روايات

رواية الماسة المكسورة الفصل الخامس والستون 65 بقلم ليلة عادل

رواية الماسة المكسورة الفصل الخامس والستون 65 بقلم ليلة عادل

رواية الماسة المكسورة البارت الخامس والستون

رواية الماسة المكسورة الجزء الخامس والستون

الماسة المكسورة
الماسة المكسورة

رواية الماسة المكسورة الحلقة الخامسة والستون

[بعنوان: سكون مضطرب]
قبل أن ترد بكلمة أخرى، دوّى صوته خلفها كالقنبلة… نبرة ثقيلة، باردة، مشحونة بتهديد مخيف: مـــاسة.
كأن تيارًا كهربائيًا ضرب جسدها، اتسعت عيناها، وتجمدت أنفاسها، وسقطت الكتب من بين يديها مرة أخرى من الخوف.
تبادل الشابان النظرات، شعر كلاهما بثقل الجو، فتراجعا خطوة للخلف، أما ماسة، فابتلعت ريقها بصعوبة، بينما قلبها يقرع الطبول في صدرها، التفتت ببطء، عيناها ترتعشان، لتقابل نظراته العاتية.
تحرك سليم وتوقف أمامها بصمت لكن عينيه كانتا كافيتين لإشعال الرعب في أوصالها… وفي أوصال كل من حولها .. أما الحراس ومكي، ما إن رأوه، حتى هرعوا إليه ..
سحبها سليم من يدها دون ان ينطق بكلمة واحدة ثم توقفا بعد خطوات.
نظر لها سليم باتساع عينه تسأل بغيرة وغضب تحدث من بين أسنانه: مين إللي واقفة معاهم دول؟
بلعت ماسة ريقها، تحاول الحفاظ على ثباتها، رغم أنها كانت تشعر أن الأرض تهتز تحت قدميها قالت بتلعثم:
م …م… مش مش عارفة، زملاء معايا… لسة كنت بتعرف عليهم.
كلماتها زادت غضبه، فضاقت عيناه وأنقبض فكه كأن النور سيفلت منهما. جاء صوته حادًا وقاسيًا:
هو إنتي مجنونة ولا بتستهبلي؟ إنتي سامعة إنتِي بتقولي إيه؟
ارتعش جسدها رغماً عنها، مكي حاول التقدم خطوة ليهدئ الموقف، لكن نظرة واحدة من سليم جعلته يقف مكانه دون أن ينبس بحرف.
حاولت ماسة أن تتحدث، أن تجد أي شيء تقوله لتخفف من حدة الموقف، لكن عقلها كان فارغًا تمامًا. قبل أن تجد فرصة لتبرر قال سليم.
زفر سليم أنفاسه وتنهد بضجر: عموماً ده ولا مكانه ولا وقته، يلا.
أمسك يدها وسحبها إلى السيارة بصمت. جلس داخلها بهدوء ثقيل، لا يكسره سوى صمته. طوال الطريق، لم ينطق بكلمة حتى وصلا إلى القصر.
💞_________________بقلمي_ليلةعادل
قصر الراوي
جناح سليم وماسة، السادسة مساءً
وصلا إلى جناحهما في القصر، و وقف سليم في المنتصف كأن العالم كله سيحترق من شدة غضبه.
نظر إلى ماسة، وعينيه تشتعلان شررًا، وسألها بلهجة حادة: قلتيلي مين إللي كنتي واقفة معاهم دول؟
حاولت ماسة أن تتحدث بهدوء، لأنها تعرف أنها في موقف صعب. فـإذا عاد سليم في قراره بعدم خروجها مرة أخرى، ستكون هي الخاسرة.
ابتلعت ريقها قالت بهدوء: والله يا سليم، زي ماقلت لك، أنا لسة معرفهمش. أنا كنت ماشية…
قاطعها سليم بشدة، صوته كالصاعقة: أنا ماسألتكيش علشان تحكي لي تفاصيل.
ماسة بتوضيح: لا، إنت سألتني من دول، فأنا بجاوبك دول مين؟
نظر سليم إليها بنظرة حادة: وإيه إللي يخليكي تسلمي عليهم؟ يا أستاذة ماسة…
رفعت ماسة كتفها: عادي، مافيش مشكلة لما أتعرف عليهم، ويبقى لي زملاء…
اقترب سليم منها بنبرة جادة حاسمة: لا فيه مشكلة وكبيرة كمان يا أستاذة ماسة يا محترمة، يبقى ليكي زميلات بنات، لكن زملاء شباب!! غير مسموح، فاهمة..
أشار في وجهها بحسم وهو ينظر داخل عينيها:
أوعي! عارفة يعني إيه توعي، أول وآخر مرة يا ماسة، علشان لو عدتيها تاني، صدقيني هاتندمي!!
غضبت ماسة قليلاً ورفعت صوتها: ماتبطل بقى أسلوبك بتاع التهديد ده!
سليم بصرامة كأنما لا يستمع لها: مافيش حاجة اسمها يبقى ليكي أصحاب شباب،صاحبي بنات، غير كده لأ،.. قولي حاضر، بعدين مش ماما معلمانا من وإحنا أطفال عيب نكلم ولاد وحرام!! إيه إللي جد بقى؟؟
تنهدت ماسة وقالت بحزن: حاضر، ياسليم، هعمل كل إللي إنت عايزه، إنت صح، أنا أسفة.
نظر سليم إليها نظرة ثابتة: دول من ضمن الشروط، فاهمة؟
صمتت ماسة للحظة، ثم حاولت تغيير الحديث، فاقتربت منه ووضعت يديها حول رقبته، وقالت بدلال:
بس إنت عارف، الجامعة كانت جميلة أوي، واليوم كان حلو، أنا انبسطت أوي، بس ماعرفتش أتعرف على حد.
سليم لم يرد فورًا، لكن ملامح وجهه تغيرت قليلاً. فاستكملت ماسة محاولة إغراءه بلطف:
سليم، معلش، ممكن نروح لماما والنبي وحشتني وضعت قبلة على شفتيه صغيرة: عايزة أعملهم مفاجأة وإنك خرجتني وكدة ممكن يا كراميل.
سليم ببرود: ماشي، بس شوية كده.
ماسة ابتسمت: ماشي.
سليم: أنا ها أنزل لمكي، عايزه في حاجة؟ وبعدين نروح عند مامتك.
ماسة: تمام.
سليم أومأ برأسه، ثم غادر، بينما ماسة ظلت واقفة مكانها، تحمد ربها أن الموقف مر بسلام.
هبط سليم بسرعة وتوجه نحو الحديقة حيث كان مكي يقف.. عندما اقترب منه، وقف أمامه مباشرة وقال بحدة.
سليم بنبرة رجولية: إزاي تسمح إن شباب تسلم على ماسة؟
نظر مكي له بهدوء: سليم، أنا كنت واقف معاهم، الموضوع ماكملش ثواني. بعدين، إنت ما أمرتنيش إني أمنعها تكلم حد، طبيعي إنها تقف مع أصحابها ويبقى ليها زملاء.
سليم نظر إليه بنظرة حادة لوهله، وسأله بصوت منخفض فيه نوع من الاستخفاف: والأستاذ مكي، يا ترى سامح لسلوى يبقى ليها زملاء شباب؟
مكي بهدوء: لا، أنا مش سامح لسلوى يبقى ليها زملاء، بس ماعنديش مانع لو اتكلمت في حدود معينة، جوة الكلية مش بره الكلية.
اقترب سليم منه أكثر وقال بصرامة وهو ينظر داخل عينيه: طب يا أستاذ مكي، أنا بقى بالنسبالي، برة أو جوة مرفوض أي دكر ممنوع .. مفهوم!
رفع مكي حاجبيه قائلا بتوضيح: سليم، أنا مقدرش أمنع ماسة، دي مش حدودي. إنت تقدر تفرض عليها ده، إنت جوزها. لكن أنا أقدر أحميها، لكن مقدرش أمنعها تكلم مين وماتكلمش مين.
غضب سليم من كلامه وقال بقوة: لا، ده أمر من صاحب عملك، نفذ شغلك يا مكي. أديني أديتك الصلاحيات إللي هاتبقى جوة حدود شغلك من اللحظة دي، إيه رأيك؟
مكي هز رأسه برفق: أمرك يا سليم بيه.
سليم نظر إليه للحظة، ثم قال: حضّر العربيات، هانروح لحماتك.
❤️________بقلمي_ليلةعادل _______♥️
فيلا عائلة ماسة، السابعة مساءً
توقفت عائلة ماسة عند الباب، يرحبون بماسة و سليم بذهول وعدم تصديق. لم يتخيلوا أن يروا ماسة أخيرًا خارج القصر بعد أكثر من عام ونصف تقريباً كانت لحظة مفاجئة للجميع، امتلأت عيونهم بالمشاعر المختلطة بين الفرح والدهشة.
سعدية، التي لم تصدق عودة ابنتها، هرعت نحوها فورًا، واحتضنتها بشدة، تقبل وجهها بحنان: إيه النور ده! أنا مش مصدقة إني شفتك أخيرًا! وإنك واقفة قصاد عيني إيه ده؟!
أما مجاهد، فابتسم قليلاً ثم نظر إلى سلوى، قائلاً: وإنتِ ليه يابنتي ماقلتيش؟
سلوى: والله العظيم ماسة هي إللي طلبت مني.
ماسة بتوضيح : أنا ماحبتش أخليها تعرفكم، بعت لها رسالة بسرعة وقلت لها ماتقوليش حاجة.
ثم اقتربت من والدها واحتضنته بحب: وحشتني أوي يا بابا، عامل إيه؟
مجاهد بحنان: الحمد لله يا حبيبتى لما شفت ابتسامتك الحلوة دي بقيت بخير وقلبي كدة أطمن.
بعد أن استقبلت الأسرة سليم وماسة بحب وحفاوة بالغة، توجهوا جميعًا إلى الصالون حيث جلسوا معًا بعد فترة غياب طويلة.الجو كان مفعمًا بالمودة والأحاديث الدافئة.
سعدية، وهي تبتسم بفرح قالت بتعجب: بس قولي يا سليم إيه إللي حصل علشان تخرج ماسة كدة؟ وصلت للي عمل فيكم كده ولا إيه؟
تبسم سليم، وهو لا يريد أن يتحدث عن أسباب قبوله بخروج ماسة. قال بهدوء: لا ماوصلتش، بس خلاص كدة أفضل.
مجاهد، الذي كان يراقب الموقف، قال مبتسمًا:
والله هو ده الصح ياسليم، مع إنك مانفذتش وعدك.
نظر سليم له متعجباً: أنا ماوعدتكش يا عم مجاهد، أنا قلت لك حاضر شهرين كده لكن ماقلتش وعد.
تبسمت ماسة وقالت معلقة فهي تعرف عندما لم ينطق بسليم بكلمة وعد لا ينفذ شيء:
طول ما سليم ما قالش وعد، أعرفوا إن الحاجة دي ممكن ماتحصلش أو مش هاتحصل أصلاً.
سعدية، التي كانت متلهفة على رؤية ابنتها، قالت مبتسمة: ماسة، بقولك إيه؟ تعالي أعملي الشاي لأبوكي من إيدك علشان مجاهد بيحب الشاي بتاعك بيقول طعمه جميل.
ابتسم مجاهد بتأكيد: فعلاً، شاي ماسة ليه طعم، أعملوا حسابكم، هتباتوا معانا النهاردة.
سليم، بنبرة باردة: لا، هانقعد شوية، لكن البيات ده بعدين لما أنا أشوف الوقت المناسب.
ابتسمت سعدية: مش مهم، المهم إننا شفناكم أبقى شوف اليوم المناسب لك يا سليم وتعالوا.
ماسة محاولة التخفيف من حدة الحديث: على فكرة، أنا كمان دخلت الجامعة النهاردة، كان أول يوم.
عمار بدهشة: بتهزرّي؟
ماسة ابتسمت: آه والله،، النهاردة إنت ماروحتش ليه؟
عمار: مابروحش كل يوم علشان ماعنديش، محاضرات هما أربع أيام في الأسبوع بس.
سلوى بتذمر طفولي: أشمعنا أنا كل يوم؟ دي تفرقة عنصرية.
سعدية: يلا معايا يا ماسة بطلي رغي.
وبالفعل، توجهت ماسة إلى المطبخ. بينما اقترب مجاهد من سليم، وكأن هناك حديثًا خاصًا بينهما. سلوى، التي شعرت بحاجة للتسلية، قالت:
طب، أنا ها أروح أشوف مكي وأجي.
((في المطبخ))
كانت سعدية تضع قطع الكيك في الأطباق بينما ماسة تساعدها في تحضير الشاي كانت الأجواء هادئة، لكن حديث سعدية كان يحمل دفء الأمومة الذي لا يفارق قلبها، وكأنه غطاء يحاول احتواء اضطراب ابنتها.
سعدية، وهي تضع الكيك بحذر في الطبق، قالت بحنان وهي تراقب ملامح ماسة المتعبة: شفتي يا ماسة، أهو ماهونتيش عليه، مافاتش خمس شهور، ودخلك في الترم التاني، قولتلك بيحبك، ماتهونيش عليه، بس إنتي لا حمد ولا شكرانية؟ إللي معاها واحد زي راجلك ده، كل يوم تركع لربها وتشكره. يا بنتي ده إنتي معاكي راجل مافيش ست ماتتمناهوش، مش علشان غني بس، علشان بيحبك.
ماسة رفعت عينيها نحو والدتها، لكن لم ترد. صمتها كان يحمل أكثر مما تحمله الكلمات.
سعدية تابعت حديثها بحكمة الأم ودفء الذكريات:
أمشي على المثل إللي بيقول لك: خدي إللي يحبك، ما تاخديش إللي تحبيه، هو في راجل دلوقتي بيحب، ولا بيعمل زي إللي بيعمله جوزك؟ ده أنا بشوف دلوقتي مسلسلات هندي وتركي مع البت أختك، رجالة كده تشرح القلب، والله. جوزك بيفكرني بيهم. وبيفكرني كمان برجالة زمان بتاع الأفلام القديمة شكري سرحان وعمر الشريف وأحمد مظهر والناس الحلوة دي. يابت، دي الستات بتتشعلق في كلمة حلوة أو في ابتسامة، وإنتي جوزك ما شاء الله عليه مش حارمك من الأتنين، حنية الدنيا فيه.
توقفت قليلًا، أخذت نفسًا عميقًا، ثم تابعت بنبرة تحمل بعض العتاب وبعض الخوف:
هو إنتي علشان بس يعني زعل له شوية، ولا كشر له شوية، ولا قفلها عليكي، ننسى بقى كل إللي فات؟ (بإستنكار وزعل) لأ لأ لأ يا ماسة، أنا ماربتكيش على كدة يا حبيبتي. الست لازم تفضل في طوع جوزها وتقول له حاضر ونعم وأمرك يا حبيبي أيوه يا بنتي، أنا خايفة عليكِ يا ماسة، إنتي لسة صغيرة يا حبيبتي وماشفتيش كتير. وسليم دلعك كتير. ماشفتيش الرجالة بتبقى عاملة إزاي في مراتاتها، مع إنك كنتِ بتشوفي أبوكي كان بيعمل فيا إيه؟! صبرت علشان خاطركم، وعلشان خاطره، هو فيه حاجات كويسة، مافيش راجل ولا ست يا حبيبتي كاملين، كل إنسان فيه عيوب، فشوية عليكِ وشوية عليه بتمشي،. هو أثبت إنه بيحبك، وعلشان زعلتي شوية وشايفك تعبانة ودبلانة، ماهانش عليه يسيبك..
مدت يدها وربتت على يد ماسة بلطف، وكأنها تحاول سحبها من بحر الحيرة الذي تغرق فيه بتنبيه ولطف:
أهدي كده يا ماسة، ماتخربيش بيتك. أعقلي يا ماما. والله العظيم إللي عمله سليم ولا حاجة. أحمدي ربنا إن جوزك مابيمدش إيده عليكِ، ولا بيشتمك، ولا بيعايرك، ولا مخلي نسوان أهله يبهدلوكي. مخلي كل واحد عارف حدوده. دي كبيرة وتتحط فوق الرأس
أمسكت بيدها بحنان، نظرت إليها بعينين تحملان خليطًا من الحب والقلق وقالت:
وخليكي دايمًا فاكرة يا بنتي، سليم ساب كل ستات الدنيا واتجوزك إنتي. وماتزعليش مني، إنتي كنتي ولا حاجة، لكن هو خلاكي حاجة كبيرة اوي، رفعك فوق السما، علمك ولبسك وحماكِي، عيشك بأمان، انتشلك من البؤس والفقر، وعيشك في عز وكرامة.
كانت تستمع ماسة لها بعناية، شعرت بوخزة في قلبها، بين عقلها الذي يستوعب كلام والدتها وقلبها المثقل بالقيود.
نظرت إلى سعدية بابتسامة خفيفة، لكنها ابتسامة تحمل في طياتها تعب الأيام، وقالت بصوت خافت، وكأنها تبوح بسر ثقيل:
صدقيني، أنا إللي مخليني متحملة لحد اللحظة دي وطول الفترة إللي فاتت دي حب سليم ليا وحبي ليه، وعلشان كل حاجة عملها معايا حلوة، أنا ماشفتش من سليم غير كل حاجة حلوة، وهبقى ناكرة للجميل وقليلة الأصل لو قلت غير كده، بس أنا غصب عني يا ماما تعبانة. أنا بني آدمة من حقها تشم شوية هوا
( أمسكت يدها بانضمام). ماما، بأمانة ربنا، يعني أنا ماكنتش صعبانة عليكي، وحاسة إن الموضوع فيه حاجة غلط وطول وبقى صعب.
نظرت لها سعدية لحظة، كأنها تحاول إيجاد إجابة لا تزيد من ثقل قلب ابنتها، فهي تعلم أن سليم زادها لكنها لا تستطيع أن تثبت ذلك، قالت بصوت هادئ لكنه مليء باليقين:
ـ معاكي يا ماسة، بس برضه يا حبيبتي، كل إللي عمله معاكي ده علشان بيحبك وخايف عليكي مش،رخامه منه .. كمان علشان خاطر كل حاجة حلوة عملهالك وعملهالنا.. كل ده يابنتي يخليكي تتحملي، أنا كنت من جوايا عارفة إنه مش هايطول.
ماسة، وكأنها تريد توضيح وجهة نظرها أكثر، رفعت معصمها أمام والدتها، نظرت سعدية إلى الأسورة: شايفة دي؟
هزت سعدية رأسها بايجاب وقالت: جميلة مبروك عليكي تتهني بيها.
فابتسمت ماسة بسخرية خفيفة قبل أن تكمل:
دي أسورة فضة، بس أسورة، جواها جهاز تتبع. ده غير إني بروح الجامعة بمكي وبأرجع بمكي. ومكي بيحضر معايا المحاضرات، ومعانا حراس. وأي خروجة هخرجها، معاكي أو مع سلوى أو مع أصحابي، سليم هايكون موجود ومش هاجي هنا غير بوجوده.
صمتت سعدية للحظة، لا تعرف ماذا تقول لها. كانت تحاول تهوين الأمر. نظرت إليها ثم قالت بلهجة مهدنة:
مش مشكلة يا ماسة، المهم إنك خرجتي، وبعدين هو فاضي ده هياخذ له يا بت بس يومين كده وبعدين هايبقى مشغول، ده رجل أعمال كبير عنده مصالح،. وحتى لو هايجي معاكي على طول، يجي يا حبيبتي يشرف وينور. ولو هايخرج مع أصحابك البنات، أكيد يعني هايقعد مع مكي.
تنهدت ماسة، كانت تشعر أنها تشرح بلا فائدة، لكنها قالت بهدوء: أنا مش متضايقة خالص. أنا بفهمك بس.
سعدية تنهدت: ربنا يصلح لك الأحوال يا بنتي. مش هقول لك تاني، جوزك بيحبك وبيتمنى رضاكِ، ودي حاجة نادر لما بتحصل.
حملت صينية الكيك، ثم التفتت لماسة وقالت بابتسامة خفيفة: يلا، خدي الشاي خلينا نروح نقعد معاهم.
ماسة، رغم تعبها، رسمت على وجهها نفس الابتسامة المتعبة: يلا يا ماما.
وأثناء خروجهم، قالت سعدية وهي تحمل صينية الكيك بفضول أمومي لا ينتهي: طب عملتِ إيه في حوار نومك ده؟
ماسة، وهي تتحرك خلفها قالت بنبرة مرهقة: والله يا ماما مش عارفة، لسة تعبانة جدًا والله وعايزة أنام، انا مانمتش من إمبارح، بس ماسكة نفسي بالعافية.
