رواية ابن الصعيدي الفصل التاسع 9 بقلم نور الشامي
رواية ابن الصعيدي الفصل التاسع 9 بقلم نور الشامي
رواية ابن الصعيدي البارت التاسع
رواية ابن الصعيدي الجزء التاسع

رواية ابن الصعيدي الحلقة التاسعة
هبط صخر على درجات السلم بخطوات متسارعة بعد أن سمع صوت همسات وضحكات خافتة تأتي من بهو القصر لكن ما إن وقع بصره على المشهد أمامه حتى توقف في مكانه كأن الأرض جذبت قدميه كانت قدر تقف بجانب رجوة فـ عيناه اتسعتا بذهول وصوته خرج غليظا متحشرجا وهتف:
انتي إي ال جابك اهنيه يا رجوه
نظرت له قدر بارتباك ثم شبكت ذراعها بذراع رجوة ورددت بصوت هادئ:
دي ماما يا صخر في اي عاد
ما إن نطقت بالكلمة حتى دوى صراخ صخر في القصر مردفا:
ماما؟!! دي مش أمك يا قدر دي المربية بتاعتك.. امك منين عاد بجا ان شاء الله
تراجعت رجوة خطوتين للوراء وهي تمسك بقلبها كأنها مصدومة وقالت ببراءة مفتعلة:
صخر… ليه بتتكلم بالطريجة دي؟ أنا عمرى ما كنت غير أم لقدر… ربيتها من وهي صغيرة وكنت دايما جمبها…ليه اكده بس يا ابني انت بتكرهني ليه عاد
ضحك صخر بسخرية وقال:
جمبها؟ من إمتى وانتي بتظهري فجأة اكده بعد ما خربتي كل حاجة… انا بكرهك ومش بحبك وجولتلك مليون اني مش عايز اشوف وشك
نظرت له رجوة بعين دامعة:
أنا غلطت، بس…
قاطعها صخر بنفاذ صبر وصاح بغضب:
مفيش بس يا رجوة أنا عارف لعبك كويس وعارف إنك بترجعي دلوجتي علشان تلعبي دور الضحية جدام قدر
نظرت له قدر بارتباك وردد بضيق:
صخردي امي وأنا… أنا محتاجاها دلوجتي يا صخر… محتاجة حضن أمي… انت ليه عايز تبعدها عني.. انا مش فاهمه اصلا هي عملت اي علشان تكرها اكده
رمقها صخر بنظرة جارحه وقال بصوت منخفض حاد:
لو هي فعلاً أمك… كانت ظهرت من بدري من اول المشاكل
نظرت له رجوة بحزن مزيف ورددت:
أنا كنت خايفه اجي والله علشان انتوا متتعصبوش مني
صرخ صخر بغضب وقال:
اخرسي كل حاجة كانت بإيدك… كنتي سايبة قدر للناس تنهشها دلوجتي جاية تلبسي قناع الرحمة.. يا رجوه انا اكتر واحد عارفك
سادت لحظة صمت مشحونة حتي نظر صخر الي رجوة بحدة وقال:
اطلعي برا. دلوجتي حالًا.
توسلت رجوة بعينين دامعتين وهتفت :
صخر… ارجوك…
لم تنهي رجوه جملتها حتي قاطعها صخر الذي ردد:
برا يا رجوة… قبل ما أنسى إني واجف في بيت عيلة واتصرف معاكي بطريجه مش حلوه.. يلا بره
وبنظرة حزينة ذهبت رجوة بخطوات بطيئة وهي تتمسك بنظرات قدر وصعد صخر الي غرفته وبعد فتره عند ادم كان جالسا على أرض الحمام أسفل دش الماء البارد الذي انسابت قطراته فوق رأسه دون توقف كأنه يبحث عن وسيلة تطفئ الحريق المستعر داخله وعيناه كانتا مفتوحتين ولكنه لم يري شيئًا… غارق في دوامة من الذنب والندم والضياع حتي انفتح الباب فجأة ودخل صخر مسرعا… عابس الملامح وقد بللت أنفاسه اللهفة مرددا :
ادم… إنت بتعمل إي اهنيه.. في إي يا ابني؟ إيه الحالة دي؟!”
