك أهو الكرسي قرب يخليه مختل، من كتر ما هو نفسه يبقى الكبير، علمه، يمكن، يمكن ينفع..
زاد من نظراته الشرسة وقال بأمر وحسم:
اسمع، من اللحظة دي، مافيش شغل تاني في الآثار أو في الذهب المهرب، احنا مش عايزين مشاكل كفاية، كفاية اللي حصل لي أنا ماعنديش إستعداد أغامر بنفسي أو بمراتي أو بياسين وفريدة، كفاية اللي حصل لنا كفاية، أنا دفعت الثمن بعمري وبنتي، احنا مش محتاجين يا باشا، احنا عملنا كتير خلينا بقى نمشي في المظبوط..بس لو إنت مصمم وعايز تكمل في الشغل ده، يبقى بعيد عني وعن ياسين وفريدة.
توقفت فايزة و أجابته بحدة: بس ده شغلنا من زمان يا سليم إنت بعدت، خلاص إنت حر لكن عايز تمنعنا ده مش حقك!!
سليم بثقة: لا صدقيني من حقي، ولو عندت وصممت محدش هيقدر يقف قصادي لا حضرتك ولا الباشا.
رد رشدي الذي كان يستمع لحديث سليم بنبرة ساخرة وبضيق شديد: وده بقى هتعمله بأي صفة أيها الأمير الصغير.
اقترب سليم من رشدي بنظرة مرعبة: بصفتي رئيس مجلس إدارة مجموعة الراوي، تصحيح بسيط يا رشدي، أنا مش الأمير الصغير انا ملك إمبراطورية الراوي، وكلمتي هتمشي على الكبير قبل الصغير. واللي مش عاجبه، يشرب من البحر.
عزت بشدة مغيرًا نبرته قليلاً: سليم، أنا لسه عايش، في ايه؟؟ياريت ماتدخلش بقرراتي.
ارتسمت على شفتي سليم ابتسامة صغيرة قائلا وهو ينظر إليه بهدوء: ربنا يديك الصحة ياباشا أنا مش بأتدخل بقراراتك وماقلتش ماتشتغلش، اشتغل في اللي إنت عايزه، أصلاً ده مايخصنيش…
أشار بيده نحو ياسين ومازال ينظر داخل عين عزت بقوة:
بس اللي يخصني ده. ودي، عشان مابيعرفوش يقوللكم لا، فأنا بقى بقوللكم لا، ياسين وفريدة خط أحمر، والا أنتم عارفين سليم ممكن يعمل إيه!
ضحك رشدي بقوة على حديث سليم، مما جعل الأخير يلتفت إليه بنظرة متفحصة.
سليم متسائلا: بتضحك ليه؟
رشدي متعجباً وهو يضحك: هو الضحك بقى حرام؟
سليم، بابتسامة ساخرة: لا، بس ضحكنا معاك..
أكمل سليم بابتسامة جانبية لكنه لا يزال يراقبه بحدة: هايل، كمل ضحكك.
رشدي، وقد مال للأمام قليلاً: أصلك غريب أوي، عمال تزعق وتهلل وتستبد فينا وتتأمر، فيه إيه؟ ماتهدى شوية على نفسك، أنت لو بتأكلنا وبتصرف علينا بمالك الخاص، كنت هتبقى إنسان معانا أكتر من كده. خفّ شوية.
ثم أكمل بنبرة حادة:
اسمع يا سليم، زمن الأوامر ده انتهى، اتكلم معانا كويس، إنت زي ماليك، لينا. حتى لو نسبتك الأكبر، مش معنى كده إنك تتحكم فينا زي ما أنت عايز، أنا مش هاسمحلك تتمادى أكتر من كده.
سليم، مائلًا برأسه قليلاً، ونبرته هادئة لكن عينيه تنطق بالتحذير: ولو تماديت… هتعمل إيه يا رشدي؟
رشدي، بابتسامة واثقة: هعمل كتير يا سليم خلاص بقى احنا عرفنا اللعبة، وبقينا بنعرف نمشيها حتى لو ماوصلناش لمستواك الاحترافي، بس بقينا بنعرف، يعني خلاص ماتسندش ظهرك اوي كده عشان دلوقتي بقى عندك منافسين، مشكلتك إنك طول عمرك مستضعفنا.
قاطعه سليم وهو يضحك باستخفاف: أنا مش مستضعفكم انا مش شايفكم أصلا.
رشدي بقوة وتحدي: لا جه الوقت إللي أنت هتشوفنا فيه، ولو إنت ماشفتناش بمزاجك، هتشوفنا غصب عنك..
ثم أكمل بنبرة مستفزة: من رأيي تخليك مع ست الحسن أحسن، محتاجة منك تركيز أكتر من كده.
سليم، وقد رفع حاجبه قليلًا، ثم ابتسم بهدوء شديد وهو يتمتم: ست الحسن…
ابتسم سليم بهدوء وهو يهز رأسه بإيجاب، لكن في عينيه كان هناك شيء خطير يتشكل، تنذر بعاصفة قادمة لا محالة.
رشدي، مستغلًا صمته، أكمل بنبرة أكثر استهزاءً: إيه؟ مش عاجبك الكلام؟إنت فعلاً محتاج تركز أكتر مع ست الحسن، لحسن قلبي بيقول لي كده إنها مش هتستمر كتير معاك، والعشق المجنون بتاعكم هههه بدأ يخرج من قلبها وعينيها.
تشنج فك سليم للحظة، لكن ملامحه ظلت باردة، مما زاد من تهور واستفزاز رشدي، الذي أكمل بابتسامة ساخرة: اسمع مني، بدل ماتتخانق معانا، روح شوف مراتك، يمكن محتاجة حد يشدها من قفصها الذهبي اللي إنت حابسها فيه، روح إلحق افرض سيطرتك عليها هي أولى عشان شكلها قريب أوي هتتمرد عليك ياملك.
ثم اقترب رشدي قليلًا وهمس بصوت منخفض لكن مسموم: قولي بقى يا سليم. هي لسه في حضنك، ولا بقت تتمنى تخرج تشم هوا بعيد عن سجنك؟
أصل في الكام يوم اللي احنا كنا بنسهر فيهم مع بعض، كان نفسها تصرخ وتقول ساعدوني عشان أخرج من المكان ده، حتى ماسة الناعمة دمرتها
أنا من رأيي سيبك بقى من المجموعة،احنا دلوقتي نقدر نمشيها، خليك إنت مع مراتك بدل ماتسيبك وتهرب وترجع وحيد يائس وحزين، وشوية نلاقي نفسنا بنشهر افلاسنا عشان واحدة ست..
في غمضه عين، تحرك سليم بسرعة خاطفة، قبض على يد رشدي بقوة كافية ليشعر الآخر بضغط العظام، وقبل أن يستوعب رشدي ماحدث، دار سليم معصمه بحركة حادة!
“طراااااخ!!”
صرخة مكتومة خرجت من بين أسنان رشدي وهو يسقط على ركبتيه، بوجه شاحب من الألم،
ركض عزت على سليم وهو يقول: سليم سيبه
بينما سليم لا يزال ممسكًا بيده الملتوية بزاوية غير طبيعية.
سليم، بصوت منخفض لكنه مشحون بالتهديد:
اتكلمت كتير يا رشدي… واتماديت بزيادة، لأنك عمرك ماشفت مني تنفيذ لتحذيراتي، صح؟
في لمح البصر، أخرج مسدسه، فتح الأمان، وصوّبه مباشرة نحو رأس رشدي.
اندفع مكي وعماد بسرعة لإيقافه، لكن سليم دفعهم بقوة، جعلهم يترنحون للخلف، بينما نظرته الثابتة لم تفارق رشدي.
رشدي، رغم الألم الذي يمزق جسده، حاول أن يتظاهر بالقوة، يبتلع خوفه وهو يغمغم بصوت مرتعش:إنت… اتهبلت!
فريدة، بتوسل ورجاء، حاولت تهدئة سليم: بصوت متقطع: سليم، عشان خاطري… خلاص!
لكن سليم، لا يبدو أنه يسمعها. نظرته ثابتة على رشدي، ولم تلتفت أذنه إلى كلماتها أو إلى التوسلات.
ياسين، وهو يحاول التدخل لمنع تصاعد الموقف، اقترب بخطوات سريعة وقال له بحذر: سليم، اهدى شوية… الأمور تهدى.
لكن سليم، في تلك اللحظة، كان أذنه صماء لكل شيء.
شد سليم يده بقوة أكتر، وصوت طقطقة العظام ملأ المكان، مماجعل رشدي يصرخ رغمًا عنه. قرب سليم من ودنه وهمس ببرود قاتل:
ماسة دي… اسمها مايطلعش على لسانك تاني، لأنك مش هتلحق تقول بعدها كلمة واحدة.، أنا مكسرتش دراعك عشان كلامك استفزني، تؤ ولا حتى عشان أربيك…، لأن لسانك نطق باسم مراتي اللي كذا مرة أقول لك ماتقولوش، وانت لسه مصرّ على غباوتك..
ضحك بسخرية، قرب أكتر وهمس بحدة:
بطل تستفزني وتدخل الستات في النص يا جاهل… لو فاكر إن دي شطارة، فأحب أقول لك إنك غبي، ومافرقتش عنهم في حاجة… نفس الطريقة، نفس الأسلوب، نفس الهري الفاضي… قاعد ترص كلام زي الحريم على المصاطب! الرجالة بتستفز بعضها بالقوة والذكاء مش بالكلام الرخيص عن الستات.
وقف سليم ثواني يراقب ارتجاف رشدي، وبعدها هز رأسه بأسف مصطنع وقال بتهكم:
على فكرة، بطّل تقعد مع أختك، واضح إنك قربت تبقى زيها. وشكلي كده قريب اوي همسحلك من البطاقة كلمة “ذكر”، وأخليها “أنثى.
أنهى كلامه بحركة مفاجئة، ضرب بكفه بقوة على وجه رشدي، صوته ارتطم بالجدران، وغمغم بسخرية:
الدقن دي مالهاش لازمة وانت كده كده ماتعرفش يعني إيه راجل.
ثم تركه فجأة، فسقط رشدي على الأرض، يلهث وهو يمسك بذراعه المرتجفة، بينما العرق يتصبب من جبينه. الصمت خيّم على المكان، والعيون كلها مسلطة على المشهد بصدمة مكتومة.
اعتدل سليم في وقفته، نظراته ثاقبة وهو يوجه كلماته لعزت ببرود قاتل:
الموضوع خلص، وأي حد يفكر يعترض… هيكون ده مصيره. هقعد مع سوت وأخلص معاه الموضوع، لأني مش عايز مشاكل.
ثم اقترب قليلًا، أخفض صوته لكنه صار أكثر تهديدًا:
وأقسم بالله، يا باشا، لو ماربيت رشدي..وبعدته عني وعن مراتي. لدفنهولك حي وده مش تهديد، أنا بعرفك اللي هيحصل ابعده عني.
ألقى نظرة أخيرة على رشدي الملقى على الأرض، عينيه مليئة احتقار، قبل أن يدير ظهره ويهمس بسخرية قاتلة:
قوم… امسح دموعك، الملك مابيحبش الضعفاء.
ثم غادر الغرفة بخطوات هادئة واثقة، تاركًا وراءه صمتًا ثقيلًا، لم يقطعه سوى أنين رشدي المكبوت.
فور خروج سليم ومكي من الغرفة، ركض عماد نحو رشدي الذي كان يستند على يده متألمًا، وصوته يهتز بالغضب والألم.
رشدي بصراخ شديد موجها كلامه لعزت: عجبك اللي عمله ده؟ أنت اللي سايبه يتمادى! ليه بتخليه يعمل كده فينا؟! ازاي تفضل ساكت؟ خلاص سليم بدأ يدوس على الكل، وهيدوس عليك إنت كمان يا عزت، يا راوي! بس أنا مش هسيبه غير لما أدفعه الثمن وإلا مكنش رشدي الراوي.ط وهقتله والله العظيم لقتله بس بعد ما دمره وحرق قلبه
اقترب عزت منه ببطء، نظر إليه من أعلى لأسفل، ثم ضربه بقوة على وجهه، صفعة كادت تهز رشدي على الأرض.
رشدي بغضب شديد، هتف: وكمان بتضربني؟!
عزت بصوت حازم،: لأنك غبي ومش عايز تتعلم يا رشدي بعد كل السنين دي، لسه مش عايز تتعلم، مع إنك الفترة الأخيرة بدأت تتحسن وتثبت وجودك وخلتني أبدأ أعيد تفكيري فيك، بس إنت رجعت نفسك بطريقتك دي، واللي عملته قدامي لقبل الصفر كمان…إنت كنت ماشي صح، وأنا كنت سايبك، بس لما دخلت ماسة في الموضوع، غلطت وتستاهل اللي حصلك، دي مش بس خيبة وضعف، دي هبل غباء بتستفزه بإيه؟ بماسة؟! عارف ليه؟! لأنك ضعيف؟ وخايب؟ لو كنت قوي يا رشدي، كنت هتعرف تتكلم مع سليم بذكاء، بس لأنك ضعيف، خليته يعمل فيك كده وأكتر، رجل الأعمال اللي يستفز غريمه بواحدة ست مهما كانت هي مين, أو يبتزه بيها، يبقى ضعيف، وحكم على نفسه بالنهاية قبل البداية.
صافيناز، التي كانت تراقب الموقف بحذر، تدخلت وقالت بحذر:
أنا معاك يا باشا إن رشدي غلّط، لكن برده، يا باشا سليم غلط. حضرتك سايبه يتمادى بزيادة لدرجة إنك مابتحاسبوش لو مد إيده على حد فينا أو رفع علينا مسدسه، رغم إن إحنا إخواته مش أعدائه؟ حضرتك ليه سايبه كده من غير حساب؟ هو احنا مش أولادك ولا ايه؟والا للدرجة دي خايف على المجموعة تضيع؟ فبتخليه يدوس علينا براحته.
نظرت فريدة لها بدفاع: سليم عمره مامد إيده على حد فينا يا صافيناز، ولا رفع مسدسه على حد فينا، رشدي لأنه قليل الأدب ومستفز، عمل كدة معاه، دي مش أول مرة سليم يقول له ماتقولش لمراتي الكلمة دي وهو مصمم، راجل بيغير على مراته، أي حد مكانه هيعمل كده..
وجهت نظراتها لعماد وتساءلت بمكر: ولا أنت شايف إيه يا عماد؟ ممكن تسمح لحد يقول على صافيناز سندريلا قلبي.
هز عماد رأسه ورد بمكر: أكيد لا، مش هسمح. طبعًا أنا معاكي، رشدي غلطان، ليه تجيب سيرة ماسة؟ يعني مالهاش لزمة، إنت عارف ماسة بالنسبه لسليم خط أحمر مادسش على الجرح وبعدين تشتكي من الألم.
اكملت فريدة بوضوح: بالظبط، ماتغلطش يا رشدي وبعدين تشتكي من توابع اخطائك، بعدين هات لي مرة واحدة سليم يا صافي عمره مد إيده عليكي أو غلط فيكي، برغم إن جوزك قبل كده غلط غلطة كبيرة، وأنا متأكدة زي ما أنت متأكدة إن أنت كنتي عارفة بس ماحاسبكيش ولا حتى خلى الباشا والهانم يقربوا منكم.
صافيناز بنبرة حازمة: طبعًا، مين هيشهد له!! أنتي وياسين في الأمان وعلى رأي المثل احنا ولاد البطة السوداء.
تنهد ياسين بهدوء: أحنا كلنا اخوات يا صافيناز وسليم كلامه كله كان متوجه ليا أنا وفريدة، مش عايزنا نكمل في الشغل ده خايف علينا، رشدي بقى اللي اتدخل في الموضوع واستفزه بماسة.
صافيناز بصوت مليء بالغضب والتحدي: يعني سليم ماغلطش ورشدي اللي غلط، سليم كمان لازم يفوق، لازم تعرفوه حقيقة حدوده، لأنه بدأ يعديها! ولو هو مامدش إيده عليّا قبل كده، يا أستاذة فريدة، بكرة هيمد إيده، لأن ماسة نقطة ضعف سليم، وحضرتك عارفة يا مامي سليم ممكن يعمل معانا إيه لو حد فينا قرب من ماسة! النهارده كسر إيد رشدي ورفع عليه المسدس، الله أعلم بكرة هيعمل إيه؟ هيقف في وش مين؟لمجرد إنه قال كلمة ماعجبتوش عن “ست الحسن” على رأي رشدي؟ خليتوه ملك؟ مبروك عليه، بس ياريت تعرفوه حدوده معانا، وتفكروه إن احنا اخواته، لأن إحنا أكيد مش هنسكت لو فكر يغلط فينا، ولو هو بيعرف يستقوى، إحنا كمان بنعرف نستقوى احنا كمان ولاد عزت الراوي و فايزة رستم اغا مش كفايه سايب مراته تهددنا وعديناها نسيت نفسها الحشره ان هي بتكلم اسيادها.
فايزة، بنبرة هادئة بعقلانية: صافيناز هي مش حرب. وأكيد احنا هنكلم سليم بس ياريت إنتي كمان تاخدي بالك من كلامك إنتم اخوات، ايه اللي انتم فيه؟ امتى هتحبوا بعض بقى.
صافيناز مستنكرة: مش لما هو يحبنا.
عزت بتأكيد: بيحبكم، والله بيحبكم وصبره عليكم محبة.
ابتسم رشدي ابتسامة خبيثة: يعني الموضوع هيعدي عادي عشان الأستاذ فقد بنته وحياته اللي بقت في علم الغيب!! يعني كده عادي بقى لما يبهدلنا، ويضربنا بالجزمة؟ مش كفاية إديتله كل الأسهم؟ ماتتعبيش نفسك يا صافيناز مهما قولنا مهما اتكلمنا مافيش فايدة.
عزت بنظرة حادة: كلمة كمان يا رشدي والأسهم مش هتروح له، بس بحق الإدارة هتروح له بيع نهائي.
رشدي بتساؤل مستفز: أنا عايز أعرف كل ده ليه؟
عزت وهو يرمق رشدي بنظرة حاسمة، أجاب:
عشان اللي بتعمله ده، عصبيتك وهجومك وفشلك. هو دايمًا اللي مخليني حاطت إيدي على سليم، لأني مش لاقي غيره ومضطر أستحمل عصبيته وجنونه وكبريائه، عشان مايتهدش كل ده فوق رؤوسنا
قلت لك قبل كدة وهقول لك تاني، إثبت ولائك، إثبت قوتك، هتتحط في الإختيار. بس طول ماسليم موجود ومثبت إنه يستحق، هو اللي هيتحط على الكرسي، ومستعد أسمع كلامه وأقول له حاضر لأنه مابيغلطش. وبعدين، فعلاً أنا كمان، بفكر جدًا أبعد عن شغل الآثار .حقيقي إحنا بقينا مش محتاجينه. بس مش هينفع أقول له حالياً، عشان مايحسش إني بسمع كلامه، لازم ده يكون بأوامر مني، أنا من بعد حادثة سليم حرفيا كنت همنع أي شغل ممكن يسبب أي مشاكل، بس لأن المقبرة دي كانت موجودة فقولت نخلص منها لأن بقى لها كتير..عموما أنا مش عايز كلام كتير إنت اللي غلطت وتستحق اللي حصلك..
عزت وهو يرفع صوته: خده يا عماد، خليه يداوي جرحه عشان تاخد حق ياسين يا رشدي
أسند عماد رشدي وقبل ان يتحرك به قال، عزت بمكر وهو ينظر لرشدي:
قل لي صح يا رشدي، هو أنت ليه مافكرتش أنا بعت ياسين ومابعتكش انت ليه؟! عارف ليه!!! أقولك أنا: عشان إنت مازلت الأضعف والأفشل وده بسبب عصبيتك واندفاعك. واستخدامك أساليب الاستفزاز الغبية زيك، أختك دي شبهك، نفس الطمع، نفس الكره، بس ذكية. تعرف إمتى تستخدم ذكائها.
رفع عزت، صوته بقوة، وقال بتحذير:
أنا صاحي لكم أنتم الاثنين، وأي غلط هيحصل، أو أي حاجة هتحصل لسليم هعتبركم أنتم اللي مسؤولين، وساعتها مش هستنى سليم يدفنك حي، أنا اللي هدفنك حي.
تحرك رشدي مع عماد وخرجا معًا إلى الممر.
رشدي بنبرة مليئة بستفزاز: شفت اللي حصل؟
عماد بنبرة هادئة لكن مليئة بالضجر: إنت غلطت يا رشدي. بطل الاندفاع والعصبية دي، وبطل إللي أنت بتعمله ده هيلبسنا في الحيطة،
( أكمل بغضب). أصلاً كنا هنكسره بيها، رايح تقول للكل وتقول له إحنا عارفين؟ غبي.