سعدية نظرت إليها بحنان، وكأنها تتمنى أن تأخذ عنها كل هذا الحمل، لم تقل شيئًا. فقط تابعت سيرها وهي تفكر في ابنتها، التي رغم كل شيء، ما زالت في قلبها تلك الطفلة الصغيرة التي كانت تحتاج حضن أمها في كل شيء.
على إتجاه آخر. عند سليم ومجاهد.
جلس مجاهد بجانب سليم على المقعد، مد يده وربّت بحنان على قدمه، كأنه يطمئنه دون كلام. نظرت عيناه إلى سليم بحنوّ الأب الذي يرى ابنه يتجاوز مرحلة صعبة، قبل أن يقول بابتسامة راضية:
مجاهد: إنت كده بدأت تمشي صح.
رفع سليم عينيه إليه، ثم أشاح ببصره إلى الأمام، وقال بنبرة هادئة، لكنها تحمل في طياتها شيئًا من الأسى: بس اتأخرت.
مجاهد بحكمة: المهم إنك وصلت.
ثم سأله بتأنٍّ: حصل إيه مابينكم خلاك توافق؟
سليم وهو ينظر أمامه بشرود: مافيش حاجة، أنا كنت ماشي في اتجاه معين، ولما ماوصلتش للي كنت عايزه، قلت خلاص بقى.
ابتسم مجاهد وهو يلمح ماسة تقف بعيدًا، تتحدث مع سعدية وعيناها مليئتان بالسعادة، ثم قال بتفاؤل:
طيب، خير إن شاء الله… بس شايف ماسة فرحانة إزاي؟ وشها رجع منور.
تسللت ابتسامة خفيفة إلى وجه سليم وهو يراقبها من بعيد، وكأنه يتأكد بنفسه من كلام مجاهد، ثم قال بثقة: وإن شاء الله الابتسامة دي مش هاتفارقها تاني.
(تنهد بثقل) والله العظيم كل إللي كنت بعمله ده خوف عليها وبحميها مش أكتر.
أدار مجاهد وجهه إليه وتأمل ملامحه للحظة، قبل أن يقول بجدية تحمل في طياتها تحذيرًا:
عارف يا سليم كل ده… بس إنت لازم تفهم حاجة. أنا مش هسمح لك تزعل بنتي تاني، ولا تعمل فيها إللي كنت بتعمله. أنا استنيت عليك الشهرين إللي فاتوا، وقلت: أصبر… هو كتر ألف خيره، خيره عليها كتير و بيحبها وصاينها. بس يا ابني، مش علشان إللي عملته معاها ومعانا وإنك انتشلتنا من الفقر والجوع والخدمة، تتعب البت وتئذيها!
آخر مرتين شفت فيها بنتي كانت دبلانة وتعبانة والحزن مليها، قلبي اتحرق عليها، وأنا شايفها بالمنظر ده. فأنا مش هقبل أبدًا يا ابني، إنك تعمل فيها كدة تاني، حتى لو المقابل إننا نخسر كل ده… بنتي عندي أهم! سليم بيه أنا راجل فقير وقليل جنبك بس عيالي عندي أغلى من روحي.
رفع سليم عينيه إليه، استمع بصمت، فتابع مجاهد بنبرة أكثر جدية:
صدقني، أنا معاك طول ما إنت معاك الحق، وهبقى ضدك لو ماسة معها الحق.
لم يتأخر رد سليم، نظر لمجاهد مباشرة بعينين تحملان عزيمة لا رجعة فيها، ثم قال بثبات:
وأنا مش هقدر ازعلها تاني.
في تلك اللحظة، اقتربت سعدية وماسة منهما، والابتسامة تزين وجهيهما، وكأن الجو المشحون قبل قليل تبدد بوجودهما.
ماسة بمزاح وهي تنظر لهما بفضول: بتقولوا إيه بقى؟
سليم بابتسامة وهو ينظر لها: بابا كان بيطمن عليكي… بيوصيني عليكي، بيحبك أوي.
ابتسمت ماسة، تقدمت بخفة، وجلست على يد المقعد بجوار مجاهد، ثم أحاطت ظهره بذراعيها، وقبلته على خده بحنان، قبل أن تقول:
أنا كويسة يا بابا، صدقني، ماتقلقش عليا
نظرت لسليم بحب: وبعدين ينفع تقلق عليا وأنا مع سليم؟
ربّت مجاهد على يدها بحب، وقال بصوت دافئ، لكنه يحمل معنى عميقًا:
ربنا يخليكم لبعض ياحبيبتي… خلي بالك منها يا سليم، ماسة دي مش أي حد، وماتتعوضش.
نظر إليه سليم، قال بصدق لا يقبل الشك: ماسة دي حياتي ونور عيني.
ضحكت سعدية بخفة وقالت بمرح: هاتوصيه على مين يا مجاهد ، ده روحه فيها.
ماسة وهي تنظر لسليم بمزاح: يا بختك يا عم بحماتك!
سعدية وهي تضحك: حماته إيه يا بت؟ أنا زي أمه بالظبط! ما تأخزنيش، عارفة إني مش قد المقام.
سليم بعتاب: أوعي تقولي كدة تاني بعد كل السنين دي بردو نفس الحساسية في الكلام.
سعدية تعيش يا سليم ..أكملت بمكر طفيف:
بقول لك إيه، ما دام بقى فرجتها عليها، شوف يوم كده تكون فاضي، وأعمل لك أكلة حلوة من إيدي.
سليم وهو يبتسم بمودة:حاضر، والله ياسوسو، يوم ما آكل من إيدك لازم يبقى يوم مميز.
ضحك الجميع، وشعروا بأن الأجواء باتت أكثر دفئًا، كأن الغيوم بدأت تتبدد، ليحل محلها ضوء الشمس من جديد.
على إتجاه آخر في الحديقة ..
سلوى ومكي كانا يجلسان على الأرجوحة في الحديقة، يتأرجحان بهدوء بينما يروى لها عما حدث بين ماسة وسليم.
سلوى وهي تميل برأسها قليلاً ناحيته: على فكرة، إللي حصل ده حاجة متوقعة أصلاً… سليم بيتعصب لما بيشوف ماسة قاعدة مع أي حد، حتى لو كان حد من إخواته، ياسين نفسه بيحصل معاه كده.
مكي وهو يزفر بهدوء: وأنا مش متضايق، بس بفهمك إللي حصل…ومشينا ليه من غير مانستناكي.
سلوى بابتسامة خفيفة: طب ماتيجي تقعد معانا جوة؟
مكي وهو يهز رأسه نافيًا: لا،علشان أنا دلوقتي مش
مكي خطيبك، أنا الحارس الشخصي.
نظرت له سلوى بتمعن قبل أن تسأله مباشرة: إنت تضايقت من كلام سليم ولا إيه؟
مكي هز رأسه نافياً: لاخالص، سليم كده في الشغل خصوصًا في الحاجات إللي تخص ماسة.
تنهدت سلوى: طب مادام إنت عارف كده في إيه؟!
صمتت لوهلة وأكملت بضيق: بس عارف الشروط بتاعته صعبة أوي.
مكي نظر لها نظرة ثابتة: سلوى ماينفعش تقولي الكلام ده… إحنا عايزين نعقلها، مش نديها إحساس إنها محبوسة.
ظلت سلوى تتأرجح ببطء، قالت بتأييد: إنت عندك حق… بس إزاي عملتوها؟ إزاي نجحتوا ماسة في الترم الأول؟
مكي بإبتسامة: إحنا لسة مانجحناش… بس هاتنجح.
سلوى بمزاح: طب بقول لك إيه هروح أجيب لك حاجة تشربها وبطل رخامة وتعالى نقعد جوه ولا أجيب لك سعدية.
مكي بجدية: سلوى، أنا دلوقتي في الشغل… أنا جاي دلوقتي مع مين؟
سلوى: معاهم
مكي وهو يومئ برأسه، نبرته ثابتة: بالضبط، جاي بصفتي الحارس الشخصي، مش بصفتي خطيبك.
ابتسمت على شفتيها ابتسامة وقالت بمزاح: إنت بتبقى غلس أوي وإنت في الشغل… وبتتكلم جد بزيادة.
مكي: خدي على كده، ممكن تكوني بايتة عند ماسة، وإحنا متجوزين، وبرضه في شغلي هفضل واقف بره، مش هدخل جوه، لإن ده وقت الشغل… لكن مجرد مخلص، هدخل أقعد معاكم، الشغل شغل، والحياة العائلية حاجة تانية.
سلوى: بس معتقدش سليم هايتضايق لو دخلت جوه واتعاملت عادي… مش هايغلس يعني إنت بس إللي مزودها.
مكي: طبعًا مش هايغلس، بس أنا بحب أحط حدود لنفسي.
رفعت سلوى حاجبها بمكر، عيناها تلمعان بتحدٍ خفيف: أمال إنت قاعد معايا ليه، مادام إنت في وقت الشغل يا بتاع الحدود؟!
مكي ضحك: أقومك يعني؟
ضحكت سلوى ثم قالت بتحدٍ واضح: قومني لو تقدر!
راقبها للحظة قبل أن تهرب ضحكة صغيرة من بين شفتيه، لكنه لم يعلق. نهضت فجأة وقالت:
طب استنى، هجيب حاجة نشربها، وماما عاملة كيك. فراولة حلوة أوي.
دخلت سلوى وجلبت الكيك والشاي وعادت تجلس معه.
أخذ مكي رشفة من الشاي قبل أن يقول: مش هانخرج بقى؟
تنهدت سلوى وهي تحرك الملعقة داخل الكوب ببطء: إنت عارف إن بابا مانع الموضوع ده.
مكي: يا بنتي، ماتخلينا نكتب الكتاب وخلاص!
سلوى برفض قاطع: قلت لك لا… يوم الفرح.
نظر مكي للسماء يدعو: يا رب صبّرني على العند ده!
ثم عاد ليقول: بقول لك إيه، ماما عايزاكي تيجي علشان تختاري الموبيليا، شوفي يعني عايزة تغيري إيه في الشقة.
سلوى: قلت لك، مش عايزة أغير حاجة، غير أوضة النوم
ابتسمت بهدوء وهي تعود لتناول رشفتها من الشاي: ، خلي الفلوس الكتير دي علشان توديني شهر عسل زي بتاع ماسة، أنا عارفة إن هو مش هاينفع سنة بس ممكن شهرين ثلاثة.
مكي وهو يضحك بخفوت: شهرين ثلاثة بس كدة عيوني، ماما هاتغيرلك الريسبشن كمان، تعالي اختاري معاها.
سلوى: طيب، ماشي.
ثم نظرت له بتحدٍ، لمعة المشاكسة لم تفارق عينيها:
ماتبطل رخامة وتعالى ندخل جوه، كلهم قاعدين.
نظر لها بمكر، حاجبه يرتفع قليلًا وهو يقول بنبرة شبه دافئة: سلوى، خلاص بقى، خلينا سوا.
سلوى قلبت وجهها بتذمر: والمصحف غلس!
ضحك مكي وهو ينظر لها بحب، بينما هي اكتفت بهز رأسها بيأس، متيقنة أن عناده لن ينتهي بسهولة.
بعد أن قضى سليم وماسة وقتًا طويلًا عند عائلتها بعد غياب، عادا أخيرًا إلى القصر.
في سيارة سليم التاسعة مساءً
كانت ماسة جالسة بجوار سليم، رأسها مستند على النافذة وهي تنظر إلى الخارج بشرود. كان الشارع هادئًا نسبيًا، والهواء البارد يلامس وجهها، فأغمضت عينيها قليلًا وكأنها تستنشق نسماته بعمق. شعرها الطويل كان يتطاير برفق حول وجهها، فبدت للحظة وكأنها تهرب من كل شيء فقط لتعيش هذه اللحظة البسيطة.
فتحت عينيها ببطء والتفتت نحو سليم، صوتها خرج ناعمًا وهي تقول له بحماس خافت:
نفسي ننزل نتمشى على الكورنيش شوية، نشرب حمص الشام زي زمان ايه رأيك يا كراميل.
كان سليم ينظر أمامه، حرك عينيه نحوها للحظة قبل أن يعود ببصره للأمام، ثم رد بصوته الهادئ:
مش هاينفع يا ماسة، خليها مرة تانية أبقى عامل حسابي.
نظرت له للحظة، ثم عادت ببصرها إلى الشارع، لم تكن لديها طاقة للجدال، كانت متعبة جدًا. تركت رأسها تستند مرة أخرى على النافذة، وأغمضت عينيها وهي تبتسم بخفة، كأنها تسرق لحظة راحة وسط تعبها. الهواء استمر في مداعبة وجهها، وشعرها، وبمجرد وصولهما إلى جناحهما، ألقت نفسها على الفراش بأنفاس متعبة.
اقترب منها سليم، مرر يده على شعرها برفق وسألها:
هاتنامي كده؟
ماسة بصوت متعب: مش قادرة… تعبانة خالص، مانمتش من إمبارح.
سليم: عندِك محاضرة الساعة 9، هصحيكي 7، تمام؟
ماسة: ماشي…
سليم بإهتمام: طب غيري هدومك الأول.
ماسة بنعاس: مش قادرة والله… تصبح على خير.
أرسلت له قبلة في الهواء، ثم أغمضت عينيها سريعًا. ابتسم سليم وهو يراقبها، لكنه لم يتركها كما هي، اقترب منها بلطف وبدأ في مساعدتها على تغيير ملابسها غصب.
ماسة بتململ وهي تبعد يده: سليم، مش عايزة،
سليم بهدوء لكن بحزم: مافيش حاجة اسمها مش عايزة، لازم تكوني مرتاحة.
لم تجادله كثيرًا، فقط أغمضت عينيها من شدة الإرهاق بينما هو ساعدها بلطف على ارتداء قميص نوم مريح، ثم غطّاها جيدًا قبل أن يبدل هو الآخر ملابسه. جلس بعدها على طرف السرير يراقبها للحظات، ثم ألتقط كتابًا وبدأ في القراءة لبعض الوقت، لكن عينيه كانتا تعودان إليها بين الحين والآخر، يتأمل ملامحها المسترخية في النوم.
بعد حوالي نصف ساعة، أغلق الكتاب وأطفأ الأباجورة، ثم تمدد بجوارها، جذبها نحوه برفق حتى استقرت بين ذراعيه، وشد الغطاء فوقهما أكثر ليحميها من البرد. همس بصوت خافت قبل أن يغمض عينيه:
سليم: نامي يا عشقي، بكرة يوم جديد لينا زي زمان،و لازم نرجع زي زمان.
وضع قبلة على رأسها و ذهب في سبات عميق
وفي صباح اليوم التالي، دق المنبة على السادسة تمامًا.
سليم فتح عينيه، ألقى نظرة على ماسة التي كانت نائمة بعمق، أنفاسها هادئة، ووجهها مدفون في الوسادة. ابتسم بخفة، ثم اقترب منها ووضع قبلة على جبينها.
نهض ليأخذ حمامًا سريعًا، وبعد أن بدّل ملابسه، توجه نحوها مجددًا لإيقاظها.
اقترب سليم منها بهدوء، همس عند أذنها: ماسة… عشقي، يلا الساعة السابعة.
لكنها تمتمت بكلمات غير مفهومة ودفنت وجهها في الوسادة. حاول إيقاظها أكثر من مرة، لكنها لم تستجب.
زفر بهدوء، غطّاها جيدًا، ثم غادر الغرفة متجهًا إلى المجموعة، وقرر أن يتركها ترتاح.
مجموعة الراوي التاسعة مساءً.
ـ الاجتماعات
جلس الجميع في قاعة الاجتماعات الفخمة، كلٌ في مكانه، المديرون، عزت، فايزة، والأشقاء. الجو مشحون بالتركيز وأوراق المشاريع متناثرة على الطاولة.
صافيناز بنبرة جانبية وهي تنظر إلى سليم: كويس إنك وديت ماسة الجامعة وخرجتها أخيرًا.
رفع سليم عينيه إليها بنظرة باردة، قال بهدوء لكنه كان واضحًا في حدته: ده مش مكانه، إحنا هنا في المجموعة، الكلام ده في البيت… وبعدين مالكِيش دعوة.
ساد الصمت للحظات، ثم أخذ سليم نفسًا عميقًا وقال بصوت حازم: يلا نبدأ الاجتماع.
بدأ الجميع في الحديث عن المشاريع، كل مدير يعرض تقريره، ويتبادل الحاضرون النقاش حول الصفقات القادمة. سليم كان واضحًا إنه متضايق، تارة يضغط بأصابعه على الطاولة، وتارة ينظر للأوراق أمامه بشرود. لكن في لحظات معينة، كان يفاجئ الجميع بحزمه، يرفع صوته فجأة ليوقف أحدهم عند نقطة غير منطقية، أو يصحح لهم مسار خطة اقتصادية، وكأنه يضبط الإيقاع بنفسه.
ساد الصمت للحظات، ثم عدّل سليم جلسته، نظر للأوراق أمامه، وضبط نبرة صوته للحزم: تمام كده، كل حاجة تمام، هانكمل زي ما اتفقنا. المشروع ده مش هايروح من إيدينا، المناقصة لازم تكون لينا، مفهوم؟
هزّ الجميع رؤوسهم بالموافقة، وبدأ المديرون بالتحرك، لكن بقي عزت، فايزة، وباقي أشقائه جالسين.
بهدوء، صافيناز قطعت الصمت: إنت هاتعمل إيه في مشروعي؟ محتاجة المبلغ النهاردة
نظر إليها سليم ببرود، قلب الأوراق أمامه حتى وصل إلى ملفها، أمسك الورقة، خطّ عليها بقلمه كلمة واحدة: مرفوض.
صافيناز رفعت حاجبها بصدمة: يعني إيه إن شاء الله؟
سليم وهو ينظر لها بسخرية: يعني مش مقبول، إنتِ خدتِ كتير،، صافيناز مشروعك ده بقاله سنين بياخد تمويل من المجموعة، كل سنة تاخدي مبلغ، لحد إمتى؟ هو المشروع ده بتاعك لوحدك؟ مطلوب مننا نمول كل إنتاج جديد ليكِ وأرباحك منستفدش منها؟!
صافيناز بصوت مرتفع: وبترفض بصفتك إيه؟
سليم بإبتسامة مستفزة: بصفتي رئيس مجلس الإدارة.
صافيناز نظرت لعزت بحدة: بابا، إنت موافق على الكلام ده؟
عزت بهدوء وهو ينظر إليها بجدية: أكيد موافق، خدتي مبالغ كبيرة جدًا، أنا وقفت معاكِ في المشروع ده من البداية، والقرار ده قراري أنا وسليم، كفاية إللي خدتِيه. مش معقول كل سنة تاخدي المبلغ الضخم ده!
صافيناز بحدة: أنا باخد نسبتي.
سليم بإبتسامة ساخرة قائلا بحزم: لا، دي مش نسبتك، إللي بتاخديه أكبر من نسبتك بكتير، ولو عايزة نسبتك الحقيقية، يبقى تفضلي بره المجموعة، وأنا هحول ليكِي نسبتك كل سنة بالحساب.
صافيناز بغضب: ده مش أسلوب على فكرة.
سليم ببرود: لا، هو ده الأسلوب إللي هايتبع بعد كدة، السواقة والعشوائية بتاعة زمان انتهت. كل جنيه هايخرج من المجموعة بعد كده، هايخرج بمعرفتي وموافقتي، يا أقتنع يا لا.
ساد الصمت، نظرة تحدٍ بين سليم وصافيناز، ثم وقفت الأخيرة غاضبة وغادرت، بينما سليم تابع: في حد عنده إعتراض تاني؟ في حد هنا عنده مشكلة من إخواتي العزاز؟
ابتسم رشدي بخبث: لا يا ملك إحنا نقدر نعترض، إحنا ماينفعش نقول غير سمعا وطاعة مولانا سليم باشا الراوي..
نظر له سليم فهو يفهم جيدا أنه يسخر منه لكنه رد عليه بقوة: ده حقيقي أنا مايتقليش غير سمعا وطاعة سليم باشا ..(نظر للجميع)إحنا كده انتهينا. اتفضلوا،،، ياسين، أول بأول توريني التطوير وإللي بيحصل، مش عايز أي غلط.
ياسين بثقة: ماتقلقش.
قصر الراوي
جناح سليم وماسة، الثانية عشر ظهراً
حيث لا يزال الجو هادئًا، والستائر مسدلة تحجب ضوء الشمس قليلًا. الهاتف يهتز بجوارها، لكن نومها العميق يمنعها من الاستجابة فورًا. بعد لحظات، تمتد يدها بتكاسل، تلتقط الهاتف دون أن تفتح عينيها بالكامل.