رفع آدم عينيه ببطءٍ نحوه وبدا كأنه يعود من عالم آخر ثم تمتم بصوت مكسور:
أنا… أنا دمرت كل حاجة يا صخر… غلطت… غلطت غلطه كبيره جوي
اقترب صخر منه بخطوات سريعة، وأغلق صنبور الماء، ثم جلس إلى جواره و صوته ممتلئ بالقلق:
غلطت إزاي؟ جولي في إي عاد.. اي ال حوصل
ارتجف آدم وأسند رأسه إلى الجدار خلفه وهمس بندمٍ خافت:
انا غلطت مع يمنى… حوصل بينا حاجة… أنا… أنا دمرتلها حياتها يا صخر
سكت صخر للحظة وعيناه اتسعتا بالذهول قبل أن يهمس بانكسار:
حوصل إي؟! إنت… إنت تجصد اي غلطت معاها
أومأ ادم برأسه ودموعه تسيل مع بقية قطرات الماء وردد:
كنت مش في وعيي… كنت ضايع… مش فاكر حتى إزاي ولا إمتى… كل ال أعرفه إني صحيت على كابوس… وهي كانت منهارة… وأنا… أنا مجدرتش اعمل حاجه.. والله ما اعرف ازاي عملت اكده ولا لمستها ازاي
شدّ صخر على كتفه وهتف بصوت حاد:
آدم…. إنت لازم تتجوزها.. البنت اكده ضاعت… أهلها لو عرفوا ممكن يجتلوها.. لع مش ممكن هما هيجتلوها بجد
أدار آدم وجهه بمرارة وردد:
مش جادر… مش جادر أتجوز واحدة بعد ليلى… مش جادر أعيش من غيرها ولا حتى عارف مين جتلها لحد دلوجتي.. انا مش هعرف اهمل اي حاجه غير لما اخد بتار ليلي
اشتعل الغضب في ملامح صخر فهتف:
يا آدم فوق… ال حوصل حوصل.. بس لازم تتحمل نتيجة أفعالك.. يمنى دي إنسانة مش ظل ليلى ومصيرها دلوجتي في إيدك… حرام عليك بلاش تتسبب في موتها
القي صخر كلماته لكن آدم ظل صامتا وعينيه تحدقان في اللاشيء بينما روحه تتخبط بين ذنبٍ لم يغتفر ووجع حب لم يُدفن حتي فتح باب الغرفه فجأة وظهر أحد الحراس ينظر إليهما بقلق مرددا :
يا بيه… في حد مستنيكم تحت بيجول لازم يشوفكم حالًا
نهض صخر سريعا وتبعه ادم ببطء كأن ما ينتظر في الأسفل… قد يكون أسوأ مما فضح وفي المساء كان الليل قد استقر على أرجاء القصر يغمره بصمته ووحشته وفي الغرفة العلوية كانت قدر تجلس على طرف الفراش ذاهلة تنظر إلى اللاشيء بعينين ممتلئتين بالقلق والتشتت..و كانت كلمات صخر ما تزال تتردد في أذنيها وصورة رجوة وهي تغادر بانكسار لا تغادر مخيلتها حتي فتح باب الغرفة بهدوء ودخل صخر بخطوات ثقيلة وعيناه تبحثان عنها كأنها ملاذه الوحيد وما إن وقعت عيناه على ملامحها الشاحبة حتى اقترب منها دون أن يتكلم في البداية ونظرت له قدر فحركت شفتيها بصوت خافت:
كنت جاعده مستنياك.. اتاخرت جوي
اقترب صخر وجلس بجوارها ز تنهد بعمق ثم قال بنبرة هادئة:
انتي مش عارفة حاجة يا قدر… رجوة مش زي ما انتي فاكرة… مش كويسة والله العظيم
نظرت له قدر بعين دامعة وقالت:
بس دي كانت طيبة معايا… كانت بتحضني وبتسمعني دايما وعمرها ما زعلتني
هز صخر رأسه بأسى وقال:
كانت بتضحك عليكي يا قدر… رجوة دي عمرها ما كانت أم، لا ليكي ولا لحد… دي ست بتعرف تلعب بمشاعر ال حواليها… وبتستغل كل حاجة لمصلحتها.
سكتت قدر للحظة ثم رددت بصوت مكسور:
يمكن… بس أنا محتاجه حد… تعبت، بجد تعبت من كل حاجة.