توقف رشدي، وهو يضحك بسخرية، أمسك كتفه، قال بغل: غبي؟ماشي طب أنتم بقى هتشوفوا الغبي ده هيعمل إيه قريب، أنا اللي هخلي سليم يقع. وهامشي ماسة من القصر عشان ساعتها سليم ينكسر وينتهي.
نظر عماد له مستخفا: إدينا مستنيين، يا أستاذ رشدي. بس يا ترى إمتى الكلام ده؟
رشدي، وهو يبتسم ابتسامة خبيثة: قريب أوي، بس اصبر شوية ..الصبر،.
💕________________بقلمي_ليلةعادل
سيارة سليم، الرابعة فجرًا
في هدوء الليل، تتحرك السيارة بسلاسة، يقودها مكي بينما يجلس سليم بجانبه، وخلفهما سيارات الحراس تتابع بصمت. الجو داخل السيارة مشحون، وسليم يبدو حاسمًا كعادته.
سليم، بصوت هادئ لكنه يحمل أمرًا واضحًا:
أنا عايزك تجيب لي كل المعلومات عن سوت. مين هو، شغال مع مين، بيشتغل في إيه، سواء الشرعي أو غير الشرعي، مين أعداؤه ومين أصحابه، كل تفصيلة. وده يحصل بسرعة. إزاي؟ مش مشكلتي. بعدين تحددلي معاه ميعاد، ولو مش في مصر، ييجي مصر. الكلام ده يحصل النهارده أو بكرة بالكتير. أنا مش عايز أعمل مشاكل مع حد ولا أفتح جبهات. قل له سليم الراوي عايز يتكلم معاك.
هز مكي رأسه بابتسامة واثقة: اعتبرها خلصانة.
سليم، بنفس النبرة الحازمة: وكلم نيكولاس، حدد معاه ميعاد النهارده قبل ما أقابل سوت.
مكي، بحذر: مش هيحصل حاجة، الموضوع هيخلص على طول. أكيد سوت ده مايعرفش الشغل تبعكم.
سليم، ببرود خطير:لو مايعرفش، يعرف. ونعلمه بعد كده. لما يدخل الشغل، لازم يعرف مين اللي تبعه. هو حظه إن أنا مش عايز مشاكل.
مكي بعقلانية: بس خد بالك، إخواتك مش هيسكتوا. مش هيوافقوا توقف شغل بيجيب ملايين من تجارة الآثار. وشغل الألماس والذهب، بعدين هيدخلوا إزاي فعلاً؟ أنت بتحتاج كميات كبيرة.
سليم، بهدوء الواثق: إحنا عندنا مناجم مشتركين فيها بنسبة كبيرة، وده بيوفر طرق شرعية. الفرق الوحيد اللي هيحصل، بدل ما كنا بنبيع، هيبقى عندنا اكتفاء ذاتي بشغلنا. مش هنبيع بنفس الكمية، وده اللي هيفرق. وبعدين، هتتحل. أنا هظبطها. مش عايز مشاكل. ولو عايزين يستمروا، يستمروا. بس فريدة وياسين لأ. مش هيعرفوا يسلكوا. ياسين طيب، ما بيعرفش يقول لأ، يقعد يقول لك “أبويا وأخويا الكبير، ولهم احترامهم، والكلام ده ماينفعش مع دول.
مكي بتفكير عميق: المهم…خد بالك. يعني بعد اللي إنت عملته في رشدي، ما أعتقدش إنه هيعديها.
سليم بابتسامة ساخرة: أنا المفروض أخاف من رشدي؟
مكي، محذرًا بعقلانية: الحذر لا يمنع قدر، من رأيي، أحذر من أي حد يا سليم. كنت دايمًا بتقول اللي بتفتكره مايقدرش يعمل حاجة، هو اللي بيطلع بيعمل كل حاجة ماتستهونش بحد مهما كان حجمه، الناموسة برغم حجمها الصغير لكنها قادره تقلق منامك. فما تخليش كبرياءك يعميك.خليه تحت عينك وخلاص.
سليم، بهدوء قاتل: ماشي.
قصر الراوي الخامسة صباحًا
في جناح سليم وماسة
كانت ماسة جالسة على الفراش تنتظر عودة سليم، القلق يسيطر عليها، تمسك هاتفها وتحاول الاتصال به لكنه لا يرد. بعد دقائق، فُتح باب الجناح ودخل سليم، فور أن رأته ماسة ركضت نحوه والقلق يملأ وجهها.
ماسة بصوت مرتعش: سليم، في إيه؟ ياسين مالُه؟ مكنتش بترد ليه عليا؟؟ قلقتني.
سليم محاولا تهدئة نفسه، جلس على الفراش، فتح الكومودينو، أخذ حبة مسكن وبلعها مع القليل من الماء. كانت ماسة واقفة أمامه تنتظره يتكلم بفارغ الصبر وبعد لحظات رفع عينيه إليها وقال بهدوء ثقيل:
اتضرب برصاصة، بس الحمد لله كانت في كتفه، هو كويس تليفوني كان في العربية مامسكتوش خالص ولا حتى بصيت عليه.
اتسعت عينا ماسة من الصدمة، جلست بجواره وهي تحاول استيعاب كلامه: يعني إيه اتضرب عليه رصاص؟! وجت في كتفه! مجرد إنه اتضرب عليه رصاص دي حاجة كبيرة! مين؟! اللي عملوا فينا الحادثة؟
سليم بحزم: تفتكري لو كان حد منهم، أنا كان زماني قاعد قدامك؟ لا طبعاً.
ماسة بذهول: أمال إيه؟
سليم بنبرة جادة قال بتوضيح: كان عنده شغل، والناس اللي بنديهم الشغل عندهم مشاكل مع ناس تانية، أنا بكرة هاجتمع معاهم وأشوف حل، ماتقلقيش
هدأت ماسة قليلًا، مسحت وجهها بتوتر، وهي تفكر بصمت، عقلها مليء بالتساؤلات، فهذه العائلة لا تعيش سوى في صراعات بلا نهاية، فهذه ليست أول مرة يحدث فيها شيء كهذا ثم قالت ماسة وهي تنظر له بعد ثواني من الصمت.
ماسة بصوت خافت: هو في إيه بالضبط؟ أنا مش فاهمة حاجة.
نظر لها سليم متعجباً: مش فاهمة إيه؟
ماسة بصوت مضطرب: كل شوية حد فيكم يتصاب، مرة أنت، مرة رشدي، ودلوقتي ياسين، حتى عماد اتضرب بالنار وأنا اتخطفت زمان، والحادثة اللي حصلت لنا، وبنتي اللي اتقتلت فيها!
اكملت بنظرة حاده متسائلة بقلق:
أنتم بتشتغلوا إيه بالضبط؟! وأوعى تقولي إن كل الناس الكبار اللي شغالين في الحاجات الكبيرة بيحصل لهم كده، أنا عشت ١٥ سنة مع منصور، وما حصلش أي حاجة شبه دي! أنا ماشفتش الكلام ده غير معاك.
سليم بسخرية مستهزئًا: ومين قال لكِ بقى إن منصور متعرضش؟ هو عشان انتِ ماشفتيش بعينك يبقى ماحصلش؟ انتِ ماشفتيش يا ماسة، غير إللي هم عايزينك تشوفيه وبس! لكن خلف الكواليس في كوابيس..
أكمل موضحاً بصوت منخفض لكنه يحمل قوة قاتلة:
منصور اتضرب عليه نار مرتين، وقعد في القاهرة ورجع لكم كويس، وبعدين منصور ده كان شغال عندنا! الأعداء لما بيحبوا ينتقموا، مابينتقموش من العيال الصغيرين اللي شغالين عندنا، مابيقربوش من الصبيان، بلغة السوق… بييجوا علينا إحنا، إحنا اللي مركز خطر عليهم، خصوصًا أنا!
نظرت ماسة له بقلق: طيب ماشي، معاك، بس إيه هو الشغل اللي ممكن يوصل إنكم تتعرضوا للقتل؟ قتل يا سليم، مش أي حاجة!
تنهد سليم وهو يحاول ضبط أعصابه:
أنتي عارفة إننا بنشتغل في الذهب والألماس، فاكرة إن ده حاجة سهلة؟ والكميات اللي بنجيبها عادية؟
ماسة بحدة: بس أنت قلت لي إنك خلصت على الناس اللي كانوا بيئذوكم! إيه اللي جد؟
سليم بهدوء قاتل قال بتوضيح: ما أنا أهو عمال أفهمك، كان عندنا شغل كنا بنسلمه، والشخص اللي بنبيع له الشغل عنده مشاكل مع حد تاني، استنى يوم التسليم، عشان يسرقوه منه، فضربوا نار، فمش إحنا المقصودين،، خلاص اطمنتي.
زفرت ماسة بضيق: بس ليه تشتغلوا في حاجة فيها خطر؟
ضحك سليم وقال بتفسير: ماسة ياعشقي، إحنا لو بنبيع سبح ومصليات ومحتكرين بيهم مصر مش هقول لك الشرق الأوسط، هيبقى عندنا أعداء! تخيلي بقى وإحنا محتكرينه بالأحجار الكريمة والذهب بكل أعيرته في الشرق الأوسط، وبننافس عالميًا، إحنا من أكبر ثلاثة مصدرين أحجار كريمة وذهب في العالم!
نظرت له بتمعن،وأكمل:
ومش بس الذهب، في صناعات كتير، القمح مثلًا، إحنا العيلة رقم واحد في الشرق الأوسط اللي بتستورد قمح وفول الصويا ومواد غذائية كتير، الموضوع ملوش علاقة خالص بشغل غير قانوني، عشان أنا عارف دماغك رايحة فين.
نظر سليم لها بثبات وتابع:
أنا ماشتغلش في حاجة غلط، حتى شغل الذهب اللي أنتِ كنتِ قلقانة منه بعدت عنه عشانك، وقفلت لكِ المنجم اللي كنتِ عايزة تقفليه، واللي عمل فينا كده صدقيني، أنا معرفش هو عملها ليه، ماعنديش عداوة مع حد ممكن توصل لكده… إلا شخص واحد، وأنا خلصت موضوعه من زمان، وبرده دورت وراه وماطلعش هو، وأديكِ شايفة، من ساعة مشكلة رشدي ماحصلش أي حاجة تانية.
ماسة بصدق: كل اللي محتاجاه ياسليم إننا نعيش بهدوء، أنا بجد حاسة إني عايشة في صراعات وحاجات أكبر مني، مش دي الحياة اللي كنت بتمناها، فجأة حياتي اتقلبت.
سليم بحب أمسك يدها: عشان تقدري خوفي عليك، عموما إن شاء الله قريب هنخلص من كل ده يا ماسة وهترجع حياتنا طبيعية ماتقلقيش ياعشقي.
نظرت ماسة له بعينين ممتلئتين بالحيرة:
أنا مستوعبة خوفك، وكل مابيحصل حاجة بستوعبه أكتر، بس برضه، دي مش حياة، مش حياة يا سليم!
تجاهل سليم كلامها وسألها بحدة: قولي لي بقى، إيه اللي كان مقعدك مع عماد ورشدي؟ وكنتِ بتقولي لرشدي إيه؟انا فاكر مش ناسي.
نهضت ماسة سريعًا وقالت ببرود: قوم غير هدومك وشوف عايز تاكل إيه، أنزل أعمل لك الأكل والا تنام؟
استشاط سليم غضبًا، زمجر وسحبها من معصمها بخشونة، فاختل توازنها وسقطت بجانبه على الفراش. نظرت له بذهول، بينما كان يحدق في عينيها بقوة وشراسة.
قال سليم بصوت منخفض لكنه يحمل تهديدًا واضحًا: ردي على سؤالي، بهدوء.
ماسة بصوت مرتعش باتساع عينيها: إنت اتجننت؟!
سليم بنفس هدوئه المخيف: لسه ماتجننتش…
اقترب أكثر، همس في وجهها ببحه رجوليه قاتمة: قلت ردي.
نظرت ماسة له بصمت للحظات، وكأن عقلها لا يستطيع استيعاب الوضع، ثم مسحت وجهها وقالت باضطراب:
أنا نفسي أفهم، إنت فيك إيه؟ بتتعصب كده ليه؟! إيه المشكلة لما أقعد مع أخوك وجوز أختك؟ هو أنت شفتنا قاعدين فين؟ والا قاعدين بنعمل إيه؟! محسسني إننا…
سليم قاطعها بقوة: اتكلمي بأدب، وبلاش الأمثلة الوقحة دي! سألتكِ سؤال عادي، وأظن من حقي أسألكِ، انتِ مراتي! ها قعدتي معاهم ليه؟ وبتقولوا إيه؟ ردّي يلا، أنا سامعكِ.
جزت ماسة على أسنانها وهي تغمض عينيها تحاول لجم غضبها قالت:
يعني كنا بنتكلم عادي، مافيش حوار مهم، كلها تفاهة، أنا حتى مش فاكرة، يعني مرة قالي عماد هتنزلي الشغل؟ قلت له لا. سليم عامل عليا حظر تجول! انتِ زعلانة؟ لا مش زعلانة، ساعات بنتفرج على التلفزيون سوا، أوقات كنا بنقعد نلعب الشايب مع بعض، ورشدي علمني شطرنج. ماقعدناش كتير، يعني زي ما أنت فاكر، أربع خمس مرات بس، عشان هما بيجوا متأخرين، وأنا ببقى قاعده بالليل. إيه المشكلة؟ لما يقعدوا معايا بكل أدب، كانوا بيسلوني.إنت بتنام بدري،، هو لو حد فيهم كان تواقح معايا كنت هسكت له؟! أنا عايزة أفهم بس اللي إنت بتعمله ده غيرة؟
سليم بصوت منخفض لكنه حاد بتأكيد: أكيد غيرة، وأنا مابحبكيش تقعدي مع أشكال زي رشدي ولاا عماد. ايه مابتخافيش على نفسك، الاتنين ساعات بيرجعوا سكرانين. طب عماد بيبقى واعي، لكن رشدي مش خايفة يعمل فيك زي ما كان هيعمل قبل كده.
ردت ماسة بإصرار: لا، مش خايفة، بطل طريقتك دي وخوفك الزيادة ده.
سليم بتهديد قاسي: طب يا ماسة، قرار! ولو ماتنفذش، مش هتخرجي من باب الأوضة ده تاني..
صمت لوهلة قائلا بحسم:
لا، أنتي من اللحظة دي مش هتخرجي من باب الأوضة تاني.(أشار بيده) عندك التلفزيون، عندك الكمبيوتر، هتقعدي هنا، قعدة تحت، وسهر تحت. مش هيحصل، هتسهري هنا.
ماسة بحدة وغضب: ماتجيب لي زنزانة وتحبسني أحسن! ولا كلبشني في رجل السرير
سليم بنبرة قاسية باردة: صدقيني يا ماسة، هيحصل لو فضلتِ معاندة، ومتمردة ومابتسمعيش الكلام. أنا بقول لكِ أهو، سهر بالليل هيبقى هنا طول ما أنتِ مابتحترميش كلامي وما طبتسمعيش الكلام. من الليلة سهرك في أوضتك هنا وبس.هتقعدي تحت زي ما انت عايزه مجرد ماهطلع انام هتطلعي معايا تقعدي تعملي كل نفسك فيه هنا سهر لوحدك تحت ثاني ممنوع موضوعك ده كمان محتاجين نتكلم فيه بس خلينا في موضوع الاساسي اهم.
ردت ماسة بتهكم: ولو ماسمعتش الكلام، هتعمل إيه؟
نظر سليم داخل عينيها بقوة وتهديد بقسوة: جربي انتِ بس ماتسمعيش الكلام، وشوفي أنا هعمل إيه!
ماسة بضيق: إنت بقيت حاجة صعبة أوي!
سليم بهدوء: انتي اللي وصلتيني لكده. يلا انزلي حضر لي الأكل عشان جعان، جوزك جعان!
انتهى من كلامه ونهض سليم، وتوجه إلى المرحاض.
ظلت ماسة جالسة غاضبة، وهي تجز على أسنانها بوعيد:
حاضر، ماشي يا سليم، هسهر هنا، بس والله لا أوريك!
بعد وقت قليل، خرج سليم من الحمام، يجفف شعره بمنشفة، بينما قطرات الماء لا تزال تلمع على بشرته. كان يبدو هادئًا، غير مكترث للعاصفة التي تدور داخل ماسة. كانت جالسة على طرف الفراش، عيناها تشتعلان بالغضب، لكنها لم تكن تريد أن تُشعل حربًا أخرى معه الآن.
رأت سليم يلتقط هاتفه من فوق الكوميدينو، ثم جلس على الأريكة يلعب بهاتفه، لا يكترث بنظراتها.
تنهدت ماسة، ثم تقدمت نحوه بصمت وقالت ببرود:؟ عايز تاكل إيه؟
رفع سليم عينيه إليها، تأملها للحظات قبل أن يقول بصوت منخفض: اللي يريحك.
زمّت شفتيها، تحاول السيطرة على مشاعرها، ثم خرجت من الجناح بخطوات سريعة واتجهت إلى المطبخ. فتحت الثلاجة بعصبية، أخرجت بعض المكونات، وبدأت في تحضير العشاء له، بينما عقلها يعمل بسرعة، تبحث عن طريقة للرد على قراره بحبسها داخل الجناح.
لم تكن هذه هي الحياة التي تخيلتها. لم تتوقع أن تعيش كعصفور حبيس، ممنوعة حتى من الجلوس مع عائلته. نعم، أصبحت تعرفهم جيدًا وتدرك أنهم يكرهونها، لكنها تشعر بالاختناق بسبب تحكماته. تعرف أن سليم متملك، لكن الأمور ازدادت سوءًا.
سمعت صوت خطوات خلفها، فاستدارت بسرعة لتجد هبة تقف عند باب المطبخ، تنظر إليها بتعب واضح.
سألتها ماسة وهي تحاول إخفاء توترها:إنتِ لسه صاحية؟
ردّت هبة وهي تفتح أحد الأدراج بحثًا عن علبة السريلاك: نالا مش عايزة تنام، فقلت أنزل أحضرلها سيريلاك.
لم ترد ماسة، فقط عادت لتقطيع الخضار، لكن هبة تقدمت منها قليلًا وقالت بصوت خافت: مالك؟ شكلك مش على بعضك.
أخذت ماسة نفسًا عميقًا، ثم قالت وهي تقطع الخضار بعصبية: سليم قرر يحبسني في الأوضة، وسهر الليل بقى ممنوع… كل ده عشان شافني قاعدة مع رشدي وعماد.
رفعت هبة حاجبيها بدهشة قبل أن تهز رأسها ببطء، ثم قالت بنبرة شبه ساخرة: وده جديد؟ ما انتي عارفة إنه مش بيحب حد يقعد معاكي، خصوصًا رشدي…ده حتى ياسين بيتضايق.
أكملت بنبرة أكثر سخرية: كويس إنه سايبنا إحنا نقعد معاكي!
طعنت ماسة السكين على الطاولة بقوة، والتفتت إليها بعينين مليئتين بالغضب: أنا مش عيلة صغيرة! ومش لعبة في إيده يتحكم فيها زي ما هو عايز!
نظرت هبة إليها بصمت للحظات، ثم قالت بنبرة فيها سخرية:
بس انتي بتحبيه، مش كده؟ ولازم تتحملي عشان تحافظي على حبك، مش ده كلامك معايا؟ ياما نصحتك، وانتي ماكنتيش بتسمعي، حتى كنتي بتزعلي مني.
لم ترد ماسة، فقط زفرت بضيق وأشاحت بوجهها بعيدًا: خلاص يا هبة انتي دمك بقى يلطش.
قبل أن ترد هبة، استدارت ماسة لتجد سليم واقفًا عند الباب، ينظر لها وإلى هبة بنظرة جعلت الهواء في الغرفة يثقل فجأة.
هبة بابتسامة متوترة خائفه ان يكون استمع للحديث: صباح الخير يا سليم..، تعرف ياسين راجع امتى؟
سليم بهدوء: صباح النور، لا معرفش، بس ممكن يطول عنده مشكلة.
هبة أومأت برأسها: تمام.
عادت لمتابعة ما كانت تفعله، بينما سليم نظر إلى ماسة نظرة طويلة بصمت.
ماسة نظرت له بجفاء: يلا، العشا اقصد الفطار خلّص؟
حملت ماسة الصينية التي عليها الأطباق في صمت، ثم خرجت من المطبخ متوجهة إلى السفرة، وسليم يتبعها بنظرات غامضة.
– السفرة
جلس سليم على الطاولة يتناول طعامه بهدوء، بينما كانت ماسة تراقب كل شيء بصمت.