ماسة بصوت ناعس ومغمض العينين: ألو؟
سلوى بحماس: إنتِ فين يا ماسة؟
ماسة تحاول استجماع نفسها: مين… ؟
سلوى بشدة: مين إيه أصحي؟!
ماسة: الساعة كام؟!
سلوى: الساعة 12! مش هتيجي ولا إيه؟
ظلت ماسة صامتة للحظات، تحاول أن تستوعب، لكنها لا تزال تحت تأثير النوم..سمعت سلوى تناديها مرة أخرى
سلوى: إنتي يا بنتي معايا؟
ماسة بخمول: آه آه، معاكي… طب دقيقة وهكلمك… بس أفتح عيني.
لكن عينيها لا تفتحان، بل تغرق في النوم مجددًا، والهاتف لا يزال في يدها. على الطرف الآخر، سلوى تستمر في قول ألو… ألو؟، لكن لا رد، فتتنهد وتقفل الخط.
بعد ساعات، تستيقظ ماسة على إحساس ثقيل في جسدها، تشعر وكأنها لم تتحرك منذ دهر. تتلمس هاتفها، تجده لا يزال في حضنها. تنظر إلى الشاشة بعين نصف مغلقة…
ماسة بدهشة: الساعة 3!! لاااا… مستحيل!
جلست بسرعة على السرير، مررت يدها على وجهها كأنها تحاول التأكد من أنها مستيقظة حقًا. نهضت بتكاسل، دخلت الحمام، فتحت المياه الباردة على وجهها لتستعيد وعيها. بعد لحظات، تعود للسرير، تمسك بهاتفها، تتنهد وتضغط على اسم( كراميل) . يرن الهاتف لثوانٍ قبل أن يجيب بصوته الدافئ من الجهة الأخرى.
سليم: عشقي؟
ماسة بصوت متذمر: إنتَ ماصحتنيش ليه يا سليم؟
سليم بهدوء: حاولت… بس ماكنتيش بتصحي، كنتِ تعبانة جدًا.
ماسة بتنهيدة: آه فعلًا، ولسة تعبانة…مش عارفة أعمل إيه في حوار نومي ده، كده مش هعرف أروح الجامعة.
سليم: إن شاء الله هانحلها أنا وانتي لما أجي.
ماسة: ماشي، هاتتأخر؟
سليم: لا مش هتأخر، هاجي لك على 5 أو 6 بالكتير، أفطري بقى ! حاولي ماتناميش تاني.
ماسة: خلاص ماشي، ماتتأخرش عليا اموووووه.
أغلقت ماسة الهاتف، أخذت حمامها ثم نزلت للطابق السفلي. شربت كوبًا من النسكافيه وتناولت بعض من الطعام، بينما كانت تنتظر سليم. بعد قليل، أمسكت بالهاتف وأتصلت بسلوى.
ماسة: إنتِ فين؟
سلوى: أنا مع مكي عند مامته علشان بنغير الموبيليا، مش هعرف أجي لك، ماما معايا.
ماسة: خلاص ماشي.
تنهدت ماسة وتوجهت إلى الحديقة وبعد قليل انضمت لها هبة جلست أمامها وأخذتا تتبادلان الأحاديث.
هبة: بجد، أنا مصدقتش لما عرفت إنك نزلت الجامعة إيه إللي حصل؟
ماسة بإبتسامة صغيرة قالت بتوضيح: والله يا هبة، حصلت خناقة بيني وبين سليم… لدرجة إني طلبت فيها الطلاق.
اتسعت عينا هبة بذهول: وإنتي كنتِ بتقوليها بجد؟ ولا كانت لحظة عصبية؟
أشاحت ماسة بوجهها للحظة وكأنها تتهرب من الإجابة، ثم عادت لتواجهها بعينين مثقلتين بالتعب:
بصراحة… كانت لحظة عصبية. أنا بحب سليم جدًا، ويمكن لو جت اللحظة دي فعلًا أرفضها… بس مستحيل أتحمل الوضع ده أكتر من كده يا هبة، بجد تعبت… أنا قربت أكلم نفسي!
تنهدت هبة وهزت رأسها بحيرة: أنا مش عارفة ليه مكملة في إللي إنتي فيه ده ومتحملة؟ إنتي يتعملك تمثال يا شيخة.
ضحكت ماسة ضحكة ساخرة، ضحكة تحمل من الألم أكثر مما تحمل من السخرية، ثم همست بصوت مرتعش:
ماكنتش عايزة حد يقول عليا ناقصة وناكرة وماعنديش أصل…ومستحملتش سليم!
أشاحت بوجهها، عيناها تلمعان بدموع لم تسقط بعد، تتابع بصوت أكثر عمقًا:
سليم عمل عشاني كتير، إنتي ماتعرفيش أنا كنت إيه… كنت بنت فقيرة، مثيرة للشفقة، أقصى أحلامي إننا نلاقي بيت صغير فيه حمام وحنفية مية، وإننا نترحم من الخدمة، أو على الأقل إللي شغالين عندهم يبطلوا قلة أدبهم علينا… مايهينوناش، مايذلّوناش، مايضربوناش!
شبكت يديها معًا، تشعر برجفة خفيفة قبل أن تكمل:
سليم أخدني من كل ده، وإداني إللي عمري ماتخيلته، ولا حتى كنت أجرؤ أحلم بيه…أنا فاكرة مرة زمان لما قالي أحلمي؟ إيه المشكلة لو نفسك تسافري سويسرا؟ عارفة رديت عليه إزاي؟ قلت له لا… أخاف حلمي مايتحققش وأتوَجع وأعيَّط! ماينفعش أحلم بحاجة وعارفة إنها مستحيل تتحقق.
صمتت للحظة، ابتلعت غصة في حلقها، قبل أن تستطرد بصوت متهدج:
إللي أنا قدمته لسليم حاجة بسيطة من حاجات كتير هو عملها عشاني، بس في نفس الوقت…كنت تعبانة! كان جوايا صراع بين إني لازم أتحمل، وبين إني بقتل نفسي بالبطيء… بأذي نفسي!
نظرت لهبة بعينين ممتلئتين بالحزن والندم أضافت: والله العظيم يا هبة، لما كنت بتعصب، ماكنتش بعمل ده في وعيي… كأنه فيه حد تاني جوايا، حد تاني هو إللي بيتكلم، هو إللي بيزعق! وبعد مابخلص… بعيط بيني وبين نفسي، وأسأل… أنا إزاي أعمل كده مع سليم؟! هو خايف عليا، إللي حصل لنا صعب؟!
تقدمت هبة قليلًا، وضعت يدها على يد ماسة بحنان: أنا حاسة بيكي يا ماسة… وماتزعليش مني لو كنت بعيدة عنك الفترة إللي فاتت، بس إنتي إللي كنتِ دايمًا بترفضي الكلام، وكنتِ بتبعديني عنك! أنا بصراحة كنت متعصبة ومتغاظة من طريقتك… من استسلامك! علشان كده كنت بعيدة شوية… حقك عليا، ماتزعليش مني، عارفة إني قصرت في حقك كتير.
تأملت ماسة كوب العصير أمامها، حركته بين يديها دون اهتمام، قبل أن ترفع رأسها وتبتسم ابتسامة حزينة:
والله العظيم يا هبة، أنا أصلا ماكانش في دماغي مين بيسأل ومين بعيد ومين قريب… كنت في عالم تاني، عالم على قد ماهو ممتع، على قد ماهو يوجع القلب… تحسي نفسك جوه برطمان مقفول عليكي، وهي دي حدودك، ولازم تتعودي على ده غصب عنك.
تنهدت ثم رفعت نظرها لهبة بنبرة مرحة لكنها تحمل خلفها تعبًا شديدًا:
بقول لك إيه، مش عايزة أتكلم في الموضوع ده بالله عليكي! أنا عايزة أخرج، عايزة أنبسط، نفسي أغيّر جو!
ضحكت هبة ضحكة صغيرة، وهزت رأسها قائلة:
مع إن شروط سليم فظيعة… بس مش مشكلة! خلينا نخرج… نحدد من دلوقتي علشان تقولي له قبلها، عشان نضمن إنه يوافق ومايحصلش مشاكل.
أومأت ماسة بحماس: اتفقنا!
سألت هبة بفضول: قوليلي صح العالم أللي هنا عاملين إيه معاكي.
ماسة مدت وجهها بلا مبالاة:
ولا أي حاجة … كل واحد في حاله بشكل مبالغ فيه! تحسي إنك عايشة لوحدك أصلاً، مابنشوفش بعض، وكل واحد في حياته! وبعدين، أنا أصلًا قفلتها عليهم كمان! صافيناز كانت عايزة ترجع تاني تمثل عليا المحبة، قلت لها: بقول لك إيه، مصلحتك مش معايا أنا!
ابتسمت هبة بسخرية، رفعت حاجبها بخبث: أحسن! ضحكتا معا وضربتا كفا بكف.
💕______________بقلمي _ليلةعادل
منزل مكي الرابعة مساءً
الراسبشن
نرى سلوى وسعدية وليلى ومكي يجلسون ويتبادلون الأحاديث
نظرت ليلى إلى سلوى بحنان، لكن بجدية، وقالت بصوت واضح:
العفش لازم يتغير، مش كفاية إنك وافقتِ تعيشي معايا؟ ده حقك، لازم تختاري كل حاجة بنفسك.
سلوى بهدوء: يا طنط، أنا مقدرة كلامك، بس برضه مش عايزة أكون تقيلة عليكم، والله البيت شكله حلو، كفاية أوضة النوم والصالون، صح يا ماما؟
سعدية بتأييد: صح، وكمان مكي عملها فيلا، كفاية كده.
قاطعتها ليلى بحزم ودفء: إنتِ مش ضيفة هنا، ده بيتك، وإنتِ بنتي، فـنختار العفش سوا، زي ما أي أم وبنتها بيعملوا. لازم كل العفش يتغير، أنا لو بنتي كانت هاتعيش مع حماتها، كنت هشرط كده.
التفتت سلوى إلى سعدية وكأنها تبحث عن دعم، لكن والدتها ابتسمت بحنان وقالت: أسمعي كلام مامتك ليلى، ماتزعليهاش.
سلوى: ماشي زي ما تحبي.
ضحك مكي وهو ينظر إلى سلوى: يبقى كده اتفقنا؟
ساد جو من الألفة والمودة، وسط تبادل النظرات والضحكات العائلية.
في البلكونة
توقفت سلوى متكئة على سور البلكونة، تتأمل النيل الذي ينساب أمامهما في هدوء، بينما وقف مكي بجانبها، يتأملها بصمت، قبل أن يتمتم بصوت خافت: حقيقي… غريب.
نظرت إليه سلوى متعجبه: إيه؟ بتضحك ليه؟
مكي بتوضيح: الزمن غريب… ماتوقعتش يوم إن أنا مكي، أحب بالشكل ده. ماتوقعتش إن حياتي كلها تبقى متمحورة حوالين شخص واحد، وإن كل تفكيري يبقى فيه، كل حاجة بعملها، كل خطوة باخدها، كل قرار باخده… كله بقى ليه معنى علشان فيه حد عايز أبني معاه حياتي، وأرسم تفاصيلها وأخطط لمستقبلنا سوا.
سلوى لم ترد مباشرة، فقط ابتسمت بخفة، قبل أن تأخذ نفسًا عميقًا وتقول بجدية وهي تنظر إليه: عارف أنا متخيلة حياتنا بعد جوازنا… إنك ترجع من الشغل الساعة أربعة ولا خمسة، تبقى تعبان، أكون محضرة لك الحمام عقبال ما تاخده، أكون جهزت الغدا، نقعد نتغدى سوا، نحكي عن يومنا، نتكلم… نخطط لحاجات جديدة.
نظر مكي إليها بانتباه أكثر، وكأن كلماتها بدأت ترسم له صورة لم يفكر فيها بعمق من قبل.
أكملت سلوى بحماس طفولي: مثلاً نعمل مشروع سوا، أفتح ورشة لصناعة الإكسسوارات زي ما كنت بحلم زمان، وإنت تفتح مكتب حراسات، علشان بتحب الجو ده. أصلك مش هاتفضل طول حياتك شغال عند سليم، لازم يبقى عندك شغلك الخاص، مش كده؟
نظر لها مكي، وتلاشت ابتسامته تدريجيًا، حك رأسه بنظرة تفكر قبل أن يقول: سيبك من موضوع سليم دلوقتي، هانتكلم فيه بعدين… كملي بس على موضوع جوازنا، الأهم. متخيّلة حياتنا بعد الجواز عاملة إزاي تاني؟
ابتسمت سلوى بحلم واضح في عينيها، وهي تتابع:
نجيب بنت وولد… محمد وماسة، ونسافر، نجرب حاجات جديدة سوا، نشوف الدنيا بعيون مختلفة… كده يعني، حاجات ماعملناهاش قبل كده.
ابتسم مكي وهو يسمعها تخطط وكأن كل شيء قد كُتب بالفعل، لكن عند ذكر الأسماء، رفع حاجبًا وسألها بمكر:
طب ماسة… اسم أختك، توأمك… محمد مين بقى؟ أعترفي.
نظرت إليه سلوى وابتسمت بخفة، وقالت بصوت دافئ: باباك.
ساد الصمت لثوانٍ، قبل أن يلاحظ مكي أن قلبه قد خفق بقوة دون أن يدرك. نظر إليها بدهشة لم يحاول إخفاءها، وكأن كلماتها لم تكن مجرد اقتراح، بل هدية ثمينة لم يكن يتوقعها.
ارتسمت على وجهه ابتسامة واسعة، لكن عينيه لمع فيهما شيء مختلف… مزيج من الفرح والامتنان والحزن الخفيف. كأنه للحظة، شعر أن والده هنا، معهم، يسمع حديثهم.
قال بصوت يحمل أثر مشاعره: حقيقي، حاجة غير متوقعة… إنتِ كل يوم بتفاجئيني، وبتأكديلي إن اختياري كان صح.
مد يده وأمسك بيدها بلطف، ثم قال بصوت دافئ مليء بالوعود: وأنا مستعد أخلي كل ده حقيقة… بس طول ما إنتِ جنبي.
طبع قبلة على يدها، فسحبتها بسرعة، متبسمة بخجل وهي تخفض نظرها إلى الأرض.
مكي بحماس: تعرفي… نفسي الشهور دي تعدي بسرعة. بقول لك إيه، إيه رأيك نكتب الكتاب آخر يوم امتحانات؟ نخلص امتحانات النهاردة بكرة نكتب الكتاب، ومش عايز اعتراض. الفرح بعدين نعمله براحتنا.
سلوى، وقد ارتفع حاجبها بدهشة: أنا مش عارفة ليه مصرّ إننا نكتب الكتاب بسرعة! أوعى تكون فاكر بقى لما نكتبه، إن دماغك تجيبك لحاجات…
قاطعها مكي بجدية ممزوجة بمرح: تصدقي… عيب! عيب الكلام ده، بتفكري فيا إزاي بجد؟
ضحكت سلوى وقالت بمشاكسة: أنا بس قلت ألفت نظرك يعني.
لوّح مكي بيده قائلاً بحزم خفيف: لا، ما تلفتيش!
قلتِ إيه؟ نكتب الكتاب بعد امتحانك على طول، ونعمل الفرح على مهلنا؟
سلوى بعد تفكير قصير: خلاص، تمام، مفيش مشكلة عارفة أني مش هخلص من زنك .. ثم نظرت إليه بمكر وقالت وهي تبتسم بدلال: مكي عايزة منك خدمة.
مكي وهو يميل برأسه قليلاً: قولي بس من غير دلع عشان مابياكلش معايا.
سلوى بتذمر: يا ستار عليك … طب أنا عايزاك تقنع سليم يخلي ماسة تيجي معايا وأنا بشتري شوية لبس وحاجات تخص الجهاز. ماتقولش ماينفعش ومش عارف إيه، أنا عايزاك تسيطر على صاحبك المجنون ده، إللي ماحدش بيقدر عليه ده!
مكي وهو يضحك بخفة: هحاول، حاضر والله، بس أصبري شوية… مش على طول كده! هي لسه نزل جامعة امبارح، فمش معقول النهاردة نقوله نخرجها تاني! استني شوية، شهر كده، وأنا اتكلم معاه.
سلوى وهي تزفر بضيق: شهر؟! إنت بتهزر يا مكي؟
مكي بضحكة خفيفة: أهو شهر ولا مفيش خروج خالص، اختاري!
سلوى وهي تتأفف بخيبة أمل: يا ربّييي! طيب والله، أنا داخلة جوه أقعد مع أمي وطنط، خليك واقف لوحدك!
حاولت ان تتحرك مد مكي يده ليوقفها بمزاح:
تعالي هنا، خلينا واقفين مع بعض شوية بطلي دلع.
ابتسم ثم سألها بمكر وهو يرفع صوته قليلا بنظرات عاشقة: قولي لي بقى، نفسك يبقى شبهك ولا شبهي؟
قلبت سلوى وجهها وهي ترفع حاجبها بسخرية:
تعرف إن أنا مابحبكش وإنت بتتكلم كده؟ هههه، مش بتقبلك.
مكي وهو يضع يده على صدره بمبالغة: هو إنتِ لا كده عاجبك ولا كده عاجبك!
سلوى بضحكة خفيفة: يا سيدي إنت عاجبني، بس لما تتكلم عادي، ماترفعش صوتك.
ثم أضافت بثقة واستنكار: عايزهم يبقوا شبهك إزاي يعني؟! إنت مجنون؟ ماعندكش مراية في بيتكم؟ أكيد شبهي، مش معقولة أضيع مجهود السنين دي كلها وأطلع بحاجة تشبهك!”
مكي وهو يضحك: أفهم من كده إن أنا مش عاجبك؟!
سلوى بغمزة: أنا بحبك… بس مش هخاطر بالعيال!
مكي وهو يهز رأسه بمرح و يعدل ياقه القميص: عموماً، أنا ذوقك، ودي حقيقة مش هاتقدري تنكريها!
سلوى وهي تتصنع التفكير: مش متأكدة… ممكن نعمل استرجاع للطلب ونختار تاني؟ أخرجت لسانها بمزاح. !
مكي بمكر: طيب يا ختي، أقفي قصاد المراية وتوحّمي على نفسك… أو توحّمي على أختك!
سلوى بضحكة: أوعدك، الولد هاتوحم عليك… بس مش اوي يعني، إنت برضه في الأول وفي الآخر باباه!
مكي وهو يرفع حاجبه بتوجس: شكرا يا ستي، طب والبنت؟
سلوى بثقة وهي تعقد ذراعيها: البنت أكيد لا!!!
مكي متصنعًا الصدمة: أنا إللي بقول لك، البنت أكيد لا… هاتبور جنبنا!
ضحكا سويًا، بينما كانت سلوى تهز رأسها بيأس من مزاحه المستمر، وهو ينظر إليها بمودة لا تخفى.
💞___________________بقلمي_ليلةعادل
قصر الراوي الخامسة مساءً
الحديقة
تمتلأ الحديقة بالحياة، صوت ضحكات الأطفال يملأ الأجواء بينما تجري ماسة مع زين ومريم. كانت مريم تحاول اللحاق بها، وزين يصرخ بحماس، يحاول الإمساك بها.
يدخل سليم، ويخلع نظارته الشمسية، تراه ماسة فتبتسم وتتقدم نحوه، تحمل مريم بين ذراعيها.
ماسة بابتسامة مشرقة: حبيبي!
سليم وهو يضع مفاتيحه على الطاولة: عاملة إيه؟
ماسة وهي تهبط مريم بلطف على الأرض: الحمد لله.
جري زين نحوها وشد طرف فستانها بحماس.
زين: مش هاتلعبي معانا تاني؟
ماسة وهي تضحك وتنحني لمستواه: هاجي ألعب معاكم، بس أقعد مع خالو شوية… مش هاتسلم عليه؟
زين وهو يرفع وجهه لسليم بإبتسامة: إزيك يا أنكل؟
سليم وهو يبتسم له ويطبع قبلة على خده: الحمد لله، إنت عامل إيه يا بطل؟
زين: كويس.
مدت مريم يديها الصغيرة لسليم ليحملها، فيلتقطها سريعًا ويطبع قبلة على خدها قبل أن يضعها أرضًا، فتضحك بسعادة وتركض مع زين للعب مجددًا.
ماسة وهي تتابعهم بإعجاب: عسلين قوي، ما شاء الله عليهم مش طلعين لاختك الحمدلله.