اقترب صخر منها أكثر ورفع يدها بين يديه وقال برقة:
وأنا تعبت… تعبت جوي… نفسي أمشي من هاهنيه … الصعيد مجابتليش غير الحزن والدم… مش لاجي نفسي اهنيه خلاص… بس جاعد علشانك يا قدر.. انا بحاول احميكي من كل الناس فبلاش تضعفي بالله عليكي وتزودي عليا المشاكل اطتر من اكده.. انا حاسس اني بحارب كل العالم ومفيش حد معايا.. خليكي انتي جمبي
نظرت له قدر بتردد، ثم همست:
وميار؟… الله يرحمها… كنت بتحبها جوي صوح؟
سكنت ملامحه للحظة ثم أجاب بصوت عميق:
عمري ما حبيتها… بس مكانتها عندي كانت أغلى من الحب… كانت أختي وصاحبتي وسندي… ميار كانت أكتر من الحب بكتير…الحب مش كل حاجه.. انا كنت مستعد اضحي بحياتي كلعا علشانها والله.. الحاجه الوحيده ال جدرت تكسرني هو موتها
لم تستطع قدر أن تحبس دموعها فاندفعت تسيل على وجنتيها ثم تمتمت:
وأنا… ومشاكلي… أنا السبب فكل دا… وكريم… كريم محدش عارف مكانه لحد دلوجتي… وممكن يأذي حد تاني…وبرده هيكون بسببي انا والله ما اعرف انا عملتله اي علشان يعمل علشاني اكده
ضمها صخر إليه بقوة يحتضن ضعفها وضعفه في آنٍ واحد وهمس قرب أذنيها:
مش هخلي حد يقربلك تاني… ولا يوجعك تاني… انتي خلاص بجيتي مني
رفعت قدر رأسها نحوه وعينها تبحث عن الأمان في عينيه فاقترب منها وقبّل جبينها ثم شفتاها قبلة بطيئة مشحونة بكل ما لم يقال وكل ما كان مدفونا في القلب منذ زمن لكن فجأة انفتح الباب بعنف ودخلت عنبر والقلق يملأ وجهها فرددت بحده:
ادم اتصل بيك كتير وبيجول انه مستنيك في المكان ال اتفجتوا عليه بس اتت شكلك مش فاضي
تنهد صخر بضيق وابتعد عن قدر التي سارعت لتجفف دموعها وقلبها يخفق بشدة كأن اللحظة التي انتظرتها كثيرًا قد خطفت منها قسرا من جديد ونهض صخر وذهب فاقتربت عنبر منها وعيناها مشتعلتان والغيرة تسبقها كاللهيب حتي تقدمت بخطوات عنيفة وهي تقول بصوت مرتفع:
انتي عايزة إي تاني؟ مش كفاية ال حوصل بسببك؟! ابعدي عن صخر… صخر جوزي
رفعت قدر رأسها ببطء وكأنها تخرج نفسها من عالم آخر وردت بنبرة خافتة رغم اضطرابها:
صخر اتجوزك علشان أمه… مش أكتر
ضحكت عنبر بسخرية واقتربت أكثر وقالت وهي تشير إليها بإصبعها:
صخر نهايته هتكون على إيدك! انتي شر وأي حد بيقرب منك يا بيموت يا حياته بتبوظ.. ليه اكده… حرام عليكي ابعدي عنه بجا
تراجعت قدر خطوة، ثم همست:
انتي مش فاهمة حاجة انا و
لكن عنبر لم تترك لها فرصة لتكمل فقاطعتها بعنف:
انا فاهمة كل حاجة… صخر بيضيع بسببك وأنا مش هسكت. انتي لعنة عليه ومكانك مش معاه.. انا بحذرك للمره الاخيره ابعدي عن صخر
القت عنبر كلماتها ثم خرجت من الغرفة واندفاع الباب كانت أشبه بطعنة فـ وقفت قدر وحدها والدموع تنساب على وجهها بصمت وكأن العالم بأسره يغلق أبوابه في وجهها من جديد وفي لحظة صمت ثقيلة بعدما خرجت عنبر من الغرفة بغضب توقفت قدر في مكانها للحظات طويلة ولم تعد قادرة على تحمل المزيد من الأقاويل والاتهامات التي ألصقها بها الجميع كان قلبها مثقلاً بالألم والعينين مرهقتين من الدموع التي لم تجد مخرجا لها سوى الهروب وخطواتها ثقيلة وعيناها شاردة حتى اقتربت من الدولاب القديم و فتحته بخوف وكأنها تبحث عن شيء ينفذها من مصيرها المظلم وفتحت إحدى الرفوف الصغيرة في الزاوية لتجد شيئًا غريبًا ملفوفًا في ورقة فـ مدت يدها المرتجفة سحبت الكيس وفتحته بحذر شديد كان بداخل الكيس مادة بيضاء تشبه المسحوق… فـ وقفت لحظة وهي تحدق في الكيس ثم رفعت يديها إلى وجهها وكأنها لا تصدق ما تراه لكنها شعرت فجأة بشيء غريب يدفعها نحو الورقة مرة أخرى فاقتربت من الكيس، وقبل أن تتمالك نفسها اخذت نفسا عميقا وشمت المادة البيضاء باندفاع كما لو كانت تبحث عن شيء يهدئ الألم الذي يشعر به قلبها كان شعورا غريبا وكأنها بدأت في الغرق في دوامة جديدة.. دوامة لا تعرف لها مخرجا كانت بداية طريق مظلم آخر مدخلا لم تفكر في العواقب حين بدأته ومع أول نفس شعرت بحالة من النشوة… حالة من الهروب عن الواقع ولكن في داخلها كانت تعرف تماما أن هذا بداية لشيء أكبر وأخطر وفجاه و
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية ابن الصعيدي)