وضعت ماسة الأطباق أمامه، ثم جلست في مكانها دون أن تنطق بكلمة. كان سليم يحتل مقعده الرئيسي بجانبها، يتناول طعامه ببرود كأن كل شيء طبيعي.
سليم دون أن يرفع عينيه إليها: مش هتاكلي؟
ماسة ببرود، وهي تحرك الشوكة في طبقها بلا اهتمام: مش جعانة.
رفع سليم نظره إليها، تأملها للحظات قبل أن يسأل بحِدّة خافتة: والا زعلانة عشان اللي حصل؟
ضحكت ماسة بسخرية: هو إنت بتعمل أي حاجة تزعل؟
في تلك اللحظة، دخل رشدي إلى السفرة، يرافقه عزت وفايزة. كانت ذراعه المكسورة ملفوفة بجبيرة، بينما بدت فايزة وعزت غير مكترثين بالموقف. نظرت ماسة إلى يد رشدي المصابة بدهشة، إحساسها الداخلي يخبرها أن سليم وراء ماحدث، لكنها أرادت التأكد من شكوكها.
ماسة متسائلة: إيه اللي حصل؟!
نظر رشدي إلى سليم نظرة مشتعلة، ثم رد بصوت هادئ لكنه يحمل استفزازًا واضحًا: اسألي جوزك.
ثم توجه مباشرة إلى الطابق العلوي، متجاهلًا الجميع.
شعرت ماسة بغضب يجتاحها، جزّت على أسنانها ثم استدارت مجددًا إلى سليم، الذي كان لا يزال يأكل بصمت، وكأن شيئًا لم يكن.
ماسة بصوت غاضب ومتعجب: إنت اللي عملتها؟
رفع سليم عينيه إليها ببرود وقال ببساطة: آه.
اقتربت ماسة منه أكثر، بصوت يحمل ضيقًا مكتومًا: ليه؟
سليم، وهو يكمل طعامه دون أن يرفع نظره لها: عشان قليل الأدب بيستفزني بيكي، بس أنا سكّته.
ماسة بحدة: بيستفزك إزاي يعني؟!
وضع سليم الشوكة جانبًا، وقابلها بنظرة حادة: لأن حضرتك السبب. كلامك معاه، وطريقتك اللي خلّته يحس إنك محبوسة ومقهورة، خَلّتُه يطوّل لسانه. بس أنا سكّته.
مسحت ماسة وجهها بتعب، تشعر أن الأمور تزداد سوءًا: إنت بجد بقيت صعب أوي.. هو إحنا مش اتفقنا إنك مهما حصل مش هتخليهم يستفزوك؟
سليم بجمود: إنتِ اللي أديتي له الفرصة، يا ماسة، وأنا كنت قد وعدي.
ماسة بعصبية: لا، أنا ماديتلوش الفرصة! إنت اللي اديته الفرصة! رشدي ماخدش مني كلمة واحدة، لما سألني، وقلت له بكل وضوح: “خليك في حالك، مالكش دعوة، أنا مبسوطة كده. لكن هو عرف يستفزك إزاي هو طلع أذكى منك.. عرف يدخل لك منين. كان المفروض تقول له “مالكش دعوة” وتسكت، ماتردش عليه! لكن إنت أثبتّ له إن في مشكلة بيننا.. وكسرت له إيده!
تراجع سليم بظهره للخلف، ونظر إليها ببرود: المشكلة اللي بينا؟ إنتِ شايفة إن في مشكلة، يا ماسة؟
ماسة بتوضيح: لا بس إنت فهمته كدة لأنك ماعرفتش تمسك نفسك..
ارتسمت على شفتي سليم ابتسامة خافتة، لكن عينيه كانت تلمعان بالغضب: مش عارف أمسك نفسي؟ ولا المشكلة إنك مش عارفة تتحكّمي في نظراتك؟
عقدت ماسة حاجبيها بدهشة: إنت بتتكلم عن إيه؟
انحنى سليم قليلًا نحوها، خافضًا صوته، لكن نبرته كانت قاطعة: عيونك، يا ماسة.. والطريقة اللي بتبصي بيها، هي اللي خلّته يتجاوز.. حسّسته إنك محبوسة ومش راضية عن اللي إنتِ فيه…. بس أنا حليت الموضوع بطريقتي.
ماسة باندفاع: بطريقتك اللي كل مرة بتزيد الطين بَلّة وتسوء؟!
تنفّست بعمق في محاولة للسيطرة على انفعالها: إنت بطّلت عصبيتك دي بقالك سنين.. إيه اللي حصل؟ ليه رجعتلها تاني؟؛ ليه بتحاول تثبت للناس إنك طلعت من الحادثة متغيّر ورجعت زي الأول؟ المفروض كنت تحل الموضوع بالعقل، بالهدوء.. كنت هتستفزه أكتر لو طنشته كأنه مش موجود! أنا لو مكانك، كنت عملت كده..
اقتربت أكثر منه، أمسكت يديه، ونظرت مباشرة إلى عينيه بحب تحاول اقناعه: وحياتي عندك، كفاية.. إنت وعدتني قبل كده إنك مش هتتعصب مهما حاولوا يستفزوك بيا.. مش كده؟
نظر سليم إلى يديها التي تحتضن يده، شعر بوخزة ألم داخلية، ثم تمتم بمرارة: إنتي السبب يا ماسة؟ إنتي السبب.. إنتي اللي خليتيني أرجع زي ما كنت!
هزّت ماسة رأسها بقوة: أنا ماعملتش حاجة، سليم أنا قبلت الحياة دي عشانك.. عشان بحبك، ولو انا مغيرة طريقة نومي وحياتي وسلوكي فده لأني مش لاقية حاجة أعملها ولقيت في الحياة دي، وقت بيضيع وعرفت أشغل في نفسي، لكن لما كنت بصحى الصبح الوقت كان بيبقى طويل قوي عليا، أرجوك ساعدني.. يلا، أوعدني! أوعدني إنك مهما حصل، ومهما عملوا، مش هتخليهم يستفزوك.. سيبهم يتكلموا، مش مهم! ارجع سليم حبيبي الهادي.
سليم بتنهيدة ثقيلة: حاضر، هحاول.
تبسما ماسة بحزم: لا، إنت مش هتحاول.. إنت هتوعدني! ورحِمَة حور، يا سليم، مهما استفزوك بيا، أوعى تتعصب!
حاول سليم أن يتملّص من الضغط، لكنه وجدها تحيطه بإصرار أكملت بعقلانية: إنت معاك النسبة الأكبر في المجموعه. خد حقك بيها، علّمهم الأدب بيها، لكن متكسرش إيد حد، متزعقش، متضربش، مترفعش مسدسك على حد.. القوة الحقيقية هنا، في عقلك.
سليم بحدة: إنتِ عايزاني أسيب رشدي يتكلم عليكِ ويقول عليكِ ست الحُسن، وأسكت؟!
هزت ماسة رأسها: لا، بس بالعقل، مش بالعنف!
سليم ببرود: اللي عملته صح، وهو يستاهل.. هو ماستفزّنيش بيكِ بس، هو نطق اسمك بطريقة عارف إنها هتعصبني.. كان لازم يعرف إنّي مش بهدده، بس.
ماسة برجاء: طب أوعدني، وحياتي عندك.. قولي، ورحمة حور، مهما عملوا، مهما استفزوني بيكي، مش هعمل حاجة.. مش هرجع للعنف.
نظر إليها سليم مطولًا، ثم تمتم بتنهيدة ثقيلة: حاضر يا ماسة.. وعد، أكيد مش هقتل إخواتي يعني.
ماسة بجدية: قُول ورحمة حور.
أغمض سليم عينيه للحظة، ثم فتحهما، ونطق ببطء: وحياتك إنتِ عندي يا ماسة.. مش هعمل حاجة تاني..حاضر، هأدبهم بنسبتي.
ثم نظر إليها نظرة طويلة، وأضاف بصوت خافت: بس وقت ماحس إني محتاجك تفكّيني من الوعد ده، فكّيني، ولازم تفهمي ان الوعد ده مختصر على إللي يخصك انت بس، لان رشدي حواراته كتير.
ماسة بابتسامة مطمئنة: حاضر.. بس إنت مش هتحتاج.. خليك عاقل وهادي.. وبطّل جنان.
نظر سليم إلى ماسة بعمق، عينيه تحملان مزيجًا من الحب والغيرة والاعتذار الصامت. مدّ يده إلى يدها، ومرر إبهامه برفق على ظهر كفها، كأنه يحاول أن يرمم ما أفسدته عصبيته منذ قليل.
سليم بصوت هادئ لكنه يحمل رجاء خفيًّا: لسه زعلانة مني؟
ماسة بابتسامة دافئة: أنا مابقدرش أزعل منك يا سليم.
سليم بحزن: بس إنتِ بقيتي عصبية اوي يا ماسة… ما كنتيش بتنفعلي كده زمان.
ابتسمت ماسة، لكنها لم تكن تلك الابتسامة التي تصل للعينين. بل كانت ابتسامة يكسوها الحزن، بينما عيناها تلمعان بالدموع التي تأبى النزول.
ماسة بصوت خافت: زمان كنت صغيرة يا سليم…كان في حاجات مش بفهمها. بس دلوقتي، في حاجات كتير اتغيرت… حتى إنت اتغيرت، ولو مش مدرك ده تبقى مصيبة. بس مهما حصل بينّا، ومهما كانت مشاكلنا وخناقاتنا، حبي ليك عمره مانقص..ولا هينقص أنا بحبك والله.
سليم وهو يمسح على يدها بحنان: وأنا كمان بحبك، يا ماسة… وهحاول أهدى شوية، لأن ماعنديش اي استعداد إني أخسرك، وإنتِ كمان حاولي.
ماسة تبسمت: حاضر. كنت عايزه أتكلم معاك في حاجة.
سليم بابتسامة جانبية: كنتِ عايزة تتكلمي معايا في إيه؟
ماسة بتردد: في موضوع منعك إني أسهر بالليل في اللفينج.
نظر إليها سليم للحظات قبل أن يتحدث بلهجة حاسمة لكنها هادئة: أنا مش مانعك من حاجة يا ماسة، بس لما نطلع على النوم، هتطلعي معايا. تقعدي تتفرجي على التلفزيون في أوضتنا، مش تحت عشان ميحصلش وتقعدي تاني مع رشدي وعماد عشان المرة الجاية ماكسرش إيد عماد ودماغ رشدي
ماسة بضحكة خفيفة: حاضر…مادام ده هيريّحك، بس ماتبقاش تتكلم لو عليت التلفزيون.
سليم محذرًا وهو يرفع حاجبه بخبث: أهم حاجة ماتعمليهاش بعند يا ماستي المتمردة عشان أنا سمعتك وأنتي بتقولي هتوريني.
تبسمت ماسة بتعجب: ماستك المتمردة!!
سليم وهو يميل نحوها بتسلية: أيوة… الفترة دي بقيتي متمردة توي.
ابتسم ثم مسح فمه بالمنديل قبل أن يقول بنبرة خافتة: تعالي نطلع أوضتنا.
ماسة بابتسامة خجولة: يلا.
أمسك يدها وسار معها إلى غرفتهم. بدأ كلاهما في تبديل ملابسه، ثم فجأة، اجتذبها سليم نحوه، وطوّق خصرها بذراعيه بقوة، همس في أذنها بصوت دافئ: وحشتيني.
ماسة وهي تبتسم بخجل: وانت كمان.
لم يحتاج الأمر لكلمات أكثر، فالمشاعر كانت تتحدث وحدها. نظر إليها سليم بعينين مشتعلة، وقبل أن تفكر، كان قد غرقا في دوامة من العشق الذي لم يترك لهما فرصة للهروب. ….
بعد وقت، كانت ماسة مستلقية على صدر سليم، الذي كان عاريًا، بينما بدا عليهما أثر تلك العاصفة العاطفية التي اجتاحتهما. كانت أنفاسهما لا تزال متقطعة، وهدوء الغرفة لا يقطعه سوى صوت أنفاسهما المتلاحقة.
سليم وهو يمرر أصابعه في شعرها بحنان: النهارده كنتي راضيه عني اوي.
ماسة برقة: راضية عنك؟
سليم بابتسامة جانبية: امممم… بقالي فترة ماعشتش معاكِب لحظة زي دي… حسّيت النهارده إنك بتحبيني ومشتقالي، رغم إننا كنا متخانقين من شوية. على عكس أوقات تانية… بحس إنك عادية، مش مشتقالي كدة مش بقولك هتجننيني.
ماسة بتنهيدة ناعمة: دي تهيؤات… وبعدين، المشاعر هي اللي بتنادي بعضها، يا كراميل
سليم وهو يضمها أكثر لحضنه: مظبوط.
ماسة: هتروح المجموعة
سليم: اممم بس ممكن أتأخر شوية محتاج أنام شوية.
ماسة: ماشي قبلته من خده.
ارتسمت على شفتيها ابتسامة صغيرة قبل أن تغفو بسلام بين ذراعيه، وكأنها أخيرًا وجدت أمانها و راحتها التي تبحث عنها.
💕_____________بقلمي ليلةعادل。⁠◕⁠‿⁠◕⁠。
((بعد وقت))
استيقظت ماسة ببطء، كان سليم ليس بجوارها، عيناها لا تزالان مثقلتين بالنوم، ، قبل أن تشعر بشيء بجوارها على الوسادة. مدت يدها بتكاسل والتقطت الورقة، لتجد بجوارها وردة حمراء نديّة كأنها قُطفت للتو.
عبست قليلاً، ثم جلست في السرير، فردت الورقة بيدين دافئتين، وبدأت تقرأ بصوت خافت:
ماسة، عشقي الأبدي❤️
صحيت ولسه مش قادر أسيب حضنك، مكنتش عايز أصحى وأبعدك عن قلبي. أول مرة بعد فترة تنامي في حضني زي زمان..لسه ريحتك محيطة بيا، يمكن كنا متخانقين، ويمكن كل يوم في بينا شد وجذب، بس مهما حصل، كل يوم بفوق على حقيقة واحدة… إنك لسه هنا في قلبي ولسه بتحبيني، ولسه أنا مجنون بيكِ.
ماسة، أنا مش أحسن راجل في الدنيا، يمكن أكون أصعب واحد تتعاملي معاه، بس إنتِ أكتر واحدة قدرتي تواجهي جنوني، وأكتر واحدة صبرتِ على طريقتي وفهمتني، أنا بحاول اكون الزوج إللي يستحقك، حتى لو ساعات بأتصرف بعصبية، حتى لو ساعات بخاف عليكِ بطريقة بتضايقك، بس إنتِ لازم تفضلي فهمه… إني لو كنت أعرف طريقة تانية أحبك بيها واحميكي بيها، كنت عملتها…
أنا رايح المجموعة هحاول متأخرش عليكي، خدي بالك من نفسك، هستنى تليفون منك، ولو احتاجتيني في أي لحظة، أنا هنا. بحبك جدًا، وقلبي معاكِ دايمًا..
أنهت القراءة، وظلت عيناها مثبتتين على الورقة، بينما أناملها تعبث بأطراف الوردة. شردت قليلاً، تتأمل كلماته التي تحمل مزيجًا من الحب والتملك والقلق المعتاد.ابتسمت بخفوت، ثم رفعت الوردة إلى أنفها، تستنشق عبيرها بعمق، وكأنها تحاول أن تشعر به، كأنه ما زال هنا.
همست لنفسها: مجنون.. بس بحبه.
وضعت الوردة جانبًا، ثم مدت يدها للهاتف، وكتبت له رسالة:
صحيت… لقيت جوابك، ولقيت وردتك… بس مكانك كان فاضي. خدت حضنك في الورق، بس لسه نفسي فيه بجد. اشتقت لك.
أرسلتها، ثم وضعت الهاتف على صدرها، وعادت تستلقي، تحدق في السقف بابتسامة صغيرة، قبل أن تنهض وتبدأ يومها.
فتح سليم الرسالة، وقرأ كلمات ماسة بتركيز.
مكانك كان فاضي واشتقت لك .. ابتسم بخفة وهو يشعر بسعادة غامرة، وكأن قلبه تلقى دفعة مفاجئة من الأمل. لحظات قليلة، ثم شعر بارتياح كبير لأنه رغم كل شيء، مازالت مشاعرها تجاهه قوية.
تنهد بعمق وهو يضع الهاتف على الطاولة. ابتسم لنفسه قليلاً، ثم عاد للتركيز في عمله، غالآن أفكاره أكثر هدوءًا. الرسالة من ماسة جعلت اليوم يبدو أفضل.
في فيلا عائلة ماسة.
الحديقة الثانية مساءً
جلس مكي وسلوى أمام بعضهما، وتوجد علبة شوكولاتة مربعة ملفوفة بشريط أحمر، بينما كانت سعدية تجلس معهما، تتحدث وتضحك.
نهضت سعدية وقالت: طب أنا هقوم بقى، اسيبكوا تتكلموا على راحتكم.
مكي بابتسامة: ماتخليكي شوية.
سعدية وهي تربت على كتفه: هدخل جوه بقى عشان أحضر لكم الغداء. اعمل حسابك هتتغدا معانا؟
مكي تبسم: أنا هتغدي، وهتعشى معاكم النهاردة.
سعدية: أنت هتنورنا يا حبيبي.
ابتسمت سعدية وغادرت المكان، بينما مكي نظر إلى سلوى.
مكي بابتسامة: وحشتيني.
سلوى بخجل: وأنت كمان.
مكي وهو يميل برأسه قليلاً: وأنا كمان إيه؟
سلوى بخجل: أكيد يعني، وحشتني. اتأخرت ليه؟
مكي بصوت هادئ: كان في اجتماع مهم كنا بنخلصه عشان كده. هعوضك وأقعد معاك باقي اليوم. طمّنيني عنك، إيه الأخبار؟
سلوى مبتسمة: كله تمام الحمد لله. ثم نظرت لعلبة الشوكولاتة: إيه العلبة دي؟
مكي وهو يفتح العلبة ببطء، مبتسماً: دي شوكولاتة، جايبها لك مخصوص عبارة عن نكهات مختلفة، هنجربها مع بعض.
سلوى ضاحكة متعجبة: مممم، حلوة، بس هي الشوكولاتة ليها نكهات مختلفة؟ الشوكولاتة شوكولاتة!
مكي: لا، مين قال لك كده؟ حتى الشوكولاتة فيها نكهات مختلفة. خليها مفاجأة. ثم أمسك بإحدى قطع الشوكولاتة وقدمها لها: جربي.
سلوى أخذت أول قطعة بابتسامة: تمام، يلا خلينا نبدأ.
تناولا القطع معاً، وبطريقة مرحة. تبادلا التعليقات.
مكي: حلوة أوي، دي طعمها حلو.
سلوى بعد أن جربت قطعة أخرى: مممم،طعمها شوكولاتة بس حلوة.
أخذت قطعة أخرى: دي طعمها غريب، فيها شوية شطة كده!
تضحك، وفمها أصبح حاراً، فتشرب ماء بسرعة:
إيه ده؟ شوكولاتة بالشطة؟ وانت عادي؟
مكي وهو يضحك: الصراحة، أنا أكلت قبل كده شوكولاتة بالشطة. فمستوعبها.
سلوى جربت قطعة أخرى: دي فيها طعم حبهان، غريبة أوي! طعمها غلس.
مكي ضاحكًا وهو يبثقها في منديل: وحشة أوي
استمرا في تناول الشوكولاتة والنكهات المختلفة، مع تباين طعمها بين الحلو، والشطة، والفاكهة، وكل واحدة لها طعم خاص.
سلوى ضاحكة: يعني العلبة دي كلها مافيهاش غير دول اللي عجبونا. جايبها بكام دي؟: أكيد بفلوس كتير. يا بني أنت وصاحبك مجانين بطل بعزقة، ربنا مابيحبش الناس المبذرين.
مكي ضاحكًا: تبذير !! إيه يعني المشكلة لما أجيب حاجة ونجرّبها سوا، حتى لو غالية. مفيش حاجة تغلى عنك يا سوسكا يا حلوة.
سلوى مستغربة: لا، ما تقوليش يا سوسكا يا حلوة. عشان سليم بيقول لماسة يا ماستي الحلوة.
مكي ضاحكًا: أقولك إيه؟!
سلوى مبتسمة: قول ساسكتي أو حبيبتي. بس كده أو يا ماما.
مكي: ماما؟ مش قديمة دي.
سلوى ضاحكة: أصل أنا شفت قبل كده واحدة بتقول لجوزها يا بابا، وهو بيقول لها يا ماما. وفهمت بعد كده قد إيه بيحبوا بعض.
مكي بتفكير: أنا هقول لك يا حبيبتي وسوسكتي، ماما دي ممكن لما نتجوز تبقى لائقة.