سليم وهو ينظر إليها بمكر: حنيتي للأولاد!
ماسة متعجبه: يعني ايه حنيت للأولاد؟
سليم وهو يضع يديه في جيبه: يعني… نفسك تجيبي طفل؟
صمتت ماسة للحظات، لا تريد خلق مشكلة، هزت رأسها سريعًا لتغير الموضوع:
لا، كل إللي بفكر فيه دلوقتي إزاي أظبط مواعيد نومي… عايزة حل، شوف لي حل!
سليم وهو يفكر لثوانٍ، ثم قال: بصي… أول حاجة، هانوقف القهوة والنسكافيه من بعد المغرب، تاني حاجة، هانمشي كل يوم نص ساعة في الجنينة قبل النوم ونشرب لبن دافي بالعسل… تالت حاجة.
اقترب فجأة ليهمس بصوت منخفض يحمل نبرة تهديد لطيفة: لو فضلتِ صاحية بعد نص الليل… هعرف إزاي أخليكِ تنامي غصب عنك!
فهمت ماسة ما يرمي إليه، فترفع يدها لتدفعه بخجل: ياااااه يا سليم! أنا باتكلم بجد!
سليم وهو يضحك ويضع يديه على كتفيها برقة:
وأنا كمان بتكلم بجد! بس يلا، النهاردة هنظبط مواعيدك، وأنا هساعدك متقلقيش.
ماسة وهي ترفع حاجبها بشك: يا رب… بص، لو لقيتني هنام في نص اليوم، أمنعني بأي طريقة!
سليم بحزم وابتسامة جانبية: همنعك، وهننام سوا الساعة 12… كده حلو؟
ماسة وهي تزفر بخفة ثم تبتسم: تمام!
ضحك سليم وطبع قبلة سريعة على جبينها.
زين بحماس: ماسة، تعالي ألعبي معانا!
ماسة بابتسامة دافئة: حاضر جاية … كراميل هروح ألعب معاهم لحد مايحضروا الغدا!
هزت رأسها لسليم ثم جرت نحو الأطفال لتكمل اللعب معهم بسعادة، بينما يراقبها سليم بصمت.
عيناه تمتلئان بحسرة لا يبوح بها… يرى الابتسامة التي تعلو وجهها، لكنه يعرف أنها مجرد قناع. كم كان يتمنى أن تكون تلك الضحكات لطفلهما… أن تكون هذه اللحظات بينه وبين أبنته، لكن القدر حرمهما من ذلك. وربما لن يتمكنا من عيشها أبدًا.
أشاح بنظره بعيدًا، أخرج هاتفه، واتصل بطبيبه بصوت ثابت لكن يحمل توترًا دفينًا: ايوه يا دكتور، بقولك إيه… أنا عايز ميعاد، وعايز أعمل تحليل… شوف لي النسبة بقت قد إيه.
لحظة صمت، ثم أكمل: ماشي يا دكتور… سلام.
أغلق الهاتف، نظر إلى ماسة من بعيد… قلبه يضيق، لكنه يبتلع مشاعره كعادته.
بعد العشاء، قضى سليم وماسة بقية الوقت معًا، حيث حرص على تنفيذ خطته لمساعدتها في ضبط نومها.
مع مرور الوقت، شعرت ماسة بالنعاس في منتصف اليوم، لكنها لم تجد فرصة للاستسلام له، إذ كان سليم متيقظًا لكل حركة منها. كلما حاولت الاستلقاء، وجد وسيلة لإبقائها مستيقظة، سواء بمحادثات طويلة،أو حتى افتعال مشاحنات مرحة معها. في لحظة من الملل، تحول الأمر إلى حرب وسادات طفولية بينهما، ملأت المكان بالضحك حتى نسيت رغبتها بالنوم.
ثم احتست بكوب اللبن الدافئ، ثم خرجا للمشي في الحديقة تحت سماء الليل الصافية، حيث تبادلا الحديث والضحكات وسط النسيم المنعش
حينما دقت الساعة الثانية عشرة، قادها سليم إلى الفراش، حيث استلقت محاولةً النوم، لكنها شعرت بعدم القدرة على الاسترخاء. دون أن يقول شيئًا، مرر يده في شعرها بحركات هادئة، مستخدمًا صوته الخافت لتهدئتها. لم يمضِ وقت طويل حتى بدأت جفونها تثقل شيئًا فشيئًا، واستسلمت للنوم بين ذراعيه، بينما ظل ينظر إليها لبعض الوقت قبل أن يغلق عينيه وينام هو الآخر.
عندما دقت الساعة السادسة في الصباح الباكر، لم تكن ماسة قد استيقظت لم يترك لها سليم مجالًا للتكاسل أو العودة للنوم، بل تابعها خطوة بخطوة حتى نهضت من السرير وبدأت بتجهيز نفسها.
طوال الطريق كانت ماسة صامتة في البداية، لا تزال تحاول التأقلم مع الصباح المبكر، بينما كان سليم يراقبها بطرف عينيه، يلاحظ كيف تحارب النعاس.
مع الوقت، بدأ الحديث بينهما، يتخلله بعض المزاح والتعليقات التي جعلت الرحلة تمر بسلاسة.
حتى وصلا الى جامعة وبطبع لم ينسى سليم بتاكيد شرطه عليها.
💞________________بقلمي_ليلةعادل
الجامعة الأمريكية العاشرة صباحا
داخل مدرج آثار
جلست ماسة في الصف الأول، تتابع المحاضرة بإهتمام وتدون ملاحظاتها بخط مرتب.
خلفها بمدرج، جلست فتاتان تتبادلان الهمسات بنبرة فضولية.
ريماس همست لداليا وهي تنظر إلى ماسة: إنتي عارفة مين دي؟ شكلها مش غريب عليا.
داليا اندهشت: إنتي بتهزري؟ دي ماسة، مرات سليم الراوي.
ريماس اتسعت عيناها بدهشة: معقولة؟ سليم الراوي؟
داليا بثقة: ايوة.
ريماس تأملتها قليلًا: بس شكلها متغير شوية عن الصور.
داليا ردت بهدوء،: عادي، دي عملت حادثة كبيرة، لازم تتغير كده.
ريماس وهي تنظر من حولها: طب إيه حكاية الحراسة المشددة دي؟ عاملة زي رئيسة الدولة ولا الملكة.
داليا بفضول: بصراحة، أنا عايزة أتعرف عليها، ماتيجي نكلمها بعد المحاضرة؟
هزّت ريماس رأسها موافقة
عند انتهاء المحاضرة، بدأ الطلاب بالمغادرة، بينما بقيت ماسة في مكانها قليلًا، تنتظر أن يخف الزحام. نهضت بهدوء واتجهت نحو باب المدرج، لكن لم تمر سوى لحظات حتى اقتربت منها الفتاتان
ريماس بلطف: هالو.
لم تكد تكمل جملتها حتى تحرك الحراس فورًا، لكن ماسة رفعت كفها بإشارة هادئة تطمئنهم فيها
هز مكي راسه بإيجاب
داليا بابتسامة: إحنا أول مرة نشوفك، ماحضرتيش معانا الترم الأول، بصراحة حبينا نتعرف عليكِ.
نظرت ماسة إليهما للحظة قبل أن تجيب بهدوء، بينما وضعت يدها خلف رأسها بحركة تلقائية: فعلاً، ماكنتش بحضر الترم الأول.
ريماس بترحيب: طب إيه رأيك نروح الكافيتيريا ونتكلم براحتنا؟
نظرت ماسة للحظة نحو مكي، الذي كان يراقبها عن كثب. ما إن هزّ رأسه موافقًا قالت: ماشي يلا.
بدأت الفتيات بالتحرك.
الكافتيريا.
نرى ماسة و الفتيات يجلسن حول طاولة قريبة من النافذة. تبادلت ماسة نظرات سريعة مع الحراس الذين كانوا يقفون على مقربة، قبل أن تلتفت إلى الفتاتين اللتين كان الفضول واضحًا في عيونهما
ريماس مالت للأمام قليلًا: إيه بقى حكاية الحراسة المشددة دي؟ بصراحة مش تدخل بس الفضول قتلني، تقريبًا كل الجامعة بتتكلم عنك، مش بس كلية الآثار، AUC كلها مشغولة بموضوع البنت إللي دخلت بحراسة مشددة كأنها رئيسة دولة.
ابتسمت ماسة بلطف قالت موضحه: كنت متأكدة إنكم هاتسألوا، فعلا الموضوع مثير للفضول، بس الحكاية كلها إني اتعرضت لحادثة كبيرة، أكيد قريتوا عنها في السوشيال ميديا والجرائد والمجلات، وللأسف لحد دلوقتي ماوصلناش للجناة، فسليم خايف عليا، وعلشان كده الحراس موجودين معايا بشكل مكثف.
ريماس بعفوية: حتى في المحاضرات؟
هزت ماسة كتفيها: مش مهم، عادي، هو بيحبني وبيخاف عليا جدا.
داليا سألت بفضول: بس ليه مادخلتيش من الترم الأول؟
ماسة بدا عليها التوتر وهي تحرك أصابعها على بنطالها، لم تكن تريد أن تخبرهم أن سليم هو من كان يرفض ذلك حاولت الكذب ببراعه: كنت تعبانة، مريت بأزمة نفسية بسبب بنتي إللي ماتت، ماكنتش قادرة أتخطى الموضوع طول الفترة إللي فاتت، بس لما بدأت أكون أحسن، جيت.
ريماس رفعت حاجبها: طب وهاتعملي إيه في الترم الأول؟
ماسة بجدية: سليم قال لي هايكلم العميد ويشوف حل، يا إما أخده في السمر كورس أو يعملوا لي استثناء.
ريماس ضحكت،: خليه يكلم الوزير، جوزك ده حد معروف جدًا، ممكن يخليهم يعدوكِ عادي، ده بيحصل أصلاً، أغلب الطلبة هنا بيعدّوا من الأمتحانات بفلوس
ماسة ابتسمت: هعرف سليم.. انا مبسوطة إني اتعرفت عليكم وكان نفسي اوي يبقى ليا أصحاب هنا.
داليا بحماس: وإحنا كمان، وهانعرفك على كل أصحابنا.
💞______________________بقلمي_ليلةعادل
قصر الراوي
جناح سليم وماسة,السادسة مساءً
جلست ماسة بجوار سليم على الأريكة، متحمسة وهي تتحدث معه.
ماسة بحماس: واتفقنا بقى إننا هانخرج مع بعض كمان يومين!
سليم يبتسم بخفة: طب كويس هاتروحوا مكان معين؟
ماسة بتوضيح :تؤ، بس أنا قلت لهم لازم أنا أحدد علشان سليم يختار لنا مكان حلو.
أومأ سليم برأسه: خلاص تمام، فيه مطعم حلو على النيل. قلتي لي اسمهم ريماس وداليا، صح؟
ماسة بابتسامة: أيوه، داليا باباها دكتور استشاري كبير في جراحة الأورام، أما ريماس… مش فاكرة بصراحة.
سليم: طيب، اديني يومين أظبط المكان وأعرف البنات دول كويس وأقول لك تعملي إيه، بس بلاش اجتماعات زايدة، خليها في حدود لحد ماتأكد منهم..
قطبت ماسة حاجبيها: مش فاهمة؟
سليم بهدوء لكنه حازم: لازم أعرف هما مين دول الأول، وأعمل تحرياتي، وبعدها هقول لك تقربي منهم ولا لا.
ماسة بغيظ: تحريات؟! بجد؟ هو إنت مش واثق في اختياري المفروض تحترم عقلي، لكن إللي بيحصل ده معناه إنك لا بتحترم عقلي ولا بتثق فيَّا، وكأنك شايفني طفلة مش عارفة أختار!
سليم بهدوء لكن بصرامة قال موضحاً: الموضوع مش كده، أنا مش عايز أختارلك الناس إللي تصاحبيهم، كل الحكايه، لازم أكون اعرف مين دول؟ اعرف سلوكهم ومين أهليهم، إيه المشكلة في كدة؟
تحدثت ماسة بضجر،و نبرة متأثرة قليلاً:
سيبني أنا إللي أقرر! أنا إللي لازم أكتشف إذا كانوا ناس كويسة ولا وحشة، اكتشف أخلاقهم، وطباعهم، وكل حاجة! اديني فرصتي حتى لو غلطت إيه المشكلة، طبيعي الإنسان بيعيش علشان يتعلم. إحنا بني آدمين، وعلشان كده ربنا خلق الجنة والنار، في صح و غلط لازم أمشي في طريقي بنفسي، طبيعي أقع بس الشطارة إني أقوم وأتعلم من أخطائي. لكن طول ما إنت ماشي قدامي بترسم لي الطريق بالورد، هاتدمرني.
أشارت بأصابع يدها في وجهه بلوم، وقالت:
أوعى تكون فاكر إنك بتحميني أو بتحافظ عليّ، صدقني إنت بتدمرني!
نظرت له بحدة، ثم تابعت بنبرة عتاب:
سليم، أنا دخله على ٢٤ ولحد اللحظة دي ممكن أي حد يضحك عليّ عادي… انا لما اكتشفت كره أهلك ليا، مش علشان أنا بنت ذكية وجامدة، لا خالص، هما بس إللي كرههم باين توي. لكن لو كانوا شطار شوية في التمثيل، صدقني كانوا نهوني، وماكنتش هاخد في إيديهم أسبوع. أنا مش هقدر أتعلم غير لما أواجه مصيري بنفسي، سيبني أعيش زي ما أنا عايزة!
رد سليم برفض وحزم، بنظرة حادة: لا، مش هاسيبك تختاري ولا تواجهي العالم ده لوحدك. أنا إللي هحدد مين تتكلمي معاه ومين لا، وأنا إللي هرسملك الطريق إللي هاتمشي فيه، يا كده يا مفيش خروج.
نظرت ماسة له بتحدٍ، ملامحها مليئة بالغضب سألت:
ولو رفضت شروطك؟
سليم بنبرة قطعية حادة: مش هاتخرجي من باب القصر ده أبداً ووقتها هاتشوفي معني السجن الحقيقي.
نظرت له ماسة لثواني ثم رفعت رأسها ونظرت للسقف بقلة حيلة، مسحت على مؤخرة رأسها، ثم هزت رأسها باستسلام ظاهري.
ماسة بهدوء مستفز وعينها تترقرق بالدموع: حاضر يا سليم، اسأل عليهم وأعمل تحرياتك وأرسم الطريق، شوف هما ناس كويسة ولا وحشة.. ماتثقش فيَّا، ماتثقش في اختياراتي… بس إنت بتزودها وبتضغطني، وصدقني، هاييجي يوم وهاتتفاجئ برد فعلي. إنت أكتر حد لازم يكون عارف إنك لحد اللحظة دي ماتعرفش مين ماسة.
سليم ابتسم نصف ابتسامة متعجبة ورفع أحد حاجبيه: بقيتي كمان بتهددي؟
ماسة ابتسمت بسخرية مماثلة: تربيتك يا روح قلبي.
ضيق سليم عينيه وهو يراقبها: إنتي بقيتي متمردة، ومش عاجبك حاجة، عايزة تمشي إللي في دماغك وخلاص.
رفعت ماسة حاجبيها بحدة وقالت بنبرة متأثرة: لا، أنا كبرت وفهمت إن لازم أتكلم، لازم أناقش، لازم أعمل حاجة وأنا مقتنعة بيها. أنا مش تمثال عندك تحطه في المكان إللي يعجبك. أنا بني آدمه، وليَّا حق أختار حياتي بالطريقة إللي تريحني طول مابعملش حاجة حرام أو غلط.
قاطعها سليم بحدة وبنظرة قاسية: لا، غلط.
ماسة برفض تام نظرت له ورفعت حاجبيها: لا، مش غلط.
سليم بإصرار قرب وجهه لها: لا، غلط.
ماسة بتصميم بدون خوف بنظرة قوية: مش غلط.
سليم بحسم، ببحة رجولية، نظر داخل عينيها: وأنا بأقولك غلط.
نظرت ماسة بقوة داخل عينيه بتصميم: مش غلط، مش غلط يا سليم.
أضافت بنبرة متحدية: فيها إيه لما تسبني أختار؟ إيه المشكلة لو غلطت؟
ضغط سليم على أسنانه ونظر لها بخوف مبطن: لا، إنتي ماينفعش تغلطي، ماينفعش حاجة تحصل لك، ماينفعش حد يقرّب منك. أنا بخاف عليك بحميكي أفهمي بقى..
مرر عينه عليها متعجبًا، ثم أكمل بصوت متأثر:
إنتي ليه بتعملي كده؟ هو أنا بعذبك؟ أو حارمك من حاجة؟ أنا وعدتك إني هسيبك تخرجي، هسيبك تصاحبي زي ما إنتي عايزة، كل إللي هعمله إني هتأكد إنهم ناس كويسة، أهاليهم محترمين، مش بيشتغلوا في حاجة مشبوهة. غير كده، مش هتدخل.
هز رأسه محاولا اقناعها:
أصلك إنتي مش فاهمة إيه إللي بره الحدود أللي أنا رسمها لك دي، إنتي لو خرجتي بره، هاتشوفي حاجات خيالك نفسه مايتصورهاش. الأفلام إللي بتاخدي منها معلوماتك صفر على الشمال من الحقيقة. الوحوش البشرية بره الحدود دي، أقل حاجة عملوها معاكي إنهم قتلوا بنتك وهي في بطنك!
أضاف بنبرة رجولية: أنا بحافظ عليكي اقتنعي بقى.
كانت ماسة تنظر له بأنفاس متسارعة تشعر انه مبالغ في حديث ووجه نظر في البشر، هزت رأسها بلا وقالت بإصرار ورفض:
مش هقتنع يا سليم ولا هبطل أحاول، زي ما في ناس وحشة في ناس طيبة، حتى لو اقل بس موجودين، لازم تفهم اني مبقتش البت الصغيرة إللي جبتها من البلد،، أنا كبرت، أنا عايزة أواجه البشاعة دي، و والوحوش دول، أنا حرة، كفاية خنقة! كلها كام شهر وهيبقى بقلنا 9 سنين متجوزين، وأنا جوة حدودك، ماشمتش نفسي غير مرة واحدة، لما كنت في الغيبوبة، وروحت المجموعة مكانك، ونجحت افتكرت إني خلاص. لكن رجعنا لنفس الدائرة ونفس الصندوق! أرجوك.. كفاية! انت ليه مش بثق فيا.
سليم نظر لها بتركيز قال بنبرة هادئ لكنها قوية: أنا بثق فيكي، بس زمان كنت بخاف عليكي بحافظ على برئتك انما دلوقت زودي عليها بحميكي من اللي حاولو يقتلوكي وبحميكي حتى من نفسك حتى لو غصب عنك.
دقق النظر داخل عينيها، قال بصوت حاد بحسم: ومش هسيبك يا ماسة تجربي! سواء بمزاجك أو غصب عنك، هتنفذي إللي أنا عايزه. العالم بره مش هيبقى ليكي، وهتفضلي ماشية على المسار إللي راسمه ليكي وده إللي عندي … أما بالنسبة للبنات دول، مافيش كلام كتير معاهم لحد ماقولك تمام، ماتخلينيش أمنعك بشكل تام، إنتي عارفة إني قادر أعمل أي حاجة. لو إنتي شايفة نفسك متمردة، أنا دماغي مش موجودة أصلاً.
مسحت ماسة وجهها بضيق، بينما كانت تنظر إليه بملل، ونبرتها تكاد تنبئ بتعبها: والله العظيم، النقاش معاك يجيب المرض!
تحركت بعيدًا عنه بخطوات متثاقلة، واتجهت نحو الباب، كأنها تبحث عن مخرج من هذا الحوار الذي لا نهاية له.
سليم بصوت خافت لكنه محمل بالغضب: إنتي رايحة فين؟ مش بنتكلم؟
ماسة وهي تتحرك باتجاه الباب دون أن تلتفت: نازلة آكل، ممكن؟ ولا كمان محتاج تعمل تحريات، لحسن حد يكون حطلي سم فران؟ أووف!
خرجت ماسة من الغرفة وهي غاضبة، بينما جلس سليم على الأريكة، توتره وغضبه يسيطران عليه. فجأة، ضرب بيده بكل قوة على الطاولة الصغيرة أمامه، فانقلبت كل الأشياء عليها بعنف، متناثرة هنا وهناك تحت وطأة غضبه المتصاعد.

في المطبخ
جلست ماسة على الطاولة، تتناول الطعام ببطء وتحاول تهدئة نفسها، تعلم أن عليها التعامل بذكاء مع سليم، فالمواجهة المباشرة لن تنفع. الأهم من كل شيء الآن، أنه سمح لها بالخروج من ذلك القفص الذهبي، وعليها أن تحافظ على هذا المكسب، فإذا أصرت على العناد، سيعيدها إلى نقطة الصفر، وعندها لن ترى الشارع مرة أخرى وستخسر.
تأخذ لقمة أخرى، تحاول التركيز على الطعام بدلًا من التفكير في عناد سليم المجنون. فلديه أفكار لا يمكن أن تُفسَّر بالمنطق، وهذا يعني أنها يجب أن تساير عقله. بموافقة شكلية، ثم تنفذ ماتريد بطريقتها الخاصة.
بعد أن أنهت طعامها، صعدت إلى جناحها. دخلت بهدوء، لتجد سليم جالسًا على الأريكة، يحدق في التلفزيون. لكن نظراته كانت شاردة تمامًا، وكأنه لا يشاهد شيئًا. وما إن لمحها تدخل، حتى أمسك الريموت سريعًا ورفع الصوت قليلًا، متظاهرًا بالانشغال.
ابتسمت لنفسها، تعلم أنه كان مستغرقًا في أفكاره، ويفكر بها، بالتأكيد لم يكن سعيدًا بما حدث.
اقتربت وجلست بجانبه، أمسكت بطبق صغير من الحلويات وأخذت قطعة، قبل أن تميل برأسها نحوه قائلة بهدوء.
ماسة بتساؤل: هاترد عليا إمتى في موضوع الخروجات؟ علشان أعرف البنات.
سليم دون أن ينظر إليها: قلت لك يومين.
ماسة بحاجبين مرفوعين: يعني الجمعة تمام؟ يوم الجمعة ترد عليا؟
أومأ سليم برأسه دون اهتمام: أيوة.
ماسة بابتسامة خفيفة وهي تضع قطعة حلوى في فمها: حلو، يبقى أعمل حسابك على يوم الاثنين أو الثلاثاء، هخرج مع صحباتي، إيناس وداليدا وهبة وريتال، وهانقعد في النادي.
التفت سليم لها أخيرًا: لا، مش هاينفع النادي. مش هينفع أماكن مفتوحة.
ماسة بتنهيدة نظرت في زاويته متعجبه: متفقناش على كده.
سليم بجدية: إحنا أصلًا ماتفقناش ولا اتكلمنا في الأماكن. الأماكن إللي هاتخرجي فيها لازم تكون مقفولة.
ابتسمت ماسة ابتسامة باردة: ماشي يا سليم، أختار المكان زي ما أنت عايز.
رفعت عينيها إليه بلمعة تحدٍ، وأضافت بنبرة مستفزة: وأنا بقى عايزة أروح الملاهي .
سليم ضيق عينيه قليلًا: هو إنتي بتعاندي مين؟
ضحكت ماسة وهي تأخذ قطعة أخرى من الحلوى: مش بعاند، أنا بقالي سنة ونص مابخرجش، فعندي حماس كده، للخروج في كل حتة، عندي فرط حركة، نفسي أروح الملاهي يا سالوملوم.
ثم اتكأت على مسند الأريكة، تتصنع التفكير قبل أن تضيف بمكر:
هو مش إنت سليم الراوي الجامد؟ الشبح إللي بيفتح أي حاجة مقفولة؟ استنى لما الملاهي تتقفل وافتحها لي.
سليم راقبها للحظة، قبل أن يهز رأسه بابتسامة صغيرة فهو يفهمها جيدا فهي تربية يده: ماشي يا ماسة، بكرة هوديكي الملاهي يا ماسمستي.
تراجعت ماسة قليلًا، وضعت يدها على قلبها بمبالغة قالت بتأكيد: وعد؟
مال سليم نحوها هامسًا بصوت خافت لكنه واضح بابتسامة جانبيه: وعد يا ماستي المتمردة.
ابتسمت ماسة بإرتياح، أخيرًا بدأت تفهم كيف تدير الأمور. لا فائدة من العناد، بل الاستغلال الذكي. منحته الشعور بالسيطرة، لكنها في النهاية تحصل على ماتريده لكن لا تعلم ان سليم يفعل ذلك بمزاجه لانه يريد ذلك فقط.
بعد لحظة، نهض سليم من مكانه، أمسك بهاتفه وخرج ليجري مكالمة، بينما بقيت هي مكانها، تتأمل التلفزيون دون اهتمام حقيقي. لم تكن تشاهد، كانت فقط تفكر..
💞___________________بقلمي_ليلةعادل
في أحد المطاعم الفخمة، الثامنة مساءً.
كان طه ومنى يجلسان على طاولة أنيقة. أرتدى كلٌ منهما ملابس راقية تليق بجو المكان الساحر. اقترب النادل بخطوات هادئة، وضع كاسين من النبيذ الأبيض أمامهما، ثم أخذ الطلبات وغادر بابتسامة رسمية.
مدت منى يدها نحو كاسها، تبتسم بخفة وهي ترفعه لطه.
منى برقه: تشيييرس
رفع طه كاسه وخبطه بكاسها برفق : تشيييرس
ارتشفا منه رشفة خفيفة، كأنهما يحاولان كسر الجليد العالق بينهما منذ زمن.
تنهدت منى، ونظرت إليه بعينين يحملان شيئًا من العتاب: إحنا بقالنا كتير ماخرجناش مع بعض وقضينا وقت حلو.
تنهد طه بتعب: إنتي إللي اتغيرتي كتير يا منى… وأنا مش عايز أتكلم في الموضوع ده دلوقتي
سحبت منى نفسًا عميقًا، ثم قالت بنبرة هادئة: طه، لازم تفهم حاجة… كل إللي كنت با أعمله، كنت بعمله علشانك وعلشاني وعلشان ولادنا. وبعدين، الهانم كانت معانا من أول لحظة، وهانو عليها، تفكر مش هايهونوا عليا أنا كمان؟
نظر طه نظرة طويلة تنهد وحاول تغيير الحديث فهو أصبح لا يصدقها بعد الآن ويعلم جيدا إنها تفعل ذلك لمصلحتها الشخصية: قوليلي، رشدي لسة بيضايقك؟
منى هزت راسها بلا: الفترة دي ساكت… مابيكلمنيش… وده إللي مخليني مستغربة
ارتشف طه رشفة صغيرة من كأسه قبل أن يرد بصوت مغمغم:: ده شيء برضو مش مطمنّي… أنا خليت الحراس يركزوا أكتر مع الولاد، وكلمت الهانم، وطمنتني إنه مش هايقرب منهم لكن لازم نحذر.
لمعت عينا منى بغضب مكتوم وهي تقول: رشدي دلوقتي ملموم على بنت مدمنة، وإن شاء الله قريب يبقى زيها.
رفع طه رأسه مستنكرًا: وإنتي تعرفيها منين؟
ارتبكت منى قليلا، عدلت شعرها: مافيش… إحنا كلنا مشتركين في نفس الجيم، وليا كلام خفيف معاها… وعرفت إن هي ورشدي قريبين جدًا الفترة دي، مش بيسيبوا بعض.
طه بسخرية: هي دي المستويات إللي رشدي يعرفها؟!
منى: بالظبط
ساد بينهما صمت قصير، لم يقطعه سوى صوت الموسيقى الخافتة في أرجاء المكان.وجاء النادل وضع الطعام ورحل بدأوا في تناوله ثم عادت منى تتحدث بنبرة أكثر دفئًا.
منى تحاول استرجاعه: طه، أنا نفسي نرجع زي زمان… والله أنا خلاص شلت موضوع ماسة وسليم من دماغي. مابقيتش أقعد معاهم كتير، ومابقتش أعرف هما بيفكروا في إيه. إللي عرفته إنهم متضايقين من سليم ومن تحكماته الزيادة. بس قدامي مافيش حاجة. وأنا مش عايزة أبقى وسطهم تاني حابة أكون معاك،. أنا بس عايزاك تركز في شغلك، تبني مشاريعك الخاصة، وتقرب من سليم… هو أثبت إنه حماية حقيقية، وهايقدر يحمينا
ظل طه يحك ذقنه بتفكير عميق قال باستهجان: منى، أنا مش عايز أعيش وسط صراعات… بس فعلا، سليم أنضفهم كلهم، وأنا واثق إنه هايحمي ولادي،
أكمل بغل وضيق: نفسي أدفع رشدي تمن تفكيره إنه يهددني بولادي… ومش عارف إزاي.
رفعت منى كاسها، رشفَت منه رشفة صغيرة، وعيناها تلمعان بدهاء خفي: نفكر… بس مش هاينفع ناخد أي خطوة مكشوفة. لازم اللعب يكون بخبث… زي ما هما عملوا الحادثة من غير ما حد يحس بيهم، إحنا كمان هانمشي من غير ما حد يحس بينا.
طه متردد بكراهية: الشخص الوحيد المستحيل أعاتبك إنك تعملي معاه أي حاجة هو رشدي بس أنا الصراحة مش عايز مشاكل دلوقتي.
منى امسكت يده: توتي خلاص ولا لسه؟!
طه بطريقتها: لما اتاكد من صدقك نوايكي وافعالك يا منوشي.
منى: هتشوف
الملاهي العاشرة مساءً
توقفت سيارة سوداء أمام بوابة الملاهي، هبط منها سليم وماسة، يتبعهما الحراس الذين اتخذوا مواقعهم فورًا.
توقفت ماسة عند المدخل، تنظر حولها بدهشة، فلا ترى أي زحام، لا أطفال يركضون،و لا طوابير أمام الألعاب، فقط الملاهي بأكملها تحت تصرفها. التفتت لسليم بعيون متسعة.
ماسة باندهاش:الملاهي فاضية!
سليم بابتسامة جانبية: آه، فضهالك لوحدك زي ماطلبتي اقترب من وجهها أنا سليم الراوي.
وضعت ماسة يدها على فمها، ثم ضحكت بسعادة، أخذت تدور حول نفسها بحماس، ثم هتفت وهي تقفز: أخير وجيت الملاهي الله الله.
شعرت أنها عادت للأيام السابقة..
قالت بفرحة: إنت مجنون؟ بجد عملت كده علشاني؟!
تبسم سليم ورق كبريائه نظر لها بحب، وضع يديه في جيبي بنطاله واقترب منها قليلًا.
سليم بنبرة دافئة: إنتي عارفة إن سليم بيعمل أي حاجة عشانك… يا رب ترضي يا ماستي المتمردة.
ابتسمت ماسة، وحدقت به للحظة ضمته بشدة، قبل أن تركض نحو إحدى الألعاب بحماس طفولي، تضحك، تصرخ، وتعيش اللحظة بكل ما فيها.:
فنشاهدها وهي على القطار السريع: وهي تصرخ وتضحك أيضاً على الألعاب المختلفة كلعبة الساقية، بساط الريح، بيت الرعب ..وهكذا ..بينما سليم كان يشاركها الألعاب، وعينيه تراقبانها بحب وسعادة.
بعد فترة..
توقفت ماسة في الساحة، تلتقط أنفاسها، ثم أمسكت يد سليم فجأة وسحبته بحماس.
ماسة بحماس تشير نحو لعبة النيشان: يلا نلعب دي! وإللي يكسب ليه عند التاني طلب.
رفع سليم حاجبه بمكر: متأكدة؟ إنك قد التحدي؟
نظرت ماسة داخل عينيه بثقة و تحدي: قده.
أمسكت ماسة البندقية بمهارة واضحة، صوبت بثقة، ضغطت على الزناد، وتصيب الهدف في منتصفه تمامًا. ارتسمت على شفتيها ابتسامة انتصار.
نظر الجميع إليها بدهشة، حتى سليم نفسه رفع حاجبيه مستغربًا.
سليم بدهشة: إيه ده؟! إنتي كنتي بتتدربي؟!
ابتسمت ماسة بانتصار، أدارت رأسها إليه ببطء، ثم استندت على الطاولة برفق، نظرت له بنظرة واثقة.
ماسة بخفة: أيوه، كنت بتدرب.
ضيق سليم عينيه قليلاً: مع مين؟
دارت ماسة حوله وهي تعبث بالبندقية بين يديها، ثم رفعت عينيها له بابتسامة واسعة.
ماسة بنبرة ساخرة: كنت بخلي مكي يدربني لما كنت حابسني.
ساد الصمت المكان.
راقبها سليم بصمت، عيناه جامدة، ملامحه لا تعكس أي إنفعال.
ماسة بستفزاز: إيه؟ ساكت ليه؟
سليم بنبرة هادئة لكن عميقة: خلصتي؟
تجمدت ابتسامة ماسة للحظة، لمحت في عينيه نظرة تعرفها جيداً، مزيج من البرود والجمود وكأنه فقد اهتمامه بالرد عليها. ليس لأنه لا يهتم، بل لأنه اختار ألا يدخل معها في هذا النوع من النقاش.
ثم، بكل هدوء، أخذ البندقية من يدها، صوب وأطلق الرصاص، أصاب جميع الأهداف بدقة متناهية.
سليم بكبرياء وثقة: لسة بدري عليكِ.
رمى البندقية جانبًا، وضع يديه في جيوبه،وتحرك مبتعدًا عنها.
راقبته ماسة وهو يبتعد، عضت داخل خدها، ثم لحقت به بخطوات سريعة.
ماسة بحماس طفولي: لا لا، أنا متأكدة إني ممكن أكسبك أو على الأقل نتعادل!
سليم دون أن ينظر إليها: إنتي بتحلمي.
ضحكت ماسة بخفة: تعال أجيب لك غزل بنات.
توقف سليم عن المشي، التفت إليها، رفع حاجبًا، ثم هز رأسه بسخرية: إنتي إللي عايزة غزل بنات.
ابتسمت ماسة ابتسامة واسعة، هزت رأسها بالإيجاب.
نظرسليم إليها للحظة، ثم تنهد وكأنه استسلم، فعشقه لها يجعله يضعف أمام عنادها ولا يستطيع المقاومه طويلاً، تحرك نحو العربة الصغيرة ليشتري لها غزل البنات.
أكلت ماسة غزل البنات بسعادة، واستمتاع، بينما وقف سليم بجوارها ينظر لها بملامح مسترخية، كأنه يراقب طفلة صغيرة.
مدت يدها ووضعت قطعة أمام فمه فجأة، نظر لها بإبتسامة تناولها منها.
استكملا اللعب معًا، عادت الضحكات تعلو والأجواء أصبحت هادئة،، لم تعد ماسة تتحداه أو تضايقه بعندها، بل أخذت تستمتع بكل لحظة معه. وكأنها أرادت أن تعيش معه لحظات كما كانت أيامهما الماضية.
ظهرت خيوط الشمس الأولى ليخرجان من الملاهي،
ابتسمت ماسة بسعادة، فتح سليم لها باب السيارة، توقفت، تنظر إليه للحظة طويلة، ثم صعدت
انطلقا عائدين إلى القصر، حيث ينتظرهما واقع مختلف تمامًا.
في جناح سليم وماسة
بعد أن قضى سليم وماسة وقتًا جميلًا في الملاهي، تمامًا كما في سنواتهم السابقة، عندما كان الحب هو العنوان الوحيد لقصة عشقهما، عادت ماسة إلى الجناح وهي تشعر بفرحة لم تختبرها منذ زمن.
توقفت للحظة وهي تبدل ملابسها، بينما كان سليم يجلس على الفراش بملابس منزلية، يراقبها بصمت. رأى في ملامحها شيئًا افتقده طويلًا، تلك الحيوية والمرح اللذان ميزاها في سنواتهم الأولى.
التفتت إليه ماسة بإمتنان وعيناها تشعان بالحب، ثم قالت بابتسامة حنونة صادقة:
شكرًا يا سليم على اليوم الحلو ده،ربنا يخليك ليا ياحبيبي، بجد كنت محتاجاه اوي.
اقتربت منه وجلست بجانبه، ثم أمسكت بيده برفق وهي تتابع بحنين:
عارف.. حاسة إننا رجعنا زي زمان، لما رحنا الملاهي لأول مرة.. فاكر؟
هزّ سليم رأسه وقال بنبرة هادئة خافتة: فاكر.
تنهدت ماسة وهي تبتسم: كانت أحلى أيام..حسيت إننا رجعنا لها تاني، حتى لو لساعات.. تعرف، أنا بشتاق للأيام دي، حتى لو دقيقة واحدة.
لكنها لاحظت نظراته الثابتة عليها، فتساءلت بإستغراب: مالك بتبص لي كده ليه؟
ظل سليم صامتًا للحظات، وكأنه يبحث عن الكلمات، ثم قال بصوت يحمل مزيجًا من الحيرة والإنزعاج: هاتجننينى معاكي،د..
نظرت له متعجبة أجابها: يعني لإنك رجعتي زي الأول، وده إللي مجنني.. ساعات بلاقيكي هادية ومرحة، وساعات تانية بتكوني في غاية الصعوبة.. عصبية، مستفزة.. عندية بشكل صعب، مش عارف أتعامل معاكي إزاي!
نظرت إليه ماسة بعينين عميقتين، قبل أن تقول بهدوء:
وأنا كمان نفسي يرجع سليم بتاع زمان، لكن دلوقتي.. شايفاه مجرد ملامح، ملامح من سليم كراميل لكن سليم نفسة لا مبقاش موجود اتبدل،
لكن سليم نفسه لازم يفهم إني مجرد رد فعل.. رد فعل لطريقته معايا.
قطب سليم حاجبيه وقال بحزم: وأنا مش هقولك تاني يا ماسة، أنا بأحميكي وبحافظ عليكي.
أشاحت بوجهها بعيدًا وقالت بنبرة قاطعة:
مش عايزة أتكلم في الموضوع ده.
ردّ سليم بنفس الحدة: ولا أنا كمان.
ساد الصمت لثوانٍ، قبل أن تتنهد ماسة وتقترب منه بنظرات أنثوية حارة، مرت أناملها على لحيته برقة وهمست: ماوحشتكش؟
تنهد سليم بعمق، يشعر بالجنون من تصرفاتها، هي الآن قريبة، وربما بعد ساعات تعود إلى تمردها المعتاد. لكنه قرر ألا يفكر في ذلك، وبدلًا من ذلك، اختار أن يعيش هذه اللحظة بكل مافيها من حب.
حتى لو بعد ساعات ستعود لتمردها.
ابتسم لها أخيرًا وقال بصوت خافت:
وحشتيني أوي كمان.
تبادلا النظرات بعشق وشوق وهما ينظران لشفتي بعضهما برغبة أخذا يقتربان وتبادلا قبلة عاشقة عاصفة.
بعد قليل انجرفا معًا إلى عالمهما الخاص، حيث لا يوجد سوى العشق الذي كان دائمًا يجمعهما رغم كل شيء.
💞_______________بقلمي_ليلةعادل⁦。⁠◕⁠‿⁠◕⁠。⁩
خلال اليومين
بدأت ماسة تذهب إلى الجامعة، رغم أنها كانت لا تزال تواجه صعوبة في تعديل وقت نومها، لكنها كانت تحاول، وسليم كان بجانبها يدعمها. في ذات الوقت، بدأ سليم في إجراء تحريات حول أصدقاء ماسة، وعندما تأكد أنهم لا يشكلون أي تهديد عليها، قرر منحها الإذن للتعامل معهم بحرية كما تشاء. بعدها، اتفقت ماسة مع صديقاتها على الخروج في يوم محدد.
في أحد الكافيهات، الرابعة مساءً
نرى داليا وريماس جالستين على طاولة بالقرب من النافذة، تتبادلان الحديث بينما ترتشفان قهوتهما. فجأة، تلتفتان معًا عندما ترصدان ماسة تدخل ومعها سليم. المكان هادئ نسبيًا، واضح أن سليم تعمّد تقليل الزحام. الحراس منتشرين بهدوء في زوايا المكان، وأحدهم يقف عند الباب.
داليا ابتسمت وهي تنهض لتعانق ماسة: أخيرًا جيتي! تأخرتِ علينا يا بنتي.
ماسة ضحكت وحضنتهما: معلش، والله الدنيا زحمة.
ريماس غمزت لداليا وهي تنظر إلى سليم: بس لحظة… مش ده سليم جوزك؟ ولا الحارس بتاعكم شبهه؟
ماسة ضحكت ونظرت نحو سليم الذي كان يراقبها من بعيد قبل أن يجلس على طاولة قريبة منهم: لا يا ستي، هو سليم بنفسه.
داليا حدّقت بدهشة: وجاي معاكي ليه؟ خارجين بعدها ولا إيه النظام؟
ماسة احمرّت وجنتاها قليلًا، خفضت نظرها وهي تشعر بعدم قدرتها على شرح الموقف: بصراحة… مش عارفة أقولك إيه؟!
تنهدت وابتسمت بإرتباك وأضافت: هو حب يكون موجود معايا… بس زي إللي مش موجود، اعتبروه مش موجود.
داليا تمتمت وهي تنظر لسليم: ده شكله خنيق، هو كده على طول، صح؟
ماسة دافعت عنه بسرعة، نظرت نحو سليم بحب ثم عادت لداليا: لا، ولا خنيق ولا حاجة، بالعكس، هو كويس جدًا وبيحبني، وبيخاف عليا، وبعدين الحادثة إللي حصلت لنا ماكانتش صغيرة، ده طبيعي إنه يكون قلقان.إنتم متضايقين؟
ريماس ابتسمت: إحنا مش متضايقين، بس بصراحة الموقف غريب، أول مرة تحصل.
مالت ماسة برأسها وضحكت بحنان: ولا يهمكم يا عسليات، المهم إحنا هنا وهانستمتع بوقتنا.
اتعمله كانه مش هنا وهو كمان مش هيحسسكم بده.
بدأ الثلاثة في الحديث والتعرف أكثر على بعض، طلبوا الطعام وتناولوه معًا وسط الضحكات. ماسة أخبرتهما أنها ستُعرّفهما على سلوى في المرة القادمة.
كان سليم لا يرفع عينيه عن ماسة، يراقبها بصمت، يختلس النظر إليها بين الحين والآخر. لم يكتفِ بذلك، بل جعل أحد الجرسونات يتذوق الطعام قبل تقديمه لهم، كما جعل مكي يقف عند الطباخ ليشرف على إعداد الطلبات بنفسه.
ريماس لاحظت مكي وهمست لماسة: هو إللي مع سليم ده صاحبه؟
ماسة ابتسمت: أيوه، مكي… خطيب سلوى.
ارتسمت على وجه ريماس وداليا الابتسامات، وتبادلا النظرات المندهشة، قبل أن تستمر الأحاديث، والضحكات حتى إنتهى اللقاء وغادر الجميع
في أحد الكافيهات النيلية الثانية مساءً
جلست سارة وصافيناز على طاولة قريبة من السور المطل على النهر، أمام كل منهما كوب عصير بارد، بينما كانت سارة تمسك الشيشة وتنفث دخانها بتكاسل.
مدت صافيناز يدها تمسك بكف سارة بحنين:
بس حقيقي وحشتيني يا ياسو… افتقدتك أوي الفترة إللي فاتت… أخيرًا رجعتي، مافيش سفر تاني؟
ابتسمت سارة وربتت على يدها برفق:
وإنتي كمان يا صافي… كنت محتاجالك بجد… بس إنتي مابتفضيش إلا لمؤامراتك على إخواتك والماركتينج بتاعت مشروعك.
ضحكت صافيناز ضحكة خفيفة، ثم مالت للأمام:
والله العظيم يا بنتي أنا مضغوطة… مضغوطة آخر ضغط، شغلي ومشروعي إللي عايزة أكبره وأبقى عالمية… وكمان شغل المجموعة… مابقاش عندي نفس أتنفس.
أخذت سارة نفس من الشيشة ببطء: ماشي يا ست المهمة… ربنا معاكي.
صافيناز تساءلت متعحبة: تعالي هنا، قوليلي، إمتى اتجوزتي واتطلقتي وأنا مش دريانة بحاجة؟!
ضحكت سارة قالت بنبرة مرحة: يا ستي، أتعرفت على راجل أعمال إماراتي، حبينا بعض واتجوزنا بسرعة، وبعدين طلع كشر، وبيغير وحاجة كدة آخر قرف، اتطلقت… بس وأنا خارجة من القصة، اكتشفت إني حامل.
ضحكت صافيناز بسخرية وهي تهز رأسها:
إنتي أصلًا مالكيش في الجواز… إنتي تخليكي كدة أحسن.
ابتسمت سارة ابتسامة واسعة: هو ده إللي هعمله.
ثم اقتربت منها قليلًا، وخفضت صوتها بنبرة فضولية
طيب إنتي… عاملة إيه مع عماد؟
صافيناز ردت بإبتسامة محبة: عمودي مافيش زيه… أنا معرفش إزاي متجوزتهوش الصراحه عمري ماحاسه انك صاحبه الفضل في ان اتعرف على عماد.
سارة نظرت لها نظرة بغل مبطن: اه طبعا يا حبيبتي هو انا هلاقي اغلى منك الانتيمي، وماجوزتوش علشان ماخسرهوش انتي عارفه خلقي ضيق.
ساد لحظة صمت بينهما قبل أن تسأل صافيناز:
قوليلي ولادك فين؟
سارة وهي تدخن من الشيشة، أجابت بلا مبالاة: مع ماما… بره
ثم تابعت سارة بفضول: و انتي مش ناوية تخلفي تاني؟
صافيناز بحزم: لا… كفاية عليا مريم وزين أوعي، ياسو اوعى تمشي تاني مش هسمحلك، ما تخلينيش استخدم معاكي اساليب عيله الراوي.
ضحكت سارة بنظرة لها معنى: ماتقلقيش أنا هنا مش هروح في أي مكان.
وخلال الفترة،
بدأت ماسة في الذهاب إلى الجامعة بشكل منتظم بعد أن تمكنت من تعديل مواعيد نومها. لم تكن علاقاتها بزملائها هناك قوية، لكنها كانت تتبادل معهم بعض الأحاديث والضحكات. ومع ذلك، كلما خططوا للخروج معًا، لم تكن تستطيع مرافقتهم بسبب رفض سليم.
قصر الراوي، السادسة مساءً
الصالون
نرى ماسة تتحرك في الصالون وهي ممسكة بين يديها طبقين فوق بعضهما. جلست على الأريكة وربعت قدميها وبدأت في تناول الطعام. كان الطبق يحتوي على ورق عنب وفراخ مع مخلل. بعد وقت، جاءت فايزة مع صافيناز من الحديقة. انتبها لتواجد ماسة
اقتربت فايزة بضجر شديد، كانت تشعر أن ماسة تتحداها، ومن هي لتفعل ذلك؟
انتبهت صافيناز لها وأمسكت يدها قائلة: مامي، أهدي.
لكن فايزة سحبت يدها بقوة وتوقفت أمام ماسة.
فايزة، والغضب يشتعل في صوتها: إنتِ بتتحدّي مين؟ عايزة أفهم! مش هاتبطلي بقى تتصرفي زي الخدامين؟
نظرت لها ماسة بإستغراب، ثم تناولت قطعة من ورق العنب وقالت ببرود: هو الخدامين بيعملوا إيه علشان أنا معرفش؟ أصل أنا لما كنت لسه خدامة، مش شايفة إننا كنا بنعمل حاجة خارقة، وإللي زيك مايعملهاش.
اتسعت عينا فايزة قائلة بحدة: إللي زيي؟ إنتي نسيتي نفسك.
ماسة بثقة: لا، أنا مانسيتش نفسي، أنا بس بردّ عليكِ.
صافيناز محاولة تهدئة الموقف: ماسة، المكان ده مش للأكل وإنتِ عارفة كده كويس، أنا مش عارفة إنتي بتتكلمي كده ليه؟؟وليه بتعملي كده؟
ماسة ببرود: والله أنا آكل في المكان إللي يعجبني.
فايزة، بحدة: أوعي تكوني فاكرة علشان سكتالك طول الفترة إللي فاتت، هاتفردي ظهرك؟ ولا فاكرة إني هخاف لأنك هاتقولي لسليم؟
نظرت ماسة خلف فايزة، ثم قالت بهدوء ساخر: وأنا أقول لسليم ليه؟! لما إحنا الأتنين ممكن نقوله.
في تلك اللحظة، اقترب سليم، ممسكًا بباقة ورد، وابتسامة خفيفة تعلو وجهه، لكنه ما إن رأى التوتر بينهما حتى عقد حاجبيه وسأل بحدة:
سليم متعجبا: فيه إيه؟ مالكم واقفين كده؟
ماسة، بهدوء تام: مافيش… مامتك مش عاجبها إني باكل هنا وبتزعق لي، وبتقول لي بطلي تتعاملي زي الخدامين.
حين سمع سليم ذلك، رمى بالباقة على الطاولة بقوة، وقال بصوت جاف وحاد كحد السيف: هو إنتم مابتتهدوش؟ مابتزهقوش؟ نفس الملل، نفس السيناريو! أكتر من سبع سنين ونص من ساعة مارجعت مصر وإنتِ مابتتغيريش! مابتزهقيش؟ تفتكري يعني الأفلام إللي بتعمليها دي هاتجيب نتيجة؟
فايزة، تحاول الحفاظ على هدوئها، لكنها تشعر بثقل نظراته: إنت شايف إللي بتعمله مراتك يصح؟ أنا كلمتها بهدوء خالص، وبقول لها ماينفعش تاكل هنا، كُلي على السفرة، إيه إللي أنا غلطت فيه؟
صافيناز محاولة التهدئة: على فكرة يا سليم، إحنا بنحب ماسة، هي بس إللي مش حاسة بده، حاطة في دماغها إن إحنا بنكرهها، وبنمثل عليها المحبة. حتى قالت لنا كده.
ضحكت ماسة بسخرية على حديث صافيناز، ثم تناولت قطعة أخرى من ورق العنب ببطء، بلا مبالاة.
اقترب سليم من فايزة وهو ينظر داخل عينيها بتحدي قال بنبرة ناعمه: ماسة عشقي
ماسة بتركي: افندم اشكم.
سليم كلي في المكان اللي يريحك يا قلبي مفهوم
ماسة بابتسامة تراسم في عينيها بغيظ: مفهوم.
قال سليم بتبرة حادة لكن بهدوء: فايزة هانم أنا مراتي مش خدامة. عايزة تعرفي مين الخدامين؟
ألقى بالمفاتيح من يده على الأرض، ثم قال بصوت جهوري وهو ينظر مباشرة داخل عينه فايزة بعين لا ترمش: صافيناز، هاتي المفاتيح إللي وقعت.
تجمدت صافيناز لثوانٍ، ثم ابتلعت ريقها وانحنت لتلتقط المفاتيح، وقدمتها لسليم.
سليم بإشارة باردة وبأمر: حطيها على الطاولة.
تنهدت صافيناز وألقت المفاتيح على الطاولة، بينما كان سليم يحدق في وجه فايزة بعين لا ترمش، موصلًا لها رسالته بوضوح، من دون الحاجة للمزيد من الكلمات.
ثم أكمل، بنبرة أخطر: المرة الجاية، لو سمعت الكلمة دي تاني… هدخل أوضة نومك إنتي والباشا، وآكل فيها أنا وماسة على السرير، إيه رأيك؟ وتبقى هي السفرة!!
بوضوح وحزم: مراتي تعمل إللي هي عايزاه في بيتها. البيت ده ملكي، ووجود أي حد هنا مش حق… ده فضل.
اقترب أكثر من فايزة، صوته كان كالسيف القاطع:، خليكي عارفة حدودك.
حاولت صافيناز التدخل، لكن نظرة واحدة من عينيه جعلتها تصمت فورًا.
حاولت فايزة أن ترد بقوة، لكن صوته قاطعها: مفيش ولا كلمة زيادة! أنا طول الفترة إللي فاتت ساكت، إحترام ان امي، لكن واضح إن السكوت خلاكوا تنسوا مين إللي بيحكم القصر ده وتنسوا مين هو سليم افتكرتو سكويتي ضعف.
ثم ألتفت إلى الجميع، بنبرة جعلت الجو كله ثقيلًا:
من النهاردة…إللي هايتعدى حدوده مع ماسة… مش هايبقى ليه مكان هنا. ولا في العيلة دي أصلًا! مسامحة زمان دي انتهت من القاموس، إللي جاي أفعال.
تراجعت صافيناز خطوة للخلف، وملامحها ممتلئة بالرهبة. فتحت فايزة فمها لترد، لكنه رفع يده بإشارة صامتة جعلتها تصمت رغمًا عنها.
سليم، بصوت أكثر قسوة: أنا مش بأهدد.أنا ببلّغ. ولو مش عاجب حد… الباب قدامه.
نظرت ماسة لهم ببرود، ثم ألتقطت قطعة ورق عنب وتناولها بهدوء، كأن ما يحدث مجرد عرض مسرحي ممتع.
ألتفت سليم إليها، نبرته تغيرت قليلًا لكنها تبقى حازمة: كُلي براحتك، يا عشقي. هنا محدش ليه كلمة غيري، ومش هقول تاني…إللي مش عاجبه يتفضل.
شدّت فايزة يد صافيناز بعنف وهي تغادر، فهي تعرف جيدًا… أن سليم ليس شخصًا يمكن مواجهته.
جلس سليم وماسة على الأريكة بجوار النافذة، يطلان على حديقة القصر.
سليم بإهتمام: إيه الأخبار؟ عملتِ إيه النهاردة؟
ماسة: تمام، كله تمام. بقول لك إيه، أعمل حسابك هانخرج أنا والبنات، شوف إمتى بقى علشان أتفق معاهم.
سليم: خلاص، هظبط كده وأقول لك. عايزة تروحي مكان معين؟
ماسة: لا، عايزين ناكل في مطعم كده مع بعض.
سليم: طيب.
ماسة مترددة: بقول لك إيه… هو لازم تيجي معايا؟ ماكفاية مكي والحراس؟ سليم، أنا شكلي وحش أوي، أصحابي بيتريقوا عليا.
سليم، ببرود: بيتريقوا عليكِ؟ دول غيرانين منكِ، وبعدين، هو أنا بضايقك؟
ماسة، بتنهيدة: مش بتضايقني، بس فعلاً يا سليم حاجة صعبة أوي إنك تيجي معايا. يعني إنت إللي هاتحميني؟
سليم بحزم: ماسة، ده الشرط.
ماسة مستسلمة: طيب يا سليم زي ماتحب.
سليم، وهو يضيق عينيه: قوليلى بقى فايزة وصافيناز بيعملوا إيه معاكي تاني؟
ماسة بتوضيح وهي تتناول الطعام: ماحدش بيضايقني من فترة، من قبل مدخل الجامعة، يعني مامتك كانت بتعمل نفس الحركات دي، بس أنا قلت لها ساعتها إني هقول لك وقلت لها كمان إني عارفة إنكم مابتحبونيش وإنتوا بتمثلوا عليا المحبة، ومن وقتها ماعملتش حاجة غير النهاردة. وأنا كنت ناوية أقول لك سواء كنت جيت أو ماجيتش.
سليم، مستغربًا: قولتي لهم مش فاهم؟
ماسة، بهدوء: قلت لهم إن أنا عارفة إنكم بتمثلوا الحب، بس مش عارفة مستمرين ليه وعايزين توصلوا لإيه.
سليم، بلا مبالاة: سيبكِ منهم بس اي حاجة تحصل عرفيني، ومترديش على حد قولي لي بس، طيبه زمان دي غيرها ولا شخصية القوية دي مش بتطلع غير عليا.
تبسمت ماسة: ماتقلقش هقولك والله، نظرت له برجاء وامسكت يده:
ما تخلينا نمشي من القصر ده يا سليم ونقعد في بيتنا؟
سليم، بجدية: القصر ده دلوقتي بقى ملكنا… بإسمي.
ماسة بتوجس: أنا حاسة إنك واخده تحدي معاهم، والموضوع بقى حرب.
سليم بابتسامة باردة: هي فعلاً حرب. هم إللي بدأوها، والبقاء للأقوى. لحد دلوقتي بحاول أصون العِشرة والعيش والملح، وإنهم إخواتي وأهلي، لكن غلطة واحدة كمان…وهاطردهم من القصر.
ماسة بتحذير: سليم إللي بتعمله ده غلط.
سليم مقاطعًا: ماتتدخليش يا ماسة، أنا عارف أنا بعمل إيه.
تنهدت ماسة بتعب: طيب
– الصالون الآخر
نري فايزة وصافيناز في الصالون الآخر، تقفان أمام بعضهما، ووجوههما ممتلئة بالغضب.
صافيناز بغل: إنتي إمتى كتبتي له القصر؟
فايزة ببرود: مالكِيش دعوة، وأوعي تكوني فاكرة… حتى بعد إللي عمله ده، ممكن يخليني أقلب عليه. أنا هدفي ماسة وبس.
صافيناز مترددة: مامي رشدي إللى عمل الحادثة مش أنا… أنا مش فاهمة، إنتِ ليه بتعملي كده معايا، كتبتي له الأسهم ودلوقتي القصر، بتاخديني بذنب رشدي ليه.
فايزة بثقة: لاني متأكدة لو كنتي مكانه…كنتي هاتعمليها. كلكم بتكرهوه بس أنا مش هناولها لكم.
خلينا نشوف رشدي دماغه فيها إيه أدينا مستنيين.
واسمعي اي حاجة بيعملها سليم انا قبله بيها
دي اقل شيء ممكن اعمله وكفر بيه عن ذنبي
نظرت لها صافيناز دون رد
بعد كام يوم
💞___________________بقلمي_ليلةعادل
في أحد الكافيهاتالسابعة مساءً
نري الحراس المسلحين يحيطون بالمكان.
كانت تجلس ماسة مع صديقاتها: هبة، ريتال، إيناس، وداليدا، ومعهن سلوى. على طاولة قريبة، يجلس سليم مع مكي، لا يتدخل، فقط يراقب بصمت بين الحين والآخر.
وضعت إيناس هاتفها على الطاولة ونظرت حولها بذهول:
إيه الجو المشحون ده؟ حاسة نفسي في فيلم مافيا، بس ناقص حد يخطفنا ويطلب فدية!
ضحكت داليدا وهمست: بجد، حتى في الأفلام مش بيكون الوضع بالشكل ده!
رفعت ماسة كتفيها بلا اكتراث: يا بنات عادي، هو بس بيخاف عليا. بعدين دي مش أول مرة، أنا على طول معايا حراس.
نظرت هبة لها بسخرية: آه طبعًا، واضح جدًا إنك طايرة من السعادة.
أضافت إيناس بنبرة متعجبة: معاكي حراس دايمًا، آه… بس المرة دي الموضوع أوفر! ده كأنك مستهدفة من عصابة دولية.
نظرت داليدا إلى سليم بطرف عينيها ثم همست:
طب وسليم، ده بيعمل إيه هنا؟ ليه قاعد مترصد بالشكل ده؟
مررت ماسة أصابعها في شعرها وأجابت بنبرة محايدة:
هو شايف إن كده أحسن، بيكون مطمئن أكتر. وأنا مش متضايقة.
هزت ريتال رأسها محاولة تهدئة الأجواء: والله يا بنات، الصراحة ماسة عندها نعمة. جوزها مش مانعها تخرج، بس بيحب يكون موجود ده حقه، فين المشكلة؟ بعدين هو حتى مش محسسنا بوجوده أصلًا ولا مضايقنا في حاجة.
ابتسمت إيناس لماسة بمكر: هو إحنا مسموح لينا نتحرك عادي ولا الحراس ممكن يمنعونا؟
ضحكت ماسة بخفوت ثم تنهدت: إنتو مكبرين الموضوع ليه، أنا عايشة حياتي عادي.
حدقت هبة بها مباشرة: بجد؟ عايشة حياتك عادي؟ طب لو قمتي دلوقتي وخرجتي برا الكافيه لوحدك، إيه إللي هايحصل؟
أشاحت ماسة بوجهها: مش هعمل كده أصلًا.
قاطعتها هبة بحدة: لإنك عارفة إنك مش هاتعرفي.
تسلل الضيق إلى ملامح ماسة، لكنها حاولت الحفاظ على هدوئها: لو إنتو متضايقين من وجود سليم أو الحراس، ممكن أقوم وأمشي. مش لازم أخرج تاني.
لوحت إيناس بيدها سريعًا: لا يا بنتي، إحنا مانقصدش كده، إحنا بس مستغربين.
همست ريتال لماسة بحنان: على فكرة ياماسة شرعًا الست لازم ماتخرجش غير بإذن جوزها. وسليم أداكي الإذن، بس بموجب إنه يكون معاكي. فخلاص، كده إنتي تمام. ماتسمعيش كلام البنات.
تنفست ماسة ببطء، محاولة إقناع نفسها أنها بخير، ثم همست: المهم، إنتو أخباركم إيه؟ وحشتوني.
تسارعت وتيرة الحديث. حاولت ماسة أن تندمج معهم لتشعر أنها هنا، أنها طبيعية.
ابتسمت داليدا فجأة قائلة: أنا حامل!
ضيقت ماسة عينيها بدهشة ثم ابتسمت: مبروك يا روحي!
ضحكت إيناس ونظرت إلى سلوى: وإنتي يا سوسكا، هاتتجوزي إمتى بقى؟
ابتسمت سلوى بخفوت: بعد الامتحانات على طول، بس مكي مصر إن كتب الكتاب يكون بعد الأمتحان بيوم.
تعالت الضحكات والمحادثات، حاولت ماسة أن تستوعب الأجواء و تستمتع بها قدر استطاعتها. لكن بين الحين والآخر، كانت تشعر بتلك النظرات، ترفع عينيها قليلًا لتجد سليم يراقبها بصمت. لم يكن غاضبًا، لكنه أيضًا لم يكن راضيًا. أشاحت ببصرها سريعًا وعادت للحديث مع صديقاتها، تحاول أن تستعيد الإحساس الطبيعي بالحياة، ولو للحظات قليلة.
داخل السيارة العاشرة مساءً
ساد الصمت للحظات، قبل أن يقطعه سليم بصوته الهادئ وهو يتطلع إليها بنظرة دافئة: إيه يا عشقي… انبسطتي؟ المكان عجبك؟
التفتت إليه ماسة بابتسامة خفيفة وأومأت برأسها، قبل أن تجيبه: آه، لطيف…حلو جداً انبسطت، ميرسي أوي… كان نفسي أشوفهم بره القصر من زمان.
ظل يتأمل سليم ملامحها للحظات، ثم سألها بجدية:
حد علق؟ حد قال حاجة؟”
أخذت ماسة نفسًا خفيفًا، ثم هزت رأسها بلا مبالاة:
عادي، تعليقات عادية يعني…
لم يبدُ مقتنعًا تمامًا، لكنه لم يضغط عليها أكثر. نظرت إليه باستغراب بسيط قبل أن تتساءل:
إنت ليه ماخليتنيش أكمل الخروج معاهم؟ كنت عايزة أقعد شوية كمان.
مال سليم برأسه قليلًا وقال بنبرة قاطعة:
إنتي عارفة… لازم أبقى عارف قبلها.
ضيّقت ماسة عينيها قليلًا وهي تتساءل: طب يعني لو أنا مثلًا قاعدة في مكان، وهطلع على مكان تاني، مسموح؟
أجاب سليم بثقة وهو ينظر أمامه: بس يكون في نفس المكان، مش بعيد.
توقفت ماسة للحظات قبل أن تهز رأسها بخفة: تمام.
مد سليم وجهه وقال:
صحيح، مكي قال لي إن سلوى حابة تاخدك معاها وهي بتجيب شوية حاجات خاصة بالجهاز، أنا ماعنديش مانع، بس هاتبقى في أماكن معينة… وطبعًا، أنا هكون معاكي، وهختار الأيام إللي أنا فاضي فيها.
ردت ماسة بهدوء: ماشي
توقفت لثوانٍ قبل أن ترفع عينيها نحوه:
طب… وإحنا؟ مش هانخرج سوا؟ مش قصدي خروجة عادية… أقصد وقت حلو مع بعض.
نظر سليم إليها بابتسامة حب ، ثم سأل:
إنتي حابة تروحي فين؟
ارتسمت على شفتي ماسة نصف ابتسامة بحسرة: هو أنا من حقي أختار؟
ابتسم سليم ابتسامة خفيفة: جربي.
هزت ماسة رأسها بيأس بنبرة متأثرة : إنت عارف طبعي مابحبش أحلم ولا أجرب حاجات أنا عارفة إنها مش هاتحصل، فمش هجرب ياسليم، علشان إللي أنا عايزاه مش هاتعرف تعملهولي في الوقت الحالي..،
صمتت للحظات تنهدت:
يعني أنا نفسي أروح إسكندرية، أمشي على البحر، أجري على الشاطئ، نركب مركب، نلف في الشوارع… من غير حراس، من غير المسدس إللي في شنطتي والمسدس إللي على وسطك، ناكل آيس كريم، نطير بالونات، نجري ورا بعض… نقضي وقت حلو، زي زمان، يا ترى إنت بقى هاتقدر تعمل ده؟!
نظر إليها بصمت، فهو يعلم تمامًا أنه لا يستطيع فعل ذلك.
أكملت بنبرة هادئة، لكنها تحمل خيبة أمل دفينة:
شوف إنت حابب نقضي وقت مع بعض فين، وأنا معاك… المهم نبقى مع بعض، حتى لو هنا في العربية… بس مايبقاش جوة القصر.
هز رأسه بإيجاب بصمت.
وإنتهى الحديث عند هذه النقطة، لكنها شعرت أن شيئًا آخر بدأ يتشكل داخلها، شيء لم تحدد ملامحه بعد…
منزل رشدي العاشرة مساءً
في مطبخ أمريكاني مفتوح على غرفة المعيشة.
رشدي كان واقفًا عند المطبخ، عاري الصدر يظهر عضلاته المشدودة، يُعد القهوة الأمريكية في الماكينة.
وعلى الأريكة، كانت نيللي ممددة بارتخاء، ساقاها مكشوفتان، والعلامة الموشومة على كاحلها ظاهرة بوضوح. لم تكن ترتدي سوى قميص رشدي، وشعرها منسدل بحرية على كتفيها.
أمسكت بهاتفها، تتصفح صور زفاف زيزي، قبل أن ترفع صوتها قليلًا:
على فكرة، صورها حلوة جداً… تعرف إن في ناس كتير كانت متوقعة إن أنتم هاتتجوزوا.
لم يلتفت رشدي، أكتفى برد هادئ وهو يسكب القهوة: عادي، مش كل حاجة متوقعة بتحصل.
نهضت من مكانها، تحركت نحوه بخطوات بطيئة، ثم أحاطته بذراعيها من الخلف وهمست:
مافكرتش تتجوز؟
ألتفت إليها رشدي، نظر إليها نظرة جامدة قبل أن يقول بلا مبالاة فهو يفهمها جيداً: أكيد يوم مافكر، مش هتجوزك إنتي.
اتسعت عيناها باستغراب: إشمعنا يعني؟
أجاب رشدي ببرود، وهو يضع الكوب على الطاولة:
مابتجوزش واحدة نمت معاها.
ضحكت نيللي بسخرية قائلة بإندهاش: إيه ده؟ إنت بتفكر بالطريقة دي؟!
ألتفت إليها رشدي كليًا، تأملها لثوانٍ قبل أن يرد:
تخيلي إن أنا بفكر بالطريقة دي؟! تعرفي إني الوحيد في إخواتي إللي بيفكر كده؟ ياسين وسليم ممكن يتجوزوا واحدة ناموا معاها، بس يكون أول واحد في حياتها، وإنهم عملوا كده من كتر الحب والعبط ده… لكن أنا؟ لا… لا بحب قبلي ولا بعدي، ولا حتى لو كنت أنا. الحاجة السهلة مابتلزمنيش. وإنتي سهلة أوي.
عبست نيللي، عقدت حاجبيها وهي تقول بتهكم:
آه طبعًا، وأنا بقى المفروض أتأثر؟
ابتسم رشدي ببرود، ثم أضاف بنبرة هادئة: إنتي عارفة إن كل الناس كانت فاكراني أنا وزيزي مع بعض، بس عمرها ماحصلت، ولا هي حتى عملتها مع حد.
رفعت حاجبها بسخرية: وماتجوزتهاش ليه بقى، مادام محترمة أوي كده؟
رشدي بلا مبالاة: علشان الاحترام مش مختصر بالنوم على السرير، في حاجات تانية …وزيزي عندها حوارات كتير غير كده، مش علشان يعني لسه بسلوفانها تبقى كدة تمام…. بعيد أن أبوها تاجر مخدر،ات وكان شغال عندنا.
سكت لحظة، شرد بنظره للأمام وهو يتمتم بحسرة قال بشوق:
هي واحدة، واحدة يا نيللي اتمنيتها، ماطلتهاش، وهموت عليها.
نيللي، وهي تقترب منه: ماسة؟
نظر إليها رشدي بحدة متعجبًا: عرفتي منين؟
هزت نيللي كتفيها بلا اهتمام: اتكلمت عنها كتير الفترة إللي فاتت. ماسة بتحب إيه، ماسة بتكره إيه، ماسة قد إيه مؤدبة، ماسة صعبانة عليك علشان سليم حابسها.. لدرجة إنك خترفت بإسمها بحضني.
رشدي أغمض عينيه للحظة، تمتم: بس، للأسف،اختارت سليم
أمسكته نيللي من يده: بس أنا حبيتك.
ابتعد عنها وهو يضحك بسخرية: مش فارق معايا.
أمالت رأسها، تأملته للحظات قبل أن تقول بهدوء:
على فكرة، إنت تاني راجل في حياتي.
لم ينظر إليها حتى وهو يرد بلا اكتراث:
هو أنا سألتك؟ نيللي إللي بينا له أول وآخر، إنتي عارفة إللي يهمني حاجة واحدة، وإحنا مع بعض مايبقاش معاكي حد تاني،علشان بأقرف.عندي مبادئ.
ضحكت نيللي بتهكم: ما شاء الله يا بتاع المبادئ…
ضيق رشدي عينيه وهو يقول: بأقولك إيه، سيبك، أنا كنت فاكر الموضوع إدمان زي الأفلام، طلع الموضوع عادي.
رفعت نيللي حاجبها: إنت بتشرب كل فين وفين. مش هاتدمن، هو بس بيخليك تنسى شوية.
نظرت له بعمق، همست بصدق: رشدي، أنا بجد بحبك. ليه مانخدش فرصة سوا؟
أخذ رشدي رشفة من قهوته قبل أن يضع الكوب جانبًا ويتمتم:
أنا قلت لك بلاش يا نيللي تفكري في سكة الجواز. بتحبيني، حبيني.أحلمي زي ما إنتي عايزة، بس آخرنا هنا.إنتي آخر واحدة ممكن أفكر أتجوزها
تحرك مبتعدًا، تاركًا إياها تحدق إليه بضيق، بينما تلاشت ابتسامتها شيئًا فشيئًا.
قصر الراوي
جناح سليم وماسة، الرابعة مساءً
كانت ماسة جالسة على الكنبة، الهاتف في يدها بينما التلفزيون يعمل أمامها بلا اهتمام حقيقي. رن الهاتف، نظرت إليه وردّت بسرعة.
صوت ريتال بحماس: ماسة، قررنا نخرج بعد يومين، يعني الأربعاء. هانركب مركب في النيل ونقعد في كافيه على النيل؟ ها تيجي معانا؟
ماسة بابتسامة خفيفة: استني لحظة، هسأل سليم.
نظرت نحو سليم، الذي كان جالسًا على الكرسي، عينيه على اللاب توب، منشغلًا تمامًا.
ماسة: حبيبي، البنات عايزين نخرج يوم الأربعاء.
سليم من غير مايرفع عينه: ماسة، أنا مسافر يوم الأربعاء ناسية؟
تنهدت ماسة : طيب، نخليه الثلاثاء؟ عايزين يقعدوا في كافيه على النيل ونركب مركب.
سليم بحسم وهو يرفع عينه: لأ، ماينفعش. النهاردة الحد، ولسه عندي حاجات أرتبها قبل السفر بكرة، مش هالحق.
مدت ماسة شفايفها بطفولية يضيق: ماشي خلاص، هقول لهم مش هاينفع. طب هروح عند ماما وأبات هناك.
سليم بإيماءة سريعة: مافيش مشكلة، بس برضه مافيش خروج وانتي هناك.
ماسة أمسكت الهاتف و ردت بهدوء: ألو، ريتال، معلش مش هقدر أكون معاكم. سليم مسافر وأنا كنت ناسية فلازم أبقى معاه. خلاص، تتعوض يلا سلام
أغلقت الهاتف ببطء، استندت إلى ظهر الكنبة، تحدق في الشاشة دون أن ترى مايُعرض عليها.
سليم لمح نظرة الحزن في عينيها لكنه لم يعلّق، عاد إلى شاشته بينما ظلت هي تحدق في التلفزيون بصمت.
(وخلال فترة)
أصبحت الحياة لماسة دائرة مغلقة، تمضي أيامها بين جدران الجامعة التي كانت بمثابة طوق نجاة لها، لكنها لم تستطع منحها الشعور الكامل بالحرية. كانت تسمع تعليقات زملائها، بعضها ساخر، وبعضها متعاطف، وبعضها مستنكر، لكنها اختارت ألا تمنحها مساحة في عقلها، ألا تسمح لها بالتسلل إلى أفكارها. فقد كانت تدرك جيدًا أن سليم لم ولن يسمح لها بتجاوز الخطوط التي رسمها لها، وكانت تعلم أن الاعتراض لن يغيّر من الأمر شيئًا، بل قد يعيدها إلى نقطة البداية التي لطالما خشيت الرجوع إليها.
وهكذا مضت حياتها على وتيرة ثابتة.
سليم لم يكن يسمح لها بالخروج مطلقًا من دونه، لم يكن هناك مجال للنقاش أو المساومة، وإن لم يكن موجودًا لأي سبب، فالأمر محسوم: لا خروج. حتى الأماكن التي تذهب إليها كانت تحت سيطرته، لا يُسمح لها باختيار أي مكان عشوائي، كل شيء كان يتم بموافقته المسبقة، وعليه أن يعرف قبلها بأيام.
كان سليم هو من يوصلها إلى الجامعة ويعيدها بنفسه، وفي الأيام التي لم يكن يستطيع فيها ذلك، كان الحراس يتولون الأمر، ومعهم مكي الذي لم يكن يبتعد عنها لحظة واحدة. أينما نظرت، كانت تجدهم حولها، كأنهم ظلّها الذي لا ينفصل عنها، يراقبون خطواتها، يحيطون بها كحاجز غير مرئي يمنعها من التفكير حتى في فكرة التمرد.
أما داخل الجامعة، فكانت تحاول أن تعيش، أن تستمتع، أن تتشبث باللحظات الصغيرة التي تمنحها إحساسًا مؤقتًا بالحرية. لكنها لم تكن ساذجة، كانت تعرف أنها مراقبة، وأن كل صديق جديد في حياتها يخضع للتحريات قبل أن يُسمح له بالاقتراب منها. لم يكن هذا مجرد حدس، بل حقيقة أصبحت واضحة لها مع الوقت. كلما تعرّفت على أحد، كانت تشعر بعيون الحراس تتابعه، وبعد أيام، إما أن يبتعد الشخص من تلقاء نفسه، أو تجد نفسها مضطرة للابتعاد عنه.
ورغم كل شيء، كانت ماسة متفوقة، تذاكر بجد، تناقش بثقة، ولا تسمح لأي شيء أن يعطلها.
العلاقة بينها هي وسليم كانت تتأرجح بين القرب والفتور. في بعض الأيام كانا يعيشان لحظات دافئة، وفي أخرى يسيطر بينهما الصمت وكأن كلٌّ منهما يحيا في عالم منفصل. كان سليم يلاحظ تقلّباتها المزاجية، لكنه لم يمنح الأمر اهتمامًا كبيرًا، فالأهم بالنسبة إليه أنها لم تعد تثير المشكلات، ولم تعد تكرر حديثها عن الرحيل.
في علاقتهما الخاصة، بدأ سليم يلاحظ تغيرها أكثر من أي وقت مضى. لم تعد كما كانت، لم تعد تلبي رغباته بنفس الشغف المعتاد. في بعض الليالي كانت تقترب منه بحب، تمنحه نفسها كأنها تبحث عن الأمان بين ذراعيه، لكن في ليالٍ أخرى كانت باردة، مستسلمة، وكأنها تؤدي دورًا مفروضًا عليها.
هذا التبدل لم يكن يمر مرور الكرام عليه. في البداية كان يتجاهل الأمر، يقنع نفسه بأنها مجرد حالة مؤقتة، لكنها استمرت. ومع الوقت، وجد نفسه يبتعد عنها تدريجيًا، لم يعد يبادر بالاقتراب منها كما كان يفعل، بل أصبح ينتظر أن تكون هي من تطلبه، كأنها إشارة منه بأنه لم يعد يقبل بأن يكون طرفًا وحيدًا في تلك العلاقة. كان هذا يزعجه، يثير في داخله ضيقًا لم يعترف به حتى لنفسه، لكنه رغم ذلك لم يتحدث، لم يسألها، فقط اكتفى بالصمت، متجاهلًا ما يحدث، أو ربما متجنبًا سماع إجابة لم يكن مستعدًا لمواجهتها.
في الوقت ذاته، كانت ماسة ترافق سلوى في التحضيرات الأخيرة لزفافها، تتنقل معها بين المتاجر لشراء ما تحتاجه من ملابس وأجهزة منزلية، محاولة أن تشغل نفسها بأي شيء يبعدها عن أفكارها المزدحمة. وبالطبع، لم يكن يُسمح لها بأن تكون بمفردها، الحراس كانوا معها دائمًا، وسليم أيضًا لم يكن يسمح لها بالخروج مع سلوى إلا تحت رقابته، حتى في أكثر اللحظات خصوصية بينهما، كان يشعر بالحاجة إلى أن يكون حاضرًا، مراقبًا، متحكمًا بكل تفصيلة مهما بدت بسيطة.
أما سلوى ومكي، فكانا يعيشان لحظات جميلة، يجهزان فيلتهم، يقضيان وقتًا ممتعًا معًا، وكان يساعدها في دراستها كحجة للبقاء معها أطول وقت ممكن.
وعلى الجانب الآخر، كانت علاقة نيللي ورشدي تتطور، لم تعد مجرد خطة منها، بل تحوّل الأمر إلى مشاعر حقيقية. في الوقت نفسه، كان رشدي يخطو أولى خطواته في الإدمان، لم يكن واضحًا بعد، لكنه كان في طريق لا عودة منه.
أمام بوابة الجامعة الأمريكية الخامسة مساءً
توقفت سيارة سليم الفاخرة، كما تفعل كل يوم. تقدمت ماسة بخطوات هادئة، يرافقها الحارس ومكي صعد السيارة مكي وجلس بجانب السائق. ما إن فتحت ماسة
الباب وجلست بجواره في المقعد الخلفي، حتى لاحظت نظرة مختلفة في عينيه مليئة بالشوق والمحبة تلك النظرة التي طالما نظر بها لها لقطعة السكر خاصته
ماسة، وهي تغلق الباب وتستند إلى المقعد:مساء الخير يا سليم
بلا تفكير، مالت نحوه سريعًا، طبعت قبلة خفيفة على وجنته.
مرر سليم، عينه عليها بابتسامة خافتة: إيه الحلاوة دي عاملة إيه؟
ضحكت ماسة بخفة: تمام الدكتور عمل امتحان مفاجئ بس على مين جبت ٤٨ من ٥٠.
سليم، وهو يخرج بعض الأوراق من جانبه: برافو.. جبتلك الملخصات إللي طلبتيها.
ماسة، وهي تأخذها منه: ميرسي يا حبيبي.
استدارت لتنظر من النافذة، لكن بعد دقائق، عقدت حاجبيها عندما لاحظت أن الطريق لم يكن مألوفًا.
ماسة، باستغراب: إحنا رايحين فين؟ ده مش طريق القصر.
سليم، مسترخيًا، ساقه فوق الأخرى، وذراعه مستند إلى مسند المقعد: عامل لقطعة السكر بتاعتي مفاجأة.
رفعت حاجبها، استدارت إليه بطرف عينها، ثم قالت بفضول ساخر:
قطعة السكر؟ مش ماستك المتمردة يعني؟
ضحك بخفة، ناظرًا إليها بثقة: لا يا ستي، قطعة السكر.. ويا رب تفضلي قطعة سكر كده على طول.
اكتفت بابتسامة، لكنها شعرت ببعض الترقب.
ظلّت تراقب الطريق حتى توقفت السيارة أمام المرسى. هبطا بعد أن فتح لهما الحراس الباب. نظرت حولها بذهول قبل أن تستدير إليه ببطء.
رفعت ماسة عينيها إليه: سليم!!
لم يمنحها فرصة للسؤال، فقط مدّ يده، أخذ يدها برفق، وسحبها معه نحو اليخت الفاخر الذي ينتظرهما.
في تلك اللحظة، كان النيل هادئًا، والسماء ملبدة بالغيوم، كأنها تخبئ مفاجأة لهذه الليلة. عندما صعدت ماسة إلى اليخت، وجدت الأضواء الناعمة تنعكس على المياه، والموسيقى الهادئة تتراقص في الخلفية، تتناغم مع وهج الشموع والبالونات المتناثرة حول الطاولة.
على الطاولة كان يوجد صندوق صغير.
نظرت ماسة للصندوق بفضول استدارت برأسها قليلاً وهي تشير بأصابع يدها تساءلت: ايه ده؟!
تبسم سليم: افتحيه.
فتحته بحماس، لتجد داخله فستانًا أحمر، حريريًا، كأنه صُمم خصيصًا لها.
اقترب منها و توقف خلفها مباشرة: البسيه.. عايز أشوفك بيه.
نظرت إليه بطرف عينها، ثم أخذت الصندوق ودخلت لتبدل ملابسها.
بعد دقائق، خرجت، الفستان ينساب على جسدها بانسيابية، جعل عينيه تتعلقان بها للحظات، رفع حاجبه بانبهار وبابتسامة جميلة…
تقدم نحوها، مدّ يده، أخذ يدها، ثم جذبها إليه، حتى ارتطمت بصدره تبادلا النظرات لحظات بعشق وصمت يخيم عليهما فقط أعينهما تتحدث.
بعين لا ترمش، مرر سليم أصابعه بين خصلات شعرها، فكّه برفق، لينسدل على ظهرها.
بدأ اليخت في التحرك.
أمسك بيدها، أدارها ببطء، يتمايل بها على أنغام الموسيقى
سليم، وهو يلفها بين ذراعيه: بقلنا سنتين ماقضيناش يوم زي ده سوا.
ماسة، بصوت منخفض: اممم.. فات علينا عيد جوازنا وما احتفلناش حتى.
نظر إليها طويلًا، ثم تمتم: مش هانتكلم في ده، صح؟
ماسة، وهي تنظر بعيدًا: أيوه، مش هانتكلم.. مش طالبة نكد.
تبسم نصف ابتسامة بصمت، لكنه لم يُعلّق
بدلًا من ذلك، سحبها أقرب، يُحركها بانسجام مع الإيقاع، يدور بها بخفة، لتنسى قليلًا ما بينهما من مسافات غير مرئية.
بعد لحظات، سألها بهدوء: ها، أخبار أصحابك في الجامعة إيه؟ لسة بيعلقوا؟
ماسة، بإيماءة خفيفة: آه.. دايمًا عندهم تعليقات.
سليم، بتهكم خفيف: وإنتِ بتعملي إيه؟
ماسة، وهي تنظر إليه: بكبر دماغي.
سألته بنفس الهدوء: وإنت شغلك عامل إيه؟
تبسم سليم برقة قال بشوق: محتاج إجازة زي زمان، بين أحضانك وبس.
لم ترد، فقط واصلت الرقص معه، حتى بدأت قطرات المطر تتساقط فجأة.
نظرت للأعلى بانبهار، ثم ابتسمت، تركت يده وتحركت إلى مقدمة اليخت، ترفع يديها، كأنها تستقبل المطر بين ذراعيها.
وقف سليم في مكانه يراقبها، عيناه تتأملانها بنظرة دافئة، قبل أن يسير نحوها ببطء، وكأنه مأخوذ بها من جديد.
عندما استدارت إليه، وجدت نظراته ثابتة عليها، محملة بشيء لم يُقَال.
اقتربت منه، حدقت فيه للحظات، ثم همست:
هو أنا مابقتش أوحشك؟
سليم، بصوت منخفض لكنه عميق: إنتي عارفة.
رفعت ماسة حاجبها بنظرات أنثوية مشتعلة، بإصرار: لا، قولي.
زفر سليم وهو يمرر أصابعه بين خصلاته المبللة:
وحشتيني.. على طول وحشاني. بس..
تقدمت خطوة أخرى، انتظرت أن يُكمل، لكنه تأخر، فرفعت يدها، لمست وجنته برقة:
أمال ليه بقالك كتير بعيد؟ مش إنت إللي كنت بتطلبها؟ دلوقتي دايمًا أنا إللي ببادر.
أمسك سليم بيدها، وضعها على صدره، كأنه يريدها أن تشعر بقلبه، قال بتعب بنبرة متأثرة قليلا:
علشان أنا مابقتش فاهمك.. أوقات كتير ببقى نفسي فيكِ، وحشاني، بس مابقتش عارف لو عملت كده، هاتدهاني بحبك.. ولا كواجب؟ وأنا مابحبش أحس بالإحساس ده، فبقيت بستناكي لما إنتِ تطلبيها مني. أعمل إيه.. مابقتش فاهمك يا ماسة، مش عارف إمتى عايزاني وإمتى لا.. تعبتيني.
صمتت للحظة، تنظر إليه، ثم على غير المتوقع، اقتربت أكثر، يداها تحيطان عنقه، شفتيها تلامسان وجنته، همست عند أذنه:أنا فاهماك.
مررت أصابعها على وجنته ببطء، نظراتها تتلون بمشاعر مختلفة.
همست بصوت ناعم: طب لو أنا إللي عايزاك دلوقتي هتدهاني محبة ولا واجب؟
لم تحتاج إلى إجابة. قرأتها في عينيه
رفعت يدها ببطء، أناملها المرتجفة تلامس وجنته، تتلمس دفء بشرته كأنها تتيقن من وجوده أمامها. شردت للحظة في ملامحه التي حفرتها في قلبها، ثم وقفت على أطراف أصابع قدميها، واقتربت، تطبع قبلة بطيئة على شفتيه، وكأنها تمنحه روحها قبل شفتيها.
تشنجت أصابعه حول خصرها، وكأنه يربطها به أكثر، يُشعرها أن إحساسه لا يقل عن إحساسها. لم تكن قبلة عابرة، بل عناق أرواح تشتعل بلهيب الشوق. تطلعت إليه بعد لحظات، نظراتها غارقة في أنوثة تُذهله، تُفقده السيطرة على كل شيء سوى الرغبة في التعمق داخلها أكثر.
ابتسمت ابتسامة جانبية، ابتسامة أنثى تعرف تمامًا كيف تأسره، ثم سحبت كفه بخفة، تقوده إلى الداخل، وكأنها مغناطيس يجذبه بلا مقاومة. تبعها وهو مأخوذ بها، بعينيها، بملمس يدها، بحرارة أنفاسها التي تسابق خطواتها نحو الغرفة.
أغلقت الباب خلفهما بهدوء، ثم استدارت نحوه، ما زالت تلك النظرة المتوهجة في عينيها، نظرة تثير جنونه. جلسَت على الفراش ببطء، ظهرها مسند إلى الوسائد، أصابعها تعبث بغطاء السرير كأنها تهيئه لمشهد جديد بينهما.
لم يتردد، نزع قميصه وألقاه بلا اكتراث، وعيناه تراقبانها بشغف لا يخفى. تقدم نحوها بخطوات بطيئة، كل تفصيلة منها تدعوه للغرق أعمق، للإلتحام بها أكثر. إنحنى حتى أصبحت أنفاسه تلامس وجنتها، همس بصوت مبحوح مليء بالحنين: وحشتيني.
كان لهذه الكلمة وقع السحر عليها، فقد مر وقت طويل منذ أن كانا قريبين بهذا الشكل، منذ أن شعر بوجودها بين ذراعيه بلا حواجز. كان ينتظر هذه اللحظة بفارغ الصبر، يتحرق شوقًا لها، لكل لمسة، لكل همسة، فكل جزء منه يفتقده بجنون.
أغمضت عينيها لوهلة، ابتلعت ريقها بصعوبة وهي تشعر بلمسته الحارقة على ذراعها، ثم تمتمت بصوت ناعم، خافت لكنه مشحون بكل المشاعر التي لا تحتاج إلى تفسير: وإنت كمان… وحشتني أوي.
لم يمهلها وقتًا أكثر، ضمها إليه بقوة، كأنهما يعيشان لحظة انصهار لا رجعة فيها، كأن كل المسافات التي فرقت بينهما ذابت في هذه اللحظة، كأنهما يحاولان تعويض كل لحظة افتقدا فيها هذا القرب، هذا الجنون، هذا الحب الذي لا ينطفئ.
((بعد أيام))
الجامعة الأمريكية الرابعة مساءً
جلست ماسة مع مجموعة من صديقاتها في ساحة الجامعة، يضحكن ويتحدثن بحماس، قالت ريماس بحماس:
تعالوا نروح ناكل في مطعم البرجر إللي فتح جديد جنب الجامعة، جعانة أوي!
ألين بتأييد: آه، نفسي في البرجر فعلاً.
داليا بحماس: يلا بينا.
ماسة بتلقائية، دون تفكير: لحظة، هستأذن سليم الأول.
ساد صمت لحظي، قبل أن تومئ ريماس بلا اكتراث، بينما تبادلت ألين وداليا نظرات ذات معنى. لم تلحظ ماسة ذلك، فقد كانت قد أخرجت هاتفها وتحركت بضع خطوات بعيدًا عن الطاولة ومكي خلفها، ضغطت على زر الاتصال. لم يطل انتظارها حتى جاءها صوته العميق:
سليم: عشقي، خلصتي؟
ماسة بتردد: اممم .. حبيبي، البنات عايزين نروح ناكل في المطعم إللي جنب الجامعة.
جاء رده سريعًا حاسمًا: لأ، مش هاينفع.
عبست ماسة محاولة ضبط نبرة صوتها حتى لا يبدو انزعاجها جليًا: بس المكان قريب جدًا، يعني حرفيًا على بعد خطوتين.
سليم: قلت لأ يا ماسة.
تنهدت، قلبت شفتيها في محاولة لكبت إحباطها، وقبل أن تغلق الهاتف، امتدت يد مكي ليأخذ منها الهاتف بخفة.
مكي بهدوء: أنا معاها، المكان قريب جدًا، ماتقلقش. هاكل الأكل قبل ما هي تدوقه وهقف على دماغ الطباخ!
جاء صوت سليم صارمًا بلا ذرة تردد: قلت لك لأ. ماتفتحوش الموضوع ده تاني.
أعاد مكي الهاتف إلى يدها وهو يزم شفتيه بأسف، بينما وضعت هي الهاتف في حقيبتها ببطء. استدارت إلى الطاولة، تحاول رسم ابتسامة، لكن عينيها فضحتا شعورًا عميقًا بالخيبة.
ماسة بنبرة خافتة: معلش، مش هقدر أجي معاكم.
ريماس بهمس، وهي تميل نحو داليا: هو بجد إيه الفكرة؟ إحنا مش رايحين آخر الدنيا.
داليا بتنهيدة ساخرة: أصلاً ماسة على طول “أوت”..ودي حاجة معروفة.
رفعت ماسة نظرها إليهما، لم تعلق، فقط زادت من عرض ابتسامتها في محاولة يائسة لتجاهل شعورها بالضيق. وقفت، متظاهرة بتذكر شيء مهم:
ماسة بكذب: معلش، هو قالي إننا معزومين عند حد وكنت ناسية.. يلا، لازم أروح.
ألين بلامبالاة: ماشي، باي باي.
نظرت لمكي، تخفي توترها خلف نبرة هادئة: يلا نروح.
تحركت بجانبه في صمت، خطواتها بطيئة، بينما شعور الانقباض يثقل صدرها. لم يكن الأمر عن “مطعم البرجر”، بل عن شيء آخر تمامًا.. شيء لم تستطع تسميته بعد.
شقة نيللي السابعة مساءً
أجواء خافتة، موسيقى ناعمة في الخلفية، ورائحة الويسكي تعبق في الجو.
كان رشدي يجلس على الأريكة، جسده مسترخٍ لكنه ممتلئ بثمالة،،
في المطبخ الأمريكي كانت نيللي تُعد له كأس الويسكي، تتراقص أصابعها على الزجاج بإغراء.
نيللي بدلال وهي تقلب المشروب قالت بصوت عالٍ: أول كاس على حسابي، والتاني على حسابك.
ضحكت وهي تتقدم نحوه، لكن قبل أن تصل، أضاء هاتفها الموضوع على الطاولة برسالة. لمح رشدي الشاشة دون اهتمام، ثم تلتها رسالة أخرى… ثم ثالثة… ورابعة.
تجمدت عيناه على الشاشة، انعقد حاجباه بانزعاج، ثم مد يده ببطء نحو الهاتف، وكأن جسده يتحرك دون وعي منه. التقطه، فتح الشاشة، وبدأ يقرأ.
الرسائل:
لما رشدي يمشي، خليني أجي لك.
وصل لحد فين؟ خد كام شمة بإرادته؟
لازم تنهيه وتزودي له الجرعة في الحاجات إللي بيشربها وسيبك بقى من حوار حبتيه ده.
اتسعت عيناه، أنفاسه تسارعت، وكأن حرارة جسده انخفضت فجأة. ضغط على الهاتف بقوة، حتى كادت أصابعه تلتصق بالشاشة.
وقف فجأة، يحدق في الهاتف بصدمة، ألتفت ببطء نحو نيللي التي تقترب منه بالكأس، غير مدركة لما اكتشفه.
نيللي بمرح وهي تمد له الكأس: السلطان رشدي الراوي يتفضل…
رفع رشدي عينيه إليها، نظرة مشتعلة بالغضب والخيانة وهو ممسكا بالهاتف.
رشدي بصوت مخنوق بغضب: إيه ده؟
نيللي تطرف بعينيها سريعًا محاولة التظاهر بالهدوء: إيه؟!
اقترب رشدي منها خطوة تهديدية، هدر صوته بقوة : إيه الرسالة دي؟!
عقدت نيللي حاجبيها حاولت مسك الهاتف: إنت إزاي تمسك تليفوني يا رشدي من غير ما تستأذن؟
لم يعد رشدي يرى أمامه سوى الخيانة. فجأة، القي الهاتف بقوى وأمسكها من شعرها يجرها نحوه بعنف، وصدى صرختها يملأ المكان.
رشدي بصوت جهور، وملامح متوحشة: مين إللي زقّك عليّا؟! ها؟! مين إللي بيلعب في دماغك!؟ انطقي يا بنت الكل،ب،.
صرخت نيللي محاولة إبعاده: رشدي إهدى! إنت فاهم غلط!
لكن رشدي لا يسمع كأن الدنيا اسوّدت في عينيه. يده الثانية تهوي على وجهها بصفعة تقيلة، جسمها ترنّح للخلف، لكنه أمسكها مرة أخرى بعنف أكتر، صوته يهز الجدران وهي تصراخ تترجاه ان يرحمها.
كانت عينيه تلمع بجنون وهو يهزها بعنف: أنا رشدي الراوي! واحدة شمال زيّك تضحك عليّا؟! بتلعبي بيا؟!
حاولت نيللي التملص، لكن قبضته كالفولاذ، توالت الصفعات بقوة على وجهها، فتترنح للخلف. وقبل أن تلتقط أنفاسها، دفعها بعنف، رأسها ارتطم بالحائط بصوت مكتوم… ثم سكون.
سقط جسدها على الأرض بلا حراك، عيناها مفتوحتان دون حياة…
تراجع رشدي محدقا في الجسدها، يلهث بأنفاس متسارعة، بينما العرق يتصبب من جبينه. اللحظة السابقة كان يصرخ، والآن أمامه جثة باردة.
ألتفت حوله، كأنه يبحث عن مخرج، لكن المكان خانق، الوقت يتباطأ. أخرج هاتفه بيد مرتعشة، أتصل.
رشدي بصوت متحشرج وهو يلهث: إسماعيل… حصلت مصيبة.
بعد وقت جاء إسماعيل مسرعاً
دق باب الشقة فتح رشدي ودخل إسماعيل، عيناه تحملان برود قاتل. ألقى نظرة خاطفة على الجثة، ثم رفع بصره إلى رشدي الذي كان واقفا في زاوية الغرفة كطفل مذعور.
إسماعيل اقترب ببطء، جلس جلست القرفصاء بجانب نيللي، يدقق في وجهها، ثم رفع عينيه ليتفحص رشدي، كأنما يقيم مستوى غبائه.
اسماعيل بغضب: ليه عملت كدة
كنت بضربها اعمل ايه حد زقها عليا عشان تعلمني الضرب.
اسماعيل نهضت أقترب منه: وقالتك مين
رشدي ملحقتش.
اسماعيل فتلح اكمل بهدوء جليدي: هي بتحط المخدرات بتاعتها فين؟
ابتلع رشدي ريقه بصعوبة، أشار برأسه نحو خزانة صغيرة بجانب المطبخ: هناك.
سحب إسماعيل من جيبه قفازين طبيين، ارتداهما بإتقان، ثم اتجه للخزانة، فتحها و سحب كيسًا صغيرا،أخذ جرعة مناسبة من البودرة البيضاء، ثم عاد لنيللي.
انحنى فوق الجثة، رفع يدها، و وضع البودرة بين أصابعها بطريقة محسوبة، ثم سحب حقنة صغيرة، أفرغها في عروقها بدقة احترافية.
راقب رشدي المشهد في صمت، أنفاسه ثقيلة، بينما يداه ترتجفان.
إسماعيل بصوت هادئ لكنه حاسم: نخليها تبان كأنها ماتت لوحدها. هاتشيل معايا، ولا هاتقعد ترتعش زي النسوان؟
ابتلع رشدي ريقه، هز رأسه بالموافقة، ثم انحنى معه. سحبا الجثة بهدوء، ونقلاها إلى الحمام، وضعاها على الأرضية بجانب المرحاض، بحيث تبدو كأنها فقدت الوعي من الجرعة الزائدة.
مسح إسماعيل آثار الأقدام في الصالة، أعاد ترتيب بعض الأشياء، فحص المكان بعناية ليتأكد أن كل شيء يبدو طبيعيًا.
أخذ رشدي نفسا عميقا، حاول أستعادة قوته، وقف بإستقامة و مسح وجهه.
رشدي بحدة: خلص الموضوع وماحدش يعرف إللي حصل هنا. خليه يفضل سر بيني وبينك .. مفهوم؟
نظر إسماعيل له لحظة، ثم ابتسم ابتسامة باردة، هز رأسه بموافقة.
رشدي بتحذير: لو عرفت إنك حكيت حاجة للباشا أو لسليم هزعلك على ابنك.
اقترب اسماعيل من رشدي قائلا بقوة: أنا بنفذ شغلي وباخد عليه فلوس، لكن تهددني تاني يا رشدي أنا ما بتهددش .. مرر عينه عليه بإستخفاف: عارف يا رشدي إنت مشكلتك حاجة واحدة بتحاول تقلد سليم بس بطريقة سيئة جداً، نصيحة ماتحاولش مرة ثانية.
اقترب رشدي منه بابتسامة قائلا بثقة: وحياتك قريب هاتيجي تعيط في حضني وتقول لي خلينا شركاء علشان نتخلص من سليم، سليم إللي إنت بتدافع عنه ده لو فيه حاجة وقفت قصاد كبريائه أو حاجة تخصه، مراتك وابنك هايكونوا التمن مش حد ثاني وبكرة تقول رشدي قال.
ضحك رشدي بسخرية: سلام اشتغل حلو، علشان حتى لو الباشا عرف أنا مستحيل أتسجن، أنا رشدي الراوي.
خرج رشدي للخارج بدم بارد وترك إسماعيل
داخل سيارة رشدي
جلس رشدي خلف المقود، يُحدّق في الطريق الممتد أمامه دون أن يراه حقًا. سيجارته تتراقص بين أصابعه المرتجفة، والدخان يلتف حوله كخيالات أفكاره المبعثرة.
الاحتمالات تنهش عقله بلا رحمة. إسماعيل قد ينطق، وعزت إن علم فلن يتركه يفلت دون عقاب. أما سليم… فالأمر معه أكثر خطورة. قد يحوله إلى رماد قبل أن تتاح له حتى فرصة الدفاع عن نفسه.
مرر يده على ذقنه، أطلق زفرة طويلة، ثم فجأة، ارتسمت على وجهه ابتسامة خافتة، غامضة، كأنه أخيرًا وجد الحل.
أمام مبنى القصر الراوي التاسعة مساءً
توقفت السيارة عند المدخل. ترجل رشدي منها بخطوات بطيئة، واثقة، رغم أن التوتر يسري في جسده كتيار خفي.
داخل القصر
صعد الدرج وهو يرفع نظره إلى الأعلى بابتسامة غامضة، حتى توقف أمام باب إحدى الغرف.
تردد لثوانٍ، ثم رفع يده وطرق ثلاث دقات بطيئة. وقف في انتباه، عيناه جامدتان، تحملان مزيجًا من الترقب والتحدي.
خيم الصمت على المكان، لم يكن يُسمع سوى صوت دقات قلبه المتسارعة. عيناه تلمعان بهدوء زائف، وابتسامة خفيفة ترتسم على شفتيه، وكأنه يواجه مصيره بثبات..أو بجنون
بعد ثوانٍ، فُتح الباب…

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية الماسة المكسورة)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *