رواية ارناط الفصل الثالث عشر 13 بقلم حور طه
رواية ارناط الفصل الثالث عشر 13 بقلم حور طه
رواية ارناط البارت الثالث عشر
رواية ارناط الجزء الثالث عشر

رواية ارناط الحلقة الثالثة عشر
سحر،همست بصوت خافت، لكنه متماسك:
ــ لسه بتحبها…؟
راهب لم يرفع عينيه نحوها…صوته خرج جامدا:
ــ مش موضوعك…
رفعت سحر يدها، تلامس طرف كمه بخفة…
حركته لم تكن تجرؤ، كانت تختبر:
ــ كلنا جوانا حد بنخاف نخسره…
حتى لو كان ماضي…
راهب،بيده الحرة، أبعد يدها عن كمه دون عنف
لكن بلا تردد، وقال بجمود:
ــ إنتي مش من الماضي…ولا من المستقبل…
سكت لحظة، ثم أضاف:
ــ إنتي حاجة مش عايزها تكون…!
رغم القسوة، لم تتراجع سحر، اقتربت أكثر حتى… تلامس كتفها ذراعه، نظرت له بعينين واسعتين… حابسة أنفاسها، كأنها تراهن على ردة فعله:
ــ ومين قال إني عايزاك تكون ليا؟
رف جفنه لأول مرة، كأنه صدق أو كأنه شكك.
تسرب بينهما صمت ثقيل، صمت أقرب لملامسة قلوبهم الخائفة. لا خطوة للأمام… ولا تراجع للخلف.
راهب التفت عنها أخيرا، وضع الصورة على الكومود بحذر كأنها كنز، وقال دون أن ينظر لها:
ــ إطلعي برا يا سحر…
قبل ما اعمل حاجه انا وانتي هنندم عليها…
سحر ظلت لحظة، عيونها تراقب ظهره…
ثم بخطوات هادئة، خرجت… لكن ابتسامة خفيفة… مرة، شقت شفتيها قبل أن تختفي وراء الباب….!
راهب، بعد خروج سحر من غرفته…
وقف قدام صورة أمه، إحساسه بالوحدة كان خانق..
بص للصورة بعينين مبلولين بالحزن، وكأنها كانت… بتبصله وبتعاتبه من بعيد…
همس بصوت مبحوح:
ــ يمكن لو كنت عرفت مكانك… كنت ارتحت… مشيتي وسيبتي وراكي وجع بيقــ ـــتلني. مع كل طلعت شمس…
دمعة سقطت رغم عنه، مسحها بكفه…
وكمل طريقه لغرفة شهد…
خطواته كانت تقيلة، وقلبه متقلب بين خوف وندم…
فتح الباب بهدوء…
شهد كانت واقفة قدام الشباك…
ضهرها ليه، ساكنة زي ظل حزين…!
وقف يتأملها…حتى لو مش شايفاه…
كان متأكد إنها حاسة بيه…
زي ما طول عمرها بتحس بيه…!
استدار عشان يقفل الباب بهدوء قبل ما تحس بوجوده،
لكن صوتها جه فجأة، مكسـ ــور، ناعم، وجارح:
ــ أنا كنت بثق فيك…كنت بقول إنك ضهري…
وسندي…وإنك عمرك ما هتكســ ـرني…؟
الكلمات خبطت في قلب راهب بقسوة…
كان حاسس بيها بتنــ ـزف من جواه:
ــ أنا لسه ضهرك، ولسه سندك…
مافيش حاجة في الدنيا هتغير ده…!
شهد، من مكانها، وبرغم إنها مش شايفاه…
كانت حاسة بتردده، بتوجعه:
ــ قتــ ـلت سيف…
سكتت لحظة، كأنها بتلملم حزنها…
ثم انفجـــ ـــر صوتها فجأة، مجروح وعالي:
ــ كان جزاؤه المــ ــوت؟ عشان اتجوزني؟
راهب اتنفس بصعوبة… مش لاقي جواب!
شهد، صوتها كان بيرتعش:
ــ كنت اسألني…كنت تضــ ـربني… كنت عاقبني…
بس ليه تاخد روح إنسان…كل ذنبه انه حبني وتجوزني؟…أنا أختك… أنا اللي عمري ما خنتك… وإنت خنت كل حاجة كانت بتربطني بيك…!
خطت خطوة للأمام، كانت بتدور حواليها وهي بتتكلم، مش شايفة، بس عارفة إنه هناك، سامعا وجعها:
ــ خانتني لما ما ادتنيش إيدك تحميني…
لما ما ادتنيش ضهرك عشان أسند عليه…!
راهب قرب منها، صوته طالع من وجع مكتوم:
ــ كان بيكذب عليك… كان بيستغلك…
كنت بحميكي… ما كنتش عايزه يجرحك…!
شهد هزت راسها بوجع:
ــ حتى لو… مش من حقك تقتـ ــله.
مش من حقك تحكم على روحه بالمــ ـوت…
كانت بتحاول تمشي بعيد، اتخبطت في المكتب،
مدت إيدها تتوازن، راهب اندفع عشان يساعدها،
لكنها ضــ ـربت إيده، دفعته بــ ـعنف:
ــ ابعد عني… أنا مش عارفة مين اللي واقف قدامي…
مش شايفة، بس حاسة إنك مش أخويا…
أنت حد غريب… شيطان لابس ملامحه…
راهب وقف عاجز… كل كلمة منها كانت بتطعـــ ـن فيه.
بصوت مبحوح، حاول يتمسك بيها:
ــ مهما حصل، أنا ضهرك يا شهد… حتى لو كرهتيني.
شهد، وهي ماسحة دموعها المرتعشة،
قالت بصوت متحشرج:
ــ أنا مش عايزة ضهر يوجعني…
كنت محتاجاك حضن، مش سكـ ــينة تطعنني…
اتجهت للباب بخطوات متعثرة، بس قوية…
مدت إيدها، لمست الباب، وسحبته بقوة، قفلته في وشه، قفلته على كل حاجة وجعاه.
راهب وقف ساكت قدام الباب المقفول…
حس كأن صدى خطواتها بيخبط في جدران قلبه الفاضي.
سند راسه على الحيطة، والدموع نازلة بدون صوت.
وبصوت مكبوت، قال لنفسه:
ــ سامحيني… يا شهد…!
كان إحساس الوحدة في اللحظة دي…
مش بس إنه واقف لوحده…
ده كان إحساس إنه فقد روحه اللي كانت بتعيش بيه.
شهد ساندت ضهرها على الباب المقفول…
وكأنها بتحاول تحجز وجعها جواه…
نزلت دموعها غصب عنها، كانت بتسحب معاها كل… الذكريات الحلوة اللي كانت شايلها لراهب…
حطت إيديها على وشها، وكان صوت شهقتها مكتوم.. خايفة يسمعها… خايفة يوجعها أكتر…!
ورا الباب، راهب كان واقف…
كأن رجليه اتزرعت في الأرض…
كان سامع شهقاتها اللي بتحاول تخبيها…
كل نفس موجوع منها كان بيخبط في قلبه…
زي سكــ ــاكين…
حط كفه على الباب، لمسه كأنه بيتوسل إنه يفك المسافة اللي فجأة بقت جدار بينه وبينها.
عينه كانت بتنقط دمع وهو بيهمس بصوت مبحوح:
ــ أنا آسف… آسف يا شهد…!
جوه، شهد كانت بتضـ ـرب بكفها على صدرها…
كأنها بتحاول تطرد الألم اللي خنقها…
تتهامس بين نفسها بحسرة:
ــ ليه يا راهب؟ ليه؟
وبره، راهب كان بيكتم صــ ـرخة كان نفسه يطلعها… بس ابتلعها بجوفه المكســ ـور…
كان صمتها جواه أعلى من كل صــ ـرخات الدنيا…
لحظة سكت فيها الاتنين…
كل واحد منهم حابس وجعه في صدره…
الباب كان بين جسدين…
بس القلبين كانوا أبعد من بعض آلاف الأميال…!
شهد نزلت على الأرض، سحبت ركبتيها لحضنها… وشهقت بصوت مكتوم…!
وراها، راهب دار ضهره للباب…
خد خطوة واحدة بعيد…
كأنها كانت أصعب خطوة خطاها في عمره كله…!
وهو ماشي…
كان كل صوت شهقة منها بيقطع حتة من روحه…
بس عارف إنه حتى لو فضل واقف…
حتى لو بكى قدام بابها سنين…
فيه حاجات لما تتكسـ ــر… عمرها ما بتترمم…!!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بعد خمس شهور، وفي شقة عالية الصغيرة…
ولدت ليلى في سرير بسيط…
من غير دكتور، من غير مستشفى…
من غير ورق رسمي، من غير زوج…!
كانت الداية المغربية واقفة جنبهم، ست كبيرة،
وشها ساكن، عدى عليه وجع سنين طويلة،
بس إيديها كانت ثابتة… وحنونة زي حضن أم أول مرة تحضن طفلها.
أول ما صــ ــرخ الطفل…
ضحكت ليلى وهي بتعيط…
ضحكة مخلوطة بدموع…
كأن قلبها بيتشقق علشان يطلع منه روح جديدة…!
عالية قربت منها، مسكت إيدها المرتعشة…
وقالت بصوت هادي وعينها مليانة دموع:
ــ كل ده هيفوت… وأنا مش هسيبك…
|تاني يوم الصبح|
كانوا قاعدين على الأرض، بين مهد الطفل وسرير عالية…السكوت تقيل… خانق…!
فيه سؤال لف حواليهم زي دخان بارد…
مش قادرين يهربوا منه…
عالية، بصوت مكســـ ـور، سألت:
ــ هنسجله باسم مين؟
ليلى ما ردتش على طول…
كانت بتبص للطفل، بتراقب ضافره الصغير بيتحرك
ونفسه الناعم بيروح وييجي…
ولما اتكلمت، صوتها كان هادي…
بس الجــ ـرح كان بيصـ ــرخ جواه:
ــ سجليه باسمك… يا عالية!
أنا مش قادرة أكون موجودة في حياته…
مش هعرف أواجه جدو ورائد بالطفل ده…
عالية شهقت، واتسعت عينيها بصدمة:
ــ إنتي بتقولي إيه؟ ده ابنك!
لما جدو ورائد يعرفوا اللي مريتي بيه، أكيد هيفهموا!
هم،دكاترة ومتعلمين… مش هيسيبوك!
ليلى سكتت!
بصت للطفل تاني، نظرة واحدة طويلة،
كأنها بتحاول تحفظ كل ملامحه قبل ما تبعد:
ــ لو عرفوا إنه ابني… إحنا الاتنين هنتـ ــدمر
هنا في هولندا يمكن الأمور تمشي…
بس لما نرجع مصر؟ أنا مش هعرف أواجه ده…!
عالية فضلت تحاول تقنعها…
قلبها مش قابل إنه يسرق أم من حضن ابنها…
بس ليلى كانت مصممة…
نظرتها خليط بين الرجاء والخوف والاستسلام…
وفي الآخر…
عالية وافقت.
دموعها نازلة بصمت… قلبها بيتكســ ـر حتة حتة!
ومن اليوم ده، اتسجل الطفل:
ــ شادي مصطفى السباعي
على اسم والد عالية.
|في السبوع اللي بعده|
كانت ليلى قاعدة ترضع شادي…
ابتسمت أول ما دخلت عالية…
شايلة كيس هدايا صغير…
عالية، وهي بتضحك:
ــ لفيت نص أمستردام عشان ألاقي مقاس الفصعون ده!
ليلى، وهي بتضحك بحنان:
ــ لو قولتي على ابني فصعون تاني!
هخليه يعلم عليكي!
عالية ضحكت أكتر:
ــ خلاص خلاص! آسفة… دكتور شادي الصغير!
شوف بقى الهدوم دي، هتعجبك؟ولا هنغيرها
ليلى مسكت الهدوم… عينيها لمعت بالفرح:
ــ يا جمالهم يا عالية! تسلمي لي.
مش عارفة من غيرك كنت عملت إيه…
عالية قربت، مسكت إيد ليلى وقبلتها بمحبة:
ــ ما تقوليش كده…
إنتي وشادي جوا عنيا…
وأعمل أي حاجة عشانكم!
ليلى، وهي بتقلب الهدوم، سألت فجأة:
ــ ملك… إيه أخبارها؟ أخدت البحث بتاعي وسكتت…
عالية وجها اتغير، نظرة قلق خفيفة عدت في عينيها:
ــ ملك اختفت خالص من بعد ما خدت البحث…
بحاول أكلمها، تليفونها مقفول.؟
ليلى شدت صدرها فجأة، إحساس بالقلق لف قلبها:
ــ يعني إيه؟!
أخدت البحث واختفت؟
عالية هزت راسها بحزن:
ــ والله العظيم مش عارفة…
لا تليفون،و لا عنوان… كأنها اتبخرت…
ليلى حست ببرد بيسري في عروقها…
كان في حاجة غلط بتحصل…
بس لسه مش قادرة توصل لها…؟؟
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية ارناط)