سلوى بمرح : اتفقنا.
مكي باهتمام: عاملة إيه في الجامعة؟ امتحاناتك قربت.
سلوى بخوف: متفكرنيش.
مكي ضاحكًا: لو عايزة أجيب لك الامتحان، أجيبه لك عادي.
سلوى مبتسمة: شكراً .. بقول لك ايه انا هجيب لك الكتالوج من جوه، عجبني كده كم حاجة هوريها لك
مكي: ماشي ممكن بقى كوباية شاي بدل العصير ده.
سلوى: عيوني
💞__________________بقلمي_ليلةعادل
:مجموعة الراوي
مكتب سليم الثانية مساءً
نرى سليم يجلس خلف مكتبه، يدخن سيجارته بتركيز، غارقًا في تفكير عميق. بعد لحظات، يدخل عزت المكتب.
رفع سليم عينيه نحو عزت دون أن يتحدث، يبدو وجهه صارمًا وحزينًا بعض الشيء.
عزت بهدوء: عامل إيه؟
سليم بنبرة جادة، وعينيه مازالت مشغولة: لو هتتكلم معايا في موضوع رشدي، بلاش.
جلس عزت أمامه وقال بهدوء، بينما يحاول أن يقرأ مشاعر سليم: سليم، إنت زودتها.
رفع سليم حاجبيه متعجبًا وقال بنبرة حادة، مع خيبة أمل واضحة: زودتها؟! لما يتكلم عن مراتي بالوقاحة يبقى إسمها زودتها،؟! هو اللي تمادى. عارف ليه تمادى؟ عشان أنا كل مرة بهدد وبس. عشان عاملك أنت والهانم وللأخوة اعتبار، لكن أنت عارف كويس لو كان حد تاني كان اتذبح. احمد ربنا إني سايبهلك عايش.
عزت بتودد، محاولا تهدئته: أنا ماقلتش إنه ما غلطش، بس…
سليم بحسم، وقد تسلل في صوته قليل من الغضب المكبوت: العقاب على قد الفعل. هو فعله كان أكبر من عقابه..
أكمل حديثه وهو ينظر في وجه عزت متسائلًا بحدّة:
بابا، إنت جاى ليه؟ من الآخر، قول إنت عايز إيه؟
عزت بتوجيه أبوي، محاولا أن يخفف من وطأة الحديث: لازم تهدى شوية مع إخواتك. هيكرهوك كده.
ضحك سليم بسخرية وعاد بظهره على ظهر مقعده: قول حاجة جديدة، هم بيكرهوني من زمان من غير ما أعمل حاجة. فابكدة كرههم هيبقى ليه أسباب.
عزت محاولًا تهدئة الوضع: لا، هم مش بيكرهوك، بس إنت شديد عليهم شوية. بلاش تبني أسوار بينكم.
سليم بنصف ابتسامة لم تصل إلى عينيه، مد وجهه موضحًا بشجن: الأسوار مبنية من زمان يا باشا. من ساعة ماعلنت إني هقعد مكانك. الغيرة عمتهم. كويس أوي إنهم لحد اللحظة دي محاولوش يقتلوني.
عزت برفض للفكرة قائلا بتوضيح: الغيرة دي أمر طبيعي حصلت معايا ومع إخواتي، وبعدين لا ياسليم هما مستحيل يفكروا ! يقتلوك،، هم ممكن يعملوا شوية حاجات تانية بس.
ضحك سليم بسخرية: إنت بتقول الجملة دي وإنت مش مصدقها، باينة في عينك
أكمل بجدية موضحاً:
لعلمك، أنا دورت وراهم، بس ماوصلتش لحاجة. أنا عارف إنهم ضعفاء. ولو عملوها، سهل الواحد يوصل لهم، هو ده اللي مانعهم. لكن ولادك لو أقوياء، صدقني هيحدفوني من على الكرسي. وانت ورايا ومعاك الهانم. وبعدها هيخلصوا على بعض. البقاء للأكثر ندالة. يعني احتمال يبقى عماد وصافي، رشدي مندفع، رغم إنه ممكن يجي منهم حاجات كتير، لكن اندفاعه ده بيخليهم يعرفوا يستغلوه كويس..
بس رشدي لو عرف امكانياته كويس هتبقى الحرب ما بيني وما بين رشدي.
عزت بأبوة صادقة: أنا مش عايز الحرب دي يا بني، أنا عايزكم كلكم تبقوا أقويه، تبقوا جنب بعض إخوات في ضهر بعض، صدقني أنا نفسي الكرسي ده يتقسم عليكم عشان مش عايز بينكم حروب.
سليم وقد تراجع جزء من الحدة في صوته لكنه ظل حازمًا: قول لأولادك الكلام ده مش ليا هم مش قادرين يفهموا ولا قادرين يصدقوا إني مش متيم بالكرسي بس الصراحة دلوقتي خلاص الطيبة والمسامحه بتاعة زمان انتهت أنا دلوقتي الملك، العقود جوة الخزنة حتى القصر بقى ملكي أناعايزك بس تنبههم وتقولهم الكلمتين دول، عشان صدقني المرة الجاية هطردهم من المجموعة، أنا مش عايز وجع دماغ.
تنهد عزت مغيرا الحديث: طب قول لي وصلت لحاجة؟ كلمت سوت؟
سليم بهدوء: كمان ساعة هقابل نيكولاس وبعتت لسوت، هيجي بكرة.
عزت: طب أنا هكون معاك.
سليم برفض: لأ، أنا بس اللي هحضر وأخلص الموضوع ده. خلي عينك على ولادك أهم سيب بقى المجموعة وشغل المجموعة ليا أنا. وأنا بقولها لك تاني يا باشا، شغل الآثار، شغل الماس المهرب زمنه انتهى.
عزت بقوة: إنت مش قلت إنك عايز ياسين وفريدة بعيد؟ ملكش دعوة بقى بالباقي؟
سليم ببرود: موافق، بس لو حصل أي مشكلة أنا ماليش دعوة. ولو حصل حاجة لحد فينا، حسابي هيبقى معاك إنت.
أنا مش هخاطر بحياتي وحياة مراتي تاني. مش هحاسب على حاجة أنا ماليش علاقة بيها.
اقترب من المكتب ونظر له بتهديد وهو يشير باصبعه:
وصدقني يا باشا، لو عرفت إن اللي حصل لي ده كان بسببك أو بسبب حد من ولادك هتعرف إن جهنم اتفتحت عليكم في الدنيا.
عزت بذهول: إنت بتهددني يا سليم!!
سليم بنبرة باردة لكن قوية: العفو يا باشا،، أنا مابهددش، أنا بفهمك وأعرفك اللي هيحصل بس.
هز عزت رأسه بانزعاج: إنت أعصابك بقت مش تمام. ماتخلنيش أسحب منك التوكيل.
تبسّم سليم بلا مبالاة، التقط أنفاسه بهدوء، ثم ترك القلم: تمام.
فتح سليم الخزنة، أخذ بعض الأوراق ورماها أمام عزت على المكتب.
سليم بثقة تعكس قوة شخصيته: أهم خدهم تفتكر سليم محتاج لأوراق؟
صمت لوهلة تبسم على يقين أن عزت هو من يحتاج له تابع:
تؤ ماعتقدش. إنت أذكى من كده يا باشا. بلاش تاخد قرارات مصيرية، أنا همشي عشان عندي ميعاد مع نيكولاس. قول لي، المقبرة دي لسه فيها حاجة تانية ولا خلصت؟
تحدث عزت بقوة وصرامة: ما طتتحدانيش يا سليم.
توقف سليم بإصرار: المقبرة لسه فيها حاجة تانية والا خلصت؟
تنهّد عزت فهو لا يريد افتعال مشكلة مع سليم الآن: آخر حاجة بعتها لنيكولاس.
سليم: تمام. سلام.
ثم خرج من المكتب. ظل عزت جالسا للحظة محاولا استيعاب ماحدث. كان مشغولًا أكثر من أي وقت مضى بطريقة سليم الجديدة، وتحولاته التي جعلته أكثر صعوبة،شخصيته أصبحت أقوى، ولا مجال للخطأ معه. كان عزت يعلم أن الأمور لن تعود كما كانت، وأن سليم أصبح أكثر تشددًا وقوة في قراراته. في النهاية.
قصر الراوي
غرفة هبة وياسين الثالثه مساءً
تحلس هبة على الأريكة، تراقب نالا التي تغط في النوم بين يديها، بينما تمسك هاتفها وتنتظر اتصال ياسين. دقائق قليلة مرت حتى أضاءت الشاشة باسمه، فابتسمت وهزت رأسها قبل أن تجيب.
هبة بضيق: أخيرًا يا ياسين، بقالك فترة مش كلمتني وتليفوناتك مقفولة.
ياسين بصوت متعب، لكنه حاول إخفاء إرهاقه: معلش حبيبتي، كنت مشغول جدًا في مشاكل في الشغل هنا ولازم أكون متابع كل حاجة، وهنا مافيش تغطية كويسة.
هبة بقلق: في إيه؟
ياسين وهو يضغط على أسنانه، ويلف حول نفسه في الغرفة لتجنب الجواب الصريح: مشكلة في العقود والشحنات، ومحتاج أكون هناك عشان أخلص الموضوع بنفسي.
هبة: طب… ده هياخد وقت قد إيه؟
ياسين وهو يحاول عدم الكشف عن الحقيقة: ممكن أسبوع عشر أيام، لازم أكون موجود وأركز على كل حاجة.
رفعت هبة حاجبها بشك: أسبوع؟ ليه مش تقدر تخلص الموضوع من هنا؟
ياسين محاولًا التماسك: لا، ده مش هينفع. لازم أكون متواجد في المكان عشان أتأكد من كل حاجة. مش هقدر أشرح لك كل التفاصيل، بس الموضوع كبير.
هبة بصوت ضعيف: يعني هتتأخر أسبوع كمان؟
ياسين وهو يتنفس بعمق محاولا التهرب من التفاصيل: أيوه، بس هكلمك كل يوم عشان تطمني،، لو حابة تروحي عند مامتك روحي.
هبة بحيرة: طب خلي بالك من نفسك بلاش تتأخر..
ياسين مبتسمًا رغم معاناته من ألم كتفه وأيضا من كذبه عليها: مش هتأخر، خلي بالك من نفسك ومن نالا.
هبة بقلق: طب عايزاك ترجع بسرعة، وحشتني ياحبيبي.
ياسين في محاولة للتخفيف عنها: وأنتِ كمان، بحبك، هرجع قريب إن شاء الله.
هبة، وابتسامة صغيرة ترتسم على وجهها رغم القلق الذي ملأ قلبها: وأنا كمان.
أنهت المكالمة، وظلت هبة تحدق في الهاتف، و شعور بشيء غريب يشد قلبها، لكنها اختارت أن تصدق ما قاله
مجموعة الراوي
مكتب سليم الثالثة مساءً
كان سليم يجلس خلف مكتبه، وجهه يعبّر عن جديّة مرعبة، بينما كان نيكولاس يجلس أمامه. مرتبكا بوضوح، لا يستطيع التركيز في عيني سليم الذي كان يحدق فيه بصمت مخيف. الصمت بينهما كان أكثر رعبًا من أي كلمة قد يقولها سليم، بينما سليم ينقر بالقلم على سطح المكتب بشكل منتظم، وكأن عقله يعمل على حل مشكلة معقدة.
أخيرًا، كسر سليم الصمت، وقال بصوت منخفض، لكن مليء بالقوة: قولي، نيكولاس، ماذا عليّ أن أفعل معك؟ بعثت لك أسألك عن الحادثة، وما زلت تجلس هنا بلا ردّ.
نيكولاس الذي بدا عليه التوتر الشديد، رد بسرعة:
أنا لم أفعل شيئًا، سليم. أنا فقط قمت بشراء تلك التماثيل، والتسليم كان في منتهى الدقة والأمان. لكن، سوت قام بخيانتي. ماذا عليّ أن أفعل؟
نظر سليم له بثبات، ثم قال بصوت أكثر برودة:
هل كنت تعلم أن سوت سيقوم باللحاق بك.
حاول نيكولاس أن يشرح أكثر: لم أكن متأكدًا من ذلك، نعم لدي مشاكل معه بسبب صفقة مواد مخدرة وأمور أخرى. ليس سوت فقط، لديّ أعداء كثيرون يريدون تدميري. الصراحة، لم أظن أنه سيقوم بفعل ذلك. هو على علم كامل بأنني اشتريت تلك الآثار منكم.
نظر سليم له باهتمام، ثم رد بكل قسوة: مشكلتك أنت ستقوم بحلها معه، وبضائعك، قم أنت بإرجاعها. لكن دم أخي سآخذه منه. أين النقود التي أخذتها بعد الحادثة؟
بدا نيكولاس في حالة من الإنكار: لماذا تريد أن تأخذها؟ أنا لم آخذ بضائع.
سليم، وهو يرفع يده وينقر بالقلم على المكتب مرة أخرى، تحدث بصوت بارد ومرعب: نيكولاس، أين النقود؟ هذه التماثيل سرقت من سيارتك، وليست سيارتنا،. أريد تلك النقود التي أخذتها، ليس فقط المبلغ، بل ضعف ما أخذته. 500 مليون دولار، أو ستستمر في إزعاجي، وأنت تعلم تمامًا ماذا يفعل سليم حين ينزعج
نيكولاس شعر بالارتباك، وكان يعلم في قرارة نفسه أنه لا يملك أي خيار سوى الخضوع، فكل خطوة يمكن أن تكون قاتلة له. أدرك تمامًا أن مواجهة عائلة سليم هي النهاية بالنسبة له: امراك سليم… أعطني يومين فقط.
لم يبد على سليم أي علامة من الرحمة، نظر إليه قليلاً قبل أن يرد بصوت حازم و صارم:
يومان!! أنت تحلم، الآن اتصل بالبنك وحول المبلغ. هيا.
هز نيكولاس رأسه ببطء وشعور بالعجز يتسلل إلى قلبه. كان يعلم أن هذه فرصته الأخيرة. حاول أن يلتقط أنفاسه ثم قال بحذر:
أريد منك أن تساعدني في إعادة البضائع. أعرف أنك لا تريد مشاكل مع أحد في هذه الفترة. قل له أن يعيد لي البضائع فقط، وبعد ذلك، ستكون المواجهة معي. أكمل برجاء: من فضلك، سليم.
ظل سليم صامتًا لحظة، ثم أجاب بنبرة هادئة:
سأساعدك، لكي تعلم أنني إنسان رحيم، وأنني أقف بجانب الضعفاء أمثالك، لكني لا أرحم من يخونني ، ولكن لا بد من دفع الثمن. هذا هو شرطي. هيا سقم بتحويل المبلغ الآن
أخذ نيكولاس نفسًا عميقًا، يحاول أن يهدئ من روعه، لكنه كان يدرك أن العواقب ستكون قاسية إن لم يفعل ما طلبه سليم، هو أصغر من ان يواجه عائله الراوي.
قصر الراوي
المطبخ الرابعة مساءً
نشاهد ماسة تعد الغداء بنفسها لسليم، بابتسامة مشرقة، يدها تعمل بمهارة، بينما سحر تراقبها بإعجاب وتعجب.
سحر بتعجب: بقالك كتير ماعملتيش أكل بإيدك!
ماسة بتبسم: فعلاً.
سحر بحنية: الصراحة بقى يا ست هانم، ماتزعليش مني، بس إنتِ زي بنتي، وطريقتك دي غلط ياحبيبتي. اسهري ماقلناش حاجة، بس بالعقل! بعدين الصحيان بدري صحة، وإنتِ كنتِ ما شاء الله عليكِ، إيه اللي جرى لك؟
ماسة بهدوء: والله ياسحر، حاسة أنا كده مبسوطة،، مش عارفة ليه مش قادرين تفهموني.
سحر باهتمام: يا حبيبتي، إحنا فاهمين، إحنا بس زعلانين عليكِ وخايفين عليكِ.
التفتت ماسة ناحية الحلة على النار ثم نظرت لسحر بابتسامة خفيفة.
ماسة بتهذب: سحر، أنا خلصت. الحاجة على النار، خلي بالك منها، أنا هاخد شاور. ممكن؟
سحر بحب: عيوني ليكي، روحي يا روحي.
خرجت ماسة من المطبخ متوجهة للمصعد. أثناء انتظارها، يُفتح الباب ليخرج منه رشدي.
ماسة بهدوء: ألف سلامة.
رشدي ببرود: الله يسلمك.
تحاول ماسة الدخول، لكنه يقف أمامها، يمنعها من العبور
رشدي بضيق: مهما حصل، بتسامحيه وبتعدِّي له؟ ده كسر إيدي لمجرد إني قلت عليكِ ست الحُسن، وقلت له حرام عليك تحبسها.
ماسة بحدة: بس أنا ماطلبتش منك إنك تتدخل أو تتكلم عني. أنا وسليم حرين مع بعض، زي ما أنا مابتدخلش في حياتكم، ماحدش يتدخل في حياتي. وأوعى تحسسني يا رشدي إنك خايف عليا أو إن أنا بهِمّك.
تنظر له بنظرة قوية: قولتها لكم بقى، أنا فهمت إنكم مابتحبونيش، وكل اللي يهمكم إني أمشي من هنا. بس اللي مش فاهماه… إيه إصراركم في التمثيل لحد دلوقت؟ إيه أسبابه؟
رشدي بهدوء مريب: أنا ماعنديش مشاكل معاكي، ومابكرهكيش، ولا حتى بحبك، لكن خروجك من هنا يهمني. وعايزة تعرفي ليه؟ قريب توي هتعرفي. وشكلها اللعبة بقت على المكشوف.
رمقها بنظرة غامضة ثم غمز لها وابتعد، بينما ظلت ماسة في مكانها تفكر في حديثه للحظات بتعجب تنهدت ودخلت المصعد وصعدت لجناحها.

جناح ماسة وسليم
تدخل ماسة، تتجه مباشرة للحمام. تأخذ حمامًا دافئًا، تسترخي لبعض الوقت، ثم تخرج وترتدي فستانها المفضل، تضع بعض العطر، وتبدأ بتحضير نفسها في انتظار سليم.تمسك هاتفها وتتصل بسحر.
ماسة: سحر، لو الأكل خلص، هاتيه فوق.
سحر: حاضر، يا ست هانم.
تصعد سحر بالطعام، تضعه على الطاولة، وتغادر، تاركة ماسة وحدها في انتظار سليم.
بعد وقت، يدخل سليم إلى الجناح. ما إن يرى ماسة حتى يتوقف في مكانه، مدهوشًا.
سليم متعجباً: لا لا… في إيه؟
ماسة بدلال تقترب: إنت اللي في إيه؟
سليم بدهشة وضحك خفيف نظر من حوله على الشمع والورد فماسة قامت بعمل جو شاعري بسيط في الغرفة: والله ماصدق… رجعتي! ماستي الحلوة… قطعة السكر! تاني
ماسة بدلع لفت يدها حول رقبته: يعني ماحبيتش أفضل ماستك المتمردة؟
سليم بابتسامة عريضة: يا رب تفضلي كده على طول! شوفي بقى اللي بيصحى بدري بيبقى قمر إزاي؟ وعسل.
اقترب وطبع قبلة على خدها
ماسة: طب روح غير هدومك يا كراميل، أنا محضّرة لك الحمام.
سليم وضع قبلة على أنفها: مش هتأخر عليكِ.
دخل الحمام، والمياه الدافئة تنساب على جسده، تزيل عنه تعب اليوم، بينما عقله لا يتوقف عن التفكير فيها. ابتسم وهو يتذكر نظرتها المليئة بالشوق، والطريقة التي كانت تراقبه بها وهو يدخل الحمام، وكأنها تعد الثواني حتى يعود.
وبعد دقائق، خرج ليجدها في انتظاره، عطرها يملأ المكان، وعيناها تلمعان تحت ضوء الأباجورة الخافت. تبتسم له، فيشعر أن قلبه ارتجف للحظة، وكأنه يراها لأول مرة.
جلسا معًا، يتناولان العشاء في أجواء رومانسية، نظراتهما تتلاقى، وضحكاتهما تتسلل بين الكلمات. مد يده يزيل خصلة شعر سقطت على وجهها، فشعرت بقشعريرة خفيفة تمر على جلدها.
بعد لحظات من الأحاديث والضحك، نهضت ماسة بخفة، مدت يدها له، وعيناها تحملان بريقًا خاصًا.
ماسة بصوت ناعم: ترقص معايا؟
ابتسم سليم وأمسك يدها، نهض ليحتضنها بحنان. تحركا معًا على أنغام الموسيقى، خطواتهما تتناغم وكأنهما خلقا لهذا اللحظة. شعر سليم بأن قلبه ينبض أسرع، بينما رأسها يستند على صدره، تتبع دقات قلبه كأنها موسيقاها الخاصة وكأن كل المشاجرات التي كانت تحدث بينهما في الفترات الأخيرة انتهت وعادت ماسة مرة أخرى له.
بعد الرقصة، جلست ماسة على الأرض، مدت يدها نحو طاولة صغيرة وسحب علبة الكوتشينة
ماسة بابتسامة ماكرة: إيه رأيك في جولة تحدي؟ لو كسبت، ليّ عندك طلب.
سليم وهو يجلس أمامها، عاقدًا ذراعيه بتحدٍ: وأنا لو كسبت؟
ماسة تضحك: ليك عندي طلب… بس خليك طيب معايا.
يبدآن اللعب، يتبادلان النظرات والمراوغات، كل منهما يحاول الفوز، بينما الضحكات تتعالى بينهما مع كل حركة ذكية أو غلطة مفاجئة. بعد عدة جولات، يهتف
سليم بانتصار: شوفي بقى، اللي بيصحى بدري بيفوز!
ماسة بضحك: ماشي، طلبك إيه؟
سليم اقترب منها، يهمس بشيء في أذنها، فتبتسم بخجل وتضربه على كتفه: مش ناوي تبطل حركاتك دي؟
سليم يضحك، ثم يسحب رقعة شطرنج كانت موضوعة على رف قريب.
سليم: طيب، جولة شطرنج، وخلينا نشوف مين الأذكى.
ماسة تتصنع التفكير العميق: هممم، بس متأكد إنك مستعد للهزيمة؟
يبدآن اللعب، ماسة تحاول مجاراته لكنها تتفاجأ بمهارته. تحاول التركيز، لكنه يشتتها بكلامه وضحكاته المتعمدة، حتى ينتهي الأمر بهزيمتها.
ماسة بتذمر مصطنع: لا لا، أكيد بتلعب معايا بحركات سحرية!
سليم بمزاح وكبرياء: لا يا حبيبتي، جوزك عبقري، دي المشكلة؟
ضحكا معًا، ثم عادا للجلوس على الأريكة، استكملا حديثهما وسط أجواء مليئة بالدفء تمر الساعات، تصبح الساعة الثامنة مساءً فهي لم تنام من ليلة أمس.
ماسة، بين أحضان سليم، تشعر بالنعاس.
ماسة بهمس: سليم… أنا مش قادرة، عايزة أنام.
سليم برجاء: خليكي شوية، نامي على ١١ او ١٢ كده.
ماسة بإرهاق: مش قادرة بجد… شايفاك اتنين دلوقتي.
سليم بضحكة خفيفة: طيب، روحي نامي، وأنا هقعد شوية.
ماسة: بس إنت ما نمتش من امبارح.
سليم: لا، هقعد شوية. وبقولك إيه، أوعي تجيبي سيرة لهبة!
ماسة: ماتقلقش. تصبح على خير.
طبعت قبلة على خده، ثم تمددت على الفراش، لتغط في النوم فورًا.
جلس سليم في الجناح لبعض الوقت، يقرأ بعض الكتب، يجري بعض المكالمات المهمه. بعد مدة، نزل للأسفل، حيث وجد مكي جالسًا، فانضم إليه.
💞_______________بقلمي_ليلةعادل(⁠•⁠‿⁠•⁠)
حديقة القصر الحادية عشر مساءً
كان مكي يجلس في الحديقة، مسترخيًا على إحدى الأرائك الخارجية، يدخن سيجارته ببطء، بينما الهواء البارد يلامس وجهه. الجو هادئ، لا يُسمع سوى صوت أوراق الأشجار وهي تتراقص مع النسيم.
سليم اقترب منه بابتسامة، وضع يديه على ظهره وهو ينظر حوله: في شاي؟ ولا أخلي سحر تعمله لنا؟
رفع مكي رأسه نحوه وهو يربت على المقعد المجاور: تعال اقعد الأول… في شاي، بس لو عاوز واحد جديد، قول.
جلس سليم بجواره، أسند ظهره للخلف وأخذ نفسًا عميقًا، قبل ما يرفع عينه لمكي: إيه الأخبار؟
مكي وهو يأخذ رشفة من الشاي: كله تمام..سيبت ماسة ليه؟ مش هي دلوقتي بتبقى صاحية؟ او صحيت
سليم ابتسم بخفة وهو يميل برأسه للخلف: رجعت لقيتها صاحية، قعدنا نتكلم مع بعض، عملت لي أكل بإيديها، وقضينا وقت حلو اوي مع بعض، بقى لنا فترة كبيرة جداً ماقضيناش وقت حلو كده مع بعض، وبعدين نامت. بصراحة ماقدرتش أضغط عليها أكتر، حسيت إن أنا هبقى رخم أوي. هي شوية بشوية وبترجع تاني، مع إن امبارح كنا متخانقين بسبب قعودها مع عماد ورشدي.
مكي وهو ينظر له بتركيز: زعقت لها يعني؟
امسك الكوب وصب شاي لسليم.
سليم هز رأسه بإيجاب: طبعًا، زعقت لها عشان ماتقعدش معاهم تاني، وخدت قرار إني مش هخليها تنزل تحت الفترة اللي أنا نايم فيها.
مكي هز رأسه بتفهم وهو يعطي له الكوب: خف عليها شوية، هي غصب عنها بتمر بحاجات كتير. فاكر، إنت كمان مريت بنفس المرحلة دي، طول النهار نوم وطول الليل من نايت لنايت، غير الشرب ولورجينا؟
سليم يبتسم بسخرية: هم كانوا أسبوعين في حياتي، كنت متضايق فيهم عشان كنت ضعيف وقتها بسبب موت عفت، لكن بعد كده رجعت. صدقني أنا مش بخنقها، أنا خايف عليها.
صمت للحظة ثم غير الموضوع: المهم، أنت عامل إيه؟ هتتجوز إمتى؟ وصلت لإيه في فرش الفيلا؟
مكي بابتسامة واسعة: هتجوز في الإجازة، كم شهر كده. سلوى مصممة تتجوز في الإجازة.
سليم وهو ينظر له بشك: مش ناقصك حاجة؟
هز مكي رأسه بثقة: لا، مش ناقصني حاجة. وبعدين، ما أنت لسه محوّل لي مبلغ للبنك.
سليم وهو يضحك:أنا مش محوّلهولك أنت، أنا محوّله عشان تظبط الفيلا عشان سلوى.
مكي بضحكة مستفزة: على فكرة، أنا معايا أجيب فيلتين، مش فيلا واحدة.
سليم ضحك ثم نظر له: المهم… بكرة هنقابل سوت، عايزك تظبط الدنيا.
مكي بجدية: ماتقلقش، هنحل الموضوع على طول
سليم بضيق وهو يجز على أسنانه: مع إن أنا كنت عايز أفرمه عشان اللي عمله مع ياسين، بس أنا دلوقتي مش عايز أعمل مشاكل مع حد.
مكي وهو يهز رأسه بتفكير: ده صح، ماتفتحش جبهات مع حد دلوقتي، بس أنت بجد شايف إنك هقدر تمنع العيلة من الشغل في الآثار والذهب المهرب؟
ينظر إليه بتمعن: إنت شايف إن ده ممكن؟
سليم بتصميم: هحاول. لو هما عايزين يكملوا، يبقى بعيد عني وعن ياسين وفريدة. بس بقولك إيه… الباشا أصلًا مايقدرش يشتغل الشغل ده بعيد عني وعن ياسين طه مش هيعرف يتعامل ورشدي متهور.
تابع وهو يرتشف الشاى: لو كان يقدر، كان خلّى رشدي يمسك كل حاجة، وهو مع الضغط هيبعد. إحنا خلاص مش محتاجينه، من زمان وإحنا مش محتاجينه، ماعملش غير إنه جاب لنا مشاكل وخلاص.
مكي ابتسم وهو يشعل سيجارته: بالظبط… بس خليها بالعقل.
سليم يبتسم وهو يأخذ نفسًا من سيجارته: أكيد.
اخذا يتبادلان الأحاديث،
بعد وقت
شعر سليم بالإرهاق فتمطى قائلاً: أنا هطلع أنام، خلاص مش قادر.
مكي بابتسامة: روح ارتاح، شكل النوم غلبك.
نهض من مكانه، صافح مكي ثم اتجه نحو جناحه. فتح الباب بهدوء، متوقعًا أن يجد ماسة غارقة في النوم، لكنه تفاجأ بها جالسة على الأريكة، عيناها نصف مفتوحة وكأنها بدأت تستعيد وعيها من النوم.
سليم وهو يقترب منها بتعجب: إيه ده؟ إنتِ صحيتي؟ الساعة بقت 1!
ماسة وهي تفرك عينيها بتعب: أيوه…إنت هتنام؟
سليم وهو يجلس بجوارها: أنا مش قادر، عايز أنام مانمتش من امبارح.
ماسة وهي تمدد ذراعيها بتكاسل: خلاص، نام أنا هقوم.
سليم وهو ينظر لها بحسم: طيب خلاص، ماشي… بس هتسهري هنا، مش هتنزلي تحت.
ماسة بتذمر: بطل رخامة! والله لو شفتهم هطلع.
سليم وهو يرمقها بشدة: مش عايز كلام كتير.
تنفخت بضيق وهي تعلم أنه لن يتراجع، استلقت على الأريكة، بينما سليم تمدد ع الفراش نهضت ماسة وجلست على الأريكة وفتحت التلفاز حاولت التركيز على الفيلم المعروض، لكنها لم تشعر بالحماس الكافي، فاكتفت بالاستلقاء دون اهتمام. استمرت هي في مشاهدة التلفزيون، تقلب بين القنوات دون اهتمام حقيقي، تلعب في هاتفها قليلًا، ثم تتجه إلى الكمبيوتر لبعض الوقت، تتنقل بين الألعاب والمواقع حتى يمر الوقت.
((الصباح التالي))
عندما استيقظ سليم، خرج من غرفته وهو يفرك عينيه، ليتفاجأ بماسة لا تزال جالسة في نفس المكان، عيناها تتابع التلفزيون بشرود، وكأن الليل لم يمر عليها.
ماسة وهي تبتسم برقة: صباح الخير ياحبيبي.
سليم وهو ينظر لها بدهشة: ده إنتِ لسه صاحية؟ معقول مانمتِش لحد دلوقتي؟
ماسة وهي تهز كتفيها بلا مبالاة: آه، مانمتش، مش عايزة أنام بعدين لسه بدري الساعة ٦
نظر لها سليم مطولًا قبل أن يجلس بجوارها، ثم مد يده وأمسك بيدها بحنان: طب يلا نفطر.
هزت رأسها موافقة، بدلا ملابسهما ثم هبطا للأسفل حيث تناولا الإفطار معًا في أجواء هادئة. كان سليم يراقبها من وقت لآخر، قلقًا عليها، بينما هي تتصرف وكأن الأمر عادي تمامًا رشدي لم يحضر الفطور بينما كان الجميع يجلسون دون تبادل الحديث بينهم.
وقت الظهيرة
قضت ماسة وقتها في مشاهدة التلفزيون، ثم جلست على الكمبيوتر لبعض الوقت، تلعب وتتصفح الإنترنت، لكن مع مرور الساعات، بدأت تشعر بالإرهاق أخيرًا.
مع اقتراب الساعة من 12 ظهرًا، بدأت عيناها تثقل، ورأسها يميل للجانب ببطء حتى غلبها النوم، لتستلقي أخيرًا وتغرق في سبات عميق، بعد ليلة طويلة من السهر.
يخت سليم على النيل، الخامسة مساءً.
يظهر اليخت الفاخر يطفو على مياه النيل الهادئة، محاطًا برجال سليم المسلحين الذين يراقبون المكان بتركيز. سليم يقف بثبات على سطح اليخت، عيناه تراقبان الرجل الجالس أمامه. إنه مستر سوت، رجل في الستينيات، ذو شعر أبيض وعينين حادتين.
سليم بصوت بارد: لأول مرة أتشرف بمعرفتك، مستر سوت… لكنك ارتكبت خطأً فادحًا عندما هاجمت شحنتنا.
سوت بهدوء متماسك: الشحنة لم تكن لك… كانت لنيكولاس، وأنا هاجمت نيكولاس، لا أنت.
قاطعه سليم بحدة: لا تحاول اللعب بالكلمات. الشحنة كانت ملكنا، ونحن من بعناها له، رجالنا وأخي كانوا هناك وقت التسليم… هذا يعني أنك كنت تعلم جيدًا أنك تهاجمنا مباشرة.
نظر سوت حوله للحرس ثم عاد لسليم: سليم…أنا لا أريد أي عداوه مع عائلتك، ولهذا قبلت دعوتك لهذا اللقاء.
انحنى سليم قليلًا للأمام بنظرة مهددة: كان يجب أن تفكر في هذا قبل أن تضع خطتك. هل كنت تجهل أن هذه البضائع لنا؟
سوت بجدية: لم أكن أعلم أن ياسين سيحضر.
سليم بابتسامة باردة: أتريد صلحًا؟
سوت: بالتأكيد، مثلك تمامًا.
سليم بهدوء: إذًا، ستعيد البضاعة لنيكولاس…وتدفع لنا ضعف ثمنها كتعويض عن الإهانة.
اتسعت عينا سوت بدهشة: نصف مليار دولار؟!
ابتسم سليم وجلس أمامه: ليس مبلغًا كبيرًا… لديك ثلاثة مليارات، سنأخذ نصف مليار، ومبروك عليك الباقي.
ثم نظر له نظرة قاتلة قبل أن يضيف بصوت أخفض وأشد تهديدًا: دم ياسين أغلى من هذا الرقم، فاشكر ربك أنني لم آخذ روحك وروح جميع أفراد عائلتك.
لحظة صمت متوترة…نظر سوت لرجال سليم المنتشرين حوله، ثم ابتسم بفتور.
سوت مستسلمًا: لديك صفقة.
سليم مبتسمًا بخبث: بالطبع.
(مر فترة)،
عادت حياة ماسة إلى ما كانت عليه، تنام طوال النهار وتستيقظ طوال الليل، وكأنها تعيش في عالم آخر. كان سليم لا يعرف كيف يتعامل معها، ولم يعد قادرًا على التحدث إليها. كان يظن أنهما بعد اللحظات الجميلة التي عاشاها معًا، ستعود الأمور كما كانت، لكن تبين له العكس. كان يشعر في بعض الأحيان أنها تصبح لطيفة معه في علاقتهما الخاصة كما كانت في الأيام السابقة، وفي لحظات أخرى كان يحس أنها تتعامل معه وكأنها تؤدي واجبًا، دون أن يكون هناك حب حقيقي. فبدأ يغير تصرفاته ويجعلها هي التي تطلب منه، وهي التي تبادر، بدلاً من أن يكون هو من يبدأ، لأنه لم يكن يريد أن يعيش معها تلك العلاقة دون حب حقيقي.
أما علاقة سلوى ومكي، فكانت قوية وجميلة، مليئة بالتفاهم والدعم المتبادل. كان معظم الوقت هو من يقوم بتوصيلها إلى الكلية ويجلبها منها، وكانا يختاران معًا أثاث الفيلا. كانت تحاول أن تزور ماسة في الأوقات التي تكون فيها مستيقظة.
أما ياسين فقد عاد بعد عشرة أيام، وبدأت الأمور تهدأ.
فيما يخص قضية سوت، فقد انتهت المشكلة بعدما قرر سليم أخذ الأموال مقابل ما حدث، وأعاد الأمور إلى طبيعتها.
أما عن العائلة، لم يكن هناك أي شيء جديد، خاصة بعد أن أخبرت ماسة الجميع بأنها على علم بكل شيء، وأنها تعرف أنهم لا يحبونها. كان الهدوء غير عادي، خصوصًا من رشدي الذي بدا وكأنه صامت بشكل غير طبيعي.
💕_______________بقلمي_ليلةعادل
قصر الراوي
السفرة، الرابعة مساءً
يجلس جميع أفراد عائلة ماسة حول الطاولة يتناولون الغداء في جو دافئ.
مجاهد متسائلًا: مش كنا استنينا سليم؟
ماسة: سليم يوم السبت بيتأخر، بس قالي هيحاول يجي عشان يقعد معاكم.
مجاهد: ربنا يصلح له الأحوال ويشفيه.
سعدية، وهي ترفع ملعقتها متعجبة: غريبة! صاحيه بدري؟ ربنا يهديكي.
عمار مازحًا: أنا تصدمت لما لاقيتها بتتصل وبتقولي تعالوا، على الغداء!
مجاهد بحنان: أيوه كده يا بنتي، بلاش سهر، غلط.
ماسة بلامبالاة: على فكرة، أنا صاحية من امبارح.
سعدية مصدومة: إزاي؟
ماسة: والله العظيم صحيت امبارح على ٨ بالليل، منمتش. قولت أكلمكم تيجوا نتغدى سوا. بعد كده تعالوا أقعدوا معايا الصبح، أ٠انا بنام ١٢ أو ١ الظهر ولصحى ٩ أو ٨ بالليل.
سعدية متذمرة: والله اللي إنتِ فيه ده مينفعش، حرام عليكي نفسك! مش عارفة جوزك سايبك كده ليه؟ لو كلمته هيقولي بدلعها، رجال آخر زمن!
نظرت لعمار ويوسف بحدة:
ولا إنت وهو، أوعوا تعملوا كده مع مراتتكم، والله لأبهدلكم!
عمار ضاحكًا: ماتقلقيش علينا، إحنا عارفين إحنا بنعمل إيه.
سلوى ساخرة: هو إنتي كمان عايزاه يمنعها من السهر؟ إيه رأيك يصحيها بمعاد، وتنام بمعاد، تأكل وتشرب بمعاد، ويحطها في زنزانة؟
سعدية: بس يا أم لسان، أما نشوف مكي هيطلع إيه! شكله هيطلع خايب زي سليم.
مجاهد بحزم: سليم مش خايب، بيحبها، ومش بيحب يزعلها، المهم هي وجوزها كويسين مع بعض.
ماسة بهدوء: إحنا تمام يا بابا،. قولي المطعم تمام؟ مش محتاج حاجة؟
مجاهد: الحمد لله، كل شيء تمام.
نظرت ماسة لعمار: وإنتَ يا عمار، الشغل تمام؟
عمار: آه، ويوسف جه يشتغل معايا.
ماسة بسعادة: كويس، يلا كملوا أكل!
أكملوا طعامهم، ثم انتقلوا إلى الصالون وجلسوا سويًا في جو عائلي دافئ.
سلوى بتوجس: ماسة، هو مابنفعش تخرجي معايا؟ عايزة أشتري لبس للجامعة.
زمت ماسة شفتيها: إنتِ عارفة الوضع…
سلوى: هخلي مكي يقوله.
ماسة بابتسامة ساخرة: جربي بس! بس ما تقلقيش، أمك في الحاجات دي اختيارها جامد، اسأليني أنا!
سعدية ممازحة: بتقولي زوقك وحش وقليل الأدب!
ضحكت ماسة بصوت خافت، ثم نظرت إلى سلوى وقالت بهمس: إنتِ محتاجة تجيلي لوحدك، مش هعرف أتكلم قدام إخواتي!
وأثناء جلوسهم، اقتربت إحدى الخادمات من ماسة وانحنت قليلًا باحترام.
الخادمة: ماسة هانم فايزة هانم بتقولك تروحي تقعدي في مكان تاني عشان عندها ضيوف.
توقفت ماسة عن الحديث، رفعت حاجبها بدهشة، ثم نظرت للخادمة ببرود: هو من قلة الأماكن يعني؟ روحي قولي لها “ماسة هانم بتقولك مش هتتنقل من مكانها، ولو مش عاجبها، تتصل تشتكي لابنها.
مجاهد بحزم: يا بنتي، بلاش مشاكل، خلينا نقعد في أي مكان تاني.
ماسة بإصرار: لا، والله ما هيحصل، بابا. متخلينيش أتصرف وأكلم سليم، وساعتها يبهدلهم!
ثم نظرت إلى الخادمة اطلعي بلّغيها الكلام ده.
أومأت الخادمة برأسها، ثم غادرت على الفور. وبمجرد أن وصلت إلى فايزة، بدا واضحًا أن الأخيرة شعرت بالضيق الشديد من رد فعل ماسة.
نزلت فايزة بسرعة وخطواتها تصطدم بالأرض بغضب، وقفت أمام ماسة وذراعاها معقودتان، ونظراتها مليئة بالتحدي.
فايزة بصوت حادة: أنتي ازاي تعصي أمري؟
رفعت ماسة عينيها إليها بهدوء؛ اعصي أمرك؟ يمكن انتي اللي متلخبطة شوية، أنا مش باخد أوامر من حد، أنا في بيتي، أقعد في المكان اللي يعجبني وبالطريقة اللي أحبها، واللي مش عاجبه يشتكي لسليم… لو يقدر.
تقدمت فايزة خطوة وهي تهمس بتحذير واضح؛ بلاش تتحديني يا ماسة اسمعني مني الجراءه الزيادة معايا غلط.
ماسة بابتسامة باردة: أنا مش بتحداكي يا طنط، بس خلاص زهقت. مش هفضل ساكتة أكتر من 7سنين من وقت مادخلت هنا، وأنا ساكته كفاية كده. وتفضلي بقى، عشان قاعدة مع أهلي كمان، تلحقي تجهزي مكان لضيوفك.
تركتها ماسة وجلست مع عائلتها مجددًا، بينما ظل وجه فايزة متشنجًا بالغضب ثم تحركت كانت جميع عائلة ماسة يشاهده الموقف بصدمه
.
نظر إليها مجاهد متعجبا: في إيه يا بنتي؟
ماسة هزت كتفيها بلا مبالاة: مفيش، بس زهقت منهم خلاص.
عمار، وهو يراقبها بتركيز: ماسة، مالك؟ إنتي مش على بعضك إزاي كلمتها كدة ومن امتى؟
تنهدت ماسة وهي تنظر إليهم بجدية: زمان كنت بحاول اكسبهم، وكان نفسي يتقبلوني، لكن للاسف محصلش نفس الكره، وبالعكس زاد بعد الحادثه، فخلاص، مش هحاول أرضيهم أكتر من كده. قلت لهم إني عارفة إنكم عمركم ماحبتوني، وإنكم أصلاً كنتوا بتمثلوا عليا الحب. من فترة وقفت قصادي وقالت لي: أنا هخليه يطلقك.
سعدية: الولية دي مش عايزة تتهد، ربنا يهدها أنا ياما قولتك قولي لجوزك متسكتيش بس كنت هبله طلع لخالتك.
وضعت ماسة يديها في جيبها، قبل أن يسألها مجاهد بقلق: مالك يا بنتي؟
ماسة، وهي تضع يدها على رأسها: عندي شوية صداع بس يا بابا.
مجاهد، معاتبًا: ما هو كل اللي إنتِ فيه ده بسبب إهمالك في صحتك!
سعدية، متدخلة بحدة: أنا مش هتكلم، عشان كلمتي بتقف تزورها!
نظرت ماسة لهم بصمت، ثم نادت: سحر!
جاءت سحر سريعًا: نعم، يا ست هانم؟
ماسة: هاتي لي فنجان قهوة وبرشام الصداع بتاعي.
سحر، مستاءة: يا ست هانم، إنتِ كل يوم بتاخدي لك حبايتين كده، ماينفعش! ده تالت مرة تشربي قهوة النهارده، غير النسكافيه!
ماسة، بنبرة صارمة: سحر، مش عايزة كلام كتير!
سحر، مستسلمة: حاضر، يا هانم، أمرك!
نظر لها مجاهد بحزن، ثم قال: بقولك إيه، يا ماسة؟ علاقتك مع أهل جوزك مش حلوة… تيجي تعيشي معانا إنتِ وسليم؟ وتبقي وسطنا
نظرت له ماسة بصمت، بينما قال عمار: وهو سليم هيوافق يعيش معانا؟
ماسة، بتنهيدة: ماعرفش… عمري ماتكلمت معاه في الموضوع ده.
سلوى، بتفكير: هو مشكلته إنه مش عايزك تخرجي، طيب يسيبك تيجي تعيشي معانا بنفس التأمين اللي هو عايزه! افتحي معاه الموضوع، ولو مارضاش، أنا هخلي مكي يكلمه.
سعدية، موافقة: صح كده، يا ماسة!
ماسة، باستسلام: خلاص والله، هكلمه… بس محدش فيكوا يتدخل غير لما أنا أتكلم معاه الأول!
واخذو يتبادلون الحديث وسط أجواء من الألفة، وبعد وقت، دخل سليم بابتسامة دافئة تضيء وجهه، ثم قال بنبرة بترحيب:
سليم: إيه النور ده؟
تقدم لمصافحتهم بحرارة، ثم سأل باهتمام: إيه الأخبار؟ عاملين إيه؟
مجاهد، بنبرة ودودة: الحمد لله، وإنت عامل إيه يا ابني؟
جلس سليم على مقعد، بابتسامة هادئة: كويس، بس مابتجوش ليه؟ يعني لازم ماسة تكون صاحيّة عشان تيجوا؟ تعالوا شوفوني أنا كمان، وحشتوني!
سعدية، بلهجة حانية: هنجيلك يا حبيبي إن شاء الله.
ماسة بلطف: سليم، أحضّر لك حاجة تاكلها؟
سليم، وهو ينظر إليها بحب: لا يا عشقي، أنا أكلت.
ماسة، بهدوء: تمام.
نظرت سعدية لسليم للحظة، وكأنها تفكر كيف تصيغ حديثها، ثم قالت بحزم: بقولك إيه يا سليم يا حبيبي، إيه رأيك تيجوا إنت وماسة تعيشوا معانا؟
رفعت ماسة عينيها نحو والدتها بضيق من حديثها في هذا الموضوع، قبل أن تناقشه هي مع سليم. لكنها لم تُظهر اعتراضها واستمرت سعدية في حديثها:
يعني إنت مش عايزها تخرج وتفضل هنا خلاص، تعالوا بقى عيشوا معانا! على الأقل تبقى معايا، ونونسها، بدل ما كل شوية تقول لك: عايزة أشوف ماما، وعايزة أروح لماما ولا إنت شايف إيه؟ ولا إحنا مش قد المقام؟
سليم نظر إليها بهدوء، بتفكير. ألقى نظرة خاطفة على ماسة، التي كانت تنظر له بترقب، ثم قال بنبرة جادة:
أوعي تقولي كده تاني! إنتِ عارفة مقامكم عندي كويس.، أنا ماعنديش مشكلة نعيش عندكم، بس مش هينفع دلوقتي
تعجبت ماسة أنه وافق بتلك السهولة تساءلت: بجد، طب مادام ماعندكش مشكلة، خلاص نروح!
سليم، وهو ينظر لها مطولًا: مش دلوقتي، كمان شهرين كده ولا حاجة في حاجة بس عايز أعملها الأول.
سعدية، بلهجة مطمئنة: طب خلاص، مادام شهرين مش كتير.
سليم التفت إلى ماسة، ركز النظر بها، ملامحها مرهقة وعيناها شاحبتين، كأن النوم هجرها منذ أيام، ثم قال بصوت خافت لكنه يحمل بعض العتاب:
شكلك لسه مانمتيش من امبارح!
ماسة، بهمس: آه.
سليم، بنبرة حادة بضيق: والله!! لا، إنتِ كده وضعك ما ينفعش.
لم ترد ماسة، بل اكتفت بخفض نظرها إلى الطاولة أمامها.
عمار:
ايه يا سليم، مش هتيجي تعدي علينا بقى؟ في أخبار مهمة عن الشركة، جالنا عروض حلوة من الجامعات عايزين يشتركوا معانا.
سليم: خلاص، بكرة هاجي على الساعة 2، نقعد مع بعض. أنا عايزك تركز كويس وتدير الشغل بحرفية، لأن بعد كده إنت هتبقى مسؤول عن كل حاجة. مؤيد معاك الفترة دي عشان يفهمك تفاصيل الشغل، لكن بعد كده، القرار هيبقى في إيدك.
عمار، بحماس: ماتقلقش، جبت لك عروض ممتازه وأفكار لتنظيم رحلات هتعجبك. حتى يوسف بيفكر نعمل رحلات يومية للمدارس.
يوسف، بابتسامة: ومش بس المدارس الإنترناشونال! فكرنا كمان نعمل صفحات على فيسبوك لتنظيم الرحلات، بحيث تبقى يومية، ويكون فيها مشرفين، ونغطي محافظة مصر، أو المزارات المهمة، كل جمعة مثلاً، بأسعار مناسبة.
سليم، بابتسامة راضية: خلاص، بكرة نقعد ونناقش الموضوع كويس.
سعدية، بفخر وهي تنظر لأولادها: ما شاء الله عليكم! شفت بقى يا سليم؟ قلت لك ولادي هيشرفوك!
تبسم سليم، وهو ينظر لهم بإعجاب: وأنا متأكد من ده المهم بس يركزوا بردو في دراستهم ..
ثم التفت إلى مجاهد وسأله: كل حاجة تمام في المطعم يا عم مجاهد؟
مجاهد، وهو يستقيم في جلسته: الحمد لله يابني.
سليم: مش عاوز تفتح فرع جديد؟
مجاهد، بابتسامة هادئة لكن حازمة: لا، هو كده حلو، يا ابني. أنا حاطت عيني في وسط راسي، الأكل لازم يبقى نضيف وكويس، والواحد يتقي ربنا.
سليم، مؤيدًا: مظبوط، شغل المطاعم مش سهل، وخصوصًا مع تركيزك الدائم على الخامات والجودة والنظافة، وده أهم حاجة عشان ربنا يبارك في الشغل،، ايه يا سلوى امتحاناتك امتى؟!
سلوى، وهي تعدل جلستها بحماس: امتحاناتي كمان أسبوعين.”
سليم، بابتسامة مشجعة: ربنا معاكي.
بدأوا يتبادلون الحديث بود، وكان سليم يسأل عنهم باهتمام، يتعامل معهم كأنهم عائلته ويوليهم عناية كبيرة. كان يهتم بكل تفاصيل يومهم، حتى عند تناولهم العشاء معًا وتذوق الحلويات، ثم جلسوا في الحديقة. كانت ماسة تحاول قدر المستطاع السيطرة على شعورها بالنوم، فهي لم تنم منذ ليلة أمس، فبدأت تشرب المنبهات بكثرة، تحاول مقاومة النوم حتى يغادر أفراد عائلتها في الليل. وبعد رحيلهم، صعدت ماسة وسليم إلى جناحهما. فور دخولهما الجناح، ألقت ماسة بنفسها على الفراش.
نظر إليها سليم وقال بنبرة جادة: انا عايز أتكلم معاكي
ماسة: والله ماقادرة.
اقترب منها وجلس أمامها: معلش اقدري وقومي شوية.
ماسة: والله لو تكلمت من هنا لبكرة، مفيش حاجة هتوصل لدماغي، مش هفهم حاجة فكك مني بقى.
سليم بضيق: هنفضل لحد إمتى كده؟ مش قادر أتكلم معاكي احنا هنرجع تاني لنفس الدايرة.
ماسة بحدة: بقولك إيه، ماتزعقش، أنا عايزة أنام مش قادرة و لو عايز تتخانق أجلها لبكرة تصبح على خير. اقفل النور ده.
سليم: طب مش هتغيري هدومك؟
ماسة: لا، هنام كده.
ثم وضعت الوسادة فوق رأسها. تنهد سليم بمرارة وضيق.
أمام الجامعة، سلوى الرابعة مساءً.
تخرج من باب الكلية، وتجد مكي في انتظارها أمام السيارة اقتربت سلوى بابتسامة.
مكي بابتسامة: الحمد لله على السلامة.
سلوى بتفاؤل: الله يسلمك. بقولك إيه، عايزة أعدي على المكتبة هنا، هجيب المراجع.
أدخل يده فى السيارة وناولها أوراق: اتفضلي يا ستي، أنا اشتريت لك كل الملازم اللي أنتي محتاجاها.
سلوى مندهشة وسعيدة بجد؟ ميرسي.
مكي بابتسامة دافئة: وقدمت لك كمان على الكورسات اللي عايزاها عشان تاخديها بعد ماتخلصي الامتحانات.
أمسكت سلوى يده بخجل.
سلوى بامتنان: مش عارفة أقول لك إيه، بجد شكراً جداً على كل حاجة بتعملها معايا، واهتمامك وكده.
مد مكي يده ليضعها على خدها بلطف.
مكي بحنية: لو ما كنتش أنا اللي اهتم بيكي وأخد بالي منك، مين هيأخذ باله؟ وبعدين، انتِ كلها ست شهور وتبقي مراتي.
ابتسمت سلوى بخجل، ونظرت له بتردد.
سلوى بتردد: على فكرة، أنا مش هروح الكلية تاني. أخدت النهاردة الحاجات المهمة، وهقعد بقى أذاكر الامتحانات.
مكي موافق،: تمام، إحنا هنعدي بقى على الفيلا عشان نشوف المهندس عمل إيه.
سلوى بابتسامة: تمام بس لازم امي تكون معانا او حد من اخوتي.
مكي اكيد طبعاً هنكلم خالتي سعدية من عربيه تجهز نفسها
مجموعة الراوي
في مكتب سليم،
نشاهد سليم يتوقف في منتصف المكتب وهو يقوم باستقبال مجاهد استقبالا حارا
سليم مندهش: ايه المفاجأة دي.
ابتسم مجاهد بخجل: انا آسف جدًا يابني لو كنت جاي لك في الشركة، بس كان لازم أتكلم معاك.
سليم مبتهجا: حضرتك تيجي في أي وقت يا عمي. اتفضل، اتفضل.
جلسا متجاورين على الأريكة. طلب سليم من نور السكرتيرة أن تعد لهم شاي، وطلب منها ألا يدخل عليهما أحد.
سليم: أول ما قالولي إن حضرتك بره ماصدقتش أتمنى بس تكون الزيارة مافيش مشكلة
مجاهد بتواضع: خير إن شاءالله، آسف إني جاي لك كده من غير ميعاد، عارف إن مشاغلك كتير، كنت لازم أتكلم معاك شوية، من أب لابنه، أنا عارف إني مش قد المقام يعني.
سليم ارتسم على وجهه بتهذب: حضرتك ماتقولش كده يا عمي اتفضل أنا سمعك.
أخذ مجاهد نفسًا عميقًا:
بص يا سليم، أنا كنت عايز أتكلم معاك عن ماسة.
إحنا كنا معاك في كل حاجة لحد اللحظة دي، وأتكلمنا مع ماسة، وبيني وبينك، إنت كنت مزودها عليها شوية، بس احترمنا خوفك وفهمناه.
بس يا حبيبي، البنت بدأت تدبل… بقت عاملة زي الورد اللي ماحدش بيسقيه.
هي صابرة وساكتة عشان بتحبك، وماشتكتش، بس إنت شايف بعينك بقت عاملة إزاي؟
أنا عمري ما اتدخلت في حياتك ولا في حياة بنتي، ومستحيل أعمل كده، بس لما شفت ماسة امبارح بالمنظر اللي هي فيه، حسيت إن الأمور بدأت تكبر.
بص يا سليم، إنت مابتخرجهاش يا ابني، ما بتوديهاش في حتة، ولا حتى معاك.، مع إنها ملزمة منك إنك تخرجها، الحياة مش أكل وشرب وبس، لا يا ابني… مش عشان إنت بتأكلها وبتشربها يبقى خلاص!
ده الحيوان بيقولوا حرام يتحبس، ولما بتشوفه في قفص، بيصعب عليك، ويبقى نفسك تحرره وتقول: ده مكانه في الغابة.
الحيوان نفسه بييجي عليه وقت بيبقى عايز يخرج… طب تخيل ده بني آدمة! إنت حابسها بين أربع حيطان بقالها كتير.
أنا مش عايزك تخرجها، بس على الأقل سيبها تيجي عندنا تشم شوية هوا،
تقعد مع أمها واخواتها، تشوف الشارع والناس، كده حرام يا ابني…دي بقالها تقريبًا أكتر من سنة ونص من وقت الحادثة ما خرجتش!
سليم مغمض عينيه بتفكير عميق قال بأسى:
والله يا عمي، من غير ما تقول، أنا كنت ناوي أعمل كده. وعارف إني أذيت ماسة، وإني مقصر في حقها. بس والله، أنا خايف عليها.
مجاهد برجاء: سليم، هو أنا ممكن أسالك سؤال يا ابني؟
سليم بتهذب: طبعاً، يا عمي، اسأل.
نظر مجاهد لسليم بتمعن: هو فيه حد مهدّدك بالبنت؟ عشان كده قافل عليها؟ قول ماتخبيش عليا والله ماهقول لحد.
ضحك سليم بحسرة: يا ريت، يا ريت يكون في حد مهددني. لو كان في حد مهددني، ماكنتش وصلت للي أنا فيه ده. كنت هعرف مين اللي بيعمل فيا كده، أكمل بنظرة شرسة:
وأجيبه هو وأهله، وأقطع نسله كلهم، وأحرقهم من أكبرهم لأصغرهم.بس أنا بحارب شبح. هو عارف كل خطواتي، وأنا ماعرفش عنه حاجة. عارف حضرتك إن أنا لو عارفه، والله كنت سبتها تخرج. بس أنا معرفش. معرفش هو بيفكر إزاي، نقط ضعفه، نقط قوته. فعشان كده خايف عليها. بعدين، أنا مش قولت لحضرتك، اديني شهرين او اكتر شوية، وأنا هاجي عندكم.
مجاهد بنظرة حانية: طب في الشهرين دول، سيبها تيجي أو أنت جيبها وخدها.
سليم بأسف: مش هينفع يا عمي. تتحمل شهرين بس؟ هي صبرت كتير.
مجاهد بهدوء، وحكمة: ماشي يا سليم. بس أنا عايزك تاخد بالك. الست بتصبر، بتصبر، بس بيجي عليها وقت لما بيفيض بيها، بتبقى صعبة. أنا مش عايزك توصل مع ماسة كده. ماسة بنتي من صغرها وهي حاملة أسيه. مهما يحصل فيها، بتسكت وبتصبر. عكس سلوى، سلوى بتتكلم كثير وبتزعق، مبتسيبش حقها. عشان كده في ناس كتير بيفتكروها قوية عن ماسة. مع إن سلوى دي، بتغضب ليومين، تلاتة، وبعد شوية تلاقيها ولا كأن حاجة حصلت. بس ماسة دي تسكت وتسكت، بس لما بتقفل خلاص، بتبقى صعبة.
نظر مجاهد إلى سليم بجدية، وصوته تحول إلى تحذير:
خاف يا ابني. من الساكت. أوعى تخاف من اللي عمال يزعق.
سليم بإحساس بالمسؤولية: أنا عارف يا عمي إن حضرتك خايف على علاقتي بماسة. هم شهرين، وأنا هجيبها، وتقعد عندكم. موضوع انها تخرج وتيجي عندكم، مش هينفع دلوقتي، عشان أنا ماشي ورا خيط كده.
مجاهد بتفهم: طيب.
إخلاء الفترة…
الوضع بين سليم وماسة أصبح صعبًا ومتغيرًا، واتخذ منحًى جديدًا لا يُبشّر بالخير.
ماسة لا تزال تنام طوال النهار وتستيقظ مع طيور الليل، لم يتغير شيء في عادات نومها، ولكنها تغيّرت في أمورٍ أخرى.
أصبحت لا تُنصت لسليم، لا تبالي بكلماته، ولا تمنحه فرصة للحديث
كان يرغب كثيرًا في التحدث إليها، في مناقشة ما يحدث… لكنها ترفض، تتهرّب، تصمّ أذنيها عن كل محاولة منه.
وكلما أراد الاقتراب، واجهته بجدار من الصمت أو التجاهل.
العلاقة بينهما لم تعد كما كانت، تغيّرت، وتشققت بصمتٍ مؤلم.
كما نشاهد سلوى وقد انشغلت تمامًا في إجراء امتحاناتها الخاصة. كانت حياتها مزدحمة بالدراسة والتحضير، حتى إنها لم تجد الوقت لزيارة ماسة خلال تلك الفترة، رغم علمها بما تمر به.
💞________________بقلمي_ليلةعادل。⁠◕⁠‿⁠◕⁠。
قصر الراوي، الثانية عشر صباحًا
الليفينج روم.
نشاهد ماسة جالسة على الأريكة، رافعة قدميها على الجهة الأخرى، تشاهد التلفاز بتركيز عميق، وضحكاتها تعلو بين الحين والآخر، تناولت بعض الفشار بيدها، بينما كان هناك سناكس وعصير على الطاولة أمامها، لكن وجهها كان يعكس الإجهاد الشديد، وأسفل عينيه دائرة سوداء بسبب قلة النوم والإرهاق الذي بدأ يظهر جليًا عليها،.
دخل سليم الغرفة وجلس بجانبها في زاويتها بضجر شديد.
فهو يريد التحدث معها منذ فترة ولا يعرف ، سأل بضيق: ها؟ النهاردة فاضية نتكلم مع بعض ولا زي كل يوم؟ مش قادرة، مش حابة، ولا ليكي مزاج؟ لسه مفوقتيش، أنا عايز أتكلّم معاكي.بقالي شهر كامل مش قادر أتكلم معاكي ولا حتى عارفين نقعد شوية مع بعض زي أي أزواج طبيعية!
ماسة وعينيها على شاشة وهي تتابع الفيلم بعدم اهتمام: بعدين يا سليم، عايزة أركز في الفيلم.
فجأة، جز سليم على أسنانه، فقد سئم من ذلك الأسلوب، أمسك بالريموت وأغلق التلفاز بعنف.نظرت له ماسة باستغراب واتسعت عيناها، ثم قالت بنبرة حادة، وكأنها تحمل عصبية غير معتادة: إيه الأسلوب ده؟ مش شايفني بتفرج؟
سليم بجديّة: قولتلك عايز أتكلم معاكي وبعدين واطي صوتك.
زفرت ماسة بحدة وعدلت من جلستها في زاويته: قلتلك بعد متفرج.
سليم بشدة: لا، هنتكلم دلوقتي. كل مرة بستناكي، وفجأة بنام غصب عني.
ماسة بتهكم: أعمل لك إيه؟ أنت اللي بتنام بدري.
سليم باعتراض: أنا مش بنام بدري، أنا بنام زي الناس الطبيعيين. لكن إنتي اللي بقيتي غريبة.
عقدت ماسة حاجبيها بتعجب: إيه الغريب في كده؟ أنا مبسوطة كده. حياتي ممتعة، أنت مش هتفهمني لأنك ماجربتهاش..
سليم برفض: إنتي بتكذبي على نفسك! شايفة نفسك؟ شايفة وشك؟ شايفة أسلوبك؟ إنتي بتتغيري، إحنا كمان بعدنا اوي مش معقول مش ملاحظة بعدين الحياة دى مش صحية خالص وبتجيب اكتئاب.
ماسة برفعة حاجب واستنكار: والله أنا مرتاحة كده. إنت مالك؟ أنا اشتكتلك.
زمجر سليم قال بصوت عالي معترضا: أنا مالي؟! لا أنا مالي ونص! أنا مش راضي عن اللي بتعمليه ده، إنتي خلاص بقيتي بعيدة عني، ومش بنشوف بعض إلا بالصدفة. ده مش طبيعي، ودي مش حياة. الطريق اللي انتي ماشية فيه ده غلط، اسمعي من النهاردة هترجعي تنامي بدري وتصحي بدري زي الناس الطبيعية. شغل الخفافيش ده لازم توقفيه، فاهمة؟
ابتسمت ماسة بسخرية: يا سلام! يعني مطلوب مني أقول لك: سمعًا وطاعة يا سليم بيه؟
نظر سليم داخل عينبها بقوة: أيوة، لازم تسمعي وتنفذي كلامي وتقولي لي حاضر يا جوزي يا حبيبي، يابنتي أنا خايف عليكي. انتي مش شايفة نفسك؟ اللي إنتي فيه ده مش صح.
ماسة بتهكم بنبرة فيها نوع من السخرية: طيب يا جوزي يا حبيبي، هقول لك سمعًا وطاعًة بس عندي شرط.
سليم عاقدا حاجبيه: شرط؟! وايه هو الشرط يا ماستي المتمردة؟
تبسمت ماسة وهي تشير بيدها: أولا إنك تسيبني أروح الجامعة مع أختي، وأنزل أشوف الناس، ثانياً أخرج مع هبة وأصحابي، وأرجع لحياتي الطبيعية. أروح عند ماما، وكل الكلام ده لازم يحصل، علشان أقدر أغير حياتي، وأنت كمان هتخرجني زي زمان ونسافر أوعى تقول لي هنروح نعيش مع مامتك قريب، عشان انا مش هعيش من سجن لسجن على الاقل هنا بلاقي ناس مكبرة دماغها كل واحد في حاله لكن هناك هلاقي اللي يدافع عنك بيديني بالجزمه عشان خاطر جنابك.
سليم: ولو مامنفذتش طلبك، هتفضلي زي ما إنتي.
تبسمت ماسة ببرود بحسم: بالضبط هفضل زي ما أنا. أنا لو صحيت، هنكد عليك حياتك صدقني، أنت كده بتريح دماغك، أنا مضايقاك في ايه؟ مش فاهمة، مش كل مرة بتطلبني،بتلاقيني!! هو في مرة جيت قولتلك لا ها !! ودي أهم حاجة عندكم كرجالة،خلاص بقى، فكك مني وسبني أتفرج على الفيلم، يلا روح نام. إنت النهاردة متأخر ساعة عن ميعادك.
نظر سليم بعصبية أمسك الكوب من على الطاولة، وألقى به بعنف، توقف وقال بغضب شديد: ماتتكلميش معايا بالأسلوب ده! اتكلمي بأدب يا ماسة ماستفزّنيش احسن لك.
توقفت ماسة، وصاحت في وجهه، متأثرة بالغضب:
بقولك ايه! أنت منعتني من كل حاجة، وعيشتني في السجن ده عشان أفكارك المجنونة! وعايز دلوقتي كمان تتحكم في نومي وصحياني؟! قسمًا بالله، ماهيحصل! لو هتوقف على طلاقنا فاهم، إنت فاضل تتحكم في الهوا اللي أنا بتنفسه؟
سليم وهو يحاول لجم غضبه: ماسة مش قولك تاني اتكلمي معايا بأسلوب مهذب، ووطي صوتك، ما بحبش الصوت العالي انتي بتتكلمي معايا كده ليه؟ أنا خايف عليكي.
ماسة بعند: هو ده الأسلوب اللي عندي يا أستاذ سليم. لو مش عاجبك!! طلقني، او أعمل اللي عايزه، مش فارق لي. واتفضل أخرج وسيبني أتفرج على الفيلم بمزاجي.
عادت ماسة إلى الأريكة، وجلست في مكانها بتحدٍ ظاهر، وأمسكت بالريموت لتعيد تشغيل التلفاز. رفعت الصوت إلى أقصى حد، حتى لا تسمع صوت أنفاسه الغاضبة خلفها. بدأت تشاهد بتركيز متعمد، تطلق ضحكات مفتعلة، كأنها تتجاهل تمامًا وجود سليم الواقف خلفها يشتعل غضبًا.
كان سليم ينظر إليها بصمت، وعجز واضح يملأ عينيه، ويداه ترتجفان من شدة الغضب. كانت ملامحه مشدودة، تقطيبة جبينه وحمرة عينيه تخفيان ملامحه المعتادة، كأن الغضب قد غطى وجهه بقناع قاسٍ. ظلت أنفاسه عالية، وبقي واقفًا للحظات، يبحث عن أي طريقة للتعامل مع عنادها، لكنه لم يجد سوى أن يدير ظهره. بخطوات ثقيلة، غادر الغرفة وصفق الباب خلفه بعنف، لعلها تشعر بغضبه.
بقيت ماسة في مكانها لحظات، وعيناها على الشاشة، تتظاهر بأنها لا تهتم. لكنها لم تستطع خداع نفسها. بمجرد أن هدأ الصوت من حولها، شعرت بثقل الوحدة يجتاح قلبها. فجأة، امتلأت عيناها بالدموع، وبدأت تنهمر دون توقف.
بغضب مكبوت، رفعت قدمها وضربت الطاولة أمامها بعنف، مما أدى إلى سقوط الأكواب والسناكس أرضًا. كان صوت التحطم أشبه بصدى روحها المتكسرة، كأن كل ما انهار على الأرض كان انعكاسًا لما بداخلها. أمسكت رأسها بيديها، ودموعها تغرق وجهها، وهي تجاهد لفهم ما آلت إليه حياتها.
((خلال الفترة الأخيرة))
بدأت الحياة بين سليم وماسة تأخذ منحنى خطير،، أصبحت مليئة بالكثير من الشجارات، وكأن كل كلمة تخرج من فم أحدهما تؤدي إلى خلاف جديد. كانت ماسة تشعر بحزن داخلي وضغط عاطفي، تجرأت في لحظات غضبها أن تقول لسليم: “إذا لم يعجبك ذلك طلقني.” كان صوتها يحمل مزيجاً من القهر و اليأس كأنها تبحث عن حل لحالتها المأساوية، لكنها في نفس الوقت تدرك تماماً أن الأمر لن يكون بهذه البساطة.
جناح سليم وماسةالعاشرة مساءً
كان سليم جالسًا على المقعد أمام ماسة، التي كانت جالسة على الأريكة، تتطلع إلى الفراغ بينما هو يتحدث بحماس عن مشروع جديد يخطط له. كان يشرح التفاصيل بثقة، منتظرًا أن تسمعه رأيها وتعلق عليه، كما كانت تفعل دائمًا. لكنه لاحظ أنها شاردة تمامًا، عينيها معلقتين في نقطة غير واضحة، وكأنها لم تسمع أي شيء مما قاله.
سليم بضيق وهو يغلق الملف أمامه: ماسة؟!
لم ترد.
سليم بنبرة عالية وهو يضرب بيده على الطاولة: ماسة! أنا بكلمك!
رفعت رأسها ببطء، وكأنها كانت في عالم آخر. ها؟
سليم بعصبية: بقول لك أنا بكلمك، مابترديش عليا ليه؟!
ماسة بارتباك وهي تفرك عينيها: معلش… ماكنتش واخدة بالي.
تلك الجملة كانت كفيلة بإشعال غضبه أكثر. شعر وكأنها لم تعد هنا، وكأنها لم تعد تهتم حتى بالاستماع إليه.
نهض سليم بعصبية: أنا زهقت! زهقت من طريقتك دي ومن الحياة دي! إيه اللي انتي فيه ده؟!
هزت ماسة كتفيها ببرود: اللي أنا فيه ده إنت السبب فيه! من أكتر من شهرين قلت إنك هتودّيني أعيش عند ماما، وماحصلش!
سليم بتحدي: قلت لك هودّيكِ! بس هو لازم شهرين بالضبط؟؟
ماسة بحدة وعيون مليئة بالغضب: لا شهرين ولا عشر شهور حتى هتنفذ كلامك، أنت بتقول كلام وبس! إنت عايز تحبسني في زنزانتك دي وبس!
اقترب سليم منها بصوت يزداد حدة: بقول لك إيه، أنا كده، وهي دي حياتي وهي دي عيشتي!
ماسة بهدوء قاتل، عيناها مغروسة في عينيه مباشرة، وكأنها تقتلع الكلمات من أعماقه: زي ما هي دي حياتك، أنا كمان هي دي حياتي.، لو مش عاجبك، طلقني .. صمتت لحظه ثم قالت:
أنا بقولك بجد، مطلقني يا سليم، وخلينا نخلص. أنا زهقت. طلقني يا سليم ، أنا عايزة أطلق، والمرة دي بجد مش متعصبه.
كان الصوت هادئًا، لكن وراءه كان يختبئ بركان. لم تكن هذه مجرد كلمات، بل كانت صرخة داخل قلبها المكسور، تحمل بين طياتها كل ما عجزت عن قوله طوال الفترة الماضية.
ساد الصمت فجأة. نظراتهما اشتبكت في تحدٍ خفي، لكن هذه المرة، شعر سليم بشيء مختلف. لم تكن ماسة تهدده أو تحاول استفزازه… بل كانت جادة. كان هذا جرس إنذار مدوي يخبره أن الأمور قد خرجت عن السيطرة، وأنه على وشك خسارتها حقًا.
نظر سليم داخل عينيها، وقال وهى تك على كلامه: عايزة تطلقي يا ماسة، مش أول مرة تقوليها.
ماسة بقهر: إنت هديت أملي الوحيد، اني ممكن أروح أعيش عند ماما بعد ماوافقت، ماخدتنيش.
سليم: هو أنتي مش قلتي لي لو رحنا هناك هتلاقي حد يدافع عنك، وسعدية هتفضل تضايقك؟
نظرت له ماسة، نظرة ساخرة، ثم قالت بابتسامة جافة: والله أنت بتقول أي حاجة. عموماً أنا قلت اللي عندي. هي دي طريقة حياتي، وهي الطريقة اللي هعيش بيها. ما قداميش أي حاجة تانية أقدمها لك.هي كده يا ننهي كل حاجة يا سليم.
تبادلا النظرات لحظات بحزن شديد..
ثم تركته، ودخلت الحمام وأغلقت الباب وراءها وجلست على الأرض خلف الباب تبكي، بينما توقف سليم في المكان للحظة يحاول ان يستوعب ماحدث بقلب ينفطر، خرج خارج الغرفة هبط حتى الحديقة، أخذ يتحرك بين الزهور والأشجار، يفكر في كل شيء حدث بينهما خلال الفترة الأخيرة كيف وصلت الأمور إلى هذا الحد؟ حتى أنها طلبت الطلاق منه. كان يشعر أن النهاية قد اقتربت، وأنه ربما فقدها للأبد. تذكر حديث والدها عندما قال له إن السيدات يصمتن كثيرًا، لكن عندما ينفجرن، يكون قد وقع المحظور. كما تذكر عندما قال له أن ماسة تصمت طويلًا، ولكن عندما تغضب، يصعب احتواؤها.
كان سليم في حالة من التشتت الشديد، يشعر بالحيرة والخوف هي لا تعلم مدى خوفه عليها يخشى عليها لو خرجت يحدث لها شيء.لا يستطيع المغامرة بحياتها، كان يتخيل أسوأ السيناريوهات التي قد تواجهها في الخارج. كل فكرة كانت تزيد من قلقه، وكل لحظة كان يحاول أن يجد حلاً، لكنه كان لا يستطيع اتخاذ قرار واضح.
اثناء ذلك، كان مكي في الحديقة يدخن سيجارة. بعد قليل، اقترب من سليم.
توقف سليم بجانبه،وبصوت منخفض وحزين: أنا عايز أتكلم معاك.
التفت مكي له بتساؤل وقلق: مالك يا سليم؟
مسح سليم وجهه بحزن: مافيش… متخانق مع ماسة لدرجة… إنها طلبت الطلاق.
مكي بضجر: هو ده اللي كنت خايف منه… قلت لك ماسة هتتحمل، بس هيجي عليها وقت… وتنهار.
أغمض سليم عينيه لحظات، وتنهد فتحها ونظر لها بمرارة: مش أول مرة تقولها، بس المرة دي… حسيت إنها مصممة. في الأول كانت بتقولها في وسط الكلام… كانت تقول لي لو مش عاجبك طلقني. لكن المرة دي… وقفت، حطت عينيها في عيني وقالت لي: طلقني يا سليم. ماسة خلاص بتروح مني.
فكر مكي لحظة، ثم سأله: وأنت قررت تعمل إيه؟
تنهّد سليم مرة أخرى بألم: قررت إني هخليها تخرج، بس مع شوية شروط.
مكي متعجبًا: وأيه هي الشروط؟
سليم يتكلم بصوت هادئ، لكنه حاسم: هقولك، بس المهم تبدأ تحضر نفسك عشان يوم السبت ماسة هتروح الجامعة وتحضر المحاضرات.
أشار مكي بيده مستغربًا: طب ليه معملتش كده من الأول؟ ليه وصلت نفسك للنقطة دي يا سليم؟
سليم بصوت واثق، ولكنه محمل بالندم: ما أنت عارف… أنا خفت عليها.
مكي باستهجان: كان ممكن تعمل نفس الشروط اللي بتقولها لي دي.
سليم بابتسامة مريرة: خلاص بقى… المهم تسمعني كويس عشان أقول لك الشروط… لأن في حاجات لازم أنت تعملها.
ضحك مكي: سامعك يا مجنون.
جناح سليم وماسة.
كانت ماسه تجلس على الاريكة تشاهد التلفاز بعد خناقتها مع سليم، فجأة دخل سليم الغرفة وجلس أمامها، مرر عينه عليها بصمت وهي تشاهد التلفاز فقط دون اكتراث له.
سليم بهدوء: ماسة، أنا قررت أدخلك الجامعة عشان تخرجي شويه من الحالة اللي إنتي فيها دي وهسيبك كمان تخرجي براحتك مع أصحابك وتروحي لمامتك.
نظرت ماسة له بصدمة وتلعثم: إيه ايه؟ إانت بتقول ايه!
سليم: زى ماسمعتي.
ماسة باندهاش يبدو أنها مازالت لا تصدق عدلت من جلستها: و ده من ايه وليه؟!
سليم بحزن: علاقتنا بقت بتبوظ كل يوم أكتر من اليوم اللي قبله وانا مش عايز ده.
نظرت ماسة أمامها قالت بجمود: إنت السبب.
سليم بعقلانية: مش مهم مين السبب دلوقت المهم الحل. يمكن دخولك الجامعة يغير حاجة، حتى لو حاجة بسيطة بس في شرط واحد.
نظرت له ماسة بعدم تصديق: انت بتتكلم جد يا سليم.
سليم بتأكيد: أيوه بس عندي شروط.
ماسة بسعادة: مش مهم أي شروط، أنا موافقة. المهم إني أدخل الجامعة وأخرج وأشوف الناس.
سليم بنبرة جادة: أول شرط، أنا اللي هوديك الكلية وهجيبك منها.
هزت ماسة رأسها بإيجاب: موافقة.
سليم: الحراس هيرافقوك في المحاضرات، ومكي هيبقى معاكي طول الوقت.
ماسة بعين ترقرقت بدموع الفرح: موافقة.
سليم: أما بالنسبة لخروجك مع سلوى ومامتك وأصحابك، هكون أنا معاكي.
ماسة بقلة حيلة: موافقة يا سليم، بس عندي من صحباتي متجوزين، مش شايف إنه ماينفعش تقعد معانا، إحنا بنات.
سليم بتوضيح: لا، مش هقعد معاكي على الترابيزة. هقعد مع الحراس بتوعي، كأني جارد ليكي.
ماسة: يا حبيبي، كفاية مكي.
سليم بجمود: ده كل اللي عندي، عايزة تخرجي،أنا هكون معاكي، هتكون رجلي على رجلك دي شروطي.
هزت ماسة رأسها بإيجاب: موافقة على أي حاجه تقولها والله العظيم.
سليم: والأهم من ده كله، هتلبسي دي..أخرج لها إسوارة فضة.
ماسة: نظرت للإسوارة باستغراب: إيه دي؟
سليم: إسوارة فيها جهاز تتبع، ولما تحبي تخرجي، لازم تبلغيني قبلها بيومين عشان أجهز المكان.
ماسة: حاضر يا سليم، هعمل لك كل اللي عايزه، المهم أخرج وأشوف البشر.
سليم بجمود: كده اتفقنا،الترم الأول، هخليكي تنجحي فيه، ماتشيليش هم.
ماسة: ماشي.
سليم بحب: أنا بعمل كل ده عشان ماخسركيش يا ماسة. أتمنى تقدري ده.
ماسة بسعادة: مقدرة والله يا سليم شكراً.
أومأ سليم برأسه موافقًا، دون أن ينطق بكلمة، وتركها وتجه نحو الشرفة.
وخلال يومين كاملين، لم يجرِ بينهما أي حديث.
كانت ماسة في غاية السعادة لأنها ستعود إلى الجامعة أخيرًا، لكنها حرصت على تجنّب الحديث مع سليم، تخشى أن تتسبب أي كلمة منها في إثارة مشكلة تدفعه إلى التراجع عن قراره، حتى هو لم يحاول فتح أي نقاش معها كان يتلاشى التحدث معاها وكان يشعر بألم بسبب طلبها الطلاق وتلك الطريقه وانا ابتعادهم عن بعض بالنسبه لها شيء عادي.
حتى جاء اليوم الموعود.
جناح سليم وماسة الثانية عشر صباحاً
نرى ماسة تتوقف في منتصف غرفة الـدريسنج، تتنقل بحماس بين الرفوف، تخرج الملابس واحدة تلو الأخرى، تقلبها بين يديها بعينين لامعتين. غداً ستذهب إلى الجامعة، وأخيراً ستحلق خارج أسوار سجنها الذهبي. كانت كالفراشة، خفة وسعادة، تنثر الحياة حيثما تحركت، وابتسامتها التي غابت طويلاً أشرقت من جديد.
على الأريكة، يجلس سليم يراقبها بصمت، عيناه تتابعان كل حركة لها، وابتسامة خفيفة تتسلل إلى ملامحه، لكنها لم تصل إلى عينيه. بدا متجمداً، كأن شيئًا يعتصره من الداخل. قلبه يضج بمشاعر متناقضة فرح برؤيتها سعيدة بعد فترة، لكن الغصة في صدره كانت أقوى. كيف لها أن تبتسم هكذا بعدما طلبت الطلاق؟ كيف تتحرك بخفة وكأنها تتحرر منه؟ لم يكن يريد أن يحبسها، لكنه أيضًا لم يكن مستعدًا لخسارتها.
تقدمت ماسة نحوه وهي تحمل فستانين، وعيناها تلمعان بالحماس: ده ولا ده؟
رفع سليم نظراته الباردة، تأمل الخيارين للحظة ثم قال دون تردد: الأزرق.
قطبت ماسة جبينها بحيرة: لا… هلبس بنطلون وقميص افضل.
سليم: امال كنت بتساليني ليه من الاول
لم ترد عليه فقط استدارت عائدة إلى خزانتها، وأخذت تبحث مجدداً عن ملابس مناسبة، ثم خرجت تحمل خياراً آخر، ولوّحت به أمامه: هاه، اختار؟
ألقى عليها نظرة سريعة، ثم أشار إلى واحد منهما:
سليم: ده حلو ومريح.
ماسة بابتسامة: تمام!
اقتربت منه وهي تمسك الطقم، ثم رفعت رأسها نحوه، صوتها هذه المرة كان أهدأ، ممتلئ بالسعادة: أنا فرحانة أوي…
نظرت إليه، كأنها تنتظر رد فعل، لكنه ظل صامتاً، نظراته غامضة، وجهه متجهم احتضنته بحذر، تهمس بصوت خافت:
شكراً ليك… على اللي عملته عشان أروح الكلية… أنا عارفة إن ده مش سهل عليك.
جسده لم يتحرك، لم يبادلها العناق، لكنه أيضاً لم يبعدها. عينيه حملتا تعبيراً متعباً، نظرة مرهقة بداخلها عتاب وخذلان لم ترها فيهما من قبل.
تراجعت ماسة قليلاً، وسحبت يدها بهدوء، نظرت إليه مطولاً كأنها تحاول فك شفرته، قبل أن تقول بصوت متردد:
أنا عارفة إنك زعلان مني… بس ده كان لازم يحصل. أنا مش قادرة أعيش كده، مش قادرة أكون محبوسة أكتر من كدة تعبت.
أطلق سليم تنهيدة ثقيلة، مرر يده على وجهه بتعب:
خلاص يا ماسة… بلاش نتكلم في الموضوع ده.
شعرت بالضيق من بروده، قالت بحدة خفيفة: إنت بقالك يومين مش بتتكلم معايا خالص، كأنك بتتلاشاني. في إيه بالضبط؟ مادام الموضوع مضايقك كده، خلاص، عادي! ماروحش الكلية، بس والنبي افرد لي وشك شوية.
نظر إليها سليم بجمود، ثم زفر ببطء، رد بصوت منخفض لكن حاد: أنا هتلاشاكي ليه؟ بطلّي كلام مالوش لازمة، إنتِ تهميني، مش عايز أخسرك.
ارتبكت للحظة، لكنها لم ترد، حتى أكمل بجملة جعلتها تشعر بانقباض في صدرها: اللي مزعلني بس… كلمة (طلقني) وازاي قدرتي تنطقيها بحاول أتجاوزها، بس صدقيني صعب.
بلعت لعابها بخجل و توتر، شعرت بوخزة ندم لكنها لم تتراجع، بل قالت بصدق: أنا ماقصدتش أجرحك… بس كنت مضغوطة.
نهض من مكانه فجأة، كأنه يريد الهروب من هذه المحادثة، ثم نظر إليها نظرة سريعة وقال ببرود:
بقولك إيه سيبك مني، المهم بكره هتخرجي وتتحرري، زي ماكنتِ عايزة افرحي.
رفعت حاجبها بسخرية خفيفة، ثم استدارت لتكمل بحثها في الخزانة وهي تهمس بصوت بالكاد يُسمع:
صح… خليك إنت في نكدك ده!
تشنج فك سليم، جزّ على أسنانه بضيق، لكنه لم يعلّق… فقط نظر إليها نظرة طويلة، قبل أن يستدير بدوره ليغادر الغرفة.
في صباح اليوم التالي السابعة صباحاً
كانت ماسة تقف أمام التسريحة، ترتدي ملابسها بعناية، وتضع مستحضرات التجميل بدقة. كان شعرها منسدلًا على كتفيها، وجمالها لا يوصف.
خرج سليم من المرحاض فجأة وظهر أمامها.
سليم معلقًا: لبست بسرعة كده ليه
أجابته ماسة: وملبستش بسرعة ليه؟
نظر سليم في ملامحها بدقة: خففي المكياج شويّة
ماسة، بينما تضع أحمر الشفاه: مش هينفع، وشّي باهت جدًا.
سليم بحسم: أنا قلت خففي مكياج، مش عايز كلام كثير.
نظرت له ماسة بحنق وقالت في نفسها: يخرب بيت تحكماته.
بدأت تخفف من مستحضرات التجميل، ثم نظرت له برخامه وقالت: حلو كده.
أدار سليم وجهه في اتجاه آخر، وهو يكمل ارتداء ملابسه دون أن ير
أخذت ماسة حقيبة يدها وقالت: هستناك تحت.
وبالفعل، هبطت بسرعة للأسفل، وتوقفت عند باب الفيلا، حيث شعرت بحماس شديد.
خرجت فريدة من الباب الجانبي، وشهها مليان دهشة: إيه ده؟ صاحيـة بدري؟ ولابسة؟ وشكلك خارجة؟ ولا أنا بتهيألي؟
ابتسمت ماسة: لأ مش بيتهيألك، أنا رايحة الجامعة… أخدت إفراج.
فريدة بدهشة: بتتكلمي جد؟
ماسة بحماس: آه والله، سليم وافق أروح الكلية النهاردة… أول يوم ليا.
فريدة فرحت: والله دي أخبار جميلة! مبروك يا حبيبتي. حاولي تنتظمي، وتنامي بدري. صحتك أهم حاجة.
ماسة بهدوء: اللي ماعندوش حاجة يعملها، طبيعي يحس إن حياته فاضية.
فريدة لمست كتفها بلطف: انسي اللي فات، وركزي في دلوقتي.
نزل سليم من اعلى، أنيق كالعادة.
فريدة: صباح الخير يا سليم
سليم: صباح النور يا فريده
فريدة بابتسامة خفيفة: اللي إنت عملته صح.
هز سليم راسه بصمت ثم قالت: فريده هو انتم مش هتفطروا؟!
سليم: فطارنا في اوضتنا ما تتاخروش عشان الاجتماع، ومد إيده لـ ماسة: بعد إذنك يا فريدة.
هزّت فريدة رأسها ثم تركتهما ينصرفان.
وفي الخلف، كانت إحدى الخادمات تراقب المشهد، وقد سمعت كل شيء.
أسرعت إلى صافيناز وأخبرتها بما جرى، ليتغيّر وجه الأخيرة على الفور ما إن سمعت الخبر.
في سيارة سليم.
جلست ماسة في المقعد الخلفي، إلى جوارها سليم .
عيناها مشدودتان إلى نافذة السيارة، تستنشق هواء الشارع وكأنها تتنفس من جديد بعد عام ونصف، في القصر. قلبها يدق بسرعة، وكأنها خارجة لتوها من سجن طويل.
ماسة بفرحة تخرج من قلبها: أنا حاسة إني هتجنن… مش مصدقة إني شفت الشارع أخيرًا… حاسة إني بحلم، مش مصدقة… بقالي أكثر من سنة ماشفتش الشارع، سنة وخمس شهور… يا نهاري.
كان مكي يجلس بجانب السائق، مبتسمًا وهو فرحًا لأنها أخيرًا تحررت. أما سليم، فكان سعيدًا في قلبه، لكن وجهه كان متجمدًا، يحاول إخفاء مشاعره، فلايزال يشعر بالحزن بسبب طلبها الطلاق. كان يعرف أنه أخطأ في حقها، لكنه لم يقتنع أن تلك الأخطاء تجعلها تطلب الطلاق.
ماسة بحماس: لسه فاضل كتير على الكلية؟
مكي بابتسامة: لا، خلاص قربنا، دقيقتين.
نظر سليم إليها بجدية، لكن عينيه مليئتان بالحزم: ماتنسيش اللي أنا قلته ليكي، تخلصي المحاضرات، هتلاقيني مستنيكي وانت يا مكي، عينك عليها.
مكي بجدية: ماتقلقش ياسليم
ماسة بإبتسامة: أوعى تكون قلت لسلوى حاجة! والله هزعل منك.
مكي بابتسامة مطمئنة: والله ماقلت لها حاجة.
ماسة بفرحة: هتبقى مفاجأة حلوة اوي.
وبعد دقائق وصلوا إلى الجامعة، ونزلت ماسة مع سليم ومكي والحراس. كان الجو في الجامعة مختلفًا عن كل ماعاشت فيه، وكل شيء كان يبدو جديدًا ومثيرًا.
مكي: هكلم سلوى، عشان تستناني قدام الباب. كليتها بعيدة شوية عن كليتك.
ماسة: ماشي.
سليم ممسكًا بيدها بلطف وقلق: خدي بالك من نفسك، مفهوم؟ والمسدس في شنطتك، مايتشالش.
ماسة بإصرار وهي تضع يديها على حقيبتها: حاضر، والله في شنطتي.
سليم بجدية وتنبيه أشار بأصابعه: ماتتكلميش مع حد، ولا تشربي حاجة من حد. لو جعانة، خلي الحراس يجيبوا لك الأكل. ودوقيهم الأكل قبل ماتاكلي، وتستني نص ساعة وتركزي في ملامحهم لأن تأثير السم مابيبنش غير بعد وقت فلازم ناخذ احتياطاتنا .. صمت للحظه ثم قال: ولا اقولك ماتطلبيش غير من مكي.
ماسة بتأكيد: حاضر يا سليم، متخافش.
سليم وهو ينظر في عينيها: والأسورة… ماتتقلعش من إيدك مهما حصل، لأني هعرف.
ماسة بابتسامة هادئة: حاضر.
سليم يبدو قلقًا: هتخلصي الساعة 6، هتلاقيني قدامك.
ماسة بابتسامة: ماشي.
نظر سليم لمكي: مكي، عينك عليها.
مكي بتأكيد: متقلقش.
نظرة سليم كانت مطولة لماسة قبل أن يصعد السيارة ويغادر مع عشري، الذي صعد مكان مكي بينما الحراس يتبعونهم.
دخلت ماسة من باب الجامعة وكان بجانبها مكي وخلفها الحراس. نظرات الطلاب كانت ترتكز عليها، يتساءلون عن هذه الفتاة التي تحمل حراسًا في حرم الجامعة. كانت ماسة غير منتبهة، لأنها كانت مشغولة بالسعادة التي تملأ قلبها. أخيرًا، خرجت من القصر، وتحقق حلمها في أن تكمل تعليمها وتعيش الحياة الطبيعية التي كانت تتوق إليها.
كأنها تتحدث وتقول في داخلها: أنا حرة… مش مصدقة إني مش في القصر.
في ساحة الجامعة، تلتقي ماسة بسلوى
سلوى تقترب ببطء، عيونها مليئة بالدهشة: مستحيل… مش مصدقة، أنا في حلم والا في علم؟
ماسة بابتسامة واسعة: في علم وفي حرية، الحمد لله… أخيرًا، أخيرًا يا سلوى!
ضما بعضهما بشوق ابتعدت سلوى وهي تمسك يد ماسة وتمرر عينيها قالت: سليم حررك مش مصدقة
ماسة بسعادةمتأثرة: والله العظيم يا سلوى انا كمان مامصدقة.
نظرت سلوى خلفها على الحراس: طب، دول بيعملوا معاكِ إيه؟
ماسة بابتسامة ساخرة: هيحضروا معايا المحاضرة، ده الشرط الوحيد.
سلوى بتعجب: بتهزري؟! والله؟!
ماسة: أكيد مابهزرش.
نظرت سلوى لمكي: وانت ليه ماقلتليش؟ مش كنت عندي امبارح.
ابتسم مكي : ماسة حبت تعملها لك مفاجأة، الموضوع مافتش عليه يومين.
سلوى وهى تسحب ماسة من كفها: طب تعالي الكافتيريا احكي لي عشان أنا مش فاهمة حاجة.
ماسة: مكي ممكن يفهمك، أنا لازم أحضر المحاضرة، مش هقدر أضيعها. لازم أشوف بيبقى عامل إزاي متحمسة تعالي معايا ولا مينفعش..
سلوى ضاحكة: يا بنتي طول ما معاكي مكي تدخلي أي حتة.
ابتسم مكي وعدل ياقة قميصه بمزاح
ثم تحركوا نحو كلية الآثار ودخلوا المدرجات. كانت أعين الطلاب عليهم بشكل غريب. ماسة وسلوى جلستا في أول بنج بمفردهما، وخلفهم جلس أحد الحراس.وبجانبهم يتوقف مكي، بينما هناك حراس يحرسون الباب. كانت تلك الصورة ملفتة لدرجة أن الطلاب كانوا يتساءلون إذا كانوا من أولاد الرؤساء أو الشخصيات المهمة من أجل الحماية الكبيرة.
كانت ماسة تستمع للمحاضرة بتركيز وسعادة، وبعد انتهائها، خرجت هي وسلوى وجلسوا على إحدى الطاولات مع مكي والحراس يتوقفون خلفهم.
سلوى متعجبة: احكي لي بقى، إزاي سليم فك أسرك بعد كل الفترة دي والجنون ده؟
ماسة تنهدت بابتسامة: مافيش، الفترة الأخيرة كان بيحصل بنا خناقة كبيرة، لدرجة إني طلبت الطلاق، خرج شوية في الجنينة، ورجع لي قال لي إنه قرر يوديني الكلية. الكلام ده من 3 أيام، يوم الأربعاء.
سلوى بتهكم: لا، بقولك إيه؟ فهميني بالراحة بتفاصيل
ماسة: احنا في الفترة الأخيرة..
اخذت تشرح لها كلما حدث
سلوى وهي تزم شفتيها بضيق: يا نهار أبيض يا بنتي! انا قولتلهم إنك دخلتي في اكتئاب محدش صدق، وإنك تعبانة، مش عايزة تقولي… كويس إنه عمل كدة بس الشروط أوفر اوي؟!
نظرت لمكي باستهجان قالت:
كلمه يا مكي مش صحبك ماحدش بيعرف يلم الراجل ده.
مكي بعقلانية: أهم حاجة انه خرجها. الحاجات الثانية مش مهمة مع الوقت هنقدر نسيطر عليها احنا ماصدقنا بلاش طمع.
سلوى بستنكار: ماشي بس برده ازاي يحضر معانا الخروجات يعني واحنا بنات مع بعض.
مكي: هيقعد معايا على ترابيزه تانيه جنبكم كأنه حارس.
سلوى زمت شفتيها: بصراحة الموضوع صعب.
اربتسمت على شفتي ماسة ابتسامة حزينة لم تصل الى عينيها فهي مستعده أن تتنازل عن أي شيء في سبيل خروجها من ذلك السجن الذهبي: يا ستي، ده لو هيلبسني، قميص مضاد للرصاص. والله هوافق.
سلوى وهي تزم شفتيها بضيق: هو بصراحه عنده حق بس حاسة ان الشروط كتير
تبسمت بسعادة وامسكت يد ماسة بحماس:
مش مهم، المهم إنك خرجتي وهنتقابل ونخرج سوا، وهنختار الحاجات بقى اللي ناقصاني عشان خلاص احنا بنفنش في الفيلا.
ماسة بحماس: أكيد أول حاجة هنعملها.
سلوى وهي تنهض: طيب، أنا هروح دلوقتي عندي محاضرة، وعايزة أكون مستعدة بما إنك يعني ناوية تكملي المحاضرات النهارده مش هنقعد نرغي فانا كمان هاروح ونتقابل لما نخلص.
ماسة بحماس: ماشي نفسي اتعرف على على البنات يبقى لي اصحاب..
سلوى مبتسمة بلطف: هعرفك على أصحابي، وهتلاقي نفسك بتتعرفي. ماتقلقيش، أنتِ هتبقي حديث الكلية النهاردة بسبب الحراسات، أكيد البنات هيسألوني، وأنا هعرفك عليهم، بقول لك ايه انا هخلص الساعه٦ وانتي؟
مكي أجابها: هتخلص الساعة 5 ونص.
سلوى: خلاص، استنيني بقى نمشي.
ماسة: حاضر.
تحركت سلوى إلى المحاضرة بعد أن صافحت مكي.
ماسة: بقول لك إيه يا مكي، عندي محاضرة صح؟
مكي: بدأت من ربع ساعة.
ماسة: طب خلينا نحضرها.
وبالفعل نهضت إلى المدرج. أكملت ماسة المحاضرات، وبينما كانت تستمع بتركيز، كانت مشاعر الحرية تملأ قلبها بعد سنة ونصف من العزلة. هي ليست متحمسة لكي تحضر المحاضرات، لكنها متحمسة لكي تشعر بالحرية أكثر.
(( بعد وقت ))
نرى ماسة تسير بين الممرات، تحمل كتبها بين يديها، بينما يتحرك خلفها مكي وحارسان. وعندما طلبت شيئًا ساخنًا لتشربه، قام مكي بنفسه بشرائه. كلما تحركت، كانوا خلفها، مما جعلها تتنهد بضيق قبل أن تستدير، لتجد مكي يقف أمامها مباشرة، شهقت قبل أن تقول بضجر:
ماسة بشدة: هو في إيه؟ هو أنتم عاملين زي الديل كده ليه؟ ماتبعدوا شوية!
اقترب منها مكي، ولم يكن بحاجة لأن يأمر الحراس بالتراجع، فقد عادوا للخلف تلقائيًا بضع خطوات. نظر إليها بهدوء وهمس: ماسة، ده اللي اتفقنا عليه… ودي أوامر سليم.
رفعت ماسة حاجبيها بدهشة: أوامر سليم؟ ماشي بس مين اللي هيقوله لو بعدتوا حبة صغيرين؟
مكي بهدوء وعقلانية: يا ماسة ارجوكي ماتخليش يحصل مشكلة اسمعي الكلام.
تنهدت ماسة وهي ترد برجاء:يا مكي، ما أنا بسمع الكلام، بس ابعدوا شوية… كم خطوة بس. بص، اقفوا في نفس المسافة بتاعة الحراس.
نظر مكي خلفه للحظة ثم عاد إليها وقال بحزم:
لا، كثير… تراجع خطوتين، كده حلو، أكتر من كده لا. ماسة، أرجوكِ.
زفرت ماسة باختناق: ماشي
أكملت سيرها. فجأة، ليصطدم بها شاب، فتسقط كتبها أرضًا.
قال الشاب معتذرًا وهو ينحني ليجمع الكتب:
آسف جدًا، ماكنتش واخد بالي.
مد يده ليساعدها على النهوض، لكنها لم تمدها
من بعيد، كان سليم يراقب المشهد. عيناه تضيقان، أنفاسه تثقل، شرار الغضب يتطاير منه وهو يرى يد الشاب تمتد نحوها. ملامحه تصلبت، جسده تجمد في مكانه، كان أشبه ببركان على وشك الانفجار.
تحرك مكي والحارسان نحوها بسرعة: ماسة هانم، انتِ كويسة؟
أشارت ماسة بيديها وهي ترد بارتباك: بس… بس، مفيش حاجة، اهدوا.
نظر الشاب إليهم وقال: أنا آسف.
ابتسمت ماسة بلطف: عادي، ولا يهمك.
ابتسم الشاب وهو يناولها الكتب متسائلا بتعجب: الصراحة، أول مرة أشوف حد هنا جايب جاردات معاه!
ضحكت ماسة بخفة دون تعليق، بينما تابع الشاب مبتسمًا: انتي سنة كام؟
أجابت ماسة ببراءة وهي تأخذ الكتب: أولى آثار.
انضم شاب آخر إليهم، نظر إلى ماسة باهتمام قبل أن يسأل: أنتي في آثار معانا؟
هزت رأسها مؤكدة: أها.
لكن قبل أن ترد بكلمة أخرى، دوّى صوته خلفها كالقنبلة… نبرة ثقيلة، باردة، مشحونة بتهديد مخيف: مـــاسة.
كأن تيارًا كهربائيًا ضرب جسدها، اتسعت عيناها، تجمدت أنفاسها، وسقطت الكتب من بين يديها مرة أخرى.
تبادل الشابان النظرات، شعر كلاهما بثقل الجو، فتراجعا خطوة للخلف. أما ماسة، فابتلعت ريقها بصعوبة، بينما قلبها يقرع الطبول في صدرها. التفتت ببطء، عيناها ترتعشان، لتقابل نظراته العاتية.
سليم لم يتحرك، لم يرفع صوته، لكن عينيه كانتا كافيتين لإشعال الرعب في أوصالها… وفي أوصال كل من حولها.
رجاء محدش ينسى يضغط لايك عشان تساعد الروايه تنجح لو يهمك واستنيه توقعاتكم سليم هيعمل ايه

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية الماسة المكسورة)